1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ آل عمران: 120] .

  
   

﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾
[ سورة آل عمران: 120]

القول في تفسير قوله تعالى : إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا


ومن عداوة هؤلاء أنكم -أيها المؤمنون- إن نزل بكم أمرٌ حسن مِن نصر وغنيمة ظهرت عليهم الكآبة والحزن، وإن وقع بكم مكروه من هزيمة أو نقص في الأموال والأنفس والثمرات فرحوا بذلك، وإن تصبروا على ما أصابكم، وتتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، لا يضركم أذى مكرهم. والله بجميع ما يعمل هؤلاء الكفار من الفساد محيط، وسيجازيهم على ذلك.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


إن تصبكم - أيها المؤمنون - نعمة من نصر على عدو، أو زيادة في مال وولد؛ يصبهم الهم والحزن، وإن تصبكم مصيبة من نصر عدو أو نقص في مال وولد، يفرحوا بذلك، ويشمتوا بكم، وإن تصبروا على أوامر الله وأقداره، وتتقوا غضبه عليكم؛ لا يضركم مكرهم وأذاهم، إن الله بما يعملون من الكيد محيط، وسيردهم خائبين.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 120


«إن تَمْسَسْكُمْ» تصبكم «حسنة» نعمة كنصر وغنيمة «تسؤهم» تحزنهم» «وإن تصبكم سيئة» كهزيمة وجدب «يفرحوا بها» وجملة الشرط متصلة بالشرط قبل وما بينهما اعتراض والمعنى أنهم متناهون في عداوتكم فلم توالوهم فاجتنبوهم «وإن تصبروا» على أذاهم «وتتقوا» الله في موالاتهم وغيرها «لا يضركمْ» بكسر الضاد وسكون الراء وضمها وتشديدها «كيدهم شيئا إن الله بما يعلمون» بالياء والتاء «محيط» عالم فيجازيهم به.

تفسير السعدي : إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا


{ إن تمسسكم حسنة } كالنصر على الأعداء وحصول الفتح والغنائم { تسؤهم }- أي: تغمهم وتحزنهم { وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط } فإذا أتيتم بالأسباب التي وعد الله عليها النصر - وهي الصبر والتقوى- لم يضركم مكرهم، بل يجعل الله مكرهم في نحورهم لأنه محيط بهم علمه وقدرته فلا منفذ لهم عن ذلك ولا يخفى عليهم منهم شيء.

تفسير البغوي : مضمون الآية 120 من سورة آل عمران


وقوله تعالى : ( إن تمسسكم حسنة ) أي : تصبكم أيها المؤمنون بظهوركم على عدوكم وغنيمة تنالونها منهم ، وتتابع الناس في الدخول في دينكم ، وخصب في معايشكم ( تسؤهم ) تحزنهم ، ( وإن تصبكم سيئة ) مساءة بإخفاق سرية لكم أو إصابة عدو منكم ، أو اختلاف يكون بينكم أو جدب أو نكبة تصبكم ( يفرحوا بها وإن تصبروا ) على أذاهم ( وتتقوا ) وتخافوا ربكم ( لا يضركم ) أي : لا ينقصكم ، ( كيدهم شيئا ) قرأ ابن كثير ونافع وأهل البصرة ( لا يضركم ) بكسر الضاد خفيفة يقال : ضار يضير ضيرا ، وهو جزم على جواب الجزاء ، وقرأ الباقون بضم الضاد وتشديد الراء من ضر يضر ضرا مثل رد يرد ردا وفي رفعه وجهان .
أحدهما : أنه أراد الجزم وأصله يضرركم فأدغمت الراء في الراء ونقلت ضمة الراء الأولى إلى الضاد وضمت الثانية اتباعا ، والثاني : أن يكون لا بمعنى ليس ويضمر فيه الفاء تقديره : وإن تصبروا وتتقوا فليس يضركم كيدهم شيئا ، ( إن الله بما يعملون محيط ) عالم .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


ثم ذكر- سبحانه - لونا آخر من ألوان بغض هؤلاء الكافرين للمؤمنين فقال- سبحانه -:إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها والمس: أصله الجس باليد.
أطلق على كل ما يصل إلى الشيء على سبيل التشبيه، فيقال: فلان مسه النصب أو التعب، أى أصابه.
والمراد بالحسنة هنا منافع الدنيا على اختلاف ألوانها، كصحة البدن، وحصول النصر، ووجود الألفة والمحبة بين المؤمنين.
أى إن تمسسكم- أيها المؤمنون- حسنة كنصركم على أعدائكم.
وإصلاح ذات بينكم، تَسُؤْهُمْ أى تحزنهم وتملأ قلوبهم غيظا عليكم، وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ كنزول مصيبة بكم، يفرحوا بها.
أى يبتهجوا بها، وتستطار ألبابهم سرورا وحبورا بسبب ما نزل بكم من مكاره.
فالجملة الكريمة بيان لفرط عداوة هؤلاء المنافقين للمؤمنين، حيث يحسدونهم على ما ينالهم من خير، ويشمتون بهم عند ما ينزل بهم شر.
وعبر في جانب الحسنة بالمس، وفي جانب السيئة بالإصابة، للإشارة إلى تمكن الأحقاد من قلوبهم، بحيث إن أى حسنة حتى ولو كان مسها للمؤمنين خفيفا وليس غامرا عاما فإن هؤلاء المنافقين يحزنون لذلك، لأنهم يستكثرون كل خير للمؤمنين حتى ولو كان هذا الخير ضئيلا.
أما بالنسبة لما يصيب المؤمنين من مكاره، فإن هؤلاء المنافقين لا يفرحون بالمصيبة التي تمس المؤمنين مسا خفيفا، فإنها لا تشفى غيظهم وحقدهم، وإنما يفرحون بالمصائب الشديدة التي تؤذى المؤمنين في دينهم ودنياهم أذى شديدا ثم ختم- سبحانه - الآية الكريمة بإرشاد المؤمنين إلى الدواء الذي يتقون به كيد أعدائهم وأعدائه فقال-تبارك وتعالى-: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ.
وقوله: تَصْبِرُوا من الصبر وهو حبس النفس على ما يقتضيه الشرع والعقل.
وقوله: وَتَتَّقُوا من التقوى وهي صيانة الإنسان نفسه عن محارم الله.
وقوله: كَيْدُهُمْ من الكيد وهو أن يحتال الشخص ليوقع غيره في مكروه.
والمعنى: وَإِنْ تَصْبِرُوا أيها المؤمنون على طاعة الله، فتضبطوا أنفسكم ولا تنساقوا في محبة من لا يستحق المحبة، وتتحملوا بعزيمة صادقة مشاق التكاليف التي كلفكم الله بها، وتقاوموا العداوة بمثلها وَتَتَّقُوا الله-تبارك وتعالى- في كل ما نهاكم عنه، وتمتثلوا أمره في كل ما أمركم به، إن فعلتم ذلك لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ وتدبيرهم السيئ شَيْئاً من الضرر ببركة هاتين الفضيلتين: الصبر والتقوى، فإنهما جامعتان لمحاسن الطاعات، ومكارم الأخلاق.
وإن لم تفعلوا ذلك أصابكم الضرر، واستمكنوا منكم بكيدهم ومكرهم.
قال الجمل ما ملخصه: وقوله: لا يَضُرُّكُمْ وردت فيه قراءتان سبعيتان:إحداهما: بضم الضاد وضم الراء مع التشديد- من ضر يضر.
والثانية: لا يَضُرُّكُمْ- بكسر الضاد وسكون الراء- من ضار يضير.
والفعل في كليهما مجزوم جوابا للشرط، وجزمه على القراءة الثانية «يضركم» ظاهر، وعلى القراءة الأولى «يضركم» يكون مجزوما بسكون مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الإتباع للتخلص من التقاء الساكنين، وأصل الفعل يضرركم- بوزن ينصركم- نقلت حركة الراء الأولى إلى الضاد ثم أدغمت في الثانية، وحركت الثانية بالضم اتباعا لحركة الضاد» .
وقوله: شَيْئاً نصب على المصدرية.
أى لا يضركم كيدهم شيئا من الضرر لا قليلا ولا كثيرا بسبب اعتصامكم بالصبر والتقوى.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ تذييل قصد به إدخال الطمأنينة على قلوب المؤمنين، والرعب في قلوب أعدائهم.. أى إنه- سبحانه - محيط بأعمالهم وبكل أحوالهم، ولا تخفى عليه خافية منها، وسيجازيهم عليها بما يستحقونه من عذاب أليم بسبب نياتهم الخبيثة، وأقوالهم الذميمة.
وأفعالهم القبيحة.
وبهذا نرى أن الآيات الكريمة قد نهت المؤمنين بأسلوب بليغ حكيم عن مصافاة من يخالفونهم في الدين، وذكرت لهم من صفات وأحوال هؤلاء المخالفين ما يحملهم على منابذتهم والحذر منهم والبعد عنهم، وأرشدتهم إلى ما يعينهم على النصر عليهم وعلى التخلص من آثار مكرهم وكيدهم.
وإنها لوصايا حكيمة وتوجيهات سديدة، وإرشادات عالية، ما أحوج المسلمين في كل زمان ومكان إلى العمل بها لكي يفلحوا في دنياهم وآخرتهم.
تدبر معى- أخى القارئ- هذه الآيات مرة أخرى فماذا ترى؟إنك تراها توجه إلى المؤمنين نداء محببا إلى نفوسهم، محركا لحرارة العقيدة في قلوبهم..حيث نادتهم بصفة الإيمان، ونهتهم في هذا النداء عن اتخاذ أولياء وأصفياء لهم من غير إخوانهم المؤمنين.
ولكن هل اكتفت بهذا النهى مع أنه كفيل بحجز المؤمنين عما نهتهم عنه؟كلا، إنها لم تكتف بذلك، بل ساقت لهم صورة كاملة السمات لأحوال أعدائهم، صورة ناطقة بدخائل نفوسهم، وبمشاعرهم الظاهرة والخفية، وبانفعالاتهم القلبية والجسدية، وبحركاتهم الذاهبة والآية، صورة ناطقة بحالهم عند ما يلتقون بالمؤمنين، وبحالهم عند ما يفارقونهم ويخلون بأنفسهم، أو عند ما يلتقون بأمثالهم من الضالين.
صورة ناطقة بسرورهم عند ما تصيب المسلمين مصيبة، وبحزنهم عند ما يرون المؤمنين في نعمة يسيرة.
صورة ناطقة بموقف المؤمنين منهم وبموقفهم هم من المؤمنين ثم بعد رسم هذه الصورة العجيبة المتكاملة لهم، يسوق القرآن للمؤمنين أسمى وأحكم ألوان التوجيه والإرشاد الذي يجعلهم في مأمن من كيدهم ومكرهم وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً.
أرأيت- يا أخى- كيف ربي القرآن أتباعه أكمل تربية وأحكمها وأسماها؟ إنه نهاهم أولا عن مباطنة أعدائهم، ثم ساق لهم بعد ذلك من أوصافهم وأحوالهم ما يقنعهم ويحملهم على البعد عنهم، ثم أرشدهم إلى الدواء الذي ينجيهم من مكرهم.
فما أحكمه من توجيه.
وما أسماه من إرشاد، وإن ذلك ليدل على أن هذا القرآن من عند الله وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً .
وإلى هنا تكون سورة آل عمران قد حدثتنا- من بين ما حدثتنا- في مائة وعشرين آية منها، عن بعض الأدلة على وحدانية الله-تبارك وتعالى-، وعن مظاهر قدرته ورحمته، وعن كتبه التي أنزلها على أنبيائه لسعادة الناس وهدايتهم وعن حب الناس للشهوات وعما هو أسمى وأفضل من هذه الشهوات الزائلة، وعن المجادلات التي حدثت بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وبين أهل الكتاب فيما يتعلق بوحدانية الله-تبارك وتعالى- وبصحة دين الإسلام، وعن جوانب من قصة آل عمران وما اشتملت عليه من عظات وعبر، وعن الشبهات التي أثارها اليهود حول الدعوة الإسلامية والمسالك الخبيثة التي سلكوها في حربهم لها وكيف رد القرآن عليهم بما يفضحهم ويكشف عن كذبهم، ويجعل المؤمنين يزدادون إيمانا على إيمانهم.
والخلاصة أن السورة الكريمة من مطلعها إلى هنا قد ساقت- من بين ما ساقت- ألوانا من الحرب النفسية التي شنها أهل الكتاب على الدعوة الإسلامية، وردت عليهم بما يخرس ألسنتهم، ويبصرهم بالحق- إن كانوا طلاب حق- وساقت للمؤمنين من التوجيهات والعظات، ما يهدى قلوبهم، ويصلح بالهم ويكفل لهم النصر على أعدائهم.
وبعد هذا السبح الطويل في الحديث عما دار بين المسلمين وبين أعدائهم من حرب كلامية وفكرية ونفسية ...
انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن حروب السيف والسنان، وما صاحبها من أفكار وأقوال وأفعال.
فقد حدثتنا السورة الكريمة في حوالى ستين آية عن جوانب متعددة من غزوة «أحد» تلك الغزوة التي كانت لها آثارها الهامة في حياة المسلمين وأحوالهم.
ولعل من الخير- قبل أن نبدأ في تفسير الآيات الكريمة التي وردت في سورة آل عمران بشأن هذه الغزوة- أن نسوق خلاصة تاريخية لهذه الغزوة تعين على فهم الآيات المتعلقة بها، فتقول:كانت غزوة بدر من الغزوات المشهورة في تاريخ الدعوة الإسلامية، فقد انتصر المسلمون فيها انتصارا مؤزرا على كفار قريش.
وصمم المشركون على أن يأخذوا بثأرهم من المسلمين، فجمعوا جموعهم، وخرجوا في جيش كبير، ومعهم بعض نسائهم حتى يكون ذلك أبلغ في استماتة الرجال في القتال.
ووصل مشركو قريش ومعهم حلفاؤهم إلى أطراف المدينة في أوائل شوال من السنة الثالثة، وكان عددهم يربو على ثلاثة آلاف رجل.
واستشار النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه في شأن هؤلاء المشركين الزاحفين إلى المدينة.
فكان رأى بعضهم- ومعظمهم من الشباب- الخروج لملاقاة المشركين خارج المدينة.
وكان من رأى فريق آخر من الصحابة، استدراج المشركين إلى أزقة المدينة ومقاتلتهم بداخلها، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يميل إلى رأى هذا الفريق، إلا أنه آثر الأخذ برأى الفريق الأول الذي يرى أصحابه الخروج لملاقاة المشركين خارج المدينة، نظرا لكثرة عدد القائلين بذلك.
ثم دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم بيته، ثم خرج منه وقد لبس آلة حربه، وشعر بعض المسلمين أنهم قد استكرهوا النبي صلّى الله عليه وسلّم على القتال، فأظهروا له الرغبة في النزول على رأيه، إلا أنه لم يستجب لهم، وقال كلمته التي تعلم الناس الحزم وعدم التردد: «ما ينبغي لنبي لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه، لقد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم إلا الخروج، فعليكم بتقوى الله والصبر عند البأس.
وانظروا ما أمركم الله به فافعلوه» .
ثم خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم في ألف مقاتل من المسلمين حتى نزل قريبا من جبل «أحد» إلا أن «عبد الله بن أبى بن سلول» انسحب في الطريق بثلث الناس محتجا بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأخذ برأيه، بل أخذ برأى غيره.
وعسكر المسلمون بالشعب من أحد، جاعلين ظهرهم إلى الجبل، ورسم النبي صلّى الله عليه وسلّم الخطة لكسب المعركة، فجاءت خطة محكمة رائعة.
فقد وزع الرماة على أماكنهم- وكانوا خمسين راميا-، وقال لهم: «انضحوا الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا.
إن كانت لنا أو علينا فالزموا أماكنكم لا نؤتين من قبلكم» .
وفي رواية أنه صلّى الله عليه وسلّم قال لهم: احموا ظهورنا، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا.
وإن رأيتمونا نغنم فلا تشركونا» .
وأخيرا التقى الجمعان، وأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم لأتباعه أن يجالدوا أعداءهم، وأظهر المسلمون أسمى صور البطولة والإقدام، وكان شعارهم في هذا الالتحام «أمت أمت» .
وما هي إلا جولات في أوائل المعركة، حتى ولى المشركون المسلمين الأدبار، ولم يغن عن المشركين شيئا ما كانت تقوم به نسوتهم من تحريض واستنهاض للعزائم.
قال ابن إسحاق: ثم أنزل الله-تبارك وتعالى- نصره، وصدق وعده، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن المعسكر، وكانت الهزيمة لا شك فيها.
ورأى الرماة الهزيمة وهي تحل بقريش، فتطلعت نفوسهم إلى الغنائم، وحاول أميرهم، عبد الله بن جبير أن يمنعهم من ترك أماكنهم عملا بوصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا أن معظمهم تركوا أماكنهم ونزلوا إلى ساحة المعركة ليشاركوا في جمع الغنائم والأسلاب.
وأدرك خالد بن الوليد- وكان ما زال مشركا- أن ظهور المسلمين قد انكشفت بترك الرماة لأماكنهم، فاهتبل الفرصة على عجل، واستدار بمن معه من خيل المشركين خلف المسلمين فأحدق بهم، وأخذ في مهاجمتهم من مكان ما كانوا ليظنوا أنهم سيهاجمون منه، فقد كانوا يعتمدون على الرماة في حماية ظهورهم.
وعاد المشركون المنهزمون إلى مقاتلة المسلمين، بعد أن رأوا ما فعله خالد ومن معه.
واضطربت صفوف المسلمين للتحول المفاجئ الذي حدث لهم، إلا أن فريقا منهم أخذ يقاتل ببسالة وصبر.
واستشهد عدد كبير منهم وهم يحاولون شق طريقهم.
وأصيب النبي صلّى الله عليه وسلّم خلال ذلك بجروح بالغة، وأشيع أنه قد قتل، إلا أنه صلّى الله عليه وسلّم جعل يصيح بالمسلمين: إلى عباد الله، إلى عباد الله.. فاجتمع إليه نحو ثلاثين رجلا، ودافعوا عنه دفاع الأبطال المخلصين..ومرت على المسلمين ساعة من أحرج الساعات في تاريخ الدعوة الإسلامية فقد كان المشركون يهاجمون النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه بعناد وحقد، وكان المسلمون مستميتين في الدفاع عن رسولهم صلّى الله عليه وسلّم وعن أنفسهم.
وكان لهذه الاستماتة آثارها في تراجع المشركين، وقد ظنوا أنهم قد أخذوا بثأرهم من المسلمين ...
وخشي النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يكون تراجع المشركين من أجل مهاجمة المدينة، فقال لعلى بن أبى طالب: «اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون؟ فإن هم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل، فإنهم يريدون مكة.
وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل، فهم يريدون المدينة.
فو الذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم، ثم لأناجزنهم فيها» .
قال على: فخرجت في آثارهم فرأيتهم جنبوا الخيل، وامتطوا الإبل، واتجهوا إلى مكة.
وعند ما انصرف أبو سفيان نادى: إن موعدكم بدر العام المقبل، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم لرجل من أصحابه: قل له: نعم بيننا وبينك موعد.
وانتهت غزوة أحد باستشهاد حوالى سبعين صحابيا من بينهم حمزة بن عبد المطلب ومصعب ابن عمير، وسعد بن الربيع.
وغيرهم من الأبطال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وهذه خلاصة لأحداث غزوة أحد كما روتها كتب السيرة.
والآن فلنول وجوهنا شطر القرآن الكريم، لنتدبر حديثه الحكيم عن هذه الغزوة، ولنستمع إليه بقلوب واعية، وآذان متفتحة، وهو يبدأ حديثه عنها فيقول:

إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا: تفسير ابن كثير


ثم قال : { إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها } وهذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب ، ونصر وتأييد ، وكثروا وعز أنصارهم ، ساء ذلك المنافقين ، وإن أصاب المسلمين سنة - أي: جدب - أو أديل عليهم الأعداء ، لما لله في ذلك من الحكمة ، كما جرى يوم أحد ، فرح المنافقون بذلك ، قال الله تعالى مخاطبا عباده المؤمنين : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا [ إن الله بما يعملون محيط ] } يرشدهم تعالى إلى السلامة من شر الأشرار وكيد الفجار ، باستعمال الصبر والتقوى ، والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم ، فلا حول ولا قوة لهم إلا به ، وهو الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن . ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته ، ومن توكل عليه كفاه .

تفسير القرطبي : معنى الآية 120 من سورة آل عمران


قوله تعالى : إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيطقوله تعالى : إن تمسسكم حسنة تسؤهم قرأ السلمي بالياء والباقون بالتاء .
واللفظ عام في كل ما يحسن ويسوء .
وما ذكره المفسرون من الخصب والجدب واجتماع المؤمنين ودخول الفرقة بينهم إلى غير ذلك من الأقوال أمثلة وليس باختلاف .
والمعنى في الآية : أن من كانت من صفته من شدة العداوة والحقد والفرح بنزول الشدائد على المؤمنين ، لم يكن أهلا لأن يتخذ بطانة ، لا سيما في هذا الأمر الجسيم من الجهاد الذي هو ملاك الدنيا والآخرة ; ولقد أحسن القائل في قوله :كل العداوة قد ترجى إفاقتها إلا عداوة من عاداك من حسدوإن تصبروا أي على أذاهم وعلى الطاعة وموالاة المؤمنين .
وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا يقال : ضاره يضوره ويضيره ضيرا وضورا ; فشرط تعالى نفي ضررهم بالصبر والتقوى ، فكان ذلك تسلية للمؤمنين وتقوية لنفوسهم .
قلت : قرأ الحرميان وأبو عمرو " لا يضركم " من ضار يضير كما ذكرنا ; ومنه قوله لا ضير ، وحذفت الياء لالتقاء الساكنين ; لأنك لما حذفت الضمة من الراء بقيت الراء ساكنة والياء ساكنة فحذفت الياء ، وكانت أولى بالحذف ; لأن قبلها ما يدل عليها .
وحكى الكسائي أنه سمع " ضاره يضوره " وأجاز " لا يضركم " وزعم أن في قراءة أبي بن كعب " لا يضرركم " .
قرأ الكوفيون : لا يضركم بضم الراء وتشديدها من ضر يضر .
ويجوز أن يكون مرفوعا على تقدير إضمار الفاء ; والمعنى : فلا يضركم ، ومنه قول الشاعر :من يفعل الحسنات الله يشكرهاهذا قول الكسائي والفراء ، أو يكون مرفوعا على نية التقديم ; وأنشد سيبويه :وإنك إن يصرع أخوك تصرعأي لا يضركم أن تصبروا وتتقوا .
ويجوز أن يكون مجزوما ، وضمت الراء لالتقاء الساكنين على إتباع الضم .
وكذلك قراءة من فتح الراء على أن الفعل مجزوم ، وفتح " يضركم " لالتقاء الساكنين لخفة الفتح ; رواه أبو زيد عن المفضل عن عاصم ، حكاه المهدوي .
وحكى النحاس : وزعم المفضل الضبي عن عاصم " لا يضركم " بكسر الراء لالتقاء الساكنين .

﴿ إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط ﴾ [ آل عمران: 120]

سورة : آل عمران - الأية : ( 120 )  - الجزء : ( 4 )  -  الصفحة: ( 65 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون
  2. تفسير: ولقد تركناها آية فهل من مدكر
  3. تفسير: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها
  4. تفسير: وإن جندنا لهم الغالبون
  5. تفسير: ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون
  6. تفسير: ثلة من الأولين
  7. تفسير: واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود
  8. تفسير: ألا إن لله ما في السموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه
  9. تفسير: وإذا الصحف نشرت
  10. تفسير: الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنـزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على

تحميل سورة آل عمران mp3 :

سورة آل عمران mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة آل عمران

سورة آل عمران بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة آل عمران بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة آل عمران بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة آل عمران بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة آل عمران بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة آل عمران بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة آل عمران بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة آل عمران بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة آل عمران بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة آل عمران بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

تمسسكم+حسنة+تسؤهم , تصبكم+سيئة , يفرحوا+بها , تصبروا , تتقوا , يضركم , كيدهم , الله , يعملون , محيط , إن+الله+بما+يعملون+محيط ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب