﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾
[ البقرة: 150]

سورة : البقرة - Al-Baqarah  - الجزء : ( 2 )  -  الصفحة: ( 23 )

And from wheresoever you start forth (for prayers), turn your face in the direction of Al-Masjid-al-Haram (at Makkah), and wheresoever you are, turn your faces towards, it (when you pray) so that men may have no argument against you except those of them that are wrong-doers, so fear them not, but fear Me! - And so that I may complete My Blessings on you and that you may be guided.


ومن أى مكان خرجت -أيها النبي- فتوجَّه إلى المسجد الحرام، وحيثما كنتم -أيها المسلمون-، بأي قطر من أقطار الأرض فولُّوا وجوهكم نحو المسجد الحرام؛ لكي لا يكون للناس المخالفين لكم احتجاج عليكم بالمخاصمة والمجادلة، بعد هذا التوجه إليه، إلا أهل الظلم والعناد منهم، فسيظلُّون على جدالهم، فلا تخافوهم وخافوني بامتثال أمري، واجتناب نهيي؛ ولكي أتم نعمتي عليكم باختيار أكمل الشرائع لكم، ولعلكم تهتدون إلى الحق والصواب.

ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا - تفسير السعدي

وقال هنا: { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ }- أي: شرعنا لكم استقبال الكعبة المشرفة, لينقطع عنكم احتجاج الناس من أهل الكتاب والمشركين، فإنه لو بقي مستقبلا بيت المقدس, لتوجهت عليه الحجة، فإن أهل الكتاب, يجدون في كتابهم أن قبلته المستقرة, هي الكعبة البيت الحرام، والمشركون يرون أن من مفاخرهم, هذا البيت العظيم, وأنه من ملة إبراهيم, وأنه إذا لم يستقبله محمد صلى الله عليه وسلم, توجهت نحوه حججهم, وقالوا: كيف يدعي أنه على ملة إبراهيم, وهو من ذريته, وقد ترك استقبال قبلته؟ فباستقبال الكعبة قامت الحجة على أهل الكتاب والمشركين, وانقطعت حججهم عليه.
{ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ }- أي: من احتج منهم بحجة, هو ظالم فيها, وليس لها مستند إلا اتباع الهوى والظلم, فهذا لا سبيل إلى إقناعه والاحتجاج عليه، وكذلك لا معنى لجعل الشبهة التي يوردونها على سبيل الاحتجاج محلا يؤبه لها, ولا يلقى لها بال, فلهذا قال تعالى: { فَلَا تَخْشَوْهُمْ } لأن حجتهم باطلة, والباطل كاسمه مخذول, مخذول صاحبه، وهذا بخلاف صاحب الحق, فإن للحق صولة وعزا, يوجب خشية من هو معه, وأمر تعالى بخشيته, التي هي أصل كل خير، فمن لم يخش الله, لم ينكف عن معصيته, ولم يمتثل أمره.
وكان صرف المسلمين إلى الكعبة, مما حصلت فيه فتنة كبيرة, أشاعها أهل الكتاب, والمنافقون, والمشركون, وأكثروا فيها من الكلام والشبه، فلهذا بسطها الله تعالى, وبينها أكمل بيان, وأكدها بأنواع من التأكيدات, التي تضمنتها هذه الآيات.
منها: الأمر بها, ثلاث مرات, مع كفاية المرة الواحدة، ومنها: أن المعهود, أن الأمر, إما أن يكون للرسول, فتدخل فيه الأمة تبعا, أو للأمة عموما، وفي هذه الآية أمر فيها الرسول بالخصوص في قوله: { فَوَلِّ وَجْهَكَ } والأمة عموما في قوله: { فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ } ومنها: أنه رد فيه جميع الاحتجاجات الباطلة, التي أوردها أهل العناد وأبطلها شبهة شبهة, كما تقدم توضيحها، ومنها: أنه قطع الأطماع من اتباع الرسول قبلة أهل الكتاب، ومنها قوله: { وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } فمجرد إخبار الصادق العظيم كاف شاف, ولكن مع هذا قال: { وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } ومنها: أنه أخبر - وهو العالم بالخفيات - أن أهل الكتاب متقرر عندهم, صحة هذا الأمر, ولكنهم يكتمون هذه الشهادة مع العلم.
ولما كان توليته لنا إلى استقبال القبلة, نعمة عظيمة, وكان لطفه بهذه الأمة ورحمته, لم يزل يتزايد, وكلما شرع لهم شريعة, فهي نعمة عظيمة قال: { وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } فأصل النعمة, الهداية لدينه, بإرسال رسوله, وإنزال كتابه، ثم بعد ذلك, النعم المتممات لهذا الأصل, لا تعد كثرة, ولا تحصر, منذ بعث الله رسوله إلى أن قرب رحيله من الدنيا، وقد أعطاه الله من الأحوال والنعم, وأعطى أمته, ما أتم به نعمته عليه وعليهم, وأنزل الله عليه: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } فلله الحمد على فضله, الذي لا نبلغ له عدا, فضلا عن القيام بشكره، { وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }- أي: تعلمون الحق, وتعملون به، فالله تبارك وتعالى - من رحمته - بالعباد, قد يسر لهم أسباب الهداية غاية التيسير, ونبههم على سلوك طرقها, وبينها لهم أتم تبيين، حتى إن من جملة ذلك أنه يقيض للحق, المعاندين له فيجادلون فيه, فيتضح بذلك الحق, وتظهر آياته وأعلامه, ويتضح بطلان الباطل, وأنه لا حقيقة له، ولولا قيامه في مقابلة الحق, لربما لم يتبين حاله لأكثر الخلق، وبضدها تتبين الأشياء، فلولا الليل, ما عرف فضل النهار، ولولا القبيح, ما عرف فضل الحسن، ولولا الظلمة ما عرف منفعة النور، ولولا الباطل ما اتضح الحق اتضاحا ظاهرا، فلله الحمد على ذلك.

تفسير الآية 150 - سورة البقرة

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد : الآية رقم 150 من سورة البقرة

 سورة البقرة الآية رقم 150

ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا - مكتوبة

الآية 150 من سورة البقرة بالرسم العثماني


﴿ وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيۡكُمۡ حُجَّةٌ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِي وَلِأُتِمَّ نِعۡمَتِي عَلَيۡكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ  ﴾ [ البقرة: 150]


﴿ ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون ﴾ [ البقرة: 150]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة البقرة Al-Baqarah الآية رقم 150 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 150 من البقرة صوت mp3


تدبر الآية: ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا

في الأمر بالتوجُّه شطرَ المسجد الحرام في كلِّ صلاة دعوةٌ إلى توجُّه القلب إلى الله عزَّ وجلَّ في كلِّ حين.
لن تعدَمَ ظالمًا يكذِّب بالحقِّ، ويأبى الإذعانَ لحُجَّته، فلا تذهب نفسُك حسَراتٍ عليه؛ فإنما هو متَّبعٌ هواه، وإنما عليك البلاغ.
إن الذين يردُّون الحقَّ ويستدبرون الحُجَّة، إنما ينساقون مع العِناد واللَّجاج، ولا سبيلَ إلى إسكاتهم، فليُعرض المسلمون عنهم.
قيامك بحقوق ربِّك وواجباته مؤذنٌ بهداية الله لك وإنعامه عليك، فاحذر أن تضيعَ هدايته!

ثم كرر- سبحانه - الأمر للمؤمنين بأن يتجهوا في صلاتهم إلى المسجد الحرام فقال: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.
أى: ومن أى مكان خرجت- يا محمد- فول وجهك تلقاء المسجد الحرام، وأينما كنتم أيها المؤمنون من أرض الله، فولوا وجوهكم في صلاتكم تجاهه ونحوه.
وتلك هي المرة الثالثة التي تكرر فيها الأمر للمؤمنين بالتوجه إلى المسجد الحرام في صلاتهم، وهذا التكرير لتأكيد أمر القبلة وتشديده لأن تحول القبلة كان أول نسخ في الإسلام- كما قال كثير من العلماء- فاقتضى الأمر تأكيده في نفوس المؤمنين حتى يستقر في مشاعرهم، ويذهب ما يثار حولها من شبهات أدراج الرياح، ولأن الله-تبارك وتعالى- أناط بكل واحد من هذه الأوامر الثلاثة بالتحول ما لم ينط بالآخر من أحكام فاختلفت فوائدها، فكأنه- سبحانه - يقول لنبيه- صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين.
الزموا هذه القبلة لأنها هي القبلة التي ترضونها وترغبون فيها وطالما تمنيتموها، والزموها- أيضا- لأنها هي القبلة التي لن تنسخ بعد ذلك.
والزموها- كذلك- لأن لزومكم إياها يقطع حجة اليهود الجاحدين، وغيرهم من المعاندين والخاسرين.
وقد اقترن هذا الأمر الثالث بالتوجه إلى المسجد الحرام في هذه الآية الكريمة بحكم ثلاث.
أولها: قوله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي والمراد من الناس اليهود ومن لف لفهم من المناوئين للدعوة الإسلامية.
والمعنى عليك- أيها النبي- ومن معك من المؤمنين أن تتجهوا في صلاتكم إلى الكعبة المشرفة، لكي تقطعوا دابر فتنة اليهود وحجتهم فقد قالوا لكم وقت اتجاهكم إلى بيت المقدس.
إذا كان لكم أيها المسلمون دين يخالف ديننا فلماذا تتجهون إلى قبلتنا، إلى غير ذلك من أقوالهم الفاسدة فاتجاهكم إلى المسجد الحرام من شأنه أن يزيل هذه الحجة التي قد تبدو مقبولة في نظر ضعاف العقول.
وقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا استثناء من الناس، والمعنى:لئلا يكون لأحد من اليهود حجة عليكم، إلا المعاندين منهم القائلين: ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا حبا لدين قومه، واشتياقا لمكة، وهؤلاء لا تخافون مطاعنهم بل اجعلوا خوفكم منى وحدي ولا تقيموا لما يشاغبون به في أمر القبلة وغيره وزنا، فإنى كفيل أن أرد عنكم كيدهم وأحبط سعيهم، فأنتم، أيها المؤمنون- ما توجهتم إلى بيت المقدس ثم إلى المسجد الحرام إلا بإذن ربكم وأمره، ففي الحالتين أنتم مطيعون لخالقكم- عز وجل -.
وقد أحسن صاحب الكشاف في شرحه للجملة الكريمة، وصرح بأنه يجوز أن يراد بالناس وبالذين ظلموا مشركو العرب فقال:إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا استثناء من الناس، ومعناه: لئلا يكون حجة لأحد من اليهود إلا للمعاندين منهم، القائلين ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه وحبا لبلده، ولو كان على الحق للزم قبلة الأنبياء قبله، فإن قلت: أى حجة كانت تكون للمنصفين منهم لو لم يحول حتى احترز من تلك الحجة، ولم يبال بحجة المعاندين؟.
قلت: كانوا يقولون ما له لا يحول إلى قبلة أبيه إبراهيم كما هو مذكور في نعته في التوراة؟فإن قلت: كيف أطلق اسم الحجة على قول المعاندين؟قلت: لأنهم يسوقونه سياق الحجة، ويجوز أن يكون المعنى: لئلا يكون للعرب عليكم حجة واعتراض في ترككم التوجه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم وإسماعيل أبى العرب إلا الذين ظلموا منهم وهم أهل مكة، حين يقولون بدا له فرجع إلى قبلة آبائه، ويوشك أن يرجع إلى دينهم» .
وثانيها: قوله تعالى: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ أى: ولوا وجوهكم شطر المسجد الحرام لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ولتكون قبلتكم مستقلة عن قبلة اليهود وغيرهم، فالجملة الكريمة معطوفة على قوله-تبارك وتعالى-: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ.
وثالثها: قوله-تبارك وتعالى-: وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أى: ولكي ترشدوا للصواب في كل أموركم فما ضلت عنه الأمم من الحق هديناكم إليه، وخصصناكم به ولهذا كانت أمتكم خير أمة أخرجت للناس.
والجملة الكريمة معطوفة على الجملة السابقة وهي قوله تعالى: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ.
وبذلك تكون الآيات الكريمة التي نزلت في شأن تحويل القبلة إلى المسجد الحرام قد ثبتت المؤمنين، ودحضت كل شبهة أوردها اليهود وغيرهم في هذه المسألة.
خامسا: هذا، وفي ختام هذا المبحث نحب أن نجيب على السؤال الخامس، وهو:لماذا فصل القرآن الكريم الحديث عن تحويل القبلة فنقول:لقد شرع الله-تبارك وتعالى- تحويل القبلة إلى الكعبة بعد أن صلّى المسلمون إلى بيت المقدس فترة من الزمان، وكرر الأمر بتولية الوجوه إلى المسجد الحرام عند الصلاة، وأقام الأدلة الساطعة على أن ذلك التحويل هو الحق، وأتى بألوان من الوعيد لمن لم يتبع أوامره، وساق وجوها من التأكيدات تدل على عناية بالغة بشأنها.
والمقتضى لهذه العناية وذلك التفصيل- مع أن التوجه إليها فرع من فروع الدين- هو أن التحويل من بيت المقدس إلى المسجد الحرام.
كان أول نسخ في الإسلام- كما قال بذلك كثير من العلماء- والنسخ من مظان الفتنة والشبهة وتسويل الشيطان، فاقتضى الأمر بسط الحديث في مسألة القبلة ليزدادوا إيمانا على إيمانهم.
ولأن هذا التحويل- أيضا- جاء على خلاف رغبة اليهود، فإنهم كانوا يحرصون على استمرار المسلمين في التوجه إلى بيت المقدس، لأنه قبلتهم، فلما حصل التحويل إلى المسجد الحرام، اتخذوا منه مادة للطعن في صحة النبوة ليفتنوا ضعفاء العقيدة، وسلكوا لبلبلة أفكار المسلمين كل وسيلة.
فزعموا أن نسخ الحكم بعد شرعه مناف للحكمة، ومباين للعقول، فلا يقع في الشرائع الإلهية، وساقوا من الشبهات والمفتريات ما بينا بعضه عند تفسيرنا للآيات الكريمة.
ويبدو أن شغبهم هذا، كان له آثاره عند ذوى النفوس المريضة وضعاف الإيمان فلهذا كله أخذت مسألة القبلة شأنا غير شأن بقية الأحكام الفرعية، فكان مقتضى الحال أن يكون الحديث عنها مستفيضا، ومدعما بالأدلة والبراهين، وهذا ما راعاه القرآن الكريم عند حديثه عن مسألة القبلة، فلقد قرر وكرر، ووعد وتوعد، ووضح وبين، ليدفع كل شبهة، وليجتث كل حجة، ويزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم، وينهض بضعفاء الإيمان إلى منزلة الراسخين في العلم، ويهوى باليهود ومن حذا حذوهم في مكان سحيق، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وبعد أن أنهى القرآن حديثه عن نعمة تحويل القبلة أتبعه بالحديث عن نعمة جليلة أخرى وهي نعمة إرسال الرسول فيهم لهدايتهم فقال-تبارك وتعالى-:
قوله تعالى : لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم قال مجاهد : هم مشركو العرب .
وحجتهم قولهم : راجعت قبلتنا ، وقد أجيبوا عن هذا بقوله : قل لله المشرق والمغرب .
وقيل : معنى لئلا يكون للناس عليكم حجة لئلا يقولوا لكم : قد أمرتم باستقبال الكعبة ولستم ترونها ، فلما قال عز وجل : وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره زال هذا .
وقال أبو عبيدة : إن " إلا " ها هنا بمعنى الواو ، أي والذين ظلموا ، فهو استثناء بمعنى الواو ، ومنه قول الشاعر [ هو الفرزدق ] :ما بالمدينة دار غير واحدة دار الخليفة إلا دار مرواناكأنه قال : إلا دار الخليفة ودار مروان ، وكذا قيل في قوله تعالى : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون أي الذين آمنوا .
وأبطل الزجاج هذا القول وقال : هذا خطأ عند الحذاق من النحويين ، وفيه بطلان المعاني ، وتكون إلا وما بعدها مستغنى عن ذكرهما .
والقول عندهم أن هذا استثناء ليس من الأول ، أي لكن الذين ظلموا منهم فإنهم يحتجون .
قال أبو إسحاق الزجاج : أي عرفكم الله أمر الاحتجاج في القبلة في قوله : ولكل وجهة هو موليها لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له ، كما تقول : ما لك علي حجة إلا الظلم أو إلا أن تظلمني ، أي ما لك حجة ألبتة ولكنك تظلمني ، فسمى ظلمه حجة لأن المحتج به سماه حجة وإن كانت داحضة .
وقال قطرب : يجوز أن يكون المعنى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا على الذين ظلموا ، فالذين بدل من الكاف والميم في عليكم .
وقالت فرقة : إلا الذين استثناء متصل ، روي معناه عن ابن عباس وغيره ، واختاره الطبري وقال : نفى الله أن يكون لأحد حجة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في استقبالهم الكعبة .
والمعنى : لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة .
حيث قالوا : ما ولاهم ، وتحير محمد في دينه ، وما توجه إلى قبلتنا إلا أنا كنا أهدى منه ، وغير ذلك من الأقوال التي لم تنبعث إلا من عابد وثن أو يهودي أو منافق .
والحجة بمعنى المحاجة التي هي المخاصمة والمجادلة .
وسماها الله حجة وحكم بفسادها حيث كانت من ظلمة .
وقال ابن عطية : وقيل إن الاستثناء منقطع ، وهذا على أن يكون المراد بالناس اليهود ، ثم استثنى كفار العرب ، كأنه قال : لكن الذين ظلموا يحاجونكم ، وقوله منهم يرد هذا التأويل .
والمعنى لكن الذين ظلموا ، يعني كفار قريش في قولهم : رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا كله .
ويدخل في ذلك كل من تكلم في النازلة من غير اليهود .
وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وابن زيد " ألا الذين ظلموا " بفتح الهمزة وتخفيف اللام على معنى استفتاح الكلام ، فيكون الذين ظلموا ابتداء ، أو على معنى الإغراء ، فيكون الذين منصوبا بفعل مقدر .
قوله تعالى : فلا تخشوهم يريد الناس واخشوني الخشية أصلها طمأنينة في القلب تبعث على التوقي .
والخوف : فزع القلب تخف له الأعضاء ، ولخفة الأعضاء به سمي خوفا .
ومعنى الآية التحقير لكل من سوى الله تعالى ، والأمر باطراح أمرهم ومراعاة أمر الله تعالى .
قوله تعالى : ولأتم نعمتي عليكم معطوف على لئلا يكون أي ولأن أتم ، قاله الأخفش .
وقيل : مقطوع في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر ، التقدير : ولأتم نعمتي عليكم عرفتكم قبلتي ، قالهالزجاج .
وإتمام النعمة الهداية إلى القبلة ، وقيل : دخول الجنة .
قال سعيد بن جبير : ولم تتم نعمة الله على عبد حتى يدخله الجنة .
ولعلكم تهتدون تقدم .


شرح المفردات و معاني الكلمات : خرجت , فول , وجهك , شطر , المسجد , الحرام , فولوا , وجوهكم , شطره , للناس , حجة , ظلموا , تخشوهم , واخشوني , ولأتم , نعمتي , تهتدون , المسجد+الحرام , وحيث+ما+كنتم+فولوا+وجوهكم+شطره , فلا+تخشوهم+واخشوني , ولأتم+نعمتي+عليكم+ولعلكم+تهتدون , لعلكم+تهتدون ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين
  2. الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم
  3. كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون
  4. اقتربت الساعة وانشق القمر
  5. بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر
  6. وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون
  7. وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون
  8. فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين
  9. فبأي آلاء ربكما تكذبان
  10. ألا إنهم من إفكهم ليقولون

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Tuesday, December 17, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب