سورة التوبة | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 207 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 207
208
206
الآية : 123
القول في تأويل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الّذِينَ يَلُونَكُمْ مّنَ الْكُفّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ مَعَ الْمُتّقِينَ }.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله قاتلوا من وليَكم من الكفار دون من بعُد منهم, يقول لهم: ابدءوا بقتال الأقرب فالأقرب إليكم دارا دون الأبعد فالأبعد. وكان الذي يلون المخاطبين بهذه الآية يومئذ الروم, لأنهم كانوا سكان الشأم يومئذ, والشأم كانت أقرب إلى المدينة من العراق. فأما بعد أن فتح الله على المؤمنين البلاد, فإن الفرض على أهل كل ناحية قتال من وليهم من الأعداء دون الأبعد منهم ما لم يضطرّ إليهم أهل ناحية أخرى من نواحي بلاد الإسلام, فإن اضطرّوا إليهم لزم عونهم ونصرهم, لأن المسلمين يد على من سواهم. ولصحة كون ذلك, تأوّل كل من تأوّل هذه الآية أن معناها إيجاب الفرض على أهل كلّ ناحية قتال من وليهم من الأعداء. ذكر الرواية بذلك:
13629ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن شبيب بن غرقدة, عن عروة البارقي, عن رجل من بني تميم, قال: سألت ابن عمر عن قتال الديلم, قال: عليك بالروم.
13630ـ حدثنا ابن بشار وأحمد بن إسحاق وسفيان بن وكيع, قالوا: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفيان, عن يونس عن الحسن: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ قال: الديلم.
13631ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن الربيع, عن الحسن: أنه كان إذا سئل عن قتال الروم والديلم تلا هذه الآية: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ.
13632ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, قال: حدثنا عمران أخي, قال: سألت جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين, فقلت: ما ترى في قتال الديلم؟ فقال: قاتلوهم ورابطوهم, فإنهم من الذين قال الله: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا سفيان, عن الربيع, عن الحسن أنه سئل عن الشام والديلم, فقال: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ: الديلم.
13633ـ حدثني عليّ بن سهل, قال: حدثنا الوليد, قال: سمعت أبا عمرو وسعيد بن عبد العزيز يقولان: يرابط كلّ قوم ما يليهم من مسالحهم وحصونهم. ويتأوّلان قول الله: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ.
13634ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ قال: كان الذين يلونهم من الكفار العرب, فقاتلوهم حتى فرغ منهم. فلما فرغ قال الله: قاتِلُوا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ باللّهِ وَلا باليَوْمِ الاَخِرِ... حتى بلغ: وَهُمْ صَاغِرُونَ قال: فلما فرغ من قتال من يليه من العرب أمره بجهاد أهل الكتاب, قال: وجهادهم أفضل الجهاد عند الله.
وأما قوله: وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً فإن معناه: وليجد هؤلاء الكفار الذين تقاتلونهم فِيكُمْ أي منكم شدّة عليهم. وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ مَعَ المُتقِينَ يقول: وأيقنوا عند قتالكم إياهم أن الله معكم وهو ناصركم عليهم, فإن اتقيتم الله وخفتموه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه, فإن الله ناصر من اتقاه ومعينه.
الآية : 124
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مّن يَقُولُ أَيّكُمْ زَادَتْهُ هَـَذِهِ إِيمَاناً فَأَمّا الّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وإذا أنزل الله سورة من سور القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, فمن هؤلاء المنافقين الذين ذكرهم الله في هذه السورة من يقول: أيها الناس أيكم زادته هذه السورة إيمانا؟ يقول تصديقا بالله وبآياته. يقول الله: فأما الذين آمنوا من الذين قيل لهم ذلك, فزادتهم السورة التي أنزلت إيمانا وهم يفرحون بما أعطاهم الله من الإيمان واليقين.
فإن قال قائل: أو ليس الإيمان في كلام العرب التصديق والإقرار؟ قيل: بلى. فإن قيل: فكيف زادتهم السورة تصديقا وإقرارا؟ قيل: زادتهم إيمانا حين نزلت, لأنهم قبل أن تنزل السورة لم يكن لزمهم فرض الإقرار بها والعمل بها بعينها إلا في جملة إيمانهم بأن كل ما جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من عند الله فحقّ فلما أنزل الله السورة لزمهم فرض الإقرار بأنها بعينها من عند الله, ووجب عليهم فرض الإيمان بما فيها من أحكام الله وحدوده وفرائضه, فكان ذلك هو الزيادة التي زادهم نزول السورة حين نزلت من الإيمان والتصديق بها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
13635ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: وَإذَا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أيّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمانا قال: كان إذا نزلت سورة آمنوا بها, فزادهم الله إيمانا وتصديقا, وكانوا يستبشرون.
13636ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, في قوله: فَزَادَتْهُمْ إيمَانا قال: خشية.
الآية : 125
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىَ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وأما الذين في قلوبهم مرض, نفاق وشكّ في دين الله, فإن السورة التي أنزلت زادتهم رجسا إلى رجسهم وذلك أنهم شكوا في أنها من عند الله, فلم يؤمنوا بها ولم يصدّقوا, فكان ذلك زيادة شكّ حادثة في تنزيل الله لزمهم الإيمان به عليهم بل ارتابوا بذلك, فكان ذلك زيادة نتن من أفعالهم إلى ما سلف منهم نظيره من النتن والنفاق, وذلك معنى قوله: فَزَادَتْهُمْ رِجْسا إلى رِجْسِهِمْ وَماتُوا يعني هؤلاء المنافقين أنهم هلكوا, وَهُمْ كافِرُونَ يعني وهم كافرون بالله وآياته.
الآية : 126
القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عَامٍ مّرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ ثُمّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذّكّرُونَ }.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: أوَ لا يَرَوْنَ فقرأته عامة قرّاء الأمصار: أوَ لا يَرَوْنَ بالياء, بمعنى أو لا يرى هؤلاء الذين في قلوبهم مرض النفاق. وقرأ ذلك حمزة: «أوَ لا تَرَوْنَ» بالتاء, بمعنى أو لا ترون أنتم أيها المؤمنون أنهم يفتنون؟
والصواب عندنا من القراءة في ذلك: الياء, على وجه التوبيخ من الله لهم, لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه وصحة معناه: فتأويل الكلام إذا: أوَ لا يرى هؤلاء المنافقون أن الله يختبرهم في كلّ عام مرّة أو مرّتين, بمعنى أنه يختبرهم في بعض الأعوام مرّة, وفي بعضها مرّتين. ثم لا يَتُوبُونَ يقول: ثم هم مع البلاء الذي يحلّ بهم من الله والاختبار الذي يعرض لهم لا ينيبون من نفاقهم, ولا يتوبون من كفرهم, ولا هم يتذكرون بما يرون من حجج الله ويعاينون من آياته, فيعظوا بها ولكنهم مصرّون على نفاقهم.
واختلف أهل التأويل في معنى الفتنة التي ذكر الله في هذا الموضع أن هؤلاء المنافقين يفتنون بها, فقال بعضهم: ذلك اختبار الله إياهم بالقحط والشدّة. ذكر من قال ذلك:
13637ـ حدثنا ابن وكيع, حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: أوَ لا يَرَوْنَ أنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ قال: بالسنة والجوع.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: يُفْتَنون قال: يُبتلون, في كلّ عام مَرّةً أوْ مَرّتَيْنِ قال: بالسنة والجوع.
13638ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: أوَ لا يَرَوْنَ أنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ قال: يُبتلون بالعذاب في كل عام مرّة أو مرّتين.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ قال: بالسنة والجوع.
وقال آخرون: بل معناه أنهم يختبرون بالغزو والجهاد. ذكر من قال ذلك:
13639ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أوَ لا يَرَوْنَ أنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ قال: يُبتلون بالغزو في سبيل الله في كلّ عام مرّة أو مرّتين.
13640ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن, مثله.
وقال آخرون: بل معناه: أنهم يختبرون بما يشيع المشركون من الأكاذيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فيفتتن بذلك الذين في قلوبهم مرض. ذكر من قال ذلك:
13641ـ حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن جابر, عن أبي الضحى, عن حذيفة: أوَ لا يَرَوْنَ أنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ قال: كنا نسمع في كلّ عام كذبة أو كذبتين, فيضلّ بها فئام من الناس كثير.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن شريك, عن جابر, عن أبي الضحى, عن حذيفة, قال: كان لهم في كلّ عام كذبة أو كذبتان.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الله عجّب عباده المؤمنين من هؤلاء المنافقين, ووبخ المنافقين في أنفسهم بقلة تذكرهم وسوء تنبههم لمواعظ الله التي يعظهم بها. وجائز أن تكون تلك المواعظ الشدائد التي يُنزلها بهم من الجوع والقحط, وجائز أن تكون ما يريهم من نصرة رسوله على أهل الكفر به ويرزقه من إظهار كلمته على كلمتهم, وجائز أن تكون ما يظهر للمسلمين من نفاقهم وخبث سرائرهم بركونهم إلى ما يسمعون من أراجيف المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ولا خبر يوجب صحة بعض ذلك, دون بعض من الوجه الذي يجب التسليم له, ولا قول في ذلك أولى بالصواب من التسليم لظاهر قول الله, وهو: أو لا يرون أنهم يختبرون في كلّ عام مرّة أو مرّتين بما يكون زاجرا لهم ثم لا ينزجرون ولا يتعظون.
الآية : 127
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مّنْ أَحَدٍ ثُمّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَفْقَهُون }.
يقول تعالى ذكره: وإذا ما أنزلت سورة من القرآن فيها عيب هؤلاء المنافقين الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم في هذه السورة, وهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر بعضهم إلى بعض, فتناظروا هل يراكم من أحد إن تكلمتم أو تناجيتم بمعايب القوم يخبرهم به, ثم قام فانصرفوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يستمعوا قراءة السورة التي فيها معايبهم. ثم ابتدأ جلّ ثناؤه قوله: صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ فقال: صرف الله عن الخير والتوفيق والإيمان بالله ورسوله قلوب هؤلاء المنافقين ذلك بأنّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ يقول: فعل الله بهم هذا الخذلان, وصرف قلوبهم عن الخيرات من أجل أنهم قوم لا يفقهون عن الله مواعظه, استكبارا ونفاقا.
واختلف أهل العربية في الجالب حرف الاستفهام, فقال بعض نحويي البصرة, قال: نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد؟ كأنه قال: قال بعضهم لبعض لأن نظرهم في هذا المكان كان إيماءً وتنبيها به, والله أعلم. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هو: وإذا ما أنزلت سورة قال بعضهم لبعض: هل يراكم من أحد؟ وقال آخر منهم: هذا النظر ليس معناه القول, ولكنه النظر الذي يجلب الاستفهام كقول العرب: تناظروا أيهم أعلم, واجتمعوا أيهم أفقه أي اجتمعوا لينظروا, فهذا الذي يجلب الاستفهام.
13642ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن شعبة, عن أبي حمزة, عن ابن عباس, قال: لا تقولوا: انصرفنا من الصلاة, فإن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم, ولكن قولوا: قد قضينا الصلاة.
قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن عمير بن تميم الثعلبي, عن ابن عباس, قال: لا تقولوا: انصرفنا من الصلاة, فإن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم.
قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن ابن عباس, قال: لا تقولوا انصرفنا من الصلاة, فإن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم, ولكن قولوا: قد قضينا الصلاة.
13643ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَإذَا ما أُنْزِلَتُ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْض... الآية, قال: هم المنافقون.
وكان ابن زيد يقول في ذلك, ما:
13644ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَإذَا ما أُنْزِلَتْ سُوَرةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أحَدٍ ممن سمع خبركم رآكم أحد أخبره إذا نزل شيء يخبر عن كلامهم, قال: وهم المنافقون. قال: وقرأ: وإذَا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إيّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمَانا... حتى بلغ: نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْض هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أحَدٍ أخبره بهذا, أكان معكم أحد سمع كلامكم, أحد يخبره بهذا؟
13645ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا شعبة, قال: حدثنا أبو إسحاق الهمداني, عمن حدثه, عن ابن عباس, قال: لا تقل انصرفنا من الصلاة, فإن الله عَيّر قوما فقال: انْصَرَفُوا صَرَفَ اللّهُ قُلُوَبهُمْ ولكن قل: قد صلينا.
الآية : 128
القول في تأويل قوله تعالى: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ }.
يقول تعالى ذكره للعرب: لَقَدْ جاءَكُمْ أيها القوم رَسُولٌ الله إليكم مِنْ أنْفُسِكُمْ تعرفونه لا من غيركم, فتتهموه على أنفسكم في النصيحة لكم. عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنتّمْ: أي عزيز عليه عنتكم, وهو دخول المشقة عليهم والمكروه والأذى. حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ يقول: حريص على هدى ضلاّلكم وتوبتهم ورجوعهم إلى الحقّ. بالمُؤْمِنِينَ رَءُؤفٌ: أي رفيق رَحِيمٌ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
13646ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيينة, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, في قوله: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ قال: لم يصبه شيء من شرك في ولادته.
13647ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيينة, عن جعفر بن محمد, في قوله: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية. قال: وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّي خَرَجْتُ مِنْ نِكاحٍ ولَمْ أخْرُجْ مِنْ سِفاحٍ».
حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن ابن عيينة, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, بنحوه.
13648ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ قال: جعله الله من أنفسهم, ولا يحسدونه على ما أعطاه الله من النبوّة والكرامة.
وأما قوله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله, فقال بعضهم: معناه: ما ضللتم. ذكر من قال ذلك:
13649ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا طلق بن غنام, قال: حدثنا الحكم بن ظهير عن السديّ, عن ابن عباس, في قوله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ قال: ما ضللتم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: عزيز عليه عنت مؤمنكم. ذكر من قال ذلك:
13650ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ عزيز عليه عنت مؤمنهم.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول ابن عباس وذلك أن الله عمّ بالخبر عن نبيّ الله أنه عزيز عليه ما عنت قومه, ولم يخصص أهل الإيمان به, فكان صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله به عزيزا عليه عنت جميعهم.
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف صلى الله عليه وسلم بأنه كان عزيزا عليه عنت جميعهم وهو يقتل كفارهم ويسبي ذراريهم ويسلبهم أموالهم؟ قيل: إن إسلامهم لو كانوا أسلموا كان أحبّ إليه من إقامتهم على كفرهم وتكذيبهم إياه حتى يستحقوا ذلك من الله, وإنما وصفه الله جلّ ثناؤه بأنه عزيز عليه عنتهم, لأنه كان عزيزا عليه أن يأتوا ما يعنتهم وذلك أن يضلوا فيستوجبوا العنت من الله بالقتل والسبي.
وأما «ما» التي في قوله: ما عَنِتّمْ فإنه رفع بقوله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ لأن معنى الكلام: ما ذكرت عزيز عليه عنتكم.
وأما قوله: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ فإن معناه: ما قد بينت, وهو قول أهل التأويل ذكر من قال ذلك:
13651ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ حريص على ضالهم أن يهديه الله.
13652ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ قال: حريص على من لم يسلم أن يسلم.
الآية : 129
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لآ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَهُوَ رَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }.
يقول تعالى ذكره: فإن تولى يا محمد هؤلاء الذين جئتهم بالحقّ من عند ربك من قومك, فأدبروا عنك ولم يقبلوا ما أتيتهم به من النصيحة في الله وما دعوتهم إليه من النور والهدى, فقل حسبي الله, يكفيني ربي لا إلَهِ إلاّ هُوَ لا معبود سواه, عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وبه وثقت, وعلى عونه اتكلت, وإليه وإلى نصره استندت, فإنه ناصري ومعيني على من خالفني وتولى عني منكم ومن غيركم من الناس. وَهُوَ رَبّ العَرْشِ العَظِيم الذي يملك كل ما دونه, والملوك كلهم مماليكه وعبيده. وإنما عني بوصفه جلّ ثناؤه نفسه بأنه ربّ العرش العظيم, الخبر عن جميع ما دونه أنهم عبيده وفي ملكه وسلطانه لأن العرش العظيم إنما يكون للملوك, فوصف نفسه بأنه ذو العرش دون سائر خلقه وأنه الملك العظيم دون غيره وأن من دون في سلطانه وملكه جار عليه حكمه وقضاؤه.
13653ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فإنْ تَوَلّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ يعني الكفار تولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذه في المؤمنين.
13654ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيينة, عن عمرو, عن عبيد بن عمير, قال: كان عمر رحمة الله عليه لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد رجلان, فجاء رجل من الأنصار بهاتين الاَيتين: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ فقال عمر: لا أسألك عليهما بينة أبدا, كذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
13655ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس, عن زهير, عن الأعمش, عن أبي صالح الحنفي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّهَ رَحِيمٌ يُحِبّ كُلّ رَحِيم, يَضَعُ رَحْمَتَهُ على كُلّ رَحِيمٍ». قالوا: يا رسول الله إنا لنرحم أنفسنا وأموالنا قال: وأراه قال: وأزواجنا. قال: «ليسَ كذلكَ, ولكِنْ كُونُوا كمَا قَالَ اللّهُ: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فإنْ تَوَلّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إلَهَ إلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَهُوَ رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ» أراه قرأ هذه الآية كلها.
13656ـ حدثني محمد بن المثنى, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, عن عليّ بن زيد, عن يوسف, عن ابن عباس, عن أبيّ بن كعب, قال: آخر آية نزلت من القرآن: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ... إلى آخر الآية.
حدثني المثنى, قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم, قال: حدثنا شعبة, عن عليّ بن زيد, عن يوسف بن مهران, عن ابن عباس, عن أبيّ, قال: آخر آية نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ... الآية.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا شعبة, عن عليّ بن زيد, عن يوسف بن مهران, عن أبيّ, قال: أحدث القرآن عهدا بالله هاتان الاَيتان: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ... إلى آخر الاَيتين.
حدثني أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن محمد, قال: حدثنا أبان بن يزيد العطار, عن قتادة, عن أبيّ بن كعب, قال: أحدث القرآن عهدا بالله الاَيتان: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ... إلى آخر السورة.
نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة التوبة
208
206
الآية : 123
القول في تأويل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الّذِينَ يَلُونَكُمْ مّنَ الْكُفّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ مَعَ الْمُتّقِينَ }.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله قاتلوا من وليَكم من الكفار دون من بعُد منهم, يقول لهم: ابدءوا بقتال الأقرب فالأقرب إليكم دارا دون الأبعد فالأبعد. وكان الذي يلون المخاطبين بهذه الآية يومئذ الروم, لأنهم كانوا سكان الشأم يومئذ, والشأم كانت أقرب إلى المدينة من العراق. فأما بعد أن فتح الله على المؤمنين البلاد, فإن الفرض على أهل كل ناحية قتال من وليهم من الأعداء دون الأبعد منهم ما لم يضطرّ إليهم أهل ناحية أخرى من نواحي بلاد الإسلام, فإن اضطرّوا إليهم لزم عونهم ونصرهم, لأن المسلمين يد على من سواهم. ولصحة كون ذلك, تأوّل كل من تأوّل هذه الآية أن معناها إيجاب الفرض على أهل كلّ ناحية قتال من وليهم من الأعداء. ذكر الرواية بذلك:
13629ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن شبيب بن غرقدة, عن عروة البارقي, عن رجل من بني تميم, قال: سألت ابن عمر عن قتال الديلم, قال: عليك بالروم.
13630ـ حدثنا ابن بشار وأحمد بن إسحاق وسفيان بن وكيع, قالوا: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفيان, عن يونس عن الحسن: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ قال: الديلم.
13631ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن الربيع, عن الحسن: أنه كان إذا سئل عن قتال الروم والديلم تلا هذه الآية: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ.
13632ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, قال: حدثنا عمران أخي, قال: سألت جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين, فقلت: ما ترى في قتال الديلم؟ فقال: قاتلوهم ورابطوهم, فإنهم من الذين قال الله: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا سفيان, عن الربيع, عن الحسن أنه سئل عن الشام والديلم, فقال: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ: الديلم.
13633ـ حدثني عليّ بن سهل, قال: حدثنا الوليد, قال: سمعت أبا عمرو وسعيد بن عبد العزيز يقولان: يرابط كلّ قوم ما يليهم من مسالحهم وحصونهم. ويتأوّلان قول الله: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ.
13634ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ قال: كان الذين يلونهم من الكفار العرب, فقاتلوهم حتى فرغ منهم. فلما فرغ قال الله: قاتِلُوا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ باللّهِ وَلا باليَوْمِ الاَخِرِ... حتى بلغ: وَهُمْ صَاغِرُونَ قال: فلما فرغ من قتال من يليه من العرب أمره بجهاد أهل الكتاب, قال: وجهادهم أفضل الجهاد عند الله.
وأما قوله: وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً فإن معناه: وليجد هؤلاء الكفار الذين تقاتلونهم فِيكُمْ أي منكم شدّة عليهم. وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ مَعَ المُتقِينَ يقول: وأيقنوا عند قتالكم إياهم أن الله معكم وهو ناصركم عليهم, فإن اتقيتم الله وخفتموه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه, فإن الله ناصر من اتقاه ومعينه.
الآية : 124
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مّن يَقُولُ أَيّكُمْ زَادَتْهُ هَـَذِهِ إِيمَاناً فَأَمّا الّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وإذا أنزل الله سورة من سور القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, فمن هؤلاء المنافقين الذين ذكرهم الله في هذه السورة من يقول: أيها الناس أيكم زادته هذه السورة إيمانا؟ يقول تصديقا بالله وبآياته. يقول الله: فأما الذين آمنوا من الذين قيل لهم ذلك, فزادتهم السورة التي أنزلت إيمانا وهم يفرحون بما أعطاهم الله من الإيمان واليقين.
فإن قال قائل: أو ليس الإيمان في كلام العرب التصديق والإقرار؟ قيل: بلى. فإن قيل: فكيف زادتهم السورة تصديقا وإقرارا؟ قيل: زادتهم إيمانا حين نزلت, لأنهم قبل أن تنزل السورة لم يكن لزمهم فرض الإقرار بها والعمل بها بعينها إلا في جملة إيمانهم بأن كل ما جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من عند الله فحقّ فلما أنزل الله السورة لزمهم فرض الإقرار بأنها بعينها من عند الله, ووجب عليهم فرض الإيمان بما فيها من أحكام الله وحدوده وفرائضه, فكان ذلك هو الزيادة التي زادهم نزول السورة حين نزلت من الإيمان والتصديق بها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
13635ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: وَإذَا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أيّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمانا قال: كان إذا نزلت سورة آمنوا بها, فزادهم الله إيمانا وتصديقا, وكانوا يستبشرون.
13636ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, في قوله: فَزَادَتْهُمْ إيمَانا قال: خشية.
الآية : 125
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىَ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وأما الذين في قلوبهم مرض, نفاق وشكّ في دين الله, فإن السورة التي أنزلت زادتهم رجسا إلى رجسهم وذلك أنهم شكوا في أنها من عند الله, فلم يؤمنوا بها ولم يصدّقوا, فكان ذلك زيادة شكّ حادثة في تنزيل الله لزمهم الإيمان به عليهم بل ارتابوا بذلك, فكان ذلك زيادة نتن من أفعالهم إلى ما سلف منهم نظيره من النتن والنفاق, وذلك معنى قوله: فَزَادَتْهُمْ رِجْسا إلى رِجْسِهِمْ وَماتُوا يعني هؤلاء المنافقين أنهم هلكوا, وَهُمْ كافِرُونَ يعني وهم كافرون بالله وآياته.
الآية : 126
القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عَامٍ مّرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ ثُمّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذّكّرُونَ }.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: أوَ لا يَرَوْنَ فقرأته عامة قرّاء الأمصار: أوَ لا يَرَوْنَ بالياء, بمعنى أو لا يرى هؤلاء الذين في قلوبهم مرض النفاق. وقرأ ذلك حمزة: «أوَ لا تَرَوْنَ» بالتاء, بمعنى أو لا ترون أنتم أيها المؤمنون أنهم يفتنون؟
والصواب عندنا من القراءة في ذلك: الياء, على وجه التوبيخ من الله لهم, لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه وصحة معناه: فتأويل الكلام إذا: أوَ لا يرى هؤلاء المنافقون أن الله يختبرهم في كلّ عام مرّة أو مرّتين, بمعنى أنه يختبرهم في بعض الأعوام مرّة, وفي بعضها مرّتين. ثم لا يَتُوبُونَ يقول: ثم هم مع البلاء الذي يحلّ بهم من الله والاختبار الذي يعرض لهم لا ينيبون من نفاقهم, ولا يتوبون من كفرهم, ولا هم يتذكرون بما يرون من حجج الله ويعاينون من آياته, فيعظوا بها ولكنهم مصرّون على نفاقهم.
واختلف أهل التأويل في معنى الفتنة التي ذكر الله في هذا الموضع أن هؤلاء المنافقين يفتنون بها, فقال بعضهم: ذلك اختبار الله إياهم بالقحط والشدّة. ذكر من قال ذلك:
13637ـ حدثنا ابن وكيع, حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: أوَ لا يَرَوْنَ أنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ قال: بالسنة والجوع.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: يُفْتَنون قال: يُبتلون, في كلّ عام مَرّةً أوْ مَرّتَيْنِ قال: بالسنة والجوع.
13638ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: أوَ لا يَرَوْنَ أنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ قال: يُبتلون بالعذاب في كل عام مرّة أو مرّتين.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ قال: بالسنة والجوع.
وقال آخرون: بل معناه أنهم يختبرون بالغزو والجهاد. ذكر من قال ذلك:
13639ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أوَ لا يَرَوْنَ أنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ قال: يُبتلون بالغزو في سبيل الله في كلّ عام مرّة أو مرّتين.
13640ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن, مثله.
وقال آخرون: بل معناه: أنهم يختبرون بما يشيع المشركون من الأكاذيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فيفتتن بذلك الذين في قلوبهم مرض. ذكر من قال ذلك:
13641ـ حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن جابر, عن أبي الضحى, عن حذيفة: أوَ لا يَرَوْنَ أنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ قال: كنا نسمع في كلّ عام كذبة أو كذبتين, فيضلّ بها فئام من الناس كثير.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن شريك, عن جابر, عن أبي الضحى, عن حذيفة, قال: كان لهم في كلّ عام كذبة أو كذبتان.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الله عجّب عباده المؤمنين من هؤلاء المنافقين, ووبخ المنافقين في أنفسهم بقلة تذكرهم وسوء تنبههم لمواعظ الله التي يعظهم بها. وجائز أن تكون تلك المواعظ الشدائد التي يُنزلها بهم من الجوع والقحط, وجائز أن تكون ما يريهم من نصرة رسوله على أهل الكفر به ويرزقه من إظهار كلمته على كلمتهم, وجائز أن تكون ما يظهر للمسلمين من نفاقهم وخبث سرائرهم بركونهم إلى ما يسمعون من أراجيف المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ولا خبر يوجب صحة بعض ذلك, دون بعض من الوجه الذي يجب التسليم له, ولا قول في ذلك أولى بالصواب من التسليم لظاهر قول الله, وهو: أو لا يرون أنهم يختبرون في كلّ عام مرّة أو مرّتين بما يكون زاجرا لهم ثم لا ينزجرون ولا يتعظون.
الآية : 127
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مّنْ أَحَدٍ ثُمّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَفْقَهُون }.
يقول تعالى ذكره: وإذا ما أنزلت سورة من القرآن فيها عيب هؤلاء المنافقين الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم في هذه السورة, وهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر بعضهم إلى بعض, فتناظروا هل يراكم من أحد إن تكلمتم أو تناجيتم بمعايب القوم يخبرهم به, ثم قام فانصرفوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يستمعوا قراءة السورة التي فيها معايبهم. ثم ابتدأ جلّ ثناؤه قوله: صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ فقال: صرف الله عن الخير والتوفيق والإيمان بالله ورسوله قلوب هؤلاء المنافقين ذلك بأنّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ يقول: فعل الله بهم هذا الخذلان, وصرف قلوبهم عن الخيرات من أجل أنهم قوم لا يفقهون عن الله مواعظه, استكبارا ونفاقا.
واختلف أهل العربية في الجالب حرف الاستفهام, فقال بعض نحويي البصرة, قال: نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد؟ كأنه قال: قال بعضهم لبعض لأن نظرهم في هذا المكان كان إيماءً وتنبيها به, والله أعلم. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هو: وإذا ما أنزلت سورة قال بعضهم لبعض: هل يراكم من أحد؟ وقال آخر منهم: هذا النظر ليس معناه القول, ولكنه النظر الذي يجلب الاستفهام كقول العرب: تناظروا أيهم أعلم, واجتمعوا أيهم أفقه أي اجتمعوا لينظروا, فهذا الذي يجلب الاستفهام.
13642ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن شعبة, عن أبي حمزة, عن ابن عباس, قال: لا تقولوا: انصرفنا من الصلاة, فإن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم, ولكن قولوا: قد قضينا الصلاة.
قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن عمير بن تميم الثعلبي, عن ابن عباس, قال: لا تقولوا: انصرفنا من الصلاة, فإن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم.
قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن ابن عباس, قال: لا تقولوا انصرفنا من الصلاة, فإن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم, ولكن قولوا: قد قضينا الصلاة.
13643ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَإذَا ما أُنْزِلَتُ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْض... الآية, قال: هم المنافقون.
وكان ابن زيد يقول في ذلك, ما:
13644ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَإذَا ما أُنْزِلَتْ سُوَرةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أحَدٍ ممن سمع خبركم رآكم أحد أخبره إذا نزل شيء يخبر عن كلامهم, قال: وهم المنافقون. قال: وقرأ: وإذَا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إيّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمَانا... حتى بلغ: نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْض هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أحَدٍ أخبره بهذا, أكان معكم أحد سمع كلامكم, أحد يخبره بهذا؟
13645ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا شعبة, قال: حدثنا أبو إسحاق الهمداني, عمن حدثه, عن ابن عباس, قال: لا تقل انصرفنا من الصلاة, فإن الله عَيّر قوما فقال: انْصَرَفُوا صَرَفَ اللّهُ قُلُوَبهُمْ ولكن قل: قد صلينا.
الآية : 128
القول في تأويل قوله تعالى: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ }.
يقول تعالى ذكره للعرب: لَقَدْ جاءَكُمْ أيها القوم رَسُولٌ الله إليكم مِنْ أنْفُسِكُمْ تعرفونه لا من غيركم, فتتهموه على أنفسكم في النصيحة لكم. عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنتّمْ: أي عزيز عليه عنتكم, وهو دخول المشقة عليهم والمكروه والأذى. حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ يقول: حريص على هدى ضلاّلكم وتوبتهم ورجوعهم إلى الحقّ. بالمُؤْمِنِينَ رَءُؤفٌ: أي رفيق رَحِيمٌ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
13646ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيينة, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, في قوله: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ قال: لم يصبه شيء من شرك في ولادته.
13647ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيينة, عن جعفر بن محمد, في قوله: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية. قال: وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّي خَرَجْتُ مِنْ نِكاحٍ ولَمْ أخْرُجْ مِنْ سِفاحٍ».
حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن ابن عيينة, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, بنحوه.
13648ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ قال: جعله الله من أنفسهم, ولا يحسدونه على ما أعطاه الله من النبوّة والكرامة.
وأما قوله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله, فقال بعضهم: معناه: ما ضللتم. ذكر من قال ذلك:
13649ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا طلق بن غنام, قال: حدثنا الحكم بن ظهير عن السديّ, عن ابن عباس, في قوله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ قال: ما ضللتم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: عزيز عليه عنت مؤمنكم. ذكر من قال ذلك:
13650ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ عزيز عليه عنت مؤمنهم.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول ابن عباس وذلك أن الله عمّ بالخبر عن نبيّ الله أنه عزيز عليه ما عنت قومه, ولم يخصص أهل الإيمان به, فكان صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله به عزيزا عليه عنت جميعهم.
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف صلى الله عليه وسلم بأنه كان عزيزا عليه عنت جميعهم وهو يقتل كفارهم ويسبي ذراريهم ويسلبهم أموالهم؟ قيل: إن إسلامهم لو كانوا أسلموا كان أحبّ إليه من إقامتهم على كفرهم وتكذيبهم إياه حتى يستحقوا ذلك من الله, وإنما وصفه الله جلّ ثناؤه بأنه عزيز عليه عنتهم, لأنه كان عزيزا عليه أن يأتوا ما يعنتهم وذلك أن يضلوا فيستوجبوا العنت من الله بالقتل والسبي.
وأما «ما» التي في قوله: ما عَنِتّمْ فإنه رفع بقوله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ لأن معنى الكلام: ما ذكرت عزيز عليه عنتكم.
وأما قوله: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ فإن معناه: ما قد بينت, وهو قول أهل التأويل ذكر من قال ذلك:
13651ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ حريص على ضالهم أن يهديه الله.
13652ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ قال: حريص على من لم يسلم أن يسلم.
الآية : 129
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لآ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَهُوَ رَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }.
يقول تعالى ذكره: فإن تولى يا محمد هؤلاء الذين جئتهم بالحقّ من عند ربك من قومك, فأدبروا عنك ولم يقبلوا ما أتيتهم به من النصيحة في الله وما دعوتهم إليه من النور والهدى, فقل حسبي الله, يكفيني ربي لا إلَهِ إلاّ هُوَ لا معبود سواه, عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وبه وثقت, وعلى عونه اتكلت, وإليه وإلى نصره استندت, فإنه ناصري ومعيني على من خالفني وتولى عني منكم ومن غيركم من الناس. وَهُوَ رَبّ العَرْشِ العَظِيم الذي يملك كل ما دونه, والملوك كلهم مماليكه وعبيده. وإنما عني بوصفه جلّ ثناؤه نفسه بأنه ربّ العرش العظيم, الخبر عن جميع ما دونه أنهم عبيده وفي ملكه وسلطانه لأن العرش العظيم إنما يكون للملوك, فوصف نفسه بأنه ذو العرش دون سائر خلقه وأنه الملك العظيم دون غيره وأن من دون في سلطانه وملكه جار عليه حكمه وقضاؤه.
13653ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فإنْ تَوَلّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ يعني الكفار تولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذه في المؤمنين.
13654ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيينة, عن عمرو, عن عبيد بن عمير, قال: كان عمر رحمة الله عليه لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد رجلان, فجاء رجل من الأنصار بهاتين الاَيتين: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ فقال عمر: لا أسألك عليهما بينة أبدا, كذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
13655ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس, عن زهير, عن الأعمش, عن أبي صالح الحنفي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّهَ رَحِيمٌ يُحِبّ كُلّ رَحِيم, يَضَعُ رَحْمَتَهُ على كُلّ رَحِيمٍ». قالوا: يا رسول الله إنا لنرحم أنفسنا وأموالنا قال: وأراه قال: وأزواجنا. قال: «ليسَ كذلكَ, ولكِنْ كُونُوا كمَا قَالَ اللّهُ: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فإنْ تَوَلّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إلَهَ إلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَهُوَ رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ» أراه قرأ هذه الآية كلها.
13656ـ حدثني محمد بن المثنى, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, عن عليّ بن زيد, عن يوسف, عن ابن عباس, عن أبيّ بن كعب, قال: آخر آية نزلت من القرآن: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ... إلى آخر الآية.
حدثني المثنى, قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم, قال: حدثنا شعبة, عن عليّ بن زيد, عن يوسف بن مهران, عن ابن عباس, عن أبيّ, قال: آخر آية نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ... الآية.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا شعبة, عن عليّ بن زيد, عن يوسف بن مهران, عن أبيّ, قال: أحدث القرآن عهدا بالله هاتان الاَيتان: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ... إلى آخر الاَيتين.
حدثني أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن محمد, قال: حدثنا أبان بن يزيد العطار, عن قتادة, عن أبيّ بن كعب, قال: أحدث القرآن عهدا بالله الاَيتان: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ... إلى آخر السورة.
نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة التوبة