تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 138 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 138

 {ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلاٌّمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ}
قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ}.
المراد بالظلم هنا الشرك كما ثبت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وغيره من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقد بينه قوله تعالى: {إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ، وقوله: {وَٱلْكَـٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} ، وقوله: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} .
{وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَـٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَـٰتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ * وَإِسْمَـٰعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ * وَمِنْ ءابَائِهِمْ وَذُرِّيَّـٰتِهِمْ وَإِخْوَٰنِهِمْ وَٱجْتَبَيْنَـٰهُمْ وَهَدَيْنَـٰهُمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ * ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَـٰفِرِينَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَـٰلَمِينَ * وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَىْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِى جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَٰطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَاؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ * وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلاٌّخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ}
قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَـٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ}.
قال مجاهد وغيره هي قوله تعالى: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَـٰناً فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلاٌّمْنِ} ، وقد صدقه الله، وحكم له بالأمن والهداية، فقال: {ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلاٌّمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} .
والظاهر شمولها لجميع احتجاجاته عليهم، كما في قوله: {لاۤ أُحِبُّ ٱلاٌّفِلِينَ} (الأنعام: 67)، لأن الأفول الواقع في الكوكب والشمس والقمر أكبر دليل وأوضح حجة على انتفاء الربوبية عنها، وقد استدل إبراهيم عليه، وعلى نبينا الصلاة والسلام بالأفول على انتفاء الربوبية في قوله: {لاۤ أُحِبُّ ٱلاٌّفِلِينَ} فعدم إدخال هذه الحجة في قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَ} غير ظاهر، وبما ذكرنا من شمول الحجة لجميع احتجاجاته المذكورة صدر القرطبي، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
ذكر تعالى أن هؤلاء الأنبياء المذكورين في هذه السورة الكريمة لو أشركوا بالله لحبط جميع أعمالهم.
وصرح في موضع آخر بأنه أوحي هذا إلى نبينا، والأنبياء قبله عليهم كلهم صلوات الله وسلامه، وهو قوله: {وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} ، وهذا شرط، والشرط لا يقتضي جواز الوقوع، لقوله: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ} على القول بأن «إنْ» شرطية وقوله: {لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْو} ، وقوله {لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَد} .
قوله تعالى: {وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ}.
أي لا أحد أظلم ممن قال {سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ} ونظيرها قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَ} ، وقد بين الله تعالى كذبهم في افترائهم هذا حيث تحدى جميع العرب بسورة واحدة منه، كما ذكره تعالى في البقرة بقوله: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} ، وفي يونس بقوله: {قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ} ، وتحداهم في هود بعشر سور مثله في قوله: {قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} ، وتحداهم به كله في الطور بقوله: {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَـٰدِقِينَ} .
ثم صرح في سورة بني إسرائيل بعجز جميع الخلائق عن الإتيان بمثله في قوله: {قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرً} ، فاتضح بطلان دعواهم الكاذبة.