شرح حديث
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
لقدْ أكثَرَتِ الفِتْنةُ الكُبْرى أيَّامَ عَليٍّ رضِيَ اللهُ عنهُ الجِراحَ في الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ، ومنها ما يَحْكيهِ التَّابعيُّ كُلثومُ بنُ جَبرٍ في هذا الحَديثِ فيقولُ: "كُنَّا بواسِطِ القَصَبِ" وهي مَدينةٌ أنْشأَها الحجَّاجُ بنُ يُوسُفَ بيْنَ الكُوفةِ والبَصْرةِ، "عِندَ عَبدِ الأعْلى بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عامِرٍ، قالَ: فإذا عِندَهُ رَجُلٌ يُقالُ له: أبو الغاديةِ"، واسمه يَسَارُ بنُ سَبعٍ الجُهَنيُّ، وكان من صَحابةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "استَسْقى ماءً" طلَبَ ماءً لِيَشرَبَ، "فأُتِيَ بإناءٍ مُفضَّضٍ" مُزيَّنٍ أو مُطليٍّ بالفِضَّةِ، "فأبَى أنْ يَشرَبَ" امتَنَعَ عن الشُّربِ من هذا الإناءِ للنَّهيِ الوارِدِ في ذلِكَ، "وذكَرَ أبو الغاديةِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذكَرَ هذا الحَديثَ فأخبَر عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذا الحديثِ الذي يقولُ فيه: "لا تَرجِعوا بَعدي كُفَّارًا، أو ضُلَّالًا -شكَّ ابنُ أبي عَديٍّ- يَضرِبُ بعضُكُم رِقابَ بَعضٍ"، أي: لا تَكُنْ أفعالُكم أفعالَ الكُفَّارِ والضُّلَّالِ فيَضرِبَ بعضُكم رِقابَ بعضٍ، أوْ لا تَتشبَّهوا بالكُفَّارِ والضُّلَّالِ في إقبالِهم على سفْكِ دِماءِ المسلمينَ، واستباحةِ أجسادِهم وأرواحِهم، أو لا يُكَفِّرْ بعضُكُم بعضًا فتَستحِلُّوا القِتالَ، وكُلُّ ذلِك ضَلالٌ بعدَ الهِدايةِ.
قال كُلثومٌ: "فإذا رَجُلٌ يسُبُّ فُلانًا" بمَعْنى أنَّه يقَعُ في عُثْمانَ أمامَ أبي الغاديةِ كما صرَّحَتْ به الرِّواياتُ الأخرى، وهذا الرَّجُلُ هو عمَّارُ بنُ ياسِرٍ رضِيَ اللهُ عنه كما سيَأْتي في نِهايةِ الرِّوايةِ.
قال أبو الغاديةِ رضِيَ اللهُ عنه: "فقُلتُ: واللهِ لَئِنْ أمْكَنَني اللهُ مِنكَ في كَتيبةٍ" يتوعَّدُ عمَّارًا بالقَتلِ، والكَتيبةُ: الطَّائفةُ من الجَيشِ، "فلمَّا كان يَومُ صِفِّينَ إذا أنا به" يعني: أنَّه لَمَّا جاءَ يومُ صِفِّينَ واقتَتلَ المسلِمون في هذه الفِتنةِ العَظيمةِ، وَجَدَ أبو الغاديةِ عمَّارًا أمامَهُ في جَيشِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رضِيَ اللهُ عنه في مَعرَكةِ صِفِّينَ، وهو اسمُ مَوضِعٍ على نَهرِ الفُراتِ كانتْ به المَعرَكةُ المَشْهورةُ الَّتي كانت بيْنَ عَليٍّ ومُعاوِيةَ رضِي اللهُ عنهما، "وعليه دِرْعٌ" وهو لِباسٌ مِن حَديدٍ يُوضَعُ على الصَّدرِ والظَّهرِ؛ للوِقايةِ مِن ضَرَباتِ السُّيوفِ والسِّهامِ والرِّماحِ، "قال: ففَطِنتُ إلى الفَرجةِ في جُرُبَّانِ الدِّرْعِ"، جُرُبَّانُ الدِّرْعِ والقَميصِ: جَيْبُه وفَتحتُه، والفَرْجة -بفتْح الفاء-: التخلُّصُ من الهمِّ، وعليه يكونُ المعنى: رأيتُ أنَّ الذي يُخلِّصني من هَمِّ قتْلِه هو الطعنُ في جُرُبَّان الدَّرعِ.
ويَحتمِل أنْ تكونَ الفُرْجة -بضمِّ الفاءِ- من الانفراجِ، وعليه يكونُ المعنى: تَنبَّهتُ إلى جُزءٍ في جَسَدِ عمَّارٍ غَيرِ مَحْميٍّ من الدِّرْعِ، "فطَعَنتُهُ، فقَتَلتُهُ، فإذا هو عمَّارُ بنُ ياسِرٍ" فأوقَعَ به ما قد توعَّدَهُ به مِنَ القَتْلِ.
قال كُلثومٌ: "قُلتُ: وأيُّ يَدٍ كَفَتاهُ"، أي: أيُّ يَدٍ كيَدِ فتًى، ويَحتمِلُ أنَّ المرادَ باليدِ القويُّ، أي: أيُّ رجلٍ مِثلِك تُراعي الدِّينَ على هذا الوجهِ وقد قتلتَ عمَّارًا الذي وقَع في عُثمانَ، "يَكرهُ أنْ يَشرَبَ في إناءٍ مُفضَّضٍ، وقد قتَلَ عمَّارَ بنَ ياسِرٍ؟" يَستَنكِرُ كُلثومٌ على أبي الغاديةِ أنَّه قتَلَ الصحابيَّ الكريمَ عمَّارًا رضِيَ اللهُ عنه، مع تَورُّعِ أبي الغاديةِ عن الشُّربِ من الإناءِ المُفضَّضِ؛ وذلِكَ أنَّ جُرمَ القَتلِ أكبَرُ بكَثيرٍ من الشُّربِ من الإناءِ، ولا مُقارنةَ أصلًا، وفي رِوايةِ الطبرانيِّ في المُعجَمِ الكبيرِ: أنَّ كُلثومًا قال: فلمْ أرَ رجُلًا أبينَ ضَلالةً عندي منه أنَّه سمِعَ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما سمِعَ، ثُم قتَلَ عمَّارًا"( ).
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم