تفسير الطبري تفسير الصفحة 596 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 596
597
595
 الآية : 11-18
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدّىَ * إِنّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىَ * وَإِنّ لَنَا لَلاَخِرَةَ وَالاُولَىَ * فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظّىَ * لاَ يَصْلاَهَآ إِلاّ الأشْقَى * الّذِي كَذّبَ وَتَوَلّىَ * وَسَيُجَنّبُهَا الأتْقَى * الّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكّىَ }.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: وَما يُغْني عَنْهُ مالُهُ: أيّ شيء يدفع عن هذا الذي بخل بماله, واستغنى عن ربه, مالُه يوم القيامة إذَا هو تَرَدّى؟.
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إذَا تَرَدّى فقال بعضهم: تأويله: إذا تردّى في جهنم: أي سقط فيها فَهَوى. ذكر من قال ذلك:
28963ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا الأشجعيّ, عن ابن أبي خالد, عن أبي صالح وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إذَا تَرَدّى قال: في جهنم. قال أبو كُرَيب: قد سمع الأشجعيّ من إسماعيل ذلك.
28964ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: إذَا تَرَدّى قال: إذا تردّى في النار.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا مات. ذكر من قال ذلك:
28965ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إذَا تَرَدّى قال: إذا مات.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: إذا تَرَدّى قال: إذا مات.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا الأشجعيّ, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد, قال: إذا مات.
وأَولَى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إذا تردّى في جهنم, لأن ذلك هو المعروف من التردّي فأما إذا أُريد معنى الموت, فإنه يقال: رَدِيَ فلان, وقلما يقال: تردّى.
وقوله: إنّ عَلَيْنا لَلْهُدَى يقول تعالى ذكره: إن علينا لَبيانَ الحقّ من الباطل, والطاعة من المعصية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28966ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّ عَلَيْنا لَلْهُدَى يقول: على الله البيان, بيانُ حلاله وحرامه, وطاعته ومعصيته.
وكان بعض أهل العربية يتأوّله بمعنى: أنه من سلك الهدى فعلى الله سبيله, ويقول: وهو مثل قوله: وَعَلى اللّهِ قَصْدُ السّبِيلِ ويقول: معنى ذلك: من أراد الله فهو على السبيل القاصد, وقال: يقال معناه: إن علينا للهُدى والإضلال, كما قال: سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرّ وهي تقي الحرّ والبرد.
وقوله: وَإنّ لَنا لَلاَخِرَةَ والأُولى يقول: وإن لنا مِلْك ما في الدنيا والاَخرة, نعطي منهما من أردنا من خلقنا, ونحرمه من شئنا.
وإنما عَنَى بذلك جلّ ثناؤه أنه يوفق لطاعته من أحبّ من خلقه, فيكرمه بها في الدنيا, ويهيىء له الكرامة والثواب في الاَخرة, ويخذُل من يشاء خِذلانه من خلقه عن طاعته, فيهينه بمعصيته في الدنيا, ويخزيه بعقوبته عليها في الاَخرة.
ثم قال جلّ ثناؤه: فَأنْذَرْتُكُمْ نارا تَلَظّى يقول تعالى ذكره: فأنذرتكم أيها الناس نارا تتوهّج, وهي نار جهنم, يقول: احذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا, وتكفروا به, فتَصْلَونها في الاَخرة. وقيل: تلظّى, وإنما هي تتلظّى, وهي في موضع رفع, لأنه فعل مستقبل, ولو كان فعلاً ماضيا لقيل: فأنذرتكم نارا تلظّت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28967ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: نارا تَلَظّى قال: تَوَهّج.
وقوله: لا يَصْلاها إلاّ الأشْقَى يقول جلّ ثناؤه: لا يدخلها فيصلى بسعيرها إلاّ الأشقى, الذي كذّبَ وتَوَلّى يقول: الذي كذّب بآيات ربه, وأعرض عنها, ولم يصدّق بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28968ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا هشام بن الغاز, عن مكحول, عن أبي هريرة, قال: لتدخُلنّ الجنة إلاّ من يأبى, قالوا: يا أبا هريرة: ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ قال: فقرأ: الّذِي كَذّبَ وَتَوَلّى.
28969ـ حدثني الحسن بن ناضح, قال: حدثنا الحسن بن حبيب ومعاذ بن معاذ, قالا: حدثنا الأشعث, عن الحسن في قوله: لا يَصْلاها إلاّ الأشْقَى قال مُعاذ: الذي كذّب وتولى, ولم يقله الحسن, قال: المشرك.
وكان بعض أهل العربية يقول: لم يكن كذب بردّ ظاهر, ولكن قصّر عما أمر به من الطاعة, فجُعِل تكذيبا, كما تقول: لقي فلان العدوّ, فكذب إذا نكل ورجع. وذُكر أنه سمع بعض العرب يقول: ليس لحدّهم مكذوبة, بمعنى: أنهم إذا لقوا صدقوا القتال, ولم يرجعوا قال: وكذلك قول الله: لَيَسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ.
وقوله: وَسَيُجَنّبُها الأتْقَى يقول: وَسيُوَقّى صِلِيّ النار التي تلظّى التقيّ, ووضع أفعل موضع فعيل, كما قال طرفة:
تَمَنّى رِجالٌ أنْ أمُوتَ وَإنْ أَمُتْفَتِلكَ سَبيلٌ لَسْتُ فِيها بأَوْحَدِ
وقوله: الّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكّى يقول: الذي يعطي ماله في الدنيا في حقوق الله التي ألزمه إياها, يتزكى: يعني: يتطهر بإعطائه ذلك من ذنوبه.
الآية : 19- 21
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نّعْمَةٍ تُجْزَىَ * إِلاّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبّهِ الأعْلَىَ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىَ }.
كان بعض أهل العربية يوجه تأويل ذلك إلى: وما لأحد من خلق الله عند هذا الذي يؤتى ماله في سبيل الله يتزكى مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى يعني: من يد يكافئه عليها, يقول: ليس ينفق ما ينفق من ذلك, ويعطى ما يعطى, مجازاة إنسان يجازيه على يد له عنده, ولا مكافأة له على نعمة سلفت منه إليه, أنعمها عليه, ولكن يؤتيه في حقوق الله ابتغاء وجه الله. قال: وإلا في هذا الموضع بمعنى لكن وقال: يجوز أن يكون الفعل في المكافأة مستقبلاً, فيكون معناه: ولم يُرِد بما أنفق مكافأة من أحد, ويكون موقع اللام التي في أحد في الهاء التي خفضتها عنده, فكأنك قلت: وما له عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها, قال: وقد تضع العرب الحرف في غير موضعه إذا كان معروفا, واستشهدوا لذلك ببيت النابغة:
وَقَدْ خِفْتُ حتى ما تَزِيدُ مَخافَتِيعلى وَعِلٍ فِي ذِي المَطارَةِ عاقِلِ
والمعنى: حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتي وهذا الذي قاله الذي حكينا قوله من أهل العربية, وزعم أنه مما يجوز هو الصحيح الذي جاءت به الاَثار عن أهل التأويل وقالوا: نزلت في أبي بكر بعَتْقه من أعتق. ذكر من قال ذلك:
28970ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إلاّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى يقول: ليس به مثابة الناس ولا مجازاتهم, إنما عطيته لله.
28971ـ حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي, قال: حدثنا هارون بن معروف. قال: حدثنا بشر بن السريّ, قال: حدثنا مصعب بن ثابت, عن عامر بن عبد الله عن أبيه, قال: نزلت هذه الاَية في أبي بكر الصدّيق: وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إلاّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى.
28972ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: أخبرني سعيد, عن قتادة, في قوله: وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى قال: نزلت في أبي بكر, أعتق ناسا لم يلتمس منهم جزاء ولا شكورا, ستة أو سبعة, منهم بلال, وعامر بن فُهَيرة.
وعلى هذا التأويل الذي ذكرناه عن هؤلاء, ينبغي أن يكون قوله: إلاّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبّهِ الأعْلَى نصبا على الاستثناء من معنى قوله: وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى لأن معنى الكلام: وما يؤتي الذي يؤتي من ماله ملتسما من أحد ثوابه, إلا ابتغاء وجه ربه. وجائز أن يكون نصبه على مخالفة ما بعد إلا ما قبلها, كما قال النابغة:
ت.ت.وَما بالرّبْعِ مِنْ أحَدِ
إلاّ أَوَارِيّ لأَيْا ما أُبَيّنُهات.
وقوله: وَلَسَوْفَ يَرْضَى يقول: ولسوف يرضى هذا المؤتي ماله في حقوق الله عزّ وجلّ, يتزكى بما يثيبه الله في الاَخرة عوضا مما أتى في الدنيا في سبيله, إذا لقي ربه تبارك وتعالى.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة الليل

سورة الضحى مكية
وآياتها إحدى عشرة
بسم الله الرحمَن الرحيم
الآية : 1-8
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَالضّحَىَ * وَاللّيْلِ إِذَا سَجَىَ * مَا وَدّعَكَ رَبّكَ وَمَا قَلَىَ * وَلَلاَخِرَةُ خَيْرٌ لّكَ مِنَ الاُولَىَ * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبّكَ فَتَرْضَىَ * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىَ * وَوَجَدَكَ ضَآلاّ فَهَدَىَ * وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىَ }.
أقسم ربنا جلّ ثناؤه بالضحى, وهو النهار كله, وأحسب أنه من قولهم: ضَحِىَ فلان للشمس: إذا ظهر منه ومنه قوله: وَأنّكَ لا تَظْمأُ فِيها وَلا تَضْحَى: أي لا يصيبك فيها الشمس.
وقد ذكرت اختلاف أهل العلم في معناه, في قوله: والشّمْسِ وَضُحاها مع ذكري اختيارنا فيه. وقيل: عُني به وقت الضحى. ذكر من قال ذلك:
28973ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والضّحَى ساعة من ساعات النهار.
وقوله: وَاللّيْلِ إذَا سَجَى اختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم: معناه: والليل إذا أقبل بظلامه. ذكر من قال ذلك:
28974ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس. وَاللّيلِ إذَا سَجَى يقول: والليل إذا أقبل.
28975ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن, في قول الله: وَاللّيْلِ إذَا سَجَى قال: إذا لَبِس الناسَ, إذا جاء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا ذهب. ذكر من قال ذلك:
28976ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس وَاللّيْلِ إذَا سَجَى يقول: إذا ذهب.
وقال آخرون: معناه: إذا استوى وسكن. ذكر من قال ذلك:
28977ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مِهْران وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع جميعا, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَاللّيْلِ إذَا سَجَى قال: إذا استوى.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَاللّيْلِ إذَا سَجَى قال: إذا استوى.
28978ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَاللّيْلِ إذَا سَجَى سكن بالخلق.
28979ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: وَاللّيْلِ إذَا سَجَى يعني: استقراره وسكونه.
28980ـ حدثني يونس, قال: أخبرني ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَاللّيْلِ إذَا سَجَى قال: إذا سكن, قال: ذلك سَجْوه, كما يكون سكون البحر سجوه.
وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي في ذلك قول من قال معناه: والليل إذا سكن بأهله, وثبت بظلامه, كما يقال: بحر ساج: إذا كان ساكنا ومنه قول أعشى بني ثعلبة.
فَمَا ذَنْبُنا إنْ جاشع بَحْرُ ابنِ عَمّكُمْوَبَحْرُكَ ساجٍ ما يُوَارِي الدّعامِصَا
وقول الراجز:
يا حَبّذَا القَمْرَاءُ وَاللّيْلُ السّاجْوطُرُقٌ مِثْلُ مُلاءِ النّسّاجْ
وقوله: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى وهذا جواب القسم, ومعناه: ما تركك يا محمد ربك وما أبغضك. وقيل: وَما قَلى ومعناه: وما قلاك, اكتفاء بفهم السامع لمعناه, إذ كان قد تقدّم ذلك قولُه: ما وَدّعَكَ فعُرف بذلك أن المخاطب به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28981ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى يقول: ما تركك ربك, وما أبغضك.
28982ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى قال: ما قلاك ربك وما أبغضك قال: والقالي: المبغض.
وذُكر أن هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تكذيبا من الله قريشا في قيلهم لرسول الله, لما أبطأ عليه الوحي: قد ودّع محمدا ربّه وقَلاه. ذكر الرواية بذلك:
28983ـ حدثني عليّ بن عبد الله الدهان, قال: حدثنا مفضل بن صالح, عن الأسود بن قيس العبديّ, عن ابن عبد الله, قال: لما أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت امرأة من أهله, أو من قومه: ودّع الشيطان محمدا, فأنزل الله عليه: وَالضّحَى... إلى قوله: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى.
قال أبو جعفر: ابن عبد الله: هو جُندَب بن عبد الله البَجَلي.
حدثني محمد بن عيسى الدامغاني, ومحمد بن هارون القطان, قالا: حدثنا سفيان, عن الأسود بن قيس سمع جندبا البجليّ يقول: أبطأ جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى قال المشركون: ودّع محمدا ربّه, فأنزل الله: وَالضّحَى واللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الأسود بن قيس, أنه سمع جندبا البَجَليّ قال: قالت امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أرى صاحبك إلا قد أبطأ عنك, فنزلت هذه الاَية: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأسود بن قيس, قال: سمعت جندب بن عبد الله يقول: إن امرأة أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أرى شيطانك إلا قد تركك, فنزلت: والضُحَى وَاللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى.
28984ـ حدثنا ابن أبي الشوارب, قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد, قال: حدثنا سليمان الشيبانيّ, عن عبد الله بن شدّاد أن خديجة قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ما أرى ربك إلا قد قلاك, فأنزل الله: وَالضّحَى وَاللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى.
28985ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى قال: إن جبريل عليه السلام أبطأ عليه بالوحي, فقال ناس من الناس, وهم يومئذٍ بمكة, ما نرى صاحبك إلا قد قلاك فودّعك, فأنزل الله ما تسمع: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلَى.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى قال: أبطأ عليه جبريل, فقال المشركون: قد قلاه ربّه وودّعه, فأنزل الله: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى.
28986ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى مكث جبريل عن محمد صلى الله عليه وسلم, فقال المشركون: قد ودّعه ربه وقلاه, فأنزل الله هذه الاَية.
28987ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى قال: لما نزل عليه القرآن, أبطأ عنه جبريل أياما, فعُيّر بذلك, فقال المشركون: ودّعه ربه وقلاه, فأنزل الله: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى.
28988ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن هشام بن عروة, عن أبيه, قال: أبطأ جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم, فجزع جزعا شديدا, وقالت خديجة: أرى ربك قد قَلاك, مما نرى من جزعك, قال: فنزلت والضّحَى واللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى... إلى آخرها.
وقوله: وَلّلاَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولى يقول تعالى ذكره: وللدار الاَخرة, وما أعدّ الله لك فيها, خير لك من الدار الدنيا وما فيها يقول: فلا تخزن على ما فاتك منها, فإن الذي لك عند الله خير لك منها.
وقوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبّكَ فَتَرْضَى يقول تعالى ذكره: ولسوف يعطيك يا محمد ربك في الاَخرة من فواضل نِعَمه, حتى ترضى. وقد اختلف أهل العلم في الذي وعده من العطاء, فقال بعضهم: هو ما:
28989ـ حدثني به موسى بن سهل الرمليّ, قال: حدثنا عمرو بن هاشم, قال: سمعت الأوزاعيّ يحدّث, عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي, عن عليّ بن عبد الله بن عباس, عن أبيه, قال: عُرِض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده, كَفْرا كَفْرا, فسرّ بذلك, فأنزل الله وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبّكَ فَترْضَى فأعطاه في الجنة ألف قصر, في كلّ قصر, ما ينبغي من الأزواج والخدم.
حدثني محمد بن خلف العسقلانيّ, قال: ثني رَوّاد بن الجراح, عن الأوزاعيّ, عن إسماعيل بن عبيد الله, عن عليّ بن عبد الله بن عباس, في قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبّكَ فَتَرْضَى قال: ألف قصر من لؤلؤ, ترابهنّ المسك, وفيهنّ ما يصلحهنّ.
28990ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبّكَ فَتْرَضَى, وذلك يوم القيامة. وقال آخرون في ذلك ما:
28991ـ حدثني به عباد بن يعقوب, قال: حدثنا الحكم بن ظهير, عن السديّ, عن ابن عباس, في قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبّكَ فَترْضَى قال: من رضا محمد صلى الله عليه وسلم ألاّ يدخل أحد من أهل بيته النار.
وقوله: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيما فآوَى يقول تعالى ذكره معدّدا على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم نِعَمه عنده, ومذكّره آلاءه قِبَلَه: ألم يجدك يا محمد ربك يتيما فآوى, يقول: فجعل لك مَأْوًى تأوي إليه, ومنزلاً تنزله وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى ووجدك على غير الذي أنت عليه اليوم. وقال السديّ في ذلك ما:
28992ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مِهْران, عن السديّ وَوَجَدَكَ ضَالاً قال: كان على أمر قومه أربعين عاما. وقيل: عُنِي بذلك: ووجدك في قوم ضُلاّل فهداك.
وقوله: وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأغْنَى يقول: ووجدك فقيرا فأغناك, يقال منه: عال فلان يَعيل عَيْلَة, وذلك إذا افتقر ومنه قول الشاعر:
فَمَا يَدْرِي الفَقِيرُ مَتى غِناهوَما يَدْرِي الغَنِيّ مَتى يَعِيلُ
يعني: متى يفتقر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28993ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مِهْران, عن سفيان وَوَجَدَكَ عائِلاً فقيرا. وذُكر أنها في مصحف عبد الله: «وَوَجَدَكَ عَدِيما فآوَى».
28994ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيما فآوَى وَوَجَدَك ضَالاّ فَهَدَى وَوَجَدَكَ عائِلاً فأغْنَى قال: كانت هذه منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم, قبل أن يبعثه الله سبحانه وتعالى.
الآية : 9-11
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَأَمّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمّا السّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ * وَأَمّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فَأمّا الْيَتِيمَ يا محمد فَلا تَقْهَرْ يقول: فلا تظلمه, فتذهب بحقه, استضعافا منك له, كما:
28995ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَأمّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ: أي لا تظلم.
28996ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مِهْران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد فَأمّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ قال: تُغْمِصْه وَتَحْقِرْه. وذُكر أن ذلك في مصحف عبد الله: «فَلا تَكْهَرْ».
وقوله: وَأمّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ يقول: وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره, ولكن أطعمه واقض له حاجته وَأمّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ: يقول: فاذكره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28997ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, عن أبي بشر, عن مجاهد, في قوله: وَأمّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ قال: بالنبوّة.
28998ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: حدثنا سعيد بن إياس الجريريّ, عن أبي نضرة, قال: كان المسلمون يرون أن من شُكْرِ النعم أن يحدّثَ بها.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة الضحى

سورة الشرح مكية
وآياتها ثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الآية : 1-8
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الّذِيَ أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَىَ رَبّكَ فَارْغَبْ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, مذكّره آلاءه عنده, وإحسانه إليه, حاضا له بذلك على شكره على ما أنعم عليه, ليستوجب بذلك المزيد منه: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ يا محمد, للهدى والإيمان بالله ومعرفة الحقّ صَدْرَكَ فنلين لك قلبك, ونجعله وعاء للحكمة وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ يقول: وغفرنا لك ما سلف من ذنوبك, وحططنا عنك ثقل أيام الجاهلية التي كنت فيها وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر: «وَحَلَلْنا عَنْكَ وِقْرَكَ» الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ يقول: الذي أثقل ظهرك فأوهنه, وهو من قولهم للبعير إذا كان رجيع سفر, قد أوهنه السفر, وأذهب لحمه: هو نِقْضُ سَفَر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28999ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ قال: ذنبك.
وقوله: أنْقَضَ ظَهْرَكَ قال: أثقل ظهرك.
29000ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أَلَمَ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ: كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته, فغفرها الله له.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: أنْقَضَ ظَهْرَكَ قال: كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته, فغفرها الله له.
29001ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ يعني: الشرك الذي كان فيه.
29002ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ قال: شرح له صدرَه, وغفر له ذنبَه الذي كان قبل أن يُنَبأ, فوضعه. وفي قوله: الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ قال: أثقله وجهده, كما يُنْقِضُ البعيرَ حِمْله الثقيل, حتى يصير نِقْضا بعد أن كان سمينا وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ قال: ذنبك الذي أنقض ظهرك: أثقل ظهرَك, ووضعناه عنك, وخفّفنا عنك ما أثقل ظهرَك.
وقوله: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ يقول: ورفعنا لك ذكرك, فلا أُذْكَرُ إلا ذُكِرْتَ معي, وذلك قول: لا إله إلا الله, محمد رسول الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29003ـ حدثنا أبو كُريب وعمرو بن مالك, قالا: حدثنا سفيان بن عيينة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ قال: لا أُذْكَرُ إلا ذُكِرْتَ معي: أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمدا رسول الله.
29004ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ابْدَؤُوا بالعُبُودَةِ, وَثَنّوا بالرسالة» فقلت لمعمر, قال: أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمدا عبده, فهو العبودة, ورسوله أن تقول: عبده ورسوله.
29005ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتاة وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ رفع الله ذكره في الدنيا والاَخرة, فليس خطيب, ولا متشهد, ولا صاحب صلاة, إلا ينادي بها: أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمدا رسول الله.
29006ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا عمرو بن الحرث, عن درّاج, عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخُدْرِيّ, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنه قال: «أتانِي جِبْرِيلُ فَقالَ: إنّ رَبّي وَرَبّكَ يَقُولُ: كَيْفَ رَفَعْتُ لَكَ ذِكْرَكَ؟ قال: اللّهُ أعْلَمُ, قال: إذَا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ مَعِي».
وقوله: فَإنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا إنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فإنّ مع الشدّة التي أنت فيها, من جهاد هؤلاء المشركين, ومِن أوّله: ما أنت بسبيله, رجاءً وفرجا بأن يُظْفِرَك بهم, حتى ينقادوا للحقّ الذي جئتهم به طوعا وكَرها.
ورُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن هذه الاَية لما نزلت, بَشّر بها أصحابه وقال: «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ». ذكر من قال ذلك:
29007ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, قال: سمعت يونس, قال: قال الحسن: لما نزلت هذه الاَية فَإنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبْشِرُوا أتاكُمُ اليُسْرُ, لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ».
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن يونس, عن الحسن, مثله, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا عوف, عن الحسن, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, بنحوه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن, قال: خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم يوما مسرورا فَرِحا وهو يضحك, وهو يقول: «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ, لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ فَإنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا إنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا».
29008ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَإنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا ذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشّر أصحابه بهذه الاَية, فقال: «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن».
29009ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا سعيد, عن معاوية بن قرة أبي إياس, عن رجل, عن عبد الله بن مسعود, قال: لو دخل العسر في جُحْر, لجاء اليسر حتى يدخل عليه, لأن الله يقول: فَإنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا إنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن شعبة, عن رجل, عن عبد الله, بنحوه.
29010ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: إنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا قال: يتبع اليسرُ العُسرَ.
وقوله: فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: فإذا فرٍعت من صلاتك, فانصب إلى ربك في الدعاء, وسله حاجاتك. ذكر من قال ذلك:
29011ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: فَإذَا فَرَغْتَ فانْصبْ يقول: في الدعاء.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ يقول: فإذا فرغت مما فُرض عليك من الصلاة فسل الله, وارغب إليه, وانصَب له.
29012ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ قال: إذا قمت إلى الصلاة فانصَب في حاجتك إلى ربك.
29013ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ يقول: من الصلاة المكتوبة قبل أن نسلّم, فانصَب.
29014ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ وَإلى رَبّكَ فارْغَبْ قال: أمره إذا فرغ من صلاته أن يبالغ في دعائه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: فَإذَا فَرَغْتَ من صلاتك فانْصَبْ في الدعاء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فَإذَا فَرَغْتَ من جهاد عدوّك فانْصَبْ في عبادة ربك. ذكر من قال ذلك:
29015ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الحسن في قوله: فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ قال: أمره إذا فرغ من غزوه, أن يجتهد في الدعاء والعبادة.
29016ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ قال عن أبيه: فإذا فرغت من الجهاد, جهاد العرب, وانقطع جهادهم, فانصَب لعبادة الله وَإلى رَبّكَ فارْغَبْ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فإذا فرغت من أمر دنياك, فانصب في عبادة ربك. ذكر من قال ذلك:
29017ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مِهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ قال: إذا فرغت من أمر الدنيا فانصَب, قال: فصلّ.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ قال: إذا فرغت من أمر دنياك فانصَب, فصلّ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: فَإذَا فَرَغْتَ قال: إذا فرغت من أمر الدنيا, وقمت إلى الصلاة, فاجعل رغبتك ونيتك له.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب, قول من قال: إن الله تعالى ذكره, أمر نبيه أن يجعل فراغه من كلّ ما كان به مشتغلاً, من أمر دنياه وآخرته, مما أدّى له الشغل به, وأمره بالشغل به إلى النصب في عبادته, والاشتغال فيما قرّبه إليه, ومسألته حاجاته, ولم يخصُصْ بذلك حالاً من أحوال فراغه دون حال, فسواء كلّ أحوال فراغه, من صلاة كان فراغه, أو جهاد, أو أمر دنيا كان به مشتغلاً, لعموم الشرط في ذلك, من غير خصوص حال فراغ, دون حال أخرى.
وقوله: وَإلى رَبّكَ فارْغَبْ يقول تعالى ذكره: وإلى ربك يا محمد فاجعل رغبتك, دون من سواه من خلقه, إذ كان هؤلاء المشركون من قومك قد جعلوا رغبتهم في حاجاتهم إلى الاَلهة والأنداد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29018ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد وَإلى رَبّكَ فارْغَبْ قال: اجعل نيتك ورغبتك إلى الله.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد وَإلى رَبّكَ فارْغَبْ قال: اجعل رغبتك ونيتك إلى ربك.
29019ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَإلى رَبّكَ فارْغَبْ قال: إذا قمت إلى الصلاة.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة الشرح