تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 209 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 209 {الۤر تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْحَكِيمِ * أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءامَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَـٰفِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَـٰحِرٌ مُّبِينٌ * إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُدَبِّرُ ٱلاٌّمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ * هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِى ٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ * إَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءَايَـٰتِنَا غَـٰفِلُونَ * أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلاٌّنْهَـٰرُ فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ}
قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ}:
ذكر في هذه الآية الكريمة: أن الذين كفروا يعذبون يوم القيامة بشرب الحميم، وبالعذاب الأليم، والحميم: الماء الحار، وذكر أوصاف هذا الحميم في آيات أخر، كقوله: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ} ، وقوله: {وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ} ، وقوله: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُيُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ} . وقوله: {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِى ٱلْوجُوهَ} ، وقوله: {فَشَـٰرِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِفَشَـٰرِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ} .
وذكر في موضع آخر أن الماء الذي يسقون صديد ـ أعاذنا الله وإخواننا المسلمين من ذلك بفضله ورحمته ـ وذلك في قوله تعالى: {مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍيَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ}:
وذكر في موضع آخر أنهم يسقون مع الحميم الغساق، كقوله: {هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌوَءَاخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَٰجٌ} ، وقوله: {لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباًإِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاق} والغساق: صديد أهل النار ـ أعاذنا الله والمسلمين منها ـ وأصله من غسقت العين سال دمعها. وقيل: هو لغة، البارد المنتن، والحميم الآني:
الماء البالغ غاية الحرارة: والمهل دردي: الزيت أو المذاب من النحاس والرصاص: ونحو ذلك، والآيات المبينة لأنواع عذاب أهل النار كثيرة جداً.

{دَعْوَٰهُمْ فِيهَا سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُم بِٱلْخَيْرِ لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَـٰكُمْ خَلَـٰئِفَ فِى ٱلاٌّرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ * وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِىۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِىۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَىَّ إِنِّىۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}
قوله تعالى: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ}.
ذكر تعالى في هذه الآية: أن تحية أهل الجنة في الجنة سلام، أي يسلم بعضهم على بعض بذلك، ويسلمون على الملائكة، وتسلم عليهم الملائكة بذلك، وقد بين تعالى هذا في مواضع أخر، كقوله: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَـٰمٌ} ، وقوله: {وَالمَلَـٰئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍسَلَـٰمٌ عَلَيْكُم} : وقوله: {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلَـٰم} : وقوله: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيم} {إِلاَّ قِيلاً سَلَـٰماً سَلَـٰم} وقوله: {سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} إلى غير ذلك من الآيات.
ومعنى السلام: الدعاء: بالسلامة من الآفات.
والتحية مصدر حياك الله بمعنى أطال حياتك.
قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ}.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الإنسان في وقت الكرب، يبتهل إلى ربه بالدعاء في جميع أحواله. فإذا فرج الله كربه، أعرض عن ذكر ربه، ونسي ما كان فيه كأنه لم يكن فيه قط.
وبين هذا في مواضع أخر كقوله: {وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} : وقوله: {فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَـٰهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ} : وقوله: {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنسَـٰنِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ} والآيات في مثل ذلك كثيرة.
إلا أن الله استثنى من هذه الصفات الذميمة عباده المؤمنين، بقوله في سورة هود: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌإِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «عجباً للمؤمن لا يقضي الله له قضاء، إلا كان خيراً له، إن أصابته ضراء فصبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء فشكر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن».
قوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِىۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِىۤ}.
أمر الله تعالى: في هذه الآية الكريمة نبيه صلى الله عليه وسلم. أن يقول: إنه ما يكون له أن يبدل شيئاً من القرآن من تلقاء نفسه، ويفهم من قوله من تلقاء نفسي، أن الله تعالى يبدل منه ما شاء بما شاء.
وصرح بهذا المفهوم في مواضع أخر كقوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} : وقوله: {مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَ} : وقوله {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰإِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ} .