تفسير الطبري تفسير الصفحة 452 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 452
453
451
 الآية : 153-157
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَىَ الْبَنِينَ * مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلاَ تَذَكّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مّبِينٌ * فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }.
يقول تعالـى ذكره موَبّخا هؤلاء القائلـين لله البنات من مشركي قريش: أصْطَفَـى الله أيها القوم البَنات عَلـى البَنِـينَ؟ والعرب إذا وجهوا الاستفهام إلـى التوبـيخ أثبتوا ألف الاستفهام أحيانا وطرحوها أحيانا, كما قـيـل: أذْهَبْتُـمْ بـالقصر طَيّبَـاتِكُمْ فِـي حَيَاتِكُمُ الدّنـيْا يستفهم بها, ولا يُستفهم بها, والـمعنى فـي الـحالـين واحد, وإذا لـم يستفهم فـي قوله: أصْطَفَـى الْبَناتِ ذهبت ألف اصطفـى فـي الوصل, ويبتدأ بها بـالكسر, وإذا استفهم فُتـحت وقطعت.
وقد ذُكر عن بعض أهل الـمدينة أنه قرأ ذلك بترك الاستفهام والوصل. فأما قرّاء الكوفة والبصرة, فإنهم فـي ذلك علـى قراءته بـالاستفهام, وفتـح ألفه فـي الأحوال كلها, وهي القراءة التـي نـختار لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها.
وقوله: مالَكُمْ كَيْفَ تَـحْكُمُونَ يقول: بئس الـحكمُ تـحكمون أيها القوم أن يكون لله البنات ولكم البنون, وأنتـم لا ترضون البنات لأنفسكم, فتـجعلون له ما لا ترضونه لأنفسكم؟ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22749ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أَصْطَفَـى الْبناتِ علـى الْبَنِـينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَـحْكُمُونَ يقول: كيف يجعل لكم البنـين ولنفسه البنات, مالكم كيف تـحكمون؟.
وقوله: أفَلا تَذَكّرُونَ يقول: أفلا تتدبرون ما تقولون؟ فتعرفوا خطأه فتنتهوا عن قـيـله.
وقوله: أمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِـينٌ يقول: ألكم حجة تَبَـيّن صحتها لـمن سمعها بحقـيقة ما تقولون, كما:
22750ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِـينٌ: أي عذر مبـين.
22751ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: سُلْطانٌ مُبِـينٌ قال حجة.
وقوله: فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ يقول: فأتوا بحجتكم من كتاب جاءكم من عند الله بأن الذي تقولون من أن له البنات ولكم البنـين كما تقولون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22752ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَأَتْوا بِكِتابِكُمْ: أي بعذركم إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ.
22753ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ أن هذا كذا بأن له البنات ولكم البنون.
وقوله: إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ يقول: إن كنتـم صادقـين أن لكم بذلك حُجّة.
الآية : 158-160
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنّةُ إِنّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللّهِ عَمّا يَصِفُونَ * إِلاّ عِبَادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وجعل هؤلاء الـمشركون بـين الله وبـين الـجنة نسبـا.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى النسب الذي أخبر الله عنهم أنهم جعلوه لله تعالـى, فقال بعضهم: هو أنهم قالوا أعداء الله: إن الله وإبلـيس أخوان. ذكر من قال ذلك:
22754ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبـينَ الـجِنّةِ نَسَبـا قال: زعم أعداء الله أنه تبـارك وتعالـى وإبلـيس أخوان.
وقال آخرون: هو أنهم قالوا: الـملائكة بنات الله, وقالوا: الـجِنّة: هي الـملائكة. ذكر من قال ذلك:
22755ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيس وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبـينَ الـجِنّةِ نَسَبـا قال: قال كفـار قريش: الـملائكة بنات الله, فسأل أبو بكر: مَنْ أمهاتهنّ؟ فقالوا: بنات سَرَوَات الـجنّ, يحسبون أنهم خُـلقِوا مـما خُـلق منه إبلـيس.
22756ـ حدثنا عمرو بن يحيى بن عمران بن عفرة, قال: حدثنا عمرو بن سعيد الأبح, عن سعيد بن أبـي عروبة, عن قتادة, فـي قوله: وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبـينَ الـجِنّةِ نَسَبـا قالت الـيهود: إن الله تبـارك وتعالـى تزوّج إلـى الـجنّ, فخرج منهما الـملائكة, قال: سبحانه سبح نفسه.
22757ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبـينَ الـجِنّةِ نَسَبـا قال: الـجنة: الـملائكة, قالوا: هنّ بنات الله.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وَبـينَ الـجِنّةِ نَسَبـا: الـملائكة.
22758ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبَـينَ الـجِنّةِ نَسَبـا قال: بـين الله وبـين الـجنة نسبـا افتروا.
وقوله: وَلَقَدْ عَلِـمَتِ الـجِنّةُ إنّهُمْ لَـمُـحْضَرُونَ اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: معناه: ولقد علـمت الـجنة إنهم لَـمُشهدون الـحساب. ذكر من قال ذلك:
22759ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَلَقَدْ عَلِـمَتِ الـجِنّةُ إنّهُمْ لَـمُـحْضَرُونَ أنها ستُـحضر الـحساب.
وقال آخرون: معناه: إن قائلـي هذا القول سيُحضرون العذاب فـي النار. ذكر من قال ذلك:
22760ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ إنّهُمْ لَـمُـحْضَرُونَ إن هؤلاء الذين قالوا هذا لـمـحضرون: لـمعذّبون.
وأوْلـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: إنهم لـمـحضَرُون العذاب, لأن سائر الاَيات التـي ذكر فـيها الإحضار فـي هذه السورة, إنـما عُنِـيَ به الإحضار فـي العذاب, فكذلك فـي هذا الـموضع.
وقوله: سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يَصِفُونَ يقول تعالـى ذكره تنزيها لله, وتبرئه له مـما يضيف إلـيه هؤلاء. الـمشركون به, ويفترون علـيه, ويصفونه, من أن له بنات, وأن له صاحبة.
وقوله: إلاّ عِبـادَ اللّهِ الـمُخْـلَصِينَ يقول: ولقد علـمت الـجِنّةُ أن الذين قالوا: إن الـملائكة بنات الله لـمُـحضرون العذاب, إلا عبـاد الله الذين أخـلَصَهُمْ لرحمته, وخـلقهم لـجنته.
الآية : 161-164
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِنّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ * وَمَا مِنّآ إِلاّ لَهُ مَقَامٌ مّعْلُومٌ }.
يقول تعالـى ذكره: فإنّكُمْ أيها الـمشركون بـالله وَما تَعْبُدُونَ من الاَلهة والأوثان ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بِفـاتِنِـينَ يقول: ما أنتـم علـى ما تعبدون من دون الله بفـاتنـين: أي بـمضِلّـينَ أحدا إلاّ مَنْ هُوَ صالِ الـجَحِيـمِ يقول: إلا أحدا سبق فـي علـمي أنه صال الـجحيـم.
وقد قـيـل: إن معنى عَلَـيْهِ فـي قوله: ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بِفـاتِنِـينَ بـمعنى به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22761ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: فإنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بفـاتِنِـينَ يقول: لا تضلون أنتـم, ولا أضلّ منكم إلا من قد قضيت أنه صالِ الـجحيـم.
22762ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بِفـاتِنِـينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ يقول: ما أنتـم بفـاتنِـين علـى أوثانكم أحدا, إلا من قد سبق له أنه صالِ الـجحيـم.
22763ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن خالد, قال: قلت للـحسن, قوله: ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بِفـاتِنِـينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ إلا من أوجب الله علـيه أن يَصْلـى الـجحيـم.
حدثنا علـيّ بن سهل, قال: حدثنا زيد بن أبـي الزرقاء, عن حماد بن سلـمة, عن حميد, قال: سألت الـحسن, عن قول الله: ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بِفـاتِنـينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ قال: ما أنتـم علـيه بـمضلّـين إلا من كان فـي علـم الله أنه سيصْلَـى الـجحيـم.
22764ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بفـاتِنِـينَ إلا مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ: إلا من قدر علـيه أنه يَصْلَـى الـجحيـم.
22765ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن العشرة الذين دخـلوا علـى عمر بن عبد العزيز, وكانوا متكلـمين كلهم, فتكلـموا, ثم إن عمر بن عبد العزيز تكلـم بشيء, فظننا أنه تكلـم بشيء ردّ به ما كان فـي أيدينا, فقال لنا: هل تعرفون تفسير هذه الاَية: فإنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بفـاتِنـينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ قال: إنكم والاَلهة التـي تعبدونها لستـم بـالذي تفتنون علـيها إلا من قَضَيْت علـيه أنه يصلـى الـجحيـم.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيـم إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ قال: ما أنتـم بـمضلـين إلا من كتب علـيه أنه يصلـى الـجحيـم.
22766ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فإنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ حتـى بلغ: صالِ الـجَحِيـمِ يقول: ما أنتـم بـمضلـين أحدا من عبـادي ببـاطلكم هذا, إلا من تولاّكم بعمل النار.
22767ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بفـاتِنِـينَ بـمضلـين إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ إلا من كتب الله أنه يصلـى الـجحيـم.
22768ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بِفـاتِنِـينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالٍ الـجَحِيـمٍ يقول: لا تضلون بآلهتكم أحدا إلا من سبقت له الشقاوة, ومن هو صال الـجحيـم.
22769ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: فإنّكُمْ وَما تَعْبُدونَ ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بفـاتِنِـينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ يقول: لا تفتنون به أحدا, ولا تضلونه, إلا من قضى الله أنه صال الـجحيـم, إلا من قد قضى أنه من أهل النار.
وقـيـل: بفـاتِنِـينَ من فتنت أفتن, وذلك لغة أهل الـحجاز, وأما أهل نـجد فإنهم يقولون: أفتنته فأنا أفتنه. وقد ذُكر عن الـحسن أنه قرأ: «إلاّ مَنْ هُوَ صَالُ الـجَحِيـمِ» برفع اللام من «صال», فإن كان أراد بذلك الـجمع كما قال الشاعر:
إذَا ما حاتِـمٌ وُجِدَ ابْنَ عَمّيمَـجْدَنا مِنْ تَكَلّـمُ أجْمَعِينا
فقال: أجمعينا, ولـم يقل: تكلـموا, وكما يقال فـي الرجال: من هو إخوتك, يذهب بهو إلـى الاسم الـمـجهول ويخرج فعله علـى الـجمع, فذلك وجه وإن كان غيره أفصح منه وإن كان أراد بذلك واحدا فهو عند أهل العربـية لـحن, لأنه لـحن عندهم أن يقال: هذا رامٌ وقاضٌ, إلا أن يكون سمع فـي ذلك من العرب لغة مقلوبة, مثل قولهم: شاكُ السلاح, وشاكي السلاح, وعاث وعثا وعاق وعقا, فـيكون لغة, ولـم أسمع أحدا يذكر سماع ذلك من العرب.
وقوله: وَما مِنّا إلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وهذا خبر من الله عن قِـيـل الـملائكة أنهم قالوا: وما منا معشر الـملائكة إلا من له مقام فـي السماء معلوم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22770ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: وَما مِنّا إلاّ لَهُ مُقامٌ مَعْلُومٌ قال: الـملائكة.
حدثنـي يونس, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فـي قوله: وَما مِنّا إلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ قال الـملائكة.
22771ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَما مِنّا إلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ هؤلاء الـملائكة.
22772ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ كان مسروق بن الأجدع يروي عن عائشة أنها قالت: قال نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم: «ما فِـي سَماءِ الدّنـيْا مَوْضِعُ قَدَمٍ إلاّ عَلَـيهِ مَلَكٌ ساجِدٌ أوْ قَائمٌ». فذلك قول الـملائكة: وَما مِنّا إلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافُونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ.
22773ـ حدثنـي موسى بن إسحاق الـحَبَئيّ الـمعروف بـابن القوّاس, قال: حدثنا يحيى بن عيسى الرملـي, عن الأعمش عن أبـي يحيى, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, قال: لو أن قطرة من زقوم جهنـم أنزلت إلـى الدنـيا, لأفسدت علـى الناس معايشهم, وإن ناركم هذه لتعوّذ من نار جهنـم.
22774ـ حدثنا موسى بن إسحاق, قال: حدثنا يحيى بن عيسى, عن الأعمش, عن زيد بن وهب, قال: قال عبد الله بن مسعود: إن ناركم هذه لـما أنزلت, ضُرِبت فـي البحر مرّتـين ففترت, فلولا ذلك لـم تنتفعوا بها.
الآية : 165-169
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّا لَنَحْنُ الصّآفّونَ * وَإِنّا لَنَحْنُ الْمُسَبّحُونَ * وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنّ عِندَنَا ذِكْراً مّنَ الأوّلِينَ * لَكُنّا عِبَادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل ملائكته: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ لله لعبـادته وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ له, يعنـي بذلك الـمصلون له. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال به أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن علـيّ بن الـحسن بن شفـيق الـمَرْوَزِيّ, قال: حدثنا أبو معاذ الفضل بن خالد, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك بن مُزَاحم يقول قوله: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ كان مسروق بن الأجدع, يروي عن عائشة أنها قالت: قال نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم: «ما فِـي السّماءِ الدّنْـيا مَوْضِعُ قَدَمٍ إلاّ عَلَـيْهِ مَلَكٌ ساجِدٌ أوْ قَائِمٌ», فذلك قول الله: وَما مِنّا إلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ.
22775ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلـم, عن مسورق, قال: قال عبد الله: إن من السموات لسماء ما فـيها موضع شبر إلا وعلـيه جبهة ملَك أو قدمه قائما قال: ثم قرأ: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن أبـي الضّحَى عن مسروق عن عبد الله, قال: إن من السموات سماءً ما فـيها موضع إلا فـيه ملَك ساجد, أو قدماه قائم, ثم قرأ: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ.
22776ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا الـجريري, عن أبـي نضرة, قال: كان عمر إذا أُقـيـمت الصلاة أقبل علـى الناس بوجهه, فقال: يا أيها الناس استَوُوا, إن الله إنـما يريد بكم هَدْيّ الـملائكة وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ اسْتَوُوا, تقدّم أنت يا فلان, تأخر أنت أي هذا, فإذا استَوُوا تقدّم فكبر.
حدثنـي موسى بن عبد الرحمن, قال: ثنـي أبو أُسامة, قال: ثنـي الـجريري سعيد بن إياس أبو مسعود, قال: ثنـي أبو نضرة, كان عمر إذا أقـيـمت الصلاة استقبل الناس بوجهه, ثم قال: أقـيـموا صفوفكم واستووا فإنـما يُريد الله بكم هدي الـملائكة, يقول: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ ثم ذكر نـحوه.
22777ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ قال: يعنـي الـملائكة وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ قال: الـملائكة صافون تسبّح لله عزّ وجلّ.
22778ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ قال: الـملائكة.
22779ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا سلـيـمان, قال: حدثنا أبو هلال, عن قتادة وإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ قال: الـملائكة.
22780ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافُونَ قال: صفوف فـي السماء وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ: أي الـمصلون, هذا قول الـملائكة يثنون بـمكانهم من العبـادة.
22781ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: وَإنا لَنَـحْنُ الصّافُونَ قال: للصلاة.
حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ, قال: وذكر السديّ, عن عبد الله, قال: ما فـي السماء موضع شبر إلا علـيه جبهة ملك أو قدماه, ساجدا أو قائما أو راكعا, ثم قرأ هذه الاَية وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ.
22782ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ قال: الـملائكة, هذا كله لهم.
وقوله: وَإنْ كانُوا لَـيَقُولُونَ لَوْ أنّ عِنْدَنا ذِكْرا مِنَ الأوّلـينَ لَكُنا عبـادَ الله يقول تعالـى ذكره: وكان هؤلاء الـمشركون من قريش يقولون قبل أن يبعث إلـيهم مـحمد صلى الله عليه وسلم نبـيا, لَوْ أنّ عنْدَنا ذِكْرا مِنَ الأوّلِـينَ يعنـي كتابـا أُنزل من السماء كالتوراة والإنـجيـل, أو نبـيّ أتانا مثل الذي أتـى الـيهود والنصارى لَكُنّا عِبـادَ اللّهِ الذين أخـلَصهم لعبـادته, واصطفـاهم لـجنته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22783ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإنْ كانُوا لَـيَقُولُونَ لَوْ أنّ عِنْدَنا ذِكْرا مِنَ الأوّلِـينَ لَكُنّا عِبـادَ اللّهِ الـمُخْـلَصِينَ قال: قد قالت هذه الأمة ذاك قبل أن يبعث مـحمد صلى الله عليه وسلم: لو كان عندنا ذكر من الأوّلـين, لكنا عبـاد الله الـمخـلصين فلـما جاءهم مـحمد صلى الله عليه وسلم كفروا به, فسوف يعلـمون.
22784ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فـي قوله: ذِكْرا مِنَ الأوّلِـينَ قال: هؤلاء ناس من مشركي العرب قالوا: لو أن عندنا كتابـا من كتب الأوّلـين, أو جاءنا علـم من علـم الأوّلـين قال: قد جاءكم مـحمد بذلك.
22785ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: رجع الـحديث إلـى الأوّلـين أهل الشرك وَإنْ كانُوا لَـيَقُولُونَ لَوْ أنّ عِنْدَنا ذِكْرا مِنَ الأوّلِـينَ.
22786ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لَوْ أنّ عِنْدَنا ذِكْرا مِنَ الأوّلِـينَ لَكُنّا عِبـادَ اللّهِ الـمُخْـلَصِينَ هذا قول مشركي أهل مكة, فلـما جاءهم ذكر الأوّلـين وعلـم الاَخرين, كفروا به فسوف يعلـمون.
الآية : 170-173
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما جاءهم الذكر من عند الله كفروا به, وذلك كفرهم بـمـحمد صلى الله عليه وسلم وبـما جاءهم به من عند الله من التنزيـل والكتاب, يقول الله: فسوف يعلـمون إذا وردوا علـيّ ماذا لهم من العذاب بكفرهم بذلك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22787ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: لَوْ أنّ عِنْدَنا ذِكْرا مِنَ الأوّلِـينَ لَكُنّا عبـادَ اللّهِ الـمُخْـلَصِينَ قال: لـما جاء الـمشركين من أهل مكة ذكر الأوّلـين وعلـم الاَخرين كفروا بـالكتاب فسَوْفَ يَعْلَـمُونَ يقول: قد جاءكم مـحمد بذلك, فكفروا بـالقرآن وبـما جاء به مـحمد.
وقوله: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِـمَتُنا لِعبـادِنا الـمُرْسَلِـينَ إنّهُمْ لَهُمُ الـمَنْصُورُونَ يقول تعالـى ذكره: ولقد سبق منا القول لرسلنا إنهم لهم الـمنصورون: أي مضى بهذا منا القضاء والـحكم فـي أمّ الكتاب, وهو أنهم النّصرة والغَلبة بـالـحجج, كما:
22788ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِـمَتُنا لعبـادِنا الـمُرْسَلِـينَ حتـى بلغ: لَهُمُ الغالِبُونَ قال: سبق هذا من الله لهم أن ينصرهم.
22789ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِـمَتُنا لعِبـادِنا الـمُرْسَلِـينَ إنّهُمْ لَهُمُ الـمَنْصُورُونَ يقول: بـالـحجج.
وكان بعض أهل العربـية يتأوّل ذلك: ولقد سبقت كلـمتنا لعبـادنا الـمرسلـين بـالسعادة. وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله: «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِـمَتُنا علـى عبـادِنا الـمُرْسَلِـينَ» فجعلت علـى مكان اللام, فكأن الـمعنى: حقت علـيهم ولهم, كما قـيـل: علـى مُلك سلـيـمان, وفـي مُلك سلـيـمان, إذ كان معنى ذلك واحدا.
وقوله: وَإنّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبُونَ يقول: وإن حزبنا وأهل ولايتنا لهمُ الغالبون, يقول لهم الظفر والفلاح علـى أهل الكفر بنا, والـخلاف علـينا.
الآية : 174-177
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَتَوَلّ عَنْهُمْ حَتّىَ حِينٍ * وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ * أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فَتَوَلّ عَنْهُمْ حّتـى حِينٍ: فأعرض عنهم إلـى حين.
واختلف أهل التأويـل فـي هذا الـحين, فقال بعضهم: معناه إلـى الـموت. ذكر من قال ذلك:
22790ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَتَوَلّ عَنْهُمْ حتـى حِينٍ: أي إلـى الـموت.
وقال آخرون: إلـى يوم بدر. ذكر من قال ذلك:
22791ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: فَتَوَلّ عَنْهُمْ حتـى حِينٍ قال: حتـى يوم بدر.
وقال آخرون: معنى ذلك: إلـى يوم القـيامة. ذكر من قال ذلك:
22792ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: فَتَوَلّ عَنْهُمْ حتـى حِينٍ قال: يوم القـيامة.
وهذا القول الذي قاله السديّ, أشبه بـما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل, وذلك أن الله توعدهم بـالعذاب الذي كانوا يستعجلونه, فقال: أفَبِعَذَابِنا يَسْتَعْجِلُونَ, وأمر نبـيه صلى الله عليه وسلم أن يُعْرِض علـيهم إلـى مـجِيء حينه. فتأويـل الكلام: فتولّ عنهم يا مـحمد إلـى حين مـجِيء عذابنا, ونزوله بهم.
وقوله: وأبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ: وأنظرهم فسوف يرون ما يحلّ بهم من عقابنا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22793ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَأبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ حين لا ينفعهم البصر.
22794ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ يقول: أنظرهم فسوف يبصرون ما لهم بعد الـيوم, قال: يقول: يبصرون يوم القـيامة ما ضيّعوا من أمر الله, وكفرهم بـالله ورسوله وكتابه, قال: فأبصرهم وأبصر, واحد.
وقوله: أفَبِعَذَابِنا يَسْتَعْجِلُونَ يقول: فبنزول عذابنا بهم يستعجلونك يا مـحمد, وذلك قولهم للنبـيّ صلى الله عليه وسلم مَتـى هَذَا الوَعْدُ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ.
وقوله: فإذَا نَزَلَ بساحَتِهِمْ يقول: فإذا نزل بهؤلاء الـمشركين الـمستعجلـين بعذاب الله العذاب. العرب تقول: نزل بساحة فلان العذاب والعقوبة, وذلك إذا نزل به والساحة: هي فناء دار الرجل, فَساءَ صَبـاحُ الـمُنْذَرِينَ يقول: فبئس صبـاح القوم الذين أنذرهم رسولنا نزول ذلك العذاب بهم فلـم يصدّقوا به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22795ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد قال حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: فإذَا نَزَلَ بساحَتِهِمْ قال: بدارهم, فَساءَ صَبـاحُ الـمُنْذَرِينَ قال: بئس ما يصبحون.
الآية : 178-182
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتَوَلّ عَنْهُمْ حَتّىَ حِينٍ * وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ * سُبْحَانَ رَبّكَ رَبّ الْعِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَىَ الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وأعرض يا مـحمد عن هؤلاء الـمشركين, وخـلّهم وقريتهم علـى ربهم حتّـى حِينٍ يقول: إلـى حين يأذن الله بهلاكهم وأبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ يقول: وانظرهم فسوف يَروْن ما يحلّ بهم من عقابنا فـي حين لا تنفعهم التوبة, وذلك عند نزول بأس الله بهم. وقوله: سُبْحانَ رَبّكَ رَبّ العِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ يقول تعالـى ذكره تنزيها لربك يا مـحمد وتبرئة له. رَبّ العزّة يقول: ربّ القوّة والبطش عَمّا يَصِفُونَ يقول: عمّا يصف هؤلاء الـمفترون علـيه من مشركي قريش, من قولهم ولد الله, وقولهم: الـملائكة بنات الله, وغير ذلك من شركهم وفِرْيتهم علـى ربهم, كما:
22796ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة سُبْحانَ رَبّكَ رَبّ العِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ: أي عما يكذبون يسبح نفسه إذا قـيـل علـيه البُهتان.
وقوله: وَسَلامٌ علـى الـمُرْسَلِـينَ يقول: وأمنَة من الله للـمرسلـين الذين أرسلهم إلـى أمـمهم الذي ذكرهم فـي هذه السورة وغيرهم من فزع يوم العذاب الأكبر, وغير ذلك من مكروه أن ينالهم من قِبل الله تبـارك وتعالـى.
22797ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَسَلامٌ علـى الـمُرْسَلِـينَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا سَلّـمْتُـمْ عَلـيّ فَسَلّـمُوا عَلـى الـمُرْسَلِـينَ, فإنّـمَا أنا رَسُولٌ مِنَ الـمُرْسَلِـينَ».
والـحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالَـمِينَ يقول تعالـى ذكره: والـحمد للهربّ الثّقَلـين الـجن والإنس, خالصا دون ما سواه, لأن كلّ نعمة لعبـاده فمنه, فـالـحمد له خالص لا شريك له, كما لا شريك له فـي نعمه عندهم, بل كلها من قِبَله, ومن عنده.
آخر تفسير سورة الصافـات

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الصافات