تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 104 من سورةالبقرة - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
[ سورة البقرة: 104]

معنى و تفسير الآية 104 من سورة البقرة : ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا


كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلمهم أمر الدين: رَاعِنَا - أي: راع أحوالنا, فيقصدون بها معنى صحيحا، وكان اليهود يريدون بها معنى فاسدا, فانتهزوا الفرصة, فصاروا يخاطبون الرسول بذلك, ويقصدون المعنى الفاسد، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة, سدا لهذا الباب، ففيه النهي عن الجائز, إذا كان وسيلة إلى محرم، وفيه الأدب, واستعمال الألفاظ, التي لا تحتمل إلا الحسن, وعدم الفحش, وترك الألفاظ القبيحة, أو التي فيها نوع تشويش أو احتمال لأمر غير لائق، فأمرهم بلفظة لا تحتمل إلا الحسن فقال: وَقُولُوا انْظُرْنَا فإنها كافية يحصل بها المقصود من غير محذور، وَاسْمَعُوا لم يذكر المسموع, ليعم ما أمر باستماعه، فيدخل فيه سماع القرآن, وسماع السنة التي هي الحكمة, لفظا ومعنى واستجابة، ففيه الأدب والطاعة.

تفسير البغوي : مضمون الآية 104 من سورة البقرة


قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وذلك أن المسلمين كانوا يقولون راعنا يا رسول الله، من المراعاة أي أرعنا سمعك، أي فرغ سمعك لكلامنا، يقال: أرعى إلى الشيء، ورعاه، وراعاه، أي أصغى إليه واستمعه، وكانت هذه اللفظة (شيئاً) قبيحاً بلغة اليهود، وقيل: وكان معناها عندهم اسمع لا سمعت.
وقيل: هي من الرعونة إذا أرادوا أن يحمقوا إنساناً قالوا له: راعنا بمعنى يا أحمق فلما سمع اليهود هذه اللفظة من المسلمين قالوا فيما بينهم: كنا نسب محمداً سراً، فأعلنوا به الآن، فكانوا يأتونه ويقولون: راعنا يا محمد، ويضحكون فيما بينهم، فسمعها سعد بن معاذ ففطن لها، وكان يعرف لغتهم، فقال لليهود: لئن سمعتها من أحدكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه، فقالوا: أو لستم تقولونها؟ فأنزل الله تعالى: لا تقولوا راعنا كيلا يجد اليهود بذلك سبيلا إلى شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقولوا انظرنا أي انظر إلينا، وقيل: انتظرنا وتأن بنا، يقال: نظرت فلاناً وانتظرته، ومنه قوله تعالى: انظرونا نقتبس من نوركم [13-الحديد]، قال مجاهد: "معناها فهمناه".
واسمعوا ما تؤمرون به وأطيعوا.
وللكافرين يعني اليهود.
عذاب أليم.

التفسير الوسيط : ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا


ثم وجه القرآن نداء إلى المؤمنين نهاهم فيه عن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ معينة حتى لا يتخذها اليهود ذريعة للإِساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى :{ يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ ... }راعِنا من المراعاة، وهي المبالغة في الرعي بمعنى حفظ الغير، وإمهاله، وتدبير أموره، وتدارك مصالحه، وكان المؤمنون يقولون لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا حدثهم بحديث راعنا يا رسول الله، أى: راقبنا وانظرنا حتى نفهم كلامك ونحفظه، فتلقف اليهود هذه الكلمة لموافقتها كلمة سيئة عندهم، وأخذوا يلوون بها ألسنتهم، ويقولون «راعنا» يا أبا القاسم، يظهرون أنهم يريدون طلب المراعاة والانتظار، وهم يريدون في الحقيقة الإساءة إليه صلّى الله عليه وسلّم إذ أن هذه الكلمة عبرية كانوا يتسابون بها يقصدون جعله راعيا من رعاة الغنم أو من الرعونة التي هي الحمق والخفة، فنهى الله-تبارك وتعالى- المسلمين عن استعمال هذه الكلمة حتى لا يتخذها اليهود وسيلة إلى إيذاء النبي صلّى الله عليه وسلّم والتنقيص من شأنه.
قال قتادة: «كانت اليهود تقول للنبي صلّى الله عليه وسلّم راعنا سمعك، يستهزئون بذلك وكانت- هذه الكلمة- في اليهود قبيحة» .
وقال الإمام ابن كثير: «نهى الله-تبارك وتعالى- عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم،وذلك أن اليهود كانوا يعلنون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص فإذا أرادوا أن يقولوا:اسمع لنا، يقولوا راعنا يورون بالرعونة كما قال تعالى:مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا، وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ، وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ، فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا.
وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلموا، إنما يقولون السام عليكم والسام هو الموت ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بقولنا وعليكم، وأنما يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا، والغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا».
وقال الإمام ابن تيمية: «كان المسلمون يقولون راعنا يا رسول الله وأرعنا سمعك، يعنون المراعاة، وكانت هذه اللفظة سبا قبيحا بلغة اليهود فلما سمعتها اليهود اغتنموها وقالوا فيما بينهم: كنا نسب محمدا سرا فأعلنوا له الآن بالشتم، وكانوا يأتونه ويقولون: راعنا يا محمد ويضحكون فيما بينهم، فسمعها «سعد بن معاذ» ففطن لهم، - وكان يعرف لغتهم- فقال لليهود: عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده يا معشر اليهود لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأضر بن عنقه، فقالوا: أولستم تقولونها، فأنزل الله-تبارك وتعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا لكي لا يتخذ اليهود ذلك سبيلا إلى شتم الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
ثم أرشد الله-تبارك وتعالى- المؤمنين إلى ما يقولونه بدل هذه الكلمة فقال تعالى: وَقُولُوا انْظُرْنا أى: لا تقولوا تلك الكلمة- وهي راعِنا أيها المؤمنون لئلا يتخذها اليهود ذريعة لسب نبيكم صلّى الله عليه وسلّم وقولوا مكانها «انظرنا» أى: انتظرنا وتأن معنا حتى نفهم عنك، من نظر بمعنى انتظر تقول نظرت الرجل انظره إذا انتظرته وارتقبته، وبهذا المعنى ورد قوله تعالى انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ أى: انتظرونا نقتبس من نوركم.
فالآية الكريمة تنبيه وإرشاد إلى الأدب الجميل، وهو أن يتجنب الإنسان في مخاطباته الألفاظ التي توهم جفاء أو تنقيصا في مقام يقتضى إظهار مودة أو تعظيم.
ثم بين- سبحانه - مصير اليهود المؤلم جزاء تعديهم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ، أى: لهؤلاء اليهود الذين اتخذوا كلمة راعِنا وسيلة إلى سب الرسول صلّى الله عليه وسلّم عذاب أليم جزاء كفرهم وتطاولهم وسفاهتهم.
هذا، وقد وردت أحاديث صحيحة صرحت بأن اليهود كانوا يحيون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكلام محرف لا يفطن له أكثر الناس يقصدون به الدعاء عليه بالموت، فكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يرد عليهم بما يكبتهم ويخزيهم ومن هذه الأحاديث ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك قال:1- مر يهودي برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال السام عليك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم {وعليك} ، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه- أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال يقول {السام عليك} قالوا يا رسول الله ألا نقتله.
قال: {لا، إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم} .
2- وأخرج الشيخان عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:دخل رهط من اليهود على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا:السام عليك قالت عائشة: ففهمتها، فقلت: عليكم السام واللعنة، قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله» فقلت يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا؟قال «لقد قلت وعليكم» .
3- وروى مسلّم عن جابر بن عبد الله قال: «سلّم ناس من اليهود على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا السام عليك يا أبا القاسم فقال: «وعليكم» فقالت عائشة وغضبت: ألم تسمع ما قالوا: قال بلى قد سمعت فرددت عليهم، وإنما نجاب ولا يجابون علينا» «3» .
وإذن فالآية الكريمة وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا إلخ، وهذه الأحاديث الشريفة تثبت أن اليهود كانوا يستعملون من بين مسالكهم الخبيثة لكيد الدعوة الإسلامية القول الملتوى القبيح، والخطاب المحرف السيئ، ولكن الله-تبارك وتعالى- أحبط خطتهم، ونهى المؤمنين عن استعمال الألفاظ التي كان يتخذها اليهود ذريعة لبلوغ مآربهم، وكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يرد عليهم بما يغيظهم ويخزيهم، وبذلك ذهبت مكايد اليهود أدراج الرياح وأيد الله-تبارك وتعالى- رسوله والمؤمنين بقوته ونصره.
ثم نبه القرآن المؤمنين إلى ما يضمره لهم المشركون وأهل الكتاب وعلى رأسهم اليهود- من شرور وأحقاد فقال- تعالى:

تفسير ابن كثير : شرح الآية 104 من سورة البقرة


نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم ، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص عليهم لعائن الله فإذا أرادوا أن يقولوا : اسمع لنا يقولون : راعنا . يورون بالرعونة ، كما قال تعالى : ( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) [ النساء : 46 ] وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم ، بأنهم كانوا إذا سلموا إنما يقولون : السام عليكم . والسام هو : الموت . ولهذا أمرنا أن نرد عليهم ب " وعليكم " . وإنما يستجاب لنا فيهم ، ولا يستجاب لهم فينا .والغرض : أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا . فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم )وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت ، حدثنا حسان بن عطية ، عن أبي منيب الجرشي ، عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت بين يدي الساعة بالسيف ، حتى يعبد الله وحده لا شريك له . وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم " .وروى أبو داود ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به " من تشبه بقوم فهو منهم "ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد ، على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم ، ولباسهم وأعيادهم ، وعباداتهم وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا ولم نقرر عليها .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا مسعر ، عن معن وعون أو أحدهما أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود ، فقال : اعهد إلي . فقال : إذا سمعت الله يقول ( ياأيها الذين آمنوا ) فأرعها سمعك ، فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه .وقال الأعمش ، عن خيثمة ، قال : ما تقرؤون في القرآن : ( ياأيها الذين آمنوا ) فإنه في التوراة : " يا أيها المساكين " .وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( راعنا ) أي : أرعنا سمعك .وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ( ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا ) قال : كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم أرعنا سمعك . وإنما ( راعنا ) كقولك : عاطنا .وقال ابن أبي حاتم : وروي عن أبي العالية ، وأبي مالك ، والربيع بن أنس ، وعطية العوفي ، وقتادة ، نحو ذلك .وقال مجاهد : ( لا تقولوا راعنا ) لا تقولوا خلافا . وفي رواية : لا تقولوا : اسمع منا ونسمع منك .وقال عطاء : ( لا تقولوا راعنا ) كانت لغة تقولها الأنصار فنهى الله عنها .وقال الحسن : ( لا تقولوا راعنا ) قال : الراعن من القول السخري منه . نهاهم الله أن يسخروا من قول محمد صلى الله عليه وسلم ، وما يدعوهم إليه من الإسلام . وكذا روي عن ابن جريج أنه قال مثله .وقال أبو صخر : ( لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا أدبر ناداه من كانت له حاجة من المؤمنين ، فيقول : أرعنا سمعك . فأعظم الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقال ذلك له .وقال السدي : كان رجل من اليهود من بني قينقاع ، يدعى رفاعة بن زيد يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا لقيه فكلمه قال : أرعني سمعك واسمع غير مسمع . وكان المسلمون يحسبون أن الأنبياء كانت تفخم بهذا ، فكان ناس منهم يقولون : اسمع غير مسمع : غير صاغر . وهي كالتي في سورة النساء . فتقدم الله إلى المؤمنين أن لا يقولوا : راعنا .وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، بنحو من هذا .قال ابن جرير : والصواب من القول في ذلك عندنا : أن الله نهى المؤمنين أن يقولوا لنبيه صلى الله عليه وسلم : راعنا ; لأنها كلمة كرهها الله تعالى أن يقولها لنبيه صلى الله عليه وسلم ، نظير الذي ذكر عن النبي قال : " لا تقولوا للعنب الكرم ، ولكن قولوا : الحبلة . ولا تقولوا : عبدي ، ولكن قولوا : فتاي " . وما أشبه ذلك .

تفسير الطبري : معنى الآية 104 من سورة البقرة


القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَاقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (لا تقولوا راعنا).
فقال بعضهم: تأويله: لا تقولوا خلافا.
* ذكر من قال ذلك:1720 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن ابن جريج, عن عطاء في قوله: (لا تقولوا راعنا)، قال: لا تقولوا خلافا.
1721 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن بمجاهد: (لا تقولوا راعنا)، لا تقولوا خلافا.
1722 - وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
1723 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان, عن رجل عن مجاهد مثله.
1724 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان, عن مجاهد مثله.
* * *وقال آخرون: تأويله: أَرْعِنَا سمعك.
أي: اسمع منا ونسمع منك.
* ذكر من قال ذلك:1725 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قوله: (راعنا)، أي: أَرْعِنا سمعك.
1726 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله جل وعز: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا)، لا تقولوا اسمع منا ونسمع منك.
1727 - وحدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (راعنا)، قال: كان الرجل من المشركين يقول: أَرْعِني سمعك.
* * *ثم اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نهى الله المؤمنين أن يقولوا " راعنا ".
فقال بعضهم: هي كلمة كانت اليهود تقولها على وجه الاستهزاء والمسبة, فنهى الله تعالى ذكره المؤمنين أن يقولوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:1728 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) قول كانت تقوله اليهود استهزاء, فزجر الله المؤمنين أن يقولوا كقولهم.
1729 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري, عن فضيل بن مرزوق, عن عطية: (لا تقولوا راعنا)، قال: كان أناس من اليهود يقولون أرعنا سمعك! حتى قالها أناس من المسلمين: فكره الله لهم ما قالت اليهود فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا)، كما قالت اليهود والنصارى.
1730 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا)، قال: كانوا يقولون: راعنا سمعك! فكان اليهود يأتون فيقولون مثل ذلك مستهزئين, فقال الله: (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا).
1731 - وحدثت عن المنجاب قال، حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس في قوله: (لا تقولوا راعنا)، قال: كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: راعنا سمعك! وإنما " راعنا " كقولك، عاطنا.
1732 - وحدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) قال: " راعنا " القول الذي قاله القوم، قالوا: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ [سورة النساء: 46] قال: " قال: هذا الراعن " - والراعن: الخطاء - قال: فقال للمؤمنين: لا تقولوا خطاء، كما قال القوم، وقولوا: انظرنا واسمعوا.
قال: كانوا ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويكلمونه، ويسمع منهم, ويسألونه ويجيبهم.
(132)* * *وقال آخرون: بل هي كلمة كانت الأنصار في الجاهلية تقولها, فنهاهم الله في الإسلام أن يقولوها لنبيه صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:1733 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثني هشيم قال، أخبرنا عبد الرزاق, عن عطاء في قوله: (لا تقولوا راعنا)، قال: كانت لغة في الأنصار في الجاهلية, فنزلت هذه الآية: (لا تقولوا راعنا) ولكن قولوا انظرنا) إلى آخر الآية.
1734 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم, عن عبد الملك, عن عطاء قال: (لا تقولوا راعنا)، قال: كانت لغة في الأنصار.
1735 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن عبد الملك, عن عطاء مثله.
1736 - وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق, عن ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: (لا تقولوا راعنا)، قال: إن مشركي العرب كانوا إذا حدث بعضهم بعضا يقول أحدهم لصاحبه: أَرْعِني سمعك! فنهوا عن ذلك.
1737 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: " راعنا "، قول الساخر.
فنهاهم أن يسخروا من قول محمد صلى الله عليه وسلم.
* * *وقال بعضهم: بل كان ذلك كلام يهودي من اليهود بعينه، يقال له: رفاعة بن زيد.
كان يكلم النبي صلى الله عليه وسلم به على وجه السب له, وكان المسلمون أخذوا ذلك عنه, فنهى الله المؤمنين عن قيله للنبي صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:1738 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا)، كان رجل من اليهود - من قبيلة من اليهود يقال لهم بنو قينقاع - كان يدعى رفاعة بن زيد بن السائب - قال أبو جعفر: هذا خطأ، إنما هو ابن التابوت، ليس ابن السائب - كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم, فإذا لقيه فكلمه قال: (133) أَرْعِني سمعك، واسمع غير مسمع = فكان المسلمون يحسبون أن الأنبياء كانت تفخم بهذا, فكان ناس منهم يقولون: " اسمع غير مسمع ", كقولك اسمع غير صاغر = وهي التي في النساء مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ [سورة النساء: 46]، يقول: إنما يريد بقوله طعنا في الدين.
ثم تقدم إلى المؤمنين فقال: " لا تقولوا راعنا ".
(134)* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في نهي الله جل ثناؤه المؤمنين أن يقولوا لنبيه: " راعنا " أن يقال: إنها كلمة كرهها الله لهم أن يقولوها لنبيه صلى الله عليه وسلم, نظير الذي ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:1739 -" لا تقولوا للعنب الكرم، ولكن قولوا: الحبَلة ".
(135)1740 - و " لا تقولوا: عبدي، ولكن قولوا: فتاي".
(136)وما أشبه ذلك، من الكلمتين اللتين تكونان مستعملتين بمعنى واحد في كلام العرب, فتأتي الكراهة أو النهي باستعمال إحداهما، واختيار الأخرى عليها في المخاطبات.
* * *فإن قال لنا قائل: فإنا قد علمنا معنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم في " العنب " أن يقال له " كرم ", وفي" العبد " أن يقال له " عبد ", فما المعنى الذي في قوله: (راعنا) حينئذ، الذي من أجله كان النهي من الله جل ثناؤه للمؤمنين عن أن يقولوه, حتى أمرهم أن يؤثروا قوله: انْظُرْنَا ؟قيل: الذي فيه من ذلك, نظير الذي في قول القائل: " الكرم " للعنب, و " العبد " للمملوك.
وذلك أن قول القائل: " عبدي" لجميع عباد الله, فكره للنبي صلى الله عليه وسلم أن يضاف بعض عباد الله - بمعنى العبودية - إلى غير الله, وأمر أن يضاف ذلك إلى غيره، بغير المعنى الذي يضاف إلى الله عز وجل, فيقال: " فتاي".
وكذلك وجه نهيه في" العنب " أن يقال: " كرم " خوفا من توهم وصفه بالكرَم, وإن كانت مُسَكَّنَة, فإن العرب قد تسكن بعض الحركات إذا تتابعت على نوع واحد.
فكره أن يتصف بذلك العنب.
فكذلك نهى الله عز وجل المؤمنين أن يقولوا: " راعنا ", لما كان قول القائل: " راعنا " محتملا أن يكون بمعنى احفظنا ونحفظك، وارقبنا ونرقبك.
من قول العرب بعضهم لبعض: " رعاك الله ": بمعنى حفظك الله وكلأك - ومحتملا أن يكون بمعنى: أَرْعنا سمعك, من قولهم: " أرعيت سمعي إرعاء - أو راعيته - سمعي رِعاء أو مراعاة ", بمعنى: فرغته لسماع كلامه.
كما قال الأعشى ميمون بن قيس:يُرْعِي إلى قول سادات الرجال إذاأبدوا له الحزم أو ما شاءه ابتدعا (137)يعني بقوله " يرعى "، يصغي بسمعه إليه مفرغه لذلك.
وكان الله جل ثناؤه قد أمر المؤمنين بتوقير نبيه صلى الله عليه وسلم وتعظيمه, حتى نهاهم جل ذكره فيما نهاهم عنه عن رفع أصواتهم فوق صوته، وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض، وخوفهم على ذلك حبوط أعمالهم.
(138) فتقدم إليهم بالزجر لهم عن أن يقولوا له من القول ما فيه جفاء, وأمرهم أن يتخيروا لخطابه من الألفاظ أحسنها, ومن المعاني أرقها.
فكان من ذلك قولهم: (راعنا) لما فيه من احتمال معنى: ارعنا نرعاك, إذ كانت المفاعلة لا تكون إلا من اثنين, كما يقول القائل: " عاطنا، وحادثنا، وجالسنا ", بمعنى: افعل بنا ونفعل بك - (139) ومعنى: أرعنا سمعك، حتى نفهمك وتفهم عنا.
فنهى الله تعالى ذكره أصحاب محمد أن يقولوا ذلك كذلك، وأن يفردوا مسألته بانتظارهم وإمهالهم، ليعقلوا عنه بتبجيل منهم له وتعظيم, وأن لا يسألوه ما سألوه من ذلك على وجه الجفاء والتجهم منهم له, ولا بالفظاظة والغلظة, تشبها منهم باليهود في خطابهم نبي الله صلى الله عليه وسلم، بقولهم له: (اسمع غير مسمع وراعنا).
يدل على صحة ما قلنا في ذلك قوله: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ، (140) فدل بذلك أن الذي عاتبهم عليه، مما يسر اليهود والمشركين.
* * *فأما التأويل الذي حكي عن مجاهد في قوله: (راعنا) أنه بمعنى: خلافا, فمما لا يعقل في كلام العرب.
لأن " راعيت " في كلام العرب إنما هو على أحد وجهين: أحدهما بمعنى " فاعلت " من " الرِّعْية " وهي الرِّقبة والكَلاءة.
والآخر بمعنى إفراغ السمع, بمعنى " أرعيته سمعي".
وأما " راعيت " بمعنى " خالفت ", فلا وجه له مفهوم في كلام العرب.
إلا أن يكون قرأ ذلك بالتنوين، ثم وجهه إلى معنى الرعونة والجهل والخطأ, على النحو الذي قال في ذلك عبد الرحمن بن زيد, فيكون لذلك - وإن كان مخالفا قراءة القراء - معنى مفهوم حينئذ.
* * *وأما القول الآخر الذي حكي عن عطية ومن حكي ذلك عنه: أن قوله: (راعنا) كانت كلمة لليهود بمعنى السب والسخرية, فاستعملها المؤمنون أخذا منهم ذلك عنهم، فإن ذلك غير جائز في صفة المؤمنين: أن يأخذوا من كلام أهل الشرك كلاما لا يعرفون معناه، ثم يستعملونه بينهم وفي خطاب نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ولكنه جائز أن يكون ذلك مما روي عن قتادة، أنها كانت كلمة صحيحة مفهومة من كلام العرب، وافقت كلمة من كلام اليهود بغير اللسان العربي، هي عند اليهود سب, وهي عند العرب: أرعني سمعك وفرغه لتفهم عني.
فعلم الله جل ثناؤه معنى اليهود في قيلهم ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم, وأن معناها منهم خلاف معناها في كلام العرب, فنهى الله عز وجل المؤمنين عن قيلها للنبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يجترئ من كان معناه في ذلك غير معنى المؤمنين فيه، أن يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم به.
وهذا تأويل لم يأت الخبر بأنه كذلك، من الوجه الذي تقوم به الحجة.
وإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بتأويل الآية ما وصفنا, إذ كان ذلك هو الظاهر المفهوم بالآية دون غيره.
* * *وقد حكي عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: (لا تقولوا راعنا) بالتنوين, بمعنى: لا تقولوا قولا " راعنا ", من " الرعونة " وهي الحمق والجهل.
وهذه قراءة لقراء المسلمين مخالفة, فغير جائز لأحد القراءة بها لشذوذها وخروجها من قراءة المتقدمين والمتأخرين، وخلافِها ما جاءت به الحجة من المسلمين.
ومن نون " راعنا " نونه بقوله: (لا تقولوا)، لأنه حينئذ عامل فيه.
ومن لم ينونه فإنه ترك تنوينه لأنه أمر محكي.
لأن القوم كأنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: (راعنا)، بمعنى مسألته: إما أن يرعيهم سمعه, وإما أن يرعاهم ويرقبهم - على ما قد بينت فيما قد مضى - فقيل لهم: لا تقولوا في مسألتكم إياه " راعنا ".
فتكون الدلالة على معنى الأمر في" راعنا " حينئذ سقوط الياء التي كانت تكون في" يراعيه " ويدل عليها - أعني على " الياء " الساقطة - كسرة " العين " من " راعنا ".
* * *وقد ذكر أن قراءة ابن مسعود: (لا تقولوا راعونا)، بمعنى حكاية أمر صالحة لجماعة بمراعاتهم.
فإن كان ذلك من قراءته صحيحا، وجه أن يكون القوم كأنهم نهوا عن استعمال ذلك بينهم في خطاب بعضهم بعضا، كان خطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم أو لغيره.
ولا نعلم ذلك صحيحا من الوجه الذي تصح منه الأخبار.
* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَقُولُوا انْظُرْنَاقال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (وقولوا انظرنا)، وقولوا يا أيها المؤمنون لنبيكم صلى الله عليه وسلم: انظرنا وارقبنا، نفهم ونتبين ما تقول لنا، وتعلمنا، كما:1741 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وقولوا انظرنا) فهمنا، بين لنا يا محمد.
1742 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وقولوا انظرنا) فهمنا، بين لنا يا محمد.
1743 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد مثله.
* * *يقال منه: " نظرت الرجل أنظره نظرة " بمعنى انتظرته ورقبته، ومنه قول الحطيئة:وقد نَظَرتكمُ أَعْشاء صادرةٍللخِمس, طال بها حَوْزي وتَنْساسي (141)ومنه قول الله عز وجل: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [سورة الحديد: 13]، يعني به: انتظرونا.
* * *وقد قرئ" أنظرنا " و " أنظرونا " بقطع " الألف " في الموضعين جميعا (142) فمن قرأ ذلك كذلك أراد: أخرنا, كما قال الله جل ثناؤه: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [سورة ص: 79]، أي أخرني.
ولا وجه لقراءة ذلك كذلك في هذا الموضع.
لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمروا بالدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستماع منه، وإلطاف الخطاب له، وخفض الجناح - لا بالتأخر عنه، ولا بمسألته تأخيرهم عنه.
فالصواب - إذْ كان ذلك كذلك - (143) من القراءة قراءة من وصل الألف من قوله: (انظرنا)، ولم يقطعها بمعنى: انتظرنا.
* * *وقد قيل: إن معنى (أنظرنا) بقطع الألف بمعنى: أمهلنا.
حكي عن بعض العرب سماعا: " أنظرني أكلمك "، وذكر سامع ذلك من بعضهم أنه استثبته في معناه, فأخبره أنه أراد أمهلني.
فإن يكن ذلك صحيحا عنهم " فانظرنا " و " أنظرنا " - بقطع " الألف " ووصلها - متقاربا المعني.
غير أن الأمر وإن كان كذلك, فإن القراءة التي لا أستجيز غيرها، قراءة من قرأ: (وقولوا انظرنا)، بوصل " الألف " بمعنى: انتظرنا, لإجماع الحجة على تصويبها، ورفضهم غيرها من القراآت.
* * *القول في تأويل قوله تعالى وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (واسمعوا)، واسمعوا ما يقال لكم ويتلى عليكم من كتاب ربكم، وعُوه وافهموه، كما:-1744 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (واسمعوا)، اسمعوا ما يقال لكم.
* * *فمعنى الآية إذًا: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا لنبيكم: راعنا سمعك وفرغه لنا نفهمك وتفهم عنا ما نقول.
ولكن قولوا: انتظرنا وترقبنا حتى نفهم عنك ما تعلمنا وتبينه لنا.
واسمعوا منه ما يقول لكم، فعوه واحفظوه وافهموه.
ثم أخبرهم جل ثناؤه أن لمن جحد منهم ومن غيرهم آياته، وخالف أمره ونهيه، وكذب رسوله، العذاب الموجع في الآخرة, فقال: وللكافرين بي وبرسولي عذاب أليم.
يعني بقوله: " الأليم "، الموجع.
وقد ذكرنا الدلالة على ذلك فيما مضى قبل، وما فيه من الآثار.
(144)---------------الهوامش :(131) في المطبوعة : "إرجاعه إليها" سهو من ناسخ .
(132) قوله"الراعن : الخطاء" لم أجده في غيره بعد .
والذي في كتب التفسير واللغة .
وربما كانت"الخطأ" .
وقد قالوا : "راعنا : الهجر من القول" .
وقالوا اشتقوه من الرعونة : وهي الحمق والجهل والاسترخاء .
(133) في المطبوعة : "فقال" ، والفاء لا مكان لها .
(134) تقدم إليه : أمره .
(135) الحديث : 1739 - ذكره الطبري معلقا دون إسناد .
وقد رواه أحمد في المسند : 7509 ، من حديث أبي هريرة ، مرفوعا : "ولا تسموا العنب الكرم" .
ورواه الشيخان وغيرهما ، كما بينا هناك .
ورواه أيضًا قبل ذلك إشارة موجزا : 7256 .
وروى مسلم 2 : 197 ، من حديث علقمة بن وائل ، عن أبيه ، مرفوعا : "لا تقولوا الكرم ، ولكن قولوا : الحبلة ، يعني العنب" .
(136) الحديث : 1740 - وهذا معلق أيضًا .
وهو جزء من حديث طويل .
رواه البخاري ومسلم وغيرهما ، من حديث أبي هريرة ، مرفوعا : " .
.
ولا يقل أحدكم عبدي ، أمتي ، وليقل : فتاى ، فتاتي ، غلامي" .
انظر البخاري 5 : 128 - 131 (فتح) ، ومسلم 2 : 197 .
(137) ديوانه : 86 ، وسيأتي في هذا الجزء 2 : 540 وقد سلف تخريج أبيات من هذه القصيدة في 1 : 106 ، 2 : 94 ، وهي في هوذة بن علي كما سلف .
يقول قبله :يا هوذ, يا خير من يمشي على قدمبحر المواهب للوراد والشرعاوابتدع : أحدث ما شاء .
(138) اقرأ قول الله تعالى في صدر"سورة الحجرات" .
(139) قوله : "ومعنى" معطوف على قوله آنفًا : "لما فيه من احتمال معنى : ارعنا نرعاك .
.
" .
(140) وهي الآية التي تلي الآية التي يفسرها .
(141) ديوانه : 53 ، واللسان (نظر) (حوز) (نس) (عشا) .
من قصيدة يهجو بها الزبرقان ابن بدر ، ويمدح بغيض بن عامر من شماس .
والأعشاء جمع عشى (بكسر فسكون) : وهو ما تتعشاه الإبل .
والصادرة : الإبل التي تصدر عن الماء .
والخمس : من أظماء الإبل ، وهو أن تظل في المرعى بعد يوم ورودها ثلاثة أيام ، ثم ترد في الرابع .
والحوز : السوق اللين ، حاز الإبل : ساقها سوقا رويدا .
والتنساس والنس ، مصدر قولك : نس الإبل بينها : ساقها سوقا شديدا لورود الماء .
ويروى"إيتاء صادرة" .
والإيتاء مصدر آنيت الشيء : إذ أخرته .
يقول للزبرقان ، حين نزل بداره ، ثم تحول عنها إلى دار بغيض (انظر خبرهما في طبقات فحول الشعراء : 96 - 98) : انتظرت خيركم انتظار الإبل الخوامس لعشائها .
وذلك أن الإبل إذا صدرت تعشت طويلا ، وفي بطونها ماء كثير ، فهي تحتاج إلى بقل كثير .
يصف طول انتظاره حين لا صبر له على طول الانتظار .
وقد شكاه الزبرقان إلى عمر لهذه القصيدة ، ولقوله فيها :دع المكارم لا ترحل لبغيتهاواقعد, فإنك أنت الطاعم الكاسي(142) زدت قول الله تعالى : "أنظرونا" ، من أجل اختلاف" الحرفين .
(143) في المطبوعة : "إن كان ذلك .
.
" ، ليست بشيء .
(144) انظر ما سلف 1 : 283 ، ثم هذا الجزء 2 : 140 ، 377 .

ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم

سورة : البقرة - الأية : ( 104 )  - الجزء : ( 1 )  -  الصفحة: ( 16 ) - عدد الأيات : ( 286 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم
  2. تفسير: أبصارها خاشعة
  3. تفسير: ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين
  4. تفسير: وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون
  5. تفسير: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي
  6. تفسير: الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس
  7. تفسير: وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب
  8. تفسير: ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل
  9. تفسير: وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين
  10. تفسير: وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب