تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ النساء: 102] .
﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا﴾
سورة : النساء - الأية : ( 102 )
- الجزء : ( 5 )
-
الصفحة: ( 95 )
﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا﴾
[ سورة النساء: 102]
القول في تفسير قوله تعالى : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم ..
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
التفسير الميسر : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة
وإذا كنت -أيها النبي- في ساحة القتال، فأردت أن تصلي بهم، فلتقم جماعة منهم معك للصلاة، وليأخذوا سلاحهم، فإذا سجد هؤلاء فلتكن الجماعة الأخرى من خلفكم في مواجهة عدوكم، وتتم الجماعة الأولى ركعتهم الثانية ويُسلِّمون، ثم تأتي الجماعة الأخرى التي لم تبدأ الصلاة فليأتموا بك في ركعتهم الأولى، ثم يكملوا بأنفسهم ركعتهم الثانية، وليحذروا مِن عدوهم وليأخذوا أسلحتهم. ودَّ الجاحدون لدين الله أن تغفُلوا عن سلاحكم وزادكم؛ ليحملوا عليكم حملة واحلة فيقضوا عليكم، ولا إثم عليكم حيننذ إن كان بكم أذى من مطر، أو كنتم في حال مرض، أن تتركوا أسلحتكم، مع أخذ الحذر. إن الله تعالى أعدَّ للجاحدين لدينه عذابًا يهينهم، ويخزيهم.
المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار
وإذا كنت - أيها الرسول - في الجيش وقت قتال العدو، فأردت أن تصلي بهم، فقسِّم الجيش جماعتين: تقوم جماعة منهم تصلي معك، وليأخذوا أسلحتهم معهم في صلاتهم، ولتكن الجماعة الأخرى في حراستكم، فإذا صلت الجماعة الأولى ركعة مع الإمام أتمت لنفسها الصلاة، فإذا صلوا فليكونوا من ورائكم تجاه العدو، ولتأت الجماعة التي كانت في الحراسة ولم يصلوا، فليصلوا ركعة مع الإمام، فإذا سلَّم الإمام أتموا ما بقي من صلاتهم، وليأخذوا حذرهم من عدوهم، وليحملوا أسلحتهم، فإن الذين كفروا يتمنون أن تغفلوا عن أسلحتكم وأمتعتكم إذا صليتم فيحملون عليكم حملة واحدة، ويأخذونكم في غفلتكم، ولا إثم عليكم إن أصابكم أذى بسبب المطر أو كنتم مرضى ونحوه، أن تضعوا أسلحتكم فلا تحملوها، واحترزوا من عدوكم بما تستطيعون، إن الله هيَّأ للكافرين عذابًا مذلًّا لهم.
تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 102
«وإذا كنت» يا محمد حاضرا «فيهم» وأنتم تخافون العدو «فأقمت لهم الصلاة» وهذا جري على عادة القرآن في الخطاب «فلتقم طائفة منهم معك» وتتأخر طائفة «وليأخذوا» أي الطائفة التي قامت معك «أٍسلحتهم» معهم «فإذا سجدوا» أي صلوا «فليكونوا» أي الطائفة الأخرى «من ورائكم» يحرسون إلى أن تقضوا الصلاة وتذهب هذه الطائفة تحرس «ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم» معهم إلى أن تقضوا الصلاة وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم كذلك ببطن نخل رواه الشيخان «ودَّ الذين كفروا لو تغفلون» إذا قمتم إلى الصلاة «عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة» بأن يحملوا عليكم فيأخذوكم وهذا علة الأمر بأخذ السلاح «ولا جُناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم» فلا تحملوها وهذا يقيد إيجاب حملها عند عدم العذر وهو أحد قولين للشافعي والثاني أنه سنة ورجح «وخذوا حذركم» من العدو أي احترزوا منه ما استطعتم «إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا» ذا إهانة.
تفسير السعدي : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة
تفسير الآيتين 101 و102 :ـ هاتان الآيتان أصل في رخصة القصر، وصلاة الخوف، يقول تعالى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ }- أي: في السفر، وظاهر الآية [أنه] يقتضي الترخص في أي سفر كان ولو كان سفر معصية، كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وخالف في ذلك الجمهور، وهم الأئمة الثلاثة وغيرهم، فلم يجوزوا الترخص في سفر المعصية، تخصيصا للآية بالمعنى والمناسبة، فإن الرخصة سهولة من الله لعباده إذا سافروا أن يقصروا ويفطروا، والعاصي بسفره لا يناسب حاله التخفيف.
وقوله: { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ }- أي: لا حرج ولا إثم عليكم في ذلك، ولا ينافي ذلك كون القصر هو الأفضل، لأن نفي الحرج إزالة لبعض الوهم الواقع في كثير من النفوس، بل ولا ينافي الوجوب كما تقدم ذلك في سورة البقرة في قوله: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } إلى آخر الآية.
وإزالة الوهم في هذا الموضع ظاهرة، لأن الصلاة قد تقرر عند المسلمين وجوبها على هذه الصفة التامة، ولا يزيل هذا عن نفوس أكثرهم إلا بذكر ما ينافيه.
ويدل على أفضلية القصر على الإتمام أمران: أحدهما: ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم على القصر في جميع أسفاره.
والثاني: أن هذا من باب التوسعة والترخيص والرحمة بالعباد، والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته.
وقوله: { أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ } ولم يقل أن تقصروا الصلاة فيه فائدتان: إحداهما: أنه لو قال أن تقصروا الصلاة لكان القصر غير منضبط بحد من الحدود، فربما ظن أنه لو قصر معظم الصلاة وجعلها ركعة واحدة لأجزأ، فإتيانه بقوله: { مِنَ الصَّلَاةِ } ليدل ذلك على أن القصر محدود مضبوط، مرجوع فيه إلى ما تقرر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
الثانية: أن { من } تفيد التبعيض ليعلم بذلك أن القصر لبعض الصلوات المفروضات لا جميعها، فإن الفجر والمغرب لا يقصران وإنما الذي يقصر الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين.
فإذا تقرر أن القصر في السفر رخصة، فاعلم أن المفسرين قد اختلفوا في هذا القيد، وهو قوله: { إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } الذي يدل ظاهره أن القصر لا يجوز إلا بوجود الأمرين كليهما، السفر مع الخوف.
ويرجع حاصل اختلافهم إلى أنه هل المراد بقوله: { أَنْ تَقْصُرُوا } قصر العدد فقط؟ أو قصر العدد والصفة؟ فالإشكال إنما يكون على الوجه الأول.
وقد أشكل هذا على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حتى سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لنا نقصر الصلاة وقد أمِنَّا؟- أي: والله يقول: { إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" أو كما قال.
فعلى هذا يكون هذا القيد أتى به نظرا لغالب الحال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليها، فإن غالب أسفاره أسفار جهاد.
وفيه فائدة أخرى وهي بيان الحكمة والمصلحة في مشروعية رخصة القصر، فبيَّن في هذه الآية أنهى ما يتصور من المشقة المناسبة للرخصة، وهي اجتماع السفر والخوف، ولا يستلزم ذلك أن لا يقصر مع السفر وحده، الذي هو مظنة المشقة.
وأما على الوجه الثاني، وهو أن المراد بالقصر: قصر العدد والصفة فإن القيد على بابه، فإذا وجد السفر والخوف، جاز قصر العدد، وقصر الصفة، وإذا وجد السفر وحده جاز قصر العدد فقط، أو الخوف وحده جاز قصر الصفة.
ولذلك أتى بصفة صلاة الخوف بعدها بقوله: { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ }- أي: صليت بهم صلاة تقيمها وتتم ما يجب فيها ويلزم، فعلمهم ما ينبغي لك ولهم فعله.
ثم فسَّر ذلك بقوله: { فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ }- أي: وطائفة قائمة بإزاء العدو كما يدل على ذلك ما يأتي: { فَإِذَا سَجَدُوا }- أي: الذين معك- أي: أكملوا صلاتهم وعبر عن الصلاة بالسجود ليدل على فضل السجود، وأنه ركن من أركانها، بل هو أعظم أركانها.
{ فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا } وهم الطائفة الذين قاموا إزاء العدو { فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ } ودل ذلك على أن الإمام يبقى بعد انصراف الطائفة الأولى منتظرا للطائفة الثانية، فإذا حضروا صلى بهم ما بقي من صلاته ثم جلس ينتظرهم حتى يكملوا صلاتهم، ثم يسلم بهم وهذا أحد الوجوه في صلاة الخوف.
فإنها صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة كلها جائزة، وهذه الآية تدل على أن صلاة الجماعة فرض عين من وجهين: أحدهما: أن الله تعالى أمر بها في هذه الحالة الشديدة، وقت اشتداد الخوف من الأعداء وحذر مهاجمتهم، فإذا أوجبها في هذه الحالة الشديدة فإيجابها في حالة الطمأنينة والأمن من باب أَوْلَى وأحرى.
والثاني: أن المصلين صلاة الخوف يتركون فيها كثيرا من الشروط واللوازم، ويعفى فيها عن كثير من الأفعال المبطلة في غيرها، وما ذاك إلا لتأكد وجوب الجماعة، لأنه لا تعارض بين واجب ومستحب، فلولا وجوب الجماعة لم تترك هذه الأمور اللازمة لأجلها.
وتدل الآية الكريمة على أن الأولى والأفضل أن يصلوا بإمام واحد.
ولو تضمن ذلك الإخلال بشيء لا يخل به لو صلوها بعدة أئمة، وذلك لأجل اجتماع كلمة المسلمين واتفاقهم وعدم تفرق كلمتهم، وليكون ذلك أوقع هيبة في قلوب أعدائهم، وأمر تعالى بأخذ السلاح والحذر في صلاة الخوف، وهذا وإن كان فيه حركة واشتغال عن بعض أحوال الصلاة فإن فيه مصلحة راجحة وهو الجمع بين الصلاة والجهاد، والحذر من الأعداء الحريصين غاية الحرص على الإيقاع بالمسلمين والميل عليهم وعلى أمتعتهم، ولهذا قال تعالى: { وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً } ثم إن الله عذر من له عذر من مرض أو مطر أن يضع سلاحه، ولكن مع أخذ الحذر فقال: { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } ومن العذاب المهين ما أمر الله به حزبه المؤمنين وأنصار دينه الموحدين من قتلهم وقتالهم حيثما ثقفوهم، ويأخذوهم ويحصروهم، ويقعدوا لهم كل مرصد، ويحذروهم في جميع الأحوال، ولا يغفلوا عنهم، خشية أن ينال الكفار بعض مطلوبهم فيهم.
فلله أعظم حمد وثناء على ما مَنَّ به على المؤمنين، وأيَّدَهم بمعونته وتعاليمه التي لو سلكوها على وجه الكمال لم تهزم لهم راية، ولم يظهر عليهم عدو في وقت من الأوقات.
وفي قوله: { فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ } يدل على أن هذه الطائفة تكمل جميع صلاتها قبل ذهابهم إلى موضع الحارسين.
وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يثبت منتظرا للطائفة الأخرى قبل السلام، لأنه أولا ذكر أن الطائفة تقوم معه، فأخبر عن مصاحبتهم له.
ثم أضاف الفعل بعْدُ إليهم دون الرسول، فدل ذلك على ما ذكرناه.
وفي قوله: { وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ } دليل على أن الطائفة الأولى قد صلوا، وأن جميع صلاة الطائفة الثانية تكون مع الإمام حقيقة في ركعتهم الأولى، وحكما في ركعتهم الأخيرة، فيستلزم ذلك انتظار الإمام إياهم حتى يكملوا صلاتهم، ثم يسلم بهم، وهذا ظاهر للمتأمل.
تفسير البغوي : مضمون الآية 102 من سورة النساء
قوله تعالى : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وجابر رضي الله عنهم أن المشركين لما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا إلى الظهر يصلون جماعة ندموا أن لو كانوا كبوا عليهم ، فقال بعضهم لبعض : دعوهم فإن لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم ، يعني صلاة العصر ، فإذا قاموا فيها فشدوا عليهم فاقتلوهم ، فنزل جبريل عليه السلام فقال : يا محمد إنها صلاة الخوف وإن الله عز وجل يقول : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) فعلمه صلاة الخوف .وجملته : أن العدو إذا كانوا في معسكرهم في غير ناحية القبلة فيجعل الإمام القوم فرقتين فتقف طائفة وجاه العدو تحرسهم ، ويشرع الإمام مع طائفة في الصلاة ، فإذا صلى بهم ركعة قام وثبت قائما حتى أتموا صلاتهم ، ذهبوا إلى وجاه العدو ثم أتت الطائفة الثانية فصلى بهم الركعة الثانية ، وثبت جالسا حتى أتموا لأنفسهم الصلاة ، ثم يسلم بهم ، وهذه رواية سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بذات الرقاع ، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق .أنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات ، عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف : أن طائفة صفت معه وصفت طائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما فأتموا لأنفسهم ، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم . قال مالك : وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف .وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا مسدد أنا يحيى عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا .وذهب قوم إلى أن الإمام إذا قام إلى الركعة الثانية تذهب الطائفة الأولى في خلال الصلاة إلى وجاه العدو وتأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم الركعة الثانية ويسلم وهم لا يسلمون بل يذهبون إلى وجاه العدو ، وتعود الطائفة الأولى فتتم صلاتها ، ثم تعود الطائفة الثانية فتتم صلاتها ، وهذه رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك . وهو قول أصحاب الرأي .أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، أنا أبو عيسى الترمذي ، أنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، أنا يزيد بن زريع ، أنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو ، ثم انصرفوا فقاموا في مقام أولئك وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم بهم ، فقام هؤلاء فصلوا ركعتهم .وكلتا الروايتين صحيحة ، فذهب قوم إلى أن هذا من الاختلاف المباح ، وذهب الشافعي رضي الله عنه إلى حديث سهل بن أبي حثمة لأنه أشد موافقة لظاهر القرآن وأحوط للصلاة وأبلغ في حراسة العدو ، وذلك لأن الله تعالى قال : ( فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ) أي : إذا صلوا ، ثم قال : ( ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا ) وهذا يدل على أن الطائفة الأولى قد صلوا ، وقال : ( فليصلوا معك ) فمقتضاه أن يصلوا تمام الصلاة ، فظاهره يدل أن كل طائفة تفارق الإمام بعد تمام الصلاة ، والاحتياط لأمر الصلاة من حيث أنه لا يكثر فيها العمل والذهاب والمجيء والاحتياط لأمر الحرب من حيث أنهم إذا لم يكونوا في الصلاة كان أمكن للحرب والهرب إن احتاجوا إليه .ولو صلى الإمام أربع ركعات بكل طائفة ركعتين جاز . أنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسين الإسفرايني ، أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ ، قال أنا الصنعاني ، أنا عفان بن مسلم ، ثنا أبان العطار ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع وكنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بشجرة فأخذ سيف نبي الله صلى الله عليه وسلم فاخترطه فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتخافني؟ قال : لا . قال : فمن يمنعك مني؟ قال : الله يمنعني منك ، قال فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأغمد السيف وعلقه فنودي بالصلاة ، قال فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين : قال : فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان " .أخبرنا عبد الوهاب بن الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي أخبرني الثقة ابن علية أو غيره ، عن يونس ، عن الحسن ، عن جابر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس صلاة الظهر في الخوف ببطن نخل ، فصلى بطائفة ركعتين ثم سلم ، ثم جاءت طائفة أخرى فصلى بهم ركعتين ثم سلم .وروي عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف أنه صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا " ورواه زيد بن ثابت وقال : " كانت للقوم ركعة واحدة وللنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان " .وتأوله قوم على صلاة شدة الخوف ، وقالوا : الفرض في هذه الحالة ركعة واحدة .وأكثر أهل العلم على أن الخوف لا ينقص عدد الركعات ، وإن كان العدو في ناحية القبلة في مستوى إن حملوا عليهم رأوهم صلى الإمام بهم جميعا وحرسوا في السجود ، كما أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنا أبو نعيم الإسفرايني ، أنا أبو عوانة الحافظ ، أنا عمار ، أنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن جابر رضي الله عنهما قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا خلفه صفين ، والعدو بيننا وبين القبلة فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ، ثم انحدر للسجود والصف الذي يليه ، وقام الصف المؤخر نحر العدو فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود [ ثم قاموا ثم ] تقدم الصف المؤخر ، وتأخر المقدم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعا ، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى ، وقام الصف المؤخر في نحر العدو ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا قال جابر رضي الله عنه : كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم .واعلم أن صلاة الخوف جائزة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم . عند عامة أهل العلم . ويحكى عن بعضهم عدم الجواز ولا وجه له .وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه : كل حديث روي في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز ، روي فيها ستة أوجه أو سبعة أوجه .وقال مجاهد في سبب نزول هذه الآية عن ابن عياش الزرقي قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر ، فقال المشركون : لقد أصبنا غرة لو حملنا عليهم ، وهم في الصلاة فنزلت الآية بين الظهر والعصر .قوله تعالى : ( وإذا كنت فيهم ) أي : شهيدا معهم فأقمت لهم الصلاة ، ( فلتقم طائفة منهم معك ) أي : فلتقف ، كقوله تعالى : " وإذا أظلم عليهم قاموا " ( البقرة - 20 ) أي : وقفوا ، ( وليأخذوا أسلحتهم ) واختلفوا في الذين يأخذون أسلحتهم ، فقال بعضهم : أراد هؤلاء الذين وقفوا مع الإمام يصلون يأخذون الأسلحة في الصلاة ، فعلى هذا إنما يأخذه إذا كان لا يشغله عن الصلاة ، ولا يؤذي من بجنبه [ فإذا شغلته حركته وثقلته عن الصلاة كالجعبة والترس الكبير أو كان يؤذي من جنبه ] كالرمح فلا يأخذه .وقيل: وليأخذوا أسلحتهم أي : الباقون الذين قاموا في وجه العدو ، ( فإذا سجدوا ) أي : صلوا ، ( فليكونوا من ورائكم ) يريد مكان الذين هم وجاه العدو ، ( ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا ) وهم الذين كانوا في وجه العدو ، ( فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ) قيل: هؤلاء الذين أتوا ، وقيل: هم الذين صلوا ، ( ود الذين كفروا ) يتمنى الكفار ، ( لو تغفلون ) أي : لو وجدوكم غافلين ، ( عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ) فيقصدونكم ويحملون عليكم حملة واحدة .( ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم ) رخص في وضع السلاح في حال المطر والمرض ، لأن السلاح يثقل حمله في هاتين الحالتين ، ( وخذوا حذركم ) أي : راقبوا العدو كيلا يتغفلوكم ، والحذر ما يتقى به من العدو .وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنه غزا محاربا وبنى أنمار ، فنزلوا ولا يرون من العدو أحدا ، فوضع الناس أسلحتهم ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة له قد وضع سلاحه حتى قطع الوادي والسماء ترش ، فحال الوادي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة فبصر به غورث بن الحارث المحاربي فقال : قتلني الله إن لم أقتله ، ثم انحدر من الجبل ومعه السيف فلم يشعر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو قائم على رأسه ومعه السيف قد سله من غمده فقال : يا محمد من يعصمك مني الآن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله ، ثم قال : اللهم اكفني غورث بن الحارث بما شئت ، ثم أهوى بالسيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربه فأكب لوجهه من زلخة زلخها من بين كتفيه ، وندر سيفه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه ثم قال : يا غورث من يمنعك مني الآن؟ قال : لا أحد ، قال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأعطيك سيفك؟ قال : لا ولكن أشهد أن لا أقاتلك أبدا ولا أعين عليك عدوا ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ، فقال غورث : والله لأنت خير مني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجل أنا أحق بذلك منك ، فرجع غورث إلى أصحابه فقالوا : ويلك ما منعك منه؟ قال : لقد أهويت إليه بالسيف لأضربه فوالله ما أدري من زلخني بين كتفي فخررت لوجهي ، وذكر حاله قال : وسكن الوادي فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الوادي إلى أصحابه فأخبرهم الخبر وقرأ عليهم هذه الآية : ( ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم ) أي : من عدوكم .وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية كان عبد الرحمن بن عوف جريحا .( إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ) يهانون فيه ، والجناح : الإثم ، من جنحت : إذا عدلت عن القصد .
التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية
ثم شرع- سبحانه - في بيان صفة صلاة الخوف في جماعة فقال-تبارك وتعالى- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ، وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ.والمعنى: وإذا كنت يا محمد في أصحابك وشهدت معهم القتال «فأقمت لهم الصلاة» أى:فأردت أن تقيم لهم الصلاة في جماعة لتزدادوا أجرا ورعاية من الله وأنتم تقاتلون أعداءه، فعليك في هذه الحالة أن تقسم أصحابك إلى قسمين، ثم بعد ذلك فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ أى فلتقم جماعة من أصحابك معك في الصلاة، أما الطائفة الأخرى فلتكن بإزاء العدو ليحرسوكم منهم.والضمير في قوله وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ يعود إلى الرجال الذين معه في الصلاة ... أى:ولتأخذ الطائفة القائمة معك في الصلاة أسلحتها معها وهي في الصلاة حتى تكون على أهبة القتال دائما.وقوله فَإِذا سَجَدُوا أى: الرجال القائمون معك في الصلاة سجدوا في الركعة الأولى وأتموا الركعة فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ أى: فلينصرفوا بعد ذلك من صلاتهم ليكونوا في مقابلة العدو للحراسة. فالضمير في الكل يعود إلى المصلين معه.وقيل المعنى: فإذا سجد الرجال الذين قاموا معك للصلاة، فليكن الرجال الآخرون الذين ليسوا في الصلاة من ورائكم لحماية ظهوركم، ولمنع نزول الأذى بكم من أعدائكم. وعلييه فيكون الضمير في قوله فَلْيَكُونُوا يعود إلى الطائفة الثانية التي ليست في الصلاة.وقوله: وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ بيان لما يجب أن تفعله الطائفة الأخرى التي لم تدخل في الصلاة بعد. أى: فإذا ما انصرفت الطائفة الأولى للحراسة فلتأت الطائفة التي كانت قبل ذلك في الحراسة والتي لم تصل بعد فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ الركعة الأولى وأنت يا محمد في الركعة الثانية. وعليهم أيضا أن يكونوا كمن سبقهم حاملين لأسلحتهم التي لا تشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر وما يشبه ذلك، حتى إذا ما باغتكم المشركون بالهجوم كنتم دائما على استعداد لمواجهتهم، وكنتم دائما على يقظة من مكرهم.فأنت ترى أن الله-تبارك وتعالى- قد أمر المؤمنين بالمحافظة على الصلاة حتى في حالة الحرب، وأمرهم في الوقت ذاته بأن يكونوا يقظين آخذين حذرهم وأسلحتهم من مباغتة أعدائهم لهم حتى لا يتوهم أولئك الأعداء أن الصلاة ستشغل المؤمنين عن الدفاع عن أنفسهم.وقوله وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ استعمل لفظ الأخذ فيه في الحقيقة والمجاز. لأن أخذ الحذر كناية عن شدة اليقظة ودوام الترقب. وأخذ الأسلحة حقيقة في حملها للدفاع بها عن النفس.وقدم- سبحانه - الأمر بأخذ الحذر على أخذ الأسلحة لأن أخذ الأسلحة نوع من الحذر، ولأن الحذر عند انتقال الصفوف وتحركها واجب حتى لا يباغتهم الأعداء وهم يتحولون من مكان إلى مكان، وهذا أشبه بتغيير الخطط وقت القتال، وهو أمر له خطورته فوجب أن تشتد يقظة المسلمين حينئذ.وإلى هذا المعنى أشار بعضهم بقوله: فإن قلت لم ذكر في أول الآية الأسلحة فقط، وذكر هنا الحذر والأسلحة؟ قلت: لأن العدو قلما يتنبه للمسلمين في أول الصلاة بل يظنون كونهم قائمين في المحاربة والمقاتلة. فإذا قاموا إلى الركعة الثانية ظهر للكفار أن المسلمين في الصلاة، فحينئذ ينتهزون الفرصة في الإقدام على المسلمين فلا جرم أن الله-تبارك وتعالى- أمرهم في هذا الموضع بزيادة الحذر من الكفار مع أخذ الأسلحة.وقوله-تبارك وتعالى- وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً بيان لما من أجله أمروا بأخذ الحذر والسلاح. والخطاب لجميع المؤمنين.وقوله وَدَّ من الود وهو محبة الشيء وتمنى حصوله.والأسلحة: جمع سلاح. وهو اسم جنس لآلات الحرب التي يستعملها الناس في حروبهم وقتالهم.والأمتعة: جمع متاع. وهو كل ما ينتفع به من عروض وأثاث. والمراد به هنا: ما يكون مع المحاربين من أشياء لا غنى لهم عنها كبعض ملابسهم وأطعمتهم ومعداتهم.ولَوْ في قوله لَوْ تَغْفُلُونَ مصدرية. وقوله مَيْلَةً منصوب على المفعول المطلق لبيان العدد.والمعنى: كونوا دائما- أيها المؤمنون- في أقصى درجات التنبه والتيقظ والحذر، فإن أعداءكم الكافرين يودون ويحبون غفلتكم وعدم انتباهكم عن أسلحتكم وأمتعتكم التي تستعملونها في قتالكم لهم، وفي هذه الحالة يحملون عليكم حملة واحدة قوية شديدة ليقتلوا منكم من يستطيعون قتله. فعليكم- أيها المؤمنون- أن تجمعوا بين الصلاة والجهاد جمعا مناسبا حكيما بحيث لا يشغلكم أحد الأمرين عن الآخر أو عن حسن الاستعداد لمجابهة أعدائكم الذين يتربصون بكم الدوائر.فالآية الكريمة من مطلعها إلى هنا تراها تأمر بشدة وتكرار بأخذ الحذر وحمل السلاح لمجابهة أى مباغتة من المشركين. ومع هذا فقد رخص الله-تبارك وتعالى- للمؤمنين بوضع السلاح في أحوال معينة دون أن يرخص لهم في أخذ الحذر فقال-تبارك وتعالى- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ.أى: ولا حرج ولا إثم عليكم- أيها المؤمنون- في أن تضعوا أسلحتكم في أغمادها فلا تحملوها إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ يثقل معه حمل السلاح أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى بحيث يشق عليكم حملها، ومع كل هذا فلا بد من أخذ الحذر من أعدائكم، بأن تكونوا على يقظة تامة من مكرهم، وعلى أحسن استعداد لدحرهم إذا ما باغتوكم بالهجوم.وقوله إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً تذييل قصد به تشجيع المؤمنين على مقاتلة أعدائهم وأخذ الحذر منهم.أى: إن الله-تبارك وتعالى- أعد لأعدائكم الكافرين عذابا مذلا لهم في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فبنصركم عليهم وإذهاب صولتهم ودولتهم، كما قال-تبارك وتعالى- قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ.وأما في الآخرة فبالعذاب الذي يهينهم ويذلهم ولا يستطيعون منه نجاة أو مهربا. وإذا كان الأمر كذلك فباشروا- أيها المؤمنون- الأسباب التي توصلكم إلى النصر عليهم.هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى:1- قال الآلوسى: تعلق بظاهر قوله-تبارك وتعالى- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ. من خص صلاة الخوف بحضرته صلى الله عليه وسلم كالحسن بن زيد ونسب ذلك أيضا لأبى يوسف، ونقله عنه الجصاص في كتاب الأحكام، وعامة الفقهاء على خلافه فإن الأئمة بعده صلى الله عليه وسلم نوابه، وقوام بما كان يقوم به فيتناولهم حكم الخطاب الوارد له عليه الصلاة والسلام كما في قوله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً وقد أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان وغيرهم عن ثعلبة بن زهدم. قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا. ثم وصف له ذلك فصلوا كما وصف، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكره أحد منهم. وهم الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، وهذا يحل محل الإجماع .2- أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة مشروعية صلاة الخوف وصفتها وأنه يطلب فيها حمل السلاح إلا لعذر. وقد روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم عن أبى عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد. وهم بيننا وبين القبلة. فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فقالوا: قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ثم قالوا: تأتى عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم. فنزل جبريل بهذه الآية وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ.. إلخ بين الظهر والعصر» .3- وردت روايات متعددة يؤخذ منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى صلاة الخوف على هيئات مختلفة وفي مواضع متعددة. ويشهد لهذا قول القرطبي. وقد اختلفت الروايات في هيئة صلاة الخوف.واختلف العلماء لاختلافها. فذكر ابن القصار أنه صلى الله عليه وسلم صلاها في عشر مواضع. وقال ابن العربي: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الخوف أربعا وعشرين مرة. وقال الإمام أحمد بن حنبل- وهو إمام أهل الحديث والمقدم في معرفة علل النقل فيه- لا أعلم أنه روى في صلاة الخوف إلا حديث ثابت. وهي كلها صحاح ثابتة. فعلى أى حديث صلى منها المصلى صلاة الخوف أجزأه إن شاء الله .وقال ابن كثير: صلاة الخوف أنواع كثيرة فإن العدو تارة يكون تجاه القبلة، وتارة يكون في غير صوبها، ثم تارة يصلون جماعة وتارة يلتحم الحرب فلا يقدرون على الجماعة، بل يصلون فرادى مستقبلي القبلة وغير مستقبليها لعذر القتال كما أخر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب صلاة الظهر والعصر فصلاهما بعد الغروب، ثم صلى بعدهما المغرب والعشاء. وأما الجمهور فقالوا هذا منسوخ بصلاة الخوف فإنها لم تكن نزلت بعد، فلما نزلت نسخ تأخير الصلاة لذلك . ونظرا لاختلاف الروايات الواردة في كيفية صلاة الخوف، فقد اختلف الفقهاء في كيفية أدائها تبعا لما فهمه كل فريق من تلك الروايات. وهاك بعض مذاهبهم:{أ} ذهب الإمام أبو حنيفة ومن تابعه إلى أن كيفية صلاة الخوف أن يقسم الإمام الناس طائفتين: طائفة تكون مع الإمام والأخرى بإزاء العدو. فيصلى بالذين معه ركعة ثم ينصرفون إلى مقام أصحابهم ثم تأتى الطائفة الأخرى التي كانت بإزاء العدو فيصلى بهم الإمام الركعة الثانية ويسلم هو.ثم تأتى الطائفة الأولى فتصلي ركعة بغير قراءة، لأنها في رأيهم لاحقة. أى كأنها وراء الإمام حكما طول الصلاة، ولا قراءة عندهم وراء الإمام ثم تتشهد وتسلم. وتذهب إلى وجه العدو فتأتى الطائفة الثانية فتقضى ركعة بقراءة ثم تتشهد وتسلم. وإنما صلت هذه ركعتها بقراءة لأنها عندهم مسبوقة، فتكون كمن أدرك آخر صلاة الإمام وفاتته ركعة. فتكون القراءة واجبة في حقها.وهذه الكيفية لصلاة الخوف التي أخذ بها الإمام أبو حنيفة قد وردت في روايات عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم.{ب} أما الإمام مالك فيرى أن كيفية صلاة الخوف تكون كالآتى: أن يقسم الإمام الناس إلى طائفتين: طائفة تكون معه وطائفة تكون بإزاء العدو. ثم يصلى بالطائفة التي معه ركعة ولا يسلم وتتم هي الركعة الثانية وحدها ثم تتشهد وتسلم وتذهب إلى مكان الطائفة الثانية، وتأتى الطائفة الثانية فتقف خلف الإمام فيصلى معها الركعة الثانية ثم يجلسون للتشهد ويسلم الإمام وحده أما هم فيقومون فيصلون وحدهم الركعة التي بقيت ثم يتشهدون ويسلمون.وقريب من هذه الكيفية ما ذهب إليه الإمام الشافعى فهو يوافق المالكية فيما ذهبوا إليه إلا أنه قال: لا يسلم الإمام حتى تتم الطائفة الثانية صلاتها ثم يسلم معهم.ويذهب الإمام أحمد بن حنبل في كيفية صلاة الخوف إلى ما ذهب إليه الإمام مالك.وفي رواية عنه أنه يوافق ما ذهب إليه الشافعية.وهذا كله فيما إذا كانت الصلاة ثنائية في الأصل كالفجر أو رباعية فإنها تقصر إلى ثنائية.أما إذا كانت صلاة الخوف في المغرب فيرى جمهور الفقهاء أن الإمام يصلى بالطائفة الأولى ركعتين، وبالطائفة الثانية ركعة ثم تتم كل طائفة ما بقي عليها بالطريقة التي سبق ذكرها عند الأئمة، والتي بسطها العلماء في كتب الفقه.4- ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية أهمية صلاة الجماعة، لأن الله-تبارك وتعالى- أمر المسلمين بأن يؤدوا الصلاة في جماعة حتى وهم في حالة الاستعداد للقاء أعدائهم.قال ابن كثير: ما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة.حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة. فلولا أنها واجبة ما ساغ ذلك.5- كذلك من الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية أن الإسلام دين يأمر أتباعه بأداء الصلاة حتى ولو كانوا في ساحة المعركة، وذلك لأن الصلاة صلة بين العبد وربه، ومتى حسنت هذه الصلة بين المجاهد وخالقه، فإنه- سبحانه - يكلؤه بعين رعايته، ويمده بنصره وتأييده.وأن الإسلام بجانب هذا الاهتمام الشديد بشأن الصلاة فإنه يهتم أيضا بأن يأمر أتباعه بالحذر من مكر أعدائهم ومن مباغتتهم لهم، بأن يكون المؤمنون مستعدين لصدهم وردهم على أعقابهم، وأن لا يغفلوا عن حمل أسلحتهم حتى ولو كانوا قائمين للصلاة.وبهذا نرى أن الإسلام يربى أتباعه تربية روحية وعقلية وبدنية من شأنها أن توصلهم- متى حافظوا عليها- إلى ما يعلى كلمتهم في الدنيا، ويرفع درجاتهم في الآخرة.ثم أمر الله-تبارك وتعالى- المؤمنين بالإكثار من ذكره بعد الانتهاء من صلاتهم، وشجعهم على مواصلة قتال أعدائهم بدون خوف أو ملل فقال-تبارك وتعالى-:
وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة: تفسير ابن كثير
صلاة الخوف أنواع كثيرة ، فإن العدو تارة يكون تجاه القبلة ، وتارة يكون في غير صوبها ، والصلاة تارة تكون رباعية ، وتارة ثلاثية كالمغرب ، وتارة ثنائية ، كالصبح وصلاة السفر ، ثم تارة يصلون جماعة ، وتارة يلتحم الحرب فلا يقدرون على الجماعة ، بل يصلون فرادى مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ، ورجالا وركبانا ، ولهم أن يمشوا والحالة هذه ويضربوا الضرب المتتابع في متن الصلاة .
ومن العلماء من قال : يصلون والحالة هذه ركعة واحدة ; لحديث ابن عباس المتقدم ، وبه قال أحمد بن حنبل . قال المنذري في الحواشي : وبه قال عطاء ، وجابر ، والحسن ، ومجاهد ، والحكم ، وقتادة ، وحماد . وإليه ذهب طاوس والضحاك .
وقد حكى أبو عاصم العبادي عن محمد بن نصر المروزي ; أنه يرى رد الصبح إلى ركعة في الخوف وإليه ذهب ابن حزم أيضا .
وقال إسحاق ابن راهويه : أما عند المسايفة فيجزيك ركعة واحدة ، تومئ بها إيماء ، فإن لم تقدر فسجدة واحدة ; لأنها ذكر الله .
وقال آخرون : تكفي تكبيرة واحدة . فلعله أراد ركعة واحدة ، كما قاله أحمد بن حنبل وأصحابه ، ولكن الذين حكوه إنما حكوه على ظاهره في الاجتزاء بتكبيرة واحدة ، كما هو مذهب إسحاق ابن راهويه ، وإليه ذهب الأمير عبد الوهاب بن بخت المكي ، حتى قال : فإن لم يقدر على التكبيرة فلا يتركها في نفسه ، يعني بالنية ، رواه سعيد بن منصور في سننه عن إسماعيل بن عياش ، عن شعيب بن دينار ، عنه ، فالله أعلم .
ومن العلماء من أباح تأخير الصلاة لعذر القتال والمناجزة ، كما أخر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب صلاة العصر ، قيل : والظهر ، فصلاهما بعد الغروب ، ثم صلى بعدهما المغرب ثم العشاء . وكما قال بعدها - يوم بني قريظة ، حين جهز إليهم الجيش - : " لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة " ، فأدركتهم الصلاة في أثناء الطريق ، فقال منهم قائلون : لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تعجيل المسير ، ولم يرد منا تأخير الصلاة عن وقتها ، فصلوا الصلاة لوقتها في الطريق . وأخر آخرون منهم العصر ، فصلوها في بني قريظة بعد الغروب ، ولم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من الفريقين وقد تكلمنا على هذا في كتاب السيرة ، وبينا أن الذين صلوا العصر لوقتها أقرب إلى إصابة الحق في نفس الأمر ، وإن كان الآخرون معذورين أيضا ، والحجة هاهنا في عذرهم في تأخير الصلاة لأجل الجهاد والمبادرة إلى حصار الناكثين للعهد من الطائفة الملعونة اليهود . وأما الجمهور فقالوا : هذا كله منسوخ بصلاة الخوف ، فإنها لم تكن نزلت بعد ، فلما نزلت نسخ تأخير الصلاة لذلك ، وهذا بين في حديث أبي سعيد الخدري ، الذي رواه الشافعي وأهل السنن ، ولكن يشكل على هذا ما حكاه البخاري رحمه الله ، في صحيحه ، حيث قال :
" باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو " : قال الأوزاعي : إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلاة ، صلوا إيماء ، كل امرئ لنفسه ، فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال ، أو يأمنوا فيصلوا ركعتين . فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين ، فإن لم يقدروا لا يجزئهم التكبير ، ويؤخرونها حتى يأمنوا . وبه قال مكحول ، وقال أنس بن مالك : حضرت مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر ، واشتد اشتعال القتال ، فلم يقدروا على الصلاة ، فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار ، فصليناها ونحن مع أبي موسى ، ففتح لنا ، قال أنس : وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها .
انتهى ما ذكره ، ثم أتبعه بحديث تأخير الصلاة يوم الأحزاب ، ثم بحديث أمره إياهم ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة ، وكأنه كالمختار لذلك ، والله أعلم .
ولمن جنح إلى ذلك له أن يحتج بصنيع أبي موسى وأصحابه يوم فتح تستر فإنه يشتهر غالبا ، ولكن كان ذلك في إمارة عمر بن الخطاب ، ولم ينقل أنه أنكر عليهم ، ولا أحد من الصحابة ، والله أعلم .
[ و ] قال هؤلاء : وقد كانت صلاة الخوف مشروعة في الخندق ; لأن ذات الرقاع كانت قبل الخندق في قول جمهور علماء السير والمغازي . وممن نص على ذلك محمد بن إسحاق ، وموسى بن عقبة ، والواقدي ، ومحمد بن سعد كاتبه ، وخليفة بن خياط وغيرهم وقال البخاري وغيره : كانت ذات الرقاع بعد الخندق ، لحديث أبي موسى وما قدم إلا في خيبر ، والله أعلم . والعجب - كل العجب - أن المزني ، وأبا يوسف القاضي ، وإبراهيم بن إسماعيل بن علية ذهبوا إلى أن صلاة الخوف منسوخة بتأخيره ، عليه السلام ، الصلاة يوم الخندق . وهذا غريب جدا ، وقد ثبتت الأحاديث بعد الخندق بصلاة الخوف ، وحمل تأخير الصلاة يومئذ على ما قاله مكحول والأوزاعي أقوى وأقرب ، والله أعلم .
فقوله تعالى : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } أي: إذا صليت بهم إماما في صلاة الخوف ، وهذه حالة غير الأولى ، فإن تلك قصرها إلى ركعة ، كما دل عليه الحديث ، فرادى ورجالا وركبانا ، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ، ثم ذكر حال الاجتماع والائتمام بإمام واحد . وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة ، حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة ، فلولا أنها واجبة لما ساغ ذلك ، وأما من استدل بهذه الآية على أن صلاة الخوف منسوخة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لقوله : { وإذا كنت فيهم } فبعده تفوت هذه الصفة ، فإنه استدلال ضعيف ، ويرد عليه مثل قول مانعي الزكاة ، الذين احتجوا بقوله : (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } [ التوبة : 103 ] قالوا : فنحن لا ندفع زكاتنا بعده صلى الله عليه وسلم إلى أحد ، بل نخرجها نحن بأيدينا على من نراه ، ولا ندفعها إلى من صلاته ، أي: دعاؤه ، سكن لنا ، ومع هذا رد عليهم الصحابة وأبوا عليهم هذا الاستدلال ، وأجبروهم على أداء الزكاة ، وقاتلوا من منعها منهم .
ولنذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة أولا قبل ذكر صفتها :
قال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا عبد الله بن هاشم ، أنبأنا سيف عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : سأل قوم من بني النجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إنا نضرب في الأرض ، فكيف نصلي ؟ فأنزل الله عز وجل : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ثم انقطع الوحي ، فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر ، فقال المشركون : لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم ، هلا شددتم عليهم ؟ فقال قائل منهم : إن لهم أخرى مثلها في إثرها . قال : فأنزل الله عز وجل بين الصلاتين : { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا [ إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا . وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك } إلى قوله : { أعد للكافرين عذابا مهينا } ] فنزلت صلاة الخوف .
وهذا سياق غريب جدا ولكن لبعضه شاهد من رواية أبي عياش الزرقي ، واسمه زيد بن الصامت ، رضي الله عنه ، قال الإمام أحمد :
حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي عياش قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان ، فاستقبلنا المشركون ، عليهم خالد بن الوليد ، وهم بيننا وبين القبلة ، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ، فقالوا : لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم . ثم قالوا : تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم . قال : فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } قال : فحضرت ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوا السلاح ، [ قال ] فصفنا خلفه صفين ، قال : ثم ركع فركعنا جميعا ، ثم رفع فرفعنا جميعا ، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم ، فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ، وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ، ثم ركع فركعوا جميعا ، ثم رفع فرفعوا جميعا ، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه ، والآخرون قيام يحرسونهم ، فلما جلسوا جلس الآخرون فسجدوا ، ثم سلم عليهم ، ثم انصرف . قال : فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين : مرة بعسفان ، ومرة بأرض بني سليم .
ثم رواه أحمد ، عن غندر ، عن شعبة ، عن منصور ، به نحوه . وهكذا رواه أبو داود ، عن سعيد بن منصور ، عن جرير بن عبد الحميد ، والنسائي من حديث شعبة وعبد العزيز بن عبد الصمد ، كلهم عن منصور ، به .
وهذا إسناد صحيح ، وله شواهد كثيرة ، فمن ذلك ما رواه البخاري حيث قال : حدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا محمد بن حرب ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس معه ، فكبر وكبروا معه ، وركع وركع ناس منهم ، ثم سجد وسجدوا معه ، ثم قام الثانية فقام الذين سجدوا ، وحرسوا إخوانهم ، وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه ، والناس كلهم في الصلاة ، ولكن يحرس بعضهم بعضا .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن سليمان اليشكري : أنه سأل جابر بن عبد الله عن إقصار الصلاة : أي يوم أنزل ؟ أو : أي يوم هو ؟ فقال جابر : انطلقنا نتلقى عير قريش آتية من الشام ، حتى إذا كنا بنخل ، جاء رجل من القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد . قال : " نعم " ، قال : هل تخافني ؟ قال : " لا " . قال : فما يمنعك مني ؟ قال : " الله يمنعني منك " . قال : فسل السيف ثم تهدده وأوعده ، ثم نادى بالترحل وأخذ السلاح ، ثم نودي بالصلاة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة من القوم وطائفة أخرى تحرسهم . فصلى بالذين يلونه ركعتين ، ثم تأخر الذين يلونه على أعقابهم فقاموا في مصاف أصحابهم ، ثم جاء الآخرون فصلى بهم ركعتين والآخرون يحرسونهم ، ثم سلم . فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات ، والقوم ركعتين ركعتين ، فيومئذ أنزل الله في إقصار الصلاة وأمر المؤمنين بأخذ السلاح .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سريج حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سليمان بن قيس اليشكري ، عن جابر بن عبد الله قال : قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة فجاء رجل منهم يقال له : " غورث بن الحارث " حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فقال : من يمنعك مني ؟ قال : " الله " ، فسقط السيف من يده ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ومن يمنعك مني " ؟ قال : كن خير آخذ . قال : " أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ " قال : لا ولكني أعاهدك ألا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك . فخلى سبيله ، فأتى قومه فقال : جئتكم من عند خير الناس . فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ، فكان الناس طائفتين : طائفة بإزاء ، وطائفة صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فصلى بالطائفة الذين معه ركعتين ، وانصرفوا ، فكانوا بمكان أولئك الذين بإزاء عدوهم . وانصرف الذين بإزاء عدوهم فصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات ، وللقوم ركعتين ركعتين .
تفرد به من هذا الوجه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو قطن عمرو بن الهيثم ، حدثنا المسعودي ، عن يزيد الفقير قال : سألت جابر بن عبد الله عن الركعتين في السفر : أقصرهما ؟ قال : الركعتان في السفر تمام ، إنما القصر واحدة عند القتال ، بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال إذ أقيمت الصلاة ، فقام رسول الله صلى فصف طائفة ، وطائفة وجهها قبل العدو ، فصلى بهم ركعة وسجد بهم سجدتين ، ثم الذين خلفوا انطلقوا إلى أولئك فقاموا مقامهم ومكانهم نحو ذا ، وجاء أولئك فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعة وسجد بهم سجدتين ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس وسلم ، وسلم الذين خلفه ، وسلم أولئك ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ، وللقوم ركعة ركعة ، ثم قرأ : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن يزيد الفقير ، عن جابر بن عبد الله ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف ، فقام صف بين يديه ، وصف خلفه ، فصلى بالذي خلفه ركعة وسجدتين ، ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا في مقام أصحابهم ، وجاء أولئك حتى قاموا مقام هؤلاء ، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة وسجدتين ، ثم سلم . فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ولهم ركعة .
ورواه النسائي من حديث شعبة ، ولهذا الحديث طرق عن جابر وهو في صحيح مسلم من وجه آخر بلفظ آخر وقد رواه عن جابر جماعة كثيرون في الصحيح والسنن والمساند .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه قال : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } قال : هي صلاة الخوف ، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين ركعة ، والطائفة الأخرى مقبلة على العدو ، وأقبلت الطائفة الأخرى التي كانت مقبلة على العدو فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى ، ثم سلم بهم ، ثم قامت كل طائفة منهم فصلت ركعة ركعة . وقد روى هذا الحديث الجماعة في كتبهم من طريق معمر ، به ولهذا الحديث طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة ، وقد أجاد الحافظ أبو بكر بن مردويه في سرد طرقه وألفاظه ، وكذا ابن جرير ، ولنحرره في كتاب " الأحكام الكبير " إن شاء الله ، وبه الثقة .
وأما الأمر بحمل السلاح في صلاة الخوف ، فمحمول عند طائفة من العلماء على الوجوب لظاهر الآية ، وهو أحد قولي الشافعي ويدل عليه قوله : { ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم } أي: بحيث تكونون على أهبة إذا احتجتم إليها لبستموها بلا كلفة : { إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا }
تفسير القرطبي : معنى الآية 102 من سورة النساء
قوله : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينافيه إحدى عشرة مسألة :الأولى : قوله تعالى : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة روى الدارقطني عن أبي عياش الزرقي قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان ، فاستقبلنا المشركون ، عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة ، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ، فقالوا : قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ؛ قال : ثم قالوا تأتي الآن عليهم صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم ؛ قال : فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية بين الظهر والعصر وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة . وذكر الحديث . وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى . وهذا كان سبب إسلام خالد رضي الله عنه . وقد اتصلت هذه الآية بما سبق من ذكر الجهاد . وبين الرب تبارك وتعالى أن الصلاة لا تسقط بعذر السفر ولا بعذر الجهاد وقتال العدو ، ولكن فيها رخص على ما تقدم في " البقرة " وهذه السورة ، بيانه من اختلاف العلماء . وهذه الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة ، ومثله قوله تعالى : خذ من أموالهم صدقة هذا قول كافة العلماء . وشذ أبو يوسف وإسماعيل ابن علية فقالا : لا نصلي صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن الخطاب كان خاصا له بقوله تعالى : وإذا كنت فيهم وإذا لم يكن فيهم لم يكن ذلك لهم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره في ذلك ، وكلهم كان يحب أن يأتم به ويصلي خلفه ، وليس أحد بعده يقوم في الفضل مقامه ، والناس بعده تستوي أحوالهم وتتقارب ؛ فلذلك يصلي الإمام بفريق ويأمر من يصلي بالفريق الآخر ، وأما أن يصلوا بإمام واحد فلا . وقال الجمهور : إنا قد أمرنا باتباعه والتأسي به في غير ما آية وغير حديث ، فقال تعالى : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة وقال صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي . فلزم اتباعه مطلقا حتى يدل دليل واضح على الخصوص ؛ ولو كان ما ذكروه دليلا على الخصوص للزم قصر الخطابات على من توجهت له ، وحينئذ كان يلزم أن تكون الشريعة قاصرة على من خوطب بها ؛ ثم إن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين اطرحوا توهم الخصوص في هذه الصلاة وعدوه إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم أعلم بالمقال وأقعد بالحال . وقد قال تعالى : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وهذا خطاب له ، وأمته داخلة فيه ، ومثله كثير . وقال تعالى : خذ من أموالهم صدقة وذلك لا يوجب الاقتصار عليه وحده ، وأن من بعده يقوم في ذلك مقامه ؛ فكذلك في قوله : وإذا كنت فيهم . ألا ترى أن أبا بكر الصديق في جماعة الصحابة رضي الله عنهم قاتلوا من تأول في الزكاة مثل ما تأولتموه في صلاة الخوف . قال أبو عمر : ليس في أخذ الزكاة التي قد استوى فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الخلفاء ما يشبه صلاة من صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلف غيره ؛ لأن أخذ الزكاة فائدتها توصيلها للمساكين ، وليس فيها فضل للمعطى كما في الصلاة فضل للمصلي خلفه .الثانية : قوله تعالى : فلتقم طائفة منهم معك يعني جماعة منهم تقف معك في الصلاة . وليأخذوا أسلحتهم يعني الذين يصلون معك . ويقال : وليأخذوا أسلحتهم الذين هم بإزاء العدو ، على ما يأتي بيانه . ولم يذكر الله تعالى في الآية لكل طائفة إلا ركعة واحدة ، ولكن روي في الأحاديث أنهم أضافوا إليها أخرى ، على ما يأتي . وحذفت الكسرة من قوله : فلتقم وفليكونوا لثقلها . وحكى الأخفش والفراء والكسائي أن لام الأمر ولام كي ولام الجحود يفتحن . وسيبويه يمنع من ذلك لعلة موجبة ، وهي الفرق بين لام الجر ولام التأكيد . والمراد من هذا الأمر الانقسام ، أي وسائرهم وجاه العدو حذرا من توقع حملته .وقد اختلفت الروايات في هيئة صلاة الخوف ، واختلف العلماء لاختلافها ، فذكر ابن القصار أنه صلى الله عليه وسلم صلاها في عشرة مواضع . قال ابن العربي : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الخوف أربعا وعشرين مرة . وقال الإمام أحمد بن حنبل ، وهو إمام أهل الحديث والمقدم في معرفة علل النقل فيه : لا أعلم أنه روي في صلاة الخوف إلا حديث ثابت . وهي كلها صحاح ثابتة ، فعلى أي حديث صلى منها المصلي صلاة الخوف أجزأه إن شاء الله . وكذلك قال أبو جعفر الطبري . وأما مالك وسائر أصحابه إلا أشهب فذهبوا في صلاة الخوف إلى حديث سهل بن أبي حثمة ، وهو ما رواه في موطئه عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الأنصاري أن سهل بن أبي حثمة حدثه أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو ، فيركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم ، فإذا استوى قائما ثبت ، وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون وينصرفون والإمام قائم ، فيكونون وجاه العدو ، ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون وراء الإمام فيركع بهم الركعة ويسجد ثم يسلم ، فيقومون ويركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون . قال ابن القاسم صاحب مالك : والعمل عند مالك على حديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات . قال ابن القاسم : وقد كان يأخذ بحديث يزيد بن رومان ثم رجع إلى هذا . قال أبو عمر : حديث القاسم وحديث يزيد بن رومان كلاهما عن صالح بن خوات : إلا أن بينهما فصلا في السلام ، ففي حديث القاسم أن الإمام يسلم بالطائفة الثانية ثم يقومون فيقضون لأنفسهم الركعة ، وفي حديث يزيد بن رومان أنه ينتظرهم ويسلم بهم . وبه قال الشافعي وإليه ذهب ؛ قال الشافعي : حديث يزيد بن رومان عن صالح بن خوات هذا أشبه الأحاديث في صلاة الخوف بظاهر كتاب الله ، وبه أقول . ومن حجة مالك في اختياره حديث القاسم القياس على سائر الصلوات ، في أن الإمام ليس له أن ينتظر أحدا سبقه بشيء منها ، وأن السنة المجتمع عليها أن يقضي المأمومون ما سبقوا به بعد سلام الإمام . وقول أبي ثور في هذا الباب كقول مالك ، وقال أحمد كقول الشافعي في المختار عنده ، وكان لا يعيب من فعل شيئا من الأوجه المروية في صلاة الخوف . وذهب أشهب من أصحاب مالك إلى حديث ابن عمر قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو ، ثم انصرفوا وقاموا مقام أصحابهم مقبلين على العدو ، وجاء أولئك ثم صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة . وقال ابن عمر : فإذا كان خوف أكثر من ذلك صلى راكبا أو قائما يومئ إيماء ، أخرجه البخاري ومسلم ومالك وغيرهم . وإلى هذه الصفة ذهب الأوزاعي ، وهو الذي ارتضاه أبو عمر بن عبد البر ، قال : لأنه أصحها إسنادا ، وقد ورد بنقل أهل المدينة وبهم الحجة على من خالفهم ، ولأنه أشبه بالأصول ، لأن الطائفة الأولى والثانية لم يقضوا الركعة إلا بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة ، وهو المعروف من سنته المجتمع عليها في سائر الصلوات . وأما الكوفيون : أبو حنيفة وأصحابه إلا أبا يوسف القاضي يعقوب فذهبوا إلى حديث عبد الله بن مسعود ، أخرجه أبو داود والدارقطني قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فقاموا صفين ، صفا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وصفا مستقبل العدو ، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ، وجاء الآخرون فقاموا مقامهم ، واستقبل هؤلاء العدو فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سلم ، فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلين العدو ، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا . وهذه الصفة والهيئة هي الهيئة المذكورة في حديث ابن عمر إلا أن بينهما فرقا ؛ وهو أن قضاء أولئك في حديث ابن عمر يظهر أنه في حالة واحدة ويبقى الإمام كالحارس وحده ، وهاهنا قضاؤهم متفرق على صفة صلاتهم . وقد تأول بعضهم حديث ابن عمر على ما جاء في حديث ابن مسعود . وقد ذهب إلى حديث ابن مسعود الثوري - في إحدى الروايات الثلاث عنه - وأشهب بن عبد العزيز فيما ذكر أبو الحسن اللخمي عنه ، والأول ذكره أبو عمر وابن يونس وابن حبيب عنه . وروى أبو داود من حديث حذيفة وأبي هريرة وابن عمر أنه عليه السلام صلى بكل طائفة ركعة ولم يقضوا ، وهو مقتضى حديث ابن عباس " وفي الخوف ركعة " . وهذا قول إسحاق . وقد تقدم في " البقرة " الإشارة إلى هذا ، وأن الصلاة أولى بما احتيط لها ، وأن حديث ابن عباس لا تقوم به حجة ، وقوله في حديث حذيفة وغيره : " ولم يقضوا " أي في علم من روى ذلك ، لأنه قد روي أنهم قضوا ركعة في تلك الصلاة بعينها ، وشهادة من زاد أولى . ويحتمل أن يكون المراد لم يقضوا ، أي لم يقضوا إذا أمنوا ، وتكون فائدة أن الخائف إذا أمن لا يقضي ما صلى على تلك الهيئة من الصلوات في الخوف ، قال جميعه أبو عمر . وفي صحيح مسلم عن جابر أنه عليه السلام صلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا ، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين . قال : فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان . وأخرجه أبو داود والدارقطني من حديث الحسن عن أبي بكرة وذكرا فيه أنه سلم من كل ركعتين . وأخرجه الدارقطني أيضا عن الحسن عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم ركعتين ثم سلم ، ثم صلى بالآخرين ركعتين ثم سلم . قال أبو داود : وبذلك كان الحسن يفتي ، وروي عن الشافعي . وبه يحتج كل من أجاز اختلاف نية الإمام والمأموم في الصلاة ، وهو مذهب الشافعي والأوزاعي وابن علية وأحمد بن حنبل وداود . وعضدوا هذا بحديث جابر : أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يأتي فيؤم قومه ، الحديث . وقال الطحاوي : إنما كان هذا في أول الإسلام إذ كان يجوز أن تصلي الفريضة مرتين ثم نسخ ذلك ، والله أعلم . فهذه أقاويل العلماء في صلاة الخوف .الثالثة : وهذه الصلاة المذكورة في القرآن إنما يحتاج إليها والمسلمون مستدبرون القبلة ووجه العدو القبلة ، وإنما اتفق هذا بذات الرقاع ، فأما بعسفان والموضع الآخر فالمسلمون كانوا في قبالة القبلة . وما ذكرناه من سبب النزول في قصة خالد بن الوليد لا يلائم تفريق القوم إلى طائفتين ، فإن في الحديث بعد قوله : فأقمت لهم الصلاة قال : فحضرت الصلاة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا السلاح وصفنا خلفه صفين ، قال : ثم ركع فركعنا جميعا ، قال : ثم رفع فرفعنا جميعا ، قال : ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالصف الذي يليه قال : والآخرون قيام يحرسونهم ، فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم ، قال : ثم تقدم هؤلاء في مصاف هؤلاء وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ، قال : ثم ركع فركعوا جميعا ، ثم رفع فرفعوا جميعا ، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه ، والأخرون قيام ، يحرسونهم فلما جلس الآخرون سجدوا ثم سلم عليهم . قال : فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين : مرة بعسفان ومرة في أرض بني سليم . وأخرجه أبو داود من حديث أبي عياش الزرقي وقال : وهو قول الثوري وهو أحوطها . وأخرجه أبو عيسى الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين ضجنان وعسفان ؛ الحديث . وفيه أنه عليه السلام صدعهم صدعين وصلى بكل طائفة ركعة ، فكانت للقوم ركعة ركعة ، وللنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان ، قال : حديث حسن صحيح غريب . وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس وجابر وأبي عياش الزرقي واسمه زيد بن الصامت ، وابن عمر وحذيفة وأبي بكر وسهل بن أبي حثمة .قلت : ولا تعارض بين هذه الروايات ، فلعله صلى بهم صلاة كما جاء في حديث أبي عياش مجتمعين ، وصلى بهم صلاة أخرى متفرقين كما جاء في حديث أبي هريرة ، ويكون فيه حجة لمن يقول صلاة الخوف ركعة . قال الخطابي : صلاة الخوف أنواع صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة وأشكال متباينة ، يتوخى فيها كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة .الرابعة : واختلفوا في كيفية صلاة المغرب ، فروى الدارقطني عن الحسن عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم صلاة المغرب ثلاث ركعات ثم انصرفوا ، وجاء الآخرون فصلى بهم ثلاث ركعات ، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ستا وللقوم ثلاثا ثلاثا ، وبه قال الحسن . والجمهور في صلاة المغرب على خلاف هذا ، وهو أنه يصلي بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة ، وتقضي على اختلاف أصولهم فيه متى يكون ؟ هل قبل سلام الإمام أو بعده . هذا قول مالك وأبي حنيفة ، لأنه أحفظ لهيئة الصلاة . وقال الشافعي : يصلى بالأولى ركعة ، لأن عليا رضي الله عنه فعلها ليلة الهرير ، والله تعالى أعلم .الخامسة : واختلفوا في صلاة الخوف عند التحام الحرب وشدة القتال وخيف خروج الوقت فقال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وعامة العلماء : يصلي كيفما أمكن ، لقول ابن عمر : فإن كان خوف أكثر من ذلك فيصلي راكبا أو قائما يومئ إيماء . قال في الموطأ : مستقبل القبلة وغير مستقبلها ، وقد تقدم في " البقرة " قول الضحاك وإسحاق . وقال الأوزاعي : إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء كل امرئ لنفسه ؛ فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال ويأمنوا فيصلوا ركعتين ، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين ، فإن لم يقدروا يجزئهم التكبير ويؤخروها حتى يأمنوا ؛ وبه قال مكحول .قلت : وحكاه الكيا الطبري في " أحكام القرآن " له عن أبي حنيفة وأصحابه ، قال الكيا : وإذا كان الخوف أشد من ذلك وكان التحام القتال فإن المسلمين يصلون على ما أمكنهم مستقبلي القبلة ومستدبريها ، وأبو حنيفة وأصحابه الثلاثة متفقون على أنهم لا يصلون والحالة هذه بل يؤخرون الصلاة . وإن قاتلوا في الصلاة قالوا : فسدت الصلاة وحكي عن الشافعي أنه إن تابع الطعن والضرب فسدت صلاته .قلت : وهذا القول يدل على صحة قول أنس : حضرت مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر ، واشتد اشتعال القتال فلم نقدر على الصلاة إلا بعد ارتفاع النهار ؛ فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا . قال أنس : وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها ، ذكره البخاري وإليه كان يذهب شيخنا الأستاذ أبو جعفر أحمد بن محمد بن محمد القيسي القرطبي المعروف بأبي حجة ؛ وهو اختيار البخاري فيما يظهر ؛ لأنه أردفه بحديث جابر ، قال : جاء عمر يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش ويقول : يا رسول الله ، ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغرب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وأنا والله ما صليتها قال : فنزل إلى بطحان فتوضأ وصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى المغرب بعدها .السادسة : واختلفوا في صلاة الطالب والمطلوب ؛ فقال مالك وجماعة من أصحابه هما سواء ، كل واحد منهما يصلي على دابته . وقال الأوزاعي والشافعي وفقهاء أصحاب الحديث وابن عبد الحكم : لا يصلي الطالب إلا بالأرض وهو الصحيح ؛ لأن الطلب تطوع ، والصلاة المكتوبة فرضها أن تصلى بالأرض حيثما أمكن ذلك ، ولا يصليها راكب إلا خائف شديد خوفه وليس كذلك الطالب . والله أعلم .السابعة : واختلفوا أيضا في العسكر إذا رأوا سوادا فظنوه عدوا فصلوا صلاة الخوف ثم بان لهم أنه غير شيء ؛ فلعلمائنا فيه روايتان : إحداهما يعيدون ، وبه قال أبو حنيفة . والثانية لا إعادة عليهم ، وهو أظهر قولي الشافعي . ووجه الأولى أنهم تبين لهم الخطأ فعادوا إلى الصواب كحكم الحاكم . ووجه الثانية أنهم عملوا على اجتهادهم فجاز لهم كما لو أخطئوا القبلة ؛ وهذا أولى لأنهم فعلوا ما أمروا به . وقد يقال : يعيدون في الوقت ، فأما بعد خروجه فلا . والله أعلم .الثامنة : قوله تعالى : وليأخذوا أسلحتهم وقال وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم هذا وصاة بالحذر وأخذ السلاح لئلا ينال العدو أمله ويدرك فرصته . والسلاح ما يدفع به المرء عن نفسه في الحرب ، قال عنترة :كسوت الجعد بني أبان سلاحي بعد عري وافتضاحيقول : أعرته سلاحي ليمتنع بها بعد عريه من السلاح . قال ابن عباس : وليأخذوا أسلحتهم يعني الطائفة التي وجاه العدو ، لأن المصلية لا تحارب . وقال غيره : هي المصلية أي وليأخذ الذين صلوا أولا أسلحتهم ، ذكره الزجاج . قال : ويحتمل أن تكون الطائفة الذين هم في الصلاة أمروا بحمل السلاح ؛ أي فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإنه أرهب للعدو . النحاس : يجوز أن يكون للجميع ؛ لأنه أهيب للعدو . ويحتمل أن يكون للتي وجاه العدو خاصة . قال أبو عمر : أكثر أهل العلم يستحبون للمصلي أخذ سلاحه إذا صلى في الخوف ، ويحملون قوله : وليأخذوا أسلحتهم على الندب ؛ لأنه شيء لولا الخوف لم يجب أخذه ؛ فكان الأمر به ندبا . وقال أهل الظاهر : أخذ السلاح في صلاة الخوف واجب لأمر الله به ، إلا لمن كان به أذى من مطر ، فإن كان ذلك جاز له وضع سلاحه . قال ابن العربي : إذا صلوا أخذوا سلاحهم عند الخوف ، وبه قال الشافعي وهو نص القرآن . وقال أبو حنيفة : لا يحملونها ؛ لأنه لو وجب عليهم حملها لبطلت الصلاة بتركها . قلنا : لم يجب حملها لأجل الصلاة وإنما وجب عليهم قوة لهم ونظرا .التاسعة : قوله تعالى : فإذا سجدوا الضمير في سجدوا للطائفة المصلية فلينصرفوا ؛ هذا على بعض الهيئات المروية . وقيل : المعنى فإذا سجدوا ركعة القضاء ؛ وهذا على هيئة سهل بن أبي حثمة . ودلت هذه الآية على أن السجود قد يعبر به عن جميع الصلاة ؛ وهو كقوله عليه السلام : إذا دخل أحدكم المسجد فليسجد سجدتين . أي فليصل ركعتين وهو في السنة . والضمير في قوله : فليكونوا يحتمل أن يكون للذين سجدوا ، ويحتمل أن يكون للطائفة القائمة أولا بإزاء العدو .العاشرة : قوله تعالى : ود الذين كفروا أي تمنى وأحب الكافرون غفلتكم عن أخذ السلاح ليصلوا إلى مقصودهم ؛ فبين الله تعالى بهذا وجه الحكمة في الأمر بأخذ السلاح ، وذكر الحذر في الطائفة الثانية دون الأولى ؛ لأنها أولى بأخذ الحذر ، لأن العدو لا يؤخر قصده عن هذا الوقت لأنه آخر الصلاة ؛ وأيضا يقول العدو قد أثقلهم السلاح وكلوا . وفي هذه الآية أدل دليل على تعاطي الأسباب ، واتخاذ كل ما ينجي ذوي الألباب ، ويوصل إلى السلامة ، ويبلغ دار الكرامة . ومعنى ميلة واحدة مبالغة ، أي مستأصلة لا يحتاج معها إلى ثانية .الحادية عشرة : قوله تعالى : ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر الآية . للعلماء في وجوب حمل السلاح في الصلاة كلام قد أشرنا إليه ، فإن لم يجب فيستحب للاحتياط . ثم رخص في المطر وضعه ؛ لأنه تبتل المبطنات وتثقل ويصدأ الحديد . وقيل : نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم يوم بطن نخلة لما انهزم المشركون وغنم المسلمون ؛ وذلك أنه كان يوما مطيرا وخرج النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته واضعا سلاحه ، فرآه الكفار منقطعا عن أصحابه فقصده غورث بن الحارث فانحدر عليه من الجبل بسيفه ، فقال : من يمنعك مني اليوم ؟ فقال : الله ثم قال : اللهم اكفني الغورث بما شئت . فأهوى بالسيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه ، فانكب لوجهه لزلقة زلقها . وذكر الواقدي أن جبريل عليه السلام دفعه في صدره على ما يأتي في المائدة ، وسقط السيف من يده فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : من يمنعك مني يا غورث ؟ فقال : لا أحد . فقال : تشهد لي بالحق وأعطيك سيفك ؟ قال : لا ؛ ولكن أشهد ألا أقاتلك بعد هذا ولا أعين عليك عدوا ؛ فدفع إليه السيف ونزلت الآية رخصة في وضع السلاح في المطر . ومرض عبد الرحمن بن عوف من جرح كما في صحيح البخاري ، فرخص الله سبحانه لهم في ترك السلاح والتأهب للعدو بعذر المطر ، ثم أمرهم فقال : خذوا حذركم أي كونوا متيقظين ، وضعتم السلاح أو لم تضعوه . وهذا يدل على تأكيد التأهب والحذر من العدو في كل الأحوال وترك الاستسلام ؛ فإن الجيش ما جاءه مصاب قط إلا من تفريط في حذر ، وقال الضحاك في قوله تعالى : وخذوا حذركم يعني تقلدوا سيوفكم فإن ذلك هيئة الغزاة .
﴿ وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ﴾ [ النساء: 102]
English | Türkçe | Indonesia |
Русский | Français | فارسی |
تفسير | انجليزي | اعراب |
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا
- تفسير: وتذرون الآخرة
- تفسير: وبرزت الجحيم لمن يرى
- تفسير: ذي قوة عند ذي العرش مكين
- تفسير: أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون
- تفسير: وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا
- تفسير: وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان
- تفسير: وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا
- تفسير: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم
- تفسير: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا
تحميل سورة النساء mp3 :
سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب