1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ آل عمران: 28] .

  
   

﴿ لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾
[ سورة آل عمران: 28]

القول في تفسير قوله تعالى : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين


ينهى الله المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء بالمحبة والنصرة من دون المؤمنين، ومَن يتولهم فقد برِئ من الله، والله برِيء منه، إلا أن تكونوا ضعافًا خائفين فقد رخَّص الله لكم في مهادنتهم اتقاء لشرهم، حتى تقوى شوكتكم، ويحذركم الله نفسه، فاتقوه وخافوه. وإلى الله وحده رجوع الخلائق للحساب والجزاء.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


لا تتخذوا - أيها المؤمنون - الكافرين أولياء تحبونهم وتنصرونهم من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فقد برئ من الله وبرئ الله منه، إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فلا حرج أن تتقوا أذاهم بإظهار اللين في الكلام واللطف في الفعال، مع إضمار العداوة لهم، ويحذركم الله نفسه فخافوه، ولا تتعرضوا لغضبه بارتكاب المعاصي، وإلى الله وحده رجوع العباد يوم القيامة لمجازاتهم على أعمالهم.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 28


«لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء» يوالونهم «من دون» أي غير «المؤمنين ومن يفعل ذلك» أي يواليهم «فليس من» دين «الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة» مصدر تقيته أي تخافوا مخافة فلكم موالاتهم باللسان دون القلب وهذا قبل عزَّة الإسلام ويجري فيمن هو في بلد ليس قويا فيها «ويحذركم» يخوفكم «الله نفسه» أن يغضب عليكم إن واليتموهم «وإلى الله المصير» المرجع فيجازيكم.

تفسير السعدي : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين


وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين عن موالاة الكافرين بالمحبة والنصرة والاستعانة بهم على أمر من أمور المسلمين، وتوعد على ذلك فقال: { ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء }- أي: فقد انقطع عن الله، وليس له في دين الله نصيب، لأن موالاة الكافرين لا تجتمع مع الإيمان، لأن الإيمان يأمر بموالاة الله وموالاة أوليائه المؤمنين المتعاونين على إقامة دين الله وجهاد أعدائه، قال تعالى: { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } فمن والى - الكافرين من دون المؤمنين الذين يريدون أن يطفؤا نور الله ويفتنوا أولياءه خرج من حزب المؤمنين، وصار من حزب الكافرين، قال تعالى: { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } وفي هذه الآية دليل على الابتعاد عن الكفار وعن معاشرتهم وصداقتهم، والميل إليهم والركون إليهم، وأنه لا يجوز أن يولى كافر ولاية من ولايات المسلمين، ولا يستعان به على الأمور التي هي مصالح لعموم المسلمين.
قال الله تعالى: { إلا أن تتقوا منهم تقاة }- أي: تخافوهم على أنفسكم فيحل لكم أن تفعلوا ما تعصمون به دماءكم من التقية باللسان وإظهار ما به تحصل التقية.
ثم قال تعالى: { ويحذركم الله نفسه }- أي: فلا تتعرضوا لسخطه بارتكاب معاصيه فيعاقبكم على ذلك { وإلى الله المصير }- أي: مرجع العباد ليوم التناد، فيحصي أعمالهم ويحاسبهم عليها ويجازيهم، فإياكم أن تفعلوا من الأعمال القباح ما تستحقون به العقوبة، واعملوا ما به يحصل الأجر والمثوبة،

تفسير البغوي : مضمون الآية 28 من سورة آل عمران


قوله عز وجل : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ) قال ابن عباس رضي الله عنه : كان الحجاج بن عمرو بن أبي الحقيق وقيس بن زيد ( يظنون ) بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم ، فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر : اجتنبوا هؤلاء اليهود لا يفتنونكم عن دينكم ، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم فأنزل الله تعالى هذه الآيةوقال مقاتل : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره وكانوا يظهرون المودة لكفار مكة .
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل هذه الآية ، ونهى المؤمنين عن مثل [ فعلهم ] .
قوله تعالى : ( ومن يفعل ذلك ) أي موالاة الكفار في نقل الأخبار إليهم وإظهارهم على عورة المسلمين ( فليس من الله في شيء ) [ أي ليس من دين الله في شيء ] ثم استثنى فقال ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) يعني : إلا أن تخافوا منهم مخافة ، قرأ مجاهد ويعقوب " تقية " على وزن بقية لأنهم كتبوها بالياء ولم يكتبوها بالألف ، مثل حصاة ونواة ، وهي مصدر يقال تقيته تقاة وتقى تقية وتقوى فإذا قلت اتقيت كان المصدر الاتقاء ، وإنما قال تتقوا من الاتقاء ثم قال : تقاة ولم يقل اتقاء لأن معنى اللفظين إذا كان واحدا يجوز إخراج مصدر أحدهما على لفظ الآخر كقوله تعالى : " وتبتل إليه تبتيلا " ( 8 - المزمل ) ومعنى الآية : أن الله تعالى نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين ، أو يكون المؤمن في قوم كفار يخافهم فيداريهم باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان دفعا عن نفسه من غير أن يستحل دما حراما أو مالا حراما ، أو يظهر الكفار على عورة المسلمين ، والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل وسلامة النية ، قال الله تعالى : " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " ( 106 - النحل ) ثم هذا رخصة ، فلو صبر حتى قتل فله أجر عظيم وأنكر قوم التقية [ اليوم ] قال معاذ بن جبل ومجاهد : كانت التقية في [ بدو ] الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين ، وأما اليوم فقد أعز الله الإسلام فليس ينبغي لأهل الإسلام أن يتقوا من عدوهم ، وقال يحيى البكاء : قلت لسعيد بن جبير في أيام الحجاج : إن الحسن كان يقول لكم التقية باللسان والقلب مطمئن بالإيمان؟ فقال سعيد : ليس في الإسلام تقية إنما التقية في أهل الحرب ( ويحذركم الله نفسه ) أي يخوفكم الله عقوبته على موالاة الكفار وارتكاب المنهي عنه ومخالفة المأمور ( وإلى الله المصير ) .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


أورد المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات:منها أن جماعة من اليهود كانوا يصادقون جماعة من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة ابن المنذر، وعبد الله بن جبير، وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر من الأنصار: اجتنبوا هؤلاء اليهود واحذروا ملازمتهم ومباطنتهم لئلا يفتنوكم عن دينكم، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم وملازمتهم، فأنزل الله-تبارك وتعالى- هذه الآية».
وقوله أَوْلِياءَ جمع ولى، والولاء والتوالي- كما يقول الراغب: أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد.
والولاية- بكسر الواو- النصرة والولاية- بفتحها- تولى الأمر، وقيل هما بمعنى واحد» .
و «لا» ناهية.
والفعل «يتخذ» مجزوم بها، وهو متعد لمفعولين:أولهما: الْكافِرِينَ.
وثانيهما: أَوْلِياءَ.
والمعنى: لا يحل للمؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء ونصراء، بل عليهم أن يراعوا ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين، وأن يقدموها على ما بينهم وبين الكفار من قرابة أو صداقة أو غير ذلك من ألوان الصلات لأن في تقديم مصلحة الكافرين على مصلحة المؤمنين تقديما للكفر على الإيمان ومن شأن المؤمن الصادق في إيمانه أن لا يصدر منه ذلك.
وقد ورد مثل هذا النهى في كثير من الآيات ومن ذلك قوله- تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ .
وقوله-تبارك وتعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ .
قال الآلوسى: وقوله مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ حال من الفاعل، أى متجاوزين المؤمنين إلى الكافرين استقلالا أو اشتراكا، ولا مفهوم لهذا الظرف إما لأنه ورد في قوم بأعيانهم والوا الكافر دون المؤمنين فهو لبيان الواقع.
أو لأن ذكره للإشارة إلى أن الحقيق بالموالاة هم المؤمنون، وفي موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفار» .
قالوا: والموالاة الممنوعة هي التي يكون فيها خذلان للدين أو إيذاء لأهله أو إضافة لمصالحهم، وأما ما عدا ذلك كالتجارة وغيرها من ضروب المعاملات الدنيوية فلا تدخل في ذلك النهى، لأنها ليست معاملة فيها أذى للإسلام والمسلمين».
وكرر- سبحانه - لفظ «المؤمنين» بأداة التعريف أل للإشارة إلى أن الثاني هو عين الأول، وفي ذلك إشعار بأن المؤمنين الذين يتخذون الكافرين أولياء ونصراء، يتركون أنفسهم ويهملونها ويتخذون من عدوهم نهاية لها.
ثم قال-تبارك وتعالى- وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ أى: ومن يتخذ الكافرين أولياء وأنصارا من دون المؤمنين، فإنه في هذه الحالة يكون بعيدا عن ولايته الله، ومنسلخا منها رأسا وليس بينه وبين الله صلة تذكر.
فاسم الإشارة ذلِكَ يعود على الاتخاذ المفهوم من الفعل يتخذ.
والتنوين في شَيْءٍ للتحقير أى ليس في شيء يصح أن يطلق عليه اسم الولاية، لأن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان كما قال الشاعر:تود عدوى ثم تزعم أننى ...
صديقك ليس النوك عنك بعازب و «من» شرطية، ويَفْعَلْ فعل الشرط، وجوابه «فليس من الله في شيء» واسم ليس ضمير يعود على «من» وقوله فِي شَيْءٍ خبرها.
أى فليس الموالي في شيء كائن من الله-تبارك وتعالى- والجملة معترضة بين المستثنى والمستثنى منه.
وقال- سبحانه - فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ ولم يقل «فليس من ولاية الله» للإشعار بأن من اختار مناصرة المشركين وموالاتهم فقد ترك ذات الله-تبارك وتعالى- وكان مؤثرا لقوة الكفار على قوة العزيز الجبار، فهو في هذه الحالة يعاند الله نفسه، ثم استثنى- سبحانه - من أحوال النهى حال التقية فقال: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وقوله: تَتَّقُوا من الاتقاء بمعنى تجنب المكروه، وعدى بمن لتضمينه معنى تخافوا وتُقاةً مصدر تقيته- كرميته- بمعنى اتقيته ووزنه فعلة ويجمع على تقى: كرطبة ورطب.
وأصل تقاة: وقية من الوقاية.
فأبدلت الواو المضمومة تاء والياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
والاستثناء مفرغ من عموم الأحوال، والتقدير: لا تتخذوا أيها المؤمنون الكافرين أولياء في أى حال من الأحوال إلا في حال اتقائكم منهم أى إلا أن تخافوا منهم مخافة.
أو إلا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه من الضرر في النفس أو المال أو العرض.
كأن يكون الكفار غالبين ظاهرين.
أو كنتم في قوم كفار فيرخص لكم في مداراتهم باللسان، على ألا تنطوى قلوبكم على شيء من مودتهم، بل تدارونهم وأنتم لهم كارهون.
وألا تعملوا ما هو محرم كشرب الخمر، أو اطلاعهم على عورات المسلمين أو الانحياز إليهم في مجافاة بعض المسلمين، وإذن فلا رخصة إلا في المداراة باللسان.
ثم ختم- سبحانه - الآية بهذا التهديد الشديد حيث قال-تبارك وتعالى- وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ.
والتحذير: هو التخويف لأجل الحذر واليقظة، من أن يقع الإنسان في قول أو عمل منهى عنه.
ونفسه: منصوب على نزع الخافض.
والمصير: المرجع والمآب.
أى: ويحذركم الله-تبارك وتعالى- من نفسه أى من عقابه وانتقامه، وإليه- سبحانه - مرجعكم ومصيركم فيحاسبكم على أعمالكم.
وقوله وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ فيه ما فيه من التهديد والتخويف من موالاة الكافرين، لأن التحذير من ذات الله، يقتضى الخوف ووقوع الرهبة في النفس من الذات العلية، وذلك كما يقال: - والله المثل الأعلى- احذر الأسد، فإن هذا القائل يريد أن ذات الأسد في كل أحوالها موهوبة، ولأن كلمة «نفس» تقال لتأكيد التعبير عن الذات.
أى أن التحذير قد جاءكم من الله-تبارك وتعالى- لا من غيره فعليكم أن تمتثلوا أمره، فإن إليه وحده المآل وانتهاء أمر العباد.
وسيجازيهم على أعمالهم بما يستحقون فاحذروا التعرض لعقابه، وقوله وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ تذييل مقرر لمضمون ما قبله ومحقق لوقوعه.
هذا، ولبعض العلماء كلام طويل عن التقية- وهي أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن مخافة الأذى الشديد- فقد قال الآلوسى ما ملخصه:«وفي الآية دليل على مشروعية التقية، وعرفوها بالمحافظة على النفس أو العرض من شر الأعداء..والعدو قسمان:الأول: من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين كالكافر والمسلم.
والثاني: من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمتاع والإمارة، ومن هنا صارت التقية قسمين:أما القسم الأول فالحكم الشرعي فيه أن كل مؤمن وقع في محل لا يمكن له فيه أن يظهر دينه لتعرض المخالفين له بالعداوة فإنه يجب عليه أن يهاجر من ذلك المكان إلى مكان يستطيع فيه أن يظهر دينه، إلا إذا كان ممن لهم عذر شرعي كالنساء والصبيان والعجزة فقد قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً.
إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً.
وإذا كان التخويف بالقتل ونحوه جاز له المكث والموافقة لهم ظاهرا بقدر الضرورة مع السعى في حيلة للخروج والفرار بدينه.
والموافقة لهم حينئذ رخصة، وإظهار ما في قلبه عزيمة فلو مات مات شهيدا بدليل ما روى من أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال لأحدهما: «أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، نعم، نعم فقال له: أتشهد أنى رسول الله؟ قال: نعم.
ثم دعا الثاني فقال له أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال نعم.
فقال له: أتشهد أنى رسول الله؟ قال إنى أصم، قالها ثلاثا، فضرب عنقه، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أما هذا المقتول فقد مضى على صدقه ويقينه فهنيئا له.
وأما الآخر فقد قبل رخصة الله فلا تبعة عليه» .
وأما القسم الثاني وهو من كانت عداوته بسبب المال والإمارة وما إلى ذلك، فقد اختلف في وجوب هجرة صاحبه، فقال بعضهم تجب لأن الله قد نهى عن إضاعة المال.
وقال آخرون لا تجب، لأنها لمصلحة دنيوية ولا يعود على من تركها نقصان في الدين.
وعد قوم من باب التقية الجائزة مداراة الكفار والفسقة والظلمة وإلانة الكلام لهم والتبسم في وجوههم لكف أذاهم وصيانة العرض منهم- بشرط أن لا تكون هذه المداراة مخالفة لأصول الدين وتعاليمه- فإن كانت مخالفة لذلك فلا تجوز.
روى البخاري عن عائشة قالت: استأذن رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا عنده فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بئس أخو العشيرة، ثم أذن له فألان له القول، فقلت يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول؟ فقال: «يا عائشة إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه» إلى غير ذلك من الأحاديث.
لكن لا تنبغي المداراة إلى حيث يخدش الدين، ويرتكب المنكر، وتسيء الظنون».
ثم يبين- سبحانه - أنه عليم بالظواهر والبواطن، وأمر بأن يكثروا من العمل الصالح الذي ينفعهم يوم القيامة، وأن يلتزموا طاعة الله ورسوله لكي يسعدوا في دينهم ودنياهم، وأن يراقبوا الله-تبارك وتعالى- في أقوالهم وأعمالهم لأنه- سبحانه - لا تخفى عليه خافية فقال تعالى:

لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين: تفسير ابن كثير


نهى الله ، تبارك وتعالى ، عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين ، وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين ، ثم توعد على ذلك فقال : { ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء } أي: من يرتكب نهي الله في هذا فقد برئ من الله كما قال : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا } [ النساء : 144 ] وقال [ تعالى ] { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم [ إن الله لا يهدي القوم الظالمين ] } [ المائدة : 51 ] .
[ وقال تعالى ] { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة } إلى أن قال : { ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل } [ الممتحنة : 1 ] وقال تعالى - بعد ذكر موالاة المؤمنين للمؤمنين من المهاجرين والأنصار والأعراب - : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير } [ الأنفال : 73 ] .
وقوله : { إلا أن تتقوا منهم تقاة } أي: إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم ، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته ، كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال : " إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم " .
وقال الثوري : قال ابن عباس ، رضي الله عنهما : ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان ، وكذا رواه العوفي عن ابن عباس : إنما التقية باللسان ، وكذا قال أبو العالية ، وأبو الشعثاء والضحاك ، والربيع بن أنس . ويؤيد ما قالوه قول الله تعالى : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان [ ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ] } [ النحل : 106 ] .
وقال البخاري : قال الحسن : التقية إلى يوم القيامة .
ثم قال تعالى : { ويحذركم الله نفسه } أي: يحذركم نقمته ، أي مخالفته وسطوته في عذابه لمن والى أعداءه وعادى أولياءه .
ثم قال تعالى : { وإلى الله المصير } أي: إليه المرجع والمنقلب ، فيجازي كل عامل بعمله .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا مسلم بن خالد ، عن ابن أبي حسين ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن عمرو بن ميمون [ بن مهران ] قال : قام فينا معاذ بن جبل فقال : يا بني أود ، إني رسول رسول الله إليكم ، تعلمون أن المعاد [ إلى الله ] إلى الجنة أو إلى النار .

تفسير القرطبي : معنى الآية 28 من سورة آل عمران


قوله تعالى : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصيرفيه مسألتان :الأولى : قال ابن عباس : نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار فيتخذوهم أولياء ; ومثله لا تتخذوا بطانة من دونكم وهناك يأتي بيان هذا المعنى .
ومعنى فليس من الله في شيء أي فليس من حزب الله ولا من أوليائه في شيء ; مثل واسأل القرية .
وحكى سيبويه " هو مني فرسخين " أي من أصحابي ومعي .
ثم استثنى وهي : الثانية : فقال : إلا أن تتقوا منهم تقاة قال معاذ بن جبل ومجاهد : كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين ; فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام أن يتقوا من عدوهم .
قال ابن عباس : هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولا يقتل ولا يأتي مأثما .
وقال الحسن : التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة ، ولا تقية في القتل .
وقرأ جابر بن زيد ومجاهد والضحاك : " إلا أن تتقوا منهم تقية " وقيل : إن المؤمن إذا كان قائما بين الكفار فله أن يداريهم باللسان إذا كان خائفا على نفسه وقلبه مطمئن بالإيمان والتقية لا تحل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم .
ومن أكره على الكفر فالصحيح أن له أن يتصلب ولا يجيب إلى التلفظ بكلمة الكفر ; بل يجوز له ذلك على ما يأتي بيانه في ( النحل ) إن شاء الله تعالى .
وأمال حمزة والكسائي " تقاة " ، وفخم الباقون ; وأصل ( تقاة ) وقية على وزن فعلة ; مثل تؤدة وتهمة ، قلبت الواو تاء والياء ألفا .
وروى الضحاك عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت الأنصاري وكان بدريا تقيا وكان له حلف من اليهود ; فلما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب قال عبادة : يا نبي الله ، إن معي خمسمائة رجل من اليهود ، وقد رأيت أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدو .
فأنزل الله تعالى : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين الآية .
وقيل : إنها نزلت في عمار بن ياسر حين تكلم ببعض ما أراد منه المشركون ، على ما يأتي بيانه في ( النحل ) .
قوله تعالى : ويحذركم الله نفسه قال الزجاج : أي : ويحذركم الله إياه .
ثم استغنوا عن ذلك بذا وصار المستعمل ; قال تعالى : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك فمعناه تعلم ما عندي وما في حقيقتي ولا أعلم ما عندك ولا ما في حقيقتك .
وقال غيره : المعنى ويحذركم الله عقابه ; مثل واسأل القرية .
وقال : تعلم ما في نفسي أي مغيبي ، فجعلت النفس في موضع الإضمار لأنه فيها يكون .
وإلى الله المصير أي : وإلى جزاء الله المصير .
وفيه إقرار بالبعث .

﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ﴾ [ آل عمران: 28]

سورة : آل عمران - الأية : ( 28 )  - الجزء : ( 3 )  -  الصفحة: ( 53 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى
  2. تفسير: ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين
  3. تفسير: ولقد مننا على موسى وهارون
  4. تفسير: وأنهم يقولون ما لا يفعلون
  5. تفسير: وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم
  6. تفسير: وما أنا بطارد المؤمنين
  7. تفسير: ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك
  8. تفسير: وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم
  9. تفسير: إياك نعبد وإياك نستعين
  10. تفسير: ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا

تحميل سورة آل عمران mp3 :

سورة آل عمران mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة آل عمران

سورة آل عمران بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة آل عمران بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة آل عمران بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة آل عمران بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة آل عمران بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة آل عمران بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة آل عمران بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة آل عمران بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة آل عمران بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة آل عمران بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

المؤمنون , الكافرين , أولياء , المؤمنين , تتقوا , تقاة , يحذركم , الله , المصير , يحذركم+الله+نفسه , إلى+الله+المصير ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب