تفسير الطبري تفسير الصفحة 451 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 451
452
450
 الآية : 123-129
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ * اللّهَ رَبّكُمْ وَرَبّ آبَآئِكُمُ الأوّلِينَ * فَكَذّبُوهُ فَإِنّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلاّ عِبَادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاَخِرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وإن إلـياس, وهو إلـياس بن ياسين بن فنـحاص بن العيزار بن هارون بن عمران فـيـما:
22670ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سَلَـمة, عن ابن إسحاق. وقـيـل: إنه إدريس.
22671ـ حدثنا بذلك بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان يقال: إلـياس هو إدريس.
وقد ذكرنا ذلك فـيـما مضى قبل. وقوله: لَـمِنَ الـمُرْسَلِـينَ يقول جلّ ثناؤه: لـمرسل من الـمرسلـين إذْ قالَ لَقَوْمِهِ ألا تَتّقُونَ؟ يقول حنـي قال لقومه فـي بنـي إسرائيـل: ألا تتقون الله أيها القوم, فتـخافونه, وتـحذرون عقوبته علـى عبـادتكم ربـا غير الله, وإلها سواه وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الـخالِقِـينَ يقول: وتَدَعون عبـادةَ أحسنِ مَن قـيـل له خالق.
وقد اختلف فـي معنى بَعْل, فقال بعضهم: معناه: أتدعون ربـا؟ وقالوا: هي لغة لأهل الـيـمن معروفة فـيهم. ذكر من قال ذلك:
22672ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا حِرْميّ بن عُمارة, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرنـي عُمارة, عن عكرمة, فـي قوله: أنَدْعُونَ بَعْلاً قال: إلها.
22673ـ حدثنا عمران بن موسى, قال: حدثنا عبد الوارث, قال: حدثنا عمارة, عن عكرمة, فـي قوله: أتَدْعونَ بَعْلاً يقول: أتدعون ربـا, وهي لغة أهل الـيـمن, تقول: مَنْ بَعْل هذا الثور: أي من رَبّه؟.
22674ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة ومـحمد بن عمرو, قالا: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: أتَدْعُونَ بَعْلاً؟ قال: ربـا.
22675ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أتَدْعُونَ بَعْلاً قال: هذه لغة بـالـيـمانـية: أتدعون ربـا دون الله.
22676ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: أتَدْعُونَ بَعْلاً قال: رَبّـا.
22677ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن عبد الله بن أبـي يزيد, قال: كنت عند ابن عبـاس فسألوه عن هذه الاَية: أتَدْعُونَ بَعْلاً قال: فسكت ابن عبـاس, فقال رجل: أنا بعلُها, فقال ابن عبـاس: كفـانـي هذا الـجواب.
وقال آخرون: هو صنـم كان لهم يقال له بَعْل, وبه سميت بعلبك. ذكر من قال ذلك:
22678ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أتَدْعُونَ بَعْلاً يعنـي: صنـما كان لهم يسمى بَعْلاً.
22679ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: أتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الـخالِقِـينَ؟ قال: بعل: صنـم كانوا يعبدون, كانوا ببعلك, وهم وراء دمشق, وكان بها البعل الذي كانوا يعبدون.
وقال آخرون: كان بَعْل: امرأة كانوا يعبدونها. ذكر من قال ذلك:
22680ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: سمعت بعض أهل العلـم يقول: ما كان بَعْل إلا امرأة يعبدونها من دون الله.
وللبَعْل فـي كلام العرب أوجه: يقولون لربّ الشيء هو بَعْلَهُ, يقال: هذا بَعْل هذه الدار, يعنـي ربّها ويقولون لزوج الـمرأة بعلُها ويقولون لـما كان من الغروس والزروع مستغنـيا بـماء السماء, ولـم يكن سَقِـيا بل هو بعل, وهو العَذْي. وذُكر أن الله بعث إلـى بنـي إسرائيـل إلـياس بعد مهلك حِزْقـيـل بن يوزا. وكان من قصته وقصة قومه فـيـما بلغنا, ما:
22681ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن وهب بن منبه, قال: إن الله قبض حِزْقـيـل, وعظمت من بنـي إسرائيـل الأحداث, ونسُوْا ما كان من عهد الله إلـيهم, حتـى نصبوا الأوثان وعبدوها دون الله, فبعث الله إلـيهم إلـياس بن ياسين بن فنـحاص بن العيزار بن هارون بن عمران نبـيا. وإنـما كانت الأنبـياء من بنـي إسرائيـل بعد موسى يُبعثون إلـيهم بتـجديد ما نسُوا من التوراة, فكان إلـياس مع ملك من ملوك بنـي إسرائيـل, يقال له: أحاب, كان اسم امرأته: أربل, وكان يسمع منه ويصدّقه, وكان إلـياس يقـيـم له أمره, وكان سائر بنـي إسرائيـل قد اتـخذوا صنـما يعبدونه من دون الله يقال له بعل.
قال ابن إسحاق: وقد سمعت بعض أهل العلـم يقول: ما كان بعد إلا امرأة يعبدونها من دون الله يقول الله لـمـحمد: وَإنّ إلْـياس لَـمِنَ الـمُرْسَلِـينَ إذْ قالَ لَقَوْمِهِ ألا تَتّقُونَ أتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الـخالِقِـينَ اللّهَ رَبّكُمْ وَرَبّ آبـائِكُمُ الأوّلِـينَ فجعل إلـياس يدعوهم إلـى الله, وجعلوا لا يسمعون منه شيئا إلا ما كان من ذلك الـملك, والـملوك متفرّقة بـالشام, كل ملك له ناحية منها يأكلها, فقال ذلك الـملك الذي كان إلـياس معه يقوّم له أمره, ويراه علـى هدى من بـين أصحابه يوما: يا إلـياس, والله ما أرى ما تدعو إلـيه إلا بـاطلاً, والله ما أرى فلانا وفلانا, يعدّد ملوكا من ملوك بنـي إسرائيـل قد عبدوا الأوثان من دون الله إلا علـى مثل ما نـحن علـيه, يأكلون ويشربون وينعمون مـملكين, ما ينقص دنـياهم أمرُهم الذي تزعم أنه بـاطل, وما نرى لنا علـيهم من فضل فـيزعمون والله أعلـم أن إلـياس استرجع وقام شعر رأسه وجلده, ثم رفضه وخرج عنه, ففعل ذلك الـملك فعل أصحابه: عبد الأوثان, وصنع ما يصنعون, فقال إلـياس: اللهمّ إن بنـي إسرائيـل قد أبَوْا إلا أن يكفروا بك والعبـادةَ لغيرك, فغَيّرْ ما بهم من نعمتك, أو كما قال.
22682ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق, قال: فذكر لـي أنه أُوحي إلـيه: إنا قد جعلنا أمر أرزاقهم بـيدك وإلـيك حتـى تكون أنت الذي تأذن فـي ذلك, فقال إلـياس: اللهمّ فأمسك علـيهم الـمطر فحُبِس عنهم ثلاث سنـين, حتـى هلكت الـماشية والهوامّ والدوابّ والشجر, وجَهِد الناس جَهدا شديدا. وكان إلـياس فـيـما يذكرون حين دعا بذلك علـى بنـي إسرائيـل قد استـخفـى, شفقا علـى نفسه منهم, وكان حيثما كان وضع له رزق, وكانوا إذا وجدوا ريح الـخبز فـي دار أو بـيت, قالوا: لقد دخـل إلـياس هذا الـمكان فطلبوه, ولقـى منهم أهل ذلك الـمنزل شرا. ثم إنه أوَى لـيـلة إلـى امرأة من بنـي إسرائيـل لها ابن يقال له الـيسع ابن أخطوب به ضرّ, فآوته وأخفت أمره, فدعا إلـياس لابنها, فعُوفَـى من الضرّ الذي كان به, واتبعَ الـيسعُ إلـياسَ, فآمن به وصدّقه ولزمه, فكان يذهب معه حيثما ذهب. وكان إلـياس قد أسنّ وكبر, وكان الـيسعُ غلاما شابـا, فـيزعمون والله أعلـم أن الله أوحى إلـى إلـياس: إنك قد أهلكت كثـيرا من الـخـلق مـمن لـم يعص سوى بنـي إسرائيـل من البهائم والدوابّ والطير والهوامّ والشجر, بحبس الـمطر عن بنـي إسرائيـل, فـيزعمون والله أعلـم أن إلـياس قال: أي ربّ دعنـي أنا الذي أدعو لهم وأكون أنا الذي آتـيهم بـالفرج مـما هم فـيه من البلاء الذي أصابهم, لعلهم أن يرجعوا ويَنزِعوا عما هم علـيه من عبـادة غيرك, قـيـل له: نعم فجاء إلـياس إلـى بنـي إسرائيـل فقال لهم: إنكم قد هلكتـم جَهْدا, وهلكت البهائم والدوابّ والطير والهوامّ والشجر, بخطاياكم, وإنكم علـى بـاطل وغرور, أو كما قال لهم, فإن كنتـم تـحبون أن تعلـموا ذلك, وتعلـموا أن الله علـيكم ساخط فـيـما أنتـم علـيه, وأن الذي أدعوكم إلـيه الـحقّ, فـاخرجوا بأصنامكم هذه التـي تعبدون وتزعمون أنها خير مـما أدعوكم إلـيه, فإن استـجابت لكم, فذلك كما تقولون, وإن هي لـم تفعل علـمتـم أنكم علـى بـاطل, فنزعتُـم, ودعوت الله ففرّج عنكم ما أنتـم فـيه من البلاء, قالوا: أنصفت فخرجوا بأوثانهم, وما يتقرّبون به إلـى الله من إحداثهم الذي لا يرضى, فدعوها فلـم تستـجب لهم, ولـم تفرج عنهم ما كانوا فـيه من البلاء حتـى عرفوا ما هم فـيه من الضلالة والبـاطل, ثم قالوا لإلـياس: يا إلـياس إنا قد هلكنا فـادع الله لنا, فدعا لهم إلـياس بـالفرج مـما هم فـيه, وأن يسقوا, فخرجت سحابة مثل التّرس بإذن الله علـى ظهر البحر وهم ينظرون, ثم ترامى إلـيه السحاب, ثم أدْحَسَتْ ثم أرسل الـمطر, فأغاثهم, فحيـيت بلادهم, وفرج عنهم ما كانوا فـيه من البلاء, فلـم ينزعوا ولـم يرجعوا, وأقاموا علـى أخبث ما كانوا علـيه فلـما رأى ذلك إلـياس من كفرهم, دعا ربه أن يقبضه إلـيه, فـيريحه منهم, فقـيـل له فـيـما يزعمون: انظر يوم كذا وكذا, فـاخرج فـيه إلـى بلد كذا وكذا, فماذا جاءوك من شيء فـاركبه ولا تهبه فخرج إلـياس وخرج معه الـيسع بن أخطوب, حتـى إذا كان فـي البلد الذي ذُكر له فـي الـمكان الذي أُمر به, أقبل إلـيه فرس من نار حتـى وقـف بـين يديه, فوثب علـيه, فـانطلق به, فناداه الـيسع: يا إلـياس يا إلـياس ما تأمرنـي؟ فكان آخر عهدهم به, فكساه الله الريش, وألبسه النور, وقطع عنه لذّة الـمطعم والـمشرب, وطار فـي الـملائكة, فكان إنسيا ملكيا أرضيا سمَاويا.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: اللّهَ رَبّكُمْ وَرَبّ آبـائِكُمُ الأوّلِـينَ فقرأته عامة قرّاء مكة والـمدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة: «اللّهُ رَبّكُمْ وَرَبّ آبـائِكُمُ الأوّلِـينَ» رفعا علـى الاستئناف, وأن الـخبر قد تناهى عند قوله: أحْسَنُ الـخالِقِـينَ. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: اللّهَ رَبّكُمْ وَرَبّ آبـائِكُمُ الأوّلِـينَ نصبـا, علـى الردّ علـى قوله: وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الـخالِقِـينَ علـى أن ذلك كله كلام واحد.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى, مع استفـاضة القراءة بهما فـي القرّاء, فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب. وتأويـل الكلام: ذلك معبودكم أيها الناس الذي يستـحقّ علـيكم العبـادة: ربكم الذي خـلقكم, وربّ آبـائكم الـماضين قبلكم, لا الصنـم الذي لا يخـلق شيئا, ولا يضرّ ولا ينفع.
وقوله: فَكَذّبُوهُ فإنّهُمْ لَـمُـحْضَرونَ يقول: فكَذّب إلـياسَ قومُهُ, فإنهم لـمـحضرون: يقول: فإنهم لـمـحضرون فـي عذاب الله فـيشهدونه, كما:
22683ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فإنّهُمْ لَـمُـحْضَرُونَ فـي عذاب الله.
إلاّ عِبـادَ اللّهِ الْـمُخْـلَصِينُ يقول: فإنهم يُحْضَرون فـي عذاب الله, إلا عبـاد الله الذين أخـلصهم من العذاب وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ يقول: وأبقـينا علـيه الثناء الـحسن فـي الاَخرين من الأمـم بعده.
الآية : 130-132
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {سَلاَمٌ عَلَىَ إِلْ يَاسِينَ * إِنّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: أمنة من الله لاَل ياسين.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: سَلامٌ عَلـى إلْـياسِينَ فقرأته عامة قرّاء مكة والبصرة والكوفة: سَلامٌ عَلـى إلْـياسِينَ بكسر الألف من إلـياسين, فكان بعضهم يقول: هو اسم إلـياس, ويقول: إنه كان يُسمى بـاسمين: إلـياس, وإلـياسين مثل إبراهيـم, وإبراهام يُستشهد علـى ذلك أن ذلك كذلك بأن جميع ما فـي السورة من قوله: سَلامٌ فإنه سلام علـى النبـيّ الذي ذكر دون آله, فكذلك إلـياسين, إنـما هو سلام علـى إلـياس دون آله. وكان بعض أهل العربـية يقول: إلـياس: اسم من أسماء العبرانـية, كقولهم: إسماعيـل وإسحاق, والألف واللام منه, ويقول: لو جعلته عربـيا من الإلس, فتـجعله إفعالاً, مثل الإخراج, والإدخال أُجْرِي ويقول: قال: سلام علـى إلـياسين, فتـجعله بـالنون, والعَجَمِيّ من الأسماء قد تفعل به هذا العرب, تقول: ميكال وميكائيـل وميكائين, وهي فـي بنـي أسد تقول: هذا إسماعين قد جاء, وسائر العرب بـاللام قال: وأنشدنـي بعض بنـي نُـمير لضبّ صادَهُ:
يَقُولُ رَبّ السّوقِ لَـمّا جِيناهَذَا وَرَبّ البَـيْتِ إسْرَائِينا
قال: فهذا كقوله: إلـياسين قال: وإن شئت ذهبت بإلـياسين إلـى أن تـجعله جمعا, فتـجعل أصحابه داخـلـين فـي اسمه, كما تقول لقوم رئيسهم الـمهلب: قد جاءتكم الـمهالبة والـمهلبون, فـيكون بـمنزلة قولهم الأشعرين بـالتـخفـيف, والسعدين بـالتـخفـيف وشبهه, قال الشاعر:
(أنا ابْنُ سَعْدٍ سَيّدٍ السّعْدِيْنَا )
قال: وهو فـي الاثنـين أن يضمّ أحدهما إلـى صاحبه إذا كان أشهر منه اسما كقول الشاعر:
جَزَانِـي الزّهْدَمانِ جَزاءَ سَوْءٍوكُنتُ الـمَرْءَ يُجْزَى بـالكَرَامَهْ
واسم أحدهما: زهدم وقال الاَخر:
جَزَى اللّهُ فِـيها الأعْوَرَيْنِ ذَمامَةًوَفَرْوَةَ ثَفْرَ الثّوْرَةِ الـمُتَضَاجِمِ
واسم أحدهما أعور.
وقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة: «سَلاَمٌ عَلـى آلِ ياسِينَ» بقطع آل من ياسين, فكان بعضهم يتأوّل ذلك بـمعنى: سلام علـى آل مـحمد. وذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يقرأ قوله: وَإنّ إلْـياسَ بترك الهمز فـي إلـياس ويجعل الألف واللام داخـلتـين علـى «ياس» للتعريف, ويقول: إنـما كان اسمه «ياس» أدخـلت علـيه ألف ولام ثم يقرأ علـى ذلك» «سلام علـى الْـياسين».
والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا قراءة من قرأه: سَلامٌ عَلـى إلْـياسِينَ بكسر ألفها علـى مثال إدراسين, لأن الله تعالـى ذكره إنـما أخبر عن كلّ موضع ذكر فـيه نبـيا من أنبـيائه صلوات الله علـيهم فـي هذه السورة بأن علـيه سلاما لا علـى آله, فكذلك السلام فـي هذا الـموضع ينبغي أن يكون علـى إلـياس كسلامه علـى غيره من أنبـيائه, لا علـى آله, علـى نـحو ما بـيّنا من معنى ذلك.
فإن ظنّ ظانّ أن إلـياسين غير إلـياس, فإن فـيـما حكينا من احتـجاج من احتـجّ بأن إلـياسين هو إلـياس غنـي عن الزيادة فـيه, مع أن فـيـما:
22684ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي سَلامٌ عَلـى إلْـياسِينَ قال: إلـياس.
وفـي قراءة عبد الله بن مسعود: «سَلامٌ عَلـى إدْرَاسِينَ» دلالة واضحة علـى خطأ قول من قال: عنى بذلك سلام علـى آل مـحمد, وفساد قراءة من قرأ: «وإنّ الـياسَ» بوصل النون من «إن» بـالـياس, وتوجيه الألف واللام فـيه إلـى أنهما أدخـلتا تعريفـا للاسم الذي هو ياس, وذلك أن عبد الله كان يقول: إلـياس هو إدريس, ويقرأ: «وَإنّ إدْرِيسَ لَـمِنَ الـمُرْسَلِـينَ», ثم يقرأ علـى ذلك: «سلامٌ عَلـى إدْرَاسِينَ», كما قرأ الاَخرون: سَلامٌ عُلـى إلـياسِينَ, فلا وجه علـى ما ذكرنا من قراءة عبد الله لقراءة من قرأ ذلك: «سَلامٌ عَلـى آلِ ياسِينَ» بقطع الاَل من ياسين. ونظير تسمية إلـياس بـالـياسين: وَشَجَرَةٌ تُـخْرُجُ مِنْ طُورِ سِيناءَ, ثم قال فـي موضع آخر: وَطُورِ سِينِـينَ وهو موضع واحد سمي بذلك.
وقوله: إنّا كَذلكَ نَـجْزِي الـمُـحْسِنـيِنَ يقول تعالـى ذكره: إنا هكذا نـجزي أهل طاعتنا والـمـحسنـين أعمالاً. وقوله: إنّه مِنْ عِبـادِنا الـمُؤْمِنِـينَ يقول: إن إلـياس عبد من عبـادنا الذين آمنوا, فوحّدونا, وأطاعونا, ولـم يُشركوا بنا شيئا.
الآية : 133-136
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ لُوطاً لّمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلاّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ * ثُمّ دَمّرْنَا الاَخَرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وإن لوطا الـمرسل من الـمرسلـين إذْ نَـجّيْناهُ وأهْلَهُ أجمَعِينَ يقول: إذ نـجّينا لوطا وأهله أجمعين من العذاب الذي أحللناه بقومه, فأهلكناهم به إلاّ عَجُوزا فـي الغَابِرِينَ يقول: إلا عجوزا فـي البـاقـين, وهي امرأة لوط, وقد ذكرنا خبرها فـيـما مضى, واختلاف الـمختلفـين فـي معنى قوله فِـي الغابِرينَ, والصواب من القول فـي ذلك عندنا. وقد:
22685ـ حُدثت عن الـمسيّب بن شريك, عن أبـي روق, عن الضحاك إلاّ عَجُوزا فـي الغابِرِينَ يقول: إلا امرأته تـخـلّفت فمسخت حجرا, وكانت تسمى هيشفع.
22686ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: إلاّ عَجُوزا فِـي الغابِرِينَ قال: الهالكين.
وقوله: ثُمّ دَمّرْنا الاَخَرِينَ يقول: ثم قذفناهم بـالـحجارة من فوقهم, فأهلكناهم بذلك.
الآية : 137-138
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّكُمْ لّتَمُرّونَ عَلَيْهِمْ مّصْبِحِينَ * وَبِالْلّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لـمشركي قريش: وإنكم لتـمرّون علـى قوم لوط الذين دمّرناهم عند إصبـاحكم نهارا وبـاللـيـل, كما:
22687ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنّكُمْ لَتَـمُرّونَ عَلَـيْهِمْ مُصْبِحِينَ قالوا: نعم والله صبـاحا ومساء يطوؤنها وطْئا, مَن أخَذَ من الـمدينة إلـى الشام, أخذ علـى سدوم قرية قوم لوط.
22688ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فـي قوله: لَتَـمُرّونَ عَلَـيْهِمْ مُصْبِحِينَ قال: فـي أسفـاركم.
وقوله: أفَلا تَعْقِلُونَ يقول: أفلـيس لكم عقول تتدبرون بها وتتفكّرون, فتعلـمون أن من سلك من عبـاد الله فـي الكفر به, وتكذيب رسله, مسلك هؤلاء الذين وصف صفتهم من قوم لوط, نازل بهم من عقوبة الله, مثل الذي نزل بهم علـى كفرهم بـالله, وتكذيب رسوله, فـيزجركم ذلك عما أنتـم علـيه من الشرك بـالله, وتكذيب مـحمد علـيه الصلاة والسلام, كما:
22689ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: أفَلا تَعْقِلُونَ قال: أفلا تتفكّرون ما أصابهم فـي معاصي الله أن يصيبكم ما أصابهم, قال: وذلك الـمرور أن يـمرّ علـيهم.
الآية : 139-142
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وإن يونس لـمرسلٌ من الـمرسلـين إلـى أقوامهم إذْ أَبَقَ إلـى الفُلْكِ الـمَشْحُونِ يقول: حين فرّ إلـى الفُلك, وهو السفـينة, الـمشحون: وهو الـمـملوء من الـحمولة الـمُوقَر, كما:
22690ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إلـى الفُلْكِ الـمَشْحُون كنّا نـحدّث أنه الـموقر من الفُلك.
22691ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: الفُلكِ الـمَشْحُونِ قال: الـموقر.
وقوله: فَساهَمَ يقول: فقارَعَ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22692ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنا معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: فَساهَمَ يقول أقْرَعَ.
22693ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الـمُدْحَضِينَ قال: فـاحتبست السفـينة, فعلـم القوم أنـما احتبست من حدث أحدثوه, فتساهموا, فقُرِع يونس, فرمى بنفسه, فـالتقمه الـحوت.
22694ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: فَساهَمَ قال: قارع.
وقوله: فَكانَ مِنَ الـمُدْحَضِينَ يعنـي: فكان من الـمسهومين الـمغلوبـين, يقال منه: أدحض الله حجة فلان فدحضت: أي أبطلها فبطلت, والدّحْض: أصله الزلق فـي الـماء والطين, وقد ذُكر عنهم: دَحَض الله حجته, وهي قلـيـلة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22695ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: فَكانَ مِنَ الـمُدْحَضِينَ يقول: من الـمقروعين.
22696ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: مِنَ الـمُدْحَضِينَ قال: من الـمسهومين.
22697ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: فَكان مِنَ الـمُدْحَضِينَ قال: من الـمقروعين.
وقوله: فـالْتَقَمَهُ الـحُوتُ يقول: فـابتلعه الـحوت وهو افتعل من اللّقْم. وقوله: وَهُوَ مُلِـيـمُ يقول: وهو مكتسب اللوم, يقال: قد ألام الرجل, إذا أتـى ما يُلام علـيه من الأمر وإن لـم يُـلَـم, كما يقال: أصبحتَ مُـحْمِقا مُعْطِشا: أي عندك الـحمق والعطش ومنه قول لبـيد:
سَفَها عَذَلْتَ ولُـمْتَ غيرَ مُلِـيـمِوَهَداكَ قَبلَ الـيوْمِ غيرُ حَكِيـم
فأما الـملوم فهو الذي يُلام بـاللسان, ويعذل بـالقول. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22698ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: ثنـي أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَهُوَ مُلِـيـمٌ قال: مذنب.
22699ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَهُوَ مُلِـيـمٌ: أي فـي صنعه.
22700ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَهُوَ مُلِـيـمٌ قال: وهو مذنب, قال: والـملـيـم: الـمذنب.
الآية : 143-146
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَوْلاَ أَنّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مّن يَقْطِينٍ }.
يقول تعالـى ذكره: فَلَوْلا أنّهُ يعنـي يونس كانَ مِنَ الـمُصَلّـين لله قبل البلاء الذي ابتُلـي به من العقوبة بـالـحبس فـي بطن الـحوت لَلَبِثَ فِـي بَطْنِهِ إلـى يَوْمِ يُبْعَثُونَ يقول: لبِقـي فـي بطن الـحوت إلـى يوم القـيامة, يوم يبعث الله فـيه خـلقه مـحبوسا, ولكنه كان من الذاكرين الله قبل البلاء, فذكره الله فـي حال البلاء, فأنقذه ونـجّاه.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي وقت تسبـيح يونس الذي ذكره الله به, فقال فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـي ذلك, وقالوا مثل قولنا فـي معنى قوله: مِنَ الـمُسَبّحِينَ. ذكر من قال ذلك:
22701ـ حدثنا بشر, قا: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ كان كثـير الصّلاةِ فـي الرّخاء, فنـجّاه الله بذلك قال: وقد كان يقال فـي الـحكمة: إن العمل الصالـح يرفع صاحبه إذا ما عَثَر, فإذا صُرِع وَجد متكأً.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن بعض أصحابه, عن قتادة, فـي قوله: فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحينَ قال: كان طويـل الصلاة فـي الرخاء قال: وإنّ العمل الصالـح يرفع صاحبه إذا عثر, وإذا صرع وجد متكأً.
22702ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: حدثنا أبو صخر, أن يزيد الرّقاشي, حدّثه, قال: سمعت أنس بن مالك, قال: ولا أعلـم إلا أن أنسا يرفع الـحديث إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أنّ يُونُسَ النّبِـيّ حِينَ بَدَا لَهُ أنْ يَدْعُوَ اللّهَ بـالكَلِـماتِ حِينَ نادَاهُ وَهُوَ فِـي بَطْنِ الـحُوتِ, فَقالَ: اللّهُمّ لا إلهَ إلاّ أنْتَ سُبْحانَكَ إنّـي كُنْتُ مِنَ الظّالِـمِين, فأَقْبَلَتِ الدّعْوَةُ تَـحْتَ العَرْشِ, فَقالَتِ الـمَلائِكَةُ: يا رَبّ هَذا صَوْتٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفٌ فِـي بِلادٍ غَرِيبَةٍ, قال: أما تَعْرَفُونَ ذلكَ؟ قالَوا يا رَبّ وَمَنْ هُوَ؟ قالَ: ذلكَ عَبْدي يُونُسُ, قالُوا: عَبْدُكَ يُونُسُ الّذي لَـمْ يَزلْ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ مُتَقَبِلٌ وَدَعْوَةٌ مُسْتَـجابَةٌ, قالُوا: يا رَبّ أوَلا يُرْحَمُ بِـمَا كانَ يَصْنَعُ فِـي الرّخاءِ فَتُنَـجّيهِ مِنَ البَلاءِ؟ قالَ: بَلـى, فأمَرَ الـحُوتَ فَطَرَحَهُ بـالعَرَاءِ».
22703ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عاصم, عن أبـي رزين, عن ابن عبـاس فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ قال: من الـمصلّـين.
22704ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي الهيثم, عن سعيد بن جُبَـير فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ قال: من الـمصلّـين.
22705ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن أبـي جعفر, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ قال: كان له عمل صالـح فـيـما خلا.
22706ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: مِنَ الـمُسَبّحِينَ قال: الـمصلـين.
22707ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا كثـير بن هشام, قال: حدثنا جعفر, قال: حدثنا ميـمون بن مهران, قال: سمعت الضحاك بن قـيس يقول علـى منبره: اذكروا الله فـي الرخاء يذكركم فـي الشدّة, إن يونس كان عبدا لله ذاكرا, فلـما أصابته الشدّة دعا الله فقال الله: لَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ لَلَبثَ فِـي بَطْنِهِ إلـى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فذكره الله بـما كان منه, وكان فرعون طاغيا بـاغيا فَلَـمّا أدْرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أنّهُ لا إلَهَ إلاّ الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيـلَ وأنا مِنَ الـمُسْلِـمينَ آلاَنَ وَقَدْ عَصَيتَ قَبْلُ وكُنْتُ مِنَ الـمُفْسِدِينَ قال الضحاك: فـاذكروا الله فـي الرخاء يذكركم فـي الشدّة.
قال أبو جعفر: وقـيـل: إنـما أحدث الصلاة التـي أخبر الله عنه بها, فقال: فَلَوْلا أَنّهُ كَانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ فـي بطن الـحوت.
وقال بعضهم: كان ذلك تسبـيحا, لا صلاة. ذكر من قال ذلك:
22708ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا عمران القطان, قال: سمعت الـحسن يقول فـي قوله: فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ قال: فوالله ما كانت إلا صلاة أحدثها فـي بطن الـحوت قال عمران: فذكرت ذلك لقتادة, فأنكر ذلك وقال: كان والله يكثر الصلاة فـي الرخاء.
22709ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن الـمغيرة بن النعمان, عن سعيد بن جُبَـير: فـالْتَقَمَهُ الـحُوتُ وَهُوَ مُلِـيـمٌ قال: قال لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحانَكَ إنّـي كُنْتُ مِنَ الظّالِـمِينَ فلـما قالها, قذفه الـحوت, وهو مغرب.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22710ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَلَبِثَ فِـي بَطْنِهِ إلـى يَوْمِ يُبْعَثُونَ: لصار له بطن الـحوت قبرا إلـى يوم القـيامة.
22711ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن السديّ, عن أبـي مالك, قال: لبث يونس فـي بطن الـحوت أربعين يوما.
وقوله: فَنَبَذْناهُ بـالعَرَاءِ يقول: فقذفناه بـالفضاء من الأرض, حيث لا يواريه شيء من شجر ولا غيره ومنه قول الشاعر:
وَرَفَعْتُ رِجْلاً لا أخافُ عِثارَهاوَنَبَذْتُ بـالبَلَدِ العَرَاءِ ثِـيابِـي
يعنـي بـالبلد: الفضاء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22712ـ حدثنـي علـيّ, قال: ثنـي أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: فَنَبَذْناهُ بـالعَرَاءِ يقول: ألقـيناه بـالساحل.
22713ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَنَبَذْناهُ بـالعَرَاءِ بأرض لـيس فـيها شيء ولا نبـات.
22714ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: بـالعَراءِ قال: بـالأرض.
وقوله: وَهُوَ سَقِـيـمٌ يقول: وهو كالصبـيّ الـمنفوس: لـحم نـيء, كما:
22715ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ وَهُوَ سَقِـيـمٌ كهيئة الصبـيّ.
22716ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن يزيد بن زياد, عن عبد الله بن أبـي سلـمة, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, قال: خرج به, يعنـي الـحوت, حتـى لفظه فـي ساحل البحر, فطرحه مثل الصبـيّ الـمنفوس, لـم ينقص من خـلقه شيء.
22717ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: ما لَفَظه الـحوت حتـى صار مثل الصبـيّ الـمنفوس, قد نشر اللـحم والعظم, فصار مثل الصبـيّ الـمنفوس, فألقاه فـي موضع, وأنبت الله علـيه شجرة من يقطين.
وقوله: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ يقول تعالـى ذكره: وأنبتنا علـى يونس شجرة من الشجر التـي لا تقوم علـى ساق, وكل شجرة لا تقوم علـى ساق كالدّبـاء والبِطّيخ والـحَنْظَل ونـحو ذلك, فهي عند العرب يَقْطِين.
واختلف أهل التأويـل فـي ذلك, فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك:
22718ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, عن القاسم بن أبـي أيوب, عن سعيد بن جُبَـيْر, فـي قوله: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: هو كلّ شيء ينبت علـى وجه الأرض لـيس له ساق.
22719ـ حدثنـي مطر بن مـحمد الضبـي, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا الأصبغ بن زيد, عن القاسم بن أبـي أيوب, عن سعيد بن جُبَـير, فـي قوله: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: كلّ شيء ينبت ثم يـموت من عامه.
22720ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حبـيب, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, قال: شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ فقالوا عنده: القرع قال: وما يجعله أحقّ من البطيخ.
22721ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: غير ذات أصل من الدّبّـاء, أو غيره من نـحوه.
وقال آخرون: هو القرع. ذكر من قال ذلك:
22722ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: القرع.
22723ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي إسحاق, عن عمرو بن ميـمون, عن عبد الله, أنه قال فـي هذه الاَية: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: القرع.
22724ـ حدثنـي مطر بن مـحمد الضبـيّ, قال: حدثنا عبد الله بن داود الواسطي, قال: حدثنا شريك, عن أبـي إسحاق عن عمرو بن ميـمون الأودي, فـي قوله: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: القرع.
22725ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ: كنّا نـحدّث أنها الدّبّـاء, هذا القرع الذي رأيتـم أنبتها الله علـيها يأكل منها.
22726ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي أبو صخر, قال: ثنـي ابن قسيط, أنه سمع أبـا هُرَيرة يقول: طرح بـالعراء, فأنبت الله علـيه يقطينة, فقلنا: يا أبـا هريرة وما الـيقطينة؟ قال: الشجرة الدّبّـاء, هيأ الله له أروية وحشية تأكل من خَشاش الأرض أو هَشاش فتفشخ علـيه فترويه من لبنها كلّ عشية وبكرة حتـى نبت. وقال ابن أبـي الصلت قبل الإسلام فـي ذلك بـيتا من شعر:
فأَنْبَتَ يَقْطِينا عَلَـيْهِ برَحْمَةٍمِنَ اللّهِ لَوْلا اللّهُ أُلْفِـيَ ضَاحِيا
22727ـ حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي, قال: حدثنا فضيـل بن عياض, عن مغيرة فـي قوله: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: القرع.
22728ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: القرع.
22729ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: أنبت الله علـيه شجرة من يقطين قال: فكان لا يتناول منها ورقة فـيأخذها إلا أروته لبنا, أو قال: شرب منها ما شاء حتـى نبت.
22730ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: هو القرع, والعرب تسميه الدّبّـاء.
22731ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن ورقاء, عن سعيد بن جُبَـير فـي قول الله: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: هو القرع.
22732ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد, قوله: وأَنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: القرع.
وقال آخرون: كان الـيقطين شجرة أظلّت يونس. ذكر من قال ذلك:
22733ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ثابت بن يزيد, عن هلال بن خبـاب, عن سعيد بن جُبَـير, قال: الـيقطين: شجرة سماها الله يقطينا أظلته, ولـيس بـالقرّع. قال: فِـيـما ذكر أرسل الله علـيه دابة الأرض, فجعلت تقرض عروقها, وجعل ورقها يتساقط حتـى أفضت إلـيه الشمس وشكاها, فقال: يا يونس جزعت من حرّ الشمس, ولـم تـجزع لـمئة ألف أو يزيدون تابوا إلـيّ, فتبت علـيهم؟
الآية : 147-149
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىَ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُواْ فَمَتّعْنَاهُمْ إِلَىَ حِينٍ * فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فأرسلنا يونس إلـى مئة ألف من الناس, أو يزيدون علـى مئة ألف. وذُكر عن ابن عبـاس أنه كان يقول: معنى قوله أوْ: بل يزيدون. ذكر الرواية بذلك:
22734ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن سالـم بن أبـي الـجعد, عن الـحكم بن عبد الله بن الأزور, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وأرْسلْناهُ إلـى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ قال: بل يزيدون, كانوا مئة ألف وثلاثـين ألفـا.
22735ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جُبَـير, فـي قوله: مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ قال: يزيدون سبعين ألفـا, وقد كان العذاب أرسل علـيهم, فلـما فرّقوا بـين النساء وأولادها, والبهائم وأولادها, وعجّوا إلـى الله, كشف عنهم العذاب, وأمطرت السماء دما.
22736ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الرحيـم البرقـي, قال: حدثنا عمرو بن أبـي سلـمة, قال: سمعت زُهَيرا, عمن سمع أبـا العالـية, قال: ثنـي أبـيّ بن كعب, أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: وأرْسَلْناهُ إلـى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ قال: يزيدون عشرين ألفـا.
وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يقول فـي ذلك: معناه إلـى مئة ألف أو كانوا يزيدون عندكم, يقول: كذلك كانوا عندكم.
وإنـما عنى بقوله: وأرْسَلْناهُ إلـى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ أنه أرسله إلـى قومه الذين وعدهم العذاب, فلـما أظلّهم تابوا, فكشف الله عنهم. وقـيـل: إنهم أهل نـينَوَى. ذكر من قال ذلك:
22737ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وأرْسَلْناهُ إلـى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ أرسل إلـى أهل نـينوى من أرض الـموصل, قال: قال الـحسن: بعثه الله قبل أن يصيبه ما أصابه فَآمَنُوا فَمَتّعْناهُمْ إلـى حِينٍ.
22738ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إلـى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ قال: قوم يونس الذين أرسل إلـيهم قبل أن يـلتقمه الـحوت.
وقـيـل: إن يونس أُرسل إلـى أهل نِـيْنَوَى بعد ما نبذه الـحوت بـالعراء. ذكر من قال ذلك:
22739ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: سمعت أبـا هلال مـحمد بن سلـيـمان, قال: حدثنا شهر بن حوشب, قال: أتاه جبرائيـل, يعنـي يونس, وقال: انطلق إلـى أهل نِـيْنَوَى فأنذرهم أن العذاب قد حضرهم قال: ألتـمس دابة قال: الأمر أعجل من ذلك, قال: ألتـمس حذاء, قال: الأمر أعجل من ذلك, قال: فغضب فـانطلق إلـى السفـينة فركب فلـما ركب احتبست السفـينة لا تُقدّم ولا تُؤخر قال: فتساهموا, قال: فسُهم, فجاء الـحوت يبصبص بذنبه, فنودي الـحوت: أيا حوت إنا لـم نـجعل يونس لك رزقا, إنـما جعلناك له حوزا ومسجدا قال: فـالتقمه الـحوت, فـانطلق به من ذلك الـمكان حتـى مرّ به علـى الأيْـلة, ثم انطلق به حتـى مرّ به علـى دجلة, ثم انطلق به حتـى ألقاه فـي نـينوى.
22740ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا أبو هلال, قال: حدثنا شهر بن حوشب, عن ابن عبـاس قال: إنـما كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الـحوت.
وقوله: فَآمَنُوا يقول: فوحدوا الله الذي أرسل إلـيهم يونس, وصدّقوا بحقـيقة ما جاءهم به يونس من عند الله.
وقوله: فَمَتّعْناهُمْ إلـى حِينٍ يقول: فأخرنا عنهم العذاب, ومتعناهم إلـى حين بحياتهم إلـى بلوغ آجالهم من الـموت. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22741ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَمَتّعْناهُمْ إلـى حِينٍ: الـموت.
22742ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: فَمَتّعْناهُمْ إلـى حِينٍ قال: الـموت.
وقوله: فـاسْتَفْتِهِمْ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: سل يا مـحمد مشركي قومك من قريش, كما:
22743ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فـاسْتَفْتِهِمْ ألِرَبّكَ البَناتُ وَلهُمُ البَنُونَ: يعنـي مشركي قريش.
22744ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: فـاسْتَفْتِهِمْ ألِرَبّكَ البَناتُ وَلَهُمُ البَنُونَ قال: سلهم, وقرأ: وَيَسْتَفْتُونَكَ قال: يسألونك.
22745ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فـاسْتَفْتِهِمْ يقول: يا مـحمد سلهم. وقوله: ألِرَبّكَ البَناتُ وَلَهُمُ البَنُونَ: ذكر أن مشركي قريش كانوا يقولون: الـملائكة بنات الله, وكانوا يعبدونها, فقال الله لنبـيه مـحمد علـيه الصلاة والسلام: سلهم, وقل لهم: ألربـي البنات ولكم البنون؟ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22746ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, ألَرَبّكَ البَناتُ وَلَهُمُ البَنُونَ؟ لأنهم قالوا: يعنـي مشركي قريش: لله البنات, ولهم البنون.
22747ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: فـاسْتَفْتِهِمْ ألِرَبّكَ البَناتُ وَلهُمُ البَنُونَ قال: كانوا يعبدون الـملائكة.
الآية : 150-152
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلاَ إِنّهُم مّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللّهُ وَإِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ }.
يعنـي تعالـى ذكره: أم شهد هؤلاء القائلون من الـمشركين: الـملائكة بنات الله خـلقـيَ الـملائكة وأنا أخـلقهم إناثا, فشهدوا هذه الشهادة, ووصفوا الـملائكة بأنها إناث.
وقوله: ألا إنّهُمْ مِنْ إفْكِهِمْ يقول تعالـى ذكره: ألا إن هؤلاء الـمشركين من كذبهم لَـيَقُولُونَ وَلَدَ اللّهُ وإنّهُمْ لَكاذِبونَ فـي قـيـلهم ذلك, كما:
22748ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ألا إنّهُمْ مِنْ إفْكِهِمْ لَـيَقُولُونَ يقول: من كذبهم