سورة المزمل | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير السعدي تفسير الصفحة 574 من المصحف
تفسير سورة المزمل
[ وهي ] مكية
فسبحان الله، ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها، ولهذا خاطبه الله بهذا الوصف الذي وجد منه في أول أمره.
فأمره هنا بالعبادات المتعلقة به، ثم أمره بالصبر على أذية أعدائه ، ثم أمره بالصدع بأمره، وإعلان دعوتهم إلى الله، فأمره هنا بأشرف العبادات، وهي الصلاة، وبآكد الأوقات وأفضلها، وهو قيام الليل.
ومن رحمته تعالى، أنه لم يأمره بقيام الليل كله، بل قال: ( قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا ) .
ثم قدر ذلك فقال: ( نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ ) أي: من النصف ( قَلِيلا ) بأن يكون الثلث ونحوه.
( أَوْ زِدْ عَلَيْهِ ) أي: على النصف، فيكون الثلثين ونحوها. ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ) فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر والتفكر، وتحريك القلوب به، والتعبد بآياته، والتهيؤ والاستعداد التام له، فإنه قال: ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا ) أي: نوحي إليك هذا القرآن الثقيل، أي: العظيمة معانيه، الجليلة أوصافه، وما كان بهذا الوصف، حقيق أن يتهيأ له، ويرتل، ويتفكر فيما يشتمل عليه.
ثم ذكر الحكمة في أمره بقيام الليل، فقال: ( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ ) أي: الصلاة فيه بعد النوم ( هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا ) أي: أقرب إلى تحصيل مقصود القرآن، يتواطأ على القرآن القلب واللسان، وتقل الشواغل، ويفهم ما يقول، ويستقيم له أمره، وهذا بخلاف النهار، فإنه لا يحصل به هذا المقصود ، ولهذا قال: ( إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا ) أي: ترددا على حوائجك ومعاشك، يوجب اشتغال القلب وعدم تفرغه التفرغ التام.
( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ) شامل لأنواع الذكر كلها ( وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا ) أي: انقطع إلى الله تعالى، فإن الانقطاع إلى الله والإنابة إليه، هو الانفصال بالقلب عن الخلائق، والاتصاف بمحبة الله، وكل ما يقرب إليه، ويدني من رضاه.
( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) وهذا اسم جنس يشمل المشارق والمغارب [ كلها ] ، فهو تعالى رب المشارق والمغارب، وما يكون فيها من الأنوار، وما هي مصلحة له من العالم العلوي والسفلي، فهو رب كل شيء وخالقه ومدبره.
( لا إِلَهَ إِلا هُوَ ) أي: لا معبود إلا وجهه الأعلى، الذي يستحق أن يخص بالمحبة والتعظيم، والإجلال والتكريم، ولهذا قال: ( فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا ) أي: حافظا ومدبرا لأمورك كلها.
فلما أمره الله بالصلاة خصوصا، وبالذكر عموما، وذلك يحصل للعبد ملكة قوية في تحمل الأثقال، وفعل الثقيل من الأعمال، أمره بالصبر على ما يقول فيه المعاندون له ويسبونه ويسبون ما جاء به، وأن يمضي على أمر الله، لا يصده عنه صاد، ولا يرده راد، وأن يهجرهم هجرا جميلا وهو الهجر حيث اقتضت المصلحة الهجر الذي لا أذية فيه، فيقابلهم بالهجر والإعراض عنهم وعن أقوالهم التي تؤذيه، وأمره بجدالهم بالتي هي أحسن.
( وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ ) أي: اتركني وإياهم، فسأنتقم منهم، وإن أمهلتهم فلا أهملهم، وقوله: ( أُولِي النَّعْمَةِ ) أي: أصحاب النعمة والغنى، الذين طغوا حين وسع الله عليهم من رزقه، وأمدهم من فضله كما قال تعالى: كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى .
ثم توعدهم بما عنده من العقاب، فقال:
[ وهي ] مكية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ( 1 ) قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا ( 2 ) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا ( 3 ) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ( 4 ) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا ( 5 ) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا ( 6 ) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا ( 7 ) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا ( 8 ) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا ( 9 ) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا ( 10 ) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا ( 11 ) .
المزمل: المتغطي بثيابه كالمدثر، وهذا الوصف حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أكرمه الله برسالته، وابتدأه بإنزال [ وحيه بإرسال ] جبريل إليه، فرأى أمرا لم ير مثله، ولا يقدر على الثبات له إلا المرسلون، فاعتراه في ابتداء ذلك انزعاج حين رأى جبريل عليه السلام، فأتى إلى أهله، فقال: « زملوني زملوني » وهو ترعد فرائصه، ثم جاءه جبريل فقال: « اقرأ » فقال: « ما أنا بقارئ » فغطه حتى بلغ منه الجهد، وهو يعالجه على القراءة، فقرأ صلى الله عليه وسلم، ثم ألقى الله عليه الثبات، وتابع عليه الوحي، حتى بلغ مبلغا ما بلغه أحد من المرسلين. فسبحان الله، ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها، ولهذا خاطبه الله بهذا الوصف الذي وجد منه في أول أمره.
فأمره هنا بالعبادات المتعلقة به، ثم أمره بالصبر على أذية أعدائه ، ثم أمره بالصدع بأمره، وإعلان دعوتهم إلى الله، فأمره هنا بأشرف العبادات، وهي الصلاة، وبآكد الأوقات وأفضلها، وهو قيام الليل.
ومن رحمته تعالى، أنه لم يأمره بقيام الليل كله، بل قال: ( قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا ) .
ثم قدر ذلك فقال: ( نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ ) أي: من النصف ( قَلِيلا ) بأن يكون الثلث ونحوه.
( أَوْ زِدْ عَلَيْهِ ) أي: على النصف، فيكون الثلثين ونحوها. ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ) فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر والتفكر، وتحريك القلوب به، والتعبد بآياته، والتهيؤ والاستعداد التام له، فإنه قال: ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا ) أي: نوحي إليك هذا القرآن الثقيل، أي: العظيمة معانيه، الجليلة أوصافه، وما كان بهذا الوصف، حقيق أن يتهيأ له، ويرتل، ويتفكر فيما يشتمل عليه.
ثم ذكر الحكمة في أمره بقيام الليل، فقال: ( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ ) أي: الصلاة فيه بعد النوم ( هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا ) أي: أقرب إلى تحصيل مقصود القرآن، يتواطأ على القرآن القلب واللسان، وتقل الشواغل، ويفهم ما يقول، ويستقيم له أمره، وهذا بخلاف النهار، فإنه لا يحصل به هذا المقصود ، ولهذا قال: ( إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا ) أي: ترددا على حوائجك ومعاشك، يوجب اشتغال القلب وعدم تفرغه التفرغ التام.
( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ) شامل لأنواع الذكر كلها ( وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا ) أي: انقطع إلى الله تعالى، فإن الانقطاع إلى الله والإنابة إليه، هو الانفصال بالقلب عن الخلائق، والاتصاف بمحبة الله، وكل ما يقرب إليه، ويدني من رضاه.
( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) وهذا اسم جنس يشمل المشارق والمغارب [ كلها ] ، فهو تعالى رب المشارق والمغارب، وما يكون فيها من الأنوار، وما هي مصلحة له من العالم العلوي والسفلي، فهو رب كل شيء وخالقه ومدبره.
( لا إِلَهَ إِلا هُوَ ) أي: لا معبود إلا وجهه الأعلى، الذي يستحق أن يخص بالمحبة والتعظيم، والإجلال والتكريم، ولهذا قال: ( فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا ) أي: حافظا ومدبرا لأمورك كلها.
فلما أمره الله بالصلاة خصوصا، وبالذكر عموما، وذلك يحصل للعبد ملكة قوية في تحمل الأثقال، وفعل الثقيل من الأعمال، أمره بالصبر على ما يقول فيه المعاندون له ويسبونه ويسبون ما جاء به، وأن يمضي على أمر الله، لا يصده عنه صاد، ولا يرده راد، وأن يهجرهم هجرا جميلا وهو الهجر حيث اقتضت المصلحة الهجر الذي لا أذية فيه، فيقابلهم بالهجر والإعراض عنهم وعن أقوالهم التي تؤذيه، وأمره بجدالهم بالتي هي أحسن.
( وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ ) أي: اتركني وإياهم، فسأنتقم منهم، وإن أمهلتهم فلا أهملهم، وقوله: ( أُولِي النَّعْمَةِ ) أي: أصحاب النعمة والغنى، الذين طغوا حين وسع الله عليهم من رزقه، وأمدهم من فضله كما قال تعالى: كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى .
ثم توعدهم بما عنده من العقاب، فقال:
إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا ( 12 ) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا ( 13 ) يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا ( 14 )
أي: إن عندنا ( أَنْكَالا ) أي: عذابا شديدا، جعلناه تنكيلا للذي لا يزال مستمرا على الذنوب. ( وَجَحِيمًا ) أي: نارا حامية ( وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ ) وذلك لمرارته وبشاعته، وكراهة طعمه وريحه الخبيث المنتن، ( وَعَذَابًا أَلِيمًا ) أي: موجعا مفظعا، وذلك ( يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ وَالْجِبَالُ ) من الهول العظيم، ( وَكَانَتِ الْجِبَالُ ) الراسيات الصم الصلاب ( كَثِيبًا مَهِيلا ) أي: بمنزلة الرمل المنهال المنتثر، ثم إنها تبس بعد ذلك، فتكون كالهباء المنثور. إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا ( 15 ) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا ( 16 ) .
يقول تعالى: احمدوا ربكم على إرسال هذا النبي الأمي العربي البشير النذير، الشاهد على الأمة بأعمالهم، واشكروه وقوموا بهذه النعمة الجليلة، وإياكم أن تكفروها، فتعصوا رسولكم، فتكونوا كفرعون حين أرسل الله إليه موسى بن عمران، فدعاه إلى الله، وأمره بالتوحيد، فلم يصدقه، بل عصاه، فأخذه الله أخذا وبيلا أي: شديدا بليغا. فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ( 17 ) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا ( 18 ) .
أي: فكيف يحصل لكم الفكاك والنجاة من يوم القيامة، اليوم المهيل أمره، العظيم قدره ، الذي يشيب الولدان، وتذوب له الجمادات العظام، فتتفطر به السماء وتنتثر به نجومها ( كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا ) أي: لا بد من وقوعه، ولا حائل دونه. إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا ( 19 ) .
[ أي: ] إن هذه الموعظة التي نبأ الله بها من أحوال يوم القيامة وأهواله ، تذكرة يتذكر بها المتقون، وينزجر بها المؤمنون، ( فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا ) أي: طريقا موصلا إليه، وذلك باتباع شرعه، فإنه قد أبانه كل البيان، وأوضحه غاية الإيضاح، وفي هذا دليل على أن الله تعالى أقدر العباد على أفعالهم، ومكنهم منها، لا كما يقوله الجبرية: إن أفعالهم تقع بغير مشيئتهم، فإن هذا خلاف النقل والعقل.
الصفحة رقم 574 من المصحف تحميل و استماع mp3