تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 575 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 575

574

20- "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل" معنى أدنى أقل. استعير له الأدنى لأن المسافة بين السنين إذا دنت قل ما بينهما "ونصفه" معطوف على أدنى "وثلثه" معطوف على نصفه، والمعنى: أن الله يعلم أن رسوله صلى الله عليه وسلم يقوم أقل من ثلثي الليل ويقوم نصفه ويقوم ثلثه، وبالنصب قرأ ابن كثير والكوفيون، وقرأ الجمهور "ونصفه وثلثه" بالجر عطفاً على ثلثي الليل، والمعنى: أن الله يعلم أن رسوله صلى الله عليه وسلم يقوم أقل من ثلثي الليل وأقل من نصفه وأقل من ثلثه، واختار قراءة الجمهور أبو عبيد وأبو حاتم لقوله: "علم أن لن تحصوه" فكيف يقومون نصفه وثلثه وهم لا يحصونه. وقال الفراء: القراءة الأولى أشبه بالصواب لأنه قال: أقل من ثلثي الليل، ثم فسر نفس القلة "وطائفة من الذين معك" معطوف على الضمير في تقوم: أي وتقوم ذلك القدر معك طائفة من أصحابك "والله يقدر الليل والنهار" أي يعلم مقادير الليل والنهار على حقائقها ويختص بذلك دون غيره وأنتم لا تعلمون ذلك على الحقيقة. قال عطاء: يريد لا يفوته علم ما تفعلون. أي أنه يعلم مقادير الليل والنهار فيعلم قدر الذي تقومونه من الليل "علم أن لن تحصوه" أن لن تطيقوا علمم مقادير الليل والنهار على الحقيقة، وفي أن ضمير شأن محذوف، وقيل المعنى: لن تطيقوا قيام الليل. قال القرطبي: والأول أصح، فإن قيام الليل ما فرض كله قط. قال مقاتل وغيره: لما نزل " قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه " شق ذلك عليهم، وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطئ، فانتفخت أقدامهم وانتقعت ألوانهم فرحمهم الله وخفف عنهم فقال: "علم أن لن تحصوه" أي علم أن لن تحصوه لأنكم إن زدتم ثقل عليكم واحتجتم إلى تكلف ما ليس فرضاً، وإن نقصتم شق ذلك عليكم "فتاب عليكم" أي فعاد عليكم بالعفو، ورخص لكم في ترك القيام. وقيل فتاب عليكم من فرض القيام إذ عجزتم، وأصل التوبة الرجوع كما تقدم، فالمعنى: رجع بكم من التثقيل إلى [التخفيف]، ومن العسر إلى اليسر " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " أي فاقرأوا في الصلاة بالليل ما خف عليكم وتيسر لكم منه من غير أن ترقبوا وقتاً. قال الحسن: هو ما نقرأ في صلاة المغرب والعشاء. قال السدي: أيضاً من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن. وقال كعب: من قرأ في لية مائة آية كتب من القانتين، وقال سعيد: خمسون آية، وقيل معنى " فاقرؤوا ما تيسر منه " فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل، والصلاة تسمى قرآناً كقوله: "وقرآن الفجر" قيل إن هذه الآية نسخت قيام الليل ونصفه، والنقصان من النصف، والزيادة عليه، فيحتمل أن يكون ما تضمنته هذه الآية فرضاً ثابتاً، ويحتمل أن يكون منسوخاً لقوله: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً". قال الشافعي: الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين، فوجدنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا واجب من الصلاة إلا الخمس. وقد ذهب قوم إلى أن قيام الليل نسخ في حقه صلى الله عليه وسلم وفي حق أمته. وقيل نسخ التقدير بمقدار، وبقي أصل الوجوب. وقيل إنه نسخ في حق الأمة، وبقي فرضاً في حقه صلى الله عليه وسلم، والأولى القول بنسخ قيام الليل على العموم في حقه صلى الله عليه وسلم وفي حق أمته، وليس في قوله: " فاقرؤوا ما تيسر منه " ما يدل على بقاء شيء من الوجوب لأنه إن كان المراد به القراءة من القرآن فقد وجدت في صلاة المغرب والعشاء وما يتبعهما من النوافل المؤكدة، وإن كان المراد به الصلاة من لليل فقد وجدت صلاة الليل بصلاة المغرب والعشاء وما يتبعهما من التطوع. وأيضاً الأحاديث الصحيحة المصرحة بقول السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل علي غيرها، يعني الصلاوات الخمسة؟ فقال لا، إلا أن تطوع تدل على عدم وجوب غيرها، فارتفع بهذا وجوب قيام الليل وصلاته على الأمة كما ارتفع وجوب ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك" قال الواحدي: قال المفسرون في قوله: " فاقرؤوا ما تيسر منه " كان هذا في صدر الإسلام، ثم نسخ بالصلوات الخمس عن المؤمنين. وثبت على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وذلك قوله: "وأقيموا الصلاة". ثم ذكر سبحانه عذرهم فقال: "علم أن سيكون منكم مرضى" فلا يطيقون قيام الليل "وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله" أي يسافرون فيها للتجارة والأرباح يطلبون من رزق الله ما يحتاجون إليه في معاشهم فلا يطيقون قيام الليل "وآخرون يقاتلون في سبيل الله" يعني المجاهدين فلا يطيقون قيام الليل. ذكر سبحانه هاهنا ثلاثة أسباب مقتضية للترخيص، ورفع وجوب قيام الليل، فرفعه عن جميع الأمة لأجل هذه الأعذار التي تنوب بعضهم. ثم ذكر ما يفعلونه بعد هذا الترخيص فقال: " فاقرؤوا ما تيسر منه " وقد سبق تفسيره قريباً، والتكرير للتأكيد "وأقيموا الصلاة" يعني المفروضة، وهي الخمس لقوتها "وآتوا الزكاة" يعني الواجبة في الأموال. وقال الحارث العكلي: هي صدقة الفطر لأن زكاة الأموال وجبت بعد ذلك، وقيل صدقة التطوع، وقيل كل أفعال الخير "وأقرضوا الله قرضاً حسناً" أي أنفقوا في سبيل الخير من أمالكم إنفاقاً جسناً، وقد مضى تفسيره في سورة الحديد. قال زيد ابن أسلم: القرض الحسن النفقة على الأهل، وقيل النفقة في الجهاد، وقيل هو إخراج الزكاة المفترضة على وجه حسن، فيكون تفسيراً لقوله: "وآتوا الزكاة" والأول أولى لقوله: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله" فإن ظاهره العموم: أي أي خير كان مما ذكر ومما لم يذكر "هو خيراً وأعظم أجراً" مما تؤخرونه إلى عند الموت أو توصون به ليخرج بعد موتكم، وانتصاب خيراً على أنه ثاني مفعولي تجدوه. وضمير هو ضمير فصل، وبالنصب قرأ الجمهور، وقرا أبو السماك وابن السميفع بالرفع على أن يكون هو مبتدأ وخير خبره، والجملة في محل نصب على أنها ثاني مفعولي تجدوه. قال أبو زيد: وهي لغة تميم يرفعون ما بعد ضمير الفصل، وأنشد سيبويه: تحن إلى ليلى وأنت تركتها وكنت عليها بالملاء أنت أقدر وقرأ الجمهور أيضاً "وأعظم" بالنصب عطفاً على خيراً: وقرأ أبو السماك وابن السميفع بالرفع، كما قرأ برفع خير وانتصاب أجراً على التمييز "واستغفروا الله" أي اطلبوا منه المغفرة لذنوبكم فإنكم لا تخلون من ذنوب تقترفونها " إن الله غفور رحيم " أي كثير المغفرة لمن استغفره، كثير الرحمة لمن استرحمه. وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " فاقرؤوا ما تيسر منه " قال: مائة آية. وأخرج الدارقطني والبيهقي في سننه وحسناه عن قيس بن أبي حازم قال: "صليت خلف ابن عباس، فقرأ في أول ركعة بالحمد لله رب العالمين، وأول آية من البقرة ثم ركع، فلما انصرفنا أقبل علينا فقال إن الله يقول: " فاقرؤوا ما تيسر منه "" قال ابن كثير: وهذا حديث غريب جداً لم أره إلا في معجم الطبراني. وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن أبي سعيد قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر". وقد قدمنا في البحث الأول من هذه السورة ما روي أن هذه الآيات المذكورة هنا هي الناسخة لوجوب قيام الليل، فارجع إليه. سورة المدثر هي ست وخمسون آية، وهي مكية بلا خلاف وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة المدثر بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله، وسيأتي أن أول هذه السورة أول ما نزل من القرآن. قال الواحدي: قال المفسرون: لما بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي أتاه جبريل، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سيرين بين السماء والأرض كالنور المتلألئ، ففزع ووقع مغشياً عليه، فلما أفاق دخل على خديجة ودعا بماء فصبه عليه، وقال: دثروني دثروني، فدثروه بقطيفة، فقال: 1- " يا أيها المدثر * قم فأنذر ". ومعنى يا أيها المدثر: يا أيها الذي قد تدثر بثيابه: أي تغشى بها، وأصله المتدثر، فأدغمت التاء في الدال لتجانسهما. وقد قرأ الجمهور بالإدغام، وقرأ أبي المتدثر على الأصل، والدثار: هو ما يلبس فوق الشعار، والشعار: هو الذي يلي الجسد، وقال عكرمة: المعنى يا أيها المدثر بالنبوة وأثقالها. قال ابن العربي: وهذا مجاز بعيد لأنه لم يكن نبياً إذ ذاك.
2- "قم فأنذر" أي انهض فخوف أهل مكة وحذهرم العذاب إن لم يسلموا، أو قم من مضجعك، أو قم قيام عزم وتصميم، وقيل الإنذار هنا هو إعلامهم بنبوته، وقيل إعلامهم بالتوحيد. وقال الفراء: المعنى قم فصل وأمر بالصلاة.
3- "وربك فكبر" أي واختص سيدك ومالكك ومصلح أمورك بالتكبير، وهو وصفه سبحانه بالكبرياء والعظمة، وأنه أكبر من أن يكون له شريك كما يعتقده الكفار، وأعظم من أن يكون له صاحبة، أو ولد. قال ابن العربي: المراد به تكبير التقديس والتنزيه بخلع الأضداد والأندام والأصنام ولا يتخذ ولياً غيره ولا يعبد سواه، ولا يرى لغيره فعلاً إلا له ولا نعمة إلا منه. قال الزجاج: إن الفاء في فكبر دخلت على معنى الجزاء كما دخلت في فأنذر. وقال ابن جني: هو كقولك زيداً فاضرب: أي زيداً اضرب، فالفاء زائدة.
4- "وثيابك فطهر" المراد بها الثياب الملبوسة على ما هو المعنى اللغوي، أمره الله سبحانه بتطهير ثيابه وحفظها عن النجاسات، وإزالة ما وقع فيها منها، وقيل المراد بالثياب العمل، وقيل القلب، وقيل النفس، وقيل الجسم، وقيل الأهل، وقيل الدين، وقيل الأخلاق. قال مجاهد وابن زيد وأبو رزين: أي عملك فأصلح. وقال قتادة: نفسك فطهر من الذنب، والثياب عبارة عن النفس. وقال سعيد بن جبير: قلبك فطهر، ومن هذا قول امرئ القيس: فسلي ثيابي من ثيابك تنسل وقال عكرمة: المعنى ألبسها على غير غدر وغير فجرة. وقال: أما سمعت قول الشاعر: وإني بحمد الله لا ثوب فــاجر لبست ولا من غدرة أتـقـنـع والشاعر هو غيلان بن سلمة الثقفي، ومن إطلاق الثياب على النفس قول عنترة: فشككت بالرمح الطويل ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم وقول الآخر: ثياب بني عوف طهارى نقية وقال الحسن والقرظي: إن المعنى وأخلاقك فطهر لأن خلق الإنسان مشتمل على أحواله اشتمال ثيابه على نفسه، ومنه قول الشاعر: ويحيى لا يلام بسوء خلق ويحيى طاهر الأثواب حر وقال الزجاج: المعنى وثيابك فقصر، لأن تقصير الثوب ابعد من النجاسات إذا انجر على الأرض، وبه قال طاوس، والأول أولى لأنه المعنى الحقيقي. وليس في استعمال الثياب مجاز عن غيرها لعلاقة مع قرينه ما يدل على أنه المراد عند الإطلاق، وليس في مثل هذا الأصل: أعني الحمل على الحقيقة عند الإطلاق خلاف، وفي الآية دليل على وجوب طهارة الثياب في الصلاة.
5- "والرجز فاهجر" الرجز معناه في اللغة العذاب، وفيه لغتان كسر الراء وضمها، وسمي الشرك وعبادة الأوثان رجزاً لأنها سبب الرجز. قرأ الجمهور "الرجز" بكسر الراء. وقرأ الحسن ومجاهد وعكرمة وحفص وابن محيصن بضمها. وقال مجاهد وعكرمة: الرجز الأوثان كما في قوله: "فاجتنبوا الرجس من الأوثان" وبه قال ابن زيد. وقال إبراهيم النخعي: الرجز المأثم، والهجر الترك. وقال قتادة: الرجز إساف ونائلة، وهما صنمان كانا عند البيت. وقال أبو العالية والربيع والكسائي: الرجز بالضم الوثن وبالكسر العذاب. وقال السدي: الرجز بضم الراء الوعيد، والأول أولى.
6- "ولا تمنن تستكثر" قرأ الجمهور لا تمنن بفك الإدغام، وقرأ الحسن وأبو اليمان والأشهب العقيلي بالإدغام، وقرأ الجمهور تستكثر بالرفع على أنه حال: أي ولا تمنن حال كونك مستكثراً، وقيل على حذف أن، والأصل ولا تمنن أن تستكثر، فلما حذفت رفع. قال الكسائي: فإذا حذف أن رفع الفعل. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش تستكثر بزيادة أن. وقرأ الحسن أيضاً وابن أبي عبلة تستكثر بالجزم على أنه بدل من تمنن كما في قوله: " يلق أثاما * يضاعف له "، وقول الشاعر: متى تأتنا تلمم بنا في ديـارنـا تجد حطباً جزلاً ونـاراً تأججـا أو الجزم لإجراء الوصل مجرى الوقف: كما في قول امرئ القيس: فاليوم أشرب غير مستحقب إثماً من الله ولا واغل بتسكين أشرب. وقد اعترض على هذه القراءة، لأن قوله تستكثر لا يصح أن يكون بدلاً من تمنن، لأن المن غير الاستكثار، ولا يصح أن يكون جواباً للنهي. واختلف السلف في معنى الآية، فقيل المعنى: لا تمنن على ربك بما تتحمله من أعباء النبوة كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب الغير، وقيل لا تعط عطية تلتمس فيها أفضل منها قاله عكرمة وقتادة. قال الضحاك: هذا حرمه [الله] على رسوله، لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجل الأخلاق، وأباحه لأمته. وقال مجاهد: لا تضعف أن تستكثر من الخير، من قولك حبل متين: إذا كان ضعيفاً. وقال الربيع بن أنس: لا تعزم عملك في عينك أن تستكثر من الخير. وقال ابن كيسان: لا تستكثر عملاً فتراه من نفسك، إنما عملك منة من الله عليك إذ جعل لك سبيلاً إلى عبادته. وقيل لا تمنن بالنبوة والقرآن على الناس فتأخذ منهم أجراً تستكثره. وقال محمد بن كعب: لا تعط مالك مصانعة. وقال زيد بن أسلم: إذا أعطيت عطية فأعطها لربك.
7- "ولربك فاصبر" أي لوجه ربك فاصبر على طاعته وفرائضه، والمعنى: لأجل ربك وثوابه. وقال مقاتل ومجاهد: اصبر على الأذى والتكذيب. وقال ابن زيد: حملت أمراً عظيماً فحاربتك العرب والعجم فاصبر عليه لله. وقيل اصبر تحت موارده القضاء لله، وقيل فاصبر على البلوى، وقيل على الأوامر والنواهي.
8- "فإذا نقر في الناقور" الناقور فاعول من النقر كأنه من شأنه أن ينقر فيه للتصويت، والنقر في كلام العرب الصوت، ومنه قول امرئ القيس: أخفضه بالنقر لما علوته ويقولون نقر باسم الرجل إذا دعاه، والمراد هنا النفخ في الصور، والمراد النفخة الثانية، وقيل الأولى، وقد تقدم الكلام في هذا في سورة الأنعام وسورة النحل والفاء للسببية، كأنه قيل: اصبر على أذاهم، فبين أيديهم يوم هائل يلقون فيه عاقبة أمرهم.
والعامل في إذا ما دل عليه قوله: 9- " فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين " فإن معناه عسر الأمر عليهم، وقيل العامل فيه ما دل عليه فذلك لأنه إشارة إلى النقر، ويومئذ بدل من إذا، أو مبتدأ وخبره يوم عسير، والجملة خبر فذلك، وقيل هو ظرف للخبر، لأن التقدير وقوع يوم عسير.
وقوله: 10- " غير يسير " تأكيد لعسره عليهم لأن كونه غير يسير، قد فهم من قوله يوم عسير.
11- "ذرني ومن خلقت وحيداً" أي [دعني]، وهي كلمة تهديد ووعيد، والمعنى: دعني والذي خلقه حال كونه وحيداً في بطن أمه لا مال له ولا ولد، هذا على أن وحيداً منتصب على الحال من الموصول أو من الضمير العائد إليه المحذوف، ويجوز أن يكون حالاً من الياء في ذرني: أي دعني وحدي معه، فإني أكفيك في الانتقام منه، والأول أولى. قال المفسرون: وهو الوليد بن المغيرة. قال مقاتل: يقول خل بيني وبينه فأنا أنفرد بهلكته، وإنما خص بالذكر لمزيد كفره وعظيم حجوده لنعم الله عليه، وقيل أراد بالوحيد الذي لا يعرف أبوه، وكان يقال في الوليد بن المغيرة أنه دعي.
12- " وجعلت له مالا ممدودا " أي كثيراً، أو يمد بالزيادة والنماء شيئاً بعد شيء. قال الزجاج: مالاً غير منقطع عنه، وقد كان الوليد بن المغيرة مشهوراً بكثرة المال على اختلاف أنواعه، قيل كان يحصل له من غلة أمواله ألف ألف دينار، وقيل أربعة آلاف دينار، وقيل ألف دينار.
13- "وبنين شهوداً" أي وجعلت له بنين حضوراً بمكة معه لا يسافرون ولا يحتاجون إلى التفرق في طلب الرزق لكثرة مال أبيهم. قال الضحاك: كانوا سبعة ولدوا بمكة، وخمسة ولدوا بالطائف. وقال سعيد بن جبير: كانوا ثلاثة عشر ولداً. وقال مقاتل: كانوا سبعة كلهم رجال، أسلم منهم ثلاثة خالد وهشام والوليد بن الوليد، فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك. وقيل معنى شهوداً أنه إذا ذكر ذكروا معه، وقيل كانوا يشهدون معه ما كان يشهده ويقومون بما كان يباشره.
14- "ومهدت له تمهيداً" أي بسطت له في العيش وطول العمر والرياسة في قريش، والتمهيد عند العرب التوطئة، ومنه مهد الصبي. وقال مجاهد: إنه المال بعضه فوق بعض كما يمهد الفراش.
15- "ثم يطمع أن أزيد" أي يطمع بعد هذا كله في الزيادة لكثرة حرصه وشدة طمعه مع كفرانه للنعم وإشراكه بالله. قال الحسن: لم يطمع أن أدخله الجنة، وكان يقول: إن كان محمد صادقاً فما خلقت الجنة إلا لي.
ثم ردعه الله سبحانه وزجره فقال: 16- "كلا" أي لست أزيده. ثم علل ذلك بقوله: "إنه كان لآياتنا عنيداً" أي معانداً لها كافراً بما أنزلناه منها على رسولنا، يقال عند يعند بالكسر إذا خالف الحق ورده، وهو يعرفه فهو عنيد وعاند، والعاند الذي يجوز عن الطريق ويعدل عن القصد، ومنه قول الحارثي: إذا ركبت فاجعلاني وسطا إني كبير لا أطيق العندا قال أبو صالح: عنيداً معناه مباعداً. وقال قتادة: جاحداً. وقال مقاتل: معرضاً.
17- "سأرهقه صعودا" أي سأكلفه مشقة من العذاب وهو مثل لما يلقاه من العذاب الصعب الذي لا يطاق، وقيل المعنى: إنه يكلف أنه يصعد جبلاً من نار، والإرهاق في كلام العرب: أن يحمل الإنسان الشيء الثقيل.