تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 55 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 55

  هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ * فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ

تقدم توضيح  هذه الأيات مع الأيات التي في الصفحة السابقة

{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَـٰمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِى عَاقِرٌ قَالَ كَذَٰلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }
، قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَـٰمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ لم يبيّن هنا القدر الذي بلغ من الكبر ، ولكنه بيّن في سورة « مريم » أنه بلغ من الكبر عتيًا . وذلك في قوله تعالىٰ عنه : {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّا} ، والعتي : اليبس والقحول في المفاصل والعظام من شدة الكبر .
وقال ابن جرير في « تفسيره » : وكل متناه إلى غايته في كبر أو فساد أو كفر فهو عات وعاس قوله تعالىٰ عن زكريا : {ٱمْرَأَتِى عَاقِرً} ، لم يبيّن هنا هل كانت كذلك أيام شبابها ، ولكنه بيّن في سورة « مريم » أنها كانت كذلك قبل كبرها بقوله عنه : {وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِى عَاقِرً} .
{قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِّىۤ ءَايَةً قَالَ ءَايَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلإِبْكَـٰرِ * وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ * يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِى لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِى وَٱرْكَعِى مَعَ ٱلرَٰكِعِينَ * ذٰلِكَ مِنْ أَنبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلَـٰمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }
، قَالَ ءَايَتُكَ أَلاَّ لم يبين هل المانع له من كلام الناس بكم طرأ له ، أو آفة تمنعه من ذلك . أو لا مانع له إلا اللَّه وهو صحيح لا علة له .
ولكنه بيّن في سورة « مريم » أنه لا بأس عليه . وأن انتفاء التكلم عنه لا لبكم ، ولا مرض وذلك في قوله تعالىٰ : {قَالَ رَبّ ٱجْعَل لِى ءايَةً قَالَ ءايَتُكَ أَل} ؛ لأن قوله {سَوِيّ} حال من فاعل تكلم مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الإعجاز وخرق العادة ، لا لاعتقال اللسان بمرض ، أي : يتعذر عليك تكليمهم ولا تطيقه ، في حال كونك سوي الخلق سليم الجوارح ، ما بك شائبة بكم ولا خرس ، وهذا ما عليه الجمهور ، ويشهد له قوله تعالىٰ : {وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبّحْ بِٱلْعَشِىّ وَٱلإبْكَـٰرِ} .
وعن ابن عباس : أن سويًّا عائد إلى الليالي . أي : كاملات مستويات ، فيكون صفة الثلاث ، وعليه فلا بيان بهذه الآية لآية « آل عمران ».
{إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلاٌّخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ }، إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ لم يبيّن هنا هذه الكلمة التي أطلقت على عيسى ؛ لأنها هي السبب في وجوده من إطلاق السبب وإرادة مسببه ، ولكنه بيّن في موضع آخر أما أنها لفظة كن ، وذلك في قوله : {إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن} ، وقيل : الكلمة بشارة الملائكة لها بأنها ستلده واختاره ابن جرير ، والأول قول الجمهور .