شرح حديث
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
تَتعدَّدُ صُوَرُ الفِتنِ للإنسانِ؛ فالمالُ فِتنةٌ إذا أبعَدَ صاحِبَه عن طاعةِ اللهِ، والجاهُ والسُّلطانُ فِتنةٌ إذا أعان على الظُّلمِ والبَغيِ وضَياعِ الحُقوقِ، والعِلمُ فِتنةٌ إذا أدَّى إلى غُرورِ صاحِبِه، والدُّنيا كلُّها فِتنةٌ تُسبِّبُ التَّنافُسَ عليها بيْن الناسِ، وفي آخِرِ الزَّمانِ تقَعُ أشدُّ الفِتَنِ، وهي فِتنةُ الدَّجَّالِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لَأنا لَفِتنةِ بَعضِكم أخوَفُ عِندي مِن فِتنةِ الدَّجَّالِ"، المقصودُ بالفِتنةِ: الأمْرُ أو الشَّيءُ الَّذي يَضِلُّ به الإنسانُ ويَزيغُ عن طَريقِ الحقِّ، والمعنى: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحذِّرُ مِن فِتنةٍ هي أشدُّ مِن فِتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ، وهي فِتنةُ بَعضِ النَّاسِ ببَعضٍ، وإضْلالُ بَعضِهم بَعضًا، وقد فُسِّرَ في رِوايةٍ أُخرى عِندَ أحمَدَ: أنَّ المقصودَ ببَعضِ الناسِ همُ الأئمَّةُ المُضِلُّون، فقال: "أخوفُ ما أخافُ على أُمَّتي الأئمَّةُ المُضِلُّون"، وهم رُؤوسُ القومِ وسادتُهم مِن الحُكَّامِ والعُلماءِ، ومَن يَدْعونهم إلى فِعلٍ، أو قَولٍ، أو اعْتِقادٍ باطلٍ، وإلى البِدعةِ المؤدِّيةِ إلى الضَّلالِ؛ وذلك لأنَّ الباعثَ على طاعَتِهم في هَواهُمْ ومُتابَعتِهم في دَعواهم، ما في أيْدِيهم ممَّا جُبِلَت النُّفوسُ على طَلَبِه مِن المالِ والشَّرَفِ، فيَفسَدُ بفَسادِهِم غالِبُ الأُمَّةِ.
وهذا لا يُنافي خَبَرَ: "لا فِتنةَ أعظَمُ مِن فِتنةِ الدَّجَّالِ"؛ لأنَّ قولَه هنا إنَّما قاله لِأصحابِهِ؛ لأنَّ الذي خافَهُ عليهمْ أقرَبُ إليهم مِن الدَّجَّالِ؛ فالقريبُ المتيقَّنُ وُقوعُه، يَشتَدُّ الخوفُ منْه أكثَرَ مِن البَعيدِ المظنونِ وُقوعُه به ولو كان أشَدَّ.
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ولنْ يَنجُوَ أحدٌ ممَّا قبْلَها"، أي: سَلِمَ مِن الفِتَنِ التي تقَعُ قبْلَ فِتنةِ الدَّجَّالِ، "إلَّا نَجا منها" برَحمةِ اللهِ الذي يُسلِمُه مِن فِتنةِ الدَّجَّالِ، "وما صَنَعت"، أي: وقَعَت وحدَثَتْ "فِتنةٌ مِنذُ كانت الدُّنيا"، أي: مِن أوَّلِ خلْقِها مهْما كانت هذه الفِتنةُ، "صَغيرةٌ ولا كَبيرةٌ، إلَّا لِفِتنةِ الدَّجَّالِ"، فكأنَّ الفِتنَ كلَّها مُقدِّماتٌ للفِتنةِ الكُبرى؛ وهي فِتنةُ خُروجِ المسيحِ الدَّجَّالِ، وكلُّ الفِتنِ مهْما عَظُمَت فهي أقلُّ مِن فِتْنتِه.
وقد تَعدَّدت الرِّواياتِ في السُّنةِ مُفسِّرةً ومُفصِّلةً لتلك الفِتنةِ، والدَّجَّالُ في الأصلِ هو الذي يُكثِرُ مِن الكذِبِ والتَّلْبيسِ، ويَخرُجُ آخِرَ الزَّمانِ فيَدَّعي الأُلوهيَّةَ بما أعْطاهُ اللهِ مِن مُعجزاتٍ خارقةٍ تَظهَرُ على يَدِهُ، فيُؤمِنُ به الكثيرُ مِن الناسِ، ويَعصِمُ اللهُ عزَّ وجلَّ عِبادَه المؤمنينَ حتى يَنزِلَ عِيسى ابنُ مَريمَ عليه السَّلامُ فيَقتُلَه.
وفي الحديثِ: أنَّ ضَلالَ العُلماءِ أو الحُكَّامِ أشدُّ خُطورةً على النَّاسِ مِن غَيرِهم.
وفيه: تَحذيرُ الناسِ مِن اتِّباعِ كلِّ ذي جاهٍ، أو سُلطانٍ لِمَكانتِه، وأنَّ عليهم تَحرِّيَ الحقِّ .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم