الآية 5 من سورة الحج مكتوبة بالتشكيل

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾
[ الحج: 5]

سورة : الحج - Al-Ḥajj  - الجزء : ( 17 )  -  الصفحة: ( 332 )

O mankind! If you are in doubt about the Resurrection, then verily! We have created you (i.e. Adam) from dust, then from a Nutfah (mixed drops of male and female sexual discharge i.e. offspring of Adam), then from a clot (a piece of thick coagulated blood) then from a little lump of flesh, some formed and some unformed (miscarriage), that We may make (it) clear to you (i.e. to show you Our Power and Ability to do what We will). And We cause whom We will to remain in the wombs for an appointed term, then We bring you out as infants, then (give you growth) that you may reach your age of full strength. And among you there is he who dies (young), and among you there is he who is brought back to the miserable old age, so that he knows nothing after having known. And you see the earth barren, but when We send down water (rain) on it, it is stirred (to life), it swells and puts forth every lovely kind (of growth).


نطفة : منيّ
علقة : قطعة دم جامدة
مُضغة : قطعة لحم قدر ما يمضغ
مُخلقة : مستبينة الخلق مُصوّرة
لتبلغوا أشدكم : كمال قوتكم وعقلكم
أرذل العمر : أخسّـِـه , أي الخَرَف والهَرَم
هامدة : ميتة يابسة قاحلة
اهتزتْ : تحركت بالنبات
رَبَتْ : ازدادت وانتفخت
زوج بهيج : صنف حسن نضير

يا أيها الناس إن كنتم في شك من أن الله يُحيي الموتى فإنَّا خلقنا أباكم آدم من تراب، ثم تناسلت ذريته من نطفة، هي المنيُّ يقذفه الرجل في رحم المرأة، فيتحول بقدرة الله إلى علقة، وهي الدم الأحمر الغليظ، ثم إلى مضغة، وهي قطعة لحم صغيرة قَدْر ما يُمْضَغ، فتكون تارة مخلَّقة، أي تامة الخلق تنتهي إلى خروح الجنين حيًا، وغير تامة الخلق تارة أخرى، فتسقط لغير تمام؛ لنبيِّن لكم تمام قدرتنا بتصريف أطوار الخلق، ونبقي في الأرحام ما نشاء، وهو المخلَّق إلى وقت ولادته، وتكتمل الأطوار بولادة الأجنَّة أطفالا صغارًا تكبَرُ حتى تبلغ الأشد، وهو وقت الشباب والقوة واكتمال العقل، وبعض الأطفال قد يموت قبل ذلك، وبعضهم يكبَرُ حتى يبلغ سن الهرم وضَعْف العقل؛ فلا يعلم هذا المعمَّر شيئًا مما كان يعلمه قبل ذلك. وترى الأرض يابسةً ميتة لا نبات فيها، فإذا أنزلنا عليها الماء تحركت بالنبات تتفتح عنه، وارتفعت وزادت لارتوائها، وأنبتت من كل نوع من أنواع النبات الحسن الذي يَسُرُّ الناظرين.

ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب - تفسير السعدي

يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ }- أي: شك واشتباه، وعدم علم بوقوعه، مع أن الواجب عليكم أن تصدقوا ربكم، وتصدقوا رسله في ذلك، ولكن إذا أبيتم إلا الريب، فهاكم دليلين عقليين تشاهدونهما، كل واحد منهما، يدل دلالة قطعية على ما شككتم فيه، ويزيل عن قلوبكم الريب.أحدهما: الاستدلال بابتداء خلق الإنسان، وأن الذي ابتدأه سيعيده، فقال فيه: { فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ } وذلك بخلق أبي البشر آدم عليه السلام، { ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ }- أي: مني، وهذا ابتداء أول التخليق، { ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ }- أي: تنقلب تلك النطفة، بإذن الله دما أحمر، { ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ }- أي: ينتقل الدم مضغة،- أي: قطعة لحم، بقدر ما يمضغ، وتلك المضغة تارة تكون { مُخَلَّقَةٍ }- أي: مصور منها خلق الآدمي، { وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } تارة، بأن تقذفها الأرحام قبل تخليقها، { لِنُبَيِّنَ لَكُمْ } أصل نشأتكم، مع قدرته تعالى، على تكميل خلقه في لحظة واحدة، ولكن ليبين لنا كمال حكمته، وعظيم قدرته، وسعة رحمته.{ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } أي : ونقر،- أي: نبقي في الأرحام من الحمل، الذي لم تقذفه الأرحام، ما نشاء إبقاءه إلى أجل مسمى، وهو مدة الحمل.
{ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ } من بطون أمهاتكم { طِفْلًا } لا تعلمون شيئا، وليس لكم قدرة، وسخرنا لكم الأمهات، وأجرينا لكم في ثديها الرزق، ثم تنتقلون طورا بعد طور، حتى تبلغوا أشدكم، وهو كمال القوة والعقل.{ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى } من قبل أن يبلغ سن الأشد، ومنكم من يتجاوزه فيرد إلى أرذل العمر،- أي: أخسه وأرذله، وهو سن الهرم والتخريف، الذي به يزول العقل، ويضمحل، كما زالت باقي القوة، وضعفت.{ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا }- أي: لأجل أن لا يعلم هذا المعمر شيئا مما كان يعلمه قبل ذلك، وذلك لضعف عقله، فقوة الآدمي محفوفة بضعفين، ضعف الطفولية ونقصها، وضعف الهرم ونقصه، كما قال تعالى: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } والدليل الثاني، إحياء الأرض بعد موتها، فقال الله فيه: { وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً }- أي: خاشعة مغبرة لا نبات فيها، ولا خضر، { فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ }- أي: تحركت بالنبات { وَرَبَتْ }- أي: ارتفعت بعد خشوعها وذلك لزيادة نباتها، { وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ }- أي: صنف من أصناف النبات { بَهِيجٍ }- أي: يبهج الناظرين، ويسر المتأملين، فهذان الدليلان القاطعان، يدلان على هذه المطالب الخمسة، وهي هذه.

تفسير الآية 5 - سورة الحج

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

ياأيها الناس إن كنتم في ريب من : الآية رقم 5 من سورة الحج

 سورة الحج الآية رقم 5

ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب - مكتوبة

الآية 5 من سورة الحج بالرسم العثماني


﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّنَ ٱلۡبَعۡثِ فَإِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ مِن مُّضۡغَةٖ مُّخَلَّقَةٖ وَغَيۡرِ مُخَلَّقَةٖ لِّنُبَيِّنَ لَكُمۡۚ وَنُقِرُّ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى ثُمَّ نُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡلَا يَعۡلَمَ مِنۢ بَعۡدِ عِلۡمٖ شَيۡـٔٗاۚ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ هَامِدَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ وَأَنۢبَتَتۡ مِن كُلِّ زَوۡجِۭ بَهِيجٖ  ﴾ [ الحج: 5]


﴿ ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنـزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ﴾ [ الحج: 5]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة الحج Al-Ḥajj الآية رقم 5 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 5 من الحج صوت mp3


تدبر الآية: ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب

كم فيما يراه الناس ويألفونه ويمرون به دون وعيٍ ولا انتباه، ما لو تدبروه وتأملوه لوجدوا فيه دلائل قدرة الله تعالى وعظمته التي تسوقهم عند التأمل إلى توحيده وطاعته.
كيف يتسربُ إلى نفس العاقل شكٌّ في البعث، وقد جاءت الدلائل المستفيضة عليه في الأنفس والآفاق؟! تواضع لربك ولا تتطاول على بني جنسك، فقد عرفت أول خلقك الضعيف، وتعرف نهاية عمرك القصير، فأي شيء يدعوك إلى الغرور؟! الله جلَّ جلاله قادرٌ على أن يجعل خلقنا كله في كلمة ( كن ) دون تنقُّلٍ في مراحل من الخلق، ولكنه سبحانه يبيِّن لنا كمالَ حكمته، وعظيم قدرته، وإبداع خلقه، وسَعة رحمته، فما أعظمه من بيان! إن كان الرحمُ قرارَ النطفة، والتراب قرار الجثة، فإن مَن أخرج النطفة طفلًا لقادرٌ على أن يخرج رميم الجثة خلقًا آخر يوم الحشر.
هل يُعقل أن يمدَّ الله هذا الإنسان، ويبلِّغه التمام، وهو في ذلك يأمره وينهاه، ثم يقبضه ويتوفاه، ثم تنتهي القصة، فلا رجعة بعد ذلك؟! هي الحياة تأخذ من العبد كلَّ يومٍ شيئًا، وتستردُّ منه ما كانت أعطته، حتى يصل إلى أرذل مراحل حياته، بعد أن كان امتدادها يزيد في علمه وعقله، وقوته وصحته، وخَلقه وخُلقه.
إنما أنتَ تحت تصرُّفِ الله تعالى وعنايته؛ متى شاء علَّمك ما لم تكن تعلم، ومتى شاء أنساك ما كنت تعلمه.
بين الآدمي والنبات قاسم مشترك في بدء الأمر ونهايته، تؤخذ منه العبرة؛ فالنبات يكون في نقصان، فما يزال ينمو بقدرة الله حتى يتم، فكذلك الآدمي يَرقى من نقصٍ حتى يبلغ الكمال.

قال أبو حيان في البحر: لما ذكر- سبحانه - من يجادل في قدرة الله بغير علم، وكان جدالهم في الحشر والمعاد، ذكر دليلين واضحين على ذلك.
أحدهما: في نفس الإنسان وابتداء خلقه.
وتطوره في أطوار سبعة، وهي: التراب، والنطفة، والعلقة، والمضغة، والإخراج طفلا، وبلوغ الأشد، والتوفي أو الرد إلى أرذل العمر.
والدليل الثاني: في الأرض التي يشاهد تنقلها من حال إلى حال فإذا اعتبر العاقل ذلك ثبت عنده جوازه عقلا، فإذا ورد الشرع بوقوعه، وجب التصديق به، وأنه واقع لا محالة .
والمراد بالناس هنا: المشركون وكل من كان على شاكلتهم في إنكار أمر البعث واستبعاده، لأن المؤمنين يعترفون بأن البعث حق، وأنه واقع بلا أدنى شك أو ريب.
والمعنى: يا أيها الناس إن كنتم في شك من أمر إعادتكم الى الحياة مرة أخرى للحساب يوم القيامة، فانظروا وتفكروا في مبدأ خلقكم، فإن هذا التفكر من شأنه أن يزيل هذا الشك، لأن الذي أوجدكم الإيجاد الأول.
وخلقكم من التراب، قادر على إعادتكم إلى الحياة مرة أخرى، إذ الإعادة- كما يعرف كل عاقل- أيسر من ابتداء الفعل.
وقد قرب- سبحانه - هذا المعنى في أذهانكم في آيات كثيرة، منها قوله-تبارك وتعالى-:وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ، وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .
وأتى- سبحانه - بأن المفيدة للشك فقال: إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ مع أن كونهم في ريب أمر محقق تنزيلا للمحقق منزلة المشكوك فيه، وتنزيها لموضوع البعث عن أن يتحقق الشك فيه من أى عاقل، وتوبيخا لهم لوضعهم الأمور في غير مواضعها.
ووجه الإتيان بفي الدالة على الظرفية، للإشارة إلى أنهم قد امتلكهم الريب وأحاط بهم إحاطة الظرف بالمظروف.
قال الآلوسى: «وقوله فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ دليل جواب الشرط، أو هو الجواب بتأويل، أى: إن كنتم في ريب من البعث، فانظروا إلى مبدأ خلقكم ليزول ريبكم، فإنا خلقناكم من تراب، وخلقهم من تراب في ضمن خلق أبيهم آدم منه ...
» .
وقال بعض العلماء ما ملخصه: والتحقيق في معنى قوله-تبارك وتعالى- فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ : أنه- سبحانه - خلق أباهم آدم منه، ثم خلق من آدم زوجه حواء، ثم خلق الناس منهما عن طريق التناسل.
فلما كان أصلهم الأول من تراب، أطلق عليهم أنه خلقهم من تراب لأن الفروع تتبع الأصل.
وعلى ذلك يكون خلقهم من تراب هو الطور الأول..» .
ثم بين- سبحانه - الطور الثاني من أطوار خلق الإنسان فقال: ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ وهذا اللفظ مأخوذ من النطف- بفتح النون مع التشديد وإسكان الطاء- بمعنى السيلان والتقاطر.
يقال: نطفت القربة، إذا تقاطر الماء منها بقلة.
والنطفة تطلق في اللغة: على الماء القليل، والمراد بها هنا: الماء المختلط من الرجل والمرأة عند الجماع، والمعبر عنه بالمنى.
وقوله ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ هو الطور الثالث.
والعلقة جمعها علق، وهي قطعة من الدم جامدة، تتحول إليها النطفة.
وقوله ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ هو الطور الرابع، والمضغة قطعة صغيرة من اللحم تتحول إليها العلقة.
وقوله- سبحانه - مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ صفة للمضغة.
والمراد بالمخلقة: التامة الخلقة، السالمة من العيوب، والمراد بغير المخلقة: ما ليست كذلك كأن تكون ناقصة الخلقة.
وقد اكتفى بهذا المعنى صاحب الكشاف فقال: «والمخلقة» المستواة الملساء من النقصان والعيب: يقال: خلق السواك والعود، إذا سواه وملسه، من قولهم: صخرة خلقاء، إذا كانت ملساء.
كأن الله-تبارك وتعالى- يخلق المضغ متفاوتة.
منها.
ما هو كامل الخلقة أملس من العيوب، ومنها ما هو على عكس ذلك، فيتبع ذلك التفاوت، تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم ...
» .
وقيل: «مخلقة» أى: مستبينة الخلق، ظاهرة التصوير.
«وغير مخلقة» أى: لم يستبن خلقها ولا ظهر تصويرها كالسقط الذي هو مضغة ولم تظهر صورته الإنسانية بعد.
وقيل: «مخلقة» أى: نفخ فيها الروح.
«وغير مخلقة» أى: لم ينفخ فيها الروح.
ويبدو لنا أن ما ذهب إليه صاحب الكشاف واكتفى به أولى بالقبول، لأنه هو المشهور من كلام العرب.
فهم يقولون: حجر أخلق أى: أملس مصمت لا يؤثر فيه شيء، وصخرة خلقاء، أى: ليس بها تشويه أو كسر.
وقوله-تبارك وتعالى-: لِنُبَيِّنَ لَكُمْ متعلق بقوله: خَلَقْناكُمْ أى: خلقناكم على هذا النحو العجيب، وفي تلك الأطوار البديعة.
لنبين لكم كمال قدرتنا، وبليغ حكمتنا.
وأننا لا يعجزنا إعادة كل حي إلى الحياة بعد موته.
وحذف مفعول «نبين» للإشعار بأن أفعاله-تبارك وتعالى- الدالة على كمال قدرته، لا يحيط بها وصف، ولا تمدها عبارة..أى: لنبين لكم عن طريق المشاهدة، ما يدل على كمال قدرتنا دلالة يعجز الوصف عن الإحاطة بها.
وقوله-تبارك وتعالى-: وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى كلام مستأنف مسوق لبيان أحوال الناس بعد تمام خلقهم، وتوارد تلك الأطوار عليهم.
أى: ونقر ونثبت في أرحام الأمهات ما نشاء إقراره وثبوته فيها من الأجنة والأحمال، إلى أجل معلوم عندنا.
وهو الوقت المحدد للولادة والوضع، وما لم نشأ إقراره من الحمل لفظته الأرحام وأسقطته، إذ كل شيء بمشيئتنا وإرادتنا.
وقوله-تبارك وتعالى-: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا بيان للطور الخامس من أطوار خلق الإنسان.
أى: ثم نخرجكم من أرحام أمهاتكم بعد استقراركم فيها إلى الوقت الذي حددناه، طفلا صغيرا.
أى: أطفالا صغارا، وإنما جاء مفردا باعتبار إرادة الجنس الشامل للواحد والمتعدد، أو باعتبار كل واحد منهم، وهو حال من ضمير المخاطبين.
ومن الأساليب العربية المعهودة، أن الاسم المفرد إذا كان اسم جنس.
يكثر إطلاقه على الجمع، ومن ذلك قوله-تبارك وتعالى-: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً أى: أئمة.
وقوله- سبحانه - فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً.. أى: أنفسا، ومن هذا القبيل قول الشاعر:وكان بنو فزارة شرّ عمّ ...
فكنت لهم كشر بنى الأخيناأى: شر أعمام.
وقوله-تبارك وتعالى- ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ بيان للطور السادس، والأشد: قوة الإنسان وشدته واشتعال حرارته، من الشدة بمعنى الارتفاع والقوة، يقال: شد النهار إذا ارتفع، وهو مفرد جاء بصيغة الجمع، أو جمع لا واحد له، أو جمع شدة- كأنعم ونعمة-.
قال الآلوسى: «والجملة علة لنخرجكم، وهي معطوفة على علة أخرى مناسبة لها.
كأنه قيل: ثم نخرجكم لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا أشدكم، أى كمالكم في القوة والعقل والتمييز.. وقيل: علة لمحذوف.
والتقدير: ثم نمهلكم لتبلغوا أشدكم ...
وتقديم التبيين «لنبين لكم» على ما بعده، مع أن حصوله بالفعل بعد الكل، للإيذان بأنه غاية الغايات ومقصود بالذات.
وإعادة اللام في «لتبلغوا» مع تجريد «نقر، ونخرج» عنها، للإشعار بأصالة البلوغ بالنسبة إلى الإقرار والإخراج إذ عليه يدور التكليف المؤدى إلى السعادة والشقاوة» .
وقوله- سبحانه -: وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً بيان للطور السابع والأخير.
أى: منكم- أيها الناس- من يبلغ أشده في هذه الحياة، ومنكم من يموت قبل ذلك، ومنكم من يعيش إلى أرذل العمر أى: أخسه وأدونه، فيصير من بعد علمه بالأشياء وفهمه لها، لا علم له ولا فهم، شأنه في ذلك شأن الأطفال.
قال-تبارك وتعالى-: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ فالآية الكريمة تصور أطوار خلق الإنسان ومراحل حياته أكمل تصوير، للتنبيه على مظاهر قدرة الله-تبارك وتعالى- وعلى أن البعث حق وصدق.
وبعد إقامة هذا الدليل من نفس الإنسان وتطور خلقه على صحة البعث، ساق- سبحانه - الدليل الثاني عن طريق مشاهدة الأرض وتنقلها من حال إلى حال، فقال-تبارك وتعالى- وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ.
وقوله: هامِدَةً أى: يابسة، يقال: همدت الأرض تهمد- بضم الميم- همودا، إذا يبست.
ومعنى: «اهتزت» : تحركت، يقال: هز فلان الشيء فاهتز، إذا حركه فتحرك.
ومعنى: «ربت» زادت بسبب تداخل الماء والنبات فيها، يقال: ربا الشيء يربو ربوا، إذا زاد ونما، ومنه الربا والربوة.
أى: وترى- أيها العاقل- ببصرك الأرض يابسة لا نبات فيها، فإذا ما أنزلنا عليها بقدرتنا الماء، تحركت بسبب خروج النبات منها، وانتفخت بسبب ما يتخللها من الماء والنبات، وأنبتت بعد ذلك من كل صنف بهيج نضر حسن المنظر.
وشبيه بهذه الآية في أن إحياء الأرض بعد موتها دليل على إحياء الناس بعد موتهم، بقدرة الله-تبارك وتعالى- وإرادته، قوله- عز وجل -: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
قوله تعالى : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيجقوله تعالى : يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث إلى قوله : مسمىفيه اثنتا عشرة مسألة :الأولى : قوله تعالى : إن كنتم في ريب من البعث هذا احتجاج على العالم بالبداءة الأولى .
وقوله : إن كنتم في ريب متضمنة التوقيف .
وقرأ الحسن بن أبي الحسن ( البعث ) بفتح العين ؛ وهي لغة في ( البعث ) عند البصريين .
وهي عند الكوفيين بتخفيف ( بعث ) .
والمعنى : يا أيها الناس إن كنتم في شك من الإعادة .
فإنا خلقناكم أي خلقنا أباكم الذي هو أصل البشر ، يعني آدم - عليه السلام - ( من تراب ) .
( ثم ) خلقنا ذريته .
( من نطفة ) وهو المني ؛ سمي نطفة لقلته ، وهو القليل من الماء ، وقد يقع على الكثير منه ؛ ومنه الحديث حتى يسير الراكب بين النطفتين لا يخشى جورا .
أراد بحر المشرق وبحر المغرب .
والنطف : القطر .
نطف ينطف وينطف .
وليلة نطوفة دائمة القطر .
( ثم من علقة ) وهو الدم الجامد .
والعلق الدم العبيط ، أي الطري .
وقيل : الشديد الحمرة .
( ثم من مضغة ) وهي لحمة قليلة قدر ما يمضغ ؛ ومنه الحديث ألا وإن في الجسد مضغة .
وهذه الأطوار أربعة أشهر .
قال ابن عباس : وفي العشر بعد الأشهر الأربعة ينفخ فيه الروح ، فذلك عدة المتوفى عنها زوجها ؛ أربعة أشهر وعشر .
الثانية : روى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، حدثنا داود ، عن عامر ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، وعن ابن عمر أن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه فقال : يا رب ، ذكر أم أنثى ، شقي أم سعيد ، ما الأجل والأثر ، بأي أرض تموت ؟ فيقال له انطلق إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها قصة هذه النطفة ، فينطلق فيجد قصتها في أم الكتاب ، فتخلق فتأكل رزقها وتطأ أثرها فإذا جاء أجلها قبضت فدفنت في المكان الذي قدر لها ؛ ثم قرأ عامر يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب .
وفي الصحيح عن أنس بن مالك - ورفع الحديث - قال : إن الله قد وكل بالرحم ملكا فيقول : أي رب ، نطفة .
أي رب ، علقة .
أي رب ، مضغة .
فإذا أراد الله أن يقضي خلقا ، قال : قال الملك : أي رب ، ذكر ، أو أنثى ، شقي ، أو سعيد .
فما الرزق ؟ فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمه .
وفي الصحيح أيضا عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها ، وخلق سمعها ، وبصرها ، وجلدها ، ولحمها ، وعظامها ، ثم يقول : أي رب ، أذكر ، أم أنثى ... وذكر الحديث .
وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود ، قال : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي ، أو سعيد ... الحديث .
فهذا الحديث مفسر للأحاديث الأول ؛ فإنه فيه : يجمع أحدكم في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم أربعين يوما علقة ، ثم أربعين يوما مضغة ، ثم يبعث الملك ، فينفخ فيه الروح ، فهذه أربعة أشهر ، وفي العشر ينفخ الملك الروح ، وهذه عدة المتوفى عنها زوجها كما قال ابن عباس .
وقوله : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه قد فسره ابن مسعود ، سئل الأعمش : ما يجمع في بطن أمه ؟ فقال : حدثنا خيثمة ، قال : قال عبد الله : إذا وقعت النطفة في الرحم ، فأراد أن يخلق منها بشرا طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعر ، ثم تمكث أربعين يوما ، ثم تصير دما في الرحم ؛ فذلك جمعها ، وهذا وقت كونها علقة .
الثالثة : نسبة الخلق والتصوير للملك نسبة مجازية لا حقيقية ، وأن ما صدر عنه فعل ما في المضغة كان عند التصوير ، والتشكيل بقدرة الله ، وخلقه ، واختراعه ؛ ألا تراه سبحانه قد أضاف إليه الخلقة الحقيقية ، وقطع عنها نسب جميع الخليقة ، فقال : ولقد خلقناكم ثم صورناكم .
وقال : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين .
وقال : يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة .
وقال تعالى : هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن .
ثم قال : وصوركم فأحسن صوركم .
وقال : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم .
وقال : خلق الإنسان من علق .
إلى غير ذلك من الآيات ، مع ما دلت عليه قاطعات البراهين أن لا خالق لشيء من المخلوقات إلا رب العالمين .
وهكذا القول في قوله : ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح أي أن النفخ سبب خلق الله فيها الروح والحياة .
وكذلك القول في سائر الأسباب المعتادة ؛ فإنه بإحداث الله تعالى لا بغيره .
فتأمل هذا الأصل وتمسك به ، ففيه النجاة من مذاهب أهل الضلال الطبعيين وغيرهم .
الرابعة : لم يختلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة وعشرين يوما ، وذلك تمام أربعة أشهر ودخوله في الخامس ؛ كما بيناه بالأحاديث .
وعليه يعول فيما يحتاج إليه من الأحكام في الاستلحاق عند التنازع ، وفي وجوب النفقات على حمل المطلقات ؛ وذلك لتيقنه بحركة الجنين في الجوف .
وقد قيل : إنه الحكمة في عدة المرأة من الوفاة بأربعة أشهر وعشر ، وهذا الدخول في الخامس يحقق براءة الرحم ببلوغ هذه المدة إذا لم يظهر حمل .
الخامسة : النطفة ليست بشيء يقينا ، ولا يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة إذا لم تجتمع في الرحم ، فهي كما لو كانت في صلب الرجل ؛ فإذا طرحته علقة فقد تحققنا أن النطفة قد استقرت واجتمعت واستحالت إلى أول أحوال يتحقق به أنه ولد .
وعلى هذا فيكون وضع العلقة فما فوقها من المضغة وضع حمل ، تبرأ به الرحم ، وتنقضي به العدة ، ويثبت به لها حكم أم الولد .
وهذا مذهب مالك - رضي الله عنه - وأصحابه .
وقال الشافعي - رضي الله عنه - : لا اعتبار بإسقاط العلقة ، وإنما الاعتبار بظهور الصورة والتخطيط ؛ فإن خفي التخطيط ، وكان لحما فقولان بالنقل والتخريج ، والمنصوص أنه تنقضي به العدة ولا تكون أم ولد .
قالوا : لأن العدة تنقضي بالدم الجاري ، فبغيره أولى .
السادسة : قوله تعالى : مخلقة وغير مخلقة قال الفراء : ( مخلقة ) تامة الخلق ، وغير مخلقة السقط .
وقال ابن الأعرابي : ( مخلقة ) قد بدأ خلقها ، وغير مخلقة لم تصور بعد .
ابن زيد : المخلقة التي خلق الله فيها الرأس ، واليدين ، والرجلين ، وغير مخلقة التي لم يخلق فيها شيء .
قال ابن العربي : إذا رجعنا إلى أصل الاشتقاق فإن النطفة ، والعلقة ، والمضغة مخلقة ؛ لأن الكل خلق الله تعالى ، وإن رجعنا إلى التصوير الذي هو منتهى الخلقة كما قال الله تعالى : ثم أنشأناه خلقا آخر فذلك ما قال ابن زيد .
قلت : التخليق من الخلق ، وفيه معنى الكثرة ، فما تتابع عليه الأطوار فقد خلق خلقا بعد خلق ، وإذا كان نطفة فهو مخلوق ؛ ولهذا قال الله تعالى : ثم أنشأناه خلقا آخر والله أعلم .
وقد قيل : إن قوله : مخلقة وغير مخلقة يرجع إلى الولد بعينه لا إلى السقط ؛ أي منهم من يتم الرب سبحانه مضغته فيخلق له الأعضاء أجمع ، ومنهم من يكون خديجا ناقصا غير تام .
وقيل : ( المخلقة أن تلد المرأة لتمام الوقت ) .
ابن عباس : المخلقة ما كان حيا ، وغير المخلقة السقط .
قال .
أفي غير المخلقة البكاء فأين الحزم ويحك والحياءالسابعة : أجمع العلماء على أن الأمة تكون أم ولد بما تسقطه من ولد تام الخلق .
وعند مالك ، والأوزاعي ، وغيرهما بالمضغة كانت مخلقة أو غير مخلقة .
قال مالك : إذا علم أنها مضغة .
وقال الشافعي ، وأبو حنيفة : إن كان قد تبين له شيء من خلق بني آدم أصبع أو عين أو غير ذلك فهي له أم ولد .
وأجمعوا على أن المولود إذا استهل صارخا يصلى عليه ؛ فإن لم يستهل صارخا لم يصل عليه عند مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وغيرهم .
وروي عن ابن عمر أنه يصلى عليه ؛ وقال ابن المسيب ، وابن سيرين ، وغيرهما .
وروي عن المغيرة بن شعبة أنه كان يأمر بالصلاة على السقط ، ويقول سموهم ، واغسلوهم ، وكفنوهم ، وحنطوهم ؛ فإن الله أكرم بالإسلام كبيركم وصغيركم ، ويتلو هذه الآية فإنا خلقناكم من تراب إلى وغير مخلقة .
قال ابن العربي : لعل المغيرة بن شعبة أراد بالسقط ما تبين خلقه فهو الذي يسمى ، وما لم يتبين خلقه فلا وجود له .
وقال بعض السلف : يصلى عليه متى نفخ فيه الروح وتمت له أربعة أشهر .
وروى أبو داود ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا استهل المولود ورث .
الاستهلال : رفع الصوت ؛ فكل مولود كان ذلك منه ، أو حركة ، أو عطاس ، أو تنفس فإنه يورث لوجود ما فيه من دلالة الحياة .
وإلى هذا ذهب سفيان الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي .
قال الخطابي : وأحسنه قول أصحاب الرأي .
وقال مالك : لا ميراث له ، وإن تحرك ، أو عطس ما لم يستهل .
وروي عن محمد بن سيرين ، والشعبي ، والزهري ، وقتادة .
الثامنة : قال مالك - رضي الله عنه - : ما طرحته المرأة من مضغة ، أو علقة ، أو ما يعلم أنه ولد إذا ضرب بطنها ففيه الغرة .
وقال الشافعي : لا شيء فيه حتى يتبين من خلقه .
قال مالك : إذا سقط الجنين فلم يستهل صارخا ففيه الغرة .
وسواء تحرك ، أو عطس فيه الغرة أبدا ، حتى يستهل صارخا ففيه الدية كاملة .
وقال الشافعي - رضي الله عنه - وسائر فقهاء الأمصار : إذا علمت حياته بحركة ، أو بعطاس ، أو باستهلال ، أو بغير ذلك مما تستيقن به حياته ففيه الدية .
التاسعة : ذكر القاضي إسماعيل أن عدة المرأة تنقضي بالسقط الموضوع ، واحتج عليه بأنه حمل ، وقال : قال الله تعالى : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن .
قال القاضي إسماعيل : والدليل على ذلك أنه يرث أباه ، فدل على وجوده خلقا وكونه ولدا وحملا .
قال ابن العربي : ولا يرتبط به شيء من هذه الأحكام إلا أن يكون مخلقا .
قلت : ما ذكرناه من الاشتقاق وقوله - عليه الصلاة والسلام - : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه يدل على صحة ما قلناه ، ولأن مسقطة العلقة والمضغة يصدق على المرأة إذا ألقته أنها كانت حاملا وضعت ما استقر في رحمها ، فيشملها قوله تعالى : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ولأنها وضعت مبدأ الولد عن نطفة متجسدا كالمخطط ، وهذا بين .
العاشرة : روى ابن ماجه ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا يزيد ، عن عبد الملك النوفلي ، عن يزيد بن رومان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لسقط أقدمه بين يدي أحب إلي من فارس أخلفه .
وأخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث له عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فقال : أحب إلي من ألف فارس أخلفه ورائي .
الحادية عشرة : لنبين لكم يريد : كمال قدرتنا بتصريفنا أطوار خلقكم .
ونقر في الأرحام قرئ بنصب ( نقر ) و ( نخرج ) ، رواه أبو حاتم ، عن أبي زيد ، عن المفضل ، عن عاصم ، قال : قال أبو حاتم : النصب على العطف .
وقال الزجاج : ( نقر ) بالرفع لا غير ؛ لأنه ليس المعنى : فعلنا ذلك لنقر في الأرحام ما نشاء ، وإنما خلقهم - عز وجل - ليدلهم على الرشد والصلاح .
وقيل : المعنى لنبين لهم أمر البعث ؛ فهو اعتراض بين الكلامين .
وقرأت هذه الفرقة بالرفع ( ونقر ) ؛ المعنى : ونحن نقر .
وهي قراءة الجمهور .
وقرئ : ( ويقر ) و ( يخرجكم ) بالياء ، والرفع على هذا سائغ .
وقرأ .
ابن وثاب ( ما نشاء ) بكسر النون .
والأجل المسمى يختلف بحسب جنين جنين ؛ فثم من يسقط ، وثم من يكمل أمره ويخرج حيا .
وقال : ( ما نشاء ) ولم يقل : من نشاء لأنه يرجع إلى الحمل ؛ أي يقر في الأرحام ما يشاء من الحمل ومن المضغة وهي جماد فكنى عنها بلفظ ما .
الثانية عشرة : قوله تعالى : ( ثم نخرجكم طفلا ) أي أطفالا ؛ فهو اسم جنس .
وأيضا فإن العرب قد تسمي الجمع باسم الواحد ؛ قال الشاعر :يلحينني في حبها ويلمنني إن العواذل ليس لي بأميرولم يقل أمراء .
وقال المبرد : وهو اسم يستعمل مصدرا كالرضا والعدل ، فيقع على الواحد والجمع ؛ قال الله تعالى : أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء .
وقال الطبري : وهو نصب على التمييز ، كقوله تعالى : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا .
وقيل : المعنى ثم نخرج كل واحد منكم طفلا .
والطفل يطلق من وقت انفصال الولد إلى البلوغ .
وولد كل وحشية أيضا طفل .
ويقال : جارية طفل ، وجاريتان طفل ، وجوار طفل ، وغلام طفل ، وغلمان طفل .
ويقال أيضا : طفل ، وطفلة ، وطفلان ، وطفلتان ، وأطفال .
ولا يقال : طفلات .
وأطفلت المرأة صارت ذات طفل .
والمطفلة : الظبية معها طفلها ، وهي قريبة عهد بالنتاج .
وكذلك الناقة ، مطافل ومطافيل .
والطفل ( بالفتح في الطاء ) الناعم ؛ يقال : جارية طفلة أي ناعمة ، وبنان طفل .
وقد طفل الليل إذا أقبل ظلامه .
والطفل ( بالتحريك ) : بعد العصر إذا طفلت الشمس للغروب .
والطفل ( أيضا ) : مطر ؛ قال :لوهد جاده طفل الثرياثم لتبلغوا أشدكم قيل : إن ( ثم ) زائدة كالواو في قوله : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ؛ لأن ثم من حروف النسق كالواو .
( أشدكم ) كمال عقولكم ، ونهاية قواكم .
وقد مضى في ( الأنعام ) بيانه .
ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم أي أخسه وأدونه ، وهو الهرم والخرف حتى لا يعقل ؛ ولهذا قال : لكيلا يعلم من بعد علم شيئا كما قال في سورة يس : ومن نعمره ننكسه في الخلق .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - .
يدعو فيقول : اللهم إني أعوذ بك من البخل ، وأعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ، وعذاب القبر .
أخرجه النسائي ، عن سعد ، وقال : وكان يعلمهن بنيه كما يعلم المكتب الغلمان .
وقد مضى في النحل هذا المعنى .
قوله تعالى : وترى الأرض هامدة ذكر دلالة أقوى على البعث فقال في الأول : فإنا خلقناكم من تراب فخاطب جمعا .
وقال في الثاني : وترى الأرض فخاطب واحدا ، فانفصل اللفظ عن اللفظ ، ولكن المعنى متصل من حيث الاحتجاج على منكري البعث .
( هامدة ) يابسة لا تنبت شيئا ؛ قال ابن جريج .
وقيل : دارسة .
والهمود الدروس .
قال الأعشى :قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا وأرى ثيابك باليات همداالهروي : ( هامدة ) أي جافة ذات تراب .
وقال شمر : يقال : همد شجر الأرض إذا بلي وذهب .
وهمدت أصواتهم إذا سكنت .
وهمود الأرض ألا يكون فيها حياة ، ولا نبت ، ولا عود ، ولم يصبها مطر .
وفي الحديث : حتى كاد يهمد من الجوع أي يهلك .
يقال : همد الثوب يهمد إذا بلي .
وهمدت النار تهمد .
قوله تعالى : فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت أي تحركت .
والاهتزاز : شدة الحركة ؛ يقال : هززت الشيء فاهتز ؛ أي حركته فتحرك .
وهز الحادي الإبل هزيزا فاهتزت هي إذا تحركت في سيرها بحدائه .
واهتز الكوكب في انقضاضه .
وكوكب هاز .
فالأرض تهتز بالنبات ؛ لأن النبات لا يخرج منها حتى يزيل بعضها من بعض إزالة خفية ؛ فسماه اهتزازا مجازا .
وقيل : اهتز نباتها ، فحذف المضاف ؛ قال المبرد ، واهتزازه شدة حركته ، كما قال الشاعر :تثنى إذا قامت وتهتز إن مشت كما اهتز غصن البان في ورق خضروالاهتزاز في النبات أظهر منه في الأرض .
( وربت ) أي ارتفعت وزادت .
وقيل : انتفخت ؛ والمعنى واحد ، وأصله الزيادة .
ربا الشيء يربو ربوا أي زاد ؛ ومنه الربا والربوة .
وقرأ يزيد بن القعقاع ، وخالد بن إلياس ( وربأت ) أي ارتفعت حتى صارت بمنزلة الربيئة ، وهو الذي يحفظ القوم على شيء مشرف ؛ فهو رابئ وربيئة على المبالغة .
قال امرؤ القيس :بعثنا ربيئا قبل ذاك مخملا كذئب الغضا يمشي الضراء ويتقي( وأنبتت ) أي أخرجت .
( من كل زوج ) أي لون .
( بهيج ) أي حسن ؛ عن قتادة .
أي يبهج من يراه .
والبهجة الحسن ؛ يقال : رجل ذو بهجة .
وقد بهج ( بالضم ) بهاجة وبهجة فهو بهيج .
وأبهجني أعجبني بحسنه .
ولما وصف الأرض بالإنبات دل على أن قوله : اهتزت وربت يرجع إلى الأرض لا إلى النبات ، والله أعلم .


شرح المفردات و معاني الكلمات : الناس , ريب , البعث , خلقناكم , تراب , نطفة , علقة , مضغة , مخلقة , مخلقة , لنبين , ونقر , الأرحام , نشاء , أجل , مسمى , نخرجكم , طفلا , لتبلغوا , أشدكميتوفىيرد , أرذل , العمر , لوكيلا , يعلم , علم , وترى , الأرض , هامدة , أنزلنا , الماء , اهتزت , وربت , أنبتت , زوج , بهيج ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم


تحميل سورة الحج mp3 :

سورة الحج mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الحج

سورة الحج بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الحج بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الحج بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الحج بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الحج بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الحج بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الحج بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الحج بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الحج بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الحج بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, April 25, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب