تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 15 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 15

  قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلاٌّخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَـٰدِقِينَ * وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّـٰلِمينَ }

تقدم شرح هذه الأيات مع الأيات التي في الصفحة السابقة

{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }
، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ معنى الآية : أن أحد المذكورين يتمنى أن يعيش ألف سنة وطول عمره لا يزحزحه، أي : لا يبعده عن العذاب فالمصدر المنسبك من أن وصلتها في قوله : {أَن يُعَمَّرَ} فاعل اسم الفاعل الذي هو مزحزحه على أصح الأعاريب وفي لو ، من قوله : {لَوْ يُعَمَّرُ}، وجهان :
الأول : وهو قول الجمهور أنها حرف مصدري ، وهي وصلتها في تأويل مفعول به ليود ، والمعنى : {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ} أي : يتمنى تعمير ألف سنة ، ولو : قد تكون حرفًا مصدريًا لقول قتيلة بنت الحٰرث : ما كان ضرك لو مننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق

أي : ما كان ضرك منه .
وقال بعض العلماء : إن {لَوْ} هنا هي الشرطية والجواب محذوف وتقديره : لو يعمر ألف سنة ، لكان ذلك أحبّ شىء إليه ، وحذف جواب {لَوْ} مع دلالة المقام عليه واقع في القرءان ، وفي كلام العرب فمنه في القرءان . قوله تعالىٰ : {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ} ، أي : لو تعلمون علم اليقين لما {أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ} . وقوله : {وَلَوْ أَنَّ قُرْءاناً سُيّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ} ، أي : لكان هذا القرءان أو لكفرتم بالرحمٰن . ومنه في كلام العرب قول الشاعر :
فأقسم لو شىء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

أي لو شىء أتانا رسوله سواك لدفعناه . إذا عرفت معنى الآية فاعلم أن اللَّه قد أوضح هذا المعنى مبينًا أن الإنسان لو متع ما متع من السنين ثم انقضى ذلك المتاع وجاءه العذاب أن ذلك المتاع الفائت لا ينفعه ، ولا يغني عنه شيئًا بعد انقضائه وحلول العذاب محله . وذلك في قوله : {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَـٰهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} ، وهذه هي أعظم آية في إزالة الداء العضال الذي هو طول الأمل . كفانا اللَّه والمؤمنين شره .
{قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ * مَن كَانَ عَدُوًّا لّلَّهِ وَمَلٰـئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَـٰفِرِينَ * وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ءَايَـٰتٍ بَيِّنَـٰتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَـٰسِقُونَ }
قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ظاهر هذه الآية أن جبريل ألقى القرءان في قلب النبي صلى الله عليه وسلم من غير سماع قراءة ونظيرها في ذلك قوله تعالىٰ : {نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلاْمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ} . ولكنه بيّن في مواضع أُخر أن معنى ذلك أن الملك يقرؤه عليه حتى يسمعه منه ، فتصل معانيه إلى قلبه بعد سماعه وذلك هو معنى تنزيله على قلبه . وذلك كما في قوله تعالىٰ : {لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَـٰهُ فَٱتَّبِعْ قُرْءانَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ، وقوله : {وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْم} .
{أَوَكُلَّمَا عَـٰهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }
، أَوَكُلَّمَا عَـٰهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ ذكر في هذه الآية أن اليهود كلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم وصرح في موضع آخر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هو المعاهد لهم وأنهم ينقضون عهدهم في كل مرة ، وذلك في قوله : {إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ عَـٰهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ} ، وصرح في آية أخرى بأنهم أهل خيانة إلا القليل منهم ، وذلك في قوله : {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ} .

{وَلَمَّا جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ *

سيتم شرح هذه الأيه في الصفحة التي بعدها ان شاء الله