سورة البقرة | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 42 من المصحف
تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 42
{تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَـٰتٍ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَـٰتِ وَأَيَّدْنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ ءَامَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَـٰعَةٌ وَٱلْكَـٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ * ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلاٌّرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاٌّرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيمُ * لاَ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ * أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِى حَآجَّ إِبْرَٰهِيمَ فِى رِبِّهِ أَنْ آتَـٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْىِ وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِى بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِى كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ * أَوْ كَٱلَّذِى مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْىِ هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَٱنظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَٱنظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّاْئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ * ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواْ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَٱللَّهُ غَنِىٌّ حَلِيمٌ }
، لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ لم يبيّن هنا هذا الذي كلمه اللَّه منهم وقد بيّن أن منهم موسى عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام بقوله : {وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيم} ، وقوله : {إِنْى ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَـٰلَـٰتِي وَبِكَلَـٰمِي} .
قال ابن كثير : {مّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ} ، يعني موسى ومحمّدًا صلّى اللَّه عليهما وسلم ، وكذلك ءَادم كما ورد في الحديث المروي في « صحيح ابن حبان » ، عن أبي ذرّ رضي اللَّه عنه .
قال مقيده عفا اللَّه عنه تكليم ءَادم الوارد في « صحيح ابن حبان » يبيّنه قوله تعالىٰ : {وَقُلْنَا يَاءادَمُ ءادَمَ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ} ، وأمثالها من الآيات فإنه ظاهر في أنه بغير واسطة الملك ، ويظهر من هذه الآية نهي حواء عن الشجرة على لسانه ، فهو رسول إليها ــ بذلك .
قال القرطبي في تفسير قوله تعالىٰ : {مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ} ، ما نصه : وقد سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ءَادم أنبي مرسل هو ؟ فقال : « نعم نبي مكلم» ، قال ابن عطية : وقد تأول بعض الناس أن تكليم ءَادم كان في الجنة ، فعلى هذا تبقى خاصية موسى اهـ .
وقال ابن جرير في تفسير قوله تعالى : {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى} ، في سورة « البقرة » ما نصّه : لأن ءَادم كان هو النبيّ صلى الله عليه وسلم أيام حياته ، بعد أن أهبط إلى الأرض ، والرسول من اللَّه جلّ ثناؤه إلى ولده ، فغير جائز أن يكون معنيًا وهو، الرسول صلى الله عليه وسلم ، بقوله : {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى} ، أي : رسل اهـ محل الحجة منه بلفظه
وفيه وفي كلام ابن كثير المتقدم عن « صحيح ابن حبان » التصريح بأن ءَادم رسول وهو مشكل مع ما ثبت في حديث الشفاعة المتفق عليه من أن نوحًا عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام أول الرسل ويشهد له قوله تعالىٰ : {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيّينَ مِن بَعْدِهِ} ، والظاهر أنه لا طريق للجمع إلا من وجهين :
الأول : أن ءَادم أرسل لزوجه وذرّيته في الجنة ، ونوح أول رسول أرسل في الأرض ، ويدلّ لهذا الجمع ما ثبت في « الصحيحين » وغيرهما ، ويقول : « ولكن ائتوا نوحًا فإنه أول رسول بعثه اللَّه إلى أهل الأرض » ، الحديث . فقوله : « إلى أهل » الأرض ، لو لم يرد به الاحتراز عن رسول بعث لغير أهل الأرض ، لكان ذلك الكلام حشوًا ، بل يفهم من مفهوم مخالفته ما ذكرنا . ويتأنس له بكلام ابن عطية الذي قدمنا نقل القرطبي له .
الوجه الثاني : أن ءَادم أرسل إلى ذريته وهم على الفطرة لم يصدر منهم كفر فأطاعوه ، ونوح هو أول رسول أرسل لقوم كافرين ينهاهم عن الإشراك باللَّه تعالىٰ ، ويأمرهم بإخلاص العبادة له وحده ، ويدل لهذا الوجه قوله تعالىٰ : {وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} . أي : على الدين الحنيف ، أي حتى كفر قوم نوح ، وقوله : {كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيّينَ} . واللَّه تعالىٰ أَعلم .
وقوله تعالىٰ : {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَـٰتٍ} ، أشار في مواضع أُخر إلى أن منهم محمّدًا صلى الله عليه وسلم كقوله : {عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودً} ، أو قوله : {وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ} ، وقوله : {إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعً} ، وقوله : {تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِير} ،
وأشار في مواضع أُخر إلى أن منهم إبرٰهيم كقوله : {وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرٰهِيمَ خَلِيل} ، وقوله : {إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامً} ، إلى غير ذلك من الآيات .
وأشار في موضع آخر إلى أن منهم داود وهو قوله : {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَءاتَيْنَا * دَاوُودُ زَبُور} ، وأشار في موضع آخر إلى أن منهم إدريس وهو قوله : {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّ} ، وأشار هنا إلى أن منهم عيسىٰ بقوله : {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ وَقَفَّيْنَ} .
تنبيــه
في هذه الآية الكريمة ، أعني قوله تعالىٰ : {تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} ، إشكال قوي معروف . ووجهه : أنه ثبت في حديث أبي هريرة المتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم قال : « لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى باطش بجانب العرش ، فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى اللَّه » ، وثبت أيضًا في حديث أبي سعيد المتفق عليه : « لا تخيروا بين الأنبياء ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة » الحديث ، وفي رواية : « لا تفضلوا بين أنبياء اللَّه » ، وفي رواية : « لا تخيروني من بين الأنبياء » .
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية ما نصّه : وهذه الآية مشكلة ، والأحاديث ثابتة بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « لا تخيروا بين الأنبياء ولا تفضلوا بين أنبياء اللَّه » ، رواها الأئمة الثقات ، أي : لا تقولوا فلان خير من فلان ، ولا فلان أفضل من فلان ، اهـ.
قال ابن كثير في الجواب عن هذا الإشكال ما نصّه : والجواب من وجوه :
أحدها : أن هذا كان قبل أن يعلم بالتفضيل ، وفي هذا نظر .
الثاني : أن هذا قاله من باب الهضم والتواضع .
الثالث : أن هذا نهي عن التفضيل في مثل هذا الحال التي تحاكموا فيها عند التخاصم والتشاجر .
الرابع : لا تفضلوا بمجرد الآراء والعصبية .
الخامس : ليس مقام التفضيل إليكم ، وإنما هو إلى اللَّه عزّ وجلّ ، وعليكم الانقياد والتسليم له والإيمان به ،اهـ منه بلفظه .
وذكر القرطبي في « تفسيره » أجوبة كثيرة عن هذا الإشكال ، واختار أن منع التفضيل في خصوص النبوة ، وجوازه في غيرها من زيادة الأحوال والخصوص والكرامات فقد قال ما نصه : قلت : وأحسن من هذا قول من قال : إن المنع من التفضيل إنما هو من جهة النبوة هو التي هي خصلة واحدة لا تفاضل فيها ، وإنما التفضيل في زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات المتباينات .
وأما النبوة في نفسها فلا تتفاضل ، وإنما تتفاضل بأمور أُخر زائدة عليها ، ولذلك منهم رسل وأولو عزم ، ومنهم من اتخذ خليلاً ، ومنهم من كلّم اللَّه ورفع بعضهم درجات . قال اللَّه تعالىٰ : {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَءاتَيْنَا * دَاوُودُ زَبُور} ، قلت : وهذا قول حسن ، فإنه جمع بين الآي والأحاديث من غير نسخ ، والقول بتفضيل بعضهم على بعض ، إنما هو بما منح من الفضائل وأعطى من الوسائل ، وقد أشار ابن عباس إلى هذا فقال : إن اللَّه فضل محمّدًا صلى الله عليه وسلم على الأنبياء وعلى أهل السماء ، فقالوا : بم يا ابن عباس فضله على أهل السماء ؟ فقال : إن اللَّه تعالىٰ قال : {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّى إِلَـٰهٌ مّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ} ، وقال لمحمّد صلى الله عليه وسلم : {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} ،
قالوا : فما فضله على الأنبياء ؟ قال : قال اللَّه تعالىٰ : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ} ، وقال اللَّه عزّ وجلّ لمحمّد صلى الله عليه وسلم : {وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ} ، فأرسله إلى الجن والإنس ، ذكره أبو محمد الدارمي في « مسنده » ، وقال أبو هريرة : خير بني ءَادم نوح وإبراهطيم وموسىٰ ومحمّد صلى الله عليه وسلم وهم أولو العزم من الرسل ، وهذا نصّ من ابن عباس وأبي هريرة في التعيين ، ومعلوم أن من أرسل أفضل ممن لم يرسل ؛ فإن من أرسل فضل على غيره بالرسالة ، واستووا في النبوة إلى ما يلقاه الرسل من تكذيب أممهم وقتلهم إياهم ، وهذا مما لا خفاء به . اهـ محل الغرض منه بلفظه .
واختار ابن عطية كما نقله عنه القرطبي أن وجه الجمع جواز التفضيل إجمالاً كقوله صلى الله عليه وسلم : « أنا سيد ولد ءَادم ولا فخر » ، ولم يعين ومنع التفضيل على طريق الخصوص كقوله : « لا تفضلوني على موسى » ، وقوله : « لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متَّى » ، ونحو ذلك والعلم عند اللَّه تعالىٰ .
ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواْ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يفهم من هذه الآية أن من أتبع إنفاقه المنّ والأذى لم يحصل له هذا الثواب المذكور هنا في قوله : {لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} . وقد صرح تعالىٰ بهذا المفهوم في قوله : {حَلِيمٌ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَـٰتِكُم بِٱلْمَنّ وَٱلاْذَىٰ} .
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُخْرِجُهُم مّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ} ، صرح في هذه الآية الكريمة بأن اللَّه ولي المؤمنين ، وصرح في آية أخرى بأنه وليهم وأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وليّهم ، وأن بعضهم أولياء بعض ، وذلك في قوله تعالىٰ : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُو} ، وقال : {وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} ، وصرح في موضع آخر بخصوص هذه الولاية للمسلمين دون الكافرين وهو قوله تعالىٰ : {ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَـٰفِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ} ، وصرح في موضع آخر بأن نبيّه صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وهو قوله تعالىٰ : {ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ، وبيّن في آية « البقرة » هذه ، ثمرة ولايته تعالىٰ للمؤمنين ، وهي إخراجه لهم من الظلمات إلى النور بقوله تعالىٰ : {ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُخْرِجُهُم مّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ} ، وبيّن في موضع آخر أن من ثمرة ولايته إذهاب الخوف والحزن عن أوليائه ، وبيّن أن ولايتهم له تعالىٰ بإيمانهن وتقواهم ، وذلك في قوله تعالىٰ : {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} ، وصرّح في موضع آخر أنه تعالىٰ وليّ نبيّه صلى الله عليه وسلم ، وأنه أيضًا يتولّى الصالحين ، وهو قوله تعالىٰ : {إِنَّ وَلِيّىَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْكِتَـٰبَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّـٰلِحِينَ} .
يُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ المراد بالظلمات الضلالة ، وبالنور الهدى ، وهذه الآية يفهم منها أن طرق الضلال متعددة ؛ لجمعه الظلمات وأن طريق الحق واحدة ؛ لإفراده النور ، وهذا المعنى المشار إليه هنا بيّنه تعالىٰ في مواضع أُخر كقوله : {وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية ، ما نصّه : ولهذا وحد تعالىٰ لفظ النور وجمع الظلمات ؛ لأن الحق واحد والكفر أجناس كثيرة وكلها باطلة كما قال : {وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، وقال تعالىٰ : {وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ} ، وقال تعالىٰ : {عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشّمَالِ عِزِينَ} ، إلى غير ذلك من الآيات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق وانتشار الباطل وتعدده وتشعبه منه بلفظه .
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } ، قال بعض العلماء : {ٱلطَّـٰغُوتَ} الشيطان ويدل لهذا قوله تعالىٰ : {إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءهُ} ، أي يخوفكم من أوليائه . وقوله تعالىٰ : {ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَـٰتِلُواْ أَوْلِيَاء ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَـٰنِ كَانَ} ، وقوله : {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} ، وقوله : {إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَاء} ، والتحقيق أن كل ما عبد من دون اللَّه فهو طاغوت والحظ الأكبر من ذلك للشيطان ، كما قال تعالىٰ : {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى بَنِى ءادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَـٰنَ} ، وقال : {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَـٰثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَـٰناً مَّرِيد} ، وقال عن خليله إبرٰهيم : {سَوِيّاً يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَـٰنَ} ، وقال : {وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَـٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} . إلى غير ذلك من الآيات .
تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 42
{تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَـٰتٍ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَـٰتِ وَأَيَّدْنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ ءَامَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَـٰعَةٌ وَٱلْكَـٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ * ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلاٌّرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاٌّرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيمُ * لاَ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ * أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِى حَآجَّ إِبْرَٰهِيمَ فِى رِبِّهِ أَنْ آتَـٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْىِ وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِى بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِى كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ * أَوْ كَٱلَّذِى مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْىِ هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَٱنظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَٱنظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّاْئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ * ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواْ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَٱللَّهُ غَنِىٌّ حَلِيمٌ }
، لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ لم يبيّن هنا هذا الذي كلمه اللَّه منهم وقد بيّن أن منهم موسى عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام بقوله : {وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيم} ، وقوله : {إِنْى ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَـٰلَـٰتِي وَبِكَلَـٰمِي} .
قال ابن كثير : {مّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ} ، يعني موسى ومحمّدًا صلّى اللَّه عليهما وسلم ، وكذلك ءَادم كما ورد في الحديث المروي في « صحيح ابن حبان » ، عن أبي ذرّ رضي اللَّه عنه .
قال مقيده عفا اللَّه عنه تكليم ءَادم الوارد في « صحيح ابن حبان » يبيّنه قوله تعالىٰ : {وَقُلْنَا يَاءادَمُ ءادَمَ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ} ، وأمثالها من الآيات فإنه ظاهر في أنه بغير واسطة الملك ، ويظهر من هذه الآية نهي حواء عن الشجرة على لسانه ، فهو رسول إليها ــ بذلك .
قال القرطبي في تفسير قوله تعالىٰ : {مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ} ، ما نصه : وقد سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ءَادم أنبي مرسل هو ؟ فقال : « نعم نبي مكلم» ، قال ابن عطية : وقد تأول بعض الناس أن تكليم ءَادم كان في الجنة ، فعلى هذا تبقى خاصية موسى اهـ .
وقال ابن جرير في تفسير قوله تعالى : {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى} ، في سورة « البقرة » ما نصّه : لأن ءَادم كان هو النبيّ صلى الله عليه وسلم أيام حياته ، بعد أن أهبط إلى الأرض ، والرسول من اللَّه جلّ ثناؤه إلى ولده ، فغير جائز أن يكون معنيًا وهو، الرسول صلى الله عليه وسلم ، بقوله : {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى} ، أي : رسل اهـ محل الحجة منه بلفظه
وفيه وفي كلام ابن كثير المتقدم عن « صحيح ابن حبان » التصريح بأن ءَادم رسول وهو مشكل مع ما ثبت في حديث الشفاعة المتفق عليه من أن نوحًا عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام أول الرسل ويشهد له قوله تعالىٰ : {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيّينَ مِن بَعْدِهِ} ، والظاهر أنه لا طريق للجمع إلا من وجهين :
الأول : أن ءَادم أرسل لزوجه وذرّيته في الجنة ، ونوح أول رسول أرسل في الأرض ، ويدلّ لهذا الجمع ما ثبت في « الصحيحين » وغيرهما ، ويقول : « ولكن ائتوا نوحًا فإنه أول رسول بعثه اللَّه إلى أهل الأرض » ، الحديث . فقوله : « إلى أهل » الأرض ، لو لم يرد به الاحتراز عن رسول بعث لغير أهل الأرض ، لكان ذلك الكلام حشوًا ، بل يفهم من مفهوم مخالفته ما ذكرنا . ويتأنس له بكلام ابن عطية الذي قدمنا نقل القرطبي له .
الوجه الثاني : أن ءَادم أرسل إلى ذريته وهم على الفطرة لم يصدر منهم كفر فأطاعوه ، ونوح هو أول رسول أرسل لقوم كافرين ينهاهم عن الإشراك باللَّه تعالىٰ ، ويأمرهم بإخلاص العبادة له وحده ، ويدل لهذا الوجه قوله تعالىٰ : {وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} . أي : على الدين الحنيف ، أي حتى كفر قوم نوح ، وقوله : {كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيّينَ} . واللَّه تعالىٰ أَعلم .
وقوله تعالىٰ : {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَـٰتٍ} ، أشار في مواضع أُخر إلى أن منهم محمّدًا صلى الله عليه وسلم كقوله : {عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودً} ، أو قوله : {وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ} ، وقوله : {إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعً} ، وقوله : {تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِير} ،
وأشار في مواضع أُخر إلى أن منهم إبرٰهيم كقوله : {وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرٰهِيمَ خَلِيل} ، وقوله : {إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامً} ، إلى غير ذلك من الآيات .
وأشار في موضع آخر إلى أن منهم داود وهو قوله : {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَءاتَيْنَا * دَاوُودُ زَبُور} ، وأشار في موضع آخر إلى أن منهم إدريس وهو قوله : {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّ} ، وأشار هنا إلى أن منهم عيسىٰ بقوله : {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ وَقَفَّيْنَ} .
تنبيــه
في هذه الآية الكريمة ، أعني قوله تعالىٰ : {تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} ، إشكال قوي معروف . ووجهه : أنه ثبت في حديث أبي هريرة المتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم قال : « لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى باطش بجانب العرش ، فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى اللَّه » ، وثبت أيضًا في حديث أبي سعيد المتفق عليه : « لا تخيروا بين الأنبياء ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة » الحديث ، وفي رواية : « لا تفضلوا بين أنبياء اللَّه » ، وفي رواية : « لا تخيروني من بين الأنبياء » .
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية ما نصّه : وهذه الآية مشكلة ، والأحاديث ثابتة بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « لا تخيروا بين الأنبياء ولا تفضلوا بين أنبياء اللَّه » ، رواها الأئمة الثقات ، أي : لا تقولوا فلان خير من فلان ، ولا فلان أفضل من فلان ، اهـ.
قال ابن كثير في الجواب عن هذا الإشكال ما نصّه : والجواب من وجوه :
أحدها : أن هذا كان قبل أن يعلم بالتفضيل ، وفي هذا نظر .
الثاني : أن هذا قاله من باب الهضم والتواضع .
الثالث : أن هذا نهي عن التفضيل في مثل هذا الحال التي تحاكموا فيها عند التخاصم والتشاجر .
الرابع : لا تفضلوا بمجرد الآراء والعصبية .
الخامس : ليس مقام التفضيل إليكم ، وإنما هو إلى اللَّه عزّ وجلّ ، وعليكم الانقياد والتسليم له والإيمان به ،اهـ منه بلفظه .
وذكر القرطبي في « تفسيره » أجوبة كثيرة عن هذا الإشكال ، واختار أن منع التفضيل في خصوص النبوة ، وجوازه في غيرها من زيادة الأحوال والخصوص والكرامات فقد قال ما نصه : قلت : وأحسن من هذا قول من قال : إن المنع من التفضيل إنما هو من جهة النبوة هو التي هي خصلة واحدة لا تفاضل فيها ، وإنما التفضيل في زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات المتباينات .
وأما النبوة في نفسها فلا تتفاضل ، وإنما تتفاضل بأمور أُخر زائدة عليها ، ولذلك منهم رسل وأولو عزم ، ومنهم من اتخذ خليلاً ، ومنهم من كلّم اللَّه ورفع بعضهم درجات . قال اللَّه تعالىٰ : {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَءاتَيْنَا * دَاوُودُ زَبُور} ، قلت : وهذا قول حسن ، فإنه جمع بين الآي والأحاديث من غير نسخ ، والقول بتفضيل بعضهم على بعض ، إنما هو بما منح من الفضائل وأعطى من الوسائل ، وقد أشار ابن عباس إلى هذا فقال : إن اللَّه فضل محمّدًا صلى الله عليه وسلم على الأنبياء وعلى أهل السماء ، فقالوا : بم يا ابن عباس فضله على أهل السماء ؟ فقال : إن اللَّه تعالىٰ قال : {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّى إِلَـٰهٌ مّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ} ، وقال لمحمّد صلى الله عليه وسلم : {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} ،
قالوا : فما فضله على الأنبياء ؟ قال : قال اللَّه تعالىٰ : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ} ، وقال اللَّه عزّ وجلّ لمحمّد صلى الله عليه وسلم : {وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ} ، فأرسله إلى الجن والإنس ، ذكره أبو محمد الدارمي في « مسنده » ، وقال أبو هريرة : خير بني ءَادم نوح وإبراهطيم وموسىٰ ومحمّد صلى الله عليه وسلم وهم أولو العزم من الرسل ، وهذا نصّ من ابن عباس وأبي هريرة في التعيين ، ومعلوم أن من أرسل أفضل ممن لم يرسل ؛ فإن من أرسل فضل على غيره بالرسالة ، واستووا في النبوة إلى ما يلقاه الرسل من تكذيب أممهم وقتلهم إياهم ، وهذا مما لا خفاء به . اهـ محل الغرض منه بلفظه .
واختار ابن عطية كما نقله عنه القرطبي أن وجه الجمع جواز التفضيل إجمالاً كقوله صلى الله عليه وسلم : « أنا سيد ولد ءَادم ولا فخر » ، ولم يعين ومنع التفضيل على طريق الخصوص كقوله : « لا تفضلوني على موسى » ، وقوله : « لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متَّى » ، ونحو ذلك والعلم عند اللَّه تعالىٰ .
ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواْ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يفهم من هذه الآية أن من أتبع إنفاقه المنّ والأذى لم يحصل له هذا الثواب المذكور هنا في قوله : {لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} . وقد صرح تعالىٰ بهذا المفهوم في قوله : {حَلِيمٌ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَـٰتِكُم بِٱلْمَنّ وَٱلاْذَىٰ} .
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُخْرِجُهُم مّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ} ، صرح في هذه الآية الكريمة بأن اللَّه ولي المؤمنين ، وصرح في آية أخرى بأنه وليهم وأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وليّهم ، وأن بعضهم أولياء بعض ، وذلك في قوله تعالىٰ : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُو} ، وقال : {وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} ، وصرح في موضع آخر بخصوص هذه الولاية للمسلمين دون الكافرين وهو قوله تعالىٰ : {ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَـٰفِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ} ، وصرح في موضع آخر بأن نبيّه صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وهو قوله تعالىٰ : {ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ، وبيّن في آية « البقرة » هذه ، ثمرة ولايته تعالىٰ للمؤمنين ، وهي إخراجه لهم من الظلمات إلى النور بقوله تعالىٰ : {ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُخْرِجُهُم مّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ} ، وبيّن في موضع آخر أن من ثمرة ولايته إذهاب الخوف والحزن عن أوليائه ، وبيّن أن ولايتهم له تعالىٰ بإيمانهن وتقواهم ، وذلك في قوله تعالىٰ : {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} ، وصرّح في موضع آخر أنه تعالىٰ وليّ نبيّه صلى الله عليه وسلم ، وأنه أيضًا يتولّى الصالحين ، وهو قوله تعالىٰ : {إِنَّ وَلِيّىَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْكِتَـٰبَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّـٰلِحِينَ} .
يُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ المراد بالظلمات الضلالة ، وبالنور الهدى ، وهذه الآية يفهم منها أن طرق الضلال متعددة ؛ لجمعه الظلمات وأن طريق الحق واحدة ؛ لإفراده النور ، وهذا المعنى المشار إليه هنا بيّنه تعالىٰ في مواضع أُخر كقوله : {وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية ، ما نصّه : ولهذا وحد تعالىٰ لفظ النور وجمع الظلمات ؛ لأن الحق واحد والكفر أجناس كثيرة وكلها باطلة كما قال : {وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، وقال تعالىٰ : {وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ} ، وقال تعالىٰ : {عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشّمَالِ عِزِينَ} ، إلى غير ذلك من الآيات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق وانتشار الباطل وتعدده وتشعبه منه بلفظه .
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } ، قال بعض العلماء : {ٱلطَّـٰغُوتَ} الشيطان ويدل لهذا قوله تعالىٰ : {إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءهُ} ، أي يخوفكم من أوليائه . وقوله تعالىٰ : {ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَـٰتِلُواْ أَوْلِيَاء ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَـٰنِ كَانَ} ، وقوله : {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} ، وقوله : {إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَاء} ، والتحقيق أن كل ما عبد من دون اللَّه فهو طاغوت والحظ الأكبر من ذلك للشيطان ، كما قال تعالىٰ : {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى بَنِى ءادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَـٰنَ} ، وقال : {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَـٰثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَـٰناً مَّرِيد} ، وقال عن خليله إبرٰهيم : {سَوِيّاً يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَـٰنَ} ، وقال : {وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَـٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} . إلى غير ذلك من الآيات .
الصفحة رقم 42 من المصحف تحميل و استماع mp3