1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ النور: 3] .

  
   

﴿ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾
[ سورة النور: 3]

القول في تفسير قوله تعالى : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية


الزاني لا يرضى إلا بنكاح زانية أو مشركة لا تُقِرُّ بحرمة الزنى، والزانية لا ترضى إلا بنكاح زان أو مشرك لا يُقِرُّ بحرمة الزنى، أما العفيفون والعفيفات فإنهم لا يرضون بذلك، وحُرِّم ذلك النكاح على المؤمنين. وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وكذلك تحريم إنكاح الزاني حتى يتوب.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


لتفظيع الزنى ذكر الله أن الذي اعتاده لا يرغب في الزواج إلا من زانية مثله أو مشركة لا تتوقى الزنى مع عدم جواز نكاحها، والتي اعتادت الزنى لا ترغب في الزواج إلا من زان مثلها أو مشرك لا يتوقاه مع حرمة زواجها منه، وحُرِّم نكاح الزانية وإنكاح الزاني على المؤمنين.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 3


«الزاني لا ينكح» يتزوج «إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك» أي المناسب لكل منهما ما ذكر «وحرم ذلك» أي نكاح الزواني «على المؤمنين» الأخيار، نزل ذلك لما همَّ فقراء المهاجرين أن يتزوجوا بغيا المشركين وهن موسرات لينفقن عليهم فقيل التحريم خاص بهم وقيل عام ونسخ بقوله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم).

تفسير السعدي : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية


هذا بيان لرذيلة الزنا، وأنه يدنس عرض صاحبه، وعرض من قارنه ومازجه، ما لا يفعله بقية الذنوب، فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء، إلا أنثى زانية، تناسب حاله حالها، أو مشركة بالله، لا تؤمن ببعث ولا جزاء، ولا تلتزم أمر الله، والزانية كذلك، لا ينكحها إلا زان أو مشرك { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ْ}- أي: حرم عليهم أن ينكحوا زانيا، أو ينكحوا زانية.ومعنى الآية: أن من اتصف بالزنا، من رجل أو امرأة، ولم يتب من ذلك، أن المقدم على نكاحه، مع تحريم الله لذلك، لا يخلو إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله، فذاك لا يكون إلا مشركا، وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه، فإن هذا النكاح زنا، والناكح زان مسافح، فلو كان مؤمنا بالله حقا، لم يقدم على ذلك، وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وكذلك إنكاح الزاني حتى يتوب، فإن مقارنة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، أشد الاقترانات والازدواجات، وقد قال تعالى: { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ْ}- أي: قرناءهم، فحرم الله ذلك، لما فيه من الشر العظيم، وفيه من قلة الغيرة، وإلحاق الأولاد، الذين ليسوا من الزوج، وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها، مما بعضه كاف للتحريم وفي هذا دليل أن الزاني ليس مؤمنا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " فهو وإن لم يكن مشركا، فلا يطلق عليه اسم المدح، الذي هو الإيمان المطلق.

تفسير البغوي : مضمون الآية 3 من سورة النور


قوله - عز وجل - : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) اختلف العلماء في معنى الآية وحكمها .
فقال قوم : قدم المهاجرون المدينة وفيهم فقراء لا مال لهم ولا عشائر ، وبالمدينة نساء بغايا يكرين أنفسهن ، وهن يومئذ أخصب أهل المدينة ، فرغب أناس من فقراء المسلمين في نكاحهن لينفقن عليهم ، فاستأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية ( وحرم ذلك على المؤمنين ) أن يتزوجوا تلك البغايا ؛ لأنهن كن مشركات .
وهذا قول مجاهد وعطاء بن أبي رباح وقتادة والزهري والشعبي ، ورواية العوفي عن ابن عباس .
وقال عكرمة : نزلت في نساء بمكة والمدينة ، منهن تسع لهن رايات كرايات البيطار يعرفن بها .
منهن أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي ، وكان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية يتخذها مأكلة ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الجهة ، فاستأذن رجل من المسلمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نكاح أم مهزول واشترطت له أن تنفق عليه ، فأنزل الله هذه الآية .
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة ، وكانت بمكة بغي يقال لها : عناق ، وكانت صديقة له في الجاهلية ، فلما أتى مكة دعته عناق إلى نفسها ، فقال مرثد : إن الله حرم الزنا .
قالت : فانكحني ، فقال : حتى أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله أنكح عناق ؟ فأمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد شيئا ، فنزلت : ( والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ) فدعاني فقرأها علي وقال لي : لا تنكحها .
فعلى قول هؤلاء كان التحريم خاصا في حق أولئك دون سائر الناس .
وقال قوم : المراد من النكاح هو الجماع ، ومعناه : الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة ، والزانية لا تزني إلا بزان أو مشرك .
وهو قول سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم .
ورواية الوالبي عن ابن عباس .
قال يزيد بن هارون : إن جامعها وهو مستحل فهو مشرك ، وإن جامعها وهو محرم فهو زان ، وكان ابن مسعود يحرم نكاح الزانية ويقول : إذا تزوج الزاني بالزانية فهما زانيان أبدا .
وقال الحسن : الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة ، والزانية المجلودة لا ينكحها إلا زان مجلود .
قال سعيد بن المسيب وجماعة : إن حكم الآية منسوخ ، فكان نكاح الزانية حراما بهذه الآية فنسخها قوله تعالى : " وأنكحوا الأيامى منكم " فدخلت الزانية في أيامى المسلمين .
واحتج من جوز نكاح الزانية بما أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي ، أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي ، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، أخبرنا الحسن بن فرج ، أخبرنا عمرو بن خالد الحراني ، أخبرنا عبيد الله عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إن امرأتي لا تدفع يد لامس ؟ قال : طلقها ، قال : فإني أحبها وهي جميلة ، قال : استمتع بها .
وفي رواية غيره " فأمسكها إذا " .
وروي أن عمر بن الخطاب ضرب رجلا وامرأة في زنى وحرص أن يجمع بينهما فأبى الغلام .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


ثم أضاف- سبحانه - إلى تقبيح أمر الزنا تقبيحا آخر أشد وأخزى فقال: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ...
والظاهر أن المراد بالنكاح هنا: العقد الذي تترتب عليه المعاشرة الزوجية، لأن أكثر ورود لفظ النكاح في القرآن.
أن يكون بمعنى العقد، بل قال بعضهم إنه لم يرد إلا بهذا المعنى.
أى: أنه جرت العادة أن الشخص الزاني لا يتزوج إلا زانية مثله أو مشركة وكذلك المرأة الزانية لا تميل بطبعها إلا إلى الزواج من رجل زان مثلها أو من رجل مشرك وذلك لأن المؤمن بطبعه ينفر من الزواج بالمرأة الزانية، وكذلك المرأة المؤمنة تأنف من الزواج بالرجل الزاني.
فالآية الكريمة تحكى بأسلوب بديع ما تقتضيه طبيعة الناس في التآلف والتزاوج، وتبين أن المشاكلة في الطباع علة للتلاقي، وأن التنافر في الطباع علة للاختلاف.
وصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث يقول: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.
وبدئ هنا بالزاني، لأن الآية مسوقة للحديث عن النكاح، والرجل هو الذي يتولاه، وهو الأصل فيه، لأنه هو الذي يلتمسه عن طريق الخطبة وما يتبعها من خطوات توصله إلى إتمام عقد الزواج، والمرأة- في هذا الباب- تكون في العادة مطلوبة لا طالبة، ومرغوبة لا راغبة.
وجمع- سبحانه - بين رغبة الزاني ورغبة الزانية لتأكيد ما يليق بكليهما من الميل الدنىء.
والطبع الوضيع.
والسلوك الخبيث.
وأن كل واحد منهما ألعن من صاحبه في ولوج الطريق القبيح.
واسم الإشارة في قوله-تبارك وتعالى-: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يعود على الزنا.
وعلى الزواج من الزواني، لما فيه من التشبيه بالفاسقين، ومن التعرض للعقوبة وسوء السيرة.
أى: وحرم ذلك الذي نهيناكم عنه- وهو الزنا والاقتران بمن يرتكبه- على المؤمنين الأطهار، الذين ينزهون أنفسهم عن الوقوع في السوء والفحشاء.
هذا.
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها: ما رواه الترمذي وأبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده قال: كان رجل يقال له «مرثد بن أبى مرثد» كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتى بهم المدينة.
قال: وكانت امرأة بغىّ بمكة يقال لها «عناق» وكانت صديقة له- أى في الجاهلية- وأنه واعد رجلا من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة قال:فجاءت «عناق» فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط، فلما انتهت إلى عرفتني، فقالت: مرثد؟فقلت: مرثد فقالت: مرحبا وأهلا.
هلم فبت عندنا الليلة.
فقال: فقلت: يا عناق.
حرم الله الزنا.
فقالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم.
قال: فتبعني ثمانية ودخلت الخندمة- أى جبل بمكة- فانتهيت إلى غار ...
فأعماهم الله-تبارك وتعالى- عنى.
ثم رجعوا فرجعت إلى صاحبي فحملته إلى المدينة، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، أنكح عناقا؟ أنكح عناقا؟ - مرتين-، فأمسك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يرد شيئا حتى نزلت هذه الآية: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً.. فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:يا مرثد.
الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً.. فلا تنكحها.
هذا.
ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى:1- ظاهر قوله-تبارك وتعالى-: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ..يفيد أن هذا الجلد لكل من ارتكب هذه الفاحشة سواء أكان محصنا أم غير محصن.
ولكن هذا الظاهر قد فصلته السنة الصحيحة.
حيث بينت أن هذا الحد، إنما هو لغير المحصن.
أما المحصن- وهو المتزوج أو من سبق له الزواج- فإن حده الرجم حتى يموت.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: «هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد» .
وللعلماء فيه تفصيل ونزاع، فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرا: وهو الذي لم يتزوج، أو محصنا: وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل.
فأما إذا كان بكرا لم يتزوج فإن حده مائة جلدة كما في الآية.
ويزاد على ذلك أن يغرّب عاما عند جمهور العلماء.
وحجتهم في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة، أن أعرابيين أتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أحدهما: يا رسول الله، إن ابني كان عسيفا- أى أجيرا- عند هذا فزنى بامرأته فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبرونى أن على ابني جلد مائة وتغريب عام.
وأن على امرأة هذا الرجم.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: الوليدة والغنم رد عليك.
وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس- وهو رجل من قبيلة أسلم- إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها، فاعترفت فرجمها.
ففي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلده مائة.
إذا كان بكرا لم يتزوج فأما إذا كان محصنا فإنه يرجم.
وثبت في الصحيحين من حديث مالك- مطولا-، أن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- قام فخطب الناس فقال: «أيها الناس، إن الله بعث محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجمنا بعده، فأخشى أن يطول بالناس زمان فيقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف» .
وقد رجم النبي صلّى الله عليه وسلّم ما عزا والغامدية، إلا أن جمهور الفقهاء يرون أنه يكتفى بالرجم، ولا يجلد قبل الرجم، لأنه لم ينقل عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه جلد أحدا من الزناة المحصنين قبل أن يرجمهم، ومن الفقهاء من يرى أنهم يجلدون ثم يرجمون بعد ذلك وقال بعض العلماء ما ملخصه: اعلم أن رجم الزانيين المحصنين، دلت عليه آيتان من كتاب الله-تبارك وتعالى-، إحداهما: نسخت تلاوتها وبقي حكمها، والثانية: باقية التلاوة والحكم.
أما التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها، فهي قوله-تبارك وتعالى-: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة- وقد ورد ذلك في روايات متعددة- وتدل هذه الروايات على أن الصحابة قرءوها ووعوها.
وعقلوها.
وأن حكمها باق لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم فعله، والصحابة فعلوه من بعده.
وأما الآية التي هي باقية التلاوة والحكم، فهي قوله-تبارك وتعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ، على القول بأنها نزلت في رجم اليهوديين الزانيين بعد الإحصان، وقد رجمهما النبي صلّى الله عليه وسلّم وقصة رجمه لهما مشهورة، ثابتة في الصحيح.
وعليه فقوله: ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ أى: عما في التوراة من حكم الرجم، وذم المعرض عن الرجم في هذه الآية.
يدل على أنه ثابت في شرعنا فدلت الآية- على هذا القول- أن الرجم ثابت في شرعنا.
وهي باقية التلاوة ...
2- كذلك أخذ العلماء من قوله-تبارك وتعالى-: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ...
أنه لا تجوز الشفاعة في الحدود، كما لا يجوز إسقاط الحد لأن في ذلك تعطيلا لتنفيذ شرع الله-تبارك وتعالى- على الوجه الأكمل.
قال الآلوسى ما ملخصه: «قوله-تبارك وتعالى-: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ..أى في طاعته وإقامة حده الذي شرعه.
والمراد النهى عن التخفيف في الجلد.
بأن يجلدوهما جلدا غير مؤلم، أو بأن يكون أقل من مائة جلدة.
أو بإسقاط الحد بشفاعة أو نحوها.
لما صح أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنكر على حبّه أسامة بن زيد حين شفع في فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد المخزومية، التي سرقت قطيفة أو حليا، وقال له: «يا أسامة، أتشفع في حد من حدود الله-تبارك وتعالى-، ثم قام صلّى الله عليه وسلّم فخطب فقال: «أيها الناس، إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله-تبارك وتعالى- لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» .
وكما تحرم الشفاعة، يحرم قبولها، فعن الزبير بن العوام- رضى الله عنه- قال: «إذا بلغ الحد إلى الإمام، فلا عفا الله-تبارك وتعالى- عنه إن عفا»3- يرى كثير من الفقهاء أن التحريم في قوله-تبارك وتعالى-: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ للتنزيه، وعبر عنه بلفظ «حرّم» للتغليظ والتنفير من الإقدام على زواج المؤمن من الزانية، أو على زواج المؤمنة من الزاني.
ويرى آخرون أن التحريم على ظاهره، وأنه لا يجوز للمؤمن أن يتزوج بالزانية.
وكذلك لا يجوز للمؤمنة أن تتزوج بالزاني.
وقد فصل القول في هذه المسألة بعض العلماء فقال ما ملخصه: اعلم أن العلماء اختلفوا في جواز نكاح العفيف بالزانية ونكاح العفيفة بالزاني.
فذهب جماعة من أهل العلم منهم الأئمة الثلاثة- أبو حنيفة ومالك والشافعى- إلى جواز نكاح الزانية مع الكراهة التنزيهية.. لأن الله-تبارك وتعالى- قال: ...
وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ .. وهو شامل بعمومه الزانية والعفيفة.
وقالت جماعة أخرى من أهل العلم: لا يجوز تزويج الزاني العفيفة، ولا عكسه، وهو مذهب الإمام أحمد.
وقد روى عن الحسن وقتادة.
ومن أدلتهم الآية التي نحن بصددها، وهي قوله-تبارك وتعالى-: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً لأنها قد حرمت في نهايتها أن يتزوج التقى بالزانية، أو التقية بالزاني .
وعلى أية حال فالمتدبر في هاتين الآيتين يراهما، تشددان العقوبة على من يرتكب جريمة الزنا، وتنفران من الاقتراب منها وممن يقع فيها أعظم تنفير، لأن الإسلام حرص على أن ينتشر العفاف والطهر بين أفراد المجتمع الإسلامى، وشرع من وسائل الوقاية ما يحمى الأفراد والجماعات من الوقوع في هذه الرذيلة.
وبعد أن نفر- سبحانه - من جريمة الزنا أعظم تنفير، وأمر بتنفيذ عقوبته في مرتكبها بدون رأفة أو تساهل ...
أتبع ذلك بتشريعات أخرى من شأنها أن تحمى أعراض الناس وأنفسهم من اعتداء المعتدين، فقال-تبارك وتعالى-:

الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية: تفسير ابن كثير


هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة . أي: لا يطاوعه على مراده من الزنى إلا زانية عاصية أو مشركة ، لا ترى حرمة ذلك ، وكذلك : { الزانية لا ينكحها إلا زان } أي: عاص بزناه ، { أو مشرك } لا يعتقد تحريمه .
قال سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } قال : ليس هذا بالنكاح ، إنما هو الجماع ، لا يزني بها إلا زان أو مشرك .
وهذا إسناد صحيح عنه ، وقد روي عنه من غير وجه أيضا . وقد روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وعروة بن الزبير ، والضحاك ، ومكحول ، ومقاتل بن حيان ، وغير واحد ، نحو ذلك .
وقوله تعالى : { وحرم ذلك على المؤمنين } أي: تعاطيه والتزويج بالبغايا ، أو تزويج العفائف بالفجار من الرجال .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا قيس ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وحرم ذلك على المؤمنين } قال : حرم الله الزنى على المؤمنين .
وقال قتادة ، ومقاتل بن حيان : حرم الله على المؤمنين نكاح البغايا ، وتقدم في ذلك فقال : { وحرم ذلك على المؤمنين }
وهذه الآية كقوله تعالى : { محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان } [ النساء : 25 ] وقوله { محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان } الآية [ المائدة : 5 ] ومن هاهنا ذهب الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب ، فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح ، حتى يتوب توبة صحيحة; لقوله تعالى : { وحرم ذلك على المؤمنين }
وقال الإمام أحمد : حدثنا عارم ، حدثنا معتمر بن سليمان قال : قال أبي : حدثنا الحضرمي ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما ، أن رجلا من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها : " أم مهزول " كانت تسافح ، وتشترط له أن تنفق عليه - قال : فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو : ذكر له أمرها - قال : فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } .
وقال النسائي : أخبرنا عمرو بن علي ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحضرمي ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عمرو قال : كانت امرأة يقال لها : " أم مهزول " وكانت تسافح ، فأراد رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها ، فأنزل الله عز وجل : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } .
[ و ] قال الترمذي : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا روح بن عبادة بن عبيد الله بن الأخنس ، أخبرني عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده قال : كان رجل يقال له " مرثد بن أبي مرثد " وكان رجلا يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة . قال : وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها " عناق " ، وكانت صديقة له ، وأنه واعد رجلا من أسارى مكة يحمله . قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة ، قال : فجاءت " عناق " فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط ، فلما انتهت إلي عرفتني ، فقالت : مرثد؟ فقلت : مرثد فقالت : مرحبا وأهلا هلم فبت عندنا الليلة . قال : فقلت يا عناق ، حرم الله الزنى . فقالت يا أهل الخيام ، هذا الرجل يحمل أسراكم . قال : فتبعني ثمانية ودخلت الحندمة فانتهيت إلى غار - أو كهف فدخلت فيه فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا ، فظل بولهم على رأسي ، فأعماهم الله عني - قال : ثم رجعوا ، فرجعت إلى صاحبي فحملته ، وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر ، ففككت عنه أكبله ، فجعلت أحمله ويعينني ، حتى أتيت به المدينة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أنكح عناقا؟ أنكح عناقا؟ - مرتين - فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يرد علي شيئا ، حتى نزلت { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا مرثد ، { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة [ والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ] } فلا تنكحها " ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
وقد رواه أبو داود والنسائي ، في كتاب النكاح من سننهما من حديث عبيد الله بن الأخنس ، به .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا مسدد أبو الحسن ، حدثنا عبد الوارث ، عن حبيب المعلم ، حدثني عمرو بن شعيب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله " .
وهكذا أخرجه أبو داود في سننه ، عن مسدد وأبي معمر - عبد الله بن عمرو - كلاهما ، عن عبد الوارث ، به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن أخيه عمر بن محمد ، عن عبد الله بن يسار - مولى ابن عمر - قال : أشهد لسمعت سالما يقول : قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يدخلون الجنة ، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، والمرأة المترجلة - المتشبهة بالرجال - والديوث . وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، ومدمن الخمر ، والمنان بما أعطى " .
ورواه النسائي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن يزيد بن زريع ، عن عمر بن محمد العمري ، عن عبد الله بن يسار ، به .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، حدثنا الوليد بن كثير ، عن قطن بن وهب ، عن عويمر بن الأجدع ، عمن حدثه ، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : حدثني عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر ، والعاق ، والديوث الذي يقر في أهله الخبث " .
وقال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا شعبة ، حدثني رجل - من آل سهل بن حنيف - ، عن محمد بن عمار ، عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة ديوث " .
يستشهد به لما قبله من الأحاديث .
وقال ابن ماجه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا سلام بن سوار ، حدثنا كثير بن سليم ، عن الضحاك بن مزاحم : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يقول ] " من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا ، فليتزوج الحرائر " .
في إسناده ضعف .
قال الإمام أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري في كتاب " الصحاح في اللغة : " الديوث القنذع وهو الذي لا غيرة له .
فأما الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب " النكاح " من سننه : أخبرنا محمد بن إسماعيل بن علية ، عن يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة وغيره ، عن هارون بن رئاب ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير - وعبد الكريم ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس - عبد الكريم رفعه إلى ابن عباس ، وهارون لم يرفعه - قالا جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن عندي امرأة [ هي ] من أحب الناس إلي وهي لا تمنع يد لامس قال : " طلقها " . قال : لا صبر لي عنها قال : " استمتع بها " ، ثم قال النسائي : هذا الحديث غير ثابت ، وعبد الكريم ليس بالقوي ، وهارون أثبت منه ، وقد أرسل الحديث وهو ثقة ، وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم . .
قلت : وهو ابن أبي المخارق البصري المؤدب تابعي ضعيف الحديث ، وقد خالفه هارون بن رئاب ، وهو تابعي ثقة من رجال مسلم ، فحديثه المرسل أولى كما قال النسائي . لكن قد رواه النسائي في كتاب " الطلاق " ، عن إسحاق بن راهويه ، عن النضر بن شميل عن حماد بن سلمة ، عن هارون بن رئاب ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس مسندا ، فذكره بهذا الإسناد ، رجاله على شرط مسلم ، إلا أن النسائي بعد روايته له قال : " وهذا خطأ ، والصواب مرسل " ورواه غير النضر على الصواب .
وقد رواه النسائي أيضا وأبو داود ، عن الحسين بن حريث ، أخبرنا الفضل بن موسى ، أخبرنا الحسين بن واقد ، عن عمارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره . وهذا إسناد جيد .
وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين مضعف له ، كما تقدم ، عن النسائي ، وكما قال الإمام أحمد : هو حديث منكر .
وقال ابن قتيبة : إنما أراد أنها سخية لا تمنع سائلا . وحكاه النسائي في سننه ، عن بعضهم فقال : وقيل : " سخية تعطي " ، ورد هذا بأنه لو كان المراد لقال : لا ترد يد ملتمس .
وقيل : المراد أن سجيتها لا ترد يد لامس ، لا أن المراد أن هذا واقع منها ، وأنها تفعل الفاحشة; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأذن في مصاحبة من هذه صفتها . فإن زوجها - والحالة هذه - يكون ديوثا ، وقد تقدم الوعيد على ذلك . ولكن لما كانت سجيتها هكذا ليس فيها ممانعة ولا مخالفة لمن أرادها لو خلا بها أحد ، أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها . فلما ذكر أنه يحبها أباح له البقاء معها; لأن محبته لها محققة ، ووقوع الفاحشة منها متوهم فلا يصار إلى الضرر العاجل لتوهم الآجل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
قالوا : فأما إذا حصلت توبة فإنه يحل التزويج ، كما قال الإمام أبو محمد بن أبي حاتم رحمه الله :
حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن ابن أبي ذئب ، قال : سمعت [ شعبة ] - مولى ابن عباس ، رضي الله عنه - قال : سمعت ابن عباس وسأله رجل قال : إني كنت ألم بامرأة آتي منها ما حرم الله عز وجل علي ، فرزق الله عز وجل من ذلك توبة ، فأردت أن أتزوجها ، فقال أناس : إن الزاني لا ينكح إلا زانية . فقال ابن عباس : ليس هذا في هذا ، انكحها فما كان من إثم فعلي .
وقد ادعى طائفة آخرون من العلماء أن هذه الآية منسوخة ، قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب . قال : ذكر عنده { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } قال : كان يقال : نسختها [ الآية ] التي بعدها : { وأنكحوا الأيامى منكم } [ النور : 32 ] قال : كان يقال الأيامى من المسلمين .
وهكذا رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " الناسخ والمنسوخ " له ، عن سعيد بن المسيب . ونص على ذلك أيضا الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، رحمه الله .

تفسير القرطبي : معنى الآية 3 من سورة النور


قوله تعالى : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنينفيه سبع مسائل :الأولى : اختلف العلماء في معنى هذه الآية على ستة أوجه من التأويل :( الأول ) : أن يكون مقصد الآية تشنيع الزنا ، وتبشيع أمره ، وأنه محرم على المؤمنين .
واتصال هذا المعنى بما قبل حسن بليغ .
ويريد بقوله لا ينكح أي لا يطأ ؛ فيكون النكاح بمعنى الجماع .
وردد القصة مبالغة وأخذا من كلا الطرفين ، ثم زاد تقسيم المشركة والمشرك من حيث الشرك أعم في المعاصي من الزنا ؛ فالمعنى : الزاني لا يطأ في وقت زناه إلا زانية من المسلمين ، أو من هي أحسن منها من المشركات .
وقد روي عن ابن عباس ، وأصحابه أن النكاح في هذه الآية الوطء .
وأنكر ذلك الزجاج وقال : لا يعرف النكاح في كتاب الله تعالى إلا بمعنى التزويج .
وليس كما قال ؛ وفي القرآن حتى تنكح زوجا غيره وقد بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه بمعنى الوطء ، وقد تقدم في ( البقرة ) .
وذكر الطبري ما ينحو إلى هذا التأويل عن سعيد بن جبير ، وابن عباس ، وعكرمة ، ولكن غير مخلص ، ولا مكمل .
وحكاه الخطابي ، عن ابن عباس ، وأن معناه الوطء أي لا يكون زنى إلا بزانية ، ويفيد أنه زنا في الجهتين ؛ فهذا قول .
( الثاني ) ما رواه أبو داود ، والترمذي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن مرثد بن أبي مرثد كان يحمل الأسارى بمكة ، وكان بمكة بغي يقال لها ( عناق ) وكانت صديقته ، قال : فجئت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ؛ أنكح عناق ؟ قال : فسكت عني ؛ فنزلت والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ؛ فدعاني فقرأها علي وقال : لا تنكحها .
لفظ أبي داود ، وحديث الترمذي أكمل .
قال الخطابي : هذا خاص بهذه المرأة إذ كانت كافرة ، فأما الزانية المسلمة فإن العقد عليها لا يفسخ .
( الثالث ) : أنها مخصوصة في رجل من المسلمين أيضا استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نكاح امرأة يقال لها ( أم مهزول ) وكانت من بغايا الزانيات ، وشرطت أن تنفق عليه ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية ؛ قاله عمرو بن العاص ، ومجاهد .
( الرابع ) : أنها نزلت في أهل الصفة وكانوا قوما من المهاجرين ، ولم يكن لهم في المدينة مساكن ، ولا عشائر ، فنزلوا صفة المسجد ، وكانوا أربعمائة رجل يلتمسون الرزق بالنهار ويأوون إلى الصفة بالليل ، وكان بالمدينة بغايا متعالنات بالفجور ، مخاصيب بالكسوة والطعام ؛ فهم أهل الصفة أن يتزوجوهن فيأووا إلى مساكنهن ، ويأكلوا من طعامهن وكسوتهن ؛ فنزلت هذه الآية صيانة لهم عن ذلك ؛ قاله ابن أبي صالح .
( الخامس ) : ذكره الزجاج ، وغيره عن الحسن ، وذلك أنه قال : المراد الزاني المحدود ، والزانية المحدودة ، قال : وهذا حكم من الله ، فلا يجوز لزان محدود أن يتزوج إلا محدودة .
وقال إبراهيم النخعي نحوه .
وفي مصنف أبي داود ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا ينكح الزاني المحدود إلا مثله .
وروى أن محدودا تزوج غير محدودة ففرق علي - رضي الله عنه - بينهما .
قال ابن العربي : وهذا معنى لا يصح نظرا كما لم يثبت نقلا ، وهل يصح أن يوقف نكاح من حد من الرجال على نكاح من حد من النساء فبأي أثر يكون ذلك ؟ وعلى أي أصل يقاس من الشريعة .
قلت : وحكى هذا القول إلكيا عن بعض أصحاب الشافعي المتأخرين ، وأن الزاني إذا تزوج غير زانية فرق بينهما لظاهر الآية .
قال إلكيا : وإن هو عمل بالظاهر فيلزمه عليه أن يجوز للزاني التزوج بالمشركة ، ويجوز للزانية أن تزوج نفسها من مشرك ؛ وهذا في غاية البعد ، وهو خروج عن الإسلام بالكلية ، وربما قال هؤلاء : إن الآية منسوخة في المشرك خاصة دون الزانية .
( السادس ) أنها منسوخة ؛ روى مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك قال : نسخت هذه الآية التي بعدها وأنكحوا الأيامى منكم ؛ وقاله ابن عمرو ، قال : دخلت الزانية في أيامى المسلمين .
قال أبو جعفر النحاس : وهذا القول عليه أكثر العلماء .
وأهل الفتيا يقولون : إن من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها .
وهو قول ابن عمر ، وسالم ، وجابر بن زيد ، وعطاء ، وطاوس ، ومالك بن أنس ، وهو قول أبي حنيفة ، وأصحابه .
وقال الشافعي : القول فيها كما قال سعيد بن المسيب ، إن شاء الله هي منسوخة .
قال ابن عطية : وذكر الإشراك في هذه الآية يضعف هذه المناحي .
قال ابن العربي : والذي عندي أن النكاح لا يخلو أن يراد به الوطء كما قال ابن عباس أو العقد ؛ فإن أريد به الوطء فإن معناه : لا يكون زنا إلا بزانية ، وذلك عبارة عن أن الوطأين من الرجل والمرأة زنا من الجهتين ؛ ويكون تقدير الآية : وطء الزانية لا يقع إلا من زان أو مشرك ؛ وهذا يؤثر عن ابن عباس ، وهو معنى صحيح .
فإن قيل : فإذا زنى بالغ بصبية ، أو عاقل بمجنونة ، أو مستيقظ بنائمة فإن ذلك من جهة الرجل زنى ؛ فهذا زان نكح غير زانية ، فيخرج المراد عن بابه الذي تقدم .
قلنا : هو زنى من كل جهة ، إلا أن أحدهما سقط فيه الحد والآخر ثبت فيه .
وإن أريد به العقد كان معناه : أن متزوج الزانية التي قد زنت ودخل بها ولم يستبرئها يكون بمنزلة الزاني ، إلا أنه لا حد عليه لاختلاف العلماء في ذلك .
وأما إذا عقد عليها ولم يدخل بها حتى يستبرئها فذلك جائز إجماعا .
وقيل : ليس المراد في الآية أن الزاني لا ينكح قط إلا زانية ؛ إذ قد يتصور أن يتزوج غير زانية ، ولكن المعنى أن من تزوج بزانية فهو زان ، فكأنه قال : لا ينكح الزانية إلا زان ؛ فقلب الكلام ، وذلك أنه لا ينكح الزانية إلا وهو راض بزناها ، وإنما يرضى بذلك إذا كان هو أيضا يزني .
الثانية : في هذه الآية دليل على أن التزوج بالزانية صحيح .
وإذا زنت زوجة الرجل لم يفسد النكاح ، وإذا زنى الزوج لم يفسد نكاحه مع زوجته ؛ وهذا على أن الآية منسوخة .
وقيل إنها محكمة .
وسيأتي .
الثالثة : روي أن رجلا زنى بامرأة في زمن أبي بكر - رضي الله عنه - فجلدهما مائة جلدة ، ثم زوج أحدهما من الآخر مكانه ، ونفاهما سنة .
وروي مثل ذلك عن عمر ، وابن مسعود ، وجابر - رضي الله عنهم - .
وقال ابن عباس : أوله سفاح وآخره نكاح .
ومثل ذلك مثل رجل سرق من حائط ثمره ثم أتى صاحب البستان فاشترى منه ثمره ، فما سرق حرام وما اشترى حلال .
وبهذا أخذ الشافعي ، وأبو حنيفة ، ورأوا أن الماء لا حرمة له .
وروي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : إذا زنى الرجل بالمرأة ثم نكحها بعد ذلك فهما زانيان أبدا .
وبهذا أخذ مالك - رضي الله عنه - ؛ فرأى أنه لا ينكحها حتى يستبرئها من مائه الفاسد ؛ لأن النكاح له حرمة ، ومن حرمته ألا يصب على ماء السفاح ؛ فيختلط الحرام بالحلال ، ويمتزج ماء المهانة بماء العزة .
الرابعة : قال ابن خويز منداد : من كان معروفا بالزنا ، أو بغيره من الفسوق معلنا به ، فتزوج إلى أهل بيت ستر ، وغرهم من نفسه ، فلهم الخيار في البقاء معه أو فراقه ؛ وذلك كعيب من العيوب ، واحتج بقوله - عليه السلام - : لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله .
قال ابن خويز منداد .
وإنما ذكر المجلود لاشتهاره بالفسق ، وهو الذي يجب أن يفرق بينه وبين غيره ؛ فأما من لم يشتهر بالفسق فلا .
الخامسة : قال قوم من المتقدمين : الآية محكمة غير منسوخة ، وعند هؤلاء : من زنى فسد النكاح بينه وبين زوجته ، وإذا زنت الزوجة فسد النكاح بينها وبين زوجها .
وقال قوم من هؤلاء : لا ينفسخ النكاح بذلك ، ولكن يؤمر الرجل بطلاقها إذا زنت ، ولو أمسكها أثم ، ولا يجوز التزوج بالزانية ولا من الزاني ، بل لو ظهرت التوبة فحينئذ يجوز النكاح .
السادسة : وحرم ذلك على المؤمنين أي نكاح أولئك البغايا ؛ فيزعم بعض أهل التأويل أن نكاح أولئك البغايا حرمه الله تعالى على أمة محمد - عليه السلام - ، ومن أشهرهن عناق .
السابعة : حرم الله تعالى الزنا في كتابه ؛ فحيثما زنى الرجل فعليه الحد .
وهذا قول مالك ، والشافعي ، وأبي ثور .
وقال أصحاب الرأي في الرجل المسلم إذا كان في دار الحرب بأمان وزنى هنالك ثم خرج لم يحد .
قال ابن المنذر : دار الحرب ودار الإسلام سواء ، ومن زنى فعليه الحد ، على ظاهر قوله : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة .

﴿ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ﴾ [ النور: 3]

سورة : النور - الأية : ( 3 )  - الجزء : ( 18 )  -  الصفحة: ( 350 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين
  2. تفسير: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين
  3. تفسير: قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين
  4. تفسير: أفمن هذا الحديث تعجبون
  5. تفسير: وأنـزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون
  6. تفسير: وإن ربك لهو العزيز الرحيم
  7. تفسير: قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا
  8. تفسير: قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا
  9. تفسير: إنا كذلك نجزي المحسنين
  10. تفسير: وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين

تحميل سورة النور mp3 :

سورة النور mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النور

سورة النور بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النور بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النور بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النور بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النور بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النور بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النور بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النور بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النور بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النور بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب