شرح حديث كتب أبو الدرداء إلى سلمان أما بعد يا أخي فاغتنم صحتك قبل
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
على المُسلِمِ اغْتِنامُ الفُرَصِ في الحَياةِ؛ للعَملِ للآخِرةِ، بمَلْءِ الأوْقاتِ بالطَّاعاتِ؛ لأنَّها عُمرُ الإنْسانِ في الدُّنْيا، وذَخيرتُه في الآخِرةِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي التَّابِعيُّ محمَّدُ بنُ واسِعٍ أنَّ الصَّحابيَّ أبا الدَّرْداءِ رَضيَ اللهُ عنه كَتَب إلى سَلْمانَ الفارِسيِّ يُوصِيه بوَصايا ثَمينةٍ، وفيها مِن الآدابِ العَظيمةِ ما فيها، وقدْ كان هذا دأْبَ الصَّحابةِ رِضْوانُ اللهِ عليهم؛ يَنصَحُ بعضُهم لبَعضٍ، وتُفيدُ بعضُ الرِّواياتِ أنَّ الوَصيَّةَ كانت لابنِه، وقيلَ: وكان سَببُ هذه الوَصيَّةِ أنَّه «بلَغ أبا الدَّرْداءِ أنَّ سَلْمانَ الفارِسيَّ رَضيَ اللهُ تعالى عنه اشْتَرى خادِمًا، فكتَب إليه يُعاتِبُه في ذلك»؛ لأنَّه رَأى أنَّ ذلك منَ التَّمتُّعِ بالحَياةِ الدُّنْيا، فخاف على سَلْمانَ أنْ يَضيعَ أجْرُ أعْمالِه الصَّالحةِ بهذا التَّمتُّعِ، وبَدَأ رِسالتَه بقَولِه: «أمَّا بعدُ، يا أخي»، فناداه بأُخوَّةِ الإسْلامِ ليَفتَحَ البابَ للنُّصحِ، وأنَّه يُشفِقُ عليه، ويُحبُّ له الخَيرَ، ثمَّ بَدَأ وَصيَّتَه بقَولِه: «فاغْتَنِمْ صحَّتَكَ قبْلَ سَقمِكَ»؛ أيِ: اغتَنِمِ الأعْمالَ الصَّالحةَ في الصِّحَّةِ قبْلَ أنْ يَحولَبيْنَكَ وبيْنَها السَّقمُ والمَرضُ، واشتَغِلْ في الصِّحَّةِ بالطَّاعةِ، بحيثُ لو حصَل تَقْصيرٌ في المَرضِ انْجَبرَ بذلك؛ فيَستَفيدُ الإنْسانُ من صحَّتِه ما قدْ يُضعِفُه المَرضُ عنه يومًا ما.
والوَصيَّةُ الثَّانيةُ: أنْ يَستَغِلَّ أوْقاتَ فَراغِه، ويَعمَلَ فيها بالخَيرِ قبْلَ أنْ تَشغَلَه الشَّواغِلُ، كالزَّواجِ، والأوْلادِ، وطلَبِ الرِّزقِ، ونَحوِ ذلك، وقبْلَ أنْ يَنزِلَ به مِنَ البَلاءِ -بقَدَرِ اللهِ- ما لا يَستَطيعُ أحدٌ منَ النَّاسِ ردَّه، مِثلُ المَرضِ الشَّديدِ، أوِ المَوتِ، فهو لا يَقدِرُ أحدٌ على رَدِّه، فعليه أنْ يَغتَنِمَ الأعْمالَ الصَّالحةَ في الحَياةِ قبْلَ أنْ يَحولَ بيْنَه وبيْنَها الموتُ.
ثمَّ أوْصاه أنْ يَغتَنِمَ دَعْوةَ المؤمِنِ المُبْتَلى، وهو الَّذي وقَع في بَلاءٍ؛ لأنَّه يكونُ مُنكسِرَ القَلبِ ببَلائِه، واللهُ سُبحانَه عندَ المُنكَسِرةِ قُلُوبُهم؛ ولأنَّه في وَقتِ ابْتلائِه يكونُ بإيمانِه مَوْصولًا باللهِ أكثَرَ من أيِّ وَقتٍ آخَرَ، ويكونُ ذلك مُقتَرِنًا بطاعاتِه، فيكونُ أقرَبَ إلى اللهِ، وأجْدَرَ أنْ يَقبَلَ اللهُ دَعْوتَه، ويَستَجيبَ له إذا دَعا لنفْسِه أو لغَيرِه، فيَنبَغي أنْ يَغتَنِمَها المؤمِنُ، فيَتقرَّبَ مِن أخيه المؤمِنِ المُبْتَلى، ويَطلُبَ منه أنْ يَدْعوَ له، ويُفهَمُ مِن مَضْمونِ هذا الكَلامِ الحَثُّ على التَّصدُّقِ على المؤمِنِ المُبْتَلى والإحْسانِ إليه؛ فإنَّ ذلك يكونُ سَببًا إلى دُعائِه، وهذا الكَلامُ في غَيرِ المُبْتَلى العاصي ببَلائِه.
ثمَّ أوْصاه بأنْ يكونَ المَسجِدُ بَيتَه؛ وذلك بأنْ يُكثِرَ منَ التَّواجِدِ فيه للصَّلَواتِ المَفْروضةِ وغَيرِها؛ مِنَ التَّعلُّمِ، ووَعظِ النَّاسِ، والقيامِ بتَعْليمِ سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ رَوى أنَّه سَمِع رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: «المَسجِدُ بيْتُ كلِّ تَقيٍّ»؛ أي: مِن شَأنِ المؤمِنِ أنْ يُبادِرَ إلى المَسجِدِ، ويُعاوِدَه، ويُلازِمَه، ويَصونَه كما يَصنَعُ في بَيْتِه.
وفي الحَديثِ: بَيانُ ما كان عليه الصَّحابةُ الكِرامُ منَ التَّواصي بالحَقِّ فيما بيْنَهم.
وفيه: فَضلُ مُلازَمةِ المَسجِدِ، والجُلوسِ فيه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم