تفسير الطبري تفسير الصفحة 528 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 528
529
527
 الآية : 44-47
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَنّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنّهُ خَلَقَ الزّوْجَيْنِ الذّكَرَ وَالاُنثَىَ * مِن نّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىَ * وَأَنّ عَلَيْهِ النّشْأَةَ الاُخْرَىَ }.
يقول تعالى ذكره: وأنه هو أمات من مات من خلقه, وهو أحيا من حيي منهم. وعنى بقوله: أحْيا نفخ الروح في النطفة الميتة, فجعلها حية بتصييره الروح فيها.
وقوله: وَأنّهُ خَلَقَ الزّوْجَيْنِ الذّكَرَ والأُنْثَى مِن نُطْفَةٍ إذَا تُمْنَى يقول تعالى ذكره: وأنه ابتدع إنشاء الزوجين الذكر والأنثى, وجعلهما زوجين, لأن الذكر زوج الأنثى, والأنثى له زوج فهما زوجان, يكون كلّ واحد منهما زوجا للاَخر.
وقوله: مِنْ نُطْفَةٍ إذَا تُمْنَى و «من» من صلة خلق يقول تعالى ذكره: خلق ذلك من نطفة إذا أمناه الرجل والمرأة.
وقوله: وأنّ عَلَيْهِ النّشأَةَ الأُخْرَى يقول تعالى ذكره: وأن على ربك يا محمد أن يخلق هذين الزوجين بعد مماتهم, وبلاهم في قبورهم الخلق الاَخر, وذلك إعادتهم أحياء خلقا جديدا, كما كانوا قبل مماتهم.
الآية : 48-51
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَنّهُ هُوَ أَغْنَىَ وَأَقْنَىَ * وَأَنّهُ هُوَ رَبّ الشّعْرَىَ * وَأَنّهُ أَهْلَكَ عَاداً الاُولَىَ * وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىَ }.
يقول تعالى ذكره: وأن ربك هو أغنى من أغنى من خلقه بالمال وأقناه, فجعل له قُنية أصول أموال. واختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم بالذي قلنا في ذلك. ذكر من قال ذلك:
25241ـ حدثني محمد بن عمارة الأسديّ, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, عن السديّ, عن أبي صالح, قوله: أغْنَى وأقْنَى قال: أغنى المال وأقنى القنية.
وقال آخرون: عُنِي بقوله: أغْنَى: أخدم. ذكر من قال ذلك:
25242ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد, في قوله: وأنّهُ هُوَ أغْنَى وأقْنَى قال: أغنى: مَوّل, وأقنى: أخدم.
25243ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, قوله: أغْنَى وأقْنَى قال: أخدم.
25244ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: أغْنَى وأقْنَى قال: أغنى وأخدم.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله أغْنَى وأقْنَى قال: أعطى وأرضى وأخدم.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك أنه أغنى من المال وأقنى: رضي. ذكر من قال ذلك:
25245ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وأنّهُ هُوَ أغْنَى وأقْنَى قال: فإنه أغنى وأرضَى.
25246ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد وأنّهُ هُوَ أغْنَى وأقْنَى قال: أغنى موّل, وأقنى: رضّي.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال:: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: أغْنَى قال: موّل وأقْنَى قال رضي.
25247ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وأنّهُ هُوَ أغْنَى وأقْنَى يقول: أعطاه وأرضاه.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد, مثل حديث ابن بشار, عن عبد الرحمن, عن سفيان.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك أنه أغنى نفسه, وأفقر خلقه إليه. ذكر من قال ذلك:
25248ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه وأنّهُ هُوَ أغْنَى وأقْنَى قال: زعم حضرميّ أنه ذُكِر له أنه أغنى نفسه, وأفقر الخلائق إليه.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك أنه أغنى من شاء من خلقه, وأفقر من شاء. ذكر من قال ذلك:
25249ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وأنّهُ هُوَ أغْنَى وأقْنَى قال: أغنى فأكثر, وأقنى أقلّ, وقرأ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَه.
وقوله: وأنّهُ هُوَ رَبّ الشّعْرَى يقول تعالى ذكره: وأن ربك يا محمد هو ربّ الشّعْرَى, يعني بالشعرى: النجم الذي يسمى هذا الاسم, وهو نجم كان بعض أهل الجاهلية يعبده من دون الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25250ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وأنّهُ هُوَ رَبّ الشّعْرَى قال: هو الكوكب الذي يُدعى الشّعرَى.
25251ـ حدثني عليّ بن سهل, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن خصيف, عن مجاهد, في قوله: وأنّهُ هُوَ رَبّ الشّعْرَى قال: الكوكب الذي خَلْف الجوزاء, كانوا يعبدونه.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد: وأنّهُ هُوَ رَبّ الشّعْرَى قال: كان يُعبد في الجاهلية.
25252ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: رَبّ الشّعْرَى قال: مِرزم الجوزاء.
25253ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأنّه هُوَ رَبّ الشّعْرَى كان حيّ من العرب يعبدون الشّعرَى هذا النجم الذي رأيتم, قال بشر, قال: يريد النجم الذي يتبع الجوزاء.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: رَبّ الشّعْرَى قال: كان ناس في الجاهلية يعبدون هذا النجم الذي يُقال له الشّعرَى.
25254ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وأنّهُ رَبّ الشّعْرَى كانت تُعبد في الجاهلية, فقال: تعبدون هذه وتتركون ربها؟ اعبدوا ربها. قال: والشّعْرَى: النجم الوقّاد الذي يتبع الجوزاء, يقال له المُرزم.
وقوله: وأنّهُ أهْلَكَ عادا الأُولى يعني تعالى ذكره بعاد الأولى: عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح, وهم الذين أهلكهم الله بريح صرصر عاتية, وإياهم عنى بقوله: ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بعادٍ إرَمَ.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة وبعض قرّاء البصرة «عادا لُولى» بترك الهمز وجزم النون حتى صارت اللام في الأولى, كأنها لام مثقلة, والعرب تفعل ذلك في مثل هذا, حُكي عنها سماعا منهم: «قم لان عنا», يريد: قم الاَن, جزموا الميم لما حرّكت اللام التي مع الألف في الاَن, وكذلك تقول: صم اثنين, يريدون: صُمْ الاثنين. وأما عامة قرّاء الكوفة وبعض المكيين, فإنهم قرأوا ذلك بإظهار النون وكسرها, وهمز الأولى على اختلاف في ذلك عن الأعمش, فروى أصحابه عنه غير القاسم بن معن موافقة أهل بلده في ذلك. وأما القاسم بن معن فحكي عنه عن الأعمش أنه وافق في قراءته ذلك قراءة المدنيين.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما ذكرنا من قراءة الكوفيين, لأن ذلك هو الفصيح من كلام العرب, وأن قراءة من كان من أهل السليقة فعلى البيان والتفخيم, وأن الإدغام في مثل هذا الحرف وترك البيان إنما يوسع فيه لمن كان ذلك سجيته وطبعه من أهل البوادي. فأما المولدون فإن حكمهم أن يتحرّوا أفصح القراءات وأعذبها وأثبتها, وإن كانت الأخرى جائزة غير مردودة.
وإنما قيل لعاد بن إرم: عاد الأولى, لأن بني لُقَيم بن هَزّال بن هُزَيل بن عَبِيل بن ضِدّ بن عاد الأكبر, كانوا أيام أرسل الله على عاد الأكبر عذابه سكانا بمكة مع إخوانهم من العمالقة, ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح, ولم يكونوا مع قومهم من عاد بأرضهم, فلم يصبهم من العذاب ما أصاب قومهم, وهم عاد الاَخرة, ثم هلكوا بعد.
وكان هلاك عاد الاَخرة ببغي بعضهم على بعض, فتفانوا بالقتل فيما:
25255ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق, فيما ذكرنا قيل لعاد الأكبر الذي أهلك الله ذرّيته بالريح: عاد الأولى, لأنها أُهلكت قبل عاد الاَخرة. وكان ابن زيد يقول: إنما قيل لعاد الأولى لأنها أوّل الأمم هلاكا.
25256ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال قال ابن زيد, في قوله: أَهْلَكَ عادا الأُولى قال: يقال: هي من أوّل الأمم.
وقوله: وثَمُودَ فَمَا أبْقَى يقول تعالى ذكره: ولم يبق الله ثمود فيتركها على طغيانها وتمرّدها على ربها مقيمة, ولكنه عاقبها بكفرها وعتوّها فأهلكها.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء البصرة وبعض الكوفيين وثَمُودا فَمَا أبْقَى بالإجراء إتباعا للمصحف, إذ كانت الألف مثبتة فيه, وقرأه بعض عامة الكوفيين بترك الإجراء. وذُكر أنه في مصحف عبد الله بغير ألف.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب لصحتهما في الإعراب والمعنى. وقد بيّنا قصة ثمود وسبب هلاكها فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
الآية : 52-54
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مّن قَبْلُ إِنّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىَ * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىَ * فَغَشّاهَا مَا غَشّىَ }.
يقول تعالى ذكره: وأنه أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود, إنهم كانوا هم أشدّ ظلما لأنفسهم, وأعظم كفرا بربهم, وأشدّ طغيانا وتمردّا على الله من الذين أهلكهم من بعد من الأمم, وكان طغيانهم الذي وصفهم الله به, وأنهم كانوا بذلك أكثر طغيانا من غيرهم من الأمم. كما:
25257ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إنّهُمْ كانُوا هُمْ أظْلَم وأطْغَى لم يكن قبيل من الناس هم أظلم وأطغى من قوم نوح, دعاهم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم نوح ألف سنة إلاّ خمسين عاما, كلما هلك قرن ونشأ قرن دعاهم نبيّ الله حتى ذكر لنا أن الرجل كان يأخذ بيد ابنه فيمشي به, فيقول: يا بنيّ إن أبي قد مشى بي إلى هذا, وأنا مثلك يومئذٍ تتابُعا في الضلالة, وتكذيبا بأمر الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: إنّهُمْ كانُوا هُمْ أظْلَمَ وأطْغَى قال: دعاهم نبيّ الله ألف سنة إلاّ خمسين عاما.
وقوله: وَالمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى يقول تعالى: والمخسوف بها, المقلوب أعلاها أسفلَها, وهي قرية سَدُوم قوم لولط, أهوى الله, فأمر جبريل صلى الله عليه وسلم, فرفعها من الأرض السابعة بجناحه, ثم أهواها مقلوبة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25258ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: وَالمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى قال: أهواها جبريل, قال: رفعها إلى السماء ثم أهواها.
25259ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل, عن أبي عيسى يحيى بن رافع: وَالمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى قال قرية لوط حين أهْوَى بها.
25260ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَالمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى قال: قرية لوط.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: وَالمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى قال: هم قوم لوط.
25261ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَالمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى قال: قرية لوط أهواها من السماء, ثم أتبعها ذاك الصخر, اقتُلعت من الأرض, ثم هوى بها في السماء ثم قُلبت.
25262ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَالمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى قال: المكذّبين أهلكهم الله.
وقوله: فَغَشّاها ما غَشّى يقول تعالى ذكره: فغشّى الله المؤتفكة من الحجارة المنضودة المسوّمة ما غشاها, فأمطرها إياه من سِجّيل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25263ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَغَشّاها ما غَشّى غشاها صخرا منضودا.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَغَشّاها ما غَشّى قال: الحجارة.
25264ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَغَشّاها ما غَشّى قال: الحجارة التي رماهم بها من السماء.

الآية : 55-58
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكَ تَتَمَارَىَ * هَـَذَا نَذِيرٌ مّنَ النّذُرِ الاُوْلَىَ * أَزِفَتِ الاَزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ كَاشِفَةٌ }.
يقول: فَبأيّ آلاءِ رَبّكَ تَتَمارَى يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعمات ربك يا ابن آدم التي أنعمها عليك ترتاب وتشكّ وتجادل, والاَلاء: جمع إلى. وفي واحدها لغات ثلاثة: إليٌ على مثال عِليٌ, وألْيّ على مثال عَلْيٌ, وأَلى على مثال علا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25265ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَبأيّ آلاءِ رَبّكَ تَتَمارَى يقول: فبأيّ نِعَم الله تتمارى يا ابن آدم.
وحدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَبأَيّ آلاءِ رَبّكَ تَتَمارَى قال: بأيّ نِعم ربك تتمارَى.
وقوله: هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النّذُرِ الأُولى اختلف أهل التأويل في معنى قوله جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النّذُرِ الأُولى ووصفه إياه بأنه من النذر الأولى وهو آخرهم, فقال بعضهم: معنى ذلك: أنه نذير لقومه, وكانت النذر الذين قبله نُذرا لقومهم, كما يقال: هذا واحد من بني آدم, وواحد من الناس. ذكر من قال ذلك:
25266ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النّذُرِ الأُولى قال: أنذر محمد صلى الله عليه وسلم كما أُنذرت الرسل من قبله.
25267ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النّذُرِ الأُولى إنما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بما بعث الرسل قبله.
25268ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن شريك, عن جابر, عن أبي جعفر هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النّذُر الأُولى قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: معنى ذلك غير هذا كله, وقالوا: معناه هذا الذي أنذرتكم به أيها القوم من الوقائع التي ذكرت لكم أني أوقعتها بالأمم قبلكم من النذر التي أنذرتها الأمم قبلكم في صحف إبراهيم وموسى. ذكر من قال ذلك:
25269ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل, عن أبي مالك هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النّذُر الأُولى قال: مما أنذروا به قومهم في صحف إبراهيم وموسى.
وهذا الذي ذكرت, عن أبي مالك أشبه بتأويل الاَية, وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر ذلك في سياق الاَيات التي أخبر عنها أنها في صحف إبراهيم وموسى نذير من النّذر الأولى التي جاءت الأمم قبلكم كما جاءتكم, فقوله: هَذَا بأن تكون إشارة إلى ما تقدمها من الكلام أولى وأشبه منه بغير ذلك.
وقوله: أزِفَتِ الاَزِفَةُ يقول: دنت الدانية. وإنما يعني: دنت القيامة القريبة منكم أيها الناس يقال منه: أزف رَحيل فلان: إذا دنا وقَرُب, كما قال نابغة بني ذُبيان:
أَزِفَ التّرَحّلُ غَيرَ أنّ رِكابَنالَمّا تَزُلْ بِرِحالِنا وكأنْ قَدِ
وكما قال كعب بن زُهَير:
بانَ الشّبابُ وأمْسَى الشّيبُ قَدْ أزِفاوَلا أرَى لشَبابٍ ذَاهِبٍ خَلَفَا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25270ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس أزِفَتِ الاَزِفَةِ من أسماء يوم القيامة, عظّمه الله, وحذّره عباده.
25271ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قالا: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: أزِفَتِ الاَزِفَةُ قال: اقتربت الساعة.
25272ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أزِفَتِ الاَزِفَةُ قال: الساعة لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللّهِ كاشِفَةٌ.
وقوله: لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللّهِ كاشِفَةٌ يقول تعالى ذكره: ليس للاَزفة التي قد أزفت, وهي الساعة التي قد دنت من دون الله كاشف, يقول: ليس تنكشف فتقوم إلاّ بإقامة الله إياها, وكشفها دون من سواه من خلقه, لأنه لم يطلع عليها مَلَكا مقرّبا, ولا نبيا مرسلاً. وقيل: كاشفة, فأنثت, وهي بمعنى الانكشاف كما قيل: فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ بمعنى: فهل ترى لهم من بقاء وكما قيل: العاقبة وماله من ناهية, وكما قيل لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ بمعنى تكذيب, وَلا تَزَالُ تَطّلعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ بمعنى خيانة.
الآية : 59-62
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَفَمِنْ هَـَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُواْ لِلّهِ وَاعْبُدُواْ }.
يقول تعالى ذكره لمشركي قريش: أفمن هذا القرآن أيها الناس تعجبون, أنْ نَزَلَ على محمد صلى الله عليه وسلم, وتضحكون منه استهزاءً به, ولا تبكون مما فيه من الوعيد لأهل معاصي الله, وأنتم من أهل معاصيه وأنْتُمْ سامِدُونَ يقول: وأنتم لاهون عما فيه من العِبَر والذكر, معرضون عن آياته يقال للرجل: دع عنا سُمودَك, يراد به: دع عنا لهوك, يقال منه: سَمَد فلان يَسْمُد سُمُودا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنه, فقال بعضهم: غافلون. وقال بعضهم: مغنون. وقال بعضهم: مُبَرْطِمون. ذكر من قال ذلك:
25273ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن عكرِمة, عن ابن عباس, قوله: سامِدُونَ قال: هو الغناء, كانوا إذا سمعوا القرآن تَغَنّوا ولعبوا, وهي لغة أهل اليمن, قال اليماني: اسْمُد.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: سامِدونَ يقول: لاهون.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وأنْتُمْ سامِدُونَ يقول: لاهون.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا سفيان, عن أبيه, عن عكرِمة, عن ابن عباس, قال: هي يمانية اسمد تَغَنّ لنا.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا الأشجعي, عن سفيان, عن أبيه, عن عكرِمة, عن ابن عباس, قال: هو الغناء, وهي يمانية, يقولون: اسمد لنا: تَغَنّ لنا.
25274ـ قال: ثنا عبيد الله الأشجعي, عن سفيان, عن حكيم بن الديلم, عن الضحاك, عن ابن عباس وأنْتُمْ سامِدُونَ قال: كانوا يمرّون على النبيّ صلى الله عليه وسلم شامخين, ألم تروا إلى الفحل في الإبل عَطِنا شامخا.
25275ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن الحسن, في قوله: وأنْتُمْ سامِدُونَ قال: غافلون.
25276ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن عيينة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وأنْتُمْ سامِدُونَ قال: كانوا يمرّون على النبيّ صلى الله عليه وسلم غِضابا مُبَرْطِمين. وقال عكرِمة: هو الغناء بالحِمْيرية.
25277ـ قال: ثنا الأشجعيّ ووكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: هي البَرْطَمة.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وأنْتُمْ سامِدُونَ قال: البرطمة.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وأنْتُمْ سامِدُونَ قال: البرطمة.
25278ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن عكرِمة, عن ابن عباس, قال: السامدون: المغَنّون بالحميرية.
حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: كان عكرِمة يقول: السامدون يغنون بالحميرية, ليس فيه ابن عباس.
25279ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: سامِدُونَ: أي غافلون.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: سامِدُونَ قال: غافلون.
25280ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ, يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وأنْتُمْ سامِدُونَ السّمود: اللهو واللعب.
25281ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سفيان بن سعيد, عن فطر, عن أبي خالد الوالبيّ, عن عليّ رضي الله عنه قال: رآهم قياما ينتظرون الإمام, فقال: مالكم سامدون.
حدثني ابن سنان القزاز, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عمران بن زائدة بن نشيط, عن أبيه, عن أبي خالد قال: خرج علينا عليّ رضي الله عنه ونحن قيام, فقال: مالي أراكم سامدين.
قال: ثنا أبو عاصم, قال: أخبرنا سفيان, عن فطر, عن زائدة, عن أبي خالد, بمثله.
25282ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن سعيد, عن أبي معشر, عن إبراهيم, في قوله: وأنْتُمْ سامِدُونَ قال: قيام القوم قبل أن يجيء الإمام.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن عمران الخياط, عن إبراهيم في القوم ينتظرون الصلاة قياما قال: كان يقال: ذاك السّمود.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن ليث والعزرميّ, عن مجاهد وأنْتُمْ سامِدونَ قال: البَرْطَمة.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبيه, عن عكرِمة, عن ابن عباس وأنْتُمْ سامِدُونَ قال: الغناء باليمانية: اسْمُد لنا.
25283ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وأنْتُمْ سامِدونَ قال: السامد: الغافل.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم, قال: كانوا يكرهون أن يقوموا إذا أقام المؤذّن للصلاة وليس عندهم الإمام, وكانوا يكرهون أن ينتظروه قياما, وكان يقال: ذاك السّمود, أو من السّمود.
وقوله: فاسْجُدُوا لِلّهِ وَاعْبُدُوا يقول تعالى ذكره: فاسجدوا لله أيها الناس في صلاتكم دون مَن سواه من الاَلهة والأنداد, وإياه فاعبدوا دون غيره, فإنه لا ينبغي أن تكون العبادة إلاّ له, فأخلصوا له العبادة والسجود, ولا تجعلوا له شريكا في عبادتكم إياه.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة النجم

سورة القمر مكيّة
وآياتها خمس وخمسون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-2
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانشَقّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مّسْتَمِرّ }.
يعني تعالى ذكره بقوله: اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ: دنت الساعة التي تقوم فيها القيامة, وقوله اقْتَرَبَتْ افتعلت من القُرب, وهذا من الله تعالى ذكره إنذار لعباده بدنوّ القيامة, وقرب فناء الدنيا, وأمر لهم بالاستعداد لأهوال القيامة قبل هجومها عليهم, وهم عنها في غفلة ساهون.
وقوله: وَانْشَقّ القَمَرُ يقول جلّ ثناؤه: وانفلق القمر, وكان ذلك فيما ذُكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة, قبل هجرته إلى المدينة, وذلك أن كفار أهل مكة سألوه آية, فآراهم صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر, آية حجة على صدق قوله, وحقيقة نبوته فلما أراهم أعرضوا وكذّبوا, وقالوا: هذا سحر مستمرّ, سحرنا محمد, فقال الله جلّ ثناؤه وَإنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الاَثار, وقال به أهل التأويل. ذكر الاَثار المروية بذلك, والأخبار عمن قاله من أهل التأويل:
25284ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية, فأراهم انشقاق القمر مرّتين.
25285ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: سمعت قتادة يحدّث, عن أنس, قال: انشقّ القمر فرقتين.
25286ـ حدثنا ابن المثنى والحسن بن أبي يحيى المقدسي, قالا: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا شعبة, عن قتادة, قال: سمعت أنسا يقول: انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثني يعقوب الدورقيّ, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: سمعت أنسا يقول: فذكر مثله.
حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا حجاج بن محمد, عن شعبة, عن قتادة, عن أنس, قال: انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّتين.
25287ـ حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع, قال: حدثنا بشر بن المفضل, قال: حدثنا سعيد بن أبي عَروبة, عن قتادة, عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية, فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حِراء بينهما.
25288ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن أبي معمر, عن عبد الله, قال: انشقّ القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى حتى ذهبت منه فرقة خلف الجبل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اشْهَدُوا».
25289ـ حدثني إسحاق بن أبي إسرائيل, قال: حدثنا النضر بن شميل المازنيّ, قال: أخبرنا شعبة, عن سليمان, قال: سمعت إبراهيم, عن أبي معمر, عن عبد الله, قال تفلّق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين, فكانت فرقة على الجبل, وفرقة من ورائه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللّهُمّ اشْهَدْ».
25290ـ حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل, قال: حدثنا النضر, قال: أخبرنا شعبة, عن سليمان, عن مجاهد, عن ابن عمر, مثل حديث إبراهيم في القمر.
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي, قال: ثني عمي يحيى بن عيسى, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن رجل, عن عبد الله, قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى, فانشقّ القمر, فأخذت فرقة خلف الجبل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اشْهَدُوا».
25291ـ حدثني محمد بن عمارة, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط, عن سماك, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عبد الله, قال: رأيت الجبل من فرج القمر حين انشقّ.
25292ـ حدثنا الحسن بن يحيى المقدسي, قال: حدثنا يحيى بن حماد, قال: حدثنا أبو عوانة, عن المُغيرة, عن أبي الضحى, عن مسروق, عن عبد الله, قال: انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت قريش: هذا سحر بن أبي كَبْشَة سحركم فسلوا السّفّار, فسألوهم, فقالوا: نعم قد رأيناه, فأنزل الله تبارك وتعالى: اقْتَرَبَتِ السّاعةُ وَانْشَقّ القَمَرُ.
25293ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله قال: قد مضى انشقاق القمر.
25294ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق, قال: عبد الله خمس قد مضين: الدخان, واللزام, والبطشة, والقمر, والروم.
25295ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا أيوب, عن محمد, قال: نُبّئت أن ابن مسعود كان يقول: قد انشقّ القمر.
25296ـ قال: أخبرنا ابن علية, قال: أخبرنا عطاء بن السائب, عن أبي عبد الرحمن السُلميّ, قال: نزلنا المدائن, فكنا منها على فرسخ, فجاءت الجمعة, فحضر أبي, وحضرت معه, فخطبنا حُذيفة, فقال: ألا إن الله يقول اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ ألا وإن الساعة قد اقتربت, ألا وإن القمر قد انشقّ, ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق, ألا وإن اليوم المِضْمار, وغدا السباق, فقلت لأبي: أتستبق الناس غدا؟ فقال: يا بنيّ إنك لجاهل, إنما هو السباق بالأعمال, ثم جاءت الجمعة الأخرى, فحضرنا, فخطب حُذيفة, فقال: ألا إن الله تبارك وتعالى يقول: اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ ألا وإن الساعة قد اقتربت, ألا وإن القمر قد انشقّ, ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق, ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق, ألا وإن الغاية النار, والسابق من سَبق إلى الجنة.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عطاء بن السائب, عن أبي عبد الرحمن قال: كنت مع أبي بالمدائن, قال: فخطب أميرهم, وكان عطاء يروي أنه حُذيفة, فقال في هذه الاَية: اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قد اقتربت الساعة وانشقّ القمر, قد اقتربت الساعة وانشقّ القمر, اليوم المِضْمار, وغدا السباق, والسابق من سبق إلى الجنة, والغاية النار قال: فقلت لأبي: غدا السباق, قال: فأخبره.
25297ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن فضيل, عن حصين, عن محمد بن جُبَير بن مطعم, عن أبيه, قال: انشقّ القمر, ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن خارجة, عن الحصين بن عبد الرحمن, عن ابن جُبَير, عن أبيه وَانْشَقّ القَمَرُ قال: انشقّ ونحن بمكة.
25298ـ حدثنا محمد بن عسكر, قال: حدثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن عبد الحكم, قالا: حدثنا بكر بن مضر, عن جعفر بن ربيعة, عن عِرَاك, عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة, عن ابن عباس, قال: انشقّ القمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
25299ـ حدثنا نصر بن عليّ, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا داود بن أبي هند, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قال: انشقّ القمر قبل الهجرة, أو قال: قد مضى ذاك.
حدثنا إسحاق بن شاهين, قال: حدثنا خالد بن عبد الله, عن داود, عن علي, عن ابن عباس بنحوه.
25300ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا داود, عن علي, عن ابن عباس أنه قال في هذه الاَية: اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قال: ذاك قد مضى كان قبل الهجرة, انشقّ حتى رأوا شِقّيه.
25301ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ... إلى قوله: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌ قال: قد مضى, كان قد انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة, فأعرض المشركون وقالوا: سحر مستمرّ.
25302ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قال: رأوه منشقا.
25303ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور وليث, عن مجاهد اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قال: انفلق القمر فلقتين, فثبتت فلقة, وذهبت فلقة من وراء الجبل, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اشْهَدُوا».
25304ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي سنان, عن ليث, عن مجاهد انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فصار فرقتين, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «اشْهَدْ يا أبا بَكْرٍ» فقال المشركون: سحر القمر حتى انشقّ.
25305ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي سنان, قال: قدم رجل المدائن فقام فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول: اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ وإن القمر قد انشقّ, وقد آذنت الدنيا بفراق, اليوم المِضْمار, وغدا السباق, والسابق. من سبق إلى الجنة, والغاية النار.
25306ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ يحدث الله في خلقه ما يشاء.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن أنس, قال: سأل أهل مكة النبيّ صلى الله عليه وسلم آية, فانشقّ القمر بمكة مرّتين, فقال: اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ.
25307ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَانْشَقّ القَمَرُ قد مضى, كان الشقّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة, فأعرض عنه المشركون, وقالوا: سحْر مستمرّ.
25308ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا سلمة, عن عمرو, عن مغيرة, عن إبراهيم, قال: مضى انشقاق القمر بمكة.
وقوله: وَإنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا يقول تعالى ذكره. وإن ير المشركون علامة تدلهم على حقيقة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم, ودلالة تدلهم على صدقة فيما جاءهم به عن ربهم, يعرضوا عنها, فيولوا مكذّبين بها مُنكرين أن يكون حقا يقينا, ويقولوا تكذيبا منهم بها, وإنكارا لها أن تكون حقا: هذا سحر سَحَرنا به محمد حين خَيّلَ إلينا أنا نرى القمر منفلقا باثنين بسحره, وهو سحر مستمرّ, يعني يقول: سِحر مستمرّ ذاهب, من قولهم: قد مرّ هذا السحر إذا ذهب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25309ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: سِحْرٌ مُسْتَمِرّ قال: ذاهب.
25310ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وإنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ قال: إذا رأى أهل الضلالة آية من آيات الله قالوا: إنما هذا عمل السحر, يوشك هذا أن يستمرّ ويذهب.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَيَقُولوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ يقول: ذاهب.
25311ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ كما يقول أهل الشرك إذا كُسِف القمر يقولون: هذا عمل السحرة.
25312ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, قوله: سِحْرٌ مُسْتَمِرّ قال: حين انشقّ القمر بفِلقتين: فِلْقة من وراء الجبل, وذهبت فلقة أخرى, فقال المشركون حين رأوا ذلك: سحر مستمرّ.
وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يوجه قوله: مُسْتَمِرّ إلى أنه مستفعل من الإمرار من قولهم: قد مرّ الجبل: إذا صلب وقوي واشتدّ وأمررته أنا: إذا فتلته فتلاً شديدا, ويقول: معنى قوله: وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ: سحر شديد.
الآية : 3-5
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَكَذّبُواْ وَاتّبَعُوَاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلّ أَمْرٍ مّسْتَقِرّ * وَلَقَدْ جَآءَهُم مّنَ الأنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِـي النّذُرُ }.
يقول تعالى ذكره: وكذّب هؤلاء المشركون من قريش بآيات الله بعد ما أتتهم حقيقتها, وعاينوا الدلالة على صحتها برؤيتهم القمر منفلقا فلقتين وَاتّبَعُوا أهْوَاءَهُم يقول: وآثروا اتباع ما دعتهم إليه أهواء أنفسهم من تكذيب ذلك على التصديق بما قد أيقنوا صحته من نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم, وحقيقة ما جاءهم به من ربهم.
وقوله: وكُلّ أمْرٍ مُسْتَقِرّ يقول تعالى ذكره: وكلّ أمر من خير أو شرّ مستقرّ قراره, ومتناه نهايته, فالخير مستقرّ بأهله في الجنة, والشرّ مستقرّ بأهله في النار. كما:
25313ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وكُلّ أمْرٍ مُسْتَقِرّ: أي بأهل الخير الخير, وبأهل الشرّ الشرّ.
وقوله: وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الأنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ يقول تعالى ذكره: ولقد جاء هؤلاء المشركين من قريش الذين كذّبوا بآيات الله, واتبعوا أهواءهم من الأخبار عن الأمم السالفة, الذين كانوا من تكذيب رسل الله على مثل الذي هم عليه, وأحلّ الله بهم من عقوباته ما قصّ في هذا القرآن ما فيه لهم مزدجر, يعني: ما يردعهم, ويزجرهم عما هم عليه مقيمون, من التكذيب بآيات الله, وهو مُفْتَعَلٌ من الزّجْر. وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25314ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: مُزْدَجَرٌ قال: مُنْتَهى.
25315ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الأنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ: أي هذا القرآن.
25316ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الأنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ قال: المزدَجَر: المنتهى.
وقوله: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ يعني بالحكمة البالغة: هذا القرآن, ورُفعت الحكمةُ ردّا على «ما» التي في قوله: وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الأنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ.
وتأويل الكلام: ولقد جاءهم من الأنباء النبأ الذي فيه مزدَجَر, حكمة بالغة. ولو رُفعت الحكمة على الإستئناف كان جائزا, فيكون معنى الكلام حينئذٍ: ولقد جاءهم من الأنباء النبأ الذي فيه مزدجر, ذلك حكمة بالغة, أو هو حكمة بالغة فتكون الحكمة كالتفسير لها.
وقوله: فَمَا تُغْنِي النّذُرُ وفي «ما» التي في قوله: فَمَا تُغنِي النّذُرُ وجهان: أحدهما أن تكون بمعنى الجحد, فيكون إذا وجهت إلى ذلك معنى الكلام, فليست تغني عنهم النذر ولا ينتفعون بها, لإعراضهم عنها وتكذيبهم بها. والاَخر: أن تكون بمعنى: أني, فيكون معنى الكلام إذا وجهت إلى ذلك: فأيّ شيء تُغني عنهم النّذر. والنّذر: جمع نذير, كالجُدُد: جمع جديد, والحُصُر: جمع حَصير