تفسير الطبري تفسير الصفحة 526 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 526
527
525
 سورة النجم مكية
وآياتها ثنتان وستون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-2
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالنّجْمِ إِذَا هَوَىَ * مَا ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىَ }.
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: والنّجْمِ إذَا هَوَى فقال بعضهم: عُنِي بالنجم: الثّريا, وعُنِي بقوله: إذَا هَوَى: إذا سقط, قالوا: تأويل الكلام: والثريا إذا سقطت. ذكر من قال ذلك:
25083ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال: إذا سقطت الثريا مع الفجر.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال: الثريا. وقال مجاهد: وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال: سقوط الثريا.
25084ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال: إذا انصبّ.
وقال آخرون: معنى ذلك: والقرآن إذا نزل. ذكر من قال ذلك:
25085ـ حدثني زياد بن عبد الله الحساني أبو الخطاب, قال: حدثنا مالك بن سعير, قال: حدثنا الأعمش, عن مجاهد, في قوله: وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال: القرآن إذا نزل.
25086ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَالنّجْمِ إذَا هَوَى ما ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَما غَوَى قال: قال عُتْبة بن أبي لهب: كفرتُ بربّ النجم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمَا تَخافُ أنْ يَأْكُلُكَ كَلْبُ اللّهِ» قال: فخرج في تجارة إلى اليمن, فبينما هم قد عرّسوا, إذ سمعَ صوتَ الأسد, فقال لأصحابه إني مأكول, فأحدقوا به, وضرب على أصمختهم فناموا, فجاء حتى أخذه, فما سمعوا إلا صوته.
25087ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, قال: حدثنا معمر, عن قتادة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم تلا: وَالنّجْمِ إذَا هَوَى فقال ابن لأبي لهب حسبته قال: اسمه عُتبة: كفرت بربّ النجم, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «احْذَرْ لا يَأْكُلْكَ كَلْبُ اللّهِ» قال: فضرب هامته. قال: وقال ابن طاوس عن أبيه, أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ألاَ تخافُ أنْ يُسَلّطَ اللّهُ عَلَيْكَ كَلْبَهُ؟» فخرج ابن أبي لهب مع ناس في سفر حتى إذا كانوا في بعض الطريق سمعوا صوت الأسد, فقال: ما هو إلا يريدني, فاجتمع أصحابه حوله وجعلوه في وسطهم, حتى إذا ناموا جاء الأسد فأخذه من بينهم. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول: عنى بقوله: والنّجْمِ والنجوم. وقال: ذهب إلى لفظ الواحد, وهو في معنى الجميع, واستشهد لقوله ذلك بقول راعي الإبل:
فَباتَتْ تَعُدّ النّجْمَ في مُسْتَحِيرَةٍ سَرِيعٌ بِأيْدِي الاَكِلِينَ جُمُودُها
والصواب من القول في ذلك عندي ما قاله مجاهد من أنه عنى بالنجم في هذا الموضع: الثريا, وذلك أن العرب تدعوها النجم, والقول الذي قاله من حكينا عنه من أهل البصرة قول لا نعلم أحدا من أهل التأويل قاله, وإن كان له وجه, فلذلك تركنا القول به.
وقوله: ما ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَما غَوَى يقول تعالى ذكره: ما حاد صاحبكم أيها الناس عن الحقّ ولا زال عنه, ولكنه على استقامة وسداد.
ويعني بقوله: وَما غَوَى: وما صار غويّا, ولكنه رشيد سديد يقال: غَوَى يَغْوِي من الغيّ, وهو غاوٍ, وغَوِيَ يَغْوَى من اللبن: إذا بَشِم. وقوله: ما ضَلّ صَاحِبُكُمْ جواب قسم والنجم.

الآية : 3-7
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىَ * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَىَ * عَلّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىَ * ذُو مِرّةٍ فَاسْتَوَىَ * وَهُوَ بِالاُفُقِ الأعْلَىَ }.
يقول تعالى ذكره: وما ينطق محمد بهذا القرآن عن هواه إنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوْحَى يقول: ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25088ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى: أي ما ينطق عن هواه إنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحَى قال: يوحي الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل, ويوحي جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل: عنى بقوله: وَما يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى بالهوى.
وقوله: عَلّمَهُ شَدِيدُ القُوَى: يقول تعالى ذكره: عَلّم محمدا صلى الله عليه وسلم هذا القرآن جبريلُ عليه السلام, وعُنِي بقوله: شَديدُ القُوَى شديد الأسباب. والقُوى: جمع قوّة, كما الجثى: جمع جثوة, والحبى: جمع حبوة. ومن العرب من يقول: القِوَى: بكسر القاف, كما تُجمع الرشوة رِشا بكسر الراء, والحبوة حِبا. وقد ذُكر عن العرب أنها تقول: رُشوة بضم الراء, ورِشوة بكسرها, فيجب أن يكون جمع من جمع ذلك رشا بكسر الراء على لغة من قال: واحدها رشوة, وأن يكون جمع من جمع ذلك بضمّ الراء, من لغة من ضمّ الراء في واحدها وإن جمع بالكسر من كان لغته من الضمّ في الواحدة, أو بالضمّ من كان من لغته الكسر, فإنما هو حمل إحدى اللغتين على الأخرى. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: عَلّمَهُ شَدِيدُ القُوَى قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25089ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة عَلّمَهُ شَدِيدُ القُوَى يعني جبريل.
25090ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع عَلّمَهُ شَدِيدُ القُوَى قال: جبرائيل عليه السلام.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع, مثله.
وقوله: ذُو مِرّةٍ فاسْتَوَى اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ذُو مِرّةٍ فقال بعضهم: معناه: ذو خَلْق حَسَن. ذكر من قال ذلك:
25091ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: ذُو مِرّةٍ قال: ذو منظر حسن.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ذُو مِرّةٍ فاسْتَوَى: ذو خَلْق طويل حسن.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ذو قوّة. ذكر من قال ذلك:
25092ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: ثني الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ذُو مِرّةٍ فاسْتَوَى قال: ذو قوّة جبريل.
25093ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان ذُو مِرّةٍ قال: ذو قوّة.
25094ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ذُو مِرّةٍ فاسْتَوَى قال: ذو قوّة, المرّة: القوّة.
25095ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا حكام عن أبي جعفر عن الربيع ذُو مِرّةٍ فاسْتَوَى جبريل عليه السلام.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بالمِرّة: صحة الجسم وسلامته من الاَفات والعاهات, والجسم إذا كان كذلك من الإنسان, كان قويا, وإنما قلنا إن ذلك كذلك, لأن المِرة واحدة المِرر, وإنما أُريد به: ذو مِرّة سوية. وإذا كانت المِرّة صحيحة, كان الإنسان صحيحا. ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تَحِلّ الصّدَقَةُ لِغَنِيّ, وَلا لِذِي مِرّةٍ سِوِيّ».
وقوله: فاسْتَوَى وَهُوَ بالأُفُقِ الأعْلَى يقول: فاستوى هذا الشديد القويّ وصاحبكم محمد بالأفق الأعلى, وذلك لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم استوى هو وجبريل عليهما السلام بمطلع الشمس الأعلى, وهو الأفق الأعلى, وعطف بقوله: «وهو» على ما في قوله: «فاستوى» من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم, والأكثر من كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا الموضع أن يظهروا كناية المعطوف عليه, فيقولوا: استوى هو وفلان, وقلّما يقولون استوى وفلان وذكر الفرّاء عن بعض العرب أنه أنشده:
ألَمْ تَرَ أنّ النّبْعَ يَصْلُبُ عُودُهُوَلا يَسْتَوِي وَالخِرْوعُ المُتَقَصّفُ
فردّ الخروع على «ما» في يستوي من ذكر النبع, ومنه قوله الله: أئِذَا كُنّا تُرَابا وآباؤُنا فعطف بالاَباء على المكنيّ في كنا من غير إظهار نحن, فكذلك قوله: فاسْتَوَى وَهُوَ, وقد قيل: إن المستوي: هو جبريل, فإن كان ذلك كذلك, فلا مُؤْنة في ذلك, لأن قوله: وهو من ذكر اسم جبريل, وكأن قائل ذلك وجّه معنى قوله: فاسْتَوَى: أي ارتفع واعتدل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع ذُو مِرّةٍ فاسْتَوَى جبريل عليه السلام وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25096ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَهُوَ بالأُفُقِ الأَعْلَى والأفق: الذي يأتي منه النهار.
25097ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن, في قوله: وَهُوَ بالأُفقِ الأعْلَى قال: بأفق المشرق الأعلى بينهما.
25098ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع وَهُوَ بالأُفُقِ الأعْلَى يعني جبريل.
قال: ثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع وَهُوَ بالأُفُقِ الأَعْلَى قال: السماء الأعلى, يعني جبريل عليه السلام.

الآية : 8-11
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {ثُمّ دَنَا فَتَدَلّىَ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىَ * فَأَوْحَىَ إِلَىَ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىَ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىَ }.
يقول تعالى ذكره: ثم دنا جبريل من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى إليه, وهذا من المؤخّر الذي معناه القديم, وإنما هو: ثم تدلى فدنا, ولكنه حسن تقديم قوله: دنا, إذ كان الدنوّ يدلّ على التدلي والتدلي على الدنوّ, كما يقال: زارني فلان فأحسن, وأحسن إليّ فزارني وشتمني, فأساء, وأساء فشتمني لأن الإساءة هي الشتم: والشتم هو الإساءة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25099ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن ثُمّ دَنا فَتَدَلَى قال: جبريل عليه السلام.
25100ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ثُمّ دَنَا فَتَدَلَى يعني: جبريل.
25101ـ حدثنا اين حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع ثُمّ دَنَا فَتَدَلَى قال: هو جبريل عليه السلام.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم دنا الربّ من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى. ذكر من قال ذلك:
25102ـ حدثنا يحيى بن الأمويّ, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا محمد بن عمرو, عن أبي سَلَمة, عن ابن عباس ثُمّ دَنا فَتَدَلَى قال: دنا ربه فتدلىّ.
25103ـ حدثنا الربيع, قال: حدثنا ابن وهب, عن سليمان بن بلال, عن شريك بن أبي نمر, قال: سمعت أنس بن مالك يحدّثنا عن ليلة المسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج جبرائيل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة, ثم علا به بما لا يعلمه إلا الله, حتى جاء سدرة المنتهى, ودنا الجبار ربّ العزّة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى, فأوحى الله إليه ما شاء, فأوحى الله إليه فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كلّ يوم وليلة, وذكر الحديث.
وقوله: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى يقول: فكان جبرائيل من محمد صلى الله عليه وسلم على قدر قوسين, أو أدنى من ذلك, يعني: أو أقرب منه, يقال: هو منه قاب قوسين, وقِيب قوسين, وقِيد قوسين, وقادَ قوسين, وقَدَى قوسين, كل ذلك بمعنى: قدر قوسين. وقيل: إن معنى قوله: فَكانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أنه كان منه حيث الوتر من القوس. ذكر من قال ذلك:
25104ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: قابَ قَوْسَيْنِ قال: حيث الوتر من القوس.
25105ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ قال: قيدَ قوسين. وقال ذلك قتادة.
25106ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن خَصِيف, عن مجاهد فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ قال: قِيدَ, أو قدرَ قوسين.
25107ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن إبراهيم بن طهمان, عن عاصم, عن زِرّ, عن عبد الله فكان قاب قوسين أو أدنى: قال: دنا جبريل عليه السلام منه حتى كان قدر ذراع أو ذراعين.
25108ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عاصم, عن أبي رزين قابَ قَوْسَيْنِ قال: ليست بهذه القوس, ولكن قدر الذراعين أو أدنى والقاب: هو القيد.
واختلف أهل التأويل في المعنى بقوله: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى فقال بعضهم: في ذلك, بنحو الذي قلنا فيه.
25109ـ حدثنا ابن أبي الشوارب, قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد, قال: حدثنا سليمان الشيبانيّ, قال: حدثنا زِرّ بن حُبيش, قال: قال عبد الله في هذه الاَية فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيْتُ جِبْرِيلَ لَهُ سِتّ مِئَةِ جَناحٍ».
25110ـ حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري, قال: حدثنا خالد عبد الله, عن الشيباني, عن زرّ, عن ابن مسعود في قوله: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى قال: رأى جبرائيل ستّ مئة جناح في صورته.
حدثنا محمد بن عبيد, قال: حدثنا قبيصة بن ليث الأسدي, عن الشيباني, عن زرّ بن حبيش, عن عبد الله بن مسعود فَكان قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى قال: رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام له ستّ مئة جناح.
25111ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن وهب, قال: حدثنا ابن لهيعة, عن أبي الأسود, عن عروة, عن عائشة قالت: كان أوّل شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى في منامه جبريل عليه السلام بأجياد, ثم إنه خرج ليقضي حاجته, فصرخ به جبريل: يا محمد فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينا وشمالاً, فلم ير شيئا ثلاثا ثم خرج فرآه, فدخل في الناس, ثم خرج, أو قال: ثم نظر «أنا أشكّ», فرآه, فذلك قوله: وَالنّجْمِ إذَا هَوَى ما ضَل صَاحِبُكُمْ وَما غَوَى وَما يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى... إلى قوله: فَتَدَلى جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم, فكان قابَ قَوْسَيْن أوْ أدْنى يقول: القاب: نصب الأصبع. وقال بعضهم: ذراعين كان بينهما.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الشيباني, عن زرّ بن حُبَيش, عن ابن مسعود, فَكانَ قابَ قَوْسَيْن أوْ أدْنى قال: له ستّ مئة جناح, يعني جبريل عليه السلام.
25112ـ حدثنا إبراهيم بن سعيد, قال: حدثنا أبو أُسامة, قال: حدثنا زكريا, عن ابن أشوع, عن عامر, عن مسروق, قال: قلت لعائشة: ما قوله: ثُمّ دَنَا فَتَدَلى فَكانَ قَابَ قَوْسَيْن أوْ أدْنى فَأَوْحَى إلى عَبْدِه ما أوْحَى فقالت: إنما ذاك جبريل, كان يأتيه في صورة الرجال, وإنه أتاه في هذه المرّة في صورته, فسدّ أفق السماء.
وقال آخرون: بل الذي دنا فكان قاب قوسين أو أدنى: جبريل من ربه. ذكر من قال ذلك:
25113ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فَكانَ قَابَ قَوْسَيْن أوْ أدْنى قال الله من جبريل عليه السلام.
وقال آخرون: بل كان الذي كان قاب قوسين أو أدنى: محمد من ربه. ذكر من قال ذلك:
25114ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن موسى بن عبيد الحميري, عن محمد بن كعب القرظي, عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قلنا يا نبيّ الله: هل رأيت ربك؟ قال: «لَمْ أرَهُ بِعَيْنِي, ورأيتُهُ بفُؤَادِي مَرّتَيْن», ثُمّ: تَلا ثُمّ دَنى فَتَدَلّى.
25115ـ حدثنا خلاد بن أسلم, قال: أخبرنا النضر, أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثيّ, عن كثير, عن أنس بن مالك, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَمّا عُرِجَ بِي, مَضَى جِبْرِيلُ حتى جاءَ الجَنّةَ, قالَ: فَدَخَلْتُ فأُعْطِيتُ الكَوْثَرَ, ثُمّ مَضَى حتى جاءَ السّدْرَةَ المُنْتَهَى, فَدَنا رَبّكَ فَتَدَلّى, فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى, فأَوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أوْحَى».
وقوله: فأَوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أوْحَى اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: فأوحى الله إلى عبده محمد وحيه, وجعلوا قوله: ما أوْحَى بمعنى المصدر. ذكر من قال ذلك:
25116ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: حدثنا أبي, عن قتادة, عن عكرمة, عن ابن عباس, في قوله: فأَوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أوْحَى قال: عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى إليه ربه.
وقد يتوجه على هذا التأويل «ما» لوجهين: أحدهما: أن تكون بمعنى «الذي», فيكون معنى الكلام فأوحى إلى عبده الذي أوحاه إليه ربه. والاَخر: أن تكون بمعنى المصدر. ذكر من قال ذلك:
25117ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: ثني أبي, عن قتادة فأَوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أَوْحَى, قال الحسن: جبريل.
25118ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع فأَوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أوْحَى قال: على لسان جبريل.
حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع, مثله.
25119ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فأَوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أَوْحَى قال: أوحى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أوحى الله إليه.
وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فأوحى جبريل إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى إليه ربه, لأن افتتاح الكلام جرى في أوّل السورة بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعن جبريل عليه السلام, وقوله: فأوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أوْحَى فِي سِياقِ ذلكَ ولم يأت ما يدلّ على انصراف الخبر عنهما, فيوجه ذلك إلى ما صرف إليه.
وقوله: ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى يقول تعالى ذكره: ما كذّب فؤاد محمد محمدا الذي رأى, ولكنه صدّقه.
واختلف أهل التأويل في الذي رآه فؤاده فلم يكذّبه, فقال بعضهم: الذي رآه فؤاده ربّ العالمين, وقالوا جعل بصره في فؤاده, فرآه بفؤاده, ولم يره بعينه. ذكر من قال ذلك:
25120ـ حدثنا سعيد بن يحيى, قال: ثني عمي سعيد عبد الرحمن بن سعيد, عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السّبيعي, عن سماك بن حرب, عن عكرمة, عن ابن عباس, في قوله: ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأى قال: رآه بقلبه صلى الله عليه وسلم.
25121ـ حدثنا خلاد بن أسلم, قال: أخبرنا النضر بن شميل, قال: أخبر عباد, يعني ابن منصور, قال: سألت عكرمة, عن قوله: ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال: أتريد أن أقول لك قد رآه, نعم قد رآه, ثم قد رآه, ثم قد رآه حتى ينقطع النفس.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عيسى بن عبيد, قال: سمعت عكرِمة, وسُئل هل رأى محمد ربه, قال نعم, قد رأى ربه.
قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا سالم مولى معاوية, عن عكرمة, مثله.
25122ـ حدثنا أحمد بن عيسى التميمي, قال: حدثنا سليمان بن عمرو بن سيار, قال: ثني أبي, عن سعيد بن زربي عن عمرو بن سليمان, عن عطاء, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأَيْتُ رَبِي فِي أحْسَنَ صُورَةٍ» فَقالَ لِي: يا مُحَمّدُ هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصمُ المَلأُ الأَعْلَى؟ فَقُلْتُ «لا يا رَبّ فَوَضَعَ يَدَهُ بَينَ كَتِفَيّ, فَوَجَدْتُ بَرْدَها بَينَ ثَدْييّ فَعَلِمْت ما في السّماءِ والأرْضِ» فَقُلْتُ: «يا رَبّ فِي الدّرَجاَتِ والكَفّارَاتِ وَنَقْلِ الأقْدَام إلى الجُمُعاتِ, وَانْتِظارِ الصّلاةِ بَعْد الصّلاةِ», فَقُلْتُ: «يا رَبّ إنّكَ اتّخَذْتَ إبْرَاهِيمِ خَلِيلاً, وكَلّمْتَ مُوسَى تَكْلِيما, وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ؟» فَقال: ألمْ أشْرَحْ لَكَ صَدْرَكْ؟ ألمْ أضَعْ عَنْكَ وِزْرَكَ؟ ألمْ أفْعَلْ بِكَ؟ ألْم أفْعَلْ. قال: «فأفْضَى إليّ بأشْياءَ لَمْ يُؤْذَنْ لي أنْ أُحَدّثْكُمُوها» قال: «فَذلكَ قَوْلُهُ فِي كِتابِهِ يُحُدّثْكُمُوهُ»: ثُمّ دَنا فَتَدلى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى, فأوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أوْحَى. ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى, «فَجَعَلَ نُورَ بَصَرِي فِي فُؤَادِي, فَنَظَرْت إلَيْهِ بِفُؤَادِي».
25123ـ حدثني محمد بن عمارة وأحمد بن هشام, قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيل, عن السديّ, عن أبي صالح ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال: رآه مرّتين بفؤاده.
25124ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن عطية, عن قيس, عن عاصم الأحول, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: إن الله اصطفى إبراهيم بالخُلّة, واصطفى موسى بالكلام, واصطفى محمدا بالرؤية صلوات الله عليهم.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش, عن زياد بن الحصين, عن أبي العالية عن ابن عباس ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال: رآه بفؤاده.
قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن أبي إسحاق عمن سمع ابن عباس يقول ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال: رأى محمد ربه.
25125ـ قال: ثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع ما كَذَبَ الفُؤَادُ فلم يكذّبه ما رأَى قال: رأى ربه.
قال: ثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال رأى محمد ربه بفؤاده.
وقال آخرون: بل الذي رآه فؤاده فلم يكذّبه جبريل عليه السلام. ذكر من قال ذلك:
25126ـ حدثني ابن بزيع البغدادي, قال: حدثنا إسحاق بن منصور, قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عبد الرحمن بن يزيد, عن عبد الله ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض.
25127ـ حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجانيّ, قال: حدثنا عمرو بن عاصم, قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن عاصم عن رزّ, عن عبد الله, أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «رأيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى, لَهُ سِتّ مِئَةِ جَناح, يَنْفُضُ مِنْ رِيشِهِ التّهاوِيلَ الدّرّ والياقُوتَ».
حدثنا أبو هشام الرفاعي, وإبراهيم بن يعقوب, قالا: حدثنا زيد بن الحباب, أن الحسين بن واقد, حدثه قال: حدثني عاصم بن أبي النجود, عن أبي وائل, عن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى لَهُ سِتّ مِئَةِ جَناحٍ» زاد الرفاعيّ في حديثه, فسألت عاصما عن الأجنحة, فلم يخبرني, فسألت أصحابي, فقالوا: كلّ جناح ما بين المشرق والمغرب.
25128ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال: رأى جبريل في صورته التي هي صورته, قال: وهو الذي رآه نزلة أُخرى.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة ومكة والكوفة والبصرة كَذَبَ بالتخفيف, غير عاصم الجحدري وأبي جعفر القارىء والحسن البصري فإنهم قرأوه «كذّب» بالتشديد, بمعنى: أن الفؤاد لم يكذّب الذي رأى, ولكنه جعله حقا وصدقا, وقد يحتمل أن يكون معناه إذا قرىء كذلك: ما كذّب صاحب الفؤاد ما رأى. وقد بيّنا معنى من قرأ ذلك بالتخفيف.
والذي هو أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بالتخفيف لإجماع الحجة من القرّاء عليه, والأخرى غير مدفوعة صحتها لصحة معناها.

الآية : 12-16
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىَ مَا يَرَىَ * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىَ * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىَ * عِندَهَا جَنّةُ الْمَأْوَىَ * إِذْ يَغْشَىَ السّدْرَةَ مَا يَغْشَىَ }.
اختلفت القرّاء في قراءة أفَتُمارُونَهُ, فقرأ ذلك عبد الله بن مسعود وعامة أصحابه «أفَتَمْرُونهُ» بفتح التاء بغير ألف, وهي قراءة عامة أهل الكوفة, ووجهّوا تأويله إلى أفتجحدونه.
25129ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيم أنه كان يقرأ: «أفَتَمْرُونَهُ» بفتح التاء بغير ألف, يقول: أفتجحدونه ومن قرأ أفَتُمارُونَهُ قال: أفتجادلونه. وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة وبعض الكوفيين أفَتُمارُونَهُ بضم التاء والألف, بمعنى: أفتجادلونه.
والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى, وذلك أن المشركين قد جحدوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أراه الله ليلة أُسري به وجادلوا في ذلك, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وتأويل الكلام: أفتجادلون أيها المشركون محمدا على ما يرى مما أراه الله من آياته.
وقوله: وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى يقول: لقد رآه مرّة أخرى. واختلف أهل التأويل في الذي رأى محمد نزلة أخرى نحو اختلافهم في قوله: ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى. ذكر بعض ما رُوي في ذلك من الاختلاف. ذكر من قال فيه رأى جبريل عليه السلام:
25130ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن مسروق, عن عائشة, أن عائشة قالت: يا أبا عائشة من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله قال: وكنت متكئا, فجلست, فقلت: يا أمّ المؤمنين أنظريني ولا تعجليني, أرأيت قول الله وَلَقَدْ رآه نَزْلَةً أُخْرَى وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ المُبِينِ قالت: إنما هو جبريل رآه مرّة على خلقه وصورته التي خلق عليها, ورآه مرّة أخرى حين هبط من السماء إلى الأرض سادّا عظم خلقه ما بين السماء والأرض, قالت: أنا أوّل من سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه الاَية, قال: «هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ».
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ وعبد الأعلى, عن داود, عن عامر, عن مسروق, عن عائشة بنحوه.
حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا داود, عن الشعبي, عن مسروق, قال: كنت عند عائشة, فذكر نحوه.
25131ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الأعلى, عن داود, عن الشعبي, عن مسروق, عن عائشة رضي الله عنها قالت له: يا أبا عائشة, من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله, والله يقول: لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصارَ وَما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلّمَهُ اللّهُ إلاّ وَحيْا أوْمِنْ وَرَاء حِجاب قال: وكنت متكئا, فجلست وقلت: يا أمّ المؤمنين انتظري ولا تعجلي ألم يقل الله وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى وَلَقَدْ رآهُ بالأُفُق المُبِين فقالت: أن أوّل هذه الأمة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك, فقال: «لَمْ أَرَ جِبْرِيلَ عَلى صُورَتِهِ إلاّ هاتَيْن المَرّتَيْن مُنْهَبِطا مِنَ السّماء سادّا عِظَم خَلْقِهِ ما بَينَ السّماءِ والأرْض».
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, قال: أخبرنا داود بن أبي هند, عن الشعبيّ, عن مسروق, قال: كنت متكئا عند عائشة, فقالت: يا أبا عائشة, ثم ذكر نحوه.
25132ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن عبد الرحمن بن يزيد, عن ابن مسعود وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قال: رأى جبريل في رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض.
25133ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن قيس بن وهب, عن مرّة, عن ابن مسعود لَقَدْ رآهُ نُزَلَةً أُخْرَى قال: رأى جبريل في وبر رجليه كالدرّ, مثل القطر على البقل.
25134ـ حدثني الحسين بن عليّ الصدائي, قال: حدثنا أبو أُسامة, عن سفيان, عن قيس بن وهب, عن مرّة في قوله: وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ثم ذكر نحوه.
25135ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن سلمة بن كهيل, عن مجاهد وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قال: رأى جبريل في صورته مرّتين.
حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سلمة بن كهيل الحضرميّ, عن مجاهد, قال: رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في صورته مرّتين.
25136ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع وَلَقَدْ رآه نَزْلَةً أخْرَى قال: جبريل عليه السلام.
25137ـ حدثنا عبد الحميد بن بيان, قال: حدثنا محمد بن يزيد, عن إسماعيل, عن عامر, قال: ثني عبد الله بن الحارث بن نوفل, عن كعب أنه أخبره أن الله تبارك وتعالى قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمد, فكلّمه موسى مرّتين, ورآه محمد مرّتين, قال: فأتى مسروق عائشة, فقال: يا أمّ المؤمنين, هل رأى محمد ربه, فقالت: سبحان الله لقد قفّ شعري لما قلت: أين أنت من ثلاثة من حدّثك بهنّ فقد كذب, من أخبرك أن محمدا رأى ربه فقد كذب, ثم قرأت لا تُدْرِكُه الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارُ وَهُوَ اللّطِيفُ الخَبِير وَما كانَ لِبَشَر أنْ يُكَلّمَهُ اللّهُ إلاّ وَحْيا أوْ مِنْ وَرَاءِ حِجاب ومن أخبرك ما في غد فقد كذب, ثم تلت آخر سورة لقمان إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنْزّلُ الغَيْثَ, وَيَعْلَمُ ما في الأرْحام وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ ومن أخبرك أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد كذب, ثم قرأت, يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ قالت: ولكنه رأى جبريل عليه السلام في صورته مرّتين.
25138ـ حدثنا موسى بن عبد الرحمن, قال: حدثنا أبو أُسامة, قال: ثني إسماعيل, عن عامر, قال: حدثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل, قال: سمعت كعبا, ثم ذكر نحو حديث عبد الحميد بن بيان, غير أنه قال في حديثه فرآه محمد مرّة, وكلّمه موسى مرّتين. ذكر من قال فيه: رأى ربه عزّ وجلّ.
25139ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط, عن سماك بن عكرِمة, عن ابن عباس أنه قال: وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه, فقال له رجل عند ذلك: أليس لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأبْصَارَ؟ قال له عكرِمة: أليس ترى السماء؟ قال: بلى, أفكلها ترى؟.
25140ـ حدثنا سعيد بن يحيى, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن ابن عباس, في قول الله: وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى قال: دنا ربه فتدلى, فكان قاب قوسين أو أدنى, فأوحى إلى عبده ما أوحى قال: قال ابن عباس قد رآه النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقوله: عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى يقول تعالى ذكره: ولقد رآه عند سدرة المنتهى, فعند من صلة قوله: رآهُ والسدرة: شجرة النبق. وقيل لها سدرة المنتهى في قول بعض أهل العلم من أهل التأويل, لأنه إليها ينتهي علم كلّ عالم. ذكر من قال ذلك:
25141ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا يعقوب, عن حفص بن حميد, عن شمر, قال: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار, فقال له: حدثني عن قول الله: عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى عِنْدَها جَنّةُ المَأْوَى فقال كعب: إنها سدرة في أصل العرش, إليها ينتهي علم كلّ عالم, مَلك مقرّب, أو نبيّ مرسل, ما خلفها غيب, لا يعلمه إلا الله.
25142ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال أخبرني جرير بن حازم, عن الأعمش, عن شمر بن عطية, عن هلال بن يساف, قال: سأل ابن عباس كعبا, عن سدرة المنتهى وأنا حاضر, فقال كعب: إنها سدرة على رؤوس حملة العرش, وإليها ينتهي علم الخلائق, ثم ليس لأحد وراءها علم, ولذلك سميت سدرة المنتهى, لانتهاء العلم إليها.
وقال آخرون: قيل لها سدرة المنتهى, لأنها ينتهي ما يهبط من فوقها, ويصعد من تحتها من أمر الله إليها. ذكر من قال ذلك:
25143ـ حدثني محمد بن عمارة, قال: حدثنا سهل بن عامر, قال: حدثنا مالك, عن الزّبير, عن عديّ, عن طلحة اليامي, عن مرّة, عن عبد الله, قال: لما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة, إليها ينتهي من يعرج من الأرض أو من تحتها, فيقبض منها, وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها, فيقبض فيها.
25144ـ حدثني جعفر بن محمد المروزي, قال: حدثنا يعلى, عن الأجلح, قال: قلت للضحاك: لم تسمى سدرة المنتهى؟ قال: لأنه ينتهي إليها كلّ شيء من أمر الله لا يعدوها.
وقال آخرون: قيل لها: سِدْرة المنتهى, لأنه ينتهي إليها كلّ من كان على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومِنهاجه. ذكر من قال ذلك:
25145ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى, قال: إليها ينتهي كلّ أحد, خلا على سنة أحمد, فلذلك سميت المنتهى.
25146ـ حدثني عليّ بن سهل, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا أبو جعفر الرازيّ, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية الرياحي, عن أبي هُريرة, أو غيره «شكّ أبو جعفر الرازيّ» قال: لما أُسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم, انتهى إلى السدرة, فقيل له: هذه السدرة ينتهي إليها كلّ أحد خلا من أمتك على سنتك.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن معنى المنتهى الانتهاء, فكأنه قيل: عند سدرة الانتهاء. وجائز أن يكون قيل لها سدرة المنتهى: لانتهاء علم كلّ عالم من الخلق إليها, كما قال كعب. وجائز أن يكون قيل ذلك لها, لانتهاء ما يصعد من تحتها, وينزل من فوقها إليها, كما رُوي عن عبد الله. وجائز أن يكون قيل ذلك كذلك لانتهاء كلّ من خلا من الناس على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها. وجائز أن يكون قيل لها ذلك لجميع ذلك, ولا خبر يقطع العذر بأنه قيل ذلك لها لبعض ذلك دون بعض, فلا قول فيه أصحّ من القول الذي قال ربنا جلّ جلاله, وهو أنها سدرة المنتهى.
وبالذي قلنا في أنها شجرة النبق تتابعت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال أهل العلم. ذكر ما في ذلك من الاَثار, وقول أهل العلم:
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن حميد, عن أنس بن مالك, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انْتَهَيْتُ إلى السّدْرَةِ فإذَا نَبْقُها مِثْلُ الجِرَارِ, وَإذَا وَرَقُها مِثْل آذَانِ الفِيلَةِ فَلَمّا غَشِيَها مِنْ أمْرِ اللّهِ ما غَشِيَها, تَحَوّلَتْ ياقُوتا وَزُمُرّدا وَنَحْوَ ذلكَ».
25147ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عَدِيّ, عن سعيد عن قتادة, عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رجل من قومه قال: قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: «لَمّا انْتَهَيْتُ إلى السّماءِ السّابِعَةِ أتَيْتُ عَلى إبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ: يا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ قال: هَذَا أبُوكَ إبْرَاهِيمُ, فَسَلّمْتُ عَلَيْهِ, فَقالَ: مَرْحَبا بالابْنِ الصّالِحِ والنّبِيّ الصّالِح, قال: ثُمّ رُفِعَتْ لي سِدْرَةُ المُنْتَهَى فحدّث نبيّ الله أنّ نبقها مثل قلال هجر, وأن ورقها مثل آذان الفِيلة».
وحدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا خالد بن الحارث, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رجل من قومه, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, بنحوه.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: ثني أبي, عن قتادة, قال: حدثنا أنس بن مالك, عن مالك بن صعصعة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال, فذكر نحوه.
25148ـ حدثنا أحمد بن أبي سُرَيج, قال: حدثنا الفضل بن عنبسة, قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن ثابت البُنانيّ, عن أنس بن مالك, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَكِبْتُ البُرَاقَ ثُمّ ذُهِبَ بِي إلى سِدْرَةِ المُنْتَهَى, فإذَا وَرقُها كآذَانِ الفِيَلَةِ, وَإَذَا ثَمَرُها كالقِلالِ» قال: «فَلَمّا غَشِيَها مِنْ أمْرِ اللّهِ ما غَشِيَها تَغَيّرَتْ, فَمَا أحَدٌ يَسْتَطِيعُ أنْ يَصِفَها مِنْ حُسْنِها», قال: «فأَوْحَى اللّهُ إليّ ما أوْحَى».
حدثنا أحمد بن أبي سريج, قال: حدثنا أبو النضر, قال حدثنا سليمان بن المُغيرة, عن أنس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَرَجَ بِي المَلَكُ» قال: «ثُمّ انْتَهَيْتُ إلى السّدْرَةِ وأنا أعْرِفُ أنها سِدْرَةٌ, أعْرِفُ وَرَقَها وَثَمَرها» قال: «فَلَمّا غَشِيَها مِنْ أمْرِ اللّهِ ما غَشِيَها تَحَوّلَتْ حتى ما يسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يَصِفَها».
حدثنا محمد بن سنان القزّاز, قال: حدثنا يونس بن إسماعيل, قال: حدثنا سليمان, عن ثابت, عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله, إلا أنه قال: «حتى ما أسْتَطيعُ أنْ أصِفَها».
25149ـ حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا أبو جعفر الرازيّ, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية الرياحي, عن أبي هريرة أو غيره «شكّ أبو جعفر الرازيّ» قال: لما أُسريَ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم انتهى إلى السدرة, فقيل له: هذه السدرة ينتهي إليها كلّ أحد خلا من أمتك على سنتك, فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن, وأنهار من لبن لم يتغير طعمه, وأنهار من خمر لذّة للشاربين, وأنهار من عسل مصفى, وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها, والورقة منها تغطي الأمة كلها.
25150ـ وحدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سلمة بن كهيل الحضرميّ, عن الحسن العرنيّ, أراه عن الهذيل بن شرحبيل, عن ابن مسعود سدْرَةِ المُنْتَهَى قال: من صُبْر الجنة عليها أو عليه فضول السندس والإستبرق, أو جعل عليها فضول.
وحدثنا به ابن حُمَيد مرّة أخرى, عن مهران, فقال عن الحسن العُرنيّ, عن الهذيل, عن ابن مسعود «ولم يشكّ فيه», وزاد فيه: قال صبر الجنة: يعني وسطها وقال أيضا: عليها فضول السندس والإستبرق.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن سلمة بن كهيل, عن الحسن العرني, عن الهذيل بن شرحبيل, عن عبد الله بن مسعود في قوله: سِدْرَةِ المُنْتَهَى قال: صبر الجنة عليها السندس والإستبرق.
25151ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا يونس بن بكير, عن محمد بن إسحاق, عن يحيى بن عباد بن عبد الله, عن أبيه, عن أسماء بنت أبي بكر, قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذكر سدرة المنتهى, فقال: «يَسِيرُ فِي ظِلّ الْفَنَنِ مِنْها مِئَةُ رَاكِبٍ», أو قال: «يَسْتَظِلّ فِي الفَننِ مِنْها مِئَةُ رَاكِبٍ», «شكّ يحيى» «فِيها فَرَاشُ الذّهَبِ, كأنّ ثَمَرها القِلالُ».
25152ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع, عن سدرة المنتهى, قال: السدرة: شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها, وإن ورقة منها غَشّت الأمّةَ كلها.
25153ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «رُفِعَتْ لي سِدْرَةٌ مُنْتَهاها فِي السّماءِ السّابِعَةِ, نَبْقُها مِثْلُ قِلالِ هَجَرٍ, وَوَرَقُها مِثْلُ آذانِ الفِيلَةِ, يَخْرُجُ مِنْ ساقِها نَهْرَانِ ظاهِران, وَنهْرانِ باطِنانِ», قال: «قُلْتُ لِجْبِريلَ ما هَذَان النّهْرَانِ أرْوَاحٌ» قال: أمّا النّهْرَانِ الباطِنانِ, فَفِي الجَنّة, وأمّا النّهْرَانِ الظّاهِرَانِ: فالنّيلُ والفُراتُ.
وقوله: عِنْدَها جَنّةُ المأْوَى يقول تعالى ذكره: عند سدرة المنتهى جنة مأوى الشهداء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25154ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: عِنْدَها جَنّةُ المأْوَى قال: هي يمين العرش, وهي منزل الشهداء.
25155ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن داود, عن أبي العالية, عن ابن عباس: عِنْدَها جَنّةُ المأْوَى قال: هو كقوله: فَلهُمْ جَنّاتُ المأْوَى نُزُلاً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ.
25156ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: عِنْدَها جَنّةُ المأْوَى قال: منازل الشهداء.
وقوله: إذْ يغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى يقول تعالى ذكره: ولقد رآه نزلة أخرى, إذ يغشى السدرة ما يغشى, فإذ من صلة رآه. واختلف أهل التأويل في الذي يغشى السدرة, فقال بعضهم: غَشِيَها فرَاش الذهب. ذكر من قال ذلك:
25157ـ حدثني محمد بن عمارة, قال: حدثنا سهل بن عامر, قال: حدثنا مالك, عن الزبير بن عديّ, عن طلحة اليامّي, عن مرّة, عن عبد الله إذْ يَغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى قال: غشيها فَرَاش من ذهب.
25158ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلم أو طلحة «شكّ الأعمش» عن مسروق في قوله: إذْ يَغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى قال: غشيها فَراش من ذهب.
25159ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا أبو خالد, عن جويبر, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيْتُها بعَيْنِي سِدْرَةَ المُنْتَهَى حتى اسْتَثْبَتّها ثُمّ حالَ دُونَها فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ».
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك, عن ابن عباس إذْ يَغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيْتُها حتى اسْتَثْبَتّها, ثُمّ حالَ دُونها فَرَاشُ الذّهَبِ».
25160ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن مجاهد وإبراهيم, في قوله: إذْ يَغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى قال: غشيها فراش من ذهب.
25161ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن موسى, يعني ابن عبيدة, عن يعقوب بن زيد, قال: سُئل النبيّ صلى الله عليه وسلم: ما رأيتَ يغشى السّدرة؟ قال: «رأيْتُها يَغْشاها فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ».
25162ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: إذْ يَغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى قال: قيل له: يا رسول الله, أيّ شيء رأيت يغشى تلك السدرة؟ قال: «رأيْتُها يَغْشاها فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ, ورأيْتُ على كُلّ وَرَقَةٍ مِنْ وَرَقِها مَلَكا قائما يُسَبّحُ اللّهَ».
وقال آخرون: الذي غشيها ربّ العزّة وملائكته. ذكر من قال ذلك:
25163ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: إْذ يَغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى قال: غشيها الله, فرأى محمد من آيات ربه الكبرى.
25164ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: إذْ يَغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى قال: كان أغصان السدرة لؤلؤا وياقوتا أو زبرجدا, فرآها محمد, ورأى محمد بقلبه ربه.
25165ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع إذْ يَغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى قال: غشيها نور الربّ, وغشيتها الملائكة من حُبّ الله مثل الغربان حين يقعن على الشجر.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع بنحوه.
25166ـ حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا أبو جعفر الرازيّ, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية الرياحي, عن أبي هريرة أو غيره «شكّ أبو جعفر» قال: لما أُسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم انتهى إلى السدرة, قال: فغشيها نور الخَلاّق, وغشيتها الملائكة أمثالَ الغربان حين يقعن على الشجر, قال: فكلمه عند ذلك, فقال له: سَلْ.

الآية : 17-18
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىَ * لَقَدْ رَأَىَ مِنْ آيَاتِ رَبّهِ الْكُبْرَىَ }.
يقول تعالى ذكره: ما مال بصر محمد يَعْدِل يمينا وشمالاً عما رأى, أي ولا جاوز ما أُمِر به قطعا, يقول: فارتفع عن الحدّ الذي حُدّ له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25167ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد الزبيريّ, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مسلم البطين, عن ابن عباس, في قوله: ما زَاغَ البَصَرُ وَما طَغَى قال: ما زاغ يمينا ولا شمالاً ولا طغى, ولا جاوز ما أُمر به.
25168ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب القرظي ما زَاغَ البَصَرُ وَما طَغَى قال رأى جبرائيل في صورة الملَك.
قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مسلم البطين, عن ابن عباس ما زَاغَ البَصَرُ وَما طَغَى قال: ما زاغ: ذهب يمينا ولا شمالاً, ولا طغى: ما جاوز.
وقوله: لَقَدْ رأَى مِنْ آياتِ رَبّهِ الكُبْرَى يقول تعالى ذكره: لقد رأى محمد هنالك من أعلام ربه وأدلته الأعلام والأدلة الكبرى. واختلف أهل التأويل في تلك الاَيات الكبرى, فقال بعضهم: رأى رَفْرفا أخضر قد سدّ الأفق. ذكر من قال ذلك:
25169ـ حدثنا أبو هشام الرفاعي, قال: حدثنا أبو معاوية, قال: حدثنا الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله لَقَدْ رأَى مِنْ آياتِ رَبّهِ الكُبْرَى قال: رفرفا أخضر من الجنة قد سدّ الأفق.
حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, قال: قال عبد الله, فذكر مثله.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة, عن ابن مسعود مِنْ آياتِ رَبّهِ الكُبْرَى قال: رفرفا أخضر قد سدّ الأفق.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن الأعمش, أن ابن مسعود قال: رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم رَفرفا أخضر من الجنة قد سدّ الأفق.
وقال آخرون: رأى جبريل في صورته. ذكر من قال ذلك:
25170ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لَقَدْ رأَى مِنْ آياتِ رَبّهِ الكُبْرَى قال: جبريل رآه في خلقه الذي يكون به في السموات, قدر قوسين من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيما بينه وبينه.
الآية : 19-22
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزّىَ * وَمَنَاةَ الثّالِثَةَ الاُخْرَىَ * أَلَكُمُ الذّكَرُ وَلَهُ الاُنْثَىَ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىَ }.
يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها المشركون اللاّت, وهي من الله ألحقت فيه التاء فأنثت, كما قيل عمرو للذكر, وللأنثى عمرة وكما قيل للذكر عباس, ثم قيل للأنثى عباسة, فكذلك سمى المشركون أوثانهم بأسماء الله تعالى ذكره, وتقدّست أسماؤه, فقالوا من الله اللات, ومن العزيز العُزّى وزعموا أنهن بنات الله, تعالى الله عما يقولون وافتروا, فقال جلّ ثناؤه لهم: أفرأيتم أيها الزاعمون أن اللات والعُزّى ومناة الثالثة بناتُ الله ألَكُمُ الذّكَرُ يقول: أتختارون لأنفسكم الذكرَ من الأولاد, وتكرهون لها الأنثى, وتجعلون لَهُ الأُنْثَى التي لا ترضونها لأنفسكم, ولكنكم تقتلونها كراهة منكم لهنّ.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: اللات فقرأته عامة قرّاء الأمصار بتخفيف التاء على المعنى الذي وصفتُ.
وذُكر أن اللات بيت كان بنخلة تعبده قريش. وقال بعضهم: كان بالطائف. ذكر من قال ذلك:
25171ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أفَرَأيْتُمُ اللاّتَ والعُزّى أما اللات فكان بالطائف.
25172ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أفَرأيْتُمُ اللات والعُزّى قال: اللات بيت كان بنخلة تعبده قريش.
وقرأ ذلك ابن عباس ومجاهد وأبو صالح «اللاّتّ» بتشديد التاء وجعلوه صفة للوثن الذي عبدوه, وقالوا: كان رجلاً يَلُتّ السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه. ذكر الخبر بذلك عمن قاله:
25173ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد «أفَرأيْتُمُ اللاّتّ والعُزّى» قال: كان يَلُتّ السويق للحاجّ, فعكف على قبره.
قال: ثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد «أفَرأيْتُمُ اللاّتّ» قال: اللاّتّ: كان يلتّ السويق للحاجّ.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد «اللاّتّ» قال: كان يَلُتّ السويق فمات, فعكفوا على قبره.
حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: اللاّتّ قال: رجل يلتّ للمشركين السويق, فمات فعكفوا على قبره.
25174ـ حدثنا أحمد بن هشام, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن أبي صالح, في قوله: «اللاّتّ» قال: اللاتّ: الذي كان يقوم على آلهتهم, يَلُتّ لهم السويق, وكان بالطائف.
25175ـ حدثني أحمد بن يوسف, قال: حدثنا أبو عبيد, قال: حدثنا عبد الرحمن, عن أبي الأشهب, عن أبي الجوزاء عن ابن عباس, قال: كان يلتّ السويق للحاجّ.
وأولى القراءتين بالصواب عندنا في ذلك قراءة من قرأه بتخفيف التاء على المعنى الذي وصفت لقارئه كذلك لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه. وأما العُزّى فإن أهل التأويل اختلفوا فيها, فقال بعضهم: كان شجرات يعبدونها. ذكر من قال ذلك:
25176ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد والعُزّى قال: العُزّى: شُجيرات.
وقال آخرون: كانت العُزّى حَجَرا أبيض. ذكر من قال ذلك:
25177ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جُبَير, قال: العُزّى: حَجَر أبيض.
وقال آخرون: كان بيتا بالطائف تعبده ثقيف. ذكر من قال ذلك:
25178ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَالعُزّى قال: العزّى: بيت بالطائف تعبده ثقيف.
وقال آخرون: بل كانت ببطن نَخْلة. ذكر من قال ذلك:
25179ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَمَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى قال: أما مناةُ فكانت بقُدَيد, آلهة كانوا يعبدونها, يعني اللات والعُزّى وَمناة.
25180ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَمناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى قال مناة بيت كان بالمشلّل يعبده بنو كعب.
واختلف أهل العربية في وجه الوقف على اللات ومنات, فكان بعض نحوييّ البصرة يقول: إذا سكت قلت اللات, وكذلك مناة تقول: مناتْ.
وقال: قال بعضهم: اللاتّ, فجعله من اللتّ الذي يَلُتّ ولغة للعرب يسكتون على ما فيه الهاء بالتاء يقولون: رأيت طَلْحتْ, وكلّ شيء مكتوب بالهاء فإنها تقف عليه بالتاء, نحو نعمة ربك وشجرة. وكان بعض نحوّييّ الكوفة يقف على اللات بالهاء «أفَرأيْتُمُ اللاّة» وكان غيره منهم يقول: الاختيار في كل ما لم يضف أن يكون بالهاء رحمة من ربي, وشجرة تخرج, وما كان مضافا فجائزا بالهاء والتاء, فالتاء للإضافة, والهاء لأنه يفرد ويوقف عليه دون الثاني, وهذا القول الثالث أفشى اللغات وأكثرها في العرب وإن كان للأخرى وجه معروف. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول: اللات والعزّى ومناة الثالثة: أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها.
وقوله: ألَكُمُ الذّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى يقول: أتزعمون أن لكم الذكر الذي ترضونه, ولله الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم تِلكَ إذا قِسْمَةٌ ضِيزَى يقول جلّ ثناؤه: قسمتكم هذه قسمة جائرة غير مستوية, ناقصة غير تامة, لأنكم جعلتم لربكم من الولد ما تكرهون لأنفسكم, وآثرتم أنفسكم بما ترضونه, والعرب تقول: ضِزته حقه بكسر الضاد, وضُزته بضمها فأنا أضيزه وأضوزه, وذلك إذا نقصته حقه ومنعته وحُدثت عن معمر بن المثنى قال: أنشدني الأخفش:
فإنْ تَنْأَ عَنّا نَنْتَقِصْكَ وَإنْ تَغِبْفَسَهْمُكَ مَضْئُوزٌ وأنْفُكَ رَاغِمُ
ومن العرب من يقول: ضَيْزى بفتح الضاد وترك الهمز فيها ومنهم من يقول: ضأزى بالفتح والهمز, وضُؤزى بالضم والهمز, ولم يقرأ أحد بشيء من هذه اللغات. وأما الضّيزى بالكسر فإنها فُعلى بضم الفاء, وإنما كُسرت الضاد منها كما كسرت من قولهم: قوم بيض وعِين, وهي «فُعْل» لأن واحدها: بيضاء وعيناء ليؤلفوا بين الجمع والاثنين والواحد, وكذلك كرهوا ضمّ الضاد من ضِيزَى, فتقول: ضُوزَى, مخافةِ أن تصير بالواو وهي من الياء. وقال الفرّاء: إنما قضيت على أوّلها بالضمّ, لأن النعوت للمؤنث تأتي إما بفتح, وإما بضمّ فالمفتوح: سكْرَى وعَطشى والمضموم: الأنثى والحُبلى فإذَا كان اسما ليس بنعت كسر أوّله, كقوله: وَذَكّرْ فإنّ الذّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ كسر أوّلها, لأنها اسم ليس بنعت, وكذلك الشّعَرى كسر أوّلها, لأنها اسم ليس بنعت. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: قِسْمَةٌ ضِيزَى قال أهل التأويل, وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنها, فقال بعضهم: قِسْمة عَوْجاء. ذكر من قال ذلك:
25181ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: تِلكَ إذا قِسْمَةٌ ضِيزَى قال: عوجاء.
وقال آخرون: قسمة جائرة. ذكر من قال ذلك:
25182ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة تِلكَ إِذا قِسْمَةٌ ضِيزَى يقول: قسمة جائرة.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة قِسْمَةٌ ضِيزَى قال: قسمة جائرة.
25183ـ حدثنا محمد بن حفص أبو عبيد الوصائيّ, قال: حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن لهيعة, عن ابن عمرة, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قوله: تِلكَ إذا قِسْمَةٌ ضِيزَى قال: تلك إذا قسمة جائرة لا حقّ فيها.
وقال آخرون: قسمة منقوصة. ذكر من قال ذلك:
25184ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان تِلكَ إذا قِسْمَةٌ ضِيزَى قال: منقوصة.
وقال آخرون: قسمة مخالفة. ذكر من قال ذلك:
25185ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: تِلكَ إذا قِسْمَةٌ ضِيزَى قال: جعلوا لله تبارك وتعالى بنات, وجعلوا الملائكة لله بنات, وعبدوهم, وقرأ أَمِ اتّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ وأصْفاكُمْ بالبَنِينَ وَإذَا بُشّرَ... الاَية, وقرأ وَيجْعَلُونَ لِلّهِ البَناتِ... إلى آخر الاَية, وقال: دعوا لله ولدا, كما دعت اليهود والنصارى, وقرأ كَذَلِكَ قالَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قال: والضيزى في كلام العرب: المخالفة, وقرأ إنْ هِيَ إلاّ أسمْاءٌ سَمّيْتُمُوها أنْتُمْ وآباؤكُمْ.

الآية : 23
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْمَآءٌ سَمّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مّآ أَنَزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتّبِعُونَ إِلاّ الظّنّ وَمَا تَهْوَى الأنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مّن رّبّهِمُ الْهُدَىَ }.
يقول تعالى ذكره: ما هذه الأسماء التي سميتموها وهي اللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى, إلاأسماء سميتموها أنتم وآباؤكم أيها المشركون بالله, وآباؤكم من قبلكم, ما أنزل الله بها, يعني بهذه الأسماء, يقول: لم يبح الله ذلك لكم, ولا أذن لكم به. كما:
25186ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: مِنْ سُلْطانٍ... إلى آخر الاَية.
وقوله: إنْ يَتّبِعُونَ إلاّ الظّنّ يقول تعالى ذكره: ما يتبع هؤلاء المشركون في هذه الأسماء التي سموا بها آلهتهم إلا الظنّ بأنّ ما يقولون حقّ لا اليقين وَما تَهْوَى الأنْفُسُ يقول: وهوى أنفسهم, لأنهم لم يأخذوا ذلك عن وحي جاءهم من الله, ولا عن رسول الله أخبرهم به, وإنما اختراق من قِبل أنفسهم, أو أخذوه عن آبائهم الذين كانوا من الكفر بالله على مثل ما هم عليه منه.
وقوله: وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبّهِمْ الهُدَى يقول: ولقد جاء هؤلاء المشركين بالله من ربهم البيان مما هم منه على غير يقين, وذلك تسميتهم اللات والعزّى ومناة الثالثة بهذه الأسماء وعبادتهم إياها. يقول: لقد جاءهم من ربهم الهدى في ذلك, والبيان بالوحي الذي أوحيناه إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن عبادتها لا تنبغي, وأنه لا تصلح العبادة إلا لله الواحد القهار. وقال ابن زيد في ذلك ما:
25187ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبّهِمُ الهُدَى فما انتفعوا به.
الآية : 24-26
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنّىَ * فَلِلّهِ الاَخِرَةُ والاُولَىَ * وَكَمْ مّن مّلَكٍ فِي السّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىَ }.
يقول تعالى ذكره: أم اشتهى محمد صلى الله عليه وسلم ما أعطاه الله من هذه الكرامة التي كرّمه بها من النبوة والرسالة, وأنزل الوحي عليه, وتمنى ذلك, فأعطاه إياه ربه, فلله ما في الدار الاَخرة والأولى, وهي الدنيا, يعطي من شاء من خلقه ما شاء, ويحرم من شاء منهم ما شاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25188ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أمْ للإنْسانِ ما تَمَنّى قال: وإن كان محمد تمنى هذا, فذلك له.
وقوله: وكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السّمَواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئا يقول تعالى ذكره: وكم من مَلك في السموات لا تغني: كثير من ملائكة الله, لا تنفع شفاعتهم عند الله لمن شفعوا له شيئا, إلا أن يشفعوا له من بعد أن يأذن الله لهم بالشفاعة لمن يشاء منهم أن يشفعوا له ويرضى, يقول: ومن بعد أن يرضى لملائكته الذين يشفعون له أن يشفعوا له, فتنفعه حينئذٍ شفاعتهم, وإنما هذا توبيخ من الله تعالى ذكره لعبدة الأوثان والملأ من قريش وغيرهم الذين كانوا يقولون ما نَعْبُدَهُمْ إلاّ لِيُقَرّبُونا إلى اللّهِ زُلْفَى فقال الله جلّ ذكره لهم: ما تنفع شفاعة ملائكتي الذين هم عندي لمن شفعوا له, إلا من بعد إذني لهم بالشفاعة له ورضاي, فكيف بشفاعة من دونهم, فأعلمهم أن شفاعة ما يعبدون من دونه غير نافعتهم