إني أحدثكم الحديث فليحدث الحاضر منكم الغائب

كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَديدَ الحِرصِ على تَعليمِ أُمَّتِه وإرشادِهم إلى كُلِّ قَولٍ أو فِعلٍ فيه نَفعُهم، ورُبَّما حَضَرَ بَعضُ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وغابَ البَعضُ؛ لِشاغِلٍ شَغَلَه، كسَعيٍ على رِزقٍ أو خُروجٍ في سَفَرٍ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنِّي أُحدِّثُكمُ الحَديثَ" ومَقصودُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُلُّ قَولٍ أو فِعلٍ أو تَقريرٍ مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فلْيُحدِّثِ الحاضِرُ منكمُ الغائِبَ" فكُلُّ مَن حَضَرَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وشَهِدَه عليه أنْ يُبلِّغَ مَن غابَ عن مَجلِسِه بحَديثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِمَا في ذلك مِن عُمومِ الفائِدةِ، وحَديثُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَخلو مِن تَشريعٍ فيه أمْرٌ أو نَهيٌ أو سُنَّةٌ أو فِعلٌ يُندَبُ إليه، أو بَيانُ ما يُباحُ ويُكرَه.
والأمْرُ بالإبلاغِ هو على عُمومِه، فالمُسلِمُ مأمورٌ بإيصالِ العِلْمِ لِغَيرِه، وخُصوصًا لِمَن يَجهَلُه، والمُرادُ بالعِلْمِ هنا: العِلْمُ الشَّرعيُّ.
وفي الصَّحيحَيْنِ مِن حَديثِ أبي بَكرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: "فلْيُبلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ، فرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعى مِن سامِعٍ" فلَعَلَّ بَعضَ مَن يَبلُغُه يَكونُ أكثَرَ وَعيًا وتَفهُّمًا له مِن بَعضِ مَن سَمِعَه.
وفي الحَديثِ: الأمْرُ بإبلاغِ العِلْمِ ونَشرِه على مَن لم يَعرِفْه.