﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾
[ النساء: 34]

سورة : النساء - An-Nisa  - الجزء : ( 5 )  -  الصفحة: ( 84 )

Men are the protectors and maintainers of women, because Allah has made one of them to excel the other, and because they spend (to support them) from their means. Therefore the righteous women are devoutly obedient (to Allah and to their husbands), and guard in the husband's absence what Allah orders them to guard (e.g. their chastity, their husband's property, etc.). As to those women on whose part you see ill-conduct, admonish them (first), (next), refuse to share their beds, (and last) beat them (lightly, if it is useful), but if they return to obedience, seek not against them means (of annoyance). Surely, Allah is Ever Most High, Most Great.


قوّامون على النّساء : قِيام الولاة المُصلحين على الرّعية
قانتاتٌ : مطيعاتٌ لله و لأزواجهنّ
حافظات للغيب : صائنات للعرض و المال في غيبة أزواجهنّ
بما حفظ الله : لهن من حقوقهنّ على أزواجهنّ
نشوزهنّ : ترفعهنّ عن مطاوعتكم

الرجال قوَّامون على توجيه النساء ورعايتهن، بما خصهم الله به من خصائص القِوامَة والتفضيل، وبما أعطوهن من المهور والنفقات. فالصالحات المستقيمات على شرع الله منهن، مطيعات لله تعالى ولأزواجهن، حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن بما اؤتمنَّ عليه بحفظ الله وتوفيقه، واللاتي تخشون منهن ترفُّعهن عن طاعتكم، فانصحوهن بالكلمة الطيبة، فإن لم تثمر معهن الكلمة الطيبة، فاهجروهن في الفراش، ولا تقربوهن، فإن لم يؤثر فعل الهِجْران فيهن، فاضربوهن ضربًا لا ضرر فيه، فإن أطعنكم فاحذروا ظلمهن، فإن الله العليَّ الكبير وليُّهن، وهو منتقم ممَّن ظلمهنَّ وبغى عليهن.

الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا - تفسير السعدي

يخبر تعالى أن الرِّجَال { قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ }- أي: قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهن بذلك، وقوامون عليهن أيضا بالإنفاق عليهن، والكسوة والمسكن، ثم ذكر السبب الموجب لقيام الرجال على النساء فقال: { بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ }- أي: بسبب فضل الرجال على النساء وإفضالهم عليهن، فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد والأعياد والجمع.
وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله.
وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ويتميزون عن النساء.
ولعل هذا سر قوله: { وَبِمَا أَنْفَقُوا } وحذف المفعول ليدل على عموم النفقة.
فعلم من هذا كله أن الرجل كالوالي والسيد لامرأته، وهي عنده عانية أسيرة خادمة،فوظيفته أن يقوم بما استرعاه الله به.
ووظيفتها: القيام بطاعة ربها وطاعة زوجها فلهذا قال: { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ }- أي: مطيعات لله تعالى { حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ }- أي: مطيعات لأزواجهن حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها وماله، وذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن، لا من أنفسهن، فإن النفس أمارة بالسوء، ولكن من توكل على الله كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه.
ثم قال: { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ }- أي: ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن بأن تعصيه بالقول أو الفعل فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل، { فَعِظُوهُنَّ }- أي: ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة، والترهيب من معصيته، فإن انتهت فذلك المطلوب، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع، بأن لا يضاجعها، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم { فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا }- أي: فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر.
{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا }- أي: له العلو المطلق بجميع الوجوه والاعتبارات، علو الذات وعلو القدر وعلو القهر الكبير الذي لا أكبر منه ولا أجل ولا أعظم، كبير الذات والصفات.

تفسير الآية 34 - سورة النساء

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

الرجال قوامون على النساء بما فضل الله : الآية رقم 34 من سورة النساء

 سورة النساء الآية رقم 34

الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا - مكتوبة

الآية 34 من سورة النساء بالرسم العثماني


﴿ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّٗا كَبِيرٗا  ﴾ [ النساء: 34]


﴿ الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا ﴾ [ النساء: 34]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة النساء An-Nisa الآية رقم 34 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 34 من النساء صوت mp3


تدبر الآية: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا

قيام الرجل على المرأة وشؤونها ليس قيامَ تسلُّط وتحكُّم، ولكنَّه مسؤوليَّةٌ مردُّها إلى اختلاف القدُرات وتبايُن الفِطرة.
من سِمات المؤمنة الصالحة أن تكونَ مطيعةً لله عن إرادةٍ وتوجُّه، لا عن قَسْرٍ وإرغام، فليس المنقادُ عن رضًا واختيار، كالمنقاد عن كُرهٍ وإجبار.
المرأة الصالحة توفَّق لأن تحفظَ حرمةَ ما بينها وبين زوجها في غَيبته، بحيث توقِف نظَراتها وحركاتها ودلالها وحسنَ نبَراتها على من استأمنها على نفسها.
الكلمة الطيِّبة هي أُولى خطوات علاج الخلاف الزوجيِّ، فإن لم تعالِج الكلمةُ الداء، فقد يكون السكوت هو الدواء.
يُشعِر الزوجُ زوجَه بكراهيته بعضَ شأنها بأن يُعرِضَ عنها في المكان والزمان اللذين اعتادت أن يؤانسَها فيهما، بحيث تحسُّ بذنبها وتراجعُ نفسها، فقطعُ معهودِ الجميل قد يكون علاجًا.
التأديبُ الذي يُقصَد منه صيانةُ الأسرة يُقدَّر بما يحقِّق ذلك الهدف، فلا يكون انتقامًا، ولا إهانةً ولا تعذيبًا، كما لا يُشرَع به إلا بعد استنفادِ ما سلف من الدواء دون نتيجة.
قيامك على زوجك تكليفٌ، فلا تحملنَّك هذه الوظيفةُ على الاستعلاء والظلم؛ فإن العليَّ الكبير سبحانه ينتقم من الظالم وينتصف للمظلوم.

روى المفسرون روايات في سبب نزول قوله-تبارك وتعالى- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ الآية.
ومن هذه الروايات ما ذكره القرطبي من أنها نزلت في سعد بن الربيع نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبى زهير فلطمها فقال أبوها: يا رسول الله، أفرشته كريمتي فلطمها.
فقال صلى الله عليه وسلم {لتقتص من زوجها} .
فانصرفت مع أبيها لتقتص منه.
فقال- عليه الصلاة والسلام- «ارجعوا هذا جبريل أتانى» فأنزل الله هذه الآية .
وقوله قَوَّامُونَ جمع قوام على وزن فعال للمبالغة من القيام على الشيء وحفظه.
يقال: قام فلان على الشيء وهو قائم عليه وقوام عليه، إذا كان يرعاه ويحفظه ويتولاه.
ويقال: هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها وإصلاحها ورعاية شئونها.
أى: الرجال يقومون على شئون النساء بالحفظ والرعاية والنفقة والتأديب وغير ذلك مما تقتضيه مصلحتهن.
ثم ذكر- سبحانه - سببين لهذه القوامة.
أولهما: وهبى وقد بينه بقوله: بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ.
أى أن حكمة الله اقتضت أن يكون الرجال قوامين على النساء بسبب ما فضل الله به الرجال على النساء من قوة في الجسم، وزيادة في العلم، وقدرة على تحمل أعباء الحياة وتكاليفها وما يستتبع ذلك من دفاع عنهن إذا ما تعرضن لسوء.
قال الفخر الرازي: واعلم أن فضل الرجال على النساء حاصل من وجوه كثيرة: بعضها صفات حقيقية وبعضها أحكام شرعية.
أما الصفات الحقيقية فاعلم أن الفضائل الحقيقية يرجع حاصلها إلى أمرين.
إلى العلم وإلى القدرة.
ولا شك أن عقول الرجال وعلومهم أكثر.
ولا شك أن قدرتهم على الأعمال الشاقة أكمل، فلهذين السببين حصلت الفضيلة للرجال على النساء في العقل والحزم والقوة.
وإن منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد، والأذان، والخطبة، والولاية في النكاح.
فكل ذلك يدل على فضل الرجال على النساء» .
والمراد بالتفضيل في قوله بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ تفضيل الجنس على الجنس لا تفضيل الآحاد على الآحاد.
فقد يوجد من النساء من هي أقوى عقلا وأكثر معرفة من بعض الرجال.
والباء للسببية، وما مصدرية، والبعض الأول المقصود به الرجال والبعض الثاني المقصود به النساء، والضمير المضاف إليه البعض الأول يقع على مجموع الفريقين على سبيل التغليب.
وقال- سبحانه - بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ولم يقل- مثلا-: بما فضلهم الله عليهن، للإشعار بأن الرجال من النساء والنساء من الرجال كما قال في آية أخرى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ وللإشارة إلى أن هذا التفضيل هو لصالح الفريقين، فعلى كل فريق منهم أن يتفرغ لأداء المهمة التي كلفه الله بها بإخلاص وطاعة حتى يسعد الفريقان.
وأما السبب الثاني: فهو كسبي وقد بينه- سبحانه - بقوله: وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ.
أى أن الله-تبارك وتعالى- جعل الرجال قوامين على النساء بسبب ما فضل الله به الرجال على النساء من علم وقدرة.
وبسبب ما ألزم به الرجال من إنفاق على النساء ومن تقديم المهور لهن عند الزواج بهن، ومن القيام برعايتهن وصيانتهن.
قال الآلوسى: واستدل بالآية على أن للزوج تأديب زوجته ومنعها من الخروج.
وأن عليها طاعته إلا في معصية الله-تبارك وتعالى-.
وفي الخبر «لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» .
واستدل بها أيضا من أجاز فسخ النكاح عند الإعسار عن النفقة والكسوة.
وهو مذهب مالك والشافعى، لأنه إذا خرج عن كونه قواما عليها فقد خرج عن الغرض المقصود بالنكاح.
وعندنا لا فسخ لقوله- تعالى: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ.
واستدل بها أيضا من جعل للزوج الحجر على زوجته في نفسها وما لها فلا تتصرف فيه إلا بإذنه، لأنه- سبحانه - جعل الرجل قواما بصيغة المبالغة.
وهو الناظر على الشيء الحافظ له» .
ثم شرع- سبحانه - في تفصيل أحوال النساء.
وفي بيان كيفية القيام عليهن بحسب اختلاف أحوالهن، فقسمهن إلى قسمين:فقال في شأن القسم الأول: فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ.
أى: فالصالحات من النساء من صفاتهن أنهن قانِتاتٌ أى مطيعات لله- تعالى ولأزواجهن عن طيب نفس واطمئنان قلب، ومن صفاتهن كذلك أنهن حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ.
قال صاحب الكشاف: الغيب خلاف الشهادة.
أى حافظات لمواجب الغيب.
إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن، حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة من الفروج والأموال والبيوت.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال.
«خير النساء امرأة إن نظرت إليها سرتك، وإن أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها» ، ثم تلا الآية الكريمة .
و «ما» في قوله بِما حَفِظَ اللَّهُ يحتمل أن تكون مصدرية فيكون المعنى: أن هؤلاء النساء الصالحات المطيعات من صفاتهن أيضا أنهن يحفظن في غيبة أزواجهن ما يجب حفظه بسبب حفظ الله لهن ورعايته إياهن بالتوفيق للعمل الذي يحبه ويرضاه.
ويحتمل أن تكون موصولة فيكون المعنى: أنهن حافظات لغيبة أزواجهن في النفس والعرض والمال وكل ما يجب حفظه بسبب الأمر الذي حفظه الله لهن على أزواجهن حيث كلف الأزواج بالإنفاق عليهن وبالإحسان إليهن، فعليهن أن يحفظن حقوق أزواجهن في مقابلة الذي حفظه الله لهن من حقوق على أزواجهن.
فالجملة الكريمة تمدح النساء الصالحات المطيعات الحافظات لأسرار أزواجهن ولكل ما يجب حفظه من عرض أو مال أو غير ذلك مما تقتضيه الحياة الزوجية.
هذا هو القسم الأول من النساء، أما القسم الثاني فقد قال- سبحانه - في شأنه: وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ والمراد بقوله نُشُوزَهُنَّ عصيانهن وخروجهن عما توجبه الحياة الزوجية من طاعة الزوجة لزوجها.
يقال: نشزت الزوجة نشوزا أى: عصت زوجها وامتنعت عليه.
وأصل النشوز مأخوذ من النشز بمعنى الارتفاع في وسط الأرض السهلة المنبسطة ويكون شاذا فيها.
فشبهت المرأة المتعالية على طاعة زوجها بالمرتفع من الأرض.
والمعنى: هذا شأن النساء الصالحات القانتات الحافظات للغيب بسبب حفظ الله لهن، أما النساء اللاتي تخافون نُشُوزَهُنَّ أى عصيانهن لكم، وترفعهن عن مطاوعتكم، وسوء عشرتهن فَعِظُوهُنَّ بالقول الذي يؤثر في النفس، ويوجههن نحو الخير والفضيلة، بأن تذكروهن بحسن عاقبة الطاعة للزوج.
وسوء عاقبة النشوز والمعصية، وبأن تسوقوا لهن من تعاليم الإسلام وآدابه وتوجيهاته ما من شأنه أن يشفى الصدور، ويهدى النفوس إلى الخير.
قال ابن كثير: وقوله-تبارك وتعالى-: وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ أى النساء اللاتي تخافون أن ينشزن على أزواجهن فعظوهن.
والنشوز هو الارتفاع فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركة لأمره، المعرضة عنه المبغضة له، فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله، فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحرم عليها معصيته لماله عليها من الفضل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها» .
وقوله وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ أى وعليكم إذا لم تنفع الموعظة والنصيحة معهن أن تتركوهن منفردات في أماكن نومهن.
فالمضاجع جمع مضجع- وهو مكان النوم والاضطجاع.
قال القرطبي: والهجر في المضجع هو أن يضاجعها- أى ينام معها في فراش واحد- ويوليها ظهره ولا يجامعها.
وقال مجاهد: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ أى تجنبوا مضاجعهن أى- اهجروا أماكن نومهن بأن تناموا بعيدا عنهن-» .
روى أبو داود بسنده عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه.
ولا تقبح.
ولا تهجر إلا في البيت» .
وقوله وَاضْرِبُوهُنَّ معطوف على ما قبله.
أى إن لم ينفع ما فعلتم من العظة والهجران فاضربوهن ضربا غير مبرح- أى غير شديد ولا مشين- فقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع» : واتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم- أى أسيرات عندكم- ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه.
فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح» .
وقد فسر العلماء الضرب غير المبرح بأنه الذي لا يكسر عظما، ولا يشين جارحة، وأن يتقى الوجه فإنه مجمع المحاسن ولا يلجأ إليه إلا عند فشل العلاجين السابقين.
وقد قال- سبحانه - وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ ولم يقل: واللائي ينشزن، للإشعار بأن يبدأ الزوج بعلاج عيوب زوجته عند ما تظهر أمارات هذه العيوب وعلاماتها وأن لا يتركها حتى تستشرى وتشتد، بل عليه عند ما يخشى النشوز أن يعالجه قبل أن يقع، وأن يكون علاجه بطريقة حكيمة من شأنها أن تقنع وتفيد.
وبعضهم فسر الخوف، بالعلم أى واللاتي تعلمون نشوزهن فعظوهن ...
إلخ.
وبعضهم قدر مضافا في الكلام أى: واللاتي تخافون دوام نشوزهن، فعظوهن واهجروهن في المضاجع ...
إلخ.
وبعضهم قدر معطوفا محذوفا أى: واللاتي تخافون نشوزهن ونشزن، فعظوهن واهجروهن في المضاجع ...
إلخ.
وجمهور العلماء على أن من الواجب على الزوج أن يسلك في معالجته لزوجته تلك الأنواع الثلاثة على الترتيب بأن يبدأ بالوعظ ثم بالهجر ثم بالضرب، لأن الله-تبارك وتعالى- قد أمر بذلك، ولأنه قد رتب هذه العقوبات بتلك الطريقة الحكيمة التي تبدأ بالعقوبة الخفيفة ثم تتدرج إلى العقوبة الشديدة ثم إلى الأكثر شدة.
قال الفخر الرازي: وبالجملة فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه.
والذي يدل عليه اللفظ أنه-تبارك وتعالى- ابتدأ بالوعظ.
ثم ترقى منه إلى الضرب.
وذلك تنبيه يجرى مجرى التصريح في أنه متى حصل الغرض بالطريق الأخف، وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق.
وهذه طريقة من قال: حكم هذه الآية مشروع على الترتيب.
وقال بعض أصحابنا: «تحرير المذهب أن له عند خوف النشوز أن يعظها، وهل له أن يهجرها؟ فيه احتمال.
وله عند إبداء النشوز أن يعظها أو يهجرها، أو يضربها» .
ثم بين- سبحانه - ما يجب على الرجال نحو النساء إذا ما أطعنهم وتركن النشوز والعصيان فقال-تبارك وتعالى-: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً.
أى فإن رجعن عن النشوز إلى الطاعة وانقدن لما أوجب الله عليهن نحوكم أيها الرجال، فلا تطلبوا سبيلا وطريقا إلى التعدي عليهن، أو فلا تظلموهن بأى طريق من طرق الظلم كأن تؤذوهن بألسنتكم أو بأيديكم أو بغير ذلك، بل اجعلوا ما كان منهن كأنه لم يكن، وحاولوا التقرب إليهن بألوان المودة والرحمة.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً فاحذروا مخالفة أمره، فإن قدرته- سبحانه - عليكم أعظم من قدرتكم على نسائكم.
فالجملة الكريمة تذييل قصد به حث الأزواج على قبول توبة النساء، وتحذيرهم من ظلمهن إذا ما تركن النشوز، وعدن إلى طريق الطاعة والإنابة.
قال بعضهم: وذكر هاتين الصفتين في هذا الموضع في غاية الحسن، وبيانه من وجوه:الأول: أن المقصود منه تهديد الأزواج على ظلم النساء.
والمعنى: أنهن إن ضعفن عن دفع ظلمكم وعجزن عن الانتصاف منكم، فالله- سبحانه - ينتصف لهن منكم لأنه علىّ قاهر كبير.
الثاني: لا تبغوا عليهن إذا أطعنكم لعلو أيديكم، فإن الله أعلى منكم وأكبر من كل شيء.
الثالث: أنه- سبحانه - مع علوه وكبريائه لا يكلفكم إلا ما تطيقون، كذلك لا تكلفوهن محبتكم، فإنهن لا يقدرن على ذلك.
الرابع: أنه مع علوه وكبريائه لا يؤاخذ العاصي إذا تاب، بل يغفر له، فإذا تاب المرأة عن نشوزها فأنتم أولى بأن تتركوا عقوبتها وتقبلوا توبتها.
الخامس: أنه- تعالى مع علوه وكبريائه اكتفى من العبد بالظواهر ولم يهتك السرائر فأنتم أولى أن تكتفوا بظاهر حال المرأة، وأن لا تقعوا في التفتيش عما في قلبها وضميرها من الحب والبغض» .
قوله تعالى : الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرافيه إحدى عشرة مسألة :الأولى : قوله تعالى : الرجال قوامون على النساء ابتداء وخبر ، أي يقومون بالنفقة عليهن والذب عنهن ؛ وأيضا فإن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو ، وليس ذلك في النساء .
يقال : قوام وقيم .
والآية نزلت في سعد بن الربيع نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبي زهير فلطمها ؛ فقال أبوها : يا رسول الله ، أفرشته كريمتي فلطمها ! فقال عليه السلام : لتقتص من زوجها .
فانصرفت مع أبيها لتقتص منه ، فقال عليه السلام : ارجعوا هذا جبريل أتاني فأنزل الله هذه الآية ؛ فقال عليه السلام : أردنا أمرا وأراد الله غيره .
وفي رواية أخرى : أردت شيئا وما أراد الله خير .
ونقض الحكم الأول .
وقد قيل : إن في هذا الحكم المردود نزل ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه .
ذكر إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا حجاج بن المنهال وعارم بن الفضل - واللفظ لحجاج - قال حدثنا جرير بن حازم قال : سمعت الحسن يقول : إن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن زوجي لطم وجهي .
فقال : بينكما القصاص ، فأنزل الله تعالى : ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه .
وأمسك النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل : الرجال قوامون على النساء .
وقال أبو روق : نزلت في جميلة بنت أبي وفي زوجها ثابت بن قيس بن شماس .
وقال الكلبي : نزلت في عميرة بنت محمد بن مسلمة وفي زوجها سعد بن الربيع .
وقيل : سببها قول أم سلمة المتقدم .
ووجه النظم أنهن تكلمن في تفضيل الرجال على النساء في الإرث ، فنزلت ولا تتمنوا الآية .
ثم بين تعالى أن تفضيلهم عليهن في الإرث لما على الرجال من المهر والإنفاق ؛ ثم فائدة تفضيلهم عائدة إليهن .
ويقال : إن الرجال لهم فضيلة في زيادة العقل والتدبير ؛ فجعل لهم حق القيام عليهن لذلك .
وقيل : للرجال زيادة قوة في النفس والطبع ما ليس للنساء ؛ لأن طبع الرجال غلب عليه الحرارة واليبوسة ، فيكون فيه قوة وشدة ، وطبع النساء غلب عليه الرطوبة والبرودة ، فيكون فيه معنى اللين والضعف ؛ فجعل لهم حق القيام عليهن بذلك ، وبقوله تعالى : وبما أنفقوا من أموالهم .
الثانية : ودلت هذه الآية على تأديب الرجال نساءهم ، فإذا حفظن حقوق الرجال فلا ينبغي أن يسيء الرجل عشرتها .
و " قوام " فعال للمبالغة ؛ من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد .
فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد ؛ وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من البروز ، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية ؛ وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة والعقل والقوة في أمر الجهاد والميراث والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وقد راعى بعضهم في التفضيل اللحية - وليس بشيء ؛ فإن اللحية قد تكون وليس معها شيء مما ذكرنا .
وقد مضى الرد على هذا في " البقرة " .
الثالثة : قوله تعالى : وبما أنفقوا من أموالهم أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما عليها ، وإذا لم يكن قواما عليها كان لها فسخ العقد ؛ لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح .
وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة ؛ وهو مذهب مالك والشافعي .
وقال أبو حنيفة : لا يفسخ ؛ لقوله تعالى : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وقد تقدم القول في هذا في هذه السورة .
الرابعة : قوله تعالى : فالصالحات قانتات حافظات للغيب هذا كله خبر ، ومقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في ماله وفي نفسها في حال غيبة الزوج .
وفي مسند أبي داود الطيالسي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك قال : وتلا هذه الآية الرجال قوامون على النساء إلى آخر الآية .
وقال صلى الله عليه وسلم لعمر : ألا أخبرك بخير ما يكنزه المرء المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته أخرجه أبو داود .
وفي مصحف ابن مسعود " فالصوالح قوانت حوافظ " .
وهذا بناء يختص بالمؤنث .
قال ابن جني : والتكسير أشبه لفظا بالمعنى ؛ إذ هو يعطي الكثرة وهي المقصود هاهنا .
وما في قوله : بما حفظ الله مصدرية ، أي بحفظ الله لهن .
ويصح أن تكون بمعنى الذي ، ويكون العائد في حفظ ضمير نصب .
وفي قراءة أبي جعفر " بما حفظ الله " بالنصب .
قال النحاس : الرفع أبين ؛ أي حافظات لمغيب أزواجهن بحفظ الله ومعونته وتسديده .
وقيل : بما حفظهن الله في مهورهن وعشرتهن .
وقيل : بما استحفظهن الله إياه من أداء الأمانات إلى أزواجهن .
ومعنى قراءة النصب : بحفظهن الله ؛ أي بحفظهن أمره أو دينه .
وقيل في التقدير : بما حفظن الله ، ثم وحد الفعل ؛ كما قيل :فإن الحوادث أودى بهاوقيل : المعنى بحفظ الله ؛ مثل حفظت الله .
الخامسة : قوله تعالى : واللاتي تخافون نشوزهن اللاتي جمع التي وقد تقدم .
قال ابن عباس : تخافون بمعنى تعلمون وتتيقنون .
وقيل هو على بابه .
والنشوز العصيان ؛ مأخوذ من النشز ، وهو ما ارتفع من الأرض .
يقال : نشز الرجل ينشز وينشز إذا كان قاعدا فنهض قائما ؛ ومنه قوله عز وجل : وإذا قيل انشزوا فانشزوا أي ارتفعوا وانهضوا إلى حرب أو أمر من أمور الله تعالى .
فالمعنى : أي تخافون عصيانهن وتعاليهن عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج .
وقال أبو منصور اللغوي : النشوز كراهية كل واحد من الزوجين صاحبه ؛ يقال : نشزت تنشز فهي ناشز بغير هاء .
ونشصت تنشص ، وهي السيئة للعشرة .
وقال ابن فارس : ونشزت المرأة استصعبت على بعلها ، ونشز بعلها عليها إذا ضربها وجفاها .
قال ابن دريد : نشزت المرأة ونشست ونشصت بمعنى واحد .
السادسة : قوله تعالى : فعظوهن أي بكتاب الله ؛ أي ذكروهن ما أوجب الله عليهن من حسن الصحبة وجميل العشرة للزوج ، والاعتراف بالدرجة التي له عليها ، ويقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها .
وقال : لا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب .
وقال : أيما امرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح في رواية حتى تراجع وتضع يدها في يده .
وما كان مثل هذا .
السابعة : قوله تعالى : واهجروهن في المضاجع وقرأ ابن مسعود والنخعي وغيرهما " في المضجع " على الإفراد ؛ كأنه اسم جنس يؤدي عن الجمع .
والهجر في المضاجع هو أن يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها ؛ عن ابن عباس وغيره .
وقال مجاهد : جنبوا مضاجعهن ؛ فيتقدر على هذا الكلام حذف ، ويعضده اهجروهن من الهجران ، وهو البعد ؛ يقال : هجره أي تباعد ونأى عنه .
ولا يمكن بعدها إلا بترك مضاجعتها .
وقال معناه إبراهيم النخعي والشعبي وقتادة والحسن البصري ، ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك ، واختاره ابن العربي وقال : حملوا الأمر على الأكثر الموفي .
ويكون هذا القول كما تقول : اهجره في الله .
وهذا أصل مالك .
قلت : هذا قول حسن ؛ فإن الزوج إذا أعرض عن فراشها فإن كانت محبة للزوج فذلك يشق عليها فترجع للصلاح ، وإن كانت مبغضة فيظهر النشوز منها ؛ فيتبين أن النشوز من قبلها .
وقيل : اهجروهن من الهجر وهو القبيح من الكلام ، أي غلظوا عليهن في القول وضاجعوهن للجماع وغيره ؛ قال معناه سفيان ، وروي عن ابن عباس .
وقيل : أي شدوهن وثاقا في بيوتهن ؛ من قولهم : هجر البعير أي ربطه بالهجار ، وهو حبل يشد به البعير ، وهو اختيار الطبري وقدح في سائر الأقوال .
وفي كلامه في هذا الموضع نظر .
وقد رد عليه القاضي أبو بكر بن العربي في أحكامه فقال : يا لها من هفوة من عالم بالقرآن والسنة ! والذي حمله على هذا التأويل حديث غريب رواه ابن وهب عن مالك أن أسماء بنت أبي بكر الصديق امرأة الزبير بن العوام كانت تخرج حتى عوتب في ذلك .
قال : وعتب عليها وعلى ضرتها ، فعقد شعر واحدة بالأخرى ثم ضربهما ضربا شديدا ، وكانت الضرة أحسن اتقاء ، وكانت أسماء لا تتقي فكان الضرب بها أكثر ؛ فشكت إلى أبيها أبي بكر رضي الله عنه فقال لها : أي بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح ، ولعله أن يكون زوجك في الجنة ؛ ولقد بلغني أن الرجل إذا ابتكر بامرأة تزوجها في الجنة .
فرأى الربط والعقد مع احتمال اللفظ مع فعل الزبير فأقدم على هذا التفسير .
وهذا الهجر غايته عند العلماء شهر ؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين أسر إلى حفصة فأفشته إلى عائشة ، وتظاهرتا عليه .
ولا يبلغ به الأربعة الأشهر التي ضرب الله أجلا عذرا للمولى .
الثامنة : قوله تعالى : واضربوهن أمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولا ثم بالهجران ، فإن لم يتجعا فالضرب ؛ فإنه هو الذي يصلحها له ويحملها على توفية حقه .
والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح ، وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة كاللكزة ونحوها ؛ فإن المقصود منه الصلاح لا غير .
فلا جرم إذا أدى إلى الهلاك وجب الضمان ، وكذلك القول في ضرب المؤدب غلامه لتعليم القرآن والأدب .
وفي صحيح مسلم : اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح الحديث .
أخرجه من حديث جابر الطويل في الحج ، أي لا يدخلن منازلكم أحدا ممن تكرهونه من الأقارب والنساء الأجانب .
وعلى هذا يحمل ما رواه الترمذي وصححه عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ فقال : ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن .
وقال : هذا حديث حسن صحيح .
فقوله : بفاحشة مبينة يريد لا يدخلن من يكرهه أزواجهن ولا يغضبنهم .
وليس المراد بذلك الزنى ؛ فإن ذلك محرم ويلزم عليه الحد .
وقد قال عليه الصلاة والسلام : اضربوا النساء إذا عصينكم في معروف ضربا غير مبرح .
قال عطاء : قلت لابن عباس ما الضرب غير المبرح ؟ قال بالسواك ونحوه .
وروي أن عمر رضي الله عنه ضرب امرأته فعذل في ذلك فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يسأل الرجل فيم ضرب أهله .
التاسعة : قوله تعالى : فإن أطعنكم أي تركوا النشوز .
فلا تبغوا عليهن سبيلا أي لا تجنوا عليهن بقول أو فعل .
وهذا نهي عن ظلمهن بعد تقرير الفضل عليهن والتمكين من أدبهن .
وقيل : المعنى لا تكلفوهن الحب لكم فإنه ليس إليهن .
العاشرة : قوله تعالى : إن الله كان عليا كبيرا إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب ؛ أي إن كنتم تقدرون عليهن فتذكروا قدرة الله ؛ فيده بالقدرة فوق كل يد .
فلا يستعلي أحد على امرأته فالله بالمرصاد فلذلك حسن الاتصاف ، هنا بالعلو والكبر .
الحادية عشرة : وإذا ثبت هذا فاعلم .
أن الله عز وجل لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صراحا إلا هنا وفي الحدود العظام ؛ فساوى معصيتهن بأزواجهن بمعصية الكبائر ، وولى الأزواج ذلك دون الأئمة ، وجعله لهم دون القضاة بغير شهود ولا بينات ائتمانا من الله تعالى للأزواج على النساء .
قال المهلب : إنما جوز ضرب النساء من أجل امتناعهن على أزواجهن في المباضعة .
واختلف في وجوب ضربها في الخدمة ، والقياس يوجب أنه إذا جاز ضربها في المباضعة جاز ضربها في الخدمة الواجبة للزوج عليها بالمعروف .
وقال ابن خويز منداد .
والنشوز يسقط النفقة وجميع الحقوق الزوجية ، ويجوز معه أن يضربها الزوج ضرب الأدب غير المبرح ، والوعظ والهجر حتى ترجع عن نشوزها ، فإذا رجعت عادت حقوقها ؛ وكذلك كل ما اقتضى الأدب فجائز للزوج تأديبها .
ويختلف الحال في أدب الرفيعة والدنيئة ؛ فأدب الرفيعة العذل ، وأدب الدنيئة السوط .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : رحم الله امرأ علق سوطه وأدب أهله .
وقال : إن أبا جهم لا يضع عصاه عن عاتقه .
وقال بشار :الحر يلحى والعصا للعبديلحى أي يلام ؛ وقال ابن دريد :واللوم للحر مقيم رادع والعبد لا يردعه إلا العصاقال ابن المنذر : اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا جميعا بالغين إلا الناشز منهن الممتنعة .
وقال أبو عمر : من نشزت عنه امرأته بعد دخوله سقطت عنه نفقتها إلا أن تكون حاملا .
وخالف ابن القاسم جماعة الفقهاء في نفقة الناشز فأوجبها .
وإذا عادت الناشز إلى زوجها وجب في المستقبل نفقتها .
ولا تسقط نفقة المرأة عن زوجها لشيء غير النشوز ؛ لا من مرض ولا حيض ولا نفاس ولا صوم ولا حج ولا مغيب زوجها ولا حبسه عنها في حق أو جور غير ما ذكرنا .
والله أعلم .


شرح المفردات و معاني الكلمات : الرجال , قوامون , النساء , فضل , الله , بعض , أنفقوا , أموالهم , الصالحات , قانتات , حافظات , للغيب , حفظ , الله , تخافون , نشوزهن , فعظوهن , واهجروهن , المضاجع , واضربوهن , أطعنكم , تبغوا , سبيلا , الله , عليا , كبيرا ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم


تحميل سورة النساء mp3 :

سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء

سورة النساء بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النساء بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النساء بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النساء بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النساء بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النساء بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النساء بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النساء بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النساء بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النساء بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Saturday, November 16, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب