تفسير الطبري تفسير الصفحة 328 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 328
329
327
 الآية : 72 و 73
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَة وَإِيتَآءَ الزّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ووهبنا لإبراهيـم إسحاق ولدا ويعقوب ولد ولده, نافلةً لك.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله: نافِلَةً فقال بعضهم: عُنـي به يعقوب خاصة. ذكر من قال ذلك:
18648ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً يقول: ووهبنا له إسحاق ولدا, ويعقوب ابْنَ ابنٍ نافلة.
18649ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً والنافلة: ابن ابنه يعقوب.
18650ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً قال: سأل واحدا فقال: ربّ هب لـي من الصالـحين فأعطاه واحدا, وزاده يعقوب ويعقوب ولد ولده.
وقال آخرون: بل عُنـي بذلك إسحاقُ ويعقوب. قالوا: وإنـما معنى النافلة: العطية, وهما جميعا من عطاء الله أعطاهما إياه. ذكر من قال ذلك:
18651ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن جُرَيج, عن عطاء, فـي قوله: وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً قال: عطية.
18652ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً قال: عطاء.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
قال أبو جعفر: وقد بـيّنا فـيـما مضى قبل أن النافلة الفضل من الشيء يصير إلـى الرجل من أيّ شيء كان ذلك, وكلا ولديه إسحاق ويعقوب كان فضلاً من الله تفضل به علـى إبراهيـم وهبة منه له. وجائز أن يكون عنـي به أنه آتاهما إياه جميعا نافلة منه له, وأن يكون عنـي أنه آتاه نافلة يعقوب ولا برهان يدلّ علـى أيّ ذلك الـمراد من الكلام, فلا شيء أولـى أن يقال فـي ذلك مـما قال الله ووهب الله لإبراهيـم إسحاق ويعقوب نافلة.
وقوله: وكُلاّ جَعَلْنا صَالِـحِينَ يعنـي عاملـين بطاعة الله, مـجتنبـين مـحارمه. وعنـي بقوله: كُلاّ: إبراهيـم, وإسحاق, ويعقوب. وقوله: وَجَعَلْناهُمْ أئمّةً يَهْدُونَ بأمْرِنا يقول تعالـى ذكره: وجعلنا إبراهيـم وإسحاق ويعقوب أئمة يؤتـمّ بهم فـي الـخير فـي طاعة الله فـي اتبـاع أمره ونهيه, ويُقْتَدَى بهم, ويُتّبَعون علـيه. كما:
18653ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَجَعَلْناهُمْ أئمّةً يَهْدُونَ بأمْرِنا جعلهم الله أئمة يُقتدى بهم فـي أمر الله. وقوله: يَهْدُونَ بأمْرِنا يقول: يهدون الناس بأمر الله إياهم بذلك, ويدعونهم إلـى الله وإلـى عبـادته.
وقوله: وأوْحَيْنا إلَـيْهِمْ فِعْلَ الـخَيْرَاتِ يقول تعالـى ذكره: وأوحينا فـيـما أوحينا أن افعلوا الـخيرات, وأقـيـموا الصلاة بأمرنا بذلك. وكانُوا لَنا عابِدِينَ يقول: كانوا لنا خاشعين, لا يستكبرون عن طاعتنا وعبـادتنا.
الآية : 74
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الّتِي كَانَت تّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وآتـينا لوطا حُكْما وهو فصل القضاء بـين الـخصوم, وعِلْـما يقول: وآتـيناه أيضا علـما بأمر دينه, وما يجب علـيه لله من فرائضه.
وفـي نصب «لوط» وجهان: (أحدهما) أن ينصب لتعلق الواو بـالفعل كما قلنا: وآتـينا لوطا والاَخر بـمضمر بـمعنى: واذكر لوطا.
وقوله: ونَـجّيْناهُ مِنَ القَرْيَةِ التـي كانَتْ تَعْمَلُ الـخَبـائِثَ يقول: ونـجيناه من عذابنا الذي أحللناه بأهل القرية التـي كانت تعمل الـخبـائث, وهي قرية سَدُوم التـي كان لوط بعث إلـى أهلها. وكانت الـخبـائث التـي يعملونها: إتـيانَ الذكران فـي أدبـارهم, وخَذْفهم الناس, وتضارطهم فـي أنديتهم, مع أشياء أُخَر كانوا يعملونها من الـمُنكر, فأخرجه الله حين أراد إهلاكهم إلـى الشام. كما:
18654ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: أخرجهم الله, يعنـي لوطا وابنتـيه زيثا وزعرثا إلـى الشام حين أراد إهلاك قومه.
وقوله: إنّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فـاسِقِـينَ مخالفـين أمر الله, خارجين عن طاعته وما يَرْضَى من العمل.
الآية : 75
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنّهُ مِنَ الصّالِحِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وأدخـلنا لوطا فـي رحمتنا بـانـجائنا إياه مـما أحللنا بقومه من العذاب والبلاء وإنقاذناه منه. إنّهُ مِنَ الصّالِـحِينَ يقول: إن لوطا من الذين كانوا يعملون بطاعتنا وينتهون إلـى أمرنا ونهينا ولا يعصوننا.
وكان ابن زيد يقول فـي معنى قوله: وأدْخَـلْناهُ فِـي رَحْمَتِنا ما:
18655ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وأدْخَـلْناهُ فِـي رَحْمَتِنا قال: فـي الإسلام.

الآية : 76 و 77
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَنُوحاً إِذْ نَادَىَ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: واذكر يا مـحمد نوحا إذ نادى ربه من قبلك, ومن قبل إبراهيـم ولوط, وسألنا أن نهلك قومه الذين كذّبوا الله فـيـما توعدهم به من وعيده, وكذّبوا نوحا فـيـما أتاهم به من الـحقّ من عند ربه وَقالَ رَبّ لا تَذَرْ عَلـى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا فـاستـجبنا له دعاءه, ونـجّيناه وأهله, يعنـي بأهله: أهل الإيـمان من ولده وحلائلهم مِنَ الكَرْبِ العَظِيـمِ يعنـي بـالكرب العظيـم: العذاب الذي أُحلّ بـالـمكذّبـين من الطوفـان والغرق. والكرب: شدّة الغمّ, يقال منه: قد كربنـي هذا الأمر فهو يكرُبنـي كُرْبـا. وقوله: وَنَصَرْناهُ مِنَ القَوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا بآياتِنا يقول: ونصرنا نوحا علـى القوم الذي كذّبوا بحججنا وأدلتنا, فأنـجيناه منهم, فأغرقناهم أجمعين. إنّهم كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ يقول تعالـى ذكره: إن قوم نوح الذين كذّبوا بآياتنا كانوا قوم سوء, يسيئون الأعمال, فـيعصون الله ويخالفون أمره.
الآية : 78 و 79
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبّحْنَ وَالطّيْرَ وَكُنّا فَاعِلِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: واذكر داود وسلـيـمان يا مـحمد إذ يحكمان فـي الـحرث.
واختلف أهل التأويـل فـي ذلك الـحرث ما كان؟ فقال بعضهم: كان نبتا. ذكر من قال ذلك:
18656ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن إسحاق, عن مرّة فـي قوله: إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ قال: كان الـحرث نبتا.
18657ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد عن قَتادة, قال: ذكر لنا أن غنـم القوم وقعت فـي زرع لـيلاً.
وقال آخرون: بل كان ذلك الـحرث كَرْما. ذكر من قال ذلك:
18658ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا الـمـحاربـيّ, عن أشعث, عن أبـي إسحاق, عن مرّة, عن ابن مسعود, فـي قوله: وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ قال: كَرْم قد أنبت عناقـيده.
18659ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر, قال: أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن أبـي إسحاق, عن مسروق, عن شريح, قال: كان الـحرث كَرْما.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب ما قال الله تبـارك وتعالـى: إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ والـحرث: إنـما هو حرث الأرض. وجائز أن يكون ذلك كان زرعا, وجائز أن يكون غَرْسا, وغير ضائر الـجهل بأيّ ذلك كان.
وقوله: إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ يقول: حين دخـلت فـي هذا الـحرث غنـم القوم الاَخرين من غير أهل الـحرث لـيلاً, فرعته أو أفسدته. وكُنّا لـحِكْمِهِمْ شاهِدِينَ يقول: وكنا لـحكم داود وسلـيـمان والقوم الذين حَكَما بـينهم فـيـما أفسدت غنـم أهل الغنـم من حرث أهل الـحرث, شاهدين لا يخفـى علـينا منه شيء, ولا يغيب عنا علـمه. وقوله: فَفَهّمْناها يقول: ففهّمنا القضية فـي ذلك سُلَـيْـمانَ دون داود. وكُلاّ آتَـيْنا حُكْما وَعِلْـما يقول: وكلهم من داود وسلـيـمان والرسل الذين ذكرهم فـي أوّل هذه السورة آتـينا حكما وهو النبوة, وعلـما: يعنـي وعلـما بأحكام الله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18660ـ حدثنا أبو كريب وهارون بن إدريس الأصمّ قالا: حدثنا الـمـحاربـيّ, عن أشعث, عن أبـي إسحاق, عن مرّة, عن ابن مسعود, فـي قوله: وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ قال: كرم قد أنبت عناقـيده فأفسدته. قال: فقضى داود بـالغنـم لصاحب الكرم, فقال سلـيـمان: غير هذا يا نبـيّ الله قال: وما ذاك؟ قال: يدفع الكرم إلـى صاحب الغنـم فـيقوم علـيه حتـى يعود كما كان, وتُدفع الغنـم إلـى صاحب الكرم فـيصيب منها, حتـى إذا كان الكرم كما كان دَفعت إلـى الكرم صاحبه ودَفعت الغنـم إلـى صاحبها. فذلك قوله: فَفَهّمْناها سُلَـيْـمانَ.
18661ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ... إلـى قوله: وكُنّا لِـحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ يقول: كنا لـمِا حكما شاهدين. وذلك أن رجلـين دخلا علـى داود, أحدهما صاحب حرث والاَخر صاحب غنـم, فقال صاحب الـحرث: إن هذا أرسل غنـمه فـي حرثـي, فلـم يُبق من حرثـي شيئا. فقال له داود: اذهب فإن الغنـم كلها لك فقضى بذلك داود. ومرّ صاحب الغنـم بسلـيـمان, فأخبره بـالذي قضى به داود, فدخـل سلـيـمان علـى داود فقال: يا نبـيّ الله إن القضاء سوى الذي قضيت. فقال: كيف؟ قال سلـيـمان: إن الـحرث لا يخفـي علـى صاحبه ما يخرج منه فـي كل عام, فله من صاحب الغنـم أن يبـيع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتـى يستوفـي ثمن الـحرث, فإن الغنـم لها نسل فـي كلّ عام. فقال داود: قد أصبت, القضاءُ كما قضيتَ. ففهّمها الله سلـيـمان.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن علـيّ بن زيد, قال: ثنـي خـلـيفة, عن ابن عبـاس قال: قضى داود بـالغنـم لأصحاب الـحرث, فخرج الرّعاة معهم الكلاب, فقال سلـيـمان: كيف قضى بـينكم؟ فأخبروه, فقال: لو وافـيت أمركم لقضيت بغير هذا. فأُخبر بذلك داود, فدعاه فقال: كيف تقضي بـينهم؟ قال: أدفع الغنـم إلـى أصحاب الـحرث, فـيكون لهم أولادها وألبـانها وسِلاؤها ومنافعها, ويبذر أصحاب الغنـم لأهل الـحرث مثل حرثهم, فإذا بلغ الـحرث الذي كان علـيه, أخذ أصحاب الـحرث الـحرث وردّوا الغنـم إلـى أصحابها.
18662ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, قال: حدثنا ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـم القَوْمِ قال: أعطاهم داود رقاب الغنـم بـالـحرث, وحكم سلـيـمان بجِزّة الغنـم وألبـانها لأهل الـحرث, وعلـيهم رعايتها علـى أهل الـحرث, ويحرث لهم أهل الغنـم حتـى يكون الـحرث كهيئته يوم أُكل, ثم يدفعونه إلـى أهله ويأخذون غنـمهم.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: ثنـي ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج بنـحوه, إلا أنه قال: وعلـيهم رعيها.
18663ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن إسحاق, عن مرّة فـي قوله: إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ قال: كان الـحرث نبتا, فنفشت فـيه لـيلاً, فـاختصموا فـيه إلـى داود, فقضى بـالغنـم لأصحاب الـحرث. فمرّوا علـى سلـيـمان, فذكروا ذلك له, فقال: لا, تُدفع الغنـم فـيصيبون منها يعنـي أصحاب الـحرث ويقوم هؤلاء علـى حرثهم, فإذا كان كما كان ردّوا علـيهم. فنزلت: ففَهّمْناها سُلَـيْـمانَ.
18664ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر, قال: أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن أبـي إسحاق, عن مسروق, عن شريح, فـي قوله: إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ قال: كان النفْش لـيلاً, وكان الـحرث كرما, قال: فجعل داود الغنـم لصاحب الكرم, قال: فقال سلـيـمان: إن صاحب الكرم قد بقـي له أصل أرضه وأصل كرمه, فـاجعل له أصوافها وألبـانها قال: فهو قول الله: ففَهّمْناها سُلَـيْـمانَ.
18665ـ حدثنا ابن أبـي زياد, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا إسماعيـل, عن عامر, قال: جاء رجلان إلـى شُرَيح, فقال أحدهما: إن شياه هذا قطعت غَزْلاً لـي, فقال شريح: نهارا أم لـيلاً؟ قال: إن كان نهارا فقد برىء صاحب الشياه, وإن كان لـيلاً فقد ضمن. ثم قرأ: وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ قال: كان النفش لـيلاً.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد, عن عامر, عن شريح بنـحوه.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد عن الشعبـيّ, عن شريح, مثله.
18666ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ.... الاَية, النفْش بـاللـيـل, والهَمَل بـالنهار. وذُكر لنا أن غنـم القوم وقعت فـي زرع لـيلاً, فرُفع ذلك إلـى داود, فقضى بـالغنـم لأصحاب الزرع, فقال سلـيـمان: لـيس كذلك, ولكن له نسلها وَرسْلها وعوارضها وجُزازها, حتـى إذا كان من العام الـمقبل كهيئته يوم أكل دفعت الغنـم إلـى ربها وقبض صاحب الزرع زرعه. فقال الله: ففَهّمْناها سُلَـيْـمانَ.
18667ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة والزهري: إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ قال: نفشت غنـم فـي حرث قوم. قال الزهري: والنفش لا يكون إلا لـيلاً, فقضى داود أن يأخذ الغنـم, ففهمها الله سلـيـمان, قال: فلـما أخبر بقضاء داود, قال: لا, ولكن خذوا الغنـم, ولكم ما خرج من رسلها وأولادها وأصوافها إلـى الـحول.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قتادة, فـي قوله: إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ قال: فـي حرث قوم. قال معمر: قال الزهري: النفش لا يكون إلا بـاللـيـل, والهمل بـالنهار. قال قَتادة: فقضي أن يأخذوا الغنـم, ففهمها الله سلـيـمان, ثم ذكر بـاقـي الـحديث نـحو حديث عبد الأعلـى.
18668ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ... الاَيتـين, قال: انفلت غنـم رجل علـى حرث رجل فأكلته, فجاء إلـى داود, فقضى فـيها بـالغنـم لصاحب الـحرث بـما أكلت وكأنه رأى أنه وجه ذلك. فمرّوا بسلـيـمان, فقال: ما قضى بـينكم نبـيّ الله؟ فأخبروه, فقال: ألا أقضي بـينكما عسى أن ترضيا به؟ فقالا: نعم. فقال: أما أنت يا صاحب الـحرث, فخذ غنـم هذا الرجل فكن فـيها كما كان صاحبها, أصب من لبنها وعارضتها وكذا وكذا ما كان يصيب, واحرث أنت يا صاحب الغنـم حرث هذا الرجل, حتـى إذا كان حرثه مثله لـيـلة نفشت فـيه غنـمك فأعطه حرثه وخذ غنـمك فذلك قول الله تبـارك وتعالـى: وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ. وقرأ حتـى بلغ قوله: وكُلاّ آتَـيْنا حُكْما وَعِلْـما.
18669ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس, فـي قوله: إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ قال: رعت.
18670ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: النفش: الرعية تـحت اللـيـل.
18671ـ قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن الزهري, عن حرام بن مـحيصة بن مسعود, قال: دخـلت ناقة للبراء بن عازب حائطا لبعض الأنصار فأفسدته, فرفُع ذلك إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ فقضى علـى البراء بـما أفسدته الناقة, وقال: «عَلـى أصحَابِ الـمَاشِيَةِ حِفْظُ الـمَاشِيَةِ بـاللّـيْـلِ, وَعَلـى أصحَابِ الـحَوَائِطِ حِفْظُ حِيطانِهِمْ بـالنّهارِ».
قال الزهري: وكان قضاء داود وسلـيـمان فـي ذلك أن رجلاً دخـلت ما شيته زرعا لرجل فأفسدته, ولا يكون النفوش إلا بـاللـيـل, فـارتفعا إلـى داود, فقضى بغنـم صاحب الغنـم لصاحب الزرع, فـانصرفـا, فمرّا بسلـيـمان, فقال: بـماذا قضى بـينكما نبـيّ الله؟ فقالا: قضى بـالغنـم لصاحب الزرع. فقال: إن الـحكم لعلـى غير هذا, انصرفـا معي فأتـى أبـاه داود, فقال: يا نبـيّ الله, قضيت علـى هذا بغنـمه لصاحب الزرع؟ قال نعم. قال: يا نبـيّ الله, إن الـحكم لعلـى غير هذا. قال: وكيف يا نُبـيّ الله؟ قال: تدفع الغنـم إلـى صاحب الزرع فـيصيب من ألبـانها وسمُونها وأصوافها, وتدفع الزرع إلـى صاحب الغنـم يقوم علـيه, فإذا عاد الزرع إلـى حالة التـي أصابته الغنـم علـيها رُدّت الغنـم علـى صاحب الغنـم ورُدّ الزرع إلـى صاحب الزرع. فقال داود: لا يقطع الله فَمَك فقضى بـما قضى سلـيـمان. قال الزهريّ: فذلك قوله: وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ... إلـى قوله: حُكْما وَعِلْـما.
18672ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, وعلـيّ بن مـجاهد, عن مـحمد بن إسحاق, قال: فحدثنـي من سمع الـحسن يقول: كان الـحكم بـما قضى به سلـيـمان, ولـم يعنّف الله داود فـي حكمه.
وقوله: وَسَخّرْنا مَعَ دَاوُدَ الـجِبـالَ يُسَبّحْنَ والطّيْرَ يقول تعالـى ذكره: وسخرنا مع داود الـجبـال والطير يسبحن معه إذا سبح.
وكان قَتادة يقول فـي معنى قوله: يُسَبّحْنَ فـي هذا الـموضع ما:
18673ـ حدثنا به بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَسَخّرْنا مَعَ دَاوُدَ الـجبـالَ يُسَبّحْنَ والطّيْرَ: أي يصلـين مع داود إذا صلـى.
وقوله: وكُنّا فـاعِلِـينَ يقول: وكنا قد قضينا أنا فـاعلو ذلك, ومسخروا الـجبـال والطير فـي أمّ الكتاب مع داود علـيه الصلاة والسلام.

الآية : 80
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَعَلّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وعلـمنا داود صنعة لَبوس لكم, واللّبوس عند العرب: السلاح كله, درعا كان أو جَوْشنا أو سيفـا أو رمـحا, يدلّ علـى ذلك قول الهُذلـيّ:
وَمَعِي لَبُوسٌ لِلّبِـيسِ كأنّهُرَوْقٌ بِجَبْهَةِ ذِي نِعاجٍ مُـجْفِلِ
وإنـما يصف بذلك رمـحا. وأما فـي هذا الـموضع فإن أهل التأويـل قالوا: عنـي الدروع. ذكر من قال ذلك:
18674ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَعَلّـمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ.... الاَية, قال: كانت قبل داود صفـائح, قال: وكان أوّل من صنع هذا الـحلق وسرد داود.
حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَعَلّـمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ قال: كانت صفـائح, فأوّل من سَرَدَها وحَلّقها داود علـيه السلام.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: لِتُـحْصِنَكُمْ فقرأ ذلك أكثر قرّاء الأمصار: «لِـيُحْصِنَكُمْ» بـالـياء, بـمعنى: لـيحصنكم اللّبوس من بأسكم, ذَكّروه لتذكير اللّبوس. وقرأ ذلك أبو جعفر يزيد بن القعقاع: لِتُـحْصِنَكُمْ بـالتاء, بـمعنى: لتـحصنكم الصنعة, فأنث لتأنـيث الصنعة. وقرأ شيبة بن نصاح وعاصم بن أبـي النّـجود: «لِنُـحْصِنَكُمْ» بـالنون, بـمعنى: لنـحصنكم نـحن من بأسكم.
قال أبو جعفر: وأولـى القراءات فـي ذلك بـالصواب عندي قراءة من قرأه بـالـياء, لأنها القراءة التـي علـيها الـحجة من قرّاء الأمصار, وإن كانت القراءات الثلاث التـي ذكرناها متقاربـات الـمعانـي وذلك أن الصنعة هي اللبوس, واللّبوس هي الصنعة, والله هو الـمـحصن به من البأس, وهو الـمـحصن بتصيـير الله إياه كذلك. ومعنى قوله: «لِـيُحْصِنَكُمْ» لـيحرزَكم, وهو من قوله: قد أحصن فلان جاريته. وقد بـيّنا معنى ذلك بشواهده فـيـما مضى قبل. والبأس: القتال, وعلّـمنا داود صنعة سلاح لكم لـيحرزكم إذا لبستـموه ولقـيتـم فـيه أعداءكم من القتل.
وقوله: فَهَلْ أنْتُـمْ شاكُرونَ يقول: فهل أنتـم أيها الناس شاكروا الله علـى نعمته علـيكم بـما علّـمكم من صنعة اللبوس الـمـحصِن فـي الـحرب وغير ذلك من نعمه علـيكم, يقول: فـاشكرونـي علـى ذلك.
الآية : 81
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلِسُلَيْمَانَ الرّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرْضِ الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنّا بِكُلّ شَيْءٍ عَالِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَ سخرنا لِسُلَـيْـمانَ بن داود الرّيحَ عاصِفَةً وعصوفُها: شدة هبوبها تَـجْرِي بأمْرِهِ إلـى الأرْضِ التـي بـارَكْنا فِـيها يقول: تـجري الريح بأمر سلـيـمان إلـى الأَرْضِ الّتـي بَـارَكْنا فـيها يعنـي: إلـى الشام وذلك أنها كانت تـجري بسلـيـمان وأصحابه إلـى حيث شاء سلـيـمان, ثم تعود به إلـى منزله بـالشام, فلذلك قـيـل: إلـى الأرْضِ التـي بـارَكْنا فِـيها. كما:
18675ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن بعض أهل العلـم, عن وهب بن منبه قال: كان سلـيـمان إذا خرج إلـى مـجلسه عكفت علـيه الطير, وقام له الـجنّ والإنس حتـى يجلس إلـى سريره. وكان امرءا غزّاءً, قلـما يقعد عن الغزو, ولا يسمع فـي ناحية من الأرض بـملك إلا أتاه حتـى يذله. وكان فـيـما يزعمون إذا أراد الغزو, أمر بعسكره فضَرب له بخشب, ثم نصب له علـى الـخشب, ثم حمل علـيه الناس والدوابّ وآلة الـحرب كلها, حتـى إذا حمل معه ما يريد أمر العاصف من الريح, فدخـلت تـحت ذلك الـخشب فـاحتـملته, حتـى إذا استقلت أمر الرّخاء, فمدّته شهرا فـي روحته وشهرا فـي غدوته إلـى حيث أراد, يقول الله عزّ وجلّ: فَسَخّرْنا لَهُ الرّيحَ تَـجْرِي بأمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أصَابَ قال: وَلِسُلَـيْـمانَ الرّيحَ غُدُوّها شَهْرٌ وَرَوَاحُها شَهْرٌ. قال: فذكر لـي أن منزلاً بناحية دجلة مكتوب فـيه كتاب كتبه بعض صحابة سلـيـمان, إما من الـجنّ وإما من الإنس. نـحن نزلناه وما بنـيناه, ومبنـيّا وجدناه, غدونا من إصطخر فِقلناه, ونـحن راحلون منه إن شاء الله قائلون الشام.
18676ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ولِسُلَـيْـمانَ الرّيحَ عاصِفَةً... إلـى قوله: وكُنّا لَهُمْ حافِظِينَ قال: ورث الله سلـيـمان داود, فورثه نبوّته وملكه وزاده علـى ذلك أن سخر له الريح والشياطين.
18677ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلِسُلَـيْـمانَ الرّيحَ عَاصِفَةً تَـجْرِي بأمْرِهِ قال: عاصفة شديدة تَـجْرِي بأمْرِهِ إلـى الأرْضِ التـي بَـارَكْنا فـيها قال: الشام.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَلِسُلَـيْـمانَ الرّيحَ فقرأته عامة قرّاء الأمصار بـالنصب علـى الـمعنى الذي ذكرناه. وقرأ ذلك عبد الرحمن الأعرج: «الرّيحُ» رفعا بـالكلام فـي سلـيـمان علـى ابتداء الـخبر عن أن لسلـيـمان الريح.
قال أبو جعفر: والقراءة التـي لا أستـجيز القراءة بغيرها فـي ذلك ما علـيه قرّاء الأمصار لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه.
وقوله: وكُنّا بِكُلّ شَيْءٍ عالِـمِينَ يقول: وكنا عالـمين بأن فعلنا ما فعلنا لسلـيـمان من تسخيرنا له وإعطائنا ما أعطيناه من الـملك وصلاح الـخـلق, فعلـى علـم منا بـموضع ما فعلنا به من ذلك فعلنا, ونـحن عالـمون بكلّ شيء لا يخفـي علـينا منه شيء