تفسير الطبري تفسير الصفحة 332 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 332
333
331
 سورة الـحج مدنـية
وآياتها ثمانِ وسبعون
بِسمِ اللّهِ الرحمَن الرّحِيـمِ

الآية : 1 -2
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمْ إِنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلّ مُرْضِعَةٍ عَمّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النّاسَ سُكَارَىَ وَمَا هُم بِسُكَارَىَ وَلَـَكِنّ عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ }.
قال أبو جعفر: يقول تعالـى ذكره: يا أيها الناس احذروا عقاب ربكم بطاعته, فأطيعوه ولا تعصُوه, فإن عقابه لـمن عاقبه يوم القـيامة شديد. ثم وصف جلّ ثناؤه هول أشراط ذلك الـيوم وبدوّه, فقال: إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةٍ شَيْءٌ عَظِيـمٌ.
واختلف أهل العلـم فـي وقت كون الزلزلة التـي وصفها جلّ ثناؤه بـالشدّة, فقال بعضهم: هي كائنة فـي الدنـيا قبل يوم القـيامة. ذكر من قال ذلك:
18831ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن إبراهيـم, عن علقمة, فـي قوله: إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيـمٌ قال: قبل الساعة.
18832ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار, قال: حدثنا مـحمد بن الصلت, قال: حدثنا أبو كدنـية, عن عطاء, عن عامر: يا أيّها النّاسُ اتقُوا رَبّكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظيـمٌ قال: هذا فـي الدنـيا قبل يوم القـيامة.
18833ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جُرَيج فـي قوله: إنّ زَلْزَلَةَ السَاعَةِ فقال: زلزلتها: أشراطها... الاَيات يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلّ ذَاتِ حَمْلٍ حَملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى وَما هُمْ بِسُكارَى.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن عامر: يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيـمٌ قال: هذا فـي الدنـيا من آيات الساعة.
وقد رُوي عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بنـحو ما قال هؤلاء خبر, فـي إسناده نظر وذلك ما:
18834ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي, عن إسماعيـل بن رافع الـمدنـي, عن يزيد بن أبـي زياد, عن رجل من الأنصار, عن مـحمد بن كعب القُرَظيّ, عن رجل من الأنصار, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لـمَا فَرَغَ اللّهُ منْ خَـلْقِ السمَوَاتِ والأرْضِ, خَـلَقَ الصّوْرَ فأعْطاهُ إسْرَافِـيـلَ, فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلـى فـيهِ, شاخِصٌ بِبَصَرِهِ إلـى العَرْشِ, يَنْتَظِرُ مَتـى يُؤْمَرُ.» قال أبو هريرة: يا رسول الله, وما الصور؟ قال: «قَرْنٌ». قال: وكيف هو؟ قال: «قَرْنٌ عَظِيـمٌ يُنْفَخُ فـيهِ ثَلاثّ نَفَخاتٍ, الأُولـى: نَفْخَةُ الفَزَعِ, والثانـيَةُ: نَفْخَةُ الصّعْقِ, والثالِثَةُ: نَفْخَةُ القِـيامِ لِرَبّ العالَـمِينَ. يَأْمُرُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ إسْرافـيـلَ بـالنّفْخَةِ الأُولـى, فَـيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ فَـيَفْزَعُ أهْلُ السّمَواتِ والأَرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ الله, ويَأْمُرُ اللّهُ فَـيُدِيـمُها وَيُطَوّلها, فَلا يَفْتُرُ, وَهِيَ التِـي يَقُولُ اللّهُ: ما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ فَـيُسَيّرُ اللّهُ الـجِبـالَ فَتَكُونُ سَرَابـا, وَتُرَجّ الأرْضُ بأهلها رَجّا, وَهِيَ الّتِـي يَقُولُ اللّهُ: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ, فَتَكُونُ الأرْض كالسّفِـينَةِ الـموبَقَةِ فـي البَحْرِ تَضْرِبُها الأَمْوَاجُ تُكْفَأُ بأَهْلها, أوْ كالقِنْديـلِ الـمُعَلّقِ بـالعَرْشِ تُرَجّحُهُ الأَرْوَاحُ فَتَـمِيدُ الناسُ عَلـى ظَهْرِها فَتَذْهَلُ الـمَرَاضِعُ, وَتَضَعُ الـحَوَامِلُ, وَتَشِيبُ الولْدَانُ, وَتَطيرُ الشياطِينُ هارِبَةً حتـى تَأْتـي الأَقْطار فَتَلَقّاها الـمَلائِكَةُ فَتَضْرِبُ وُجُوهَها, فَترْجِعُ وَيُوَلّـي النّاس مُدْبِرِينَ يُنادِي بَعْضَهُمْ بَعْضَا, وَهُوَ الذِي يَقُولُ اللّهُ: يَوْمَ التنادِ يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ فَبَـيْنَـما هُمْ عَلـى ذلكَ, إذْ تَصَدّعَتِ الأرْضُ مِنْ قُطْرٍ إلـى قُطْرٍ, فَرَأوْا أمْرا عَظِيـما, وأَخَذَهُمْ لِذَلكَ مِن الكَرْبِ ما اللّهُ أعْلَـمُ بِهِ, ثُمّ نَظَرُوا إلـى السّماءِ فإذَا هِيَ كالـمُهْلِ, ثُم خُسِفَ شمْسُها وخُسِفَ قَمَرُها وَانْتَثرَتْ نُـجُومُها, ثُمّ كُشِطَتْ عَنْهُمْ» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والأمْوَاتُ لا يَعْلَـمُون بِشَيْءٍ مِنْ ذلكَ» فقال أبو هريرة: فمن استثنى لله حين يقول: فَفَزِعَ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِـي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ؟ قال: «أُولَئِكَ الشّهَدَاءُ, وإنّـمَا يَصلُ الفَزَعُ إلـى الأحْياء, أُولَئِكَ أحْياءٌ عِنْدَ رَبّهمْ يُرْزَقُونَ, وَقاهُمُ اللّهُ فَزَعَ ذلكَ الـيَوْم وآمَنَهُمْ. وَهُوَ عَذَابُ اللّهِ يَبْعَثُهُ عَلـى شِرَارِ خَـلْقِهِ, وَهُوَ الّذِي يَقُولُ: يا أيها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيـمٌ... إلـى قوله: وَلَكِنّ عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ».
وهذا القول الذي ذكرناه عن علقمة والشعبـيّ ومن ذكرنا ذلك عنه قولٌ, لولا مـجيء الصحاح من الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه, ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلـم بـمعانـي وحي الله وتنزيـله. والصواب من القول فـي ذلك ما صحّ به الـخبر عنه. ذكر الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بـما ذكرنا:
18835ـ حدثنـي أحمد بن الـمقدام, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت أبـي يحدّث عن قتادة, عن صاحب له حدّثه, عن عمران بن حُصين, قال: بـينـما رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي بعض مغازيه وقد فـاوت السّير بأصحابه, إذ نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الاَية: «يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيـمٌ». قال: فحَثّوا الـمطيّ, حتـى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هَلْ تَدْرُونَ أيّ يَوْمٍ ذَلكَ؟» قالوا: الله ورسوله أعلـم. قال: «ذلكَ يَوْمَ يُنادَى آدَمُ, يُنادِيهِ رَبّهُ: ابْعَثْ بَعْثَ النارِ, مِنْ كُلّ ألْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ إلـى النّارِ» قال: فأبلس القوم, فما وضح منهم ضاحك, فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا احْمَلُوا وأبْشِرُوا, فإنّ مَعَكُمْ خَـلِـيقَتَـيْنِ ما كانَتا فِـي قَوْمٍ إلاّ كَثَرَتاهُ, فَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَنـي آدَمَ, وَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَنـي إبْلِـيسَ وَيأْجُوجَ وَمأْجُوجَ». قال: «أبْشِرُوا, ما أنْتُـمْ فِـي النّاسِ إلاّ كالشّامَةِ فِـي جَنْبِ البَعِيرِ, أو كالرّقْمة فـي جَناحِ الدّابَة».
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, قال: حدثنا هشام بن أبـي عبد الله, عن قتادة, عن الـحسن, عن عمران بن حصين, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم. وحدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: حدثنا أبـي وحدثنا ابن أبـي عديّ, عن هشام جميعا, عن قَتادة, عن الـحسن, عن عمران بن حصين, عن البنـيّ صلى الله عليه وسلم بـمثله.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مـحمد بن بشر, عن سعيد بن أبـي عروبة, عن قَتادة, عن العلاء بن زياد عن عمران, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, بنـحوه.
18836ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا عوف, عن الـحسن, قال: بلغنـي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لـما قـفل من غزوة العُسْرة, ومعه أصحابه, بعد ما شارف الـمدينة, قرأ: يا أيّها النّاسُ اتقُوا رَبكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيـمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها... الاَية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتَدْرُونَ أيّ يوم ذَاكُمْ»؟ قـيـل: الله ورسوله أعلـم. فذكر نـحوه, إلا أنه زاد: «وإنّهُ لَـمْ يَكُنْ رَسُولانِ إلاّ كانَ بَـيْنَهُما فَتْرَةٌ مِنَ الـجاهِلِـيّةِ, فَهُمْ أهْلُ النّارِ وإنّكُمْ بـينَ ظَهْرَانْـي خَـلِـيقَتَـيْنِ لا يُعادّهما أحدٌ مِنْ أهْلِ الأرْضِ إلاّ كَثَرُوهُمْ, وَهُمْ يَأْجُوجُ وَمأجُوجُ, وَهُمْ أهْلُ النارِ, وَتَكْمُلُ العِدّةُ مِنَ الـمُنافِقِـينَ».
18837ـ حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعوديّ, قال: حدثنا أبـي, عن أبـيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن أبـي صالـح عن أبـي سعيد, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يُقالُ لاَدَمَ: أخْرِجْ بَعْثَ النّار, قالَ: فَـيَقُولُ: وَما بَعْثُ النّارِ؟ فَـيَقُولُ: مِنْ كُلّ ألْفٍ تِسْعَ مئَةٍ وتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. فَعِنْدَ ذلكَ يَشِيبُ الصّغِيرُ, وَتَضَعُ الـحاملُ حَمَلها, وَتَرَى النّاسَ سُكارَى وَما هُمْ بِسُكارَى, وَلَكِنّ عَذَابَ اللّهِ شَديدٌ». قالَ: قُلْنا فَأين الناجي يا رسول الله؟ قال: «أبْشِرُوا فإنّ وَاحِدا منْكُمْ وألْفـا منْ يَأْجُوجَ وَمأجُوجَ». ثُمّ قالَ: «إنّـي لأَطْمَعُ أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهلِ الـجَنّةِ» فَكَبّرْنا وحَمِدْنا اللّهَ. ثم قال: «إنّـي لأَطْمَعُ أنْ تكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الـجَنةِ» فكَبّرْنا وحَمِدْنا اللّهَ. ثم قال: «إنّـي لأطْمَعُ أنْ تَكُونُوا نِصْفَ أهْلِ الـجَنةِ إنّـمَا مَثَلُكُمْ فِـي النّاسِ كمَثَلِ الشّعْرَةِ البَـيْضَاءِ فـي الثّوْرِ الأسْوَدِ, أو كَمَثلِ الشّعْرَةِ السّوْدَاءِ فِـي الثوْرِ الأبْـيَضِ».
حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن أبـي صالـح, عن أبـي سعيد الـخُدْريّ, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَقُول اللّهُ لاَدَمَ يَوْمَ القِـيامَةِ» ثم ذكر نـحوه.
حدثنـي عيسى بن عثمان بن عيسى الرملـيّ, قال: حدثنا يحيى بن عيسى, عن الأعمش, عن أبـي صالـح, عن أبـي سعيد, قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الـحشر, قال: «يقولُ اللّهُ يَوْمَ القِـيامَةِ يا آدَمُ فَـيَقُولُ: لَبّـيْكَ وَسَعْدَيْكَ والـخَيْرُ بِـيَدَيْكَ فَـيَقُولُ: ابْعَثْ بَعْثا إلـى النّارِ». ثم ذكر نـحوه.
18838ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قَتادة, عن أنس قال: نزلت يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيـمٌ... حتـى إلـى: عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ... الاَية علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو فـي مسير, فرجّع بها صوته, حتـى ثاب إلـيه أصحابه, فقال: «أتَدْرُونَ أيّ يَوْمٍ هَذَا؟ هَذَا يَوْمَ يَقُولُ اللّهُ لاَدَمَ: يا آدَمُ قُمْ فـابْعَثَ النارِ مِنْ كُلّ ألْفٍ تِسْعَ مئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ» فكُبر ذلك علـى الـمسلـمين, فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «سَدّدُوا وَقارِبُوا وأبْشِرُوا فَوَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ ما أنْتُـمْ فِـي الناسِ إلاّ كالشّامَةِ فـي جَنْبِ البَعِيرِ, أو كالرّقْمَةِ فِـي ذِرَاعِ الدّابّةِ, وإنّ مَعَكُمْ لَـخَـلِـيقَتَـيْنِ ما كانَتا فِـي شَيْءٍ قَطّ إلاّ كَثَرَتاهُ: يَأْجُوجُ وَمأْجُوجُ, وَمَنْ هَلَكَ من كَفَرَةِ الـجِنّ والإنْسِ».
18839ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن إسحاق, عن عمرو بن ميـمون, قال: دخـلت علـى ابن مسعود بـيت الـمال, فقال: سمعت النبـيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «أتَرْضَوْنَ أن تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الـجَنةِ؟» قُلنا نعم, قال: «أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الـجَنةِ؟» قلنا: نعم قال: «فوَالّذِي نَفْسِي بـيَدِهِ, إنّـي لأرْجُوا أنْ تَكُونّوا شَطْرَ أهْلِ الـجَنّةِ, وَسأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذلكَ إنّه لا يَدْخُـلُ الـجَنّةَ إلاّ نَفْسٌ مُسْلِـمَةٌ, وَإنّ قِلّةَ الـمُسْلِـمِينَ فِـي الكُفّـارِ يَوْمَ القِـيامَةِ كالشّعْرَةِ السّوْدَاءِ فِـي الثّوْرِ الأبْبَضِ, أو كالشّعْرَةِ البَـيْضَاءِ فِـي الثّوْرِ الأسْوَدِ».
18840ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيـمٌ قال: هذا يوم القـيامة.
والزلزلة: مصدر من قوله القائل: زلزلتُ بفلان الأرض أزلزلها زلزلة وزِلزالاً, بكسر الزاي من الزّلزال, كما قال الله: إذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا وكذلك الـمصدر من كل سلـيـم من الأفعال إذا جاءت علـى فِعلال فبكسر أوّله, مثل وَسْوس وَسْوَسَة ووِسْواسا, فإذا كان اسما كان بفتـح أوّله الزّلزال والوَسْواس, وهو ما وسوس إلـى الإنسان, كما قال الشاعر:
يَعْرِف الـجاهِلُ الـمُضَلّلُ أنّ الدّهْرَ فِـيهِ النّكْرَاءُ والزّلْزَالُ
وقوله تعالـى: يَوْمَ تَرَوْنَها يقول جلّ ثناؤه: يوم ترون أيها الناس زلزلة الساعة تذهل من عظمها كل مرضعة مولود عما أرضعت. ويعنـي بقوله: تَذْهَلُ تنسى وتترك من شدّة كربها, يقال: ذَهَلْت عن كذا أذْهَلَ عنه ذُهُولاً وَذَهِلْت أيضا, وهي قلـيـلة, والفصيح: الفتـح فـي الهاء, فأما فـي الـمستقبل فـالهاء مفتوحة فـي اللغتـين, لـم يسمع غير ذلك ومنه قول الشاعر.
صَحَا قَلْبُهُ يا عَزّ أوْ كادَ يَذْهَلُ
فأما إذا أريد أن الهول أنساه وسلاه, قلت: أذهله هذا الأمر عن كذا يُذهله إذهالاً. وفـي إثبـات الهاء فـي قوله: كُلّ مُرْضعَة اختلاف بـين أهل العربـية وكان بعض نـحويّـي الكوفـيـين يقول: إذا أثبتت الهاء فـي الـمرضعة فإنـما يراد أمّ الصبـيّ الـمرضع, وإذا أسقطت فإنه يراد الـمرأة التـي معها صبـيّ ترضعه لأنه أريد الفعل بها. قالوا: ولو أريد بها الصفة فـيـما يرى لقال مُرْضع. قال: وكذلك كل مُفْعِل أو فـاعل يكون للأنثى ولا يكون للذكر, فهو بغير هاء, نـحو: نُقْرب, ومُوقِر, ومُشْدن, وحامل, وحائض.
قال أبو جعفر: وهذا القول عندي أولـى بـالصواب فـي ذلك لأن العرب من شأنها إسقاط هاء التأنـيث من كل فـاعل ومفعل إذا وصفوا الـمؤنث به ولو لـم يكن للـمذكر فـيه حظّ, فإذا أرادوا الـخبر عنها أنها ستفعله ولـم تفعله, أثبتوا هاء التأنـيث لـيفرقوا بـين الصفة والفعل. منه قول الأعشى فـيـما هو واقع ولـم يكن وقع قبل:
فَمثْلِكَ حُبْلَـى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍفألْهَيْتُها عَنْ ذِي ثَمائِمَ مُـحْوِلِ
وربـما أثبتوا الهاء فـي الـحالتـين وربـما أسقطوهما فـيهما غير أن الفصيح من كلامهم ما وصفت.
فتأويـل الكلام إذن: يوم ترون أيها الناس زلزلة الساعة, تنسى وتترك كلّ والدة مولود ترضع ولدها عما أرضعت. كما:
18841ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أرْضَعَتْ قال: تترك ولدها للكرب الذي نزل بها.
18842ـ حدثنا القسام, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر, عن الـحسن: تَذْهَلُ كُلّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أرْضَعَتْ قال: ذهلت عن أولادها بغير فطام. وتَضَعُ كُلّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَها قال: ألقت الـحوامل ما فـي بطونها لغير تـمام. وتَضَعُ كُلّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا: يقول: وتسقط كل حامل من شدّة كرب ذلك حملها.
وقوله: وَتَرَى النّاسَ سُكارَى قرأت قرّاء الأمصار وَتَرَى النّاسَ سُكارَى علـى وجه الـخطاب للواحد, كأنه قال: وترى يا مـحمد الناس سُكارى وما هم بسُكارى. وقد رُوي عن أبـي زُرْعة بن عمرو بن جرير: «وَتُرَى النّاسَ» بضم التاء ونصب «الناس», من قول القائل: أُرِيْت تُرى, التـي تطلب الاسم والفعل, كظنّ وأخواتها.
والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا ما علـيه قرّاء الأمصار, لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه.
واختلف القرّاء فـي قراءة قوله: سُكارَى فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: سُكارَى وَما هُمْ بِسُكارَى. وقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة: «وَتَرَى النّاسَ سَكْرَى وَما هُمْ بِسَكْرَى».
والصواب من القول فـي ذلك عندنا, أنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قَراءةَ الأمصار, متقاربتا الـمعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب. ومعنى الكلام: وترى الناس يا مـحمد من عظيـم ما نزل بهم من الكرب وشدّته سُكارى من الفزع وما هم بسُكارى من شرب الـخمر.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18843ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر, عن الـحسن: وَتَرَى النّاسَ سُكارَى من الـخوف, وَما هُمْ بِسُكارى من الشراب.
18844ـ قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: وَما هُمْ بِسُكارَى قال: ما هُم بسكارى من الشراب وَلَكِنّ عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ.
18845ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَتَرَى النّاسَ سُكارَى وَما هُمْ بِسُكارَى قال: ما شربوا خمرا وَلَكِنّ عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ يقول تعالـى ذكره: ولكنهم صاروا سكارى من خوف عذاب الله عند معاينتهم ما عاينوا من كرب ذلك وعظيـم هوله, مع علـمهم بشدّة عذاب الله.

الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمِنَ النّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتّبِعُ كُلّ شَيْطَانٍ مّرِيدٍ }.
ذكر أن هذه الاَية: نزلت فـي النضر بن الـحارث.
18846ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فـي اللّهِ بغَيْرِ عِلْـمٍ قال: النضْر بن الـحارث.
ويعنـي بقوله: مَنْ يُجادِلُ فـي اللّهِ بغَيْرِ عِلْـمٍ من يخاصم فـي الله, فـيزعم أن الله غير قادر علـى إحياء من قد بَلـي وصار ترابـا, بغير علـم يعلـمه, بل بجهل منه بـما يقول. وَيَتّبِعُ فـي قـيـله ذلك وجداله فـي الله بغير علـم كُلّ شَيْطانٍ مّرِيدٍ.

الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنّهُ مَن تَوَلاّهُ فَأَنّهُ يُضِلّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىَ عَذَابِ السّعِيرِ }.
يقول تعالـى ذكره: قُضي علـى الشيطان فمعنى: «كُتِبَ» ههنا قُضِي, والهاء التـي فـي قوله «علـيه» من ذكر الشيطان. كما:
18847ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر عن قتادة: كُتِبَ عَلَـيْهِ أنّهُ مَنْ تَوَلاّهُ قال: كُتب علـى الشيطان, أنه من اتبع الشيطان من خـلق الله.
18848ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: كُتِبَ عَلَـيْهِ أنّهُ مَنْ تَوَلاّهُ قال: الشيطان اتبعه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد أنّهُ مَنْ تَوَلاّهُ, قال: اتبعه.
وقوله: فأنّهُ يُضِلّهُ يقول: فإن الشيطان يضله, يعنـي: يضلّ من تولاه. والهاء التـي فـي «يضله» عائدة علـى «من» التـي فـي قوله: مَنْ تَوَلاّهُ وتأويـل الكلام: قُضِي علـى الشيطان أنه يضلّ أتبـاعه ولا يهديهم إلـى الـحقّ. وقوله: ويَهْدِيهِ إلـى عَذَابِ السّعِيرِ يقول: ويَسُوقُ مَنْ اتّبَعَهُ إلـى عذاب جهنـم الـموقدة وسياقه إياه إلـيه بدعائه إلـى طاعته ومعصيته الرحمن, فذلك هدايته من تبعه إلـى عذاب جهنـم.

الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَأَيّهَا النّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مّنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْنَاكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمّ مِن مّضْغَةٍ مّخَلّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلّقَةٍ لّنُبَيّنَ لَكُمْ وَنُقِرّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى ثُمّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمّ لِتَبْلُغُوَاْ أَشُدّكُمْ وَمِنكُمْ مّن يُتَوَفّىَ وَمِنكُمْ مّن يُرَدّ إِلَىَ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }.
وهذا احتـجاج من الله علـى الذي أخبر عنه من الناس أنه يجادل فـي الله بغير علـم, اتبـاعا منه للشيطان الـمريد وتنبـيه له علـى موضع خطأ قـيـله وإنكاره ما أنكر من قدرة ربه. قال: يا أيها الناس إن كنتـم فـي شكّ من قدرتنا علـى بعثكم من قبوركم بعد مـماتكم وبلاكُم استعظاما منكم لذلك, فإن فـي ابتدائنا خـلق أبـيكم آدم صلى الله عليه وسلم من تراب ثم إنشائناكم من نطفة آدم ثم تصريفناكم أحوالاً حالاً بعد حال, من نطفة إلـى علقة, ثم من علقة إلـى مُضغة, لكم معتبرا ومتعظا تعتبرون به, فتعلـمون أن من قدر علـى ذلك فغير متعذّر علـيه إعادتكم بعد فنائكم كما كنتـم أحياء قبل الفناء.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: مخـلّقةٍ وغَيْرِ مُخَـلّقَةٍ فقال بعضهم: هي من صفة النطفة. قال: ومعنى ذلك: فإنا خـلقناكم من تراب, ثم من نطفة مخـلقة وغير مخـلقة قالوا: فأما الـمخـلقة فما كان خـلقا سَوِيّا وأما غير مخـلقة فما دفعته الأرحام من النّطَف وألقته قبل أن يكون خـلقا. ذكر من قال ذلك:
18849ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن داود بن أبـي هند, عن عامر, عن علقمة, عن عبد الله, قال: إذا وقعت النطفة فـي الرحم, بعث الله ملَكا فقال: يا ربّ مخـلقة أو غير مخـلقة؟ فإن قال: غير مخـلّقة, مـجّتها الأرحام دما, وإن قال: مخـلقة, قال: يا ربّ فما صفة هذه النطفة أذكر أم أنثى؟ ما رزقها ما أجلها؟ أشقـيّ أو سعيد؟ قال: فـيقال له: انطلق إلـى أمّ الكتاب فـاستنسخ منه صفة هذه النطفة قال: فـينطلق الـملك فـينسخها فلا تزال معه حتـى يأتـي علـى آخر صفتها.
وقال آخرون: معنى قلك: تامة وغير تامة. ذكر من قال ذلك:
18850ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا سلـيـمان, قال: حدثنا أبو هلال, عن قَتادة فـي قول الله: مُخَـلّقَةٍ وغَيرَ مُخَـلّقَةٍ قال: تامة وغير تامة.
حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن قَتادة: مُخُـلّقَةٍ وغيرِ مُخَـلّقَةٍ فذكر مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك الـمضغة إنسانا وغير مصوّرة, فإذا صوّرت فهي مخَـلقة وإذا لـم تصوّر فهي غير مخَـلقة. ذكر من قال ذلك:
18851ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بَزّة, عن مـجاهد فـي قوله: مُخَـلّقَةٍ قال: السّقط, مخـلّقة وغَير مُخَـلّقَة.
حدثنـي مـحمد بن عمر, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: مُخَـلّقَةٍ وَغيرٍ مُخَـلّقَةٍ قال: السقط, مخـلوق وغير مَخـلوق.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, بنـحوه.
18852ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عامر أنه قال فـي النطفة والـمضغة إذا نكست فـي الـخـلق الرابع كانت نَسَمة مخـلقة, وإذا قذفتها قبل ذلك فهي غير مخـلقة.
18853ـ قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن حماد بن أبـي سلـمة, عن داود بن أبـي هند, عن أبـي العالـية: مُخَـلّقَةٍ وغَيرِ مُخَـلّقَةٍ قال: السقط.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: الـمخـلقة الـمصورة خـلقا تامّا, وغير مخـلقة: السّقط قبل تـمام خـلقه لأن الـمخـلقة وغير الـمخـلقة من نعت الـمضغة والنطفة بعد مصيرها مضغة, لـم يبق لها حتـى تصير خـلقا سويّا إلا التصوير وذلك هو الـمراد بقوله: مُخَـلّقَةٍ وغَيرِ مُخَـلّقَةٍ خـلقا سويّا, وغير مخـلقة بأن تلقـيه الأم مضغة ولا تصوّر ولا ينفخ فـيها الروح.
وقوله: لِنُبَـيّنَ لَكُمْ يقول تعالـى ذكره: جعلنا الـمضغة منها الـمخـلقة التامة ومنها السقط غير التامّ, لنبـين لكم قدرتنا علـى ما نشاء ونعرّفكم ابتداءنا خـلقكم.
وقوله: وَنُقِرّ فـي الأرْحامِ ما نَشاءُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى يقول تعالـى ذكره: من كنا كتبنا له بقاء وحياة إلـى أمد وغاية, فـانا نقرّه فـي رحم أمه إلـى وقته الذي جعلنا له أن يـمكث فـي رحمها فلا تسقطه ولا يخرج منها حتـى يبلغ أجله, فإذا بلغ وقت خروجه من رحمها أذنا له بـالـخروج منها, فـيخرج.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18854ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَنُقِرّ فِـي الأرْحامِ ما نَشاءُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى قال: التـمام.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
18855ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَنُقِرّ فِـي الأرْحامِ ما نَشاءُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى قال: الأجل الـمسمى: أقامته فـي الرحم حتـى يخرج.
وقوله: ثُمّ نُـخْرِجُكُمْ طِفْلاً يقول تعالـى ذكره: ثم نـخرجكم من أرحام أمهاتكم إذا بلغتـم الأجل الذي قدرته لـخروجكم منها طفلاً صغارا ووحّد «الطفل», وهو صفة للـجميع, لأنه مصدر مثل عدل وزور. وقوله: ثُمّ لِتَبْلُغُوا أشُدّكُمْ يقول: ثم لتبلغوا كمال عقولكم ونهاية قواكم بعمركم.
وقد ذكرت اختلاف الـمختلفـين فـي الأشدّ, والصواب من القول فـيه عندنا بشواهده فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
يقول تعالـى ذكره: ومنكم أيها الناس من يُتَوفـى قبل أن يبلغ أشدّه فـيـموت, ومنكم من يُنْسَأ فـي أجله فـيعمر حتـى يهرم فـيردّ من بعد انتهاء شبـابه وبلوغه غاية أشدّه إلـى أرذل عمره, وذلك الهرم, حتـى يعود كهيئته فـي حال صبـاه لا يعقل من بعد عقله الأوّل شيئا. ومعنى الكلام: ومنكم من يردّ إلـى أرذل العمر بعد بلوغه أشدّه لِكَيْلا يَعْلَـمَ مِنْ بَعْدِ عِلْـمٍ كان يعلـمه شَيْئا.
وقوله: وَتَرَى الأرْضَ هامِدَةً يقول تعالـى ذكره: وترى الأرض يا مـحمد يابسة دارسة الاَثار من النبـات والزرع. وأصل الهمود: الدروس والدثور, ويقال منه: همدت الأرض تهمد هُمودا ومنه قول الأعشى ميـمون بن قـيس:
قالَتْ قُتَـيْـلَةُ ما لِـجِسْمِكَ شاحِبـاوأرَى ثِـيابَكَ بـالِـياتٍ هُمّدَا
والهُمّد: جمع هامد, كما الرّكّع جمع راكع.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18856ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, فـي قوله: وَتَرَى الأرْضَ هامدَةً قال: لا نبـات فـيها.
وقوله: فإذَا أنْزَلْنا عَلَـيْها الـمَاء اهْتَزّتْ يقول تعالـى ذكره: فإذا نـحن أنزلنا علـى هذه الأرض الهامدة التـي لا نبـات فـيها والـمطرَ من السماء اهْتَزّتْ يقول: تـحركت بـالنبـات, وَرَبَتْ يقول: وأضعفت النبـات بـمـجيء الغيث.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18857ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قَتادة: اهْتَزّتْ وَرَبَتْ قال: عُرِف الغيث فـي ربوها.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة: اهْتَزّتْ وَرَبَتْ قال: حسنت, وعرف الغيث فـي ربوها.
وكان بعضهم يقول: معنى ذلك: فإذا أنزلنا علـيها الـماء اهتزت. ويوجه الـمعنى إلـى الزرع, وإن كان الكلام مخرجه علـى الـخبر عن الأرض. وقرأت قراء الأمصار: وَرَبَتْ بـمعنى: الربو, الذي هو النـماء والزيادة. وكان أبو جعفر القارىء يقرأ ذلك: «وَرَبأَتْ» بـالهمز.
18858ـ حُدثت عن الفراء, عن أبـي عبد الله التـميـمي عنه.
وذلك غلط, لأنه لا وجه للرب ههنا, وإنـما يقال ربأ بـالهمز بـمعنى: حرس من الربـيئة, ولا معنى للـحراسة فـي هذا الـموضع. والصحيح من القراءة ما علـيه قراء الأمصار.
وقوله: وأنْبَتَتْ مِنْ كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ يقول جلّ ثناؤه: وأنبتت هذه الأرض الهامدة بذلك الغيث مِنْ كُلّ نوع بهيج. يعنـي بـالبهيج: البهج, وهو الـحسن.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18859ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قَتادة: وأنْبَتَتْ مِنْ كُلّ زَوْجٍ بَهيجٍ قال: حسن.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله