تفسير الطبري تفسير الصفحة 341 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 341
342
340
 الآية : 73 -74
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَأَيّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ إِنّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذّبَابُ شَيْئاً لاّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ }.
يقول تعالـى ذكره: يا أيها الناس جعل لله مثل وذكر. ومعنى «ضرب» فـي هذا الـموضع: «جعل» من قولهم: ضرب السلطان علـى الناس البعث, بـمعنى: جعل علـيهم. وضرب الـجزية علـى النصارى, بـمعنى جَعْل ذلك علـيهم والـمَثَل: الشبّهَ, يقول جلّ ثناؤه: جعل لـي شبه أيها الناس, يعنـي بـالشبّه والـمَثَل: الاَلهة, يقول: جعل لـي الـمشركون والأصنام شبها, فعبدوها معي وأشركوها فـي عبـادتـي. فـاسْتَـمِعُوا له يقول: فـاستـمعوا حال ما مثلوه وجعلوه فـي عبـادتهم إياه شبها وصفته. إنّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْـلُقُوا ذُبـابـا يقول: إن جميع ما تعبدون من دون الله من الاَلهة والأصنام لو جمعت لـم يخـلقوا ذبـابـا فـي صغره وقلّته, لأنها لا تقدر علـى ذلك ولا تطيقه, ولو اجتـمع لـخـلقه جميعها. والذبـاب واحد, وجمعه فـي القلة أذبة وفـي الكثـير ذِبّـان, نظير غُراب يجمع فـي القلة أَغْربة وفـي الكثرة غِرْبـان.
وقوله: وَإنْ يَسْلُبْهُمُ الذّبـابُ شَيْئا يقول: وإن يسلب الاَلهة والأوثان الذبـابُ شيئا مـما علـيها من طيب وما أشبهه من شيء لا يستنقذوه منه: يقول: لا تقدر الاَلهة أن تستنقذ ذلك منه.
واختلف فـي معنى قوله: ضَعُفَ الطّالِبُ وَالـمَطْلُوبُ فقال بعضهم: عنـي بـالطالب: الاَلهة, وبـالـمطلوب: الذبـاب. ذكر من قال ذلك:
19202ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حجاج, عن ابن جُرَيج, قال ابن عبـاس, فـي قوله: ضَعُفَ الطّالِبُ قال: آلهتهم. وَالـمَطْلُوبُ: الذبـاب.
وكان بعضهم يقول: معنى ذلك: ضَعُفَ الطّالِبُ من بنـي آدم إلـى الصنـم حاجته, والـمَطْلُوبُ إلـيه الصنـم أن يعطي سائله من بنـي آدم ما سأله, يقول: ضعف عن ذلك وعجز.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا ما ذكرته عن ابن عبـاس من أن معناه: وعجز الطالب وهو الاَلهة أن تستنقذ من الذبـاب ما سلبها إياه, وهو الطيب وما أشبهه والـمطلوب: الذبـاب.
وإنـما قلت هذا القول أولـى بتأويـل ذلك, لأن ذلك فـي سياق الـخبر عن الاَلهة والذبـاب فأن يكون ذلك خبرا عما هو به متصل أشبه من أن يكون خبرا عما هو عنه منقطع. وإنـما أخبر جلّ ثناؤه عن الاَلهة بـما أخبر به عنها فـي هذه الاَية من ضعفها ومهانتها, تقريعا منه بذلك عَبَدتها من مشركي قريش, يقول تعالـى ذكره: كيف يجعل مثل فـي العبـادة ويشرك فـيها معي ما لا قدرة له علـى خـلق ذبـاب, وإن أخذ له الذبـاب فسلبه شيئا علـيه لـم يقدر أن يـمتنع منه ولا ينتصر, وأنا الـخالق ما فـي السموات والأرض ومالكٌ جميع ذلك, والـمـحيـي من أردت والـمـميت ما أردت ومن أردت. إن فـاعل ذلك لا شكّ أنه فـي غاية الـجهل.
وقوله: ما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ يقول: ما عظم هؤلاء الذين جعلوا الاَلهة لله شريكا فـي العبـادة حقّ عظمته حين أشركوا به غيره, فلـم يخـلصوا له العبـادة ولا عرفوه حقّ معرفته من قولهم: ما عرفت لفلان قدره إذا خاطبوا بذلك من قَصّر بحقه وهم يريدون تعظيـمه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19203ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَإنْ يَسْلُبْهُمُ الذّبـابُ شَيْئا... إلـى آخر الاَية, قال: هذا مثل ضربه الله لاَلهتهم. وقرأ: ضَعُفَ الطّالِبُ وَالـمَطْلُوبُ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ حين يعبدون مع الله ما لا ينتصف من الذبـاب ولا يـمتنع منه.
وقوله: إنّ اللّهَ لَقَوِيّ يقول: إن الله لقويّ علـى خـلق ما يشاء من صغير ما يشاء من خـلقه وكبـيره. عَزِيزٌ يقول: منـيع فـي مُلكه لا يقدر شيء دونه أن يسلبه من ملكه شيئا, ولـيس كآلهتكم أيها الـمشركون الذين تدعون من دونه الذين لا يقدرون علـى خـلق ذبـاب ولا علـى الامتناع من الذبـاب إذا استلبها شيئا ضعفـا ومهانة.

الآية : 75
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { اللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النّاسِ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: الله يختار من الـملائكة رسلاً كجبريـل وميكائيـل اللذين كانا يرسلهما إلـى أنبـيائه ومن شاء من عبـاده ومن الناس, كأنبـيائه الذين أرسلهم إلـى عبـاده من بنـي آدم. ومعنى الكلام: الله يصطفـي من الـملائكة رسلاً, ومن الناس أيضا رسلاً. وقد قـيـل: إنـما أنزلت هذه الاَية لـما قال الـمشركون: أنزل علـيه الذكر من بـيننا, فقال الله لهم: ذلك إلـيّ وبـيدي دون خـلقـي, أختار من شئت منهم للرسالة.
وقوله: إنّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ يقول: إن الله سميع لـما يقول الـمشركون فـي مـحمد صلى الله عليه وسلم, وما جاء به من عند ربه, بصير بـمن يختاره لرسالته من خـلقه.
الآية : 76
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الاُمُورُ }.
يقول تعالـى ذكره: الله يعلـم ما كان بـين أيدي ملائكته ورسله, من قبل أن يخـلقهم وما خـلفهم, يقول: ويعلـم ما هو كائن بعد فنائهم. وَإلـى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ يقول: إلـى الله فـي الاَخرة تصير إلـيه أمور الدنـيا, وإلـيه تعود كما كان منه البدء.
الآية : 77
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ ارْكَعُواْ وَاسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبّكُمْ وَافْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ارْكَعُوا لله فـي صلاتكم وَاسْجُدُوا له فـيها وَاعْبُدُوا رَبّكُمْ يقول: وذلوا لربكم, واخضعوا له بـالطاعة, وَافْعَلُوا الـخَيْرَ الذي أمركم ربكم بفعله لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ يقول: لتفلـحوا بذلك, فتدركوا به طَلِبـاتكم عند ربكم.
الآية : 78
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَجَاهِدُوا فِي اللّهِ حَقّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ مّلّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـَذَا لِيَكُونَ الرّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النّاسِ فَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَآتُواْ الزّكَـاةَ وَاعْتَصِمُواْ بِاللّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىَ وَنِعْمَ النّصِيرُ }.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: وَجاهِدُوا فِـي اللّهِ حَقّ جِهادِهِ فقال بعضهم: معناه: وجاهدوا الـمشركين فـي سبـيـل الله حقّ جهاده. ذكر من قال ذلك:
19204ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي سلـيـمان بن بلال, عن ثور بن زيد, عن عبد الله بن عبـاس, فـي قوله: وَجاهِدُوا فِـي اللّهِ حَقّ جِهادِهِ كما جاهدتـم أوّل مرّة فقال عمر: من أمر بـالـجهاد؟ قال: قبـيـلتان من قريش مخزوم وعبد شمس. فقال عمر: صدقت.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تـخافوا فـي الله لومة لائم. قالوا: وذلك هو حقّ الـجهاد. ذكر من قال ذلك:
19205ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس, فـي قوله: وَجاهِدُوا فـي اللّهِ حَقّ جِهادِهِ لا تـخافو فـي الله لومة لائم.
وقال آخرون: معنى ذلك: اعملوا بـالـحقّ حقّ عمله. وهذا قول ذكره عن الضحاك بعض من فـي روايته نظر.
والصواب من القول فـي ذلك: قول من قال: عُنى به الـجهاد فـي سبـيـل الله لأن الـمعروف من الـجهاد ذلك, وهو الأغلب علـى قول القائل: جاهدت فـي الله. وحقّ الـجهاد: هو استفراغ الطاقة فـيه.
وقوله: هُوَ اجْتَبـاكُمْ يقول: هو اختاركم لدينه, واصطفـاكم لـحرب أعدائه والـجهاد فـي سبـيـله وقال ابن زيد فـي ذلك, ما:
19206ـ حدثنـي به يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: هُوَ اجْتَبـاكُمْ قال: هو هداكم.
وقوله: وما جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ يقول تعالـى ذكره: وما جعل علـيكم ربكم فـي الدين الذي تعبدكم به من ضيق, لا مخرج لكم مـما ابتلـيتـم به فـيه بل وسّع علـيكم, فجعل التوبة من بعض مخرجا, والكفّـارة من بعض, والقصاص من بعض, فلا ذنب يذنب الـمؤمن إلا وله منه فـي دين الإسلام مخرج.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19207ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي ابن زيد, عن ابن شهاب, قال: سأل عبد الـملك بن مروان علـيّ بن عبد الله بن عبـاس عن هذه الاَية: ومَا جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الّدِين مِنْ حَرَجٍ فقال علـيّ بن عبد الله: الـحَرَج: الضيق, فجعل الله الكفـارات مَخْرجا من ذلك, سمعت ابن عبـاس يقول ذلك.
19208ـ قال: أخربنا ابن وهب, قال: ثنـي سفـيان بن عيـينة, عن عبـيد الله بن أبـي يزيد, قال: سمعت ابن عبـاس يُسْأل عن: مَا جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فـي الّدهين مِنْ حَرَج, قال: ما ها هنا من هُذَيـل أحد؟ فقال رجل: نعم, قال: ما تعدّون الـحرجة فـيكم؟ قال: الشيء الضيق. قال ابن عبـاس: فهو كذلك.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن ابن عيـينة, عن عبـيد الله بن أبـي يزيد, قال: سمعت ابن عبـاس, وذكر نـحوه, إلا أنه قال: فقال ابن عبـاس: أها هنا أحد من هذيـل؟ فقال رجل: أنا, فقال أيضا: ما تعدّون الـحرج؟ وسائر الـحديث مثله.
19209ـ حدثنـي عمران بن بكار الكُلاعيّ, قال: حدثنا يحيى بن صالـح, قال: حدثنا يحيى بن حمزة, عن الـحكم بن عبد الله, قال: سمعت القاسم بن مـحمد يحدّث, عن عائشة, قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الاَية: ومَا جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ قال: «هو الضّيقُ».
19210ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا أبو خـلدة, قال: قال لـي أبو العالـية: أتدري ما الـحرج؟ قلت: لا أدري. قال: الضيق. وقرأ هذه الاَية: ومَا جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ.
19211ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا حماد بن مسعدة, عن عوف, عن الـحسن, فـي قوله: ومَا جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ قال: من ضيق.
19212ـ حدثنا عمرو بن بندق, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن أبـي خـلدة, قال: قال لـي أبو العالـية: هل تدري ما الـحَرَج؟ قلت لا, قال: الضيق, إن الله لـم يضيق علـيكم, لـم يجعل علـيكم فـي الدين من حرج.
19213ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن ابن عون, عن القاسم أنه تلا هذه الاَية: ومَا جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ حَرَجٍ قال: تدرون ما الـحرج؟ قال: الضيق.
19214ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن يونس بن أبـي إسحاق, عن أبـيه, عن سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس, قال: إذا تعاجم شيء من القرآن, فـانظروا فـي الشعر, فإن الشعر عربـيّ. ثم دعا ابن عبـاس أعرابـيّا, فقال: ما الـحَرَج؟ قال: الضيق. قال: صدقت
19215ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ قال: من ضيق.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك: ما جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ من ضيق فـي أوقات فروضكم إذا التبست علـيكم, ولكنه قد وسع علـيكم حتـى تَـيَقّنوا مـحلها. ذكر من قال ذلك:
19216ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن عثمان بن بشار, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَما جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ قال: هذا فـي هلال شهر رمضان إذا شكّ فـيه الناس, وفـي الـحجّ إذا شكوا فـي الهلال, وفـي الفطر والأضحى إذا التبس علـيهم, وأشبـاهه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما جعل فـي الإسلام من ضيق, بل وسعه. ذكر من قال ذلك:
19217ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وما جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ يقول: ما جعل علـيكم فـي الإسلام من ضيق, هو واسع, وهو مثل قوله فـي الأنعام: فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدِ أنْ يُضِلّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهْ ضَيّقا حَرَجا يقول: من أراد أن يضله يضيق علـيه صدره, حتـى يجعل علـيه الإسلام ضيقا, والإسلامُ واسع.
19218ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وما جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ يقول: من ضيق, يقول: جعل الدين واسعا ولـم يجعله ضيّقا.
وقوله: مِلّةَ أبِـيكُمْ إبْرَاهِيـمَ نصب ملة بـمعنى: وما جعل علـيكم فـي الدين من حرج, بل وسعه, كملّة أبـيكم فلـما لـم يجعل فـيها الكاف اتصلت بـالفعل الذي قبلها فنصبت. وقد يحتـمل نصبها أن تكون علـى وجه الأمر بها, لأن الكلام قبله أمر, فكأنه قـيـل: اركعوا واسجدوا والزموا ملَة أبـيكم إبراهيـم.) وقوله: هُوَ سمّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ مِنْ قَبْلُ وفِـي هَذَا يقول تعالـى ذكره: سماكم يا معشر من آمن بـمـحمد صلى الله عليه وسلم الـمسلـمين من قبل.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19219ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: هُوَ سَمّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ يقول: الله سماكم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرنـي عطاء بن ابن أبـي ربـاح, أنه سمع ابن عبـاس يقول: الله سماكم الـمسلـمين من قبل.
19220ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة, وحدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق جميعا, عن معمر, عن قَتادة: هُوَ سَمّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ قال: الله سماكم الـمسلـمين من قبل.
19221ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: هُوَ سمّاكُمُ الـمُسْلـمِينَ قال: الله سماكم.
حدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
19222ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: هُوَ سَمّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ مِنْ قَبْلُ يقول: الله سماكم الـمسلـمين.
وقال آخرون: بل معنا: إبراهيـم سماكم الـمسلـمين وقالوا هو كناية من ذكر إبراهيـم صلى الله عليه وسلم: ذكر من قال ذلك:
19223ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد هُوَ سَمّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ قال: ألا ترى قول إبراهيـم وَاجْعَلْنا مُسْلِـمِينَ لَكَ وَمِنْ ذُرّيّتِنا أُمّةً مُسْلِـمَةً لَكَ قال: هذا قول إبراهيـم هُوَ سَمّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ ولـم يذكر الله بـالإسلام والإيـمان غير هذه الأمة, ذُكرت بـالإيـمان والإسلام جميعا, ولـم نسمع بأمة ذكرت إلا بـالإيـمان.
ولا وجه لـما قال ابن زيد من ذلك لأنه معلوم أن إبراهيـم لـم يسمّ أمة مـحمد مسلـمين فـي القرآن, لأن القرآن أنزل من بعده بدهر طويـل, وقد قال الله تعالـى ذكره: هُوَ سَمّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ مِنْ قَبْلُ وفـي هَذَا ولكن الذي سمانا مسلـمين من قبل نزول القرآن وفـي القرآن الله الذي لـم يزل ولا يزال. وأما قوله: مِنْ قَبْلُ فإن معناه: من قبل نزول هذا القرآن فـي الكتب التـي نزلت قبله. وفـي هَذَا يقول: وَفِـي هَذَا الكِتابِ.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19224ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: هُوَ سَمّاكُمُ الـمُسْلِـمينَ مِن قَبْلُ وفـي هذا القرآن.
19225ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جُرَيج, قال مـجاهد: مِنْ قَبْلُ قال: فـي الكتب كلها والذكر وفـي هَذَا يعنـي القرآن.
وقوله: لِـيَكُونَ الرّسُولُ شَهِيدا عَلَـيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلـى النّاسِ يقول تعالـى ذكره: اجتبـاكم الله وسماكم أيها الـمؤمنون بـالله وآياته, من أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم مسلـمين, لـيكون مـحمد رسول الله شهيدا علـيكم يوم القـيامة بأنه قد بلغكم ما أرسل به إلـيكم, وتكونوا أنتـم شهداء حينئذ علـى الرسل أجمعين أنهم قد بلّغوا أمـمهم ما أُرسلوا به إلـيهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19226ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: هُوَ سَمّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ مِنْ قَبْلُ قال: الله سماكم الـمسلـمين من قبل. وَفِـي هَذَا لِـيَكُونَ الرّسُولُ شَهِيدا عَلَـيْكُمْ بأنه بلّغكم. وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلـى النّاسِ أنّ رسلهم قد بلغتهم.
19227ـ وبه عن قَتادة, قال: أعطيت هذه الأمة ما لـم يعطه إلا نبـيّ, كان يقال للنبـيّ: اذهب فلـيس علـيك حرج وقال الله: ومَا جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ, وكان يقال للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: أنت شهيد علـى قومك وقال الله لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ علـى النّاسِ وكان يقال للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: سَلْ تُعْطَهْ وقال الله: ادْعُونِـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, قال: أعطيت هذه الأمة ثلاثا لـم يعطها إلا نبـيّ, كان يقال للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: اذهب فلـيس علـيك حَرَج فقال الله: وما جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ قال: وكان يقال للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: أنت شهيد علـى قومك وقال الله: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلـى النّاسِ وكان يقال للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: سَلْ تُعْطَهْ وقال الله اُدْعُونِـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الحج