تفسير الطبري تفسير الصفحة 319 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 319
320
318
 الآية : 99 و 100
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { كَذَلِكَ نَقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لّدُنّا ذِكْراً * مّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: كما قصصنا علـيك يا مـحمد نبأ موسى وفرعون وقومه وأخبـار بنـي إسرائيـل مع موسى كَذَلكَ نَقُصّ عَلَـيْكَ مِنْ أنْبـاءِ ما قَدْ سَبَقَ يقول: كذلك نـخبرك بأنبـاء الأشياء التـي قد سبقت من قبلك, فلـم تشاهدها ولـم تعاينها. وقوله: وَقَدْ آتَـيْناكَ مِنْ لَدُنّا ذِكْرا يقول تعالـى ذكره لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: وقد آتـيناك يا مـحمد من عندنا ذكرا يَتذكر به, ويتعظ به أهل العقل والفهم, وهو هذا القرآن الذي أنزله الله علـيه, فجعله ذكرى للعالـمين. وقوله مَنْ أعْرَضَ عَنْهُ يقول تعالـى ذكره: من ولّـى عنه فأدبر فلـم يصدّق به ولـم يقرّ, فإنه يَحْمِلُ يَوْمَ القِـيامَة وِزْرا يقول: فإنه يأتـي ربه يوم القـيامة يحمل حملاً ثقـيلاً, وذلك الإثم العظيـم, كما:
18352ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: يَوْمَ القِـيامَةِ وِزْرا قال: إثما.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج. عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.

الآية : 101 - 103
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً * يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لّبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً }.
يقول تعالـى ذكره: خالدين فـي وزرهم, فأخرج الـخبر جلّ ثناؤه عن هؤلاء الـمعرضين عن ذكره فـي الدنـيا أنهم خالدون فـي أوزارهم, والـمعنى: أنهم خالدون فـي النار بأوزارهم, ولكن لـما كان معلوما الـمراد من الكلام اكتفـي بـما ذكر عما لـم يذكر.
وقوله: وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ القـيامَة حمْلاً يقول تعالـى ذكره: وساء ذلك الـحمل والثقل من الإثم يوم القـيامة حملاً, وحقّ لهم أن يسوءهم ذلك, وقد أوردهم مهلكة لا منـجي منها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18353ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ القِـيامَةِ حِمْلاً يقول: بئسما حملوا.
18354ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ القِـيامَةِ حِمْلاً يعنـي بذلك: ذنوبهم.
وقوله: يَوْمَ يُنْفَخُ فِـي الصّورِ يقول تعالـى ذكره: وساء لهم يوم القـيامة, يوم ينفخ فـي الصور, فقوله: يَوْمَ يُنْفَخُ فِـي الصّورِ ردّ علـى يوم القـيامة. وقد بـيّنا معنى النفخ فـي الصور, وذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـي معنى الصور, والصحيح فـي ذلك من القول عندي بشواهده الـمغنـية عن إعادته فـي هذا الـموضع قبل.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الأمصار يَوْمَ يُنْفَخُ فِـي الصّورِ بـالـياء وضمها علـى ما لـم يسمّ فـاعله, بـمعنى: يوم يأمر الله إسرافـيـل فـينفخ فـي الصور. وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ ذلك «يَوْمَ نَنْفُخُ فِـي الصّورِ» بـالنون بـمعنى: يوم ننفخ نـحن فـي الصور, كأن الذي دعاه إلـى قراءة ذلك كذلك طلبه التوفـيق بـينه وبـين قوله: ونَـحْشُرُ الـمُـجْرِمِينَ إذ كان لا خلاف بـين القرّاء فـي نـحشر أنها بـالنون.
قال أبو جعفر: والذي أختار فـي ذلك من القراءة يوم ينفخ بـالـياء علـى وجه ما لـم يسمّ فـاعله, لأن ذلك هو القراءة التـي علـيها قرّاء الأمصار وإن كان للذي قرأ أبو عمرو وجه غير فـاسد.
وقوله: ونَـحْشُرُ الـمُـجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقا يقول تعالـى ذكره: ونسوق أهل الكفر بـالله يومئذٍ إلـى موقـف القـيامة زرقا, فقـيـل: عنى بـالزرق فـي هذا الـموضع: ما يظهر فـي أعينهم من شدة العطش الذي يكون بهم عند الـحشر لرأي العين من الزرق. وقـيـل: أريد بذلك أنهم يحشرون عميا, كالذي قال الله وَنـحْشُرُهُمْ يَوْمَ القـيامَةِ عَلـى وُجُوهِهِمْ عُمْيا.
وقوله: يَتَـخافَتُونَ بَـيْنَهُمْ إنْ لَبِثْتُـمْ إلاّ عَشْرا يقول تعالـى ذكره: يتهامسون بـينهم, ويسرّ بعضهم إلـى بعض: إن لبثتـم فـي الدنـيا, يعنـي أنهم يقول بعضهم لبعض: ما لبثتـم فـي الدنـيا إلا عشرا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18355ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: يَتَـخافَتُون بَـيْنَهُمْ يقول: يتسَارّون بـينهم.
18356ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يَتَـخافَتُونَ بَـيْنَهُمْ: أي يتسارّون بـينهم إنْ لَبِثْتُـمْ إلاّ عَشْرا.
الآية : 104
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { نّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لّبِثْتُمْ إِلاّ يَوْماً }.
يقول تعالـى ذكره: نـحن أعلـم منهم عند إسرارهم وتـخافتهم بـينهم بقـيـلهم إنْ لَبِثْتُـمْ إلاّ عَشْرا بـما يقولون لا يخفـى علـينا مـما يتساررونه بـينهم شيء إذْ يَقُولُ أمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إنْ لَبِثْتُـمْ إلاّ يَوْما يقول تعالـى ذكره حين يقول أو فـاهم عقلاً, وأعلـمهم فـيهم: إن لبثتـم فـي الدنـيا إلا يوما. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18357ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن شعبة, فـي قوله: إذْ يَقُولُ أمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً أوفـاهم عقلاً.
وإنـما عنى جلّ ثنائه بـالـخبر عن قـيـلهم هذا القول يومئذٍ, إعلام عبـاده أن أهل الكفر به ينسون من عظيـم ما يعاينون من هول يوم القـيامة, وشدّة جزعهم من عظيـم ما يردون علـيه ما كانوا فـيه فـي الدنـيا من النعيـم واللذّات, ومبلغ ما عاشوا فـيها من الأزمان, حتـى يخيـل إلـى أعقلهم فـيهم, وأذكرهم وأفهمهم أنهم لـم يعيشوا فـيها إلا يوما.
الآية : 105 - 107
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاّ تَرَىَ فِيهَا عِوَجاً وَلآ أَمْتاً }.
يقول تعالـى ذكره: ويسألك يا مـحمد قومك عن الـجبـال, فقل لهم: يذريها ربـي تذرية, ويطيرها بقلعها واستئصالها من أصولها, ودكّ بعضها علـى بعض, وتصيـيره إياها هبـاء منبثا فَـيَذَرُها قاعا صَفْصَفـا يقول تعالـى ذكره: فـيدع أماكنها من الأرض إذا نسفها نسفـا, قاعا: يعنـي: أرضا ملساء, صفصفـا: يعنـي مستويا لا نبـات فـيه, ولا نشز, ولا ارتفـاع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18358ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: قاعا صَفْصَفـا يقول: مستويا لا نبـات فـيه.
18359ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله فَـيَذَرُها قاعا صَفْصَفـا قال: مستويا, الصفصف: الـمستوى.
18360ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا عبد الله بن يوسف, قال: حدثنا عبد الله بن لهيعة, قال: حدثنا أبو الأسود, عن عروة, قال: كنا قعودا عند عبد الـملك حين قال كعب: إن الصخرة موضع قدم الرحمن يوم القـيامة, فقال: كذب كعب, إنـما الصخرة جبل من الـجبـال, إن الله يقول: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الـجِبـالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبّـي نَسْفـا فسكت عبد الـملك.
18361ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: صَفْصَفـا قال: مستويا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
قال أبو جعفر: وكان بعض أهل العلـم بلغات العرب من أهل الكوفة يقول: القاع: مستنقع الـماء, والصفصف: الذي لا نبـات فـيه.
وقوله: لا تَرَى فِـيها عِوَجا وَلا أَمْتا يقول: لا ترى فـي الأرض عوجا ولا أمتا.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى العوج والأمت, فقال بعضهم: عنى بـالعوج فـي هذا الـموضع: الأودية, وبـالأمت: الروابـي والنشوز. ذكر من قال ذلك:
18362ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله لا تَرَى فِـيها عِوَجا وَلا أمْتا يقول: واديا, ولا أمتا: يقول: رابـية.
حدثنـي مـحمد بن عبد الله الـمخرمي, قال: حدثنا أبو عامر العقدي, عن عبد الواحد بن صفوان مولـى عثمان, قال: سمعت عكرمة, قال: سئل ابن عبـاس, عن قوله لا تَرَى فِـيها عِوَجا وَلا أمْتا قال: هي الأرض البـيضاء, أو قال: الـملساء التـي لـيس فـيها لبنة مرتفعة.
18363ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد لا تَرَى فِـيهَا عِوَجا وَلا أمْتا قال: ارتفـاعا, ولا انـخفـاضا.
18364ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله لا تَرَى فِـيها عِوَجا وَلا أمْتا قال: لا تعاديَ, الأمت: التعادي.
وقال آخرون: بل عنى بـالعوج فـي هذا الـموضع: الصدوع, وبـالأمت: الارتفـاع من الاَكام وأشبـاهها. ذكر من قال ذلك:
18365ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله: لا تَرَى فِـيها عِوَجا قال: صدعا وَلا أمْتا يقول: ولا أكمة.
وقال آخرون: عنى بـالعوج: الـميـل, وبـالأمت: الأثر. ذكر من قال ذلك:
18366ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: لا تَرَى فِـيها عِوَجا وَلا أمْتا يقول: لا ترى فـيها ميلاً, والأمت: الأثر مثل الشراك.
وقال آخرون: الأمت: الـمـحانـي والأحداب. ذكر من قال ذلك:
18367ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قال: الأمت: الـحدب.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: عنى بـالعوج: الـميـل, وذلك أن ذلك هو الـمعروف فـي كلام العرب.
فإن قال قائل: وهل فـي الأرض الـيوم من عوج, فـيقال: لا ترى فـيها يومئذٍ عوجا. قـيـل: إن معنى ذلك: لـيس فـيها أودية وموانع تـمنع الناظر أو السائر فـيها عن الأخذ علـى الاستقامة, كما يحتاج الـيوم من أخذ فـي بعض سبلها إلـى الأخذ أحيانا يـمينا, وأحيانا شمالاً, لـما فـيها من الـجبـال والأودية والبحار. وأما الأمت فإنه عند العرب: الانثناء والضعف. مسموع منهم: مدّ حبله حتـى ما ترك فـيه أمتا: أي انثناء وملأ سقاءه حتـى ما ترك فـيه أمتا ومنه قول الراجز:
ما فِـي انْـجذَابِ سَيْرِهِ مِنْ أمْتِ
يعنـي: من وهن وضعف, فـالواجب إذا كان ذلك معنى الأمت عندهم أن يكون أصوب الأقوال فـي تأويـله: ولا ارتفـاع ولا انـخفـاض, لأن الانـخفـاض لـم يكن إلاّ عن ارتفـاع. فإذا كان ذلك كذلك, فتأويـل الكلام: لا ترى فـيها ميلاً عن الاستواء, ولا ارتفـاعا, ولا انـخفـاضا, ولكنها مستوية ملساء, كما قال جلّ ثناؤه: قاعا صَفْصَفـا.

الآية : 108
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَوْمَئِذٍ يَتّبِعُونَ الدّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرّحْمَـَنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً }.
يقول تعالـى ذكره: يومئذٍ يتبع الناس صوت داعي الله الذي يدعوهم إلـى موقـف القـيامة, فـيحشرهم إلـيه لا عِوَجَ لَهُ يقول: لا عوج لهم عنه ولا انـحراف, ولكنهم سراعا إلـيه ينـحشرون. وقـيـل: لا عوج له, والـمعنى: لا عوج لهم عنه, لأن معنى الكلام ما ذكرنا من أنه لا يعوجون له ولا عنه. ولكنهم يؤمونه ويأتونه, كما يقال فـي الكلام: دعانـي فلان دعوة لا عوج لـي عنها: أي لا أعوج عنها. وقوله وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ للرّحْمَنِ يقول تعالـى ذكره: وسكنت أصوات الـخلائق للرحمن فوصف الأصوات بـالـخشوع. والـمعنى لأهلها إنهم خُضّع جميعهم لربهم, فلا تسمع لناطق منهم منطقا إلاّ من أذن له الرحمن, كما:
18368ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ للرّحْمَنِ يقول: سكنت.
وقوله: فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا يقول: إنه وطء الأقدام إلـى الـمـحشر. وأصله: الصوت الـخفـيّ, يقال همس فلان إلـى فلان بحديثه إذا أسرّه إلـيه وأخفـاه ومنه قول الراجز:
وَهُنّ يَـمْشِينَ بنا هَمِيسَاإنْ يَصْدُقِ الطّيْرُ نَنِكْ لَـمِيسَا
يعنـي بـالهمس: صوت أخفـاف الإبل فـي سيرها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18369ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا علـيّ بن عابس, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا قال: وطء الأقدام.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ للرّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا يعنـي: همس الأقدام, وهو الوطء.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا يقول: الصوت الـخفـيّ.
18370ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى السديّ, قال: أخبرنا شريك, عن عبد الرحمن بن الأصبهانـي, عن عكرمة فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا قال: وطء الأقدام.
18371ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا سلـيـمان, قال: حدثنا حماد, عن حميد, عن الـحسن فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا قال: همس الأقدام.
حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قادة فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا قال قتادة: كان الـحسن يقول: وقع أقدام القوم.
18372ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا قال: تهافتا, وقال: تـخافت الكلام.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: هَمْسا قال: خفض الصوت.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قال: خفض الصوت, قال: وأخبرنـي عبد الله بن كثـير, عن مـجاهد, قال: كلام الإنسان لا تسمع تـحرّك شفتـيه ولسانه.
18373ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قوله: فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا يقول: لا تسمع إلاّ مشيا, قال: الـمشي الهمس: وطء الأقدام.
الآية : 109 و 110
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَوْمَئِذٍ لاّ تَنفَعُ الشّفَاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّحْمَـَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً }.
يقول تعالـى ذكره يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشّفـاعَةُ إلاّ شفـاعة مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ أن يشفع وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً وأدخـل فـي الكلام له دلـيلاً علـى إضافة القول إلـى كناية «مَنْ» وذلك كقول القائل الاَخر: رضيت لك عملك, ورضيته منك, وموضع مَن من قوله إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ نصب لأنه خلاف الشفـاعة.
وقوله يَعْلَـمُ ما بـينَ أيْدِيهِمْ وَما خَـلْفَهُمْ يقول تعالـى ذكره: يعلـم ربك يا مـحمد ما بـين أيدي هؤلاء الذين يتبعون الداعي من أمر القـيامة, وما الذي يصيرون إلـيه من الثواب والعقاب وَما خَـلفَهُمْ يقول: ويعلـم أمر ما خـلفوه وراءهم من أمر الدنـيا, كما:
18374ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يَعْلَـمُ ما بـينَ أيْدِيهمْ من أمر الساعة وَما خَـلْفَهُمْ من أمر الدنـيا.
وقوله: وَلا يُحيطُونَ بهِ علْـما يقول تعالـى ذكره: ولا يحيط خـلقه به علـما. ومعنى الكلام: أنه مـحيط بعبـاده علـما, ولا يحيط عبـاده به علـما. وقد زعم بعضهم أن معنى ذلك: أن الله يعلـم ما بـين أيدي ملائكته وما خـلفهم, وأن ملائكته لا يحيطون علـما بـما بـين أيدي أنفسم وما خـلفهم, وقال: إنـما أعلـم بذلك الذين كانوا يعبدون الـملائكة, أن الـملائكة كذلك لا تعلـم ما بـين أيديها وما خـلفها, موبخهم بذلك ومقرّعهم بأن من كان كذلك, فكيف يعبد, وأن العبـادة إنـما تصلـح لـمن لا تـخفـى علـيه خافـية فـي الأرض ولا فـي السماء.
الآية : 111
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيّ الْقَيّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً }.
يقول تعالـى ذكره: استسَرّت وجوه الـخـلق, واستسلـمت للـحيّ القـيوم الذي لا يـموت, القـيوم علـى خـلقه بتدبـيره إياهم, وتصريفهم لـما شاءوا. وأصل العنو الذلّ, يقال منه: عنا وجهه لربه يعنو عنوا, يعنـي خضع له وذلّ, وكذلك قـيـل للأسير: عان لذلة الأسر. فأما قولهم: أخذت الشيء عنوة, فإنه يكون وإن كان معناه يؤول إلـى هذا أن يكون أخذه غلبة, ويكون أخذه عن تسلـيـم وطاعة, كما قال الشاعر:
هَلْ أنْتَ مُطِيعي أيّها القَلْبُ عَنْوَةًولَـمْ تَلَـحْ نَفْسٌ لـم تلـم فـي اخْتِـيالِهَا
وقال آخر:
فَمَا أخَذُوها عَنْوَةً عَنْ مَوَدّةٍوَلَكِنْ بِحَدّ الـمَشْرَفِـي اسْتَقالَهَا
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18375ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيّومِ يقول: ذلّت.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيّومِ يعنـي بعنت: استسلـموا لـي.
18376ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ قال: خشعت.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيْج, عن مـجاهد, مثله.
18377ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلـحَيّ القَـيّومِ أي ذلّت الوجوه للـحيّ القـيوم.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للـحَيّ القَـيّومِ قال: ذلت الوجوه.
18378ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, عن أبـيه, قال: قال طلق: إذا سجد الرجل فقد عنا وجهه, أو قال: عنا.
حدثنـي أبو حُصَين عبد الله بن أحمد, قال: حدثنا عبثر, قال: حدثنا حصين, عن عمرو بن مرّة, عن طلق بن حبـيب, فـي هذه الاَية: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيّومِ قال: هو وضع الرجل رأسه ويديه وأطراف قدميه.
حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن لـيث, عن عمرو بن مرّة, عن طلق بن حبـيب فـي قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيّومِ قال: وهو وضعك جبهتك وكفـيك وركبتـيك وأطراف قدميك فـي السجود.
حدثنا خلاد بن أسلـم, قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن حصين, عن عمرو بن مرّة, عن طلق بن حبـيب فـي قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيّومِ قال: وضع الـجبهة والأنف علـى الأرض.
حدثنـي يعقوب: قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن عمرو بن مرّة, عن طلق بن حبـيب, فـي قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيّومِ قال: هو السجود علـى الـجبهة والراحة والركبتـين والقدمين.
18379ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيّومِ قال: استأسرت الوجوه للـحيّ القـيوم, صاروا أسارى كلهم له. قال: والعانـي: الأسير.
وقد بـيّنا معنى الـحيّ القـيوم فـيـما مضى, بـما أغنى عن إعادته هاهنا. وقوله: وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْـما يقول تعالـى ذكره: ولـم يظفر بحاجته وطلبته من حَمل إلـى موقـف القـيامة شركا بـالله, وكفرا به, وعملاً بـمعصيته. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18380ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْـما قال: من حمل شركا.
18381ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْـما قال: من حمل شركا, الظلـم هاهنا: الشرك.
الآية : 112
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً }.
يقول تعالـى ذكره وتقدّست أسماؤه: ومن يعمل من صالـحات الأعمال, وذلك فـيـما قـيـل أداء فرائض الله التـي فرضها علـى عبـاده وَهُوَ مُؤْمِنٌ يقول: وهو مصدّق بـالله, وأنه مـجازٍ أهل طاعته وأهل معاصيه علـى معاصيهم فلا يَخافُ ظُلْـما يقول: فلا يخاف من الله أن يظلـمه, فـيحمل علـيه سيئات غيره, فـيعاقبه علـيه وَلا هَضْما يقول: لا يخاف أن يهضمه حسناته, فـينقصه ثوابها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18382ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِـحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وإنـما يقبل الله من العمل ما كان فـي إيـمان.
18383ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيْج, قوله: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِـحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ قال: زعموا أنها الفرائض. ذكر من قال ما قلنا فـي معنى قوله: فَلا يَخافُ ظُلْـما وَلا هَضْما:
18384ـ حدثنا أبو كريب سلـيـمان بن عبد الـجبـار, قالا: حدثنا ابن عطية, عن إسرائيـل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس لا يَخافُ ظُلْـما وَلا هَضْما قال: هضما: غضبـا.
حدثنـي علـي, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية عن علـي عن ابن عبـاس قال: لاَ يَخَافُ ظُلْـما وَلا هَضْما قال: لا يخاف ابن آدم يوم القـيامة أن يظلـم, فـيزاد علـيه فـي سيئاته, ولا يظلـم فـيهضم فـي حسناته.
18385ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَمَنُ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِـحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْـما وَلا هَضْما يقول: أنا قاهر لكم الـيوم, آخذكم بقوّتـي وشدّتـي, وأنا قادر علـى قهركم وهضمكم, فإنـما بـينـي وبـينكم العدل, وذلك يوم القـيامة.
18386ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا مُعاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَلا يَخافُ ظُلْـما وَلا هَضْما أما هضما فهو لا يقهر الرجل الرجل بقوّته, يقول الله يوم القـيامة: لا آخذكم بقوّتـي وشدتـي, ولكن العدل بـينـي وبـينكم, ولا ظلـم علـيكم.
18387ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: هَضْما قال: انتقاص شيء من حقّ عمله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
18388ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـيّ, قال: حدثنا أبو أسامة, عن مِسْعر, قال: سمعت حبـيب بن أبـي ثابت يقول فـي قوله: وَلا هَضْما قال: الهضم: الانتقاص.
18389ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: فَلا يَخاف ظُلْـما وَلا هَضْما قال: ظلـما أن يزاد فـي سيئاته, ولا يُهْضَم من حسناته.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلا يَخافُ ظلْـما وَلا هَضْما قال: لا يخاف أن يظلـم, فلا يجزى بعمله, ولا يخاف أن ينتقص من حقه, فلا يوفـى عمله.
18390ـ حدثنا الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا سلام بن مسكين, عن ميـمون بن سِياه, عن الـحسن, فـي قول الله تعالـى: فَلا يَخافُ ظُلْـما وَلا هَضْما قال: لا ينتقص الله من حسناته شيئا, ولا يحمل علـيه ذنب مسيء.
وأصل الهضم: النقص, يقال: هضمنـي فلان حقـي, ومنه امرأة هضيـم: أي ضامرة البطن, ومنه قولهم: قد هضم الطعام: إذا ذهب, وهَضَمْت لك من حقك: أي حططتك.
الآية : 113
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً }.
يقول تعالـى ذكره: كما رغبنا أهل الإيـمان فـي صالـحات الأعمال, بوعدناهم ما وعدناهم, كذلك حذرنا بـالوعيد أهل الكفر بـالـمُقام علـى معاصينا, وكفرهم بآياتنا, فأنزلنا هذا القرآن عربـيا, إذ كانوا عَرَبـا وَصَرّفْنا فِـيهِ مِنَ الوَعِيدِ فبـيناه: يقول: وخوّفناهم فـيه بضروب من الوعيد لعلّهم يتّقون يقول: كي يتقونا, بتصريفنا ما صرّفنا فـيه من الوعيد أوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرا يقول: أو يحدث لهم هذا القرآن تذكرة, فـيعتبرون ويتعظون بفعلنا بـالأمـم التـي كذّبت الرسل قبلها, وينزجرون عما هم علـيه مقـيـمون من الكفر بـالله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18391ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وكَذلكَ أنْزَلْناهُ قُرآنا عَرَبِـيّا وَصَرّفْنا فِـيهِ مِنَ الوَعِيدِ لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ ما حُذّروا به من أمر الله وعقابه, ووقائعه بـالأمـم قبلهم أوْ يُحْدِثُ لَهُمْ القرآن ذِكْرا: أي جِدّا وورعا.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله أوْ يُحْدِث لَهُمْ ذِكْرا قال: جِدا وورعا. وقد قال بعضهم فـي: أوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرا أن معناه: أو يحدث لهم شرفـا, بإيـمانهم به