تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن تفسير الصفحة 137 من المصحف



تفسير القرطبي - صفحة القرآن رقم 137

137- تفسير الصفحة رقم137 من المصحف
الآية: 74 {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين}
قوله تعالى: "وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر" تكلم العلماء في هذا؛ فقال أبو بكر محمد بن محمد بن الحسن الجويني الشافعي الأشعري في النكت من التفسير له: وليس بين الناس اختلاف؛ كأن اسم والد إبراهيم تارح. والذي في القرآن يدل على أن اسمه آزر. وقيل: آزر عندهم ذم في لغتهم؛ كأنه قال: وإذ قال لأبيه يا مخطئ "أتتخذ أصناما آلهة" وإذا كان كذلك فالاختيار الرفع. وقيل: آزر اسم صنم. وإذا كان كذلك فموضعه نصب على إضمار الفعل؛ كأنه قال: وإذ قال إبراهيم لأبيه أتتخذ آزر إلها، أتتخذ أصناما آلهة.
قلت: ما ادعاه من الاتفاق ليس عليه وفاق؛ فقد قال محمد بن إسحاق والكلبي والضحاك: إن آزر أبو إبراهيم عليه السلام وهو تاريخ، مثل إسرائيل ويعقوب؛ قلت فيكون له اسمان كما تقدم. وقال مقاتل: آزر لقب، وتارخ اسم: وحكاه الثعلبي عن ابن إسحاق القشيري ويجوز أن يكون على العكس. قال الحسن: كان اسم أبيه آزر. وقال سليمان التيمي: هو سب وعيب، ومعناه في كلامهم: المعوج. وروى المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: بلغني أنها أعوج، وهي أشد كلمة قالها إبراهيم لأبيه. وقال الضحاك: معنى آزر الشيخ الهم بالفارسية. وقال الفراء: هي صفة ذم بلغتهم؛ كأن قال يا مخطئ؛ فيمن رفعه. أو كأنه قال: وإذ قال إبراهيم لأبيه المخطئ؛ فيمن خفض. ولا ينصرف لأنه على أفعل؛ قاله النحاس. وقال الجوهري: آزر اسم أعجمي، وهو مشتق من آزر فلان فلانا إذا عاونه؛ فهو مؤازر قومه على عبادة الأصنام وقيل: هو مشتق من القوة، والآزر القوة؛ عن ابن فارس. وقال مجاهد ويمان: آزر اسم صنم. وهو في هذا التأويل في موضع نصب، التقدير: أتتخذ آزر إلها، أتتخذ أصناما. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، التقدير: أتتخذ آزر أصناما.
قلت: فعلى هذا آزر اسم جنس. والله أعلم. وقال الثعلبي في كتاب العرائس: إن اسم أبي إبراهيم الذي سماه به أبوه تارح، فلما صار مع النمروذ قيما على خزانة آلهته سماه آزر. وقال مجاهد: إن آزر ليس باسم أبيه وإنما هو اسم صنم. وهو إبراهيم بن تارح بن ناخور بن ساروع بن أوغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام. و"آزر" فيه قراءات: "أإزرا" بهمزتين، الأولى مفتوحة والثانية مكسورة؛ عن ابن عباس. وعنه "أأزرا" بهمزتين مفتوحتين. وقرئ بالرفع، وروي ذلك عن ابن عباس. وعلى القراءتين الأوليين عنه "تتخذ" بغير همزة. قال المهدوي: أإزرا؟ فقيل: إنه اسم صنم؛ فهو منصوب على تقدير أتتخذ إزرا، وكذلك أأزرا. ويجوز أن يجعل أإزرا على أنه مشتق من الأزر وهو الظهر فيكون مفعولا من أجله؛ كأنه قال: أللقوة تتخذ أصناما. ويجوز أن يكون إزر بمعنى وزر، أبدلت الواو همزة. قال القشيري: ذكر في الاحتجاج على المشركين قصة إبراهيم ووده على أبيه في عبادة الأصنام. وأولى الناس بأتباع إبراهيم العرب؛ فإنهم ذريته. أي واذكر إذ قال إبراهيم. أو "وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت" [الأنعام: 70] وذكر إذ قال إبراهيم. وقرئ "آزر" أي يا آزر، على النداء المفرد، وهي قراءة أبي ويعقوب وغيرهما. وهو يقوي قول من يقول: إن آزر اسم أب إبراهيم. "أتتخذ أصناما آلهة" مفعولان لتتخذ وهو استفهام فيه معنى الإنكار.
الآية: 75 {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين}
قوله تعالى: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" أي ملك، وزيدت الواو والتاء للمبالغة في الصفة. ومثله الرغبوت والرهبوت والجبروت. وقرأ أبو السمال العدوي "ملكوت" بإسكان اللام. ولا يجوز عند سيبويه حذف الفتحة لخفتها، ولعلها لغة. و"نري" بمعنى أرينا؛ فهو بمعنى المضي. فقيل: أراد به ما في السماوات من عبادة الملائكة والعجائب وما في الأرض من عصيان بني آدم؛ فكان يدعو على من يراه يعصي فيهلكه الله، فأوحى الله إليه يا إبراهيم أمسك عن عبادي، أما علمت أن من أسمائي الصبور. روى معناه علي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: كشف الله له عن السماوات والأرض حتى العرش وأسفل الأرضين. وروى ابن جريج عن القاسم عن إبراهيم النخعي قال: فرجت له السماوات السبع فنظر إليهن حتى انتهى إلى العرش، وفرجت له الأرضون فنظر إليهن، ورأى مكانه في الجنة؛ فذلك قوله: "وآتيناه أجره في الدنيا" [العنكبوت: 27] عن السدي. وقال الضحاك: أراه من ملكوت السماء ما قصه من الكواكب، ومن ملكوت الأرض البحار والجبال والأشجار، ونحو ذلك مما استدل به. وقال بنحوه ابن عباس. وقال: جعل حين ولد في سرب وجعل رزقه في أطراف أصابعه فكان يمصها، وكان نمروذ اللعين رأى رؤيا فعبرت له أنه يذهب ملكه على يدي مولود يولد؛ فأمر بعزل الرجال عن النساء. وقيل: أمر بقتل كل مولود ذكر. وكان آزر من المقربين عند الملك نمروذ فأرسله يوما في بعض حوائجه فواقع امرأته فحملت بإبراهيم. وقيل: بل واقعها في بيت الأصنام فحملت وخرت الأصنام على وجوهها حينئذ؛ فحملها إلى بعض الشعاب حتى ولدت إبراهيم، وحفر لإبراهيم سربا في الأرض ووضع على بابه صخرة لئلا تفترسه السباع؛ وكانت أمه تختلف إليه فترضعه، وكانت تجده يمص أصابعه، من أحدها عسل ومن الآخر ماء ومن الآخر لبن، وشب فكان على سنة مثل ابن ثلاث سنين. فلما أخرجه من السرب توهمه الناس أنه ولد منذ سنين؛ فقال لأمه: من ربي؟ فقالت أنا. فقال: ومن ربك؟ قالت أبوك. قال: ومن ربه؟ قالت نمروذ. قال: ومن ربه؟ فلطمته، وعلمت أنه الذي يذهب ملكهم على يديه. والقصص في هذا تام في قصص الأنبياء للكسائي، وهو كتاب مما يقتدى به. وقال بعضهم: كان مولده بحران ولكن أبوه نقله إلى أرض بابل. وقال عامة السلف من أهل العلم: ولد إبراهيم في زمن النمروذ بن كنعان بن سنجاريب بن كوش بن سام بن نوج. وقد مضى ذكره في "البقرة". وكان بين الطوفان وبين مولد إبراهيم ألف ومائتا سنة وثلاث وستون سنة؛ وذلك بعد خلق آدم بثلاث آلاف سنة وثلاثمائة سنة وثلاثين سنة.
قوله تعالى: "وليكون من الموقنين" أي وليكون من الموقنين أريناه ذلك؛ أي الملكوت.
الآية: 76 {فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين}
قوله تعالى: "فلما جن عليه الليل" أي ستره بظلمته، ومنه الجنة والجنة والجنة والجنين والمجن والجن كله بمعنى الستر. وجنان الليل أدلهمامه وستره. قال الشاعر:
ولولا جنان الليل أدرك ركضنا بذي الرمث والأرطى عياض بن ناشب
ويقال: جنون الليل أيضا. ويقال: جنة الليل وأجنه الليل، لغتان. "رأى كوكبا" هذه قصة أخرى غير قصة عرض الملكوت عليه. فقيل: رأى ذلك من شق الصخرة الموضوعة على رأس السرب. وقيل: لما أخرجه أبوه من السرب وكان وقت غيبوبة الشمس فرأى الإبل والخيل والغنم فقال: لا بد لها من رب. ورأى المشتري أو الزهرة ثم القمر ثم الشمس، وكان هذا في آخر الشهر. قال محمد بن إسحاق: وكان ابن خمس عشرة سنة. وقيل: ابن سبع سنين. وقيل: لما حاج نمروذا كان ابن سبع عشرة سنة.
قوله تعالى: "قال هذا ربي" اختلف في معناه على أقوال؛ فقيل: كان هذا منه في مهلة النظر وحال الطفولية وقبل قيام الحجة؛ وفي تلك الحال لا يكون كفر ولا إيمان. فاستدل قائلو هذه المقالة بما روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: "فلما جن عليه الليل رأي كوكبا قال هذا ربي" فعبده حتى غاب عنه، وكذلك الشمس والقمر؛ فلما تم نظره قال: "إني بريء مما تشركون" [الأنعام: 78]. واستدل بالأفول؛ لأنه أظهر الآيات على الحدوث. وقال قوم: هذا لا يصح؛ وقالوا: غير جائز أن يكون لله تعالى رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله تعالى موحد وبه عارف، ومن كل معبود سواه بريء. قالوا: وكيف يصح أن يتوهم هذا على من عصمه الله وآتاه رشده من قبل، وأراه ملكوته ليكون من الموقنين، ولا يجوز أن يوصف بالخلو عن المعرفة، بل عرف الرب أول النظر. قال الزجاج: هذا الجواب عندي خطأ وغلط ممن قال؛ وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم أنه قال: "واجنبني وبني أن نعبد الأصنام" [إبراهيم: 35] وقال جل وعز: "إذ جاء ربه بقلب سليم" [الصافات: 84] أي لم يشرك به قط. قال: والجواب عندي أنه قال "هذا ربي" على قولكم؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر؛ ونظير هذا قوله تعالى: "أين شركائي" [النحل: 27] وهو جل وعلا واحد لا شريك له. والمعنى: ابن شركائي على قولكم. وقيل: لما خرج إبراهيم من السرب رأى ضوء الكوكب وهو طالب لربه؛ فظن أنه ضوءه قال: "هذا ربي" أي بأنه يتراءى لي نوره. "فلما أفل" علم أنه ليس بربه. "فلما رأى القمر بازغا" [الأنعام: 77] ونظر إلى ضوئه "قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين" [الأنعام: 77]. فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي" [الأنعام: 78] وليس هذا شركا. إنما نسب ذلك الضوء إلى ربه فلما رآه زائلا دله العلم على أنه غير مستحق لذلك؛ فنفاه بقلبه وعلم أنه مربوب وليس برب. وقيل: إنما قال "هذا ربي" لتقرير الحجة على قومه فأظهر موافقتهم؛ فلما أفل النجم قرر الحجة وقال: ما تغير لا يجوز أن يكون ربا. وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ويحكمون بها. وقال النحاس: ومن أحسن ما قيل في هذا ما صح عن ابن عباس أنه قال في قول الله عز وجل: "نور على نور" [النور: 35] قال: كذلك قلب المؤمن يعرف الله عز وجل ويستدل عليه بقلبه، فإذا عرفه أزداد نورا على نور؛ وكذا إبراهيم عليه السلام عرف الله عز وجل بقلبه واستدل عليه بدلائله، فعلم أن له ربا وخالقا. فلما عرفه الله عز وجل بنفسه ازداد معرفة فقال: "أتحاجوني في الله وقد هدان" [الأنعام: 80]. وقيل: هو على معنى الاستفهام والتوبيخ، منكرا لفعلهم. والمعنى: أهذا ربي، أو مثل هذا يكون ربا؟ فحذف الهمزة. وفي التنزيل "أفإن مت فهم الخالدون" [الأنبياء: 34] أي أفهم الخالدون. وقال الهذلي:
رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
آخر:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا بسبع رمين الجمر أم بثمان
وقيل: المعنى هذا ربي على زعمكم؛ كما قال تعالى: "أين شركائي الذين كنتم تزعمون" [القصص: 74]. وقال: "ذق إنك أنت العزيز الكريم" [الدخان: 49] أي عند نفسك. وقيل: المعنى أي وأنتم تقولون هذا ربي؛ فأضمر القول، وإضماره في القرآن كثير. وقيل: المعنى في هذا ربي؛ أي هذا دليل على ربي.
الآية: 77 {فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين}
قوله تعالى: "فلما رأى القمر بازغا" أي طالعا. يقال: بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع، والبزغ الشق؛ كأنه يشق بنوره الظلمة؛ ومنه بزغ البيطار الدابة إذا أسال دمها. "قال لئن لم يهدني ربي" أي لم يثبتني على الهداية. وقد كان مهتديا؛ فيكون جرى هذا في مهلة النظر، أو سأل التثبيت لإمكان الجواز العقلي؛ كما قال شعيب: "وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله" [الأعراف: 89]. وفي التنزيل "اهدنا الصراط المستقيم" [الفاتحة: 4] أي ثبتنا على الهداية. وقد تقدم.
الآية: 78 {فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون}
قوله تعالى: "فلما رأى الشمس بازغة" نصب على الحال؛ لأن هذا من رؤية العين. بزغ يبزغ إذا طلع. وأفل يأفل أفولا إذا غاب. وقال: "هذا" والشمس مؤنثة؛ لقوله "فلما أفلت" فقيل: إن تأنيث الشمس لتفخيمها وعظمها؛ فهو كقولهم: رجل نسابة وعلامة. وإنما قال: "هذا ربي" على معنى: هذا الطالع ربي؛ قاله الكسائي والأخفش. وقال غيرهما: أي هذا الضوء. قال أبو الحسن علي بن سليمان: أي هذا الشخص؛ كما قال الأعشى:
قامت تبكيه على قبره من لي من بعدك يا عامر
تركتني في الدار ذا غربة قد ذل من ليس له ناصر
الآية: 79 {إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين}
قوله تعالى: "إني وجهت وجهي" أي قصدت بعبادتي وتوحيدي لله عز وجل وحده. وذكر الوجه لأنه أظهر ما يعرف به الإنسان صاحبه. "حنيفا" مائلا إلى الحق. "وما أنا من المشركين" اسم "ما" وخبرها. وإذا وقفت قلت: "أنا" زدت الألف لبيان الحركة، وهي اللغة الفصيحة. وقال الأخفش: ومن العرب من يقول: "أن". وقال الكسائي: ومن العرب من يقول: "أنه". ثلاث لغات. وفي الوصل أيضا ثلاث لغات: أن تحذف الألف في الإدراج؛ لأنها زائدة لبيان الحركة في الوقف. ومن العرب من يثبت الألف في الوصل؛ كما قال الشاعر:
أنا سيف العشيرة فاعرفوني
وهي لغة بعض بني قيس وربيعة؛ عن الفراء. ومن العرب من يقول في الوصل: أن فعلت، مثل عان فعلت؛ حكاه الكسائي عن بعض قضاعة.
الآية: 80 {وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون}
قوله تعالى: "وحاجه قومه" دليل على الحجاج والجدال؟ حاجوه في توحيد الله. "قال أتحاجوني في الله" قرأ نافع بتخفيف النون، وشدد النون الباقون. وفيه عن ابن عامر من رواية هشام عنه خلاف؛ فمن شدد قال: الأصل فيه نونان، الأولى علامة الرفع والثانية فاصلة بين الفعل والياء؛ فلما اجتمع مثلان في فعل وذلك ثقيل أدغم النون في الأخرى فوقع التشديد ولا بد من مد الواو لئلا يلتقي الساكنان، الواو وأول المشدد؛ فصارت المدة فاصلة بين الساكنين. ومن خفف حذف النون الثانية استخفافا لاجتماع المثلين، ولم تحذف الأولى لأنها علامة الرفع؛ فلو حذفت لاشتبه المرفوع بالمجزوم والمنصوب. وحكي عن أبي عمرو بن العلاء أن هذه القراءة لحن. وأجاز سيبويه ذلك فقال: استثقلوا التضعيف. وأنشد:
تراه كالثغام يعل مسكا يسوء الفاليات إذا فليني
قوله تعالى: "ولا أخاف ما تشركون به" أي لأنه لا ينفع ولا يضر وكانوا خوفوه بكثرة آلهتهم إلا أن يحييه الله ويقدره فيخاف ضرره حينئذ؛ وهو معنى قوله: "إلا أن يشاء ربي شيئا" أي إلا أن يشاء أن يلحقني شيء من المكروه بذنب عملته فتتم مشيئته. وهذا استثناء ليس من الأول. والهاء في "به" يحتمل أن تكون لله عز وجل، ويجوز أن تكون للمعبود. وقال: "إلا أن يشاء ربي" يعني أن الله تعالى لا يشاء أن أخافهم. ثم قال: "وسع ربي كل شيء علما" أي وسع علمه كل شيء. وقد تقدم.
الآية: 81 - 82 {وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون، الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}
قوله تعالى: "وكيف أخاف ما أشركتم" ففي "كيف" معنى الإنكار؛ أنكر عليهم تخويفهم إياه بالأصنام وهم لا يخافون الله عز وجل؛ أي كيف أخاف مواتا وأنتم لا تخافون الله القادر على كل شيء "ما لم ينزل به عليكم سلطانا" أي حجة؛ وقد تقدم. "فأي الفريقين أحق بالأمن" أي من عذاب الله: الموحد أم المشرك؛ فقال الله قاضيا بينهم: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" أي بشرك؛ قال أبو بكر الصديق وعلي وسلمان وحذيفة، رضي الله عنهم. وقال ابن عباس: هو من قول إبراهيم؛ كما يسأل العالم ويجيب نفسه. وقيل: هو من قول قوم إبراهيم؛ أي أجابوا بما وهو حجة عليهم؛ قاله ابن جريج. وفي الصحيحين عن ابن مسعود لما نزلت "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه "يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" [لقمان: 13]. "وهم مهتدون" أي في الدنيا.