تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن تفسير الصفحة 15 من المصحف



تفسير القرطبي - صفحة القرآن رقم 15

15- تفسير الصفحة رقم15 من المصحف
الآية: 94 {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين}
قوله تعالى: "قل إن كانت لكم الدار الآخرة" لما ادعت اليهود دعاوى باطلة حكاها الله عز وجل عنهم في كتابه، كقوله تعالى: "لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" [البقرة: 80]، وقوله: "وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى" [البقرة: 111]، وقالوا: "نحن أبناء الله وأحباؤه" [المائدة: 18] أكذبهم الله عز وجل وألزمهم الحجة فقال قل لهم يا محمد: "إن كان لكم الدار الآخرة" يعني الجنة "فتمنوا الموت إن كنتم صادقين".
قوله تعالى: "عند الله خالصة من دون الناس" نصب على خبر كان، وإن شئت كان حالا، ويكون "عند الله" في موضع الخبر. "فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" في أقوالكم، لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة كان الموت أحب إليه من الحياة في الدنيا، لما يصير إليه من نعيم الجنة، ويزول عنه من أذى الدنيا، فأحجموا عن تمني ذلك فرقا من الله لقبح أعمالهم ومعرفتهم بكفرهم في قولهم: "نحن أبناء الله وأحبائه" [المائدة: 18]، وحرصهم على الدنيا تحقيقا لكذبهم. وأيضا لو تمنوا الموت لماتوا، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقامهم من النار). وقيل: إن الله صرفهم عن إظهار التمني، وقصرهم على الإمساك ليجعل ذلك آية لنبيه صلى الله عليه وسلم، فهذه ثلاثة أوجه في تركهم التمني. وحكى عكرمة عن ابن عباس في قوله: "فتمنوا الموت" أن المراد ادعوا بالموت على أكذب الفريقين منا ومنكم، فما دعوا لعلمهم بكذبهم.
الآية: 95 {ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين}
فإن قيل: فالتمني يكون باللسان تارة وبالقلب أخرى، فمن أين علم أنهم لم يتمنوه بقلوبهم؟ قيل له: نطق القرآن بذلك بقول "ولن يتمنوه أبدا" ولو تمنوه بقلوبهم لأظهروه بألسنتهم ردا على النبي صلى الله عليه، سلم وإبطالا لحجته، وهذا بين. "أبدا" ظرف زمان يقع على القليل والكثير، كالحين والوقت، وهو هنا من أول العمر إلى الموت. و"ما" في قوله "بما" بمعنى الذي والعائد محذوف، والتقدير قدمته، وتكون مصدرية ولا تحتاج إلى عائد. و"أيديهم" في موضع رفع، حذفت الضمة من الياء لثقلها مع الكسرة، وإن كانت في موضع نصب حركتها، لأن النصب خفيف، ويجوز إسكانها في الشعر. "والله عليم بالظالمين" ابتداء وخبر.
الآية: 96 {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون}
قوله تعالى: "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة" يعني اليهود. "ومن الذين أشركوا" قيل: المعنى وأحرص، فحذف "من الذين أشركوا" لمعرفتهم بذنوبهم وألا خير لهم عند الله، ومشركو العرب لا يعرفون إلا هذه الحياة ولا علم لهم من الآخرة، ألا ترى قول شاعرهم:
تمتع من الدنيا فإنك فان من النشوات والنساء الحسان
والضمير في "أحدهم" يعود في هذا القول على اليهود. وقيل: إن الكلام تم في "حياة" ثم استؤنف الإخبار عن طائفة من المشركين. قيل: هم المجوس، وذلك بين في أدعياتهم للعاطس بلغاتهم بما معناه "عش ألف سنة". وخص الألف بالذكر لأنها نهاية العقد في الحساب. وذهب الحسن إلى أن "الذين أشركوا" مشركو العرب، خصوا بذلك لأنهم لا يؤمنون بالبعث، فهم يتمنون طول العمر. وأصل سنة سنهة. وقيل: سنوة. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس على حياة.
قوله تعالى: "يود أحدهم لو يعمر ألف سنة" أصل "يود" يودد، أدغمت لئلا يجمع بين حرفين من جنس واحد متحركين، وقلبت حركة الدال على الواو، ليدل ذلك على أنه يفعل. وحكى الكسائي: وددت، فيجوز على هذا يود بكسر الواو. ومعنى يود: يتمنى.
قوله تعالى: "وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر" اختلف النحاة في هو، فقيل: هو ضمير الأحد المتقدم، التقدير ما أحدهم بمزحزحه، وخبر الابتداء في المجرور. "أن يعمر" فاعل بمزحزح وقالت فرقة: هو ضمير التعمير، والتقدير وما التعمير بمزحزحه، والخبر في المجرور، "أن يعمر" بدل من التعمير على هذا القول. وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: "هو" عماد.
قلت: وفيه بعد، فإن حق العماد أن يكون بين شيئين متلازمين، مثل قوله: "إن كان هذا هو الحق" [الأنفال: 32]، وقوله: "ولكن كانوا هم الظالمين" [الزخرف: 76] ونحو ذلك. وقيل: "ما" عاملة حجازية، و"هو" اسمها، والخبر في "بمزحزحه". وقالت طائفة: "هو" ضمير الأمر والشأن. ابن عطية: وفيه بعد، فإن المحفوظ عن النحاة أن يفسر بجملة سالمة من حرف جر. وقوله: "بمزحزحه" الزحزحة: الإبعاد والتنحية، يقال: زحزحته أي باعدته فتزحزح أي تنحى وتباعد، يكون لازما ومتعديا قال الشاعر في المتعدي:
يا قابض الروح من نفس إذا احتضرت وغافر الذنب زحزحني عن النار
وأنشده ذو الرمة:
يا قابض الروح عن جسم عصى زمنا وغافر الذنب زحزحني عن النار
وقال آخر في اللازم:
خليلي ما بال الدجى لا يتزحزح وما بال ضوء الصبح لا يتوضح
وروى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام يوما في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار سبعين خريفا).
قوله تعالى: "والله بصير بما يعملون" أي بما يعمل هؤلاء الذين يود أحدهم أن يعمر ألف سنة. ومن قرأ بالتاء فالتقدير عنده. قل لهم يا محمد الله بصير بما تعملون. وقال العلماء: وصف الله عز وجل نفسه بأنه بصير على معنى أنه عالم بخفيات الأمور. والبصير في كلام العرب: العالم بالشيء الخبير به، ومنه قولهم: فلان بصير بالطب، وبصير بالفقه، وبصير بملاقاة الرجال، قال:
فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب
قال الخطابي: البصير العالم، والبصير المبصر. وقيل: وصف تعالى نفسه بأنه بصير على معنى جاعل الأشياء المبصرة ذوات إبصار، أي مدركة للمبصرات بما خلق لها من الآلة المدركة والقوة، فالله بصير بعباده، أي جاعل عباده مبصرين.
الآية: 97 {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين}
قوله تعالى: "قل من كان عدوا لجبريل" سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه ليس نبي من الأنبياء إلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي، فمن صاحبك حتى نتابعك؟ قال: (جبريل) قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال، ذاك عدونا! لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالقطر وبالرحمة تابعناك، فأنزل الله الآية إلى قوله: "للكافرين" أخرجه الترمذي.
قوله تعالى: "فإنه نزله على قلبك" الضمير في "إنه" يحتمل معنيين، الأول: فإن الله نزل جبريل على قلبك. الثاني: فإن جبريل نزل بالقرآن على قلبك. وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف. ودلت الآية على شرف جبريل عليه السلام وذم معاديه.
قوله تعالى: "بإذن الله" أي بإرادته وعلمه. "مصدقا لما بين يديه" يعني التوراة. "وهدى وبشرى للمؤمنين" تقدم معناه والحمد لله.
الآية: 98{من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}
قوله تعالى: "من كان عدوا لله" شرط، وجوابه "فإن الله عدو للكافرين". وهذا وعيد وذم لمعادي جبريل عليه السلام، وإعلان أن عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم. وعداوة العبد لله هي معصيته واجتناب طاعته، ومعاداة أوليائه. وعداوة الله للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه.
فإن قيل: لم خص الله جبريل وميكائيل بالذكر وإن كان ذكر الملائكة قد عمهما؟
قيل له: خصهما بالذكر تشريفا لهما، كما قال: "فيهما فاكهة ونخل ورمان" [الرحمن: 68]. وقيل: خصا لأن اليهود ذكروهما، ونزلت الآية بسببهما، فذكرهما واجب لئلا تقول اليهود: إنا لم نعاد الله وجميع ملائكته، فنص الله تعالى عليهما لإبطال ما يتأولونه من التخصيص. ولعلماء اللسان في جبريل وميكائيل عليهما السلام لغات، فأما التي في جبريل فعشر:
الأولى: جبريل، وهي لغة أهل الحجاز، قال حسان بن ثابت:
وجبريل رسول الله فينا
الثانية: جبريل (بفتح الجيم) وهي قراءة الحسن وابن كثير، وروي عن ابن كثير أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يقرأ جبريل وميكائيل فلا أزال أقرؤهما أبدا كذلك.
الثالثة: جبرئيل (بياء بعد الهمزة، مثال جبرعيل)، كما قرأ أهل الكوفة، وأنشدوا:
شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة مدى الدهر إلا جبرئيل أمامها
وهي لغة تميم وقيس.
الرابعة: جبرئل (على وزن جبرعل) مقصور، وهي قراءة أبي بكر عن عاصم.
الخامسة: مثلها، وهي قراءة يحيى بن يعمر، إلا أنه شدد اللام.
السادسة: جبرائل (بألف بعد الراء ثم همزة) وبها قرأ عكرمة.
السابعة: مثلها، إلا أن بعد الهمزة ياء.
الثامنة: جبرييل (بياءين بغير همزة) وبها قرأ الأعمش ويحيى بن يعمر أيضا.
التاسعة: جبرئين (بفتح الجيم مع همزة مكسورة بعدها ياء ونون).
العاشرة: جبرين (بكسر الجيم وتسكين الباء بنون من غير همزة) وهي لغة بني أسد. قال الطبري: ولم يقرأ بها. قال النحاس - وذكر قراءة ابن كثير - : "لا يعرف في كلام العرب فَعليل، وفيه فِعليل، نحو دهليز وقطمير وبرطيل، وليس ينكر أن يكون في كلام العجم ما ليس له نظير في كلام العرب، وليس ينكر أن يكثر تغيره، كما قالوا: إبراهيم وإبرهم وإبراهم وإبراهام". قال غيره: جبريل اسم أعجمي عربته العرب، فلها فيه هذه اللغات ولذلك لم ينصرف.
قلت: قد تقدم في أول الكتاب أن الصحيح في هذه الألفاظ عربية نزل بها جبريل بلسان عربي مبين. قال النحاس: ويجمع جبريل على التكسير جباريل. وأما اللغات التي في ميكائيل فست:
الأولى: ميكاييل، قراءة نافع.
الثانية: وميكائيل (بياء بعد الهمزة) قراءة حمزة.
الثالثة: ميكال، لغة أهل الحجاز، وهي قراءة أبي عمرو وحفص عن عاصم. وروي عن ابن كثير الثلاثة أوجه، قال كعب بن مالك:
ويوم بدر لقيناكم لنا مدد فيه مع النصر ميكال وجبريل
وقال آخر:
عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد وبجبرئيل وكذبوا ميكالا
الرابعة: ميكئيل، مثل ميكعيل، وهي قراءة ابن محيصن.
الخامسة: ميكاييل (بياءين) وهي قراءة الأعمش باختلاف عنه.
السادسة: ميكاءل، كما يقال (إسراءل بهمزة مفتوحة)، وهو اسم أعجمي فلذلك لم ينصرف. وذكر ابن عباس أن جبر وميكا وإسراف هي كلها بالأعجمية بمعنى: عبد ومملوك. وإيل: اسم الله تعالى، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع سجع مسيلمة: هذا كلام لم يخرج من إل، وفي التنزيل: "لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة" في أحد التأويلين، وسيأتي. قال الماوردي: إن جبريل وميكائيل اسمان، أحدهما عبدالله، والآخر عبيدالله، لأن إيل هو الله تعالى، وجبر هو عبد، وميكا هو عبيد، فكأن جبريل عبدالله، وميكائيل عبيدالله، هذا قول ابن عباس، وليس له في المفسرين مخالف.
قلت: وزاد بعض المفسرين: وإسرافيل عبدالرحمن. قال النحاس: ومن تأول الحديث "جبر" عبد، و"إل" الله وجب عليه أن يقول: هذا جبرئل ورأيت جبرئل ومررت بجبرئل، وهذا لا يقال، فوجب أن يكون معنى الحديث أنه مسمى بهذا. قال غيره: ولو كان كما قالوا لكان مصروفا، فترك الصرف يدل على أنه اسم واحد مفرد ليس بمضاف. وروى عبدالغني الحافظ من حديث أفلت بن خليفة - وهو فليت العامري وهو أبو حسان - عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب جبريل وميكايل وإسرافيل أعوذ بك من حر النار وعذاب القبر).
الآية: 99 {ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون}
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا جواب لابن صوريا حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك بها؟ فأنزل الله هذه الآية، ذكره الطبري.
الآية: 100 {أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون}
قوله تعالى: "أوكلما عاهدوا عهدا" الواو واو العطف، دخلت عليها ألف الاستفهام كما تدخل على الفاء في قوله: "أفحكم الجاهلية" [المائدة: 50]، "أفأنت تسمع الصم" [الزخرف: 40]، "أفتتخذونه وذريته" [الكهف: 50]. وعلى ثم كقوله: "أثم إذا ما وقع" [يونس: 51] هذا قول سيبويه. وقال الأخفش: الواو زائدة. ومذهب الكسائي أنها أو، حركت الواو منها تسهيلا. وقرأها قوم أو، ساكنة الواو فتجيء بمعنى بل، كما يقول القائل: لأضربنك، فيقول المجيب: أو يكفي الله. قال ابن عطية: وهذا كله متكلف، والصحيح قول سيبويه. "كلما" نصب على الظرف، والمعني في الآية مالك بن الصيف، ويقال فيه ابن الضيف، كان قد قال: والله ما أخذ علينا عهد في كتابنا أن نؤمن بمحمد ولا ميثاق، فنزلت الآية. وقيل: إن اليهود عاهدوا لئن خرج محمد لنؤمن به ولنكونن معه على مشركي العرب، فلما بعث كفروا به. وقال عطاء: هي العهود التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود فنقضوها كفعل قريظة والنضير، دليله قوله تعالى: "الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون" [الأنفال: 56].
قوله تعالى: "نبذه فريق منهم" النبذ: الطرح والإلقاء، ومنه النبيذ والمنبوذ، قال أبو الأسود:
وخبرني من كنت أرسلت إنما أخذت كتابي معرضا بشمالكا
نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا
آخر:
إن الذين أمرتهم أن يعدلوا نبذوا كتابك واستحلوا المحرما
وهذا مثل يضرب لمن استخف بالشيء فلا يعمل به، تقول العرب: اجعل هذا خلف ظهرك، ودبرا منك، وتحت قدمك، أي اتركه وأعرض عنه، قال الله تعالى: "واتخذتموه وراءكم ظهريا" [هود: 92]. وأنشد الفراء:
تميم بن زيد لا تكونن حاجتي بظهر فلا يعيا علي جوابها
قوله تعالى: "بل أكثرهم" ابتداء. "لا يؤمنون" فعل مستقبل في موضع الخبر.
الآية: 101 {ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون}
قوله تعالى: "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم" نعت لرسول، ويجوز نصبه على الحال. "نبذ فريق" جواب "لما". "من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم" نصب بـ "نبذ"، والمراد التوراة، لأن كفرهم بالنبي عليه السلام وتكذيبهم له نبذ لها. قال السدي: نبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف، وسحر هاروت وماروت. وقيل: يجوز أن يعني به القرآن. قال الشعبي: هو بين أيديهم يقرؤونه، ولكن نبذوا العمل به. وقال سفيان بن عيينة: أدرجوه في الحرير والديباج، وحلوه بالذهب والفضة، ولم يحلوا حلاله ولم يحرموا حرامه، فذلك النبذ. وقد تقدم بيانه مستوفا. "كأنهم لا يعلمون" تشبيه بمن لا يعلم إذ فعلوا فعل الجاهل فيجيء من اللفظ أنهم كفروا على علم.