سورة طه | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 319 من المصحف
** كَذَلِكَ نَقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لّدُنّا ذِكْراً * مّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: كما قصصنا عليك خبر موسى وما جرى له مع فرعون وجنوده على الجلية والأمر الواقع, كذلك نقص عليك الأخبار الماضية كما وقعت من غير زيادة ولا نقص, هذا وقد آتيناك من لدنا, اي من عندنا ذكراً, وهو القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه, تنزيل من حكيم حميد, الذي لم يعط نبي من الأنبياء منذ بعثوا إلى أن ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم كتاباً مثله, ولا أكمل منه, ولا أجمع لخبر ما سبق وخبر ما هو كائن, وحكم الفصل بين الناس منه.
ولهذا قال تعالى: {من أعرض عنه} أي كذب به وأعرض عن اتباعه أمراً وطلباً, وابتغى الهدى من غيره, فإن الله يضله ويهديه إلى سواء الجحيم, ولهذا قال: {من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزر} أي إثماً كما قال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم أهل الكتاب وغيرهم, كما قال: {لأنذركم به ومن بلغ} فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداع, فمن اتبعه هدي ومن خالفه وأعرض عنه, ضل وشقي في الدنيا والنار موعده يوم القيامة, ولهذا قال: {من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً خالدين فيه} أي لا محيد لهم عنه ولا انفكاك {وساء لهم يوم القيامة حمل} أي بئس الحمل حملهم.
** يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لّبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً * نّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لّبِثْتُمْ إِلاّ يَوْماً
ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصور, فقال: «قرن ينفخ فيه». وقد جاء في حديث الصور من رواية أبي هريرة أنه قرن عظيم, الدائرة منه بقدر السموات والأرض, ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام وجاء في الحديث «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته, وانتظر أن يؤذن له» فقالوا: يا رسول الله كيف نقول ؟ قال «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا». وقوله: {ونحشر المجرمين يومئذ زرق} قيل: معناه زرق العيون من شدة ما هم فيه من الأهوال {يتخافتون بينهم} قال ابن عباس: يتسارون بينهم, أي يقول بعضهم لبعض: إن لبثتم إلا عشراً أي في الدار الدنيا, لقد كان لبثكم فيها قليلاً عشرة أيام أو نحوها, قال الله تعالى: {نحن أعلم بما يقولون} أي في حال تناجيهم بينهم {إذ يقول أمثلهم طريقة} أي العاقل الكامل فيهم {إن لبثتم إلا يوم} أي لقصر مدة الدنيا في أنفسهم يوم المعاد, لأن الدنيا كلها وإن تكررت أوقاتها وتعاقبت لياليها وأيامها وساعاتها, كأنها يوم واحد, ولهذا يستقصر الكافرون مدة الحياة الدنيا يوم القيامة, وكان غرضهم في ذلك درء قيام الحجة عليهم لقصر المدة, ولهذا قال تعالى: {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ـ إلى قوله ـ ولكنكم كنتم لا تعملون} وقال تعالى: {أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير} الاَية, وقال تعالى: {كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون} أي إنما كان لبثكم فيها قليلاً, لو كنتم تعلمون لاَثرتم الباقي على الفاني, ولكن تصرفتم فاسأتم التصرف, قدمتم الحاضر الفاني على الدائم الباقي.
** وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاّ تَرَىَ فِيهَا عِوَجاً وَلآ أَمْتاً * يَوْمَئِذٍ يَتّبِعُونَ الدّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرّحْمَـَنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً
يقول تعالى: {ويسألونك عن الجبال} أي هل تبقى يوم القيامة أو تزول ؟ {فقل ينسفها ربي نسف} أي يذهبها عن أماكنها ويمحقها ويسيرها تسييراً {فيذره} أي الأرض {قاعاً صفصف} أي بساطاً واحداً, والقاع هو المستوي من الأرض, والصفصف تأكيد لمعنى ذلك, وقيل الذي لا نبات فيه, والأول أولى وإن كان الاَخر مراداً أيضاً باللازم, ولهذا قال: {لا ترى فيها عوجاً ولا أمت} أي لا ترى في الأرض يومئذ وادياً ولا رابية ولا مكاناً منخفضاً ولا مرتفعاً, كذا قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن البصري والضحاك وقتادة وغير واحد من السلف {يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له} أي يوم يرون هذه الأحوال والأهوال يستجيبون مسارعين إلى الداعي حيثما أمروا بادروا إليه, ولو كان هذا في الدنيا لكان أنفع لهم ولكن حيث لا ينفعهم, كما قال تعالى: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتونن} وقال: {مهطعين إلى الداع} وقال محمد بن كعب القرظي: يحشر الله الناس يوم القيامة في ظلمة, ويطوي السماء, وتتناثر النجوم, وتذهب الشمس والقمر, وينادي مناد, فيتبع الناس الصوت يؤمونه, فذلك قوله: {يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له} وقال قتادة: لا عوج له, لا يميلون عنه. وقال أبو صالح: لا عوج له أي لا عوج عنه.
وقوله: {وخشعت الأصوات للرحمن} قال ابن عباس: سكنت, وكذا قال السدي {فلا تسمع إلا همس} قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: يعني وطء الأقدام, وكذا قال عكرمة ومجاهد والضحاك والربيع بن أنس وقتادة وابن زيد وغيرهم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {فلا تسمع إلا همس} الصوت الخفي, وهو رواية عن عكرمة والضحاك. وقال سعيد بن جبير {فلا تسمع إلا همس} الحديث وسره ووطء الأقدام, فقد جمع سعيد كلا القولين, وهو محتمل, أما وطء الأقدام فالمراد سعي الناس إلى المحشر, وهو مشيهم في سكون وخضوع, وأما الكلام الخفي فقد يكون في حال دون حال, فقد قال تعالى: {يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد}.
** يَوْمَئِذٍ لاّ تَنفَعُ الشّفَاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّحْمَـَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً * وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيّ الْقَيّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً
يقول تعالى: {يومئذ} أي يوم القيامة {لا تنفع الشفاعة} أي عنده {إلا من أذن له الرحمن ورضي له قول} كقوله: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}, وقوله: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى}, وقال: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون}. وقال: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}, وقال: {يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواب}. وفي الصحيحين من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم, وأكرم الخلائق على الله عز وجل أنه قال «آتي تحت العرش, وأخر لله ساجداً, ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الاَن, فيدعني ما شاء أن يدعني, ثم يقول: يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع, واشفع تشفع ـ فيحد لي حداً, فأدخلهم الجنة ثم أعود» فذكر أربع مرات, صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء. وفي الحديث أيضاً «يقول تعالى أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان, فيخرجون خلقاً كثيراً, ثم يقول أخرجوا من النار من كان في قلبه نصف مثقال من إيمان, أخرجوا من النار من كان في قلبه ما يزن ذرة, من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان» الحديث.
وقوله: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} أي يحيط علماً بالخلائق كلهم {ولا يحيطون به علم} كقوله: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}. وقوله: {وعنت الوجوه للحي القيوم} قال ابن عباس وغير واحد: خضعت وذلت واستسلمت الخلائق لجبارها الحي الذي لا يموت, القيوم الذي لا ينام, وهوقيم على كل شيء يدبره ويحفظه, فهو الكامل في نفسه, الذي كل شيء فقير إليه لا قوام له إلا به. وقوله: {وقد خاب من حمل ظلم} أي يوم القيامة, فإن الله سيؤدي كل حق إلى صاحبه حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء, وفي الحديث «يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم» وفي الصحيح «إياكم والظلم, فإن الظلم ظلمات يوم القيامة, والخيبة كل الخيبة من لقي الله وهو به مشرك, فإن الله تعالى يقول: إن الشرك لظلم عظيم». وقوله: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضم} لما ذكر الظالمين ووعيدهم, ثنى بالمتقين وحكمهم, وهو أنهم لا يظلمون ولا يهضمون, أي لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم, قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة وغير واحد, فالظلم الزيادة بأن يحمل عليه ذنب غيره, والهضم النقص.
تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 319
319 : تفسير الصفحة رقم 319 من القرآن الكريم** كَذَلِكَ نَقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لّدُنّا ذِكْراً * مّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: كما قصصنا عليك خبر موسى وما جرى له مع فرعون وجنوده على الجلية والأمر الواقع, كذلك نقص عليك الأخبار الماضية كما وقعت من غير زيادة ولا نقص, هذا وقد آتيناك من لدنا, اي من عندنا ذكراً, وهو القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه, تنزيل من حكيم حميد, الذي لم يعط نبي من الأنبياء منذ بعثوا إلى أن ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم كتاباً مثله, ولا أكمل منه, ولا أجمع لخبر ما سبق وخبر ما هو كائن, وحكم الفصل بين الناس منه.
ولهذا قال تعالى: {من أعرض عنه} أي كذب به وأعرض عن اتباعه أمراً وطلباً, وابتغى الهدى من غيره, فإن الله يضله ويهديه إلى سواء الجحيم, ولهذا قال: {من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزر} أي إثماً كما قال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم أهل الكتاب وغيرهم, كما قال: {لأنذركم به ومن بلغ} فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداع, فمن اتبعه هدي ومن خالفه وأعرض عنه, ضل وشقي في الدنيا والنار موعده يوم القيامة, ولهذا قال: {من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً خالدين فيه} أي لا محيد لهم عنه ولا انفكاك {وساء لهم يوم القيامة حمل} أي بئس الحمل حملهم.
** يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لّبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً * نّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لّبِثْتُمْ إِلاّ يَوْماً
ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصور, فقال: «قرن ينفخ فيه». وقد جاء في حديث الصور من رواية أبي هريرة أنه قرن عظيم, الدائرة منه بقدر السموات والأرض, ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام وجاء في الحديث «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته, وانتظر أن يؤذن له» فقالوا: يا رسول الله كيف نقول ؟ قال «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا». وقوله: {ونحشر المجرمين يومئذ زرق} قيل: معناه زرق العيون من شدة ما هم فيه من الأهوال {يتخافتون بينهم} قال ابن عباس: يتسارون بينهم, أي يقول بعضهم لبعض: إن لبثتم إلا عشراً أي في الدار الدنيا, لقد كان لبثكم فيها قليلاً عشرة أيام أو نحوها, قال الله تعالى: {نحن أعلم بما يقولون} أي في حال تناجيهم بينهم {إذ يقول أمثلهم طريقة} أي العاقل الكامل فيهم {إن لبثتم إلا يوم} أي لقصر مدة الدنيا في أنفسهم يوم المعاد, لأن الدنيا كلها وإن تكررت أوقاتها وتعاقبت لياليها وأيامها وساعاتها, كأنها يوم واحد, ولهذا يستقصر الكافرون مدة الحياة الدنيا يوم القيامة, وكان غرضهم في ذلك درء قيام الحجة عليهم لقصر المدة, ولهذا قال تعالى: {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ـ إلى قوله ـ ولكنكم كنتم لا تعملون} وقال تعالى: {أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير} الاَية, وقال تعالى: {كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون} أي إنما كان لبثكم فيها قليلاً, لو كنتم تعلمون لاَثرتم الباقي على الفاني, ولكن تصرفتم فاسأتم التصرف, قدمتم الحاضر الفاني على الدائم الباقي.
** وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاّ تَرَىَ فِيهَا عِوَجاً وَلآ أَمْتاً * يَوْمَئِذٍ يَتّبِعُونَ الدّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرّحْمَـَنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً
يقول تعالى: {ويسألونك عن الجبال} أي هل تبقى يوم القيامة أو تزول ؟ {فقل ينسفها ربي نسف} أي يذهبها عن أماكنها ويمحقها ويسيرها تسييراً {فيذره} أي الأرض {قاعاً صفصف} أي بساطاً واحداً, والقاع هو المستوي من الأرض, والصفصف تأكيد لمعنى ذلك, وقيل الذي لا نبات فيه, والأول أولى وإن كان الاَخر مراداً أيضاً باللازم, ولهذا قال: {لا ترى فيها عوجاً ولا أمت} أي لا ترى في الأرض يومئذ وادياً ولا رابية ولا مكاناً منخفضاً ولا مرتفعاً, كذا قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن البصري والضحاك وقتادة وغير واحد من السلف {يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له} أي يوم يرون هذه الأحوال والأهوال يستجيبون مسارعين إلى الداعي حيثما أمروا بادروا إليه, ولو كان هذا في الدنيا لكان أنفع لهم ولكن حيث لا ينفعهم, كما قال تعالى: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتونن} وقال: {مهطعين إلى الداع} وقال محمد بن كعب القرظي: يحشر الله الناس يوم القيامة في ظلمة, ويطوي السماء, وتتناثر النجوم, وتذهب الشمس والقمر, وينادي مناد, فيتبع الناس الصوت يؤمونه, فذلك قوله: {يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له} وقال قتادة: لا عوج له, لا يميلون عنه. وقال أبو صالح: لا عوج له أي لا عوج عنه.
وقوله: {وخشعت الأصوات للرحمن} قال ابن عباس: سكنت, وكذا قال السدي {فلا تسمع إلا همس} قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: يعني وطء الأقدام, وكذا قال عكرمة ومجاهد والضحاك والربيع بن أنس وقتادة وابن زيد وغيرهم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {فلا تسمع إلا همس} الصوت الخفي, وهو رواية عن عكرمة والضحاك. وقال سعيد بن جبير {فلا تسمع إلا همس} الحديث وسره ووطء الأقدام, فقد جمع سعيد كلا القولين, وهو محتمل, أما وطء الأقدام فالمراد سعي الناس إلى المحشر, وهو مشيهم في سكون وخضوع, وأما الكلام الخفي فقد يكون في حال دون حال, فقد قال تعالى: {يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد}.
** يَوْمَئِذٍ لاّ تَنفَعُ الشّفَاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّحْمَـَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً * وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيّ الْقَيّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً
يقول تعالى: {يومئذ} أي يوم القيامة {لا تنفع الشفاعة} أي عنده {إلا من أذن له الرحمن ورضي له قول} كقوله: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}, وقوله: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى}, وقال: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون}. وقال: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}, وقال: {يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواب}. وفي الصحيحين من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم, وأكرم الخلائق على الله عز وجل أنه قال «آتي تحت العرش, وأخر لله ساجداً, ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الاَن, فيدعني ما شاء أن يدعني, ثم يقول: يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع, واشفع تشفع ـ فيحد لي حداً, فأدخلهم الجنة ثم أعود» فذكر أربع مرات, صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء. وفي الحديث أيضاً «يقول تعالى أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان, فيخرجون خلقاً كثيراً, ثم يقول أخرجوا من النار من كان في قلبه نصف مثقال من إيمان, أخرجوا من النار من كان في قلبه ما يزن ذرة, من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان» الحديث.
وقوله: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} أي يحيط علماً بالخلائق كلهم {ولا يحيطون به علم} كقوله: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}. وقوله: {وعنت الوجوه للحي القيوم} قال ابن عباس وغير واحد: خضعت وذلت واستسلمت الخلائق لجبارها الحي الذي لا يموت, القيوم الذي لا ينام, وهوقيم على كل شيء يدبره ويحفظه, فهو الكامل في نفسه, الذي كل شيء فقير إليه لا قوام له إلا به. وقوله: {وقد خاب من حمل ظلم} أي يوم القيامة, فإن الله سيؤدي كل حق إلى صاحبه حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء, وفي الحديث «يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم» وفي الصحيح «إياكم والظلم, فإن الظلم ظلمات يوم القيامة, والخيبة كل الخيبة من لقي الله وهو به مشرك, فإن الله تعالى يقول: إن الشرك لظلم عظيم». وقوله: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضم} لما ذكر الظالمين ووعيدهم, ثنى بالمتقين وحكمهم, وهو أنهم لا يظلمون ولا يهضمون, أي لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم, قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة وغير واحد, فالظلم الزيادة بأن يحمل عليه ذنب غيره, والهضم النقص.
الصفحة رقم 319 من المصحف تحميل و استماع mp3