تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 587 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 587

586

هي تسع عشرة آية وهي مكية بلا خلاف. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت "إذا السماء انفطرت" بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج النسائي عن جابر قال: "قام معاذ فصلى العشاء فطول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفتان أنت يا معاذ؟ أين أنت عن "سبح اسم ربك الأعلى" والضحى، "إذا السماء انفطرت" وأصل الحديث في الصحيحين، ولكن بدون ذكر "إذا السماء انفطرت"" وقد تقدم بها النسائي، وقد تقدم في سورة التكوير حديث "من سره أن ينظر إلى يوم القيامة رأي عين فليقرأ "إذا الشمس كورت"، و"إذا السماء انفطرت"، و"إذا السماء انشقت"". قوله: 1- "إذا السماء انفطرت" قال الواحدي: قال المفسرون: انفطارها انشقاقها كقوله: "ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً" والفطر: الشق، يقال فطرته فانفطر، ومنه فطر ناب البعير: إذا طلع، قيل والمراد أنها انفطرت هنا لنزول الملائكة منها، وقيل انفطرت لهيبة الله.
2- "وإذا الكواكب انتثرت" أي تساقطت متفرقة: يقال نثرت الشيء أنثره نثراً.
3- "وإذا البحار فجرت" أي فجر بعضها في بعض فصارت بحراً واحداً، واختلط العذب منها بالمالح. وقال الحسن: معنى فجرت ذهب ماؤها ويبست، وهذه الأشياء بين يدي الساعة كما تقدم في السورة التي قبل هذه.
4- "وإذا القبور بعثرت" أي قلب ترابها وأخرج الموتى الذين هم فيها، يقال بعثر يبعثر يبعثر بعثرة: إذا قلب التراب، ويقال بعثر المتاع، قلبه ظهراً لبطن، وبعثرت الحوض وبحثرته: إذا هدمته وجعلت أعلاه أسفله. قال الفراء: بعثرت أخرج ما في بطنها من الذهب والفضة، وذلك من أشراط الساعة أن تخرج الأرض ذهبها وفضتها.
ثم ذكر سبحانه الجواب عما تقدم فقال: 5- "علمت نفس ما قدمت وأخرت" والمعنى: أنها علمته عند نشر الصحف لا عند البعث، لأنه وقت واحد من عند البعث إلى عند مصير أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، والكلام في إفراد نفس هنا كما تقدم في السورة الأولى في قوله "علمت نفس ما أحضرت" ومعنى "ما قدمت وأخرت" ما قدمت من عمل خير أو شر، وما أخرت من سنة حسنة أو سيئة، لأن لها أجر ما سنته من السنن الحسنة وأجر من عمل بها، وعليها وزر ما سنته من السنن السيئة ووزر من عمل بها. وقال قتادة: ما قدمت من معصية وأخرت من طاعة، وقيل ما قدم من فرض وأخر من فرض، وقيل أول عمله وآخره، وقيل إن النفس تعلم عند البعث بما قدمت وأخرت علماً إجمالياً، لأن المطيع يرى آثار السعادة، والعاصي يرى آثار الشقاوة، وأما العلم التفصيلي فإنما يحصل عند نشر الصحف.
6- "يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم" هذا خطاب الكفار: أي ما الذي غرك وخدعك حتى كفرت بربك الكريم الذي تفضل عليك في الدنيا بإكمال خلقك وحواسك، وجعلك عاقلاً فاهماً، ورزقك وأنعم عليك بنعمه التي لا تقدر على جحد شيء منها. قال قتادة: غره شيطانه المسلط عليه. وقال الحسن: غره شيطانه الخبيث، وقيل حمقه وجهله، وقيل غره عفر الله إذا لم يعاجله بالعقوبة أول مرة. كذا قال مقاتل.
7- "الذي خلقك فسواك فعدلك" أي خلقك من نطفة ولم تك شيئاً، فسواك رجلاً تسمع وتبصر وتعقل، فعدلك: جعلك معتدلاً. قال عطاء: جعلك قائماً معتدلاً حسن الصورة. وقال مقاتل: عدل خلقك في العينين والأذنين واليدين والرجلين، والمعنى: عدل بين ما خلق لك من الأعضاء. قرأ الجمهور "فعدلك" مشدداً، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتخفيف، واختار أبو حاتم وأبو عبيد القراءة الأولى. قال الفراء وأبو عبيد: يدل عليها قوله: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" ومعنى القراءة الأولى: أنه سبحانه جعل أعضاءه متعادلة لا تفاوت فيها، ومعنى القراءة الثانية: أنه صرفه وأماله إلى أي صورة شاء، إما حسناً وإما قبيحاً، وإما طريلاً وإما قصيراً.
8- "في أي صورة ما شاء ركبك" في أي صورة متعلق بركبك، وما مزيدة، وشاء صفة لصورة: أي ركبك في أي صورة شاءها من الصور المختلفة، وتكون هذه الجملة كالبيان لقوله: "فعدلك" والتقدير: فعدلك ركبك في أي صورة شاءها ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال: أي ركبك حاصلاً في أي صورة. ونقل أبو حيان عن بعض المفسرين أنه متعلق بعدلك. واعترض عليه بأن أي لها صدر الكلام فلا يعمل فيها ما قبلها. قال مقاتل والكلبي ومجاهد: في أي شبه من أب أو أم أو خال أو عم. وقال مكحول: إن شاء [ذكراً] وإن شاء أنثى.
وقوله: 9- "كلا" للردع والزجر عن الغترار بكرم الله وجعله ذريعة إلى الكفر به والمعاصي له، ويجوز أن يكون بمعنى حقاً، وقوله: "بل تكذبون بالدين" إضراب عن جملة مقدرة ينساق إليها الكلام كأنه قيل: بعد الردع وأنتم لا ترتدعون عن ذلك بل تجاوزونه إلى ما هو أعظم منه من التكذيب بالدين وهو الجزاء، أو بدين الإسلام. قال ابن الأنباري: الوقف الجيد على الدين وعلى ركبك، وعلى كلا قبيح، والمعنى: بل تكذبون يا أهل مكة بالدين: أي بالحساب، وبل لنفي شيء تقدم وتحقيق غيره، وإنكار البعث قد كان معلوما عندهم وإن لم يجر له ذكر. قال الفراء: كلا ليس الأمر كما غررت به. قرأ الجمهور "تكذبون" بالفوقية على الخطاب. وقرأ الحسن وأبو جعفر وشيبة بالتحتية على الغيبة.
وجملة 10- "وإن عليكم لحافظين" في محل نصب على الحال من فاعل تكذبون: أي تكذبون والحال أن عليكم من يدفع تكذيبكم، ويجوز أن تكون مستأنفة مسوقة لبيان ما يبطل تكذيبهم، والحافظين الرقباء من الملائكة الذي يحفظون على العباد أعمالهم ويكتبونها في الصحف. ووصفهم سبحانه بأنهم كرام لديه يكتبون ما يأمرهم به من أعمال العباد.
11- "كراماً كاتبين".
وجملة 12- "يعلمون ما تفعلون" في محل نصب على الحال من ضمير كاتبين، أو على النعت، أو مستأنفة. قال الرازي: والمعنى التعجيب من حالهم كأنه قال: إنكم تكذبون بيوم الدين، وملائكة الله موكلون بكم يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة، ونظيره قوله تعالى: " عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ".
ثم بين سبحانه حال الفريقين فقال: 13- " إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم " والجملة مستأنفة لتقرير هذا المعنى الذي سقيت له، وهي كقوله سبحانه: "فريق في الجنة وفريق في السعير".
14- "وإن الفجار لفي جحيم".
15- "يصلونها يوم الدين" صفة لجحيم، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من الضمير في متعلق الجار والمجرور، أو مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل ما حالهم ؟ فقيل " يصلونها يوم الدين" أي يوم الجزاء الذي كانوا يكذبون به ، ومعنى يصلونها: أنهم يلزمونها مقاسين لوهجها وحرها يومئذ. قرأ الجمهور "يصلونها" مخففاً مبنياً للفاعل، وقرئ بالتشديد مبنياً للمفعول.
16- "وما هم عنها بغائبين" إي لا يفارقونها أبداً ولا يغيبون عنها، بل هم فيها، وقيل المعنى: وما كانوا غائبين عنها قبل ذلك بالكلية بل كانوا يجدون حرها في قبورهم.
ثم عظم سبحانه ذلك اليوم فقال: 17- " وما أدراك ما يوم الدين * ثم ما أدراك ما يوم الدين " أي يوم الجزاء والحساب. وكرره تعظيماً لقدره وتفخيماً لشأنه، وتهويلاً لأمره كما في قوله: " القارعة * ما القارعة * وما أدراك ما القارعة " و" الحاقة * ما الحاقة * وما أدراك ما الحاقة " وامعنى: أي شيء جعلك دارياً ما يوم الدين. قال الكلبي: الخطاب للإنسان الكافر.
18- "ثم ما أدراك ما يوم الدين".
19- "يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله" قرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع "يوم" على أنه بدل من يوم الدين، أو خبر مبتدأ محذوف. وقرأ أبو عمرو في رواية يوم بالتنوين، والقطع عن الإضافة. وقرأ الباقون بفتحه على أنها فتحة إعراب بتقدير أعني أو أذكر، فيكون مفعولاً به، أو على أنها فتحة بناءً لإضافته إلى الجملة على رأي الكوفيين، وهو في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أو على أنه بدل من يوم الدين. قال الزجاج: يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه مبني على الفتح لإضافته إلى قوله: "لا تملك" وما أضيف إلى غير المتمكن فقد يبنى على الفتح، وإن كان في موضع رفع، وهذا الذي ذكره إنما يجوز عند الخليل وسيبويه إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي، وأما إلى الفعل المستقبل فلا يجوز عندهما، وقد وافق الزجاج على ذلك أبو علي الفارسي والفراء وغيرهما، والمعنى: أنها لا تملك نفس من النفوس لنفس أخرى شيئاً من النفع أو الضر "والأمر يومئذ لله" وحده لا يملك شيئاً من الأمر غيره كائناً ما كان. قال مقاتل: يعني لنفس كافرة شيئاً من المنفعة. قال قتادة. ليس ثم أحد يقضي شيئاً، أو يصنع شيئاً إلا الله رب العالمين، والمعنى: أن الله لا يملك أحداً في اليوم شيئاً من الأمور كما ملكهم في الدنيا. ومثل هذا قوله: "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار". وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله: "وإذا البحار فجرت" قال: بعضها في بعض، وفي قوله: "وإذا القبور بعثرت" قال: بحثت. وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: "علمت نفس ما قدمت وأخرت" قال: ما قدمت من خير وما أخرت من سنة صالحة يعمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس نحوه. وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "من استن خيراً فاستن به فله أجره ومثل أجور من اتبعه من غير منتقص من أجورهم، ومن استن شراً فاستن به فعليه وزره ومثل أوزار من اتبعه من غير منتقص من أوزارهم، وتلا حذيفة "علمت نفس ما قدمت وأخرت"". وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه قرأ هذه الآية "ما غرك بربك الكريم" قال: غره الله جهله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل وحافظين في النهار يحفظان عمله ويكتبان أثره. سورة المطففين وهي ست وثلاثون آية قال القرطبي: وهي مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومقاتل، ومدنية في قوله الحسن وعكرمة. وقال مقاتل: أيضاً هي أول سورة نزلت بالمدينة. وقال ابن عباس وقتادة: هي مدنية إلا ثمان آيات من قوله: "إن الذين أجرموا" إلى آخرها. وقال الكلبي وجابر بن زيد: نزلت بين مكة والمدينة. وأخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة المطففين بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال: آخر ما نزل بمكة سورة المطففين. وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الشعب. قال السيوطي بسند صحيح عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً، فأنزل الله "ويل للمطففين" فأحسنوا الكيل بعد ذلك. قوله: 1- "ويل للمطففين" ويل مبتدأ، وسوغ الابتداء به كونه دعاء، ولو نصب لجاز. قال مكي والمختار: في ويل وشبهه إذا كان غير مضاف الرفع، ويجوز النصب، فإن كان مضافاً أو معرفاً كان [الاختيار] فيه النصب نحو قوله: "ويلكم لا تفتروا" وللمطففين خبره، والمطفف المنقص، وحقيقته الأخذ في الكيل أو الوزن شيئاً طفيفاً: أي نزراً حقيراً. قال أهل اللغة: المطفف مأخوذ من الطفف، وهو القليل، فالمطفف هو المقلل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن. قال الزجاج: إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفف لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف. قال أبو عبيدة والمبرد: المطفف الذي يبخس في الكيل والوزن. والمرد بالويل هنا شدة العذاب، أو نفس العذاب، أو الشر الشديد، أو هو واد في جهنم. قال الكلبي: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسيئون كيلهم ووزنهم لغيرهم، ويستوفون لأنفسهم، فنزلت هذه الآية. وقال السدي: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان بها رجل يقال له أبو جهينة، ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر. فأنزل الله هذه الآية. قال الفراء: هم بعد نزول هذه الآية أحسن الناس كيلاً إلى يومهم هذا.
ثم بين سبحانه المطففين من هم؟ فقال: 2- "الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون" أي يستوفون الاكتيال والأخذ بالكيل. قال الفراء: يردي اتكتاروا من الناس، وعلى ومن في هذا الموضع يعتقبان، يقال اكتلت منك: أي استوفيت منك، وتقول اكتلت عليك: أي أخذت ما عليك. قال الزجاج: إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل، ولم يذكر اتزنوا لأن الكيل والوزن بهما الشراء والبيع فأحدهما يدل على الآخر. قال الواحدي: قال المفسرون: يعني الذي إذا اشتروا لأنفسهم استوفوا في الكيل والوزن، وإذا باعوا ووزنوا لغيرهم نقصوا.
وهو معنى قوله: 3- "وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون" أي كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذفت اللام فتعدى الفعل إلى المفعول، فهو من باب الحذف والإيصال، ومثله نصحتك ونصحت لك، كذا قال الأخفش والكسائي والفراء. قال الفراء: وسمعت أعرابية تقول: إذا صدر الناس أتينا التاجر فيكليلنا المد والمدين إلى الموسم المقبل. قال: وهو من كلام أهل الحجاز ومن جاورهم من قيس. قال الزجاج: لا يجوز الوقف على كالوا حتى يوصل بالضمير، ومن الناس من يجعله توكيداً: أي توكيداً: أي توكيداً للضمير المستكن في الفعل، فيجيز الوقف على كالوا أو وزنوا. قال أبو عبيد: وكان عيسى بن عمر يجعلهما حرفين، ويقف على كالوا أو وزنوا، ثم يقول هم يخسرون. قال: وأحسب قراءة حمزة كذلك. قال أبو عبيد: والاختيار أن يكونا كلمة واحدة من جهتين: إحدهما الخط، ولذلك كتبوهما بغير ألف، ولو كانتا مقطوعتين لكانتا كالوا أو وزنوا بالألف. والأخرى أنه يقال: كلتك ووزنتك بمعنى: كلت لك ووزنت لك وهو كلام عربي، كما يقال صدقتك وصدت لك، وكسبتك وكسبت لك، وشكرتك وشكرت لك ونحو ذلك. وقيل هو على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، والمضاف المكيل والموزون: أي وإذا كالوا مكيلهم، أو وزنوا موزونهم، ومعنى يخسرون: ينقصون كقوله: "ولا تخسروا الميزان" والعرب تقول: خسرت الميزان وأخسرته.
ثم خوفهم سبحانه فقال: 4- "ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون" والجملة مستأنفة مسوقة لتهويل ما فعلوه من التطفيف وتفظيعه وللتعجيب من حالهم في الاجتراء عليه، والإشارة بقوله: "أولئك" إلى المطففين، والمعنى: أنهم لا يخطرون ببالهم أنهم بمعوثون فمسؤولون عما يفعلون. قيل والظن هنا بمعنى اليقين: أي لا يوقن أولئك، ولو أيقنوا ما نقصوا الكيل والوزن، وقيل الظن على بابه، والمعنى: إن كانوا لا يستيقنون البعث، فهلا ظنوه حتى يتدبوا فيه ويبحثوا عنه يوتركوا ما يخشون من عاقبته. واليوم العظيم هو يوم القيامة، ووصفه بالعظم لكونه زماناً لتلك الأمور العظام من البعث والحساب والعقاب، ودخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار.
5- "ليوم عظيم".
ثم أخبر عن ذلك اليوم فقال: 6- "يوم يقوم الناس لرب العالمين" انتصاب الظرف بمبعوثون المذكور قبله، أو بفعل مقدر يدل عليه مبعوثون. أي يبعثون يوم يقوم الناس، أو على البدل من محل ليوم، أو بإضمار أعني، أو هو في محل رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أو في محل جر على البدل من لفظ ليوم، وإنما بني على الفتح في هذين الوجهين لإضافته إلى الفعل. قال الزجاج: يوم منصوب بقوله مبعوثون، المعنى: ألا يظنون أنهم يبعثون يوم القيامة، ومعنى يوم يقوم الناس: يوم يقومون من قبورهم لأمر رب العالمين، أو لجزائه، أو لحسابه، أو لحكمه وقضائه. وفي وصف اليوم بالعظم مع قيام الناس لله خاضعين فيه ووصفه سبحانه بكونه رب العالمين دلالة على عظم ذنب الطفيف، ومزيد إئمه وفظاعة عقابه. وقيل المراد بقوله: "يوم يقوم الناس" قيامهم في رشحهم إلى أنصاف آذانهم، وقيل المراد قيامهم بما عليهم من حقوق العباد، وقيل المراد قيام الرسل بين يدي الله للقضاء، والأول أولى.