تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 282 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 282

281

آياتها مائة وإحدى عشرة آية، وهي مكية إلا ثلاث آيات قوله عز وجل "وإن كادوا ليستفزونك" نزلت حين جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف، وحين قالت اليهود: ليست هذه بأرض الأنبياء، وقوله: "وقل رب أدخلني مدخل صدق". وقوله: "إن ربك أحاط بالناس" وزاد مقاتل قوله: "إن الذين أوتوا العلم من قبله". وأخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة بني إسرائيل بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج البخاري وابن الضريس وابن مردويه عن ابن مسعود قال: في بني إسرائيل والكهف ومريم، إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي. وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وابن مردويه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عمرو الشيباني قال: صلى بنا عبد الله الفجر فقرأ السورتين الآخرة منهما بنو إسرائيل. قوله: 1- "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً" هو مصدر سبح، يقال سبح يسبح تسبيحاً وسبحاناً، مثل كفر اليمين تكفيراً وكفرانا، ومعناه التنزيه والبراءة لله من كل نقص. وقال سيبويه: العامل فيه فعل لا من لفظه، والتقدير أنزه الله تنزيهاً، فوقع سبحانه مكان تنزيهاً، فهو على هذا مثل قعد القرفصاء واشتمل الصماء، وقيل هو علم للتسبيح كعثمان للرجل، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره تقديره أسبح الله سبحان، ثم نزل منزلة الفعل وسد مسده وقد قدمنا في قوله: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا" طرفاً من الكلام المتعلق بسبحان. والإسراء قيل: هو سير الليل، يقال سرى وأسرى: كسقى وأسقى لغتان، وقد جمع بينهما الشاعر في قوله: حي النضير وربة الخدر أسرت إلي ولم تكن تسري وقيل هو سير أول الليل خاصة، وإذا كان الإسراء لا يكون إلا في الليل فلا بدل للتصريح بذكر الليل بعده من فائدة، فقيل أراد بقوله ليلاً تقليل مدة الإسراء وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسافة أربعين ليلة. ووجه دلالة ليلاً على تقليل المدة ما فيه من التنكير الدال على البعضية، بخلاف ما إذا قلت سريت الليل فإنه يفيد استيعاب السير له جميعاً. وقد استدل صاحب الكشاف على إفادة ليلاً للبعضية بقراءة عبد الله وحذيفة من الليل. وقال الزجاج: معنى أسرى بعبده ليلاً سير عبدي يعني محمداً ليلاً وعلى هذا فيكون معنى أسرى معنى سير فيكون للتقييد بالليل فائدة، وقال بعبده ولم يقل بنبيه أو رسوله أو بمحمد تشريفاً له صلى الله عليه وسلم قال أهل العلم: لو كان غير هذا الاسم أشرف منه لسماه الله سبحانه به في هذا المقام العظيم والحالة العلية: لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي ادعاء بأسماء نبزا في قبائلها كأن أسماء أضحت بعض أسمائي "من المسجد الحرام" قال الحسن وقتادة: يعني المسجد نفسه وهو ظاهر القرآن. وقال عامة المفسرين: أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من دار أم هانئ، فحملوا المسجد الحرام على مكة أو الحرام لإحاطة كل واحد منهما بالمسجد الحرام، أو لأن الحرم كله مسجد. ثم ذكر سبحانه الغاية التي أسرى برسوله صلى الله عليه وسلم إليها فقال: "إلى المسجد الأقصى" وهو بيت المقدس، وسمي الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام ولم يكن حينئذ وراءه مسجد، ثم وصف المسجد الأقصى بقوله: "الذي باركنا حوله" بالثمار والأنهار والأنبياء والصالحين، فقد بارك الله سبحانه حول المسجد الأقصى ببركات الدنيا والآخرة، وفي باركنا بعد قوله أسرى التفات من الغيبة إلى التكلم. ثم ذكر العلة التي أسرى به لأجلها فقال: "لنريه من آياتنا" أي ما أراه الله سبحانه في تلك الليلة من العجائب التي من جملتها قطع هذه المسافة الطويلة في جزء من الليل "إنه" سبحانه "هو السميع" بكل مسموع، ومن جملة ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البصير" بكل مبصر، ومن جملة ذلك ذات رسوله وأفعاله. وقد اختلف أهل العلم هل كان الإسراء بجسده صلى الله عليه وسلم مع روحه أو بروحه فقط؟ فذهب معظم السلف والخلف إلى الأول. وذهب إلى الثاني طائفة من أهل العلم منهم عائشة ومعاوية والحسن وابن إسحاق وحكاه ابن جرير عن حذيفة بن اليمان. وذهبت طائفة إلى التفصيل فقالوا: كان الإسراء بجسده يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح، واستدلوا على هذا التفصيل بقوله إلى المسجد الأقصى، فجعله غاية للإسراء بذاته صلى الله عليه وسلم، فلو كان الإسراء من بيت المقدس إلى السماء وقع بذاته لذكره، والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من أن الإسراء بجسده وروحه يقظة إلى بيت المقدس، ثم إلى السموات، ولا حاجة إلى التأويل وصرف هذا النظم القرآني وما يماثله من ألفاظ الأحاديث إلى ما يخالف الحقيقة، ولا مقتضى لذلك إلى مجرد الاستبعاد وتحكيم محض العقول القاصرة عن فهم ما هو معلوم من أنه لا يستحيل عليه سبحانه شيء، ولو كان ذلك مجرد رؤيا كما يقوله من زعم أن الإسراء كان بالروح فقط، وأن رؤيا الأنبياء حق لم يقع التكذيب من الكفرة للنبي صلى الله عليه وسلم عند إخباره لهم بذلك حتى ارتد من ارتد ممن لم يشرح بالإيمان صدراً، فإن الإنسان قد يرى في نومه ما هو مستبعد، بل ما هو محال ولا ينكر ذلك أحد، وأما التمسك لمن قال بأن هذا الإسراء إنما كان بالروح على سبيل الرؤيا بقوله "وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس" فعلى تسليم أن المراد بهذه الرؤيا هو هذا الإسراء، فالتصريح الواقع هنا بقوله: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً" والتصريح في الأحاديث الصحيحة الكثيرة بأنه أسرى به لا تقصر عن الاستدلال بها على تأويل هذه الرؤيا الواقعة في الآية برؤية العين، فإنه قد يقال لرؤية العين رؤيا، وكيف يصح حمل هذا الإسراء على الرؤيا مع تصريحه صلى الله عليه وسلم بأنه كان عند أن أسري به بين النائم واليقظان. وقد اختلف أيضاً في تاريخ الإسراء، فروي أن ذلك كان قبل الهجرة إلى المدينة بسنة، وروي أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام. ووجه ذلك أن خديجة صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ماتت قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بثلاث، وقيل بأربع، ولم تفرض الصلاة إلا ليلة الإسراء. وقد استدل بهذا ابن عبد البر على ذلك، وقد اختلفت الرواية عن الزهري. وممن قال بأن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة الزهري في رواية عنه، وكذلك الحربي فإنه قال: أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة. وقال ابن القاسم في تاريخه: كان الإسراء بعد مبعثه بثمانية عشر شهراً. قال ابن عبد البر: لا أعلم أحداً من أهل السير قال بمثل هذا. وروي عن الزهري أنه أسري به قبل مبعثه بسبعة أعوام، وروي عنه أنه قال: كان قبل مبعثه بخمس سنين. وروى يونس عن عروة عن عائشة أنها قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة.
2- "وآتينا موسى الكتاب" أي التوراة، قيل والمعنى: كرمنا محمداً بالمعراج وأكرمنا موسى بالكتاب "وجعلناه" أي ذلك الكتاب، وقيل موسى "هدىً لبني إسرائيل" يهتدون به " أن لا تتخذوا ". قرأ أبو عمرو بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالفوقية: أي لئلا يتخذوا. والمعنى: آتيناه الكتاب لهداية بني إسرائيل لئلا يتخذوا "من دوني وكيلاً" قال الفراء: أي كفيلاً بأمورهم، وروي عنه أنه قال كافياً، وقيل معناه: أي متوكلون عليه في أمورهم، وقيل شريكاً، ومعنى الوكيل في اللغة من توكل إليه الأمور.
3- "ذرية من حملنا مع نوح" نصب على الاختصاص أو النداء ذكرهم سبحانه إنعامه عليهم في ضمن إنجاء آبائهم من الغرق، ويجوز أن يكون المفعول الأول لقوله أن لا تتخذوا أي لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح من دوني وكيلاً كقوله: "ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً" وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو بدل من فاعل تتخذوا. وقرأ مجاهد بفتح الذال. وقرأ زيد بن ثابت بكسرها، والمراد بالذرية هنا جميع من في الأرض لأنهم من ذرية من كان في السفينة، وقيل موسى وقومه من بني إسرائيل وهذا هو المناسب لقراءة النصب على النداء والنصب على الاختصاصا، والرفع على البدل وعلى الخبر فإنها كلها راجعة إلى بني إسرائيل المذكورين وأما على جعل النصب على أن ذرية هي المفعول الأول لقوله لا تتخذوا، فالأولى تفسير الذرية بجميع من في الأرض من بني آدم "إنه كان عبداً شكوراً" أي نوحاً، وصفه الله بكثرة الشكر وجعله كالعلة لما قبله إيذاناً بكون الشكر من أعظم أسباب الخير، ومن أفضل الطاعات حثاً لذريته على شكر الله سبحانه. وقد أخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. قال: أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة. وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة. وأخرج البيهقي عن عروة مثله. وأخرج البيهقي أيضاً عن السدي قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مهاجره بستة عشر شهراً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "الذي باركنا حوله" قال: أنبتنا حوله الشجر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدىً لبني إسرائيل" قال: جعله الله هدىً يخرجهم من الظلمات إلى النور وجعله رحمة لهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: " أن لا تتخذوا من دوني وكيلا " قال: شريكاً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: "ذرية من حملنا مع نوح". قال: هو على النداء يا ذرية من حملنا مع نوح. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن زيد الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذرية من حملنا مع نوح ما كان مع نوح إلا أربعة أولاد: حام، وسام، ويافث، وكوش، فذلك أربعة أولاد انتسلوا هذا الخلق". واعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير والسيوطي وغيرهما في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها، وليس في ذلك كثير فائدة، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهو مبحث آخر، والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز، وذكر أسباب النزول، وبيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية، وما عدا ذلك فهو فضله لا تدعو إليه حاجة.
قوله: 4- "وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب" أي أعلمنا وأخبرنا، أو حكمنا وأتممنا، وأصل القضاء: الإحكام للشيء والفراغ منه، وقيل أوحينا، ويدل عليه قوله إلى بني إسرائيل، ولو كان بمعنى الإعلام والإخبار لقال قضينا بني إسرائيل، ولو كان بمعنى حكمنا لقال على بني إسرائيل، ولو كان بمعنى أتممنا لقال لبني إسرائيل، والمراد بالكتاب: التوراة، ويكون إنزالهم على نبيهم موسى كإنزالها عليهم لكونهم قومه، وقيل المراد بالكتاب اللوح المحفوظ. وقرأ أبو العالية وسعيد بن جبير في الكتب. وقرأ عيسى الثقفي "لتفسدن في الأرض" بفتح المثناة، ومعنى هذه القراءة قريب من معنى قراءة الجمهور، لأنهم إذا أفسدوا فسدوا في نفوسهم، والمراد بالفساد مخالفة ما شرعه الله لهم في التوراة، والمراد بالأرض أرض الشام وبيت المقدس، وقيل أرض مصر، واللام في لفتسدن جواب قسم محذوف. قال النيسابوري: أو أجرى القضاء المبتوت مجرى القسم كأنه قيل: وأقسمنا لتفسدن وانتصاب "مرتين" على أنه صفة مصدر محذوف، أو على أنه في نفسه مصدر عمل فيه ما هو من غير جنسه، والمرة الأولى قتل شعياء أو حبس أرمياء أو مخالفة أحكام التوراة، والثانية قتل يحيى بن زكريا والعزم على قتل عيسى "ولتعلن علواً كبيراً" هذه اللام كاللام التي قبلها: أي لتستكبرن عن طاعة الله ولتستعلن على الناس بالظلم والبغي مجاوزين للحد في ذلك.
5- "فإذا جاء وعد أولاهما" أي أولى المرتين المذكورتين "بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد" أي قوة في الحروب وبطش عند اللقاء. وقيل هو بختنصر وجنوده، وقيل جالوت، وقيل جند من فارس، وقيل جند من بابل "فجاسوا خلال الديار" أي عاثوا وترددوا، يقال جاسوا وهاسوا وداسوا بمعنى، ذكره ابن غرير والقتيبي. قال الزجاج: معناه طافوا خلال هل بقي أحد لم يقتلوه؟ قال: والجوس طلب الشيء باستقصاء. قال الجوهري: الجوس مصدر قولك جاسوا خلال الديار: أي تخللوها كما يجوس الرجل للأخبار: أي يطلبها، وكذا قال أبو عبيدة: وقال: ابن جرير: معنى جاسوا طافوا بين الديار يطلبونهم ويقتلونهم ذاهبين وجائين. وقال الفراء: معناه قتلوهم بين بيوتهم وأنشد لحسان: ومنا الذي لاقى بسيف محمد فجاس به الأعداء عرض العساكر وقال قطرب: معناه نزلوا وأنشد قول الشاعر: فجسنا ديارهم عنوة وأبنا بساداتهم موثقينا وقرأ ابن عباس فحاسوا بالحاء المهملة. قال أبو زيد: الحوس والجوس والعوس والهوس: الطوف بالليل قيل الطوف بالليل هو الجوسان محركاً كذا قال أبو عبيدة. وقرئ خلل الديار ومعناه معنى خلال وهو وسط الديار "وكان" ذلك "وعداً مفعولاً" أي كائناً لا محالة.
6- "ثم رددنا لكم الكرة عليهم" أي الدولة والغلبة والرجعة وذلك عند توبتهم. قيل وذلك حين قتل داود جالوت، وقيل حين قتل بختنصر "وأمددناكم بأموال وبنين" بعد نهب أموالكم وسبي أبنائكم حتى عاد أمركم كما كان "وجعلناكم أكثر نفيراً" قال أبو عبيدة: النفير العدد من الرجال، فالمعنى: أكثر رجالاً من عدوكم. والنفير من ينفر مع الرجل من عشيرته، يقال نفير ونافر مثل قدير وقالدر، ويجوز أن يكون النفير جمع نفر.
7- "إن أحسنتم": أي أفعالكم وأقوالكم على الوجه المطلوب منكم "أحسنتم لأنفسكم" لأن ثواب ذلك عائد إليكم "وإن أسأتم" أفعالكم وأقوالكم فأوقعتموها لا على الوجه المطلوب منكم "فلها" أي فعليها. ومثله قول الشاعر: فخر صريعاً لليدين وللفم أي على اليدين وعلى الفم. قال ابن جرير: اللام بعنى إلى: أي فإليها ترجع الإساءة كقوله تعالى: "بأن ربك أوحى لها" أي إليها. وقيل المعنى: فلها الجزاء أو العقاب. وقال الحسين بن الفضل: فلها رب يغفر الإساءة. وهذا الخطاب قيل هو لبني إسرائيل الملابثين لما ذكر في هذه الآيات، وقيل لبني إسرائيل الكائنين في زمن محمد صلى الله عليه وسلم، ومعناه: إعلامهم ما حل بسلفهم فليرتقبوا مثل ذلك وقيل هو خطاب لمشركي قريش "فإذا جاء وعد الآخرة" أي حضر وقت ما وعدوا من عقوبة المرة الآخرة، والمرة الآخرة هي قتلهم يحيى بن زكريا كما سبق، وقصة قتله مستوفاة في الإنجيل واسمه فيه يوحنا، قتله ملك من ملوكهم بسبب امرأة حملته على قتله، واسم الملك لاخت قاله ابن قتيبة. وقال ابن جرير: هيردوس، وجواب إذا محذوف تقديره بعثناهم لدلالة جواب إذا الأولى عليه، " ليسوءوا وجوهكم " متعلق بهذا الجواب المحذوف: أي ليفعلوا بكم ما يسوء وجوهكم حتى تظهر عليكم آثار المساءة وتتبين في وجوهكم الكآبة، وقيل المراد بالوجوه السادة منهم. وقرأ الكسائي لنسوء بالنون على أن الضمير لله سبحانه. وقرأ أبي لنسوءن بنون التأكيد. وقرأ أبو بكر والأعمش وابن وثاب وحمزة وابن عامر "ليسوء" بالتحتية والإفراد. قال الزجاج: كل شيء كسرته وفتته فقد تبرئه، والضمير لله أو الوعد "وليدخلوا المسجد" معطوف على ليسؤوا "كما دخلوه أول مرة وليتبروا" أي يدمروا ويهلكوا، وقال قطرب: يهدموا، ومنه قول الشاعر: فما الناس إلا عاملان فعامل يتبر ما يبني وآخر رافع وقرأ الباقون بالتحتية وضم الهمزة وإثبات واو بعدها على أن الفاعل عباد لنا "ما علوا" أي ما غلبوا عليه من بلادكم أو مدة علوهم "تتبيراً" أي تدميراً، ذكر المصدر إزالة للشك وتحقيقاً للخبر.