﴿ ۞ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾
[ الأنعام: 59]

سورة : الأنعام - Al-Anam  - الجزء : ( 7 )  -  الصفحة: ( 134 )

And with Him are the keys of the Ghaib (all that is hidden), none knows them but He. And He knows whatever there is in (or on) the earth and in the sea; not a leaf falls, but he knows it. There is not a grain in the darkness of the earth nor anything fresh or dry, but is written in a Clear Record.


كتاب مبين : اللّوح المحفوظ أو علمه تعالى

وعند الله -جل وعلا- مفاتح الغيب أي: خزائن الغيب، لا يعلمها إلا هو، ومنها: علم الساعة، ونزول الغيث، وما في الأرحام، والكسب في المستقبل، ومكان موت الإنسان، ويعلم كل ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة من نبتة إلا يعلمها، فكل حبة في خفايا الأرض، وكل رطب ويابس، مثبت في كتاب واضح لا لَبْس فيه، وهو اللوح المحفوظ.

وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر - تفسير السعدي

هذه الآية العظيمة، من أعظم الآيات تفصيلا لعلمه المحيط، وأنه شامل للغيوب كلها، التي يطلع منها ما شاء من خلقه.
وكثير منها طوى علمه عن الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين، فضلا عن غيرهم من العالمين، وأنه يعلم ما في البراري والقفار، من الحيوانات، والأشجار، والرمال والحصى، والتراب، وما في البحار من حيواناتها، ومعادنها، وصيدها، وغير ذلك مما تحتويه أرجاؤها، ويشتمل عليه ماؤها.
{ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ } من أشجار البر والبحر، والبلدان والقفر، والدنيا والآخرة، إلا يعلمها.
{ وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ } من حبوب الثمار والزروع، وحبوب البذور التي يبذرها الخلق؛ وبذور النوابت البرية التي ينشئ منها أصناف النباتات.
{ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ } هذا عموم بعد خصوص { إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } وهو اللوح المحفوظ، قد حواها، واشتمل عليها، وبعض هذا المذكور، يبهر عقول العقلاء، ويذهل أفئدة النبلاء، فدل هذا على عظمة الرب العظيم وسعته، في أوصافه كلها.
وأن الخلق -من أولهم إلى آخرهم- لو اجتمعوا على أن يحيطوا ببعض صفاته، لم يكن لهم قدرة ولا وسع في ذلك، فتبارك الرب العظيم، الواسع العليم، الحميد المجيد، الشهيد، المحيط.
وجل مِنْ إله، لا يحصي أحد ثناء عليه، بل كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده، فهذه الآية، دلت على علمه المحيط بجميع الأشياء، وكتابه المحيط بجميع الحوادث.

تفسير الآية 59 - سورة الأنعام

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو : الآية رقم 59 من سورة الأنعام

 سورة الأنعام الآية رقم 59

وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر - مكتوبة

الآية 59 من سورة الأنعام بالرسم العثماني


﴿ ۞ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ  ﴾ [ الأنعام: 59]


﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ﴾ [ الأنعام: 59]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة الأنعام Al-Anam الآية رقم 59 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 59 من الأنعام صوت mp3


تدبر الآية: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر

مَن لا يَعزُبُ عن علمه من الأحوال ما لا ثوابَ فيه ولا عقاب؛ كسقوطِ ورقةٍ من نبتة، ووجودِ حَبَّة في بقعة نائيةٍ من كونه؛ فلن تغيبَ عنه أعمالُ عباده التي جرى عليها التكليف.
مهمـا بلغَت علومُ البشر وعقـولُهم فلا يمكن أن تحيطَ بشيءٍ من علم الله تعالى إلا بما شاء.
لم يعلَمها سبحانه فحسب؛ بل جعل ذلك في كتاب؛ زيادةً في ظهور علمه وقدرته، وحجَّة على أعمال عباده.

ثم يمضى السياق القرآنى مع المكذبين المتعجلين للعذاب، فيسوق لهم صورة لعلم الله الشامل الذي لا يند عنه شيء وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ.
قال القرطبي: مَفاتِحُ جمع مفتح، ويقال مفتاح ويجمع مفاتيح، وهي قراءة ابن السميقع، والمفتح عبارة عن كل ما يخل غلقا محسوسا كان كالقفل على البيت، أو معقولا كالنظر، وروى ابن ماجة في سننه وأبى حاتم البستي في صحيحه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه» ، وهو في الآية استعارة عن التوصل إلى الغيوب كما يتوصل في الشاهد بالمفتح إلى الغيب عن الإنسان.
ولذلك قال بعضهم هو مأخوذ من قول الناس افتح على كذا، أى: أعطنى أو علمني ما أتوصل إليه به فالله-تبارك وتعالى- عنده علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه لا يملكها إلا هو، فمن شاء اطلاعه عليها أطلعه، ومن شاء حجبه عنها حجبه» .
والغيب: ما غاب عن علم الناس بحيث لا سبيل لهم إلى معرفته، وهو يشمل الأعيان المغيبة كالملائكة والجن، ويشمل الأعراض الخفية ومواقيت الأشياء وغير ذلك.
وقدم الظرف لإفادة الاختصاص، أى: عنده لا عند غيره مفاتيح الغيب، وجملة «لا يعلمها إلا هو» في موضع الحال من مفاتح، وهي مؤكدة لمضمون ما قبلها.
ومعنى لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ أى: لا يعلم الغيوب علما تاما مستقلا إلا هو- سبحانه - فأما ما أطلع عليه بعض أصفيائه من الغيوب فهو إخبار منه لهم، فكان في الأصل راجعا إلى علمه هو.
قال-تبارك وتعالى- عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ.
ثم بين- سبحانه - أن علمه ليس مقصورا على المغيبات، وإنما هو يشملها كما يشمل المشاهدات فقال: وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.
قال الراغب: أصل البحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير، وقيل إن أصله الماء الملح دون العذب وأطلق على النهر بالتوسع أو التغليب، والبر ما يقابله من الأرض وهو ما يسمى باليابسة.
وهذه الجملة معطوفة على جملة، وعنده مفاتح الغيب، لإفادة تعميم علمه- سبحانه - بالأشياء الظاهرة المتفاوتة في الظهور بعد إفادة علمه بما لا يظهر للناس.
وقدم ذكر البر على البحر على طريقة الترقي من الأقل إلى الأعظم، لأن قسم البحر من الأرض أكبر من قسم البر، وخفاياه أكثر وأعظم، وخصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات المجاورة للبشر.
ثم صرح- سبحانه - بشمول علمه لكل كلى وجزئى، ولكل صغير وكبير، ولكل دقيق وجليل، فقال-تبارك وتعالى- وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها.
وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.
أى: وما تسقط ورقة ما من شجرة من الأشجار ولا حبة في باطن الأرض وأجوافها، ولا رطب ولا يابس من الثمار أو غيرها إلا ويعلمه الله علما تاما شاملا، لأن كل ذلك مكتوب ومحفوظ في العلم الإلهى الثابت.
وجملة وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها معطوفة على جملة، ويعلم ما في البر والبحر، لقصد زيادة التعميم في الجزئيات الدقيقة.
والمراد بظلمات الأرض بطونها، وكنّى بالظلمة عن البطن لأنه لا يدرك ما فيه كما لا يدرك ما في الظلمة.
وقوله إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ تأكيد لقوله «لا يعلمها» لأن المراد بالكتاب المبين علم الله-تبارك وتعالى- الذي وسع كل شيء، أو اللوح المحفوظ الذي هو محل معلوماته- عز وجل -.
قال الإمام الرازي: قال الزجاج: يجوز أن الله-تبارك وتعالى-: أثبت كيفية المعلومات في كتاب من قبل أن يخلق الخلق كما قال-تبارك وتعالى-: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها.
ثم قال الإمام الرازي: وفائدة هذا الكتاب أمور:أحدها: أنه-تبارك وتعالى-: إنما كتب هذه الأحوال في اللوح المحفوظ لتقف الملائكة على نفاذ علمه في المعلومات، وأنه لا يغيب عنه مما في السموات والأرض شيء، فيكون ذلك عبرة تامة كاملة للملائكة الموكلين باللوح المحفوظ لأنهم يقابلون به ما يحدث في صحيفة هذا العالم فيجدونه موافقا له.
وثانيها: أنه يجوز أن يقال: أنه-تبارك وتعالى-: ذكر ما ذكر من الورقة والحبة تنبيها للمكلفين على أمر الحساب، وإعلاما بأنه لا يفوته من كل ما يصنعون في الدنيا شيء، لأنه إذا كان لا يهمل الأحوال التي ليس فيها ثواب ولا عقاب ولا تكليف فبأن لا يهمل الأحوال المشتملة على الثواب والعقاب أولى.
وثالثها: أنه-تبارك وتعالى-: علم أحوال جميع الموجودات، فيمتنع تغييرها عن مقتضى ذلك العلم وإلا لزم الجهل، فإذا كتب أحوال جميع الموجودات في ذلك الكتاب على التفصيل التام امتنع- أيضا- تغييرها، وإلا لزم الكذب، فتصير كتابة جملة الأحوال في ذلك الكتاب موجبا.
تاما، وسببا كاملا في أنه يمتنع تقدم ما تأخر وتأخر ما تقدم كما قال صلى الله عليه وسلم «جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة» .
ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أمور من أهمها:أن علم الله-تبارك وتعالى-: محيط بالكليات والجزئيات، وبكل شيء في هذا الكون، وبذلك يتبين بطلان رأى بعض الفلاسفة الذين قالوا بأن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات.
أن علم الغيب مرده إلى الله وحده، قال الحاكم: دل قوله تعالى وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ على بطلان قول الإمامية: إن الإمام يعلم شيئا من الغيب» .
وقال القاسمى: قال صاحب «فتح البيان» : في هذه الآية الشريفة ما يدفع أباطيل الكهان والمنجمين وغيرهم من مدعى الكشف والإلهام ما ليس من شأنهم ولا يدخل تحت قدرتهم ولا يحيط به علمهم.
ولقد ابتلى الإسلام وأهله بقوم سوء من هذه الأجناس الضالة والأنواع المخذولة، ولم يربحوا من أكاذيبهم وأباطيلهم سوى خطة السوء المذكورة في قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم «من أتى كاهنا أو منجما فقد كفر بما أنزل على محمد» قال ابن مسعود «أوتى نبيكم كل شيء إلا مفاتيح الغيب» .
وروى البخاري بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله.
لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله.
ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدا، ولا تدرى نفس بأى أرض تموت، ولا يدرى أحد متى يجيء المطر» .
وقال القرطبي: قال علماؤنا: أضاف- سبحانه علم الغيب إلى نفسه في غير ما آية من كتابه إلا من اصطفى من عباده، فمن قال: إنه ينزل الغيث غدا وجزم فهو كافر، وكذلك من قال: إنه يعلم ما في الرحم فهو كافر.
وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية والله تعالى يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ.
ثم قال: وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان بإتيان المنجمين والكهان لا سيما بالديار المصرية فقد شاع في رؤسائهم وأتباعهم وأمرائهم اتخاذ المنجمين، بل ولقد انخدع كثير من المنتسبين للفقر والدين فلجأوا إلى هؤلاء الكهنة والعرافين فبهرجوا عليهم بالمحال، واستخرجوا منهم الأموال، فحصلوا من أقوالهم على السراب والآل ، ومن أديانهم على الفساد والضلال، وكل ذلك من الكبائر لحديث النبي صلى الله عليه وسلم «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما» والعراف هو الحازر والمنجم الذي يدعى علم الغيب .
وبعد أن بين- سبحانه -: شمول علمه لكل شيء، أتبع ذلك بالحديث عن كمال قدرته، ونفاذ إرادته فقال-تبارك وتعالى-:
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَجاء في الخبر أن هذه الآية لما نزلت نزل معها اثنا عشر ألف ملك .
وروى البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عيه وسلم قال : ( مفاتح الغيب خمس لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله ) .
وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت : من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية ; والله تعالى يقول : " قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله " [ النمل : 65 ] .
ومفاتح جمع مفتح , هذه اللغة الفصيحة .
و يقال : مفتاح ويجمع مفاتيح .
وهي قراءة ابن السميقع " مفاتيح " .
والمفتح عبارة عن كل ما يحل غلقا , محسوسا كان كالقفل على البيت أو معقول كالنظر وروى ابن ماجه في سننه وأبو حاتم البستي في صحيحه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه ) .
وهو في الآية استعارة عن التوصل إلى الغيوب كما يتوصل في الشاهد بالمفتاح إلى المغيب عن الإنسان ; ولذلك قال بعضهم : هو مأخوذ من قول الناس افتح علي كذا ; أي أعطني أو علمني ما أتوصل إليه به .
فالله تعالى عنده علم الغيب , وبيده الطرق الموصلة إليه , لا يملكها إلا هو , فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه , ومن شاء حجبه عنها حجبه .
ولا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله ; بدليل قوله تعالى : " وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء " [ آل عمران : 179 ] وقال : " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول " [ الجن : 26 - 27 ] .
الآية وقيل : المراد بالمفاتح خزائن الرزق ; عن السدي والحسن .
مقاتل والضحاك : خزائن الأرض .
وهذا مجاز , عبر عنها بما يتوصل إليها به .
وقيل : غير هذا مما يتضمنه معنى الحديث أي عنده الآجال ووقت انقضائها .
وقيل : عواقب الأعمار وخواتم الأعمال ; إلى غير هذا من الأقوال .
والأول المختار .
والله أعلم .
قال علماؤنا : أضاف سبحانه علم الغيب إلى نفسه في غير ما آية من كتابه إلا من اصطفى من عباده .
فمن قال : إنه ينزل الغيث غدا وجزم فهو كافر , أخبر عنه بأمارة ادعاها أم لا .
وكذلك من قال : إنه يعلم ما في الرحم فهو كافر ; فإن لم يجزم وقال : إن النوء ينزل الله به الماء عادة , وأنه سبب الماء عادة , وأنه سبب الماء على ما قدره وسبق في علمه لم يكفر ; إلا أنه يستحب له ألا يتكلم به , فإن فيه تشبيها بكلمة أهل الكفر , وجهلا بلطيف حكمته ; لأنه ينزل متى شاء , مرة بنوء كذا , ومرة دون النوء ; قال الله تعالى : ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكوكب ) على ما يأتي بيانه في " الواقعة " إن شاء الله .
قال ابن العربي : وكذلك قول الطبيب : إذا كان الثدي الأيمن مسود الحلمة فهو ذكر , وإن كان في الثدي الأيسر فهو أنثى , وإن كانت المرأة تجد الجنب الأيمن أثقل فالولد أنثى ; وادعى ذلك عادة لا واجبا في الخلقة لم يكفر ولم يفسق .
وأما من ادعى الكسب في مستقبل العمر فهو كافر .
أو أخبر عن الكوائن المجملة أو المفصلة في أن تكون قبل أن تكون فلا ريبة في كفره أيضا .
فأما من أخبر عن كسوف الشمس والقمر فقد قال علماؤنا : يؤدب ولا يسجن .
أما عدم تكفيره فلأن جماعة قالوا : إنه أمر يدرك بالحساب وتقدير المنازل حسب ما أخبر الله عنه من قوله : " والقمر قدرناه منازل " [ يس : 39 ] .
وأما أدبهم فلأنهم يدخلون الشك على العامة , إذ لا يدركون الفرق بين هذا وغيره ; فيشوشون عقائدهم ويتركون قواعدهم في اليقين فأدبوا حتى يسروا ذلك إذا عرفوه ولا يعلنوا به .
قلت : ومن هذا الباب أيضا ما جاء في صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أتى عرافا فسأل عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) .
والعراف هو الحازر والمنجم الذي يدعي علم الغيب .
وهي من العرافة وصاحبها عراف , وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها .
وقد يعتضد بعض أهل هذا الفن في ذلك بالزجر والطرق والنجوم , وأسباب معتادة في ذلك .
وهذا الفن هو العيافة ( بالياء ) .
وكلها ينطلق عليها اسم الكهانة ; قاله القاضي عياض .
والكهانة : ادعاء علم الغيب .
قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب ( الكافي ) : من المكاسب المجتمع على تحريمها الربا ومهور البغايا والسحت والرشا وأخذ الأجرة على النياحة والغناء , وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء , وعلى الزمر واللعب والباطل كله .
قال علماؤنا : وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان بإتيان المنجمين , والكهان لا سيما بالديار المصرية ; فقد شاع في رؤسائهم وأتباعهم وأمرائهم اتخاذ المنجمين , بل ولقد انخدع كثير من المنتسبين للفقه والدين فجاءوا إلى هؤلاء الكهنة والعرافين فبهرجوا عليهم بالمحال , واستخرجوا منهم الأموال فحصلوا من أقوالهم على السراب والآل , ومن أديانهم على الفساد والضلال .
وكل ذلك من الكبائر ; لقوله عليه السلام : ( لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) .
فكيف بمن اتخذهم وأنفق عليهم معتمدا على أقوالهم .
روى مسلم رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها قالت : سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أناس عن الكهان فقال : ( إنهم ليسوا بشيء ) فقالوا : يا رسول الله , إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون معها مائة كذبة ) .
قال الحميدي : ليس ليحيى بن عروة عن أبيه عن عائشة في الصحيح غير هذا وأخرجه البخاري أيضا من حديث أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم ) .
وسيأتي هذا المعنى في " سبأ " إن شاء الله تعالى .
وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِخصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات المجاورة للبشر , أي يعلم ما يهلك في البر والبحر .
ويقال : يعلم ما في البر من النبات والحب والنوى , وما في البحر من الدواب ورزق ما فيها " وما تسقط من ورقة إلا يعلمها " روى يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من زرع على الأرض ولا ثمار على الأشجار ولا حبة في ظلمات الأرض إلا عليها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم رزق فلان بن فلان ) وذلك قوله في محكم كتابهوَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍوحكى النقاش عن جعفر بن محمد أن الورقة يراد بها السقط من أولاد بني آدم , والحبة يراد بها الذي ليس بسقط , والرطب يراد به الحي , واليابس يراد به الميت .
قال ابن عطية : وهذا قول جار على طريقة الرموز , ولا يصح عن جعفر بن محمد ولا ينبغي أن يلتفت إليه .
وقيل : المعنى " وما تسقط من ورقة " أي من ورقة الشجر إلا يعلم متى تسقط وأين تسقط وكم تدور في الهواء , ولا حبة إلا يعلم متى تنبت وكم تنبت ومن يأكلها , " وظلمات الأرض " بطونها وهذا أصح ; فإنه موافق للحديث وهو مقتضى الآية .
والله الموفق للهداية .
وقيل : " في ظلمات الأرض " يعني الصخرة التي هي أسفل الأرضين السابعة .
" ولا رطب ولا يابس " بالخفض عطفا على اللفظ .
وقرأ ابن السميقع والحسن وغيرهما بالرفع فيهما عطفا على موضع " من ورقة " ; ف " - من " على هذا للتوكيدإِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍأي في اللوح المحفوظ لتعتبر الملائكة بذلك , لا أنه سبحانه كتب ذلك لنسيان يلحقه , تعالى عن ذلك .
وقيل : كتبه وهو يعلمه لتعظيم الأمر , أي اعلموا أن هذا الذي ليس فيه ثواب ولا عقاب مكتوب , فكيف بما فيه ثواب وعقاب .


شرح المفردات و معاني الكلمات : مفاتح , الغيب , يعلمها , يعلم , البر , البحر , تسقط , ورقة , يعلمها , حبة , ظلمات , الأرض , رطب , يابس , كتاب , مبين ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم


تحميل سورة الأنعام mp3 :

سورة الأنعام mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأنعام

سورة الأنعام بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الأنعام بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الأنعام بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الأنعام بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الأنعام بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الأنعام بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الأنعام بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الأنعام بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الأنعام بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الأنعام بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, November 17, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب