تفسير الطبري تفسير الصفحة 553 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 553
554
552
 سورة الجمعة مدنية
وآياتها إحدى عشرة
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يُسَبّحُ لِلّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ الْمَلِكِ الْقُدّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }.
يقول تعالى ذكره: يسبح لله كلّ ما في السموات السبع, وكلّ ما في الأرضين من خلقه, ويعظمه طوعا وكرها المَلِكِ القُدّوسِ الذي له ملك الدنيا والاَخرة وسلطانهما, النافذ أمره في السموات والأرض وما فيهما, القدّوس: وهو الطاهر من كلّ ما يضيف إليه المشركون به, ويصفونه به مما ليس من صفاته المبارك العَزِيزِ يعني الشديد في انتقامه من أعدائه الْحَكِيمِ في تدبيره خلقه, وتصريفه إياهم فيما هو أعلم به من مصالحهم.
الآية : 2
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الاُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ }.
يقول تعالى ذكره: الله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم, فقوله هو كناية من اسم الله, والأميون: هم العرب. وقد بيّنا فيما مضى المعنى الذي من أجله قيل للأميّ أميّ. وبنحو الذي قلنا في الأميين في هذا الموضع قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26360ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد, قال: هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ قال: العرب.
26361ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت سفيان الثوريّ يحدّث لا أعلمه إلا عن مجاهد أنه قال: هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ: العرب.
26362ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ قال كان هذا الحيّ من العرب أمة أمّيّة, ليس فيها كتاب يقرؤونه, فبعث الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم رحمة وهُدى يهديهم به.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ قال: كانت هذه الأمة امّيّة لا يقرؤون كتابا.
26363ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ قال: إنما سميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأميين, لأنه لم ينزّل عليهم كتابا.
وقال جلّ ثناؤه رَسُولاً مِنْهُمْ يعني من الأميين وإنما قال منهم, لأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أمّيّا, وظهر من العرب.
وقوله: يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ يقول جلّ ثناؤه: يقرأ على هؤلاء الأميين آيات الله التي أنزلها عليه وَيُزَكّيهِمْ يقول: ويطهرهم من دنس الكفر.
وقوله: وَيُعَلّمُهُمُ الكِتابَ يقول: ويعلمهم كتاب الله, وما فيه من أمر الله ونهيه, وشرائع دينه وَالْحكْمَةَ يعني بالحكمة: السنن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26364ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَيُعَلّمُهُمُ الكِتابَ وَالْحِكْمَةَ أي السنة.
26365ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قال: وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الكِتابَ وَالْحِكْمَةَ أيضا كما علم هؤلاء يزكيهم بالكتاب والأعمال الصالحة, ويعلمهم الكتاب والحكمة كما صنع بالأوّلين, وقرأ قول الله عزّ وجلّ: والسّابقُونَ الأوّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُمْ بإحْسانٍ ممن بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة, قال: وقد جعل الله فيهم سابقين, وقرأ قول الله عزّ وجلّ: والسّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرّبُونَ, وقال: ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِين وَقَلِيلٌ مِنَ الاَخِرينَ فثلة من الأوّلين سابقون, وقليل السابقون من الاَخرين, وقرأ: وأصحَابُ اليَمِينِ ما أصحَابُ اليَمِينِ... حتى بلغ ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِينَ, وَثُلّةٌ مِنَ الاَخرِينَ أيضا, قال: والسابقون من الأوّلين أكثروهم من الاَخرين قليل, وقرأ وَالّذِينَ جاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنا اغْفِرْ لَنا ولإخْوَانِنا الّذِينَ سَبَقُونا بالإيمَانِ... الاَية, قال: هؤلاء من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة.
وقوله: وَإنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ يقول تعالى ذكره: وقد كان هؤلاء الأميون من قبل أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم في جَوْر عن قصد السبيل, وأخذ على غير هدى مُبِين يقول: يبين لمن تأمله أنه ضلال وجَوْر عن الحقّ وطريق الرشد.
الآية : 3-4
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }.
يقول تعالى ذكره: وهو الذي بعث في الأميين رسولا منهم, وفي آخرين منهم لما يلحقوا بهم فآخرون في موضع خفض عطفا على الأميين.
وقد اختلف في الذين عُنوا بقوله: وآخَرِينَ مِنْهُمْ, فقال بعضهم: عُنِي بذلك العجم. ذكر من قال ذلك:
26366ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثني ابن علية, عن ليث, عن مجاهد, في قوله: وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: هم الأعاجم.
حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي, قال: حدثنا فضيل بن طلحة, عن ليث, عن مجاهد, في قوله: وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: هم الأعاجم.
حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن ليث, عن مجاهد وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: الأعاجم.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عاصم, قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: الأعاجم.
حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت سفيان الثوريّ لا أعلمه إلا عن مجاهد: وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: العجم.
26367ـ حدثني محمد بن إسحاق, قال: حدثنا يحيى بن معين, قال: حدثنا هشام بن يوسف, عن عبد الرحمن بن عمر بن عبد الرحمن بن العاص, عن أبيه, عن جدّه, عن ابن عمر, أنه قال: له: أما إن سورة الجمعة أنزلت فينا وفيكم في قتلكم الكذّاب, ثم قرأ: يُسَبّحُ لِلّهِ ما في السّمَوَاتِ وَما في الأرْض. حتى بلغ وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: فأنتم هم.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: الأعاجم.
26368ـ حدثني محمد بن معمر, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا عبد العزيز وحدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني سليمان بن بلال, جميعا عن ثور بن زيد, عن أبي الغيث, عن أبي هريرة, قال: كنا جلوسا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم, فنزلت عليه سورة الجمعة, فلما قرأ: وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله؟ قال: فلم يراجعه النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرّة أو مرّتين أو ثلاثا, قال: وفينا سلمان الفارسيّ, فوضع النبيّ صلى الله عليه وسلم يده على سلمان فقال: «لَوْ كانَ الإيمَانُ عنْدَ الثّرَيّا لَنالَهُ رِجالٌ مِنْ هَولاءِ».
حدثني أحمد بن عبد الرحمن, قال: حدثنا عمي, قال: حدثنا سليمان بن بلال المدنّي, عن ثور بن زيد, عن سالم أبي الغيث, عن أبي هريرة, قال: «كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر نحوه.
وقال آخرون: إنما عُني بذلك جميع من دخل في الإسلام من بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم كائنا من كان إلى يوم القيامة. ذكر من قال ذلك:
26369ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: من ردف الإسلام من الناس كلهم.
26370ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله عزّ وجلّ: وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: هؤلاء كلّ من كان بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة, كلّ من دخل في الإسلام من العرب والعجم.
وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال: غُني بذلك كلّ لاحق لحق بالذين كانوا صحبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم في إسلامهم من أيّ الأجناس لأن الله عزّ وجلّ عمّ بقوله: وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ كلّ لاحق بهم من آخرين, ولم يخصص منهم نوعا دون نوع, فكلّ لاحق بهم فهو من الاَخرين الذي لم يكونوا في عداد الأوّلين الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم آيات الله وقوله: لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ يقول: لم يجيئوا بعد وسيجيئون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26371ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ يقول: لم يأتوا بعد.
وقوله: وَهُوَ العَزِيزُ الْحكِيم يقول: والله العزيز في انتقامه ممن كفر به منهم, الحكيم في تدبيره خلقه.
وقوله: ذلكَ فَضْلُ اللّهِ يُوءْتِيهِ مِن يَشاءُ يقول تعالى ذكره: هذا الذي فعل تعالى ذكره من بعثته في الأميين من العرب, وفي آخرين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته, ويفعل سائر ما وصف, فضل الله, تفضل به على هؤلاء دون غيرهم يُؤتيهِ مَنْ يَشاءُ يقول: يؤتي فضله ذلك من يشاء من خلقه, لا يستحقّ الذمّ ممن حرمه الله إياه, لأنه لم يمنعه حقا كان له قبله ولا ظلمه في صرفه عنه إلى غيره, ولكنه علم مَنْ هُو له أهل, فأودعه إياه, وجلعه عنده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26372ـ حدثنا ابن سنان القزاز, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن شبيب, عن عكرمة, عن ابن عباس في: ذلكَ فَضْلُ اللّهِ يُوءْتِيهِ مَنْ يَشاءُ قال: الفضل: الدين والله ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ يقول: الله ذو الفضل على عباده, المحسن منهم والمسيىء, والذين بعث فيهم الرسول منهم وغيرهم, العظيم الذي يقلّ فضل كلّ ذي فضل عنده.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُواْ التّوْرَاةَ ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ }.
يقول تعالى ذكره: مثل الذين أوتوا التوراة من اليهود والنصارى, فحملوا العمل بها ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوها يقول: ثم لم يعملوا بما فيها, وكذّبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم, وقد أمروا بالإيمان به فيها واتباعه والتصديق به كَمَثَلِ الْحِمارِ يحمِلُ أسْفارا يقول: كمثل الحمار يحمل على ظهره كتبا من كتب العلم, لا ينتفع بها, ولا يعقل ما فيها, فكلك الذين أوتوا التوراة التي فيها بيان أمر محمد صلى الله عليه وسلم مثلهم إذا لم ينتفعوا بما فيها, كمثل الحمار الذي يحمل أسفارا فيها علم, فهو لا يعقلها ولا ينتفع بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26373ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, في قوله: يَحْمِلُ أسْفارا قال: يحمل كتبا لا يدري ما فيها, ولايعقلها.
26374ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُوا التّوْراة ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا قال: يحمل كتابا لا يدري ماذا عليه, ولا ماذا فيه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا قال: كمثل الحمار الذي يحمل كتبا, لا يدري ما على ظهره.
26375ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا كتبا, والكتاب بالنبطية يسمى سِفْرا ضرب الله هذا مثلاً للذين أعطوا التوراة ثم كفروا.
26376ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُوا التّوْراةَ ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا والأسفار: الكتب, فجعل الله مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يتبع ما فيه, كمثل الحمار يحمل كتاب الله الثقيل, لا يدري ما فيه, ثم قال: بِئْسَ مَثَلُ القَوْم الّذِينَ كَذّبُوا بآياتِ اللّهِ... الاَية.
26377ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا قال: الأسفارُ: التوراة التي يحملها الحمار على ظهره, كما تحمل المصاحف على الدواب, كمثل الرجل يسافر فيحمل مصحفه, قال: فلا ينتفع الحمارُ بها حين يحملها على ظهره, كذلك لم ينتفع هؤلاء بها حين لم يعلموا بها وقد أوتوها, كما لم ينتفع بها هذا وهي على ظهره.
26378ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ عن ابن عباس في قوله كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا يقول: كتبا. والأسفار: جمع سفر, وهي الكتاب العظام.
وقوله: بِئْسَ مثلُ القَوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا بآياتِ اللّهِ يقول: بئس هذا المثل, مثل القوم الذين كذّبوا بآيات الله, يعني بأدلته وحججه واللّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ يقول تعالى ذكره: والله لا يوفّق القوم الذين ظلموا أنفسهم, فكفروا بآيات ربهم.
الآية : 6
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ يَأَيّهَا الّذِينَ هَادُوَاْ إِن زَعمْتُمْ أَنّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلّهِ مِن دُونِ النّاسِ فَتَمَنّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لليهود: يا أيّها الّذِينَ هادُوا إنْ زَعَمْتُمْ أنّكُمْ أوْلِياءُ لِلّهِ مِنْ دُونِ النّاسِ سواكم فَتَمّنُوا المَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ في قيلكم, إنكم أولياء لله من دون الناس, فإن الله لا يعذّب أولياءه, بل يكرمهم وينعمهم, وإن كنتم محقين فيما تقولون فتمنوا الموت لتستريحوا من كرب الدنيا وهمومها وغمومها, وتصيروا إلى روح الجنان ونعيمها بالموت.
26379ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: قُلْ يا أيّها الّذِينَ هادُوا قل يا أيها الذين تابوا: لليهود, قال موسى: إنّا هُدْنا إلَيْكَ: إنا تبنا إليك.
الآية : 7
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلاَ يَتَمَنّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدّمَتْ أَيْديهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَلا يَتَمَنّوْنَهُ أبَدا يقول: ولا يتمنى اليهود الموت أبدا بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ يعني: بما اكتسبوا في هذه الدنيا من الاَثام, واجترحوا من السيئات وَاللّهُ عَلِيمٌ بالظّالِمِينَ يقول: والله ذو علم بمن ظلم من خلقه نفسه, فأوبقها بكفره بالله.
الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ إِنّ الْمَوْتَ الّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فَإِنّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمّ تُرَدّونَ إِلَىَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا محمد لليهود إنّ المَوْتَ الّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فتكرهونه, وتأبون أن تتمنوه فإنّهُ مُلاقِيكُمْ ونازل بكم ثُمّ تَرُدّونَ إلى عالمِ الغَيْبِ والشّهادَةِ ثم يردّكم ربكم من بعد مماتكم إلى عالم الغيب والشهادة, عالم غيب السموات والأرض والشهادة: يعني وما شهد فظهر لرأي العين, ولم يغب عن أبصار الناظرين.
26380ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: تلا قتادة: ثُمّ تُرَدّونَ إلى عالمِ الغَيْبِ والشّهادَةِ فقال: إن الله أذلّ ابن آدم بالموت لا أعلمه إلا رفعه.
فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول: فيخبركم حينئذ ما كنتم في الدنيا تعملون من الأعمال, سيئها وحسنها, لأنه محيط بجميعها, ثم يجازيكم على ذلك المحسن بإحسانه, والمسيء بما هو أهله