تفسير الطبري تفسير الصفحة 597 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 597
598
596
 سورة التين مكية
وآياتها ثمان
بسم الله الرحمَن الرحيم
الآية : 1-6
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَـَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِيَ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }.
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ فقال بعضهم: عُنِي بالتين: التين الذي يؤكل, والزيتون: الزيتون الذي يُعْصر. ذكر من قال ذلك:
29020ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا روح, قال: حدثنا عوف, عن الحسن, في قول الله: والتّينِ والزّيْتُونِ قال: تينكم هذا الذي يؤكل, وزيتونكم هذا الذي يُعصر.
29021ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, قال: سمعت الحكم يحدّث, عن عكرِمة, قال: التين: هو التين, والزيتون: الذي تأكلون.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرِمة وَالتّينِ والزّيْتُونِ قال: تينكم وزيتونكم.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, قال: سُئل عكرِمة عن قوله: وَالتّينِ والزّيْتُونِ قال: التين تينكم هذا, والزيتون: زيتونكم هذا.
29022ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: وَالتّينِ والزّيْتُونِ قال: التين الذي يُؤكل, والزيتون: الذي يعصر.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, جميعا عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ قال: الفاكهة التي تأكل الناس.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سلام بن سليم, عن خَصِيف, عن مجاهد وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ قال: هو تينكم وزيتونكم.
29023ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, في قوله: وَالتّينِ والزّيْتُونِ قال: التين الذي يؤكل, والزيتون الذي يُعصر.
29024ـ حدثنا بن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الكلبيّ التّينِ والزّيْتُونِ هو الذي ترون.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قال: قال الحسن, في قوله: وَالتّينِ والزّيْتُونِ: التين تينكم, والزيتون زيتونكم هذا.
وقال آخرون: التين: مسجد دمشق, والزيتون: بيت المقدس. ذكر من قال ذلك:
29025ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا رَوْح, قال: حدثنا عوف, عن يزيد أبي عبد الله, عن كعب أنه قال في قول الله: وَالتّينِ والزّيْتُونِ قال: التين: مسجد دمشق, والزيتون: بيت المقدس.
29026ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: والتّينِ قال: الجبل الذي عليه دمشق والزّيْتُونِ: الذي عليه بيت المقدس.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ ذُكر لنا أن التين الجبل الذي عليه دمشق, والزيتون: الذي عليه بيت المقدس.
29027ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, وسألته عن قول الله: وَالتّينِ والزّيْتُونِ قال: التين: مسجد دمشق, والزيتون, مسجد إيلياء.
29028ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن أبي بكر, عن عكِرمة وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ قال: هم جبلان.
وقال آخرون: التين: مسجد نوح, والزيتون: مسجد بيت المقدس. ذكر من قال ذلك:
29029ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ يعني مجسد نوح الذي بني على الجُودِيّ, والزيتون: بيت المقدس قال: ويقال: التين والزيتون وطور سينين: ثلاثة مساجد بالشام.
والصواب من القول في ذلك عندنا: قول من قال: التين: هو التين الذي يُؤكل, والزيتون: هو الزيتون الذي يُعصر منه الزيت, لأن ذلك هو المعروف عند العرب, ولا يُعرف جبل يسمى تينا, ولا جبل يقال له زيتون, إلاّ أن يقول قائل: أقسم ربنا جلّ ثناؤه بالتين والزيتون. والمراد من الكلام: القسمَ بمنابت التين, ومنابت الزيتون, فيكون ذلك مذهبا, وإن لم يكن على صحة ذلك أنه كذلك, دلالة في ظاهر التنزيل, ولا من قول من لا يجوّز خلافه, لأن دمشق بها منابت التين, وبيت المقدس منابت الزيتون.
وقوله: وَطُورِ سِينِينَ اختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم: هو جبل موسى بن عمران صلوات الله وسلامه عليه ومسجده. ذكر من قال ذلك:
29030ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: ثني أبي, عن قتادة, عن قزعة, قال: قلت لابن عمر: إني أريد أن آتي بيت المقدس وَطُورِ سِينِينَ فقال: لا تأت طور سينين, ما تريدون أن تدعوا أثر نبيّ إلاّ وطئتموه. قال قتادة وَطُورِ سِينِينَ: مسجد موسى صلى الله عليه وسلم.
29031ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا روح, قال: حدثنا عوف, عن الحسن, في قوله: وَطُورِ سِينِينَ قال: جبل موسى.
29032ـ قال: ثنا عوف, عن يزيد أبي عبدالله, عن كعب, في قوله: وَطُورِ سِينِينَ قال: جبل موسى صلى الله عليه وسلم.
29033ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَطُورِ سِينِينَ قال: هو الطّور.
29034ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَطُورِ سِينِينَ قال: مسجد الطور.
وقال آخرون: الطّور: هو كلّ جبل يُنْبِتُ. وقوله سِينِينَ: حسن. ذكر من قال ذلك:
29035ـ حدثنا عمران بن موسى القزّاز, قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد, قال: حدثنا عمارة, عن عكرِمة, في قوله: وَطُورِ سِينِينَ قال: هو الحسن, وهي لغة الحبشة, يقولون للشيء الحسن: سِينا سِينا.
حدثنا يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, قال: سُئل عكرِمة, عن قوله وَطُورِ سِينِينَ قال: طُور: جبل, وسِينين: حَسَنٌ بالحبشية.
29036ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الصباح بن محارب, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن عمرو بن ميمون, قال: صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه المغرب, فقرأ في أوّل ركعة وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ وطُورِ سِينِينَ قال: هو جبل.
29037ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا المعتمر, قال: سمعت الحكم يحدّث, عن عكرِمة وَطُورِ سِينِينَ قال: سواء عليّ نبات السهل والجبل.
29038ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَطُورِ سِينِينَ قال: الجبل.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مُؤَمّل, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَطُورِ سِينِينَ: جبل.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مِهْران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَطُورِ سِينِينَ الجبل.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن النضر, عن عكرِمة, قال: الطور: الجبل, والسينين: الحسن, كما ينبت في السهل, كذلك ينبت في الجبل.
29039ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الكلبيّ, أما وَطُورِ سِينِينَ فهو الجبل ذو الشجر.
وقال آخرون: هو الجبل, وقالوا: سينين: مبارك حسن. ذكر من قال ذلك:
29040ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَطُورِ: الجبل وسِينِينَ قال: المبارك.
29041ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَطُورِ سِينِينَ قال: جبل مبارك بالشام.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَطُورِ سِينِينَ قال: جبل بالشام, مُبارك حسن.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: طور سينين: جبل معروف, لأن الطور هو الجبل ذو النبات, فإضافته إلى سينين تعريف له, ولو كان نعتا للطور, كما قال من قال معناه حسن أو مبارك, لكان الطور منوّنا, وذلك أن الشيء لا يُضاف إلى نعته, لغير علة تدعو إلى ذلك.
وقوله: وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ يقول: وهذا البلد الاَمن من أعدائه أن يحاربوا أهله, أو يغزوهم. وقيل: الأمين, ومعناه: الاَمن, كما قال الشاعر:
ألمْ تَعْلَمِي يا أسْمَ ويَحَكِ أنّنِيحَلَفْتُ يَمِينا لا أخُونُ أمِيني
يريد: آمني, وهذا كما قال جلّ ثناؤه: أوَ لَمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا حَرَما آمِنا وَيُتَخَطّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ.
وإنما عُنِي بقوله: وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ: مكة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29042ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ قال: مكة.
29043ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا رَوْح, قال: حدثنا عوف, عن يزيد أبي عبد الله, عن كعب, في قول الله وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ قال: البلد الحرام.
29044ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا رَوْح, قال: حدثنا عوف, عن الحسن, في قوله وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ قال: البلد الحرام.
29045ـ قال: ثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وحدثنا أبو كُريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ قال مكة.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سَلاّم بن سليم, عن خَصِيف, عن مجاهد: وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ: مكة.
29046ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا المعتمر, قال: سمعت الحكم يحدّث عن عكرِمة وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ: قال: البلد الحرام.
قال: ثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, قال: سُئل عكرِمة, عن قوله وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ قال: مكة.
29047ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ يعني: مكة.
29048ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ قال: المسجد الحرام.
29049ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مُؤَمّل, قال: حدثنا سفيان, عن حماد, عن إبراهيم وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ: مكة.
وقوله: لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ وهذا جواب القسم, يقول تعالى ذكره: والتين والزيتون, لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29050ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: وقع القسم هاهنا لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ..
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ فقال بعضهم: معناه: في أعدل خلق, وأحسن صورة. ذكر من قال ذلك:
29051ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عاصم, عن أبي رَزِين, عن ابن عباس فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ قال: في أعدل خلق.
29052ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن حماد, عن إبراهيم لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ في أحْسَنِ تَقْوِيمٍ قال: في أحسن صورة.
قال: ثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن حماد, عن إبراهيم فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ قال: خَلْقٍ.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن حماد, عن إبراهيم لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ قال: في أحسن صورة.
29053ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ يقول: في أحسن صورة.
29054ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ: في أحسن صورة.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ قال: أحسن خَلْق.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ قال: في أحسن خلق.
29055ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ يقول: في أحسن صورة.
29056ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن مَعْمر, عن قتادة, هو والكلبيّ فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ قالا: في أحسن صورة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لقد خلقنا الإنسان, فبلغنا به استواء شبابه وجَلَدِه وقوّته, وهو أحسن ما يكون, وأعدل ما يكون وأقومه. ذكر من قال ذلك:
29057ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا المعتمر, قال: سمعت الحكم يحدّث, عن عكرِمة, في قوله: لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي أحْسَن تَقْوِيمٍ قال: الشاب القويّ الجَلْد.
29058ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ قال: شبابه أوّل ما نشأ.
وقال آخرون: قيل ذلك لأنه ليس شيء من الحيوان إلاّ وهو منكبّ على وجهه غير الإنسان. ذكر من قال ذلك:
29059ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن داود, عن عكرِمة, عن ابن عباس لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ قال: خلق كلّ شيء منكبا على وجهه, إلاّ الإنسان.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن معنى ذلك: لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة وأعدلها لأن قوله: أحْسَنِ تَقْوِيمٍ إنما هو نعت لمحذوف, وهو في تقويم أحسن تقويم, فكأنه قيل: لقد خلقناه في تقويم أحسن تقويم.
وقوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: ثم رددناه إلى أرذل العمر. ذكر من قال ذلك:
29060ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن داود, عن عكرِمة, عن ابن عباس ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قال: إلى أرذل العمر.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام بن سلم, عن عمرو, عن عاصم, عن أبي رزين, عن ابن عباس ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قال: إلى أرذل العمر.
29061ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ يقول: يردّ إلى أرذل العمر, كبر حتى ذهب عقله, وهم نفر رُدّوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سفهت عقولهم, فأنزل الله عذرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم.
29062ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, قال: سُئل عكرِمة, عن قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قال: ردّوا إلى أرذل العمر.
29063ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل وعبد الرحمن, قالا: حدثنا سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, في قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ: قال: إلى أرذل العمر.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, مثله.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, مثله.
29064ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفلَ سافِلِينَ قال: رددناه إلى الهَرَم.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: الهَرَم.
29065ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا المعتمر, قال: سمعت الحكم يحدّث, عن عكرِمة ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قال: الشيخ الهَرِم, لم يضرّه كبرُه إن ختم الله له بأحسن ما كان يعمل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم رددناه إلى النار في أقبح صورة. ذكر من قال ذلك:
29066ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن أبي جعفر الرازيّ, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قال: في شر صورة في صورة خنزير.
29067ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قال: النار.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: إلى النار.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: في النار.
قال: ثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: إلى النار.
29068ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قال: (قال) الحسن: جهنم مأواه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: قال الحسن, في قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قال: في النار.
29069ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قال: إلى النار.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة, وأشبهها بتأويل الاَية, قول من قال: معناه: ثم رددناه إلى أرذل العمر, إلى عمر الخَرْفَى, الذين ذهبت عقولهم من الهَرَم والكِبر, فهو في أسفل من سفل: في إدبار العمر وذهاب العقل.
وإنما قلنا: هذا القول أولى بالصواب في ذلك: لأن الله تعالى ذكره, أخبر عن خلقه ابن آدم, وتصريفه في الأحوال, احتجاجا بذلك على مُنكري قُدرته على البعث بعد الموت. ألا ترى أنه يقول: فَمَا يُكَدّبُكَ بَعْدُ بالدّينِ يعني: بعد هذه الحُجَج. ومحال أن يحتجّ على قوم كانوا مُنكرين معنى من المعاني, بما كانوا له مُنكرين. وإنما الحجة على كلّ قوم بما لا يقدرون على دفعه, مما يعاينونه ويحسّونه, أو يقرّون به, وإن لم يكونوا له مُحِسّين.
وإذْ كان ذلك كذلك, وكان القوم للنار التي كان الله يتوعدهم بها في الاَخرة مُنكرين, وكانوا لأهل الهَرَم والخَرَف من بعد الشباب والجَلَد شاهدين, عُلِم أنه إنما احتجّ عليهم بما كانوا له مُعاينين, من تصريفه خلقه, ونقله إياهم من حال التقويم الحسن والشباب والجلد, إلى الهَرَم والضعف وفناء العمر, وحدوث الخَرَف.
وقوله: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ اختلف أهل التأويل في معنى هذا الاستثناء, فقال بعضهم: هو استثناء صحيح من قوله ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قالوا: وإنما جاز استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات, وهم جمع, من الهاء في قوله ثُمّ رَدَدْناهُ وهي كناية الإنسان, والإنسان في لفظ واحد, لأن الإنسان وإن كان في لفظ واحد, فإنه في معنى الجمع, لأنه بمعنى الجنس, كما قيل: وَالْعَصْرِ إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ قالوا: وكذلك جاز أن يقال: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ فيضاف أفعل إلى جماعة, وقالوا: ولو كان مقصودا به قصدُ واحد بعينه, لم يجز ذلك, كما لا يُقال: هذا أفضل قائمين, ولكن يقال: هذا أفضل قائم ذكر من قال ذلك:
29070ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن سعيد بن سابق, عن عاصم الأحول, عن عكرمة, قال: (كان يقال): من قرأ القرآن لم يُردّ إلى أرذل العمر, ثم قرأ: لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي أحْسَن تَقْوِيمٍ ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ إلا الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قال: لا يكونُ حتى لا يعلَم من بعد علم شيئا.
فعلى هذا التأويل قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ لخاصّ من الناس, غير داخل فيهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات, لأنه مستثنى منهم.
وقال آخرون: بل الذين آمنوا وعملوا الصالحات قد يدخلون في الذين رُدّوا إلى أَسْفَل سافلين, لأن أرذْل العُمر قد يردّ إليه المؤمن والكافر. قالوا: وإنما استثنى قوله: إلاّ الّذِين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ من معنى مضمر في قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قالوا: ومعناه: ثم رددناه أسفل سافلين, فذهبت عقولهم وخَرِفوا, وانقطعت أعمالهم, فلم تثبت لهم بعد ذلك حسنة. إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ فإن الذي كانوا يعملونه من الخير, في حال صحة عقولهم, وسلامة أبدانهم, جارٍ لهم بعد هَرَمهم وخَرَفهم.
وقد يُحتمل أن يكون قوله: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ استثناء منقطعا, لأنه يحسن أن يقال: ثم رددناه أسفل سافلين, إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات, لهم أجر غير ممنون, بعد أن يردّ أسفل سافلين. ذكر من قال معنى هذا القول:
29071ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن داود, عن عكرِمة, عن ابن عباس إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونِ قال: فأيّما رجل كان يعمل عملاً صالحا وهو قويّ شاب, فعجز عنه, جرى له أجر ذلك العمل حتى يموت.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ يقول: إذا كان يعمل بطاعة الله في شبيبته كلها, ثم كبر حتى ذهب عقله, كُتب له مثل عمله الصالح, الذي كان يعمل في شبيبته, ولم يُؤاخذ بشيء مما عمل في كبره, وذهاب عقله, من أجل أنه مؤمن, وكان يطيع الله في شبيبته.
29072ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, في قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قال: إلى أرذل العمر, فإذا بلغ المؤمن إلى أرذل العمر, كُتِب له كأحسن ما كان يعمل في شبابه وصحته, فهو قوله: فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن حماد, عن إبراهيم ثُمّ ردَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فإنه يكتب له من الأجر, مثل ما كان يعمل في الصحة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن حماد بن أبي سليمان, عن إبراهيم, مثله.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن حماد, عن إبراهيم إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ قال: إذا بلغ من الكبر ما يعجز عن العمل, كُتب له ما كان يعمل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فإنه يُكتب لهم حسناتهم. ويُتجاوز لهم عن سيئاتهم. ذكر من قال ذلك:
29073ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عاصم, عن أبي رَزِين, عن ابن عباس ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قال: هم الذين أدركهم الكِبرَ, لا يؤاخذون بعمل عملوه في كبرهم, وهم هَرْمَى لا يعقلون.
29074ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, قال: سُئل عكِرمة, عن قوله: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ قال: يوفيه الله أجره أو عمله, ولا يؤاخذه إذا رُدّ إلى أرذل العمر.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, قال: سمعت الحكم يحدّث, عن عكرِمة ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قال: الشيخ الهَرِم لم يضرّه كبره إن ختم الله له بأحسن ما كان يعمل.
29075ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قال: من أدركه الهرم, وكان يعمل صالحا, كان له مثل أجره إذا كان يعمل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم رددناه أسفل سافلين في جهنم, إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات, فلهم أجر غير ممنون, فعلى هذا التأويل: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات مستثَنون من الهاء في قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ, وجاز استثناؤهم منها إذ كانت كناية للإنسان, وهو بمعنى الجمع, كما قال: إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إلاّ الّذِين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ. ذكر من قال ذلك:
29076ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ إلاّ الّذِينَ آمَنُوا: إلا من آمن.
29077ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: قال الحسن, في قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ: في النار إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قال الحسن: هي كقوله: وَالْعَصْر إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إلا الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة, قول من قال: معناه: ثم رددناه إلى أرذل العمر, إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات في حال صحتهم وشبابهم, فلهم أجر غير ممنون بعد هَرَمهم, كهيئة ما كان لهم من ذلك على أعمالهم, في حال ما كانوا يعملون وهم أقوياء على العمل.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة لما وصفنا من الدلالة على صحة القول بأن تأويل قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَل سافِلِينَ إلى أرذل العمر.
واختلفوا في تأويل قوله: غَيرُ مَمْنُونٍ فقال بعضهم: معناه: لهم أجر غير منقوص. ذكر من قال ذلك:
29078ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ يقول: غير منقوص.
وقال آخرون: بل معناه: غير محسوب. ذكر من قال ذلك:
29079ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ: غير محسوب.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ قال: غير محسوب.
29080ـ قال: ثنا سفيان, عن حماد, عن إبراهيم فَلَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ قال: غير محسوب.
29081ـ قال: ثنا سفيان, عن حماد, عن إبراهيم فَلَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ قال: غير محسوب.
وقد قيل: إن معنى ذلك: فلهم أجر غير مقطوع.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: فلهم أجر غير منقوص, كما كان له أيام صحته وشبابه, وهو عندي من قولهم: جبل مَنِين: إذا كان ضعيفا ومنه قول الشاعر:
أعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوها ثَمَانِيَةٌما فِي عَطائِهِمُ مَنّ وَلا سَرَفُ
يعني: أنه ليس فيه نقص, ولا خطأ.
الآية : 7-8
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بِالدّينِ * أَلَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ }.
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ فقال بعضهم معناه: فمن يكذّبك يا محمد بعد هذه الحجج التي احتججنا بها, بالدين, يعني: بطاعة الله, وما بعثك به من الحقّ, وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: «ما» في معنى «مَنْ», لأنه عُني به ابن آدم, ومن بعث إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما يكذّبك أيها الإنسان بعد هذه الحجج بالدين. ذكر من قال ذلك:
29082ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, قال: قلت لمجاهد: فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بِالدّينِ عُني به النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: مَعاذ الله عُني به الإنسان.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عمن سمع مجاهدا يقول: فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بِالدّينِ قلت: يعني به: النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: مَعاذ الله إنما يعني به الإنسان.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد فَمَا يُكذّبُكَ بَعْدُ بِالدّينِ أَعُنِي به النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله إنما عُني به الإنسان.
29083ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الكلبيّ فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بِالدّينِ؟ إنما يعني الإنسان, يقول: خلقتك في أحسن تقويم, فما يكذّبك أيها الإنسان بعد بالدين.
وقال آخرون: إنما عُنِي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقيل له: استيقن مع ما جاءك من الله من البيان, أن الله أحكم الحاكمين. ذكر من قال ذلك:
29084ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بِالدّينِ أي استيقِن بعد ما جاءك من الله البيانُ ألَيْسَ اللّهَ بِأحْكَمِ الْحاكِمِينَ؟.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى «ما» معنى «مَنْ». ووجه تأويل الكلام إلى: فمن يكذّبك يا محمد بعد الذي جاءك من هذا البيان من الله بالدين؟ يعني: بطاعة الله, ومجازاته العباد على أعمالهم. وقد تأوّل ذلك بعض أهل العربية بمعنى: فما الذي يكذّبك بأن الناس يدانون بأعمالهم؟ وكأنه قال: فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب, بعد ما تبين له خلقنا الإنسان على ما وصفنا.
واختلفوا في معنى قوله: بالدّين فقال بعضهم: بالحساب. ذكر من قال ذلك:
29085ـ حدثنا عبد الرحمن بن الأسود الطّفَاوي, قال: حدثنا محمد بن ربيعة, عن النضر بن عربيّ, عن عكرِمة, في قوله: فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بِالدّينِ قال: الحساب.
وقال آخرون: معناه: بحكم الله. ذكر من قال ذلك:
29086ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بِالدّينِ يقول: ما يكذّبك بحكم الله.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: الدين في هذا الموضع: الجزاء والحساب, وذلك أن أحد معاني الدين في كلام العرب: الجزاء والحساب ومنه قولهم: كما تدين تُدان. ولا أعرف من معاني الدين «الحكم» في كلامهم, إلا أن يكون مرادا بذلك: فما يكذّبك بعد بأمر الله الذي حكم به عليك أن تطيعه فيه؟ فيكون ذلك.
وقوله: ألَيْسَ اللّهُ بِأحْكَمِ الْحاكمِينَ يقول تعالى ذكره: أليس الله يا محمد بأحكم من حكم في أحكامه, وفصل قضائه بين عباده؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ذلك فيما بلغنا قال: بَلى.
29087ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ألَيْسَ اللّهَ بِأحْكَمِ الْحاكِمِينَ؟ ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: «بلى, وأنا على ذلك من الشاهدين».
29088ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن أبيه, عن أبي إسحاق, عن سعيد بن جُبير, قال: كان ابن عباس إذا قرأ: ألَيْسَ اللّهُ بِأحْكَمِ الْحاكِمينَ؟ قال: سبحانك اللهمّ, وَبلى.
29089ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: كان قتادة إذا تلا: ألَيْسَ اللّهُ بِأحْكَمِ الْحاكِمينَ؟ قال: بلى, وأنا على ذلك من الشاهدين, أحسبه كان يرفع ذلك وإذا قرأ: ألَيْسَ ذَلَك بِقادِرٍ عَلى أنْ يُحْيِيَ المَوْتَى؟ قال: بلى, وإذا تلا: فَبِأيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ قال: آمنت بالله, وبما أنزل.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة التين

سورة العلق مكية
وآياتها تسع عشرة
بسم الله الرحمَن الرحيم
الآية : 1-8
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبّكَ الأكْرَمُ * الّذِى عَلّمَ بِالْقَلَمِ * عَلّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلاّ إِنّ الإِنسَانَ لَيَطْغَىَ * أَن رّآهُ اسْتَغْنَىَ * إِنّ إِلَىَ رَبّكَ الرّجْعَىَ }.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: اقْرأْ باسِمِ رَبّكَ محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: اقرأ يا محمد بذكر ربك الّذِي خَلَقَ, ثم بين الذي خلق فقال: خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ عَلَقٍ يعني: من الدم, وقال: من علق والمراد به من علقة, لأنه ذهب إلى الجمع, كما يقال: شجرة وشجر, وقصَبة وقَصَب, وكذلك علقة وعَلَق. وإنما قال: من علق والإنسان في لفظ واحد, لأنه في معنى جمع, وإن كان في لفظ واحد, فلذلك قيل: من عَلَق.
وقوله: اقْرأْ وَرَبّكَ الأكْرَمُ يقول: اقرأ يا محمد وربك الأكرم الّذِي عَلّمَ بِالقَلَمِ: خَلْقَه الكتاب والخط, كما:
29090ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ قرأ حتى بلغ عَلّمَ بِالقَلَمِ قال: القلم: نعمة من الله عظيمة, لولا ذلك لم يقم, ولم يصلح عيش.
وقيل: إن هذه أوّل سورة نزلت في القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
29091ـ حدثني أحمد بن عثمان البصري, قال: حدثنا وهب بن جرير, قال: حدثنا أبي, قال: سمعت النعمان بن راشد يقول عن الزهريّ, عن عروة, عن عائشة أنها قالت كان أوّل ما ابتدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة كانت تجيء مثل فَلَقِ الصبح, ثم حُبّب إليه الخلاء, فكان بغار حِراء يتحنّث فيه اللياليَ ذواتِ العدد, قبل أن يرجع إلى أهله, ثُمّ يَرْجع إلى أهْلِهِ فيتزوّد لمثلها, حتى فجأه الحقّ, فأتاه فقال: يا محمد أنت رسول الله, قال رسول الله: «فَجَثَوْتُ لِرُكَبَتيّ وأنا قائمٌ, ثُمّ رَجَعْتُ تَرْجُفُ بَوَادِرِي, ثُمّ دَخَلْت عَلى خَدِيجَةَ, فَقُلْتُ: زَمّلُونِي زَمّلُونِي, حتى ذَهَبَ عَنّي الرّوْعُ, ثُمّ أتانِي فَقالَ: يا مُحَمّدُ, أنا جِبْرِيلُ وأنْتَ رَسُولُ اللّهِ, قالَ: فَلَقَدْ هَمَمْت أنْ أطْرَحَ نَفْسِي مِنْ حالِقٍ مِنْ جَبَلٍ, فَتَمَثّلَ إليّ حِينَ هَمَمْتُ بذلكَ, فَقالَ: يا مُحمّدُ, أنا جِبْرِيلُ وأنْتَ رَسُولٌ اللّهِ, ثُمّ قالَ: اقْرأْ, قُلْتُ: ما أقْرأُ؟ قال: فأخَذَنِي فَغَطّنِي ثَلاثَ مَرّاتٍ, حتى بَلَغَ مِنّي الجَهْدُ, ثمّ قالَ: اقْرأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ فَقَرأْتُ, فأتَيْتُ خَدِيجَةً, فَقَلْتُ: لَقَدْ أشْفَقْتُ عَلى نَفْسِي, فأخْبَرْتُها خَبَرِي, فَقَالَتْ: أبْشِرْ, فَوَاللّهِ لا يُخْزيكَ اللّهُ أبَدا, وَوَاللّهِ إنّكَ لَتَصِلُ الرّحَمِ, وَتَصْدُقُ الْحَديثَ, وَتُؤَدّي الأمانَةَ, وَتَحْمِلُ الكَلّ, وَتَقْرِي الضّيْفَ, وتُعِينُ عَلى نَوَائِبِ الْحَقّ ثُمّ انْطَلَقَتْ بِي إلى وَرَقَةَ بنِ نَوفَلِ بنِ أسَدٍ, قالَتِ: اسمَعْ مِنِ ابْنِ أخِيكَ, فَسألَنِي, فأخْبَرْتُهُ خَبِري, فَقالَ: هَذَا النّامُوسُ الّذِي أُنْزِلَ عَلى مُوسَى صَلى اللّهُ عليهِ وسلّمَ, لَيْتَنِي فِيها جَذَعٌ لَيْتَنِي أكُونُ حَيّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ, قُلْتُ: أوَ مُخْرِجيّ هُمْ؟ قال: نَعَمْ, إنّهُ لَمْ يَجِىءْ رَجُلٌ قَطّ بِمَا جِئْتَ بِهِ, إلاّ عُودِيَ, وَلَئِنْ أدْرَكَنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرا مُؤَزّرا, ثُمّ كانَ أوّلُ ما نَزَلَ عَليّ مِنَ القُرآنِ بَعْدَ «اقْرأْ»: ن والقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُونٍ وَإنّ لَكَ لأَجْرا غَيرَ مَمْنُونٍ وَإنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ ويُبْصِرُونَ, ويا أيّها المُدّثِرُ قُمْ فأنْذِرْ, والضّحَى وَاللّيْلِ إذَا سَجَى».
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني يونس, عن ابن شهاب, قال: ثني عروة أن عائشة أخبرته, وذكر نحوه, غير أنه لم يقل: ثم كان أوّل ما أُنزل عليّ من القرآن... الكلام إلى آخره.
29092ـ حدثنا ابن أبي الشوارب, قال: حدثنا عبد الواحد, قال: حدثنا سليمان الشيباني, قال: حدثنا عبد الله بن شدّاد, قال: أتى جبريل محمدا, فقال: يا محمد اقرأ, فقال: «وما أقرأ؟» قال: فضمه, ثم قال: يا محمد اقرأ, قال: «وما أقرأ؟» قال: باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ حتى بلغ عَلّمَ الإنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ. قال: فجاء إلى خديجة, فقال: «يا خديجة ما أراه إلا قد عُرِضَ لي», قالت: كّلا, والله ما كان ربك يفعل ذلك بك, وما أتيت فاحشة قطّ قال: فأتت خديجة ورقة, فأخبرته الخبر, قال: لئن كنتِ صادقة إن زوجكِ لنبيّ, ولَيَلْقَينّ من أمته شدّة, ولئن أدركته لأومننّ به قال: ثم أبطأ عليه جبريل, فقالت له خديجة: ما أرى ربك إلا قد قلاك, فأنزل الله: وَالضّحَى واللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى.
29093ـ حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ, قال: حدثنا سفيان, عن الزهريّ, عن عُرْوة, عن عائشة قال إبراهيم: قال سفيان: حفظه لنا ابن إسحاق: إن أوّل شيء أُنزل من القرآن: اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ.
حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري, قال: حدثنا سفيان, عن محمد بن إسحاق, عن الزهريّ عن عروة, عن عائشة, أنّ أوّل سورة أُنزلت من القرآن اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ.
29094ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة, عن عمرو بن دينار, عن عُبيد بن عُمير, قال: أوّل سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ.
قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا شعبة, عن عمرو بن دينار, قال: سمعت عُبيد بن عُمير يقول: فذكر نحوه.
29095ـ حدثنا خلاد بن أسلم, قال: أخبرنا النضر بن شميل, قال: حدثنا قرّة, قال: أخبرنا أبو رجاء العُطارديّ, قال: كنا في المسجد الجامع, ومقرئنا أبو موسى الأشعريّ, كأني أنظر إليه بين بُردين أبيضين قال أبو رجاء: عنه أخذت هذه السورة: اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ وكانت أوّل سورة نزلت على محمد.
29096ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, قال: حدثنا محمد بن إسحاق, عن بعض أصحابه, عن عطاء بن يسار, قال: أوّل سورة نزلت من القرآن اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ.
29097ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن بن مهديّ, قالا: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: أوّل ما نزل من القرآن: اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ وزاد ابن مهدي: ن والْقَلَمِ.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن شعبة, عن عمرو بن دينار, قال: سمعت عُبيد بن عُمير يقول: أوّل ما أنزل من القرآن اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ.
قال: ثنا وكيع, عن قُرّة بن خالد, عن أبي رجاء العطارديّ, قال: إني لأنظر إلى أبي موسى وهو يقرأ القرآن في مسجد البصرة, وعليه بُردان أبيضان, فأنا أخذت منه اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ, وهي أوّلُ سورة أُنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم.
قال: ثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: إن أوّل سورة أُنزلت: اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ. ثم ن والقَلَمِ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
وقوله: عَلّمَ الإنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ يقول تعالى ذكره: علّم الإنسان الخطّ بالقلم, ولم يكن يعلمه, مع أشياء غير ذلك, مما علمه ولم يكن يعلمه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29098ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: عَلّمَ الإنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ قال: علّم الإنسان خَطّا بالقلم.
وقوله: كَلاّ يقول تعالى ذكره: ما هكذا ينبغي أن يكون الإنسان أن يُنْعِمَ عليه ربّه بتسويته خَلقه, وتعليمه ما لم يكن يعلم, وإنعامه بما لا كُفؤَ له, ثم يكفر بربه الذي فعل به ذلك, ويطغى عليه, أن رآه استغنى.
وقوله: إنّ الإنْسانَ لَيَطْغَى أنْ رآهُ اسْتَغْنَى يقول: إن الإنسان ليتجاوز حدّه, ويستكبر على ربه, فيكفر به, لأنْ رأى نفسه استغنت. وقيل: أن رآه استغنى لحاجة «رأى» إلى اسم وخبر, وكذلك تفعل العرب في كل فعل اقتضى الاسمَ والفعلَ, إذا أوقعه المخبر عن نفسه على نفسه, مكنيا عنها فيقول: متى تراك خارجا؟ ومتى تحسبك سائرا؟ فإذا كان الفعل لا يقتضي إلا منصوبا واحدا, جعلوا موضع المكنى نفسه, فقالوا: قتلت نفسك, ولم يقولوا: قتلتك ولا قتلته.
وقوله: إنّ إلى رَبّكَ الرّجْعَى: يقول: إن إلى ربك يا محمد مَرْجِعَه, فذائق من أليم عقابه ما لا قِبَل له به.
الآية : 9-10
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَرَأَيْتَ الّذِي يَنْهَىَ * عَبْداً إِذَا صَلّىَ }.
ذُكر أن هذه الاَية وما بعدها نزلت في أبي جهل بن هشام, وذلك أنه قال فيما بلغنا: لئن رأيت محمدا يصلي, لأطأنّ رقبته وكان فيما ذُكر قد نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي, فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أرأيت يا محمد أبا جهل الذي يَنْهاك أن تصليَ عند المَقام, وهو مُعرض عن الحقّ, مكذّب به, يُعجّب جلّ ثناؤه نبيه والمؤمنين من جهل أبي جهل, وجراءته على ربه, في نهيه محمدا عن الصلاة لربه, وهو مع أياديه عنده مكذّب به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29099ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح. عن مجاهد. في قول الله: أرأَيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى قال: أبو جهل, يَنْهَى محمدا صلى الله عليه وسلم إذا صلى.
29100ـ حدثنا بشر. قال: حدثنا يزيد. قال: حدثنا سعيد. عن قتادة أرأيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى نزلت في عدوّ الله أبي جهل, وذلك لأنه قال: لئن رأيت محمدا يصلّي لأطأنْ على عنقه. فأنزل الله ما تسمعون.
29101ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قول الله: أرأَيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم يصلّي, لأطأنّ على عنقه قال: وكان يقال: «لكل أمة فرعون, وفرعون هذه الأمة أبو جهل».
29102ـ حدثنا إسحاق بن شاهين الواسطيّ, قال: حدثنا خالد بن عبد الله, عن داود, عن عكرِمة, عن ابن عباس, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي, فجاءه أبو جهل, فنهاه أن يُصَلّيَ, فأنزل الله: أرأَيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى... إلى قوله: كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ.
الآية : 11-12
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىَ الْهُدَىَ * أَوْ أَمَرَ بِالتّقْوَىَ }.
يقول تعالى ذكره: أرأَيْتَ إنْ كانَ محمد عَلى الهُدَى يعني: على استقامة وسَدَاد في صلاته لربه أوْ أمَرَ بالتّقْوَى أو أمر محمد هذا الذي يَنْهى عن الصلاة, باتقاء الله, وخوف عقابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29103ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أرأَيْتَ إنْ كانَ عَلى الهُدَى أوْ أمَرَ بالتّقْوَى قال محمد: كان على الهدى, وأمر بالتقوى.
الآية : 13
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَرَأَيْتَ إِن كَذّبَ وَتَوَلّىَ }.
يقول تعالى ذكره: أرأَيْتَ إنْ كَذّبَ أبو جهل بالحقّ الذي بَعَث به محمدا وَتَوَلّى يقول: وأدبر عنه, فلم يصدق به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29104ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أرأَيْتَ إنْ كَذّبَ وَتَوَلّى يعني: أبا جهل.
الآية : 14-19
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَلَمْ يَعْلَم بِأَنّ اللّهَ يَرَىَ * كَلاّ لَئِن لّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُو الزّبَانِيَةَ * كَلاّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب }.
يقول تعالى ذكره: ألم يعلم أبو جهل إذ ينهى محمدا عن عبادة ربه, والصلاة له, بأن الله يراه فيخاف سطوته وعقابه. وقيل: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى, أرأيت إن كان على الهدى, فكررت أرأيت مرات ثلاثا على البدل. والمعنى: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى, وهو مكذّب متولّ عن ربه, ألم يعلم بأن الله يراه.
وقوله: كَلاّ لَئِن لَمْ يَنْتَهِ يقول: ليس كما قال: إنه يطأ عنق محمد, يقول: لا يقدر على ذلك, ولا يصل إليه.
وقوله: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ يقول: لئن لم ينته أبو جهل عن محمد لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ يقول: لنأخذن بمقدّم رأسه, فلنضمنه ولنذلنه يقال منه: سَفَعْتُ بيده: إذا أخذت بيده. وقيل: إنما قيل لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ والمعنى: لنسوّدنّ وجهه, فاكتفى بذكر الناصية من الوجه كله, إذ كانت الناصية في مقدم الوجه. وقيل: معنى ذلك: لنأخذنّ بناصيته إلى النار, كما قال: فَيُؤْخَذُ بالنّوَاصِي وَالأقْدَامِ.
وقوله: ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فخفض ناصية ردّا على الناصية الأولى بالتكرير, ووصف الناصية بالكذب والخطيئة, والمعنى لصاحبها.
وقوله: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ يقول تعالى ذكره: فليدع أبو جهل أهل مجلسه وأنصاره, من عشيرته وقومه, والنادي: هو المجلس.
وإنما قيل ذلك فيما بلغنا, لأن أبا جهل لما نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند المقام, انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأغلظ له, فقال أبو جهل: علام يتوعدني محمد وأنا أكثر أهل الوادي ناديا؟ فقال الله جلّ ثناؤه: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ, فليدع حينئذٍ ناديه, فإنه إن دعا ناديه, دعونا الزبانية. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار, وقال أهل التأويل. ذكر الاَثار المروية في ذلك:
29105ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر وحدثنا أبو كرَيب, قال: حدثنا الحكم بن جميع, قال: حدثنا عليّ بن مُسْهِر, جميعا عن داود بن أبي هند, عن عكرِمة, عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المَقام, فمرّ به أبو جهل بن هشام, فقال: يا محمد, ألم أنهك عن هذا؟ وتوعّده, فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره, فقال: يا محمد بأيّ شيء تهدّدني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا, فأنزل الله: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنْدْعُ الزّبانِيَةَ قال ابن عباس: لو دعا ناديه, أخذته زبانية العذاب من ساعته.
حدثني إسحاق بن شاهين, قال: حدثنا خالد بن عبد الله, عن داود, عن عكرِمة, عن ابن عباس, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي, فجاءه أبو جهل, فنهاه أن يصلي, فأنزل الله: أرأَيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى... إلى قوله: كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فقال: لقد علم أني أكثر هذا الوادي نَاديا, فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم, فتكلم بشيء, قال داود: ولم أحفظه, فأنزل الله: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ فقال ابن عباس: فوالله لو فعل لأخذته الملائكة من مكانه.
29106ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن أبيه, قال: حدثنا نعيم بن أبي هند, عن أبي حازم, عن أبي هريرة, قال: قال أبو جهل: هل يُعَفّر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل نعم, قال: فقال: واللاتِ والعُزّى لئن رأيته يصلي كذلك, لأطأنّ على رقبته, لأُعَفّرنّ وجهه في التراب, قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته, قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكْص على عَقبيه, ويتقي بيديه قال: فقيل له: مالك؟ قال: فقال: إن ببني وبينه خَنْدقا من نار, وهَوْلاً وأجنحة قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ دَنا مِنّي لاخْتَطَفَتْهُ المَلائِكَةُ عُضْوا عُضْوا» قال: وأنزل الله, لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا: كَلاّ إنّ الإنْسانَ لَيَطْغَى أنْ رآهُ اسْتَغْنَى إنّ إلى رَبّكَ الرّجْعَى أرأيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى أرأَيْتَ إنْ كانَ عَلى الهُدَى أوْ أمَرَ بالتّقْوَى أرأَيْتَ إنْ كَذّبَ وَتَوَلّى يعني أبا جهل ألَمْ يَعْلَمْ بِأنّ اللّهَ يَرَى كَلاّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةٍ ناصيةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نادِيَهُ يدعو قومه سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ الملائكة كَلاّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ.
29107ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق, عن الوليد بن العَيْزَار, عن ابن عباس, قال: قال أبو جهل: لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه, فأنزل الله: اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ حتى بلغ هذه الاَية: لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ, فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلي, فقيل له: ما يمنعك؟ قال: «قد اسودّ ما بيني وبينه من الكتائب».. قال ابن عباس: والله لو تحرّك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه.
29108ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا زكريا بن عديّ, قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو, عن عبد الكريم, عن عكرِمة, عن ابن عباس, قال: قال أبو جهل: لئن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة, لاَتينه حتى أطأ على عنقه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ فَعَلَ لأَخَذَتْهُ المَلائِكَةُ عِيانا».
وبالذي قلنا في معنى النادي قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29109ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس في قوله: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ يقول: فليدع ناصره.
29110ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ قال: الملائكة.
29111ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي سنان, عن عبد الله بن أبي الهُذَيل: الزبانية أرجلهم في الأرض, ورؤوسهم في السماء.
29112ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن قتادة, في قوله: سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ فَعَلَ أبُو جَهْلٍ لأَخَذَتْهُ الزّبانِيَةُ المَلائِكَةُ عِيانا».
29113ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ قال: الملائكة.
29114ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الزبانية, قال: الملائكة.
وقوله: كَلاّ يقول تعالى ذكره: ليس الأمر كما يقول أبو جهل, إذ ينهى محمدا عن عبادة ربه, والصلاة له لا تُطِعْهُ يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تُطع أبا جهل فيما أمرك به من ترك الصلاة لربك وَاسْجُدْ لِرَبّكَ وَاقْتَرِبْ منه, بالتحبب إليه بطاعته, فإن أبا جهل لن يقدر على ضرّك, ونحن نمنعك منه.
29115ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة كَلاّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ذُكر لنا أنها نزلت في أبي جهل, قال: لئن رأيتُ محمدا يصلي لأطأنّ عنقه, فأنزل الله: كَلاّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه الذي قال أبو جهل, قال: «لو فعل لاختطفته الزبانية».

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة العلق