تفسير الطبري تفسير الصفحة 552 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 552
553
551
 الآية : 6
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُم مّصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمّا جَاءَهُم بِالْبَيّنَاتِ قَالُواْ هَـَذَا سِحْرٌ مّبِينٌ }.
يقول تعالى ذكره: واذكر أيضا يا محمد إذْ قالَ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ لقومه من بني إسرائيل يا بَنِي إسْرائِيلَ إنّي رَسُولُ اللّهِ إلَيْكُمْ مُصَدّقا لِمَا بَينِ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ التي أُنزلت على موسى وَمُبَشّرا أبشركم بِرَسُولٍ يأتي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أحْمَدُ.
26343ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني معاوية بن صالح, عن سعيد بن سويد, عن عبد الأعلى بن هلال السلميّ, عن عرباض بن سارية, قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّي عِنْدَ اللّهِ مَكْتُوبٌ لخَاتِمُ النّبِيّينَ, وَإنّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ, وسأُخْبِرُكُمْ بأوّلِ ذَلكَ: دَعْوَةُ أبي إبْرَاهِيمَ, وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي, وَالرّوءْيا التي رأتْ أُمّي, وكَذلكَ أُمّهاتُ النّبِيّينَ, يَرَيْنَ أنّها رأتْ حِينَ وَضَعَتْنِي أنّهُ خَرَجَ مِنْها نُورٌ أضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشّام».
فَلَمّا جاءَهُمْ بالبَيّناتِ يقول: فلما جاءهم أحمد بالبينات, وهي الدلالات التي آتاه الله حججا على نبوّته قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ يقول: ما أتى به غير أنني ساحر.
الآية : 7
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىَ إِلَى الإِسْلاَمِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ }.
يقول تعالى ذكره: ومن أشدّ ظلما وعدوانا ممن اختلق على الله الكذب, وهو قول قائلهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم: هو ساحر ولما جاء به سحر, فكذلك افتراؤه على الله الكذب وهو يُدعى إلى الإسلام يقول: إذا دعي إلى الدخول في الإسلام, قال على الله الكذب, وافترى عليه الباطل وَاللّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ يقول: والله لا يوفّق القوم الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم به لإصابة الحقّ.
الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّهُ مُتِمّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: يريد هؤلاء القائلون لمحمد صلى الله عليه وسلم: هذا ساحر مبين لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بأفْوَاهِهِمْ يقول: يريدون ليبطلوا الحقّ الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم بأفواههم يعني بقولهم إنه ساحر, وما جاء به سحر, وَاللّهُ مُتِمّ نُورِهِ يقول: الله معلن الحقّ, ومظهر دينه, وناصر محمدا عليه الصلاة والسلام على من عاداه, فذلك إتمام نوره, وعنى بالنور في هذا الموضع الإسلام. وكان ابن زيد يقول: عُنِي به القرآن.
26344ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بأفْوَاهِهِمْ قال: نور القرآن.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله تعالى: وَاللّهُ مُتِمّ نورِهِ فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: «مُتِمّ نُورَهُ» بالنصب. وقرأه بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء الكوفة مُتِمّبغير تنوين نورِه خفضا, وهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب عندنا.
وقوله: وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ يقول: والله مظهر دينه, ناصر رسوله, ولو كره الكافرون بالله.
الآية : 9
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {هُوَ الّذِيَ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىَ وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }. يقول تعالى ذكره: الله الذي أرسل رسوله محمدا بالهدى ودين الحقّ, يعني ببيان الحقّ ودين الحقّ يعني: وبدين الله, وهو الإسلام.
وقوله: لِيُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلّه يقول: ليظهر دينه الحقّ الذي أرسل به رسوله على كلّ دين سواه, وذلك عند نزول عيسى ابن مريم, وحين تصير الملة واحدة, فلا يكون دين غير الإسلام, كما:
26345ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي المقدام ثابت بن هرمز, عن أبي هريرة لِيَظْهِرَهُ على الدّينِ كُلّه قال: خروج عيسى ابن مريم.
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في معنى قوله لَيُظْهِرَهُ على الدّين كُلّهِ والصواب عندنا من القول في ذلك بعلله فيما مضى, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقد:
26346ـ حدثني عبد الحميد بن جعفر, قال: حدثنا الأسود بن العلاء, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن عائشة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا يَذْهَبُ اللّيْلُ والنّهارُ حتى تُعْبَدَ اللاّتُ والعُزّى» فقالت عائشة: والله يا رسول الله إن كنت لأظنّ حين أنزل الله هُوَ الّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى وَدِينِ الحَقّ لِيُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلّه... الآية, أن ذلك سيكون تاما, فقال: «إنّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذلكَ ما شاءَ اللّهُ, ثُمّ يَبْعَثُ اللّهُ رِيحا طَيّبَةً, فَيَتَوَفّى مَنْ كانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقالُ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مَنْ خَيْرٍ, فَيَبْقَى مَنْ لا خَيْرَ فِيهِ, فَيَرْجِعُونَ إلى دِينِ آبائِهمْ».
الآية : 10-11
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلّكمْ عَلَىَ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }.
يقول تعالى ذكره: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدُلّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ ألِيمٍ موجع, وذلك عذاب جهنم ثم بين لنا جلّ ثناؤه ما تلك التجارة التي تنجينا من العذاب الأليم, فقال: تُوءْمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ محمد صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: وكيف قيل: تُوءْمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ, وقد قيل لهم: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا بوصفهم بالإيمان؟ فإن الجواب في ذلك نظير جوابنا في قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بالله وقد مضى البيان عن ذلك في موضعه بما أغنى عن إعادته.
وقوله: وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيل اللّهِ بأمْوَالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ يقول تعالى ذكره: وتجاهدون في دين الله, وطريقه الذي شرعه لكم بأموالكم وأنفسكم ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ يقول: إيمانكم بالله ورسوله, وجهادكم في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم خَيْرٌ لَكُمْ من تضييع ذلك والتفريط إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مضارّ الأشياء ومنافعها. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: «آمِنُوا باللّهِ» على وجه الأمر, وبيّنت التجارة من قوله: هَلْ أدُلّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ وفسّرت بقوله: تُوءْمِنُونَ باللّهِ ولم يقل: أن تؤمنوا, لأن العرب إذا فسرت الاسم بفعل تثبت في تفسيره أن أحيانا, وتطرحها أحيانا, فتقول للرجل: هل لك في خير تقوم بنا إلى فلان فنعوده؟ هل لك في خير أن تقوم إلى فلان فنعوده؟, بأن وبطرحها. ومما جاء في الوجهين على الوجهين جميعا قوله: فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ إلى طَعامِهِ أنّا وإنا فالفتح في أنا لغة من أدخل في يقوم أن من قولهم: هل لك في خير أن تقوم, والكسر فيها لغة من يُلقي أن من تقوم ومنه قوله: فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أنّا دَمّرْناهُمْ وإنا دمرناهم, على ما بيّنا.
26347ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدُلّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ... الآية, فلولا أن الله بينها, ودلّ عليها المؤمنين, لتلهف عليها رجال أن يكونوا يعلمونها, حتى يضنوا بها وقد دلكم الله عليها, وأعلمكم إياها فقال: تُوءْمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ وتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بأمْوَالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
26348ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: تلا قتادة: هَلْ أدُلّكُمْ على تجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أليمٍ تُوءْمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ وتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ قال: الحمد لله الذي بينها.
الآية : 12
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }.
يقول تعالى ذكره: يستر عليكم ربكم ذنوبكم إذا أنتم فعلتم ذلك فيصفح عنكم ويعفو وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ يقول: ويُدخلكم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار وَمَساكِنَ طَيّبَةً يقول: ويُدخلكم أيضا مساكن طيبة فِي جَنّاتِ عَدْنٍ يعني في بساتين إقامة, لا ظعن عنها.
وقوله ذلكَ الفَوْزُ العَظِيمُ يقول: ذلك النجاء العظيم من نكال الاَخرة وأهوالها.
الآية : 13-14
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأُخْرَىَ تُحِبّونَهَا نَصْرٌ مّن اللّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ * يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُوَاْ أَنصَارَ اللّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أَنّصَارِيَ إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ فَآمَنَت طّآئِفَةٌ مّن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طّآئِفَةٌ فَأَيّدْنَا الّذِينَ آمَنُواْ عَلَىَ عَدُوّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ }.
اختلف أهل العربية فيما نعتت به قوله وأُخْرَى فقال بعض نحوييّ البصرة: معنى ذلك: وتجارة أخرى, فعلى هذا القول يجب أن يكون أخرى في موضع خفض عطفا به على قوله: هَلْ أدُلّكُمْ على تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ ألِيمِ وقد يحتمل أن يكون رفعا على الابتداء. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: هي في موضع رفع. أي ولكم أخرى في العاجل مع ثواب الاَخرة, ثم قال: نصر من الله مفسرا للأخرى.
والصواب من القول في ذلك عندي القول الثاني, وهو أنه معنّي به: ولكم أخرى تحبونها, لأن قوله نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وفَتْحٌ قَرِيبٌ مبين عن أن قوله وأُخرى في موضع رفع, ولو كان جاء ذلك خفضا حسن أن يجعل قوله وأُخْرَى عطفا على قوله تِجَارَةٍ, فيكون تأويل الكلام حينئذ لو قرىء ذلك خفضا, وعلى خلة أخرى تحبونها, فمعنى الكلام إذا كان الأمر كما وصفت: هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم, تؤمنون بالله ورسوله, يغفر لكم ذنوبكم, ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار, ولكم خلة أخرى سوى ذلك في الدنيا تحبونها: نصر من الله لكم على أعدائكم, وفتح قريب يعجله لكم.
وَبَشّرِ المُوءْمِنِينَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وبشر يا محمد المؤمنين بنصر الله إياهم على عدّوهم, وفتح عاجل لهم.
وقوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أنْصَارَ اللّهِ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة: «كُونُوا أنْصَارا للّهِ» بتنوين الأنصار. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بإضافة الأنصار إلى الله.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, ومعنى الكلام: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله, كونوا أنصار الله, كما قال عيسى ابن مريم للحواريين: مَنْ أنْصَاري إلى اللّهِ, يعني من أنصاري منكم إلى نصرة الله لي. وكان قتادة يقول في ذلك ما:
26349ـ حدثني به بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أنْصَارَ اللّهِ كما قال عيسَى ابنُ مَرْيَمَ للْحَوَارِيّينَ مَنْ أنْصَارِي إلى اللّهِ قال الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أنْصَارُ اللّهِ قال: قد كانت لله أنصار من هذه الأمة تجاهد على كتابه وحقه. وذُكر لنا أنه بايعه ليلة العقبة اثنان وسبعون رجلاً من الأنصار, ذُكر لنا أن بعضهم قال: هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ إنكم تبايعون على محاربة العرب كلها أو يُسلموا. وذُكر لنا أن رجلاً قال: يا نبيّ الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت, قال: أُشْتَرِطُ لربيّ أَنْ تَعبدوه, ولا تُشْرِكُوا به شيئا, وأَشْترطُ لنفسي أن تمنَعوني مما مَنَعْتُم منه أنفسَكُم وأبناءَكم» قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا يا نبيّ الله؟ قال: «لكم النصر في الدنيا, والجنة في الاَخرة», ففعلوا, ففعل الله.
26350ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: تلا قتادة كُونُوا أنْصَارَ اللّهِ كمَا قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ للْحَوَارِيّينَ مَنْ أنْصَارِي إلى اللّهِ قال: قد كان ذلك بحمد الله, جاءه سبعون رجلاً, فبايعوه عند العقبة, فنصروه وآوَوْه حتى أظهر الله دينه قالوا: ولم يسمّ حيّ من السماء اسما لم يكن لهم قبل ذلك غيرهم.
26351ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة: إن الحواريين كلهم من قريش: أبو بكر, وعمر, وعليّ, وحمزة, وجعفر, وأبو عُبيدة, وعثمان بن مظعون, وعبد الرحمن بن عوف, وسعد بن أبي وقاص, وعثمان, وطلحة بن عبيد الله, والزبير بن العوّام.
26352ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: مَنْ أنْصَارِي إلى اللّهِ قال: من يتبعني إلى الله.
26353ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ميسرة, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جُبَير, قال: سئل ابن عباس عن الحواريين, قال: سُمّوا لبياض ثيابهم كانوا صيادي السمك.
26354ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الحواريون: هم الغسالون بالنبطية يقال للغسال: حوارى, وقد تقدم بياننا في معنى الحوارى بشواهده واختلاف المختلفين فيه قبل فيما مضى, فأغنى عن إعادته.
وقوله: قالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أنْصَارُ اللّهِ يقول: قالوا: نحن أنصار الله على ما بعث به أنبياءه من الحقّ. وقوله: فآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وكَفَرَتْ طائِفَةٌ يقول جلّ ثناؤه: فآمنت طائفة من بني إسرائيل بعيسى, وكفرت طائفة منهم به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26355ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن المنهال, عن سعيد بن جُبير, عن ا بن عباس, قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وهم في بيت اثنا عشر رجلاً من عين في البيت ورأسه يقطر ماء قال: فقال: إن منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرّة بعد أن آمن بي قال: ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني, ويكون معي في درجتي؟ قال: فقام شاب من أحدثهم سنا, قال: فقال أنا, فقال له: اجلس ثم أعاد عليهم, فقام الشاب, فقال أنا قال: نعم أنت ذاك فأُلقى عليه شبه عيسى, ورفع عيسى من رَوْزَنة في البيت إلى السماء قال: وجاء الطلب من اليهود, وأخذوا شبهه. فقتلوه وصلبوه, وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرّة بعد أن آمن به, فتفرّقوا ثلاث فرق, فقالت فرقة: كان الله فينا ما شاء, ثم صعد إلى السماء, وهؤلاء اليعقوبية. وقالت فرقة: كان فينا ابن الله ما شاء الله, ثم رفعه إليه, وهؤلاء النسطورية. وقالت فرقة. كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله, ثم رفعه الله إليه, وهؤلاء المسلمون, فتظاهرت الطائفتان الكافرتان على المسلمة, فقتلوها, فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم, فآمنت طائفة من بني إسرائيل, وكفرت طائفة, يعني الطائفة التي كفرت من بني إسرائيل في زمن عيسى, والطائفة التي آمنت في زمن عيسى, فأيدنا الذين آمنوا على عدوّهم, فأصبحوا ظاهرين في إظهار محمد على دينهم دين الكفار, فأصبحوا ظاهرين.
وقوله: فأيّدْنا الّذِينَ آمَنُوا على عَدُوّهِمْ يقول: فقوّينا الذين آمنوا من الطائفتين من بني إسرائيل على عدوّهم, الذي كفروا منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم لتصديقه إياهم, أن عيسى عبد الله ورسوله, وتكذيبه من قال هو إله, ومن قال: هو ابن الله تعالى ذكره, فأصبحوا ظاهرين, فأصبحت الطائفة المؤمنون ظاهرين على عدوّهم الكافرين منهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26356ـ حدثني محمد بن عبد الله الهلالي, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فأيّدْنا الّذِينَ آمَنُوا على عَدُوّهِمْ قال: قوّينا.
26357ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن سماك, عن إبراهيم فآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وكَفَرَتْ طائِفَةٌ قال: لما بعث الله محمدا, ونزل تصديق من آمن بعيسى, أصبحت حجة من آمن به ظاهرة.
26358ـ قال: ثنا جرير, عن مغيرة, عن سماك, عن إبراهيم, في قوله فأيّدْنا الّذِينَ آمَنُوا على عَدُوّهِمْ فأصْبَحُوا ظاهِرِينَ قال: أيدوا بمحمد صلى الله عليه وسلم, فصدّقهم, وأخبر بحجتهم.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, عن مغيرة, عن إبراهيم, في قوله: فأصْبَحُوا ظاهِرِينَ قال: أصبحت حجة من آمن بعيسى ظاهرة بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم كلمة الله وروحه.
26359ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: فأصْبَحُوا ظاهِرِينَ من آمن مع عيسى صلى الله عليه وسلم.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة الصف