تفسير الطبري تفسير الصفحة 573 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 573
574
572
 الآية : 14-15
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَأَنّا مِنّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـَئِكَ تَحَرّوْاْ رَشَداً * وَأَمّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنّمَ حَطَباً }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل النفر من الجن: وأنّا مِنّا المُسْلِمُون الذين قد خضعوا لله بالطاعة وَمِنّا القاسِطُونَ وهم الجائرون عن الإسلام وقصد السبيل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27162ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وأنّا مِنّا المُسْلِمُونَ وَمِنّا القاسِطُونَ قال: العادلون عن الحقّ.
27163ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: القاسِطُونَ قال: الظالمون.
27164ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: القاسِطُونَ الجائرون.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: القاسِطُونَ قال: الجائرون.
27165ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: المقسط: العادل, والقاسط: الجائر وذكر بيت شعر:
قَسَطْنا على الأمْلاكِ فِي عَهْدِ تُبّعٍوَمِنْ قَبْل ما أدْرَي النّفوسَ عِقابَها
وقال: وهذا مثل الترب والمترب قال: والترب: المسكين, وقرأ: أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَة قال: والمترب: الغنيّ.
وقوله: فَمَنْ أسْلَمَ فأُولَئِكَ تَحَرّوْا رَشَدا يقول: فمن أسلم وخضع لله بالطاعة, فأولئك تعمدوا وترجّوا رشدا في دينهم. وأما القاسطون يقول: الجائرون عن الإسلام, فكانُوا لِجَهَنّمَ حَطَبا توقد بهم.
الآية : 16-17
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَأَلّوِ اسْتَقَامُواْ عَلَى الطّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُم مّآءً غَدَقاً * لّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً }.
يقول تعالى ذكره: وأن لو استقام هؤلاء القاسطون على طريقة الحقّ والاستقامة لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غدَقا يقول: لو سعنا عليهم في الرزق, وبسطناهم في الدنيا لنفتنهم فيه, يقول لنختبرهم فيه. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك:
27166ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وأنْ لَو اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا يعني بالاستقامة: الطاعة. فأما الغدق فالماء الطاهر الكثير لِنَفْتنَهُمْ فِيهِ يقول: لنبتليهم به.
27167ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن عبيد الله بن أبي زياد, عن مجاهد وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ طريقة الإسلام لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال: نافعا كثيرا, لأعطيناهم مالاً كثيرا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ حتى يرجعوا لما كتب عليهم من الشقاء.
حدثنا إسحاق بن زيد الخطابي, قال: حدثنا الفريابي, عن سفيان, عن عبيد الله بن أبي زياد, عن مجاهد مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عبيد الله بن أبي زياد, عن مجاهد وَأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ قال: طريقة الحقّ لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا يقول مالاً كثيرا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ قال: لنبتليهم به حتى يرجعوا إلى ما كتب عليهم من الشقاء.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن مجاهد, عن أبيه, مثله.
قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن علقمة بن مرثد, عن مجاهد وَأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ قال: الإسلام لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال الكثير لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ قال: لنبتليهم به.
قال: ثنا مهران, عن أبي سنان, عن غير واحد, عن مجاهد ماءً غَدَقا قال الماء. والغدق: الكثير لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ حتى يرجعوا إلى علمي فيهم.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال: لأعطيناهم مالاً كثيرا, قوله: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ قال: لنبتليهم.
27168ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن بعض أصحابه, عن الأعمش, عن المنهال, عن سعيد بن جُبير في قوله: وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ قال: الدين لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال: مالاً كثيرا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ يقول: لنبتليهم به.
27169ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا. قال الله: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ يقول: لنبتليهم بها.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال: لو اتقوا لوسع عليهم في الرزق لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ قال: لنبتليهم فيه.
27170ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس ماءً غَدَقا قال: عيشا رَغدا.
27171ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال: الغدق الكثير: مال كثير لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ لنختبرهم فيه.
27172ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد الاَملي, قال: حدثنا المطلب بن زياد, عن التيمي, قال: قال عمر رضي الله عنه في قوله: وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال: أينما كان الماء كان المال وأينما كان المال كانت الفتنة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأن لو استقاموا على الضلاة لأعطيناهم سعة من الرزق لنستدرجهم بها. ذكر من قال ذلك:
27173ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, قال: سمعت عمران بن حدير, عن أبي مُجَلّز, قال: وأن لو استقاموا على طريقة الضلالة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأن لو استقاموا على طريقة الحقّ وآمنوا لوسعنا عليهم. ذكر من قال ذلك:
27174ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ قال: هذا مثل ضربه الله كقوله: وَلَوْ أنّهُمْ أقامُوا التّوْرَاةَ والإنْجيلَ وَما أُنْزِلَ إلَيْهِمْ مِنْ رَبّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِم وَمِنْ تَحْتِ أرْجُلِهمْ وقوله تعالى: وَلَوْ أنّ أهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهمْ بَرَكاتٍ من السّماءِ والأرْضِ والماء الغَدَقَ يعني: الماء الكثير لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ لنبتليهم فيه.
وقوله: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابا صَعَدا يقول عزّ وجل: ومن يُعرض عن ذكر ربه الذي ذكره به, وهو هذا القرآن ومعناه: ومن يعرض عن استماع القرآن واستعماله, يسلكه الله عذابا صعدا: يقول: يسلكه الله عذابا شديدا شاقا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27175ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْه عَذَابا صَعَدا يقول: مشقة من العذاب يصعد فيها.
27176ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: ثني أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: عَذَابا صَعَدا قال: مشقة من العذاب.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن جابر, عن مجاهد, مثله.
27177ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن سماك, عن عكرِمة, عن ابن عباس عَذَابا صَعَدا قال: جبل في جهنم.
27178ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يَسْلُكْهُ عَذَابا صَعَدا عذابا لا راحة فيه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة عَذَابا صَعَدا قال: صَعودا من عذاب الله لا راحة فيه.
27179ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: يَسْلُكْهُ عَذَابا صَعَدا قال: الصعد: العذاب المنصب.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: يَسْلُكْه فقرأه بعض قرّاء مكة والبصرة: «نَسْلُكْهُ» بالنون اعتبارا بقوله: لِنَفْتِنَهُمْ أنها بالنون. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بالياء, بمعنى: يسلكه الله, ردّا على الربّ في قوله: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبّهِ.
الآية : 18-19
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَأَنّ الْمَسَاجِدَ لِلّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللّهِ أَحَداً * وَأَنّهُ لّمَا قَامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ وَأنّ المَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا أيها الناس مَعَ اللّهِ أحَدا ولا تشركوا به فيها شيئا, ولكن أفردوا له التوحيد, وأخلصوا له العبادة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27180ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أحَدا كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعهم أشركوا بالله, فأمر الله نبيه أن يوحّد الله وحده.
27181ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن محمود, عن سعيد بن جُبير وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ قال: قالت الجنّ لنبيّ الله: كيف لنا نأتي المسجد, ونحن ناؤون عنك, وكيف نشهد معك الصلاة ونحن ناؤون عنك؟ فنزلت: وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أحَدا.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أحَدا قال: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعهم أشركوا بالله, فأمر الله نبيه أن يخلص له الدعوة إذا دخل المسجد.
27182ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن خَصِيف, عن عكرِمة وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ قال: المساجد كلها.
وقوله: وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا يقول: وأنه لما قام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله يقول: «لا إله إلا الله» كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا يقول: كادوا يكونون على محمد جماعات بعضها فوق بعض واحدها: لبدة, وفيها لغتان: كسر اللام لِبدة, ومن كسرها جمعها لِبَد وضم اللام لُبدة, ومن ضمها جمعها لُبَد بضم اللام, أو لابِد ومن جمع لابد قال: لُبّدا, مثل راكِع ورُكّعا, وقراء الأمصار على كسر اللام من لِبَد, غير ابن مُحَيْصِن فإنه كان يصمها, وهما بمعنى واحد غير أن القراءة التي عليها قرّاء الأمصار أحبّ إليّ, والعرب تدعو الجراد الكثير الذي قد ركب بعضه بعضا لُبْدَةً ومنه قول عبد مناف بن ربعيّ الهذليّ:
صَابُوا بسِتّةِ أبْياتٍ وأرْبَعَةٍحتى كأنّ عليهِمْ جابِيا لُبَدَا
والجابي: الجراد الذي يجبي كلّ شيء يأكله.
واختلف أهل التأويل في الذين عُنوا بقوله: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا فقال بعضهم: عني بذلك الجنّ أنهم كادوا يركبون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا القرآن. ذكر من قال ذلك:
27183ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا يقول: لما سمعوا النبيّ صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن, ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول, فجعل يُقرئه: قُلْ أُوحِيَ إليّ أنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ.
27184ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا كادوا يركبونه حرصا على ما سمعوا منه من القرآن.
قال أبو جعفر: ومن قال هذا القول جعل قوله: وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ مما أوحي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم, فيكون معناه: قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ, وأنه لما قام عبد الله يدعوه.
وقال آخرون: بل هذا من قول النفر من الجن لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له, وائتمامهم به في الركوع والسجود. ذكر من قال ذلك:
27185ـ حدثني محمد بن معمر, قال: حدثنا أبو مسلم, عن أبي عوانة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: قول الجنّ لقومهم: لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال: لما رأوه يصلي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده, قال: عجبوا من طواعية أصحابه له قال: فقال لقومهم لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن زياد, عن سعيد بن جبير, في قوله: وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال: كان أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يأتموّن به, فيركعون بركوعه, ويسجدون بسجوده.
ومن قال هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس وسعيد فتح الألف من قوله: «وأنه» عطف بها على قوله: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا مفتوحة, وجاز له كسرها على الابتداء.
وقال آخرون: بل ذلك من خبر الله الذي أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم لعلمه أن الإنس والجنّ تظاهروا عليه, ليُبطلوا الحقّ الذي جاءهم به, فأبى الله إلا إتمامه. ذكر من قال ذلك:
27186ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال: تلبدت الإنس والجنّ على هذا الأمر ليطفئوه, فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه, ويظهره على من ناوأه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله لِبَدا قال: لما قام النبيّ صلى الله عليه وسلم تلبّدت الجنّ والإنس, فحرصوا على أن يطفئوا هذا النور الذي أنزله الله.
27187ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال: تظاهروا عليه بعضهم على بعض, تظاهروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن قال هذا القول فتح الألف من قوله «وأنه». وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال: ذلك خبر من الله عن أن رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لما قام يدعوه كادت العرب تكون عليه جميعا في إطفاء نور الله.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب لأن قوله: وأنّه لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ عقيب قوله: وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ وذلك من خبر الله فكذلك قوله: وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ وأخرى أنه تعالى ذكره أتبع ذلك قوله: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أحَدا فمعلوم أن الذي يتبع ذلك الخبر عما لقي المأمور بأن لا يدعو مع الله أحدا في ذلك, لا الخبر عن كثرة إجابة المدعوين وسرعتهم إلى الإجابة.
27188ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا هوذة, قال: حدثنا عوف, عن الحسن, في قوله: وأنّهُ لَما قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ قال: لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا إله إلا الله» ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تكون عليه جميعا.
27189ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا سفيان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن رجل, عن سعيد بن جُبير في قوله: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال: تراكبوا عليه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سعيد بن جبير كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال: بعضهم على بعض.
27190ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا يقول: أعوانا.
27191ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال جميعا.
27192ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال: جميعا.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا واللبد: الشيء الذي بعضه فوق بعض.

الآية : 20-22
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{قُلْ إِنّمَآ أَدْعُو رَبّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً * قُلْ إِنّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً * قُلْ إِنّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً }.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: قُلْ إنّمَا أدْعُو رَبي فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين على وجه الخبر «قال» بالألف ومن قرأ ذلك كذلك, جعله خبرا من الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال, فيكون معنى الكلام: وأنه لما قام عبد الله يدعوه تلبدوا عليه, قال لهم: إنما أدعو ربي, ولا أشرك به أحدا. وقرأ ذلك بعض المدنيين وعامة قرّاء الكوفة على وجه الأمر من الله عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للناس الذين كادوا يكونوا عليك لبدا, إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: قُلْ إنّي لا أمْلِكُ لَكُمْ ضَرّا وَلا رَشَدا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي العرب الذين ردّوا عليك ما جئتهم به من النصيحة: إني لا أملك لكم ضرّا في دينكم ولا في دنياكم, ولا رشدا أرشدكم, لأن الذي يملك ذلك, الله الذي له مُلك كلّ شيء.
وقوله: قُلْ إنّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أحَدٌ من خلقه إن أرادني أمرا, ولا ينصرني منه ناصر.
وذُكر أن هذه الاَية أُنزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم, لأن بعض الجنّ قال: أنا أجيره. ذكر من قال ذلك:
27193ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه, قال: زعم حضرميّ أنه ذكر له أن جنيا من الجنّ من أشرافهم ذا تَبَع, قال: إنما يريد محمد أن نجيره وأنا أجيره فأنزل الله: قُلْ إنّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أحَدٌ.
وقوله: وَلَنْ أجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا يقول: ولن أجد من دون الله ملجأً ألجأ إليه, كما:
27194ـ حدثنا مهران, عن سفيان وَلَنْ أجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا يقول: ولن أجد من دون الله ملجأً ألجأ إليه.
27195ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: وَلَنْ أجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا: أي ملجأً ونصيرا.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة مُلْتَحَدا قال: ملجأً.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وَلَنْ أجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا يقول: ناصرا.
الآية : 23-24
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِلاّ بَلاَغاً مّنَ اللّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً * حَتّىَ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلّ عَدَداً }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لمشركي العرب: إني لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا إلاّ بَلاغا مِنَ اللّهِ وَرِسالاتِهِ يقول: إلاّ أن أبلغكم من الله ما أمرني بتبليغكم إياه, وإلا رسالاته التي أرسلني بها إليكم فأما الرشد والخذلان, فبيد الله, هو مالكه دون سائر خلقه يهدى من يشاء ويخذل من أراد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27196ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إلاّ بَلاغا مِنَ اللّهِ وَرِسالاتِهِ فذلك الذي أملك بلاغا من الله ورسالاته.
وقد يحتمل ذلك معنى آخر, وهو أن تكون «إلا» حرفين, وتكون «لا» منقطعة من «إن» فيكون معنى الكلام: قل إني لن يجيرني من الله أحد إن لم أبلغ رسالاته ويكون نصب البلاغ من إضمار فعل من الجزاء كقول القائل: إن لا قياما فقعودا, وإن لا إعطاء فردّا جميلاً, بمعنى: إن لا تفعل الإعطاء فردّا جميلاً.
وقوله: وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فإنّ لَهُ نارَ جَهَنّمَ يقول تعالى ذكره: ومن يعص الله فيما أمره ونهاه, ويكذّب به ورسوله, فجحد رسالاته, فإن له نار جهنم يصلاها خالِدِينَ فِيها أبَدا يقول: ماكثين فيها أبدا إلى غير نهاية.
وقوله: حتى إذَا رأَوْا ما يُوعَدُونَ يقول تعالى ذكره: إذا عاينوا ما يعدهم ربهم من العذاب وقيام الساعة فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أضْعَفُ ناصِرا وأقَلّ عَدَدا أجند الله الذي أشركوا به, أم هؤلاء المشركون به.
الآية : 25-28
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{قُلْ إِنْ أَدْرِيَ أَقَرِيبٌ مّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبّيَ أَمَداً * عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىَ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَىَ مِن رّسُولٍ فَإِنّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىَ كُلّ شَيْءٍ عَدَداً }.
يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من قومك: ما أدري أقريب ما يعدكم ربكم من العذاب وقيام الساعة أمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبّي أمَدا يعني: غاية معلومة تطول مدتها.
وقوله: عالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَدا إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ يعني بعالم الغيب: عالم ما غاب عن أبصار خلقه, فلم يروه فلا يظهر على غيبه أحدا, فيعلمه أو يريه إياه إلا من ارتضى من رسول, فإنه يظهره على ما شاء من ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27197ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَدا إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فأعلم الله سبحانه الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه بما أوحي إليهم من غيبه, وما يحكم الله, فإنه لا يعلم ذلك غيره.
27198ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: عالِم الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَدا إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فإنه يصطفيهم, ويطلعهم على ما يشاء من الغيب.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فإنه يظهره من الغيب على ما شاء إذا ارتضاه.
27199ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَدا إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ قال: ينزل من غيبه ما شاء على الأنبياء أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الغيب القرآن, قال: وحدثنا فيه بالغيب بما يكون يوم القيامة.
وقوله: فإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا يقول: فإنه يرسل من أمامه ومن خلفه حرسا وحفظة يحفظونه. ذكر من قال ذلك:
27200ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن علقمة بن مرثد, عن الضحاك إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا بعث إليه الملك بالوحي بعث معه ملائكة يحرسونه من بين يديه ومن خلفه, أن يتشبّه الشيطان على صورة الملك.
27201ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن منصور, عن إبراهيم مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا قال: ملائكة يحفظونهم من بين أيديهم ومن خلفهم.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن إبراهيم مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا قال: الملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من الجنّ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن طلحة, يعني ابن مصرف, عن إبراهيم, في قوله: مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا قال: الملائكة رصد من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من الجن.
27202ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا قال: هي معقبات من الملائكة يحفظون النبيّ صلى الله عليه وسلم من الشيطان حتى يتبين الذي أرسل به إليهم, وذلك حين يقول: ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم.
27203ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا قال: الملائكة.
وقوله: لِيَعْلَمَ أنْ قَدْ أبْلَغُوا رِسالاتِ رَبّهِمْ اختلف أهل التأويل في الذي عُنِي بقوله لِيَعْلَمَ فقال بعضهم: عُنِي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقالوا: معنى الكلام: ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد أبلغت الرسل قبله عن ربها. ذكر من قال ذلك:
27204ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لِيَعْلَمَ أنْ قَدْ أُبْلَغُوا رِسالاتِ رَبّهِمْ ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرسل قبله قد أبلغت عن ربها وحفظت.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة لِيَعْلَمَ أنْ قَدْ أُبْلَغُوا رِسالاتِ رَبّهِمْ قال: ليعلم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن الرسل قد أبلغت عن الله, وأن الله حفظها, ودفع عنها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليعلم المشركون أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم. ذكر من قال ذلك:
27205ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: لِيَعْلَمَ أنْ قَدْ أُبْلَغُوا رِسالاتِ رَبّهِمْ قال: ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليعلم محمد أن قد بلغت الملائكة رسالات ربهم. ذكر من قال ذلك:
27206ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, في قوله: عالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَدا إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا قال: أربعة حفظة من الملائكة مع جبرائيل لِيَعْلَم محمد أنْ قَدْ أبْلَغُوا رِسالاتِ رَبّهِمْ وأحاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وأحْصَى كُل شَيْءٍ عَدَدا قال: وما نزل جبريل عليه السلام بشيء من الوحي إلا ومعه أربعة حفظة.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندنا بالصواب, قول من قال: ليعلم الرسول أن الرسل قبله قد أبلغوا رسالات ربهم وذلك أن قوله: لِيَعْلَم من سبب قوله فإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا وذلك خبر عن الرسول, فمعلوم بذلك أن قوله ليعلم من سببه إذ كان ذلك خبرا عنه.
وقوله: وأحاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ يقول: وعلم بكلّ ما عندهم وأحْصَى كُلّ شَيْءٍ عَدَدا يقول: علم عدد الأشياء كلها, فلم يخف عليه منها شيء. وقد:
27207ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير أنه قال في هذه الاَية إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ... إلى قوله وأحْصَى كُلّ شَيْءٍ عَدَدَا قال: ليعلم الرسل أن ربهم أحاط بهم, فبلغوا رسالاتهم.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الجن