تفسير الطبري تفسير الصفحة 23 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 23
024
022
 الآية : 146
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنّ فَرِيقاً مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
يعنـي جل ثناؤه بقوله: الّذِينَ آتَـيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ أحبـار الـيهود وعلـماء النصارى. يقول: يعرف هؤلاء الأحبـار من الـيهود والعلـماء من النصارى أن البـيت الـحرام قبلتهم وقبلة إبراهيـم وقبلة الأنبـياء قبلك, كما يعرفون أبناءهم. كما:
1754ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة قوله: الّذِينَ آتَـيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْناءَهُمْ يقول: يعرفون أن البـيت الـحرام هو القبلة.
1755ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قول الله عز وجل: الّذِينَ آتَـيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كما يَعْرِفُونَ أبْناءَهُمْ يعنـي القبلة.
1756ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع قوله: الّذِينَ آتَـيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ عرفوا أن قبلة البـيت الـحرام هي قبلتهم التـي أمروا بها, كما عرفوا أبناءهم.
1757ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: الّذِينَ آتَـيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ يعنـي بذلك الكعبة البـيت الـحرام.
1758ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: الّذِينَ آتَـيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ يعرفون الكعبة من قبلة الأنبـياء, كما يعرفون أبناءهم.
1759ـ حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: الّذِينَ آتَـيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ قال: الـيهود يعرفون أنها هي القبلة مكة.
1760ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج فـي قوله: الّذِينَ آتَـيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ قال: القبلة والبـيت.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَإنّ فَريقا مِنْهُمْ لَـيَكْتُـمُونَ الـحَقّ وَهُمْ يَعْلَـمُونَ يقول جل ثناؤه: وإن طائفة من الذين أوتوا الكتاب وهم الـيهود والنصارى. وكان مـجاهد يقول: هم أهل الكتاب.
1761ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو يعنـي البـاهلـي, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد بذلك.
1762ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, مثله.
1763ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, مثله.
قال أبو جعفر: وقوله: لَـيَكْتُـمُونَ الـحَقّ وذلك الـحقّ هو القبلة التـي وجه الله عز وجلّ إلـيها نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم, يقول: فولّ وجهك شطر الـمسجد الـحرام التـي كانت الأنبـياء من قبل مـحمد صلى الله عليه وسلم يتوجهون إلـيها. فكتـمتها الـيهود والنصارى, فتوجه بعضهم شرقا وبعضهم نـحو بـيت الـمقدس, ورفضوا ما أمرهم الله به, وكتـموا مع ذلك أمر مـحمد صلى الله عليه وسلم, وهم يجدونه مكتوبـا عندهم فـي التوراة والإنـجيـل. فأطلع الله عز وجلّ مـحمدا صلى الله عليه وسلم وأمته علـى خيانتهم الله تبـارك وتعالـى, وخيانتهم عبـاده, وكتـمانهم ذلك, وأخبر أنهم يفعلون ما يفعلون من ذلك علـى علـم منهم بأن الـحقّ غيره, وأن الواجب علـيهم من الله جل ثناؤه خلافه فقال: لـيكتـمون الـحقّ وهم يعلـمون أن لـيس لهم كتـمانه, فـيتعمدون معصية الله تبـارك وتعالـى. كما:
1764ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد عن قتادة قوله: وَإنّ فَريقا مِنْهُمْ لَـيَكْتُـمُونَ الـحَقّ وَهُمْ يَعْلَـمُونَ فكتـموا مـحمدا صلى الله عليه وسلم.
1765ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: لَـيَكْتُـمُونَ الـحَقّ وَهُمْ يَعْلَـمُونَ قال: يكتـمون مـحمدا صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبـا عندهم فـي التوراة والإنـجيـل.
1766ـ حدثنا الـمثنى قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: وَإنّ فَرِيقا مِنْهُمْ لَـيَكْتُـمُونَ الـحَقّ وَهُمْ يَعْلَـمُونَ يعنـي القبلة.
الآية : 147
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الْحَقّ مِن رّبّكَ فَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }
يقول الله جل ثناؤه: اعلـم يا مـحمد أن الـحقّ ما أعلـمك ربك وأتاك من عنده, لا ما يقول لك الـيهود والنصارى. وهذا من الله تعالـى ذكره خبر لنبـيه علـيه الصلاة والسلام عن أن القبلة التـي وجهه نـحوها هي القبلة الـحقّ التـي كان علـيها إبراهيـم خـلـيـل الرحمَن, ومن بعده من أنبـياء الله عزّ وجلّ. يقول تعالـى ذكره له: فـاعمل بـالـحقّ الذي أتاك من ربك يا مـحمد ولا تكوننّ من الـمـمترين, يعنـي بقوله: فَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الـمُـمْتَرِينَ أي فلا تكونن من الشاكين فـي أن القبلة التـي وجهتك نـحوها قبلة إبراهيـم خـلـيـلـي علـيه السلام وقبلة الأنبـياء غيره. كما:
1767ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنـي إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قال: قال الله تعالـى ذكره لنبـيه علـيه الصلاة والسلام: الـحَقّ مِنْ رَبّكَ فَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الـمُـمْتَرِينَ يقول: لا تكن فـي شكّ أنها قبلتك وقبلة الأنبـياء من قبلك.
1768ـ حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: فَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الـمُـمْتَرِينَ قال: من الشاكين قال: لا تشكنّ فـي ذلك. والـمـمتري: مفتعل من الـمرية, والـمرية هي الشكّ, ومنه قول الأعشى:
تَدُرّ عَلَـىَ أسْؤُقِ الـمُـمْتَرِيينَ رَكْضا إذَا ما السّرَابُ ارْجَحَنّ
فإن قال لنا قائل: أوَكان النبـيّ صلى الله عليه وسلم شاكا فـي أن الـحقّ من ربه, أو فـي أن القبلة التـي وجهه الله إلـيها حقّ من الله تعالـى ذكره حتـى نهي عن الشكّ فـي ذلك فَقِـيـل لَهُ: فَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الـمُـمْتَرِينَ؟ قـيـل: ذلك من الكلام الذي تـخرجه العرب مخرج الأمر أو النهي للـمخاطب به والـمراد به غيره, كما قال جل ثناؤه: يَا أَيّهَا النّبـيّ اتّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالْـمُنَافِقِـينَ ثم قال: وَاتّبِعْ ما يُوحَىَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ إن اللّهَ كَانَ بِـمَا تَعْمَلُونَ خَبِـيرا فخرج الكلام مخرج الأمر للنبـيّ صلى الله عليه وسلم والنهي له, والـمراد به أصحابه الـمؤمنون به. وقد بـينا نظير ذلك فـيـما مضى قبلُ بـما أغنى عن إعادته.
الآية : 148
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
يعنـي بقوله تعالـى ذكره: ولكلّ ولكل أهل ملة, فحذف أهل الـملة واكتفـى بدلالة الكلام علـيه. كما:
1769ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله عز وجل: وَلِكُلّ وِجْهَةٌ قال: لكل صاحب ملة.
1770ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّـيها فللـيهود وجهة هو مولـيها وللنصارى وجهة هو مولـيها, وهداكم الله عزّ وجل أنتـم أيتها الأمة للقبلة التـي هي قبلته.
1771ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء قوله: وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّـيها؟ قال: لكل أهل دين الـيهود والنصارى. قال ابن جريج: قال مـجاهد: لكل صاحب ملة.
1772ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مَوَلّـيها قال للـيهود قبلة, وللنصارى قبلة, ولكم قبلة. يريد الـمسلـمين.
1773ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: وَلِكُلَ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّـيها يعنـي بذلك أهل الأديان, يقول: لكلّ قبلة يرضونها, ووجهُ الله تبـارك وتعالـى اسمه حيث توجه الـمؤمنون وذلك أن الله تعالـى ذكره قال: فأيْنَـمَا تُوَلّوا فَثَمّ وَجْهُ اللّه إنّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ.
1774ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَلِكُلَ وجْهَةٌ هُوَ مُوَلّـيها يقول: لكل قوم قبلة قد وُلّوها.
فتأويـل أهل هذه الـمقالة فـي هذه الآية: ولكل أهل ملة قبلة هو مستقبلها ومولّ وجهه إلـيها. وقال آخرون بـما:
1775ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّـيها قال: هي صلاتهم إلـى بـيت الـمقدس وصلاتهم إلـى الكعبة.
وتأويـل قائل هذه الـمقالة: ولكل ناحية وجهك إلـيها ربك يا مـحمد قبلة الله عز وجل مولـيها عبـاده. وأما الوجهة فإنها مصدر مثل القِعْدة والـمِشْية من التوجه, وتأويـلها: متوجّه يتوجه إلـيها بوجهه فـي صلاته. كما:
1776ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وجهةٌ قبلة.
1777ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
1778ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: وَلِكُلّ وِجْهَةٌ قال: وجه.
1779ـ حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وجهة: قبلة.
1780ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, قال: قلت لـمنصور: وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّـيها قال: نـحن نقرؤها: ولكلّ جعلنا قبلة يرضونها.
وأما قوله: هُوَ مُوَلّـيها فإنه يعنـي: هو مولّ وجهه إلـيها مستقبلها. كما:
1781ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: هُوَ مُوَلّـيها قال: هو مستقبلها.
1782ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
ومعنى التولـية هَهنا الإقبـال, كما يقول القائل لغيره: انصرف إلـيّ, بـمعنى أقبل إلـيّ والانصراف الـمستعمل إنـما هو الانصراف عن الشيء, ثم يقال: انصرف إلـى الشيء بـمعنى أقبل إلـيه منصرفـا عن غيره. وكذلك يقال: ولـيت عنه: إذا أدبرت عنه, ثم يقال: ولـيت إلـيه بـمعنى أقبلت إلـيه مولـيا عن غيره. والفعل, أعنـي التولـية فـي قوله: هُوَ مُوَلّـيها لل«كلّ» و «هو» التـي مع «مولـيها» هو «الكل» وُحّدت للفظ «الكل».
فمعنى الكلام إذا: ولكل أهل ملة وجهة, الكلّ منهم مولّوها وجوههم.
وقد رُوي عن ابن عبـاس وغيره أنهم قرأوا: «هو مُوَلاّها» بـمعنى أنه موّجه نـحوها, ويكون الكلام حينئذ غير مسمى فـاعله, ولو سمي فـاعله لكان الكلام: ولكل ذي ملة وجهة الله مولـيه إياها, بـمعنى موجهه إلـيها.
وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأ ذلك: وَلِكُلّ وِجْهَةٍ بترك التنوين والإضافة. وذلك لـحن, ولا تـجوز القراءة به, لأن ذلك إذا قرىء كذلك كان الـخبر غير تامّ, وكان كلاما لا معنى له, وذلك غير جائز أن يكون من الله جل ثناؤه.
والصواب عندنا من القراءة فـي ذلك: وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّـيها بـمعنى: ولكلّ وجهة وقبلة, ذلك الكلّ مولّ وجهه نـحوها, لإجماع الـحجة من القراء علـى قراءة ذلك كذلك وتصويبها إياها, وشذوذ من خالف ذلك إلـى غيره. وما جاء به النقل مستفـيضا فحجة, وما انفرد به من كان جائزا علـيه السهو والـخطأ فغير جائز الاعتراض به علـى الـحجة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَـاسْتَبِقُوا الـخَيْرَاتِ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فَـاسْتَبِقُوا فبـادروا وسارعوا, من «الاستبـاق», وهو الـمبـادرة والإسراع. كما:
1783ـ حدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع قوله: فَـاسْتَبِقُوا الـخَيْرَاتِ يعنـي فسارعوا فـي الـخيرات. وإنـما يعنـي بقوله: فَـاسْتَبِقُوا الـخَيْرَاتِ أي قد بـينت لكم أيها الـمؤمنون الـحق وهديتكم للقبلة التـي ضلت عنها الـيهود والنصارى وسائر أهل الـملل غيركم, فبـادروا بـالأعمال الصالـحة شكرا لربكم, وتزوّدوا فـي دنـياكم لأخراكم, فإنـي قد بـينت لكم سبـيـل النـجاة فلا عذر لكم فـي التفريط, وحافظوا علـى قبلتكم, ولا تضيعوها كما ضيعها الأمـم قبلكم فتضلوا كما ضلت كالذي:
1784ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فَـاسْتَبِقُوا الـخَيْراتِ يقول: لا تغلبن علـى قبلتكم.
1785ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: فَـاسْتَبِقُوا الـخَيْرَاتِ قال: الأعمال الصالـحة.
هالقول فـي تأويـل قوله تعالـى: أيْنَـما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعا إنّ اللّهَ عَلَـىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
ومعنى قوله: أيْنَـمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعا فـي أيّ مكان وبقعة تهلكون فـيه يأت بكم الله جميعا يوم القـيامة, إنّ اللّهَ عَلَـىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. كما:
1786ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: أيْنَـمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعا يقول: أينـما تكونوا يأت بكم الله جميعا يوم القـيامة.
1787ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: أيْنَـمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعا يعنـي يوم القـيامة. وإنـما حضّ الله عزّ وجلّ الـمؤمنـين بهذه الآية علـى طاعته والتزوّد فـي الدنـيا للاَخرة, فقال جل ثناؤه لهم: استبقوا أيها الـمؤمنون إلـى العمل بطاعة ربكم, ولزوم ما هداكم له من قبلة إبراهيـم خـلـيـله وشرائع دينه, فإن الله تعالـى ذكره يأتـي بكم وبـمن خالف قبلكم ودينكم وشريعتكم جميعا يوم القـيامة من حيث كنتـم من بقاع الأرض, حتـى يوفـى الـمـحسن منكم جزاءه بإحسانه, والـمسيء عقابه بإساءته, أو يتفضل فـيصفح.
وأما قوله: إنّ اللّهَ عَلَـىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فإنه تعالـى ذكره يعنـي أن الله تعالـى علـى جمعكم بعد مـماتكم من قبوركم من حيث كنتـم وعلـى غير ذلك مـما يشاء قدير, فبـادروا خروج أنفسكم بـالصالـحات من الأعمال قبل مـماتكم لـيوم بعثكم وحشركم.
الآية : 149
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنّهُ لَلْحَقّ مِن رّبّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ }
يعنـي جل ثناؤه بقوله: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ومن أيّ موضع خرجت إلـى أيّ موضع وجهت فولّ يا مـحمد وجهك, يقول: حوّل وجهك. وقد دللنا علـى أن التولـية فـي هذا الـموضع شطر الـمسجد الـحرام, إنـما هي الإقبـال بـالوجه نـحوه وقد بـينا معنى الشطر فـيـما مضى.
وأما قوله: وَإنّهُ لَلْـحَقّ مِنْ رَبّكَ فإنه يعنـي تعالـى ذكره: وإن التوجه شطره للـحقّ الذي لا شك فـيه من عند ربك, فحافظوا علـيه, وأطيعوا الله فـي توجهكم قبله.
وأما قوله: وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ فإنه يقول: فإن الله تعالـى ذكره لـيس بساه عن أعمالكم ولا بغافل عنها, ولكنه مـحصيها لكم حتـى يجازيكم بها يوم القـيامة.
الآية : 150
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجّةٌ إِلاّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلاُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ }
يعنـي بقوله تعالـى ذكره: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الـمَسْجِدِ الـحَرَام: من أيّ مكان وبقعة شخصت فخرجت يا مـحمد, فولّ وجهك تلقاء الـمسجد الـحرام وهو شطره. ويعنـي بقوله: وَحَيْثُ مَا كُنْتُـمْ فَوَلّوا وُجُوهَكُمْ وأينـما كنتـم أيها الـمؤمنون من أرض الله فولوا وجوهكم فـي صلاتكم تـجاهه وقبله وقصده.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَـيْكُمْ حُجّةٌ إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ فَلاَ تَـخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِـي.
فقال جماعة من أهل التأويـل: عنى الله تعالـى بـالناس فـي قوله: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ أهل الكتاب. ذكر من قال ذلك:
1788ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: لِئَلاّ يَكُونَ للنّاسِ عَلَـيْكُمْ حُجّةٌ يعنـي بذلك أهل الكتاب, قالوا حين صرف نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم إلـى الكعبة البـيت الـحرام: اشتاق الرجل إلـى بـيت أبـيه ودين قومه.
1789ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: لِئَلاّ يَكُونَ للنّاسِ عَلَـيْكُمْ حُجّةٌ يعنـي بذلك أهل الكتاب, قالوا حين صرف نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم إلـى الكعبة اشتاق الرجل إلـى بـيت أبـيه ودين قومه.
فإن قال قائل: فأية حجة كانت لأهل الكتاب بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نـحو بـيت الـمقدس علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ قـيـل: قد ذكرنا فـيـما مضى ما رُوي فـي ذلك, قـيـل إنهم كانوا يقولون: ما درى مـحمد وأصحابه أين قبلتهم حتـى هديناهم نـحن, وقولهم: يخالفنا مـحمد فـي ديننا ويتبع قبلتنا فهي الـحجة التـي كانوا يحتـجون بها علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه علـى وجه الـخصومة منهم لهم, والتـمويه منهم بها علـى الـجهال وأهل العناد من الـمشركين. وقد بـينا فـيـما مضى أن معنى حجاج القوم إياه الذي ذكره الله تعالـى ذكره فـي كتابه إنـما هي الـخصومات والـجدال, فقطع الله جل ثناؤه ذلك من حجتهم وحسمه بتـحويـل قبلة نبـيه صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين به من قبلة الـيهود إلـى قبلة خـلـيـله إبراهيـم علـيه السلام, وذلك هو معنى قول الله جل ثناؤه: لِئَلاّ يَكُونَ للنّاسِ عَلَـيْكُمْ حُجّةٌ يعنـي بـالناس: الذين كانوا يحتـجون علـيهم بـما وصفت.
وأما قوله: إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ فإنهم مشركو العرب من قريش فـيـما تأوّله أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
1790ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ قوم مـحمد صلى الله عليه وسلم.
1791ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي, قال: هم الـمشركون, من أهل مكة.
1792ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ يعنـي مشركي قريش.
1793ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, وابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ قال: هم مشركو العرب.
1794ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة قوله: إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ والذين ظلـموا مشركو قريش.
1795ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج عن ابن جريج, قال: قال عطاء: هم مشركو قريش. قال ابن جريج: وأخبرنـي عبد الله بن كثـير أنه سمع مـجاهدا يقول مثل قول عطاء.
فإن قال قائل: وأية حجة كانت لـمشركي قريش علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فـي توجههم فـي صلاتهم إلـى الكعبة؟ وهل يجوز أن يكون للـمشركين علـى الـمؤمنـين حجة فـيـما أمرهم الله تعالـى ذكره به أو نهاهم عنه؟ قـيـل: إن معنى ذلك بخلاف ما توهمت وذهبت إلـيه, وإنـما الـحجة فـي هذا الـموضع الـخصومة والـجدال. ومعنى الكلام: لئلا يكون لأحد من الناس علـيكم خصومة ودعوى بـاطلة, غير مشركي قريش, فإن لهم علـيكم دعوى بـاطلة وخصومة بغير حقّ بقـيـلهم لكم: رجع مـحمد إلـى قبلتنا, وسيرجع إلـى ديننا. فذلك من قولهم وأمانـيهم البـاطلة هي الـحجة التـي كانت لقريش علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن أجل ذلك استثنى الله تعالـى ذكره الذين ظلـموا من قريش من سائر الناس غيرهم, إذ نفـى أن يكون لأحد منهم فـي قبلتهم التـي وجههم إلـيها حجة. وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
1796ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله تعالـى ذكره: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَـيْكُمْ حُجّةٌ إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ قوم مـحمد صلى الله عليه وسلم قال مـجاهد: يقول: حجتهم, قولهم: قد رَاجَعْتَ قبلَتنا.
1797ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله إلا أنه قال قولهم: قد رجعت إلـى قبلتنا.
1798ـ حدثنا الـحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: حدثنا معمر, عن قتادة وابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَـيْكُمْ حُجّةٌ إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ قالا: هم مشركو العرب, قالوا حين صرفت القبلة إلـى الكعبة: قد رجع إلـى قبلتكم فـيوشك أن يرجع إلـى دينكم. قال الله عز وجل: فَلاَ تَـخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِـي.
1799ـ حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة قوله: إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ والذين ظلـموا مشركو قريش, يقول: إنهم سيحتـجون علـيكم بذلك, فكانت حجتهم علـى نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم بـانصرافه إلـى البـيت الـحرام أنهم قالوا سيرجع إلـى ديننا كما رجع إلـى قبلتنا, فأنزل الله تعالـى ذكره فـي ذلك كله.
1800ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, مثله.
1801ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـيـما يذكر عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: لـما صُرف نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم نـحو الكعبة بعد صلاته إلـى بـيت الـمقدس قال الـمشركون من أهل مكة: تـحير علـى مـحمد دينه, فتوجه بقبلته إلـيكم, وعلـم أنكم كنتـم أهدى منه سبـيلاً, ويوشك أن يدخـل فـي دينكم. فأنزل الله جل ثناؤه فـيهم: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَـيْكُمْ حُجّةٌ إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ فَلاَ تَـخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِـي.
1802ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنـي الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: قوله: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَـيْكُمْ حُجّةٌ إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ؟ قال: قالت قريش لـما رجع إلـى الكعبة وأمر بها: ما كان يستغنـي عنا قد استقبل قبلتنا. فهي حجتهم, وهم الذين ظلـموا.
قال ابن جريج: وأخبرنـي عبد الله بن كثـير أنه سمع مـجاهدا يقول مثل قول عطاء, فقال مـجاهد: حجتهم: قولهم رجعت إلـى قبلتنا.
فقد أبـان تأويـل من ذكرنا تأويـله من أهل التأويـل قوله: إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ عن صحة ما قلنا فـي تأويـله وأنه استثناء علـى معنى الاستثناء الـمعروف الذي يثبت فـيهم لـما بعد حرف الاستثناء ما كان منفـيا عما قبلهم, كما أنّ قول القائل: «ما سار من الناس أحد إلا أخوك» إثبـات للأخ من السير ما هو منفـيّ عن كل أحد من الناس, فكذلك قوله: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَـيْكُمْ حُجّةٌ إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ نفـى عن أن يكون لأحد خصومة وجدل قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم, ودعوى بـاطلة علـيه وعلـى أصحابه بسبب توجههم فـي صلاتهم قبل الكعبة, إلا الذين ظلـموا أنفسهم من قريش, فإن لهم قبلهم خصومةً ودعوى بـاطلة بأن يقولوا: إنـما توجهتـم إلـينا وإلـى قبلتنا لأنا كنا أهدى منكم سبـيلاً, وأنكم كنتـم بتوجهكم نـحو بـيت الـمقدس علـى ضلال وبـاطل. وإذ كان ذلك معنى الآية بإجماع الـحجة من أهل التأويـل, فبـيّنٌ خطأ قول من زعم أن معنى قوله: إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ: ولا الذين ظلـموا منهم, وأن «إلا» بـمعنى الواو لأن ذلك لو كان معناه لكان النفـي الأول عن جميع الناس أن يكون لهم حجة علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فـي تـحوّلهم نـحو الكعبة بوجوههم مبـينا عن الـمعنى الـمراد, ولـم يكن فـي ذكر قوله بعد ذلك: إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ إلا التلبـيس الذي يتعالـى عن أن يضاف إلـيه, أو يوصف به. هذا مع خروج معنى الكلام إذا وجهت «إلا» إلـى معنى الواو, ومعنى العطف من كلام العرب, وذلك أنه غير موجودة إلا فـي شيء من كلامها بـمعنى الواو إلا مع استثناء سابق قد تقدمها, كقول القائل: سار القوم إلا عمرا إلا أخاك, بـمعنى: إلا عمرا وأخاك, فتكون «إلا» حينئذ مؤدّية عما تؤدّي عنه الواو لتعلق «إلا» الثانـية ب«إلاّ» الأولـى, ويجمع فـيها أيضا بـين «إلا» والواو, فـيقال: سار القوم إلا عمرا وإلا أخاك, فتـحذف إحداهما فتنوب الأخرى عنها, فـيقال: سار القوم إلا عمرا وأخاك, أو إلا عمرا إلا أخاك, لـما وصفنا قبل. وإذ كان ذلك كذلك فغير جائز لـمدّع من الناس أن يدعي أن «إلا» فـي هذا الـموضع بـمعنى الواو التـي تأتـي بـمعنى العطف. وواضح فساد قول من زعم أن معنى ذلك: إلا الذين ظلـموا منهم فإنهم لا حجة لهم فلا تـخشوهم, كقول القائل فـي كلامه: الناس كلهم لك حامدون إلا الظالـم الـمعتدي علـيك, فإن ذلك لا يعتدّ بعداوته ولا بتركه الـحمد لـموضع العداوة. وكذلك الظالـم لا حجة له, وقد سمي ظالـما لإجماع جميع أهل التأويـل علـى تـخطئة ما ادّعى من التأويـل فـي ذلك. وكفـى شاهدا علـى خطأ مقالته إجماعهم علـى تـخطئتها. وظاهر بطلان قول من زعم أن الذين ظلـموا هَهنا ناس من العرب كانوا يهودا ونصارى, فكانوا يحتـجون علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فأما سائر العرب فلـم تكن لهم حجة, وكانت حجة من يحتـجّ منكسرة لأنك تقول لـمن تريد أن تكسر علـيه حجته: إن لك علـيّ حجة, ولكنها منكسرة, وإنك لتـحتـجّ بلا حجة, وحجتك ضعيفة. ووجّه معنى: إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ إلـى معنى: إلا الذين ظلـموا منهم من أهل الكتاب, فإن لهم علـيكم حجة واهية أو حجة ضعيفة. ووَهْيُ قول من قال: «إلا» فـي هذا الـموضع بـمعنى «لكن», وضَعْفُ قول من زعم أنه ابتداء بـمعنى: إلا الذين ظلـموا منهم فلا تـخشوهم لأن تأويـل أهل التأويـل جاء فـي ذلك بأن ذلك من الله عز وجل خبر عن الذين ظلـموا منهم أنهم يحتـجون علـى النبـي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بـما قد ذكرنا, ولـم يقصد فـي ذلك إلـى الـخبر عن صفة حجتهم بـالضعف ولا بـالقوّة وإن كانت ضعيفة لأنها بـاطلة وإنـما قصد فـيه الإثبـات للذين ظلـموا ما قد نفـى عن الذين قبل حرف الاستثناء من الصفة.
1803ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, قال: قال الربـيع: إن يهوديا خاصم أبـا العالـية فقال: إن موسى علـيه السلام كان يصلـي إلـى صخرة بـيت الـمقدس, فقال أبو العالـية: كان يصلـي عند الصخرة إلـى البـيت الـحرام. قال: قال: فبـينـي وبـينك مسجد صالـح, فإنه نـحته من الـجبل. قال أبو العالـية: قد صلـيت فـيه وقبلته إلـى البـيت الـحرام. قال الربـيع: وأخبرنـي أبو العالـية أنه مرّ علـى مسجد ذي القرنـين وقبلته إلـى الكعبة.
وأما قوله: فَلاَ تَـخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِـي يعنـي فلا تـخشوا هؤلاء الذين وصفت لكم أمرهم من الظّلَـمة فـي حجتهم وجدالهم وقولهم ما يقولون من أن مـحمدا صلى الله عليه وسلم قد رجع إلـى قبلتنا وسيرجع إلـى ديننا, أو أن يقدروا لكم علـى ضرّ فـي دينكم أو صدّكم عما هداكم الله تعالـى ذكره له من الـحق ولكن اخشونـي, فخافوا عقابـي فـي خلافكم أمري إن خالفتـموه. وذلك من الله جل ثناؤه تقدّمٌ إلـى عبـاده الـمؤمنـين بـالـحضّ علـى لزوم قبلتهم والصلاة إلـيها, وبـالنهي عن التوجه إلـى غيرها. يقول جل ثناؤه: واخشونـي أيها الـمؤمنون فـي ترك طاعتـي فـيـما أمرتكم به من الصلاة شطر الـمسجد الـحرام. وقد حكي عن السدي فـي ذلك ما:
1804ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي: فَلاَ تَـخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِـي يقول: لا تـخشوا أن أردكم فـي دينهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلاِتِـمّ نِعْمَتِـي عَلَـيْكُمْ وَلَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ.
يعنـي بقوله جل ثناؤه: وَلاِتِـمّ نِعْمَتِـي عَلَـيْكُمْ: ومن حيث خرجت من البلاد والأرض إلـى أيّ بقعة شخصت فولّ وجهك شطر الـمسجد الـحرام, وحيث كنت يا مـحمد والـمؤمنون, فولوا وجوهكم فـي صلاتكم شطره, واتـخذوه قبلة لكم, كيلا يكون لأحد من الناس سوى مشركي قريش حجة, ولأتـمّ بذلك من هدايتـي لكم إلـى قبلة خـلـيـلـي إبراهيـم علـيه السلام الذي جعلته إماما للناس نعمتـي فأكمل لكم به فضلـي علـيكم, وأتـمـم به شرائع ملتكم الـحنـيفـية الـمسلـمة التـي وصيت بها نوحا وإبراهيـم وموسى وعيسى وسائر الأنبـياء غيرهم. وذلك هو نعمته التـي أخبر جل ثناؤه أنه متـمّها علـى رسوله صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين به من أصحابه.
وقوله: وَلَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ يعنـي: وكي ترشدوا للصواب من القبلة. ولَعَلّكُمْ عطف علـى قوله: وَلاِتِـمّ نِعْمَتِـي عَلَـيْكُمْ وَلأتـمّ نعمتـي علـيكم عطف علـى قوله لئلا يكون.
الآية : 151
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكّيكُمْ وَيُعَلّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلّمُكُم مّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }
يعنـي بقوله جل ثناؤه: كَمَا أرْسَلْنَا فِـيكُمْ رَسُولاً ولأتـمّ نعمتـي علـيكم ببـيان شرائع ملتكم الـحنـيفـية, وأهديكم لدين خـلـيـلـي إبراهيـم علـيه السلام, وأجعل لكم دعوته التـي دعانـي بها ومسألته التـي سألنـيها فقال: رَبّنا وَاجْعَلْنَا مُسْلِـمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرّيّتِنَا أُمّةً مُسْلِـمَةً لَكَ وأرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَـيْنَا إنّكَ أنْتَ التّوّابُ الرّحيـمُ كما جعلت لكم دعوته التـي دعانـي بها ومسألته التـي سألنـيها, فقال: رَبّنَا وَابْعَثْ فِـيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَـيْهِمْ آيَاتِكَ ويُعَلّـمُهُمُ الكِتَابَ والـحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الـحَكِيـم فـابتعثت منكم رسولـي الذي سألنـي إبراهيـم خـلـيـلـي وابنه إسماعيـل أن أبعثه من ذرّيتهما. ف«كما» إذ كان ذلك معنى الكلام صلة لقول الله عز وجل: وَلأُتِـمّ نِعْمَتِـي عَلَـيْكُمْ ولا يكون قوله: كَمَا أرْسَلْنَا فِـيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ متعلقا بقوله: فَـاذْكُرُونِـي أذْكُرْكُمْ.
وقد قال قوم: إن معنى ذلك: فـاذكرونـي كما أرسلنا فـيكم رسولاً منكم أذكركم. وزعموا أن ذلك من الـمقدّم الذي معناه التأخير, فأغرقوا النزع, وبعدوا من الإصابة, وحملوا الكلام علـى غير معناه الـمعروف وسوى وجهه الـمفهوم. وذلك أن الـجاري من الكلام علـى ألسن العرب الـمفهوم فـي خطابهم بـينهم إذا قال بعضهم لبعض: «كما أحسنت إلـيك يا فلان فأحسن» أن لا يشترطوا للاَخر, لأن الكاف فـي «كما» شرط معناه: افعل كما فعلت, ففـي مـجيء جواب: اذْكُرُونِـي بعده وهو قوله: أذْكُرْكُمْ أوضح دلـيـل علـى أن قوله: كَمَا أرْسَلْنَا من صلة الفعل الذي قبله, وأن قوله: اذْكُرُونِـي أذْكُرْكُمْ خبر مبتدأ منقطع عن الأول, وأنه من سبب قوله: كَمَا أرْسَلْنَا فِـيكُمْ بـمعزل.
وقد زعم بعض النـحويـين أن قوله: فَـاذْكُرُونِـي إذا جعل قوله: كَمَا أرْسَلْنَا فِـيكُمْ جوابـا له مع قوله: أذْكُرْكُمْ نظير الـجزاء الذي يجاب بجوابـين, كقول القائل: إذا أتاك فلان فأته ترضه, فـيصير قوله «فأته» و «ترضه» جوابـين لقوله: إذا أتاك, وكقوله: إن تأتنـي أحسن إلـيك أكرمك. وهذا القول وإن كان مذهبـا من الـمذاهب, فلـيس بـالأسهل الأفصح فـي كلام العرب. والذي هو أولـى بكتاب الله عزّ وجل أن يوجه إلـيه من اللغات الأفصح الأعرف من كلام العرب دون الأنكر الأجهل من منطقها هذا مع بعد وجهه من الـمفهوم فـي التأويـل.
ذكر من قال: إن قوله: كَمَا أرْسَلْنَا جواب قوله: فـاذْكُرُونِـي.
1805ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, قال: سمعت ابن أبـي نـجيح يقول فـي قول الله عز وجل: كَمَا أرْسَلْنَا فِـيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ كما فعلت فـاذكرونـي.
1806ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
قوله: كَمَا أرْسَلْنَا فِـيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ فإنه يعنـي بذلك العرب, قال لهم جل ثناؤه: الزموا أيها العرب طاعتـي, وتوجهوا إلـى القبلة التـي أمرتكم بـالتوجه إلـيها, لتنقطع حجة الـيهود عنكم, فلا تكون لهم علـيكم حجة, ولأتـمّ نعمتـي علـيكم وتهتدوا, كما ابتدأتكم بنعمتـي فأرسلت فـيكم رسولاً إلـيكم منكم, وذلك الرسول الذي أرسله إلـيهم منهم مـحمد صلى الله عليه وسلم. كما:
1807ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: كَمَا أرْسَلْنَا فِـيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يعنـي مـحمدا صلى الله عليه وسلم.
وأما قوله: يَتْلُو عَلَـيْكُمْ آيَاتِنَا فإنه يعنـي آيات القرآن, وبقوله: وَيُزَكّيكُمْ ويطهركم من دنس الذنوب, وَيُعَلّـمُكُمُ الْكِتَابَ وهو الفرقان, يعنـي أنه يعلـمهم أحكامه, ويعنـي بـالـحكمة: السنن والفقه فـي الدين. وقد بـينا جميع ذلك فـيـما مضى قبل بشواهده.
وأما قوله: وَيُعَلّـمُكُمْ مَا لَـمْ تَكُونُوا تَعْلَـمُونَ فإنه يعنـي: ويعلـمكم من أخبـار الأنبـياء, وقصص الأمـم الـخالـية, والـخبر عما هو حادث وكائن من الأمور التـي لـم تكن العرب تعلـمها, فعلـموها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبرهم جل ثناؤه أن ذلك كله إنـما يدركونه برسوله صلى الله عليه وسلم.
الآية : 152
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَاذْكُرُونِيَ أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: فـاذكرونـي أيها الـمؤمنون بطاعتكم إياي فـيـما آمركم به وفـيـما أنهاكم عنه, أذكركم برحمتـي إياكم ومغفرتـي لكم. كما:
1808ـ حدثنا ابن حميد قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن ابن لهيعة, عن عطاء بن دينار, عن سعيد بن جبـير: اذْكُرُونِـي أذْكُرْكُمْ قال: اذكرونـي بطاعتـي, أذكركم بـمغفرتـي.
وقد كان بعضهم يتأوّل ذلك أنه من الذكر بـالثناء والـمدح. ذكر من قال ذلك:
1809ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: فـاذْكُرُونِـي أذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لـي وَلاَ تَكْفُرُون إن الله ذاكرُ من ذكره, وزائدُ من شكره, ومعذّبُ من كفره.
1810ـ حدثنـي موسى قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: اذْكُرُونِـي أذْكُرْكُمْ قال: لـيس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله, لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمة, ولا يذكره كافر إلا ذكره بعذاب.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاشْكُرُوا لِـي وَلاَ تَكْفُرُونِ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: اشكروا لـي أيها الـمؤمنون فـيـما أنعمت علـيكم من الإسلام والهداية للدين الذي شرعته لأنبـيائي وأصفـيائي وَلاَ تَكْفُرُونِ يقول: ولا تـجحدوا إحسانـي إلـيكم, فأسلبكم نعمتـي التـي أنعمت علـيكم, ولكن اشكروا لـي علـيها, وأزيدكم, فأتـمـم نعمتـي علـيكم, وأهديكم لـما هديت له من رضيت عنه من عبـادي, فإنـي وعدت خـلقـي أن من شكر لـي زدته, ومن كفرنـي حرمته وسلبته ما أعطيته. والعرب تقول: نصحت لك وشكرت لك, ولا تكاد تقول نصحتك, وربـما قالت شكرتك ونصحتك, من ذلك قول الشاعر:
هُمُ جَمَعُوا بُؤسى ونُعْمَى عَلَـيْكُمُفَهَلاّ شَكَرْتَ القَوْمَ إنْ لَـمْ تُقَاتِلِ
وقال النابغة فـي «نصحتك»:
نَصَحْتُ بَنِـي عَوْفٍ فَلَـمْ يَتَقَبّلُوارَسُولِـي ولَـمْ تَنْـجَحْ لَدَيْهِمْ وَسَائِلِـي
وقد دللنا علـى أن معنى الشكر: الثناء علـى الرجل بأفعاله الـمـحمودة, وأن معنى الكفر تغطية الشيء, فـيـما مضى قبل فأغنى ذلك عن إعادته هَهنا.
الآية : 153
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَآأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصّبْرِ وَالصّلاَةِ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ }
وهذه الآية حضّ من الله تعالـى ذكره علـى طاعته واحتـمال مكروهها علـى الأبدان والأموال, فقال: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بـالصبر والصلاة علـى القـيام بطاعتـي وأداء فرائضي فـي ناسخ أحكامي والانصراف عما أنسخه منها إلـى الذي أحدثه لكم من فرائضي وأنقلكم إلـيه من أحكامي, والتسلـيـم لأمري فـيـما آمركم به فـي حين إلزامكم حكمه, والتـحوّل عنه بعد تـحويـلـي إياكم عنه, وإن لـحقكم فـي ذلك مكروه من مقالة أعدائكم من الكفـار بقذفهم لكم البـاطل, أو مشقة علـى أبدانكم فـي قـيامكم به أو نقص فـي أموالكم, وعلـى جهاد أعدائكم وحربهم فـي سبـيـلـي, بـالصبر منكم لـي علـى مكروه ذلك ومشقته علـيكم, واحتـمال عنائه وثقله, ثم بـالفزع منكم فـيـما ينوبكم من مفظعات الأمور إلـى الصلاة لـي, فإنكم بـالصبر علـى الـمكاره تدركون مرضاتـي, وبـالصلاة لـي تستنـجحون طلبـاتكم قبلـي وتدركون حاجاتكم عندي, فإنـي مع الصابرين علـى القـيام بأداء فرائضي وترك معاصيّ, أنصرهم وأرعاهم وأكلؤهم حتـى يظفروا بـما طلبوا وأمّلوا قِبَلـي وقد بـينت معنى الصبر والصلاة فـيـما مضى قبل فكرهنا إعادته. كما:
1811ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية فـي قوله: وَاسْتَعِينُوا بـالصّبْرِ والصّلاةِ يقول: استعينوا بـالصبر والصلاة علـى مرضاة الله, واعلـموا أنهما من طاعة الله.
1812ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بـالصّبْرِ والصّلاةِ اعلـموا أنهما عون علـى طاعة الله.
وأما قوله: إنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ فإن تأويـله: فإن الله ناصره وظهيره وراض بفعله, كقول القائل: افعل يا فلان كذا وأنا معك, يعنـي إنـي ناصرك علـى فعلك ذلك ومعينك علـيه