تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 11 من سورةالأعراف - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾
[ سورة الأعراف: 11]

معنى و تفسير الآية 11 من سورة الأعراف : ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة


يقول تعالى مخاطبا لبني آدم: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ بخلق أصلكم ومادتكم التي منها خرجتم: أبيكم آدم عليه السلام ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ في أحسن صورة، وأحسن تقويم، وعلمه الله تعالى ما به تكمل صورته الباطنة، أسماء كل شيء.
ثم أمر الملائكة الكرام أن يسجدوا لآدم، إكراما واحتراما، وإظهارا لفضله، فامتثلوا أمر ربهم، فَسَجَدُوا كلهم أجمعون إِلَّا إِبْلِيسَ أبى أن يسجد له، تكبرا عليه وإعجابا بنفسه.

تفسير البغوي : مضمون الآية 11 من سورة الأعراف


قوله - عز وجل - : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) قال ابن عباس : خلقناكم ، أي : أصولكم وآباءكم ثم صورناكم في أرحام أمهاتكم .
وقال قتادة والضحاك والسدي : أما " خلقناكم " فآدم ، وأما " صورناكم " فذريته .
وقال مجاهد في خلقناكم : آدم ، ثم صورناكم في ظهر آدم بلفظ الجمع ؛ لأنه أبو البشر ففي خلقه خلق من يخرج من صلبه .
وقيل: خلقناكم في ظهر آدم ثم صورناكم يوم الميثاق حين أخرجكم كالذر .
وقال عكرمة : خلقناكم في أصلاب الرجال ثم صورناكم في أرحام النساء .
وقال يمان : خلق الإنسان في الرحم ثم صوره وشق سمعه وبصره وأصابعه .
وقيل: الكل آدم خلقه وصوره و " ثم " بمعنى الواو .
( ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) فإن قيل: الأمر بسجود الملائكة كان قبل خلق بني آدم ، فما وجه قوله " ثم قلنا " وثم للترتيب وللتراخي ؟ قيل: على قول من يصرف الخلق والتصوير إلى آدم وحده يستقيم هذا الكلام ، أما على قول من يصرفه إلى الذرية : فعنه أجوبة :أحدها " ثم " بمعنى الواو ، أي : وقلنا للملائكة ، فلا تكون للترتيب والتعقيب .
وقيل: أراد " ثم " أخبركم أنا قلنا للملائكة اسجدوا .
وقيل: فيه تقديم وتأخير تقديره ولقد خلقناكم ، يعني : آدم ثم قلنا للملائكة اسجدوا ثم صورناكم .
قوله تعالى : ( فسجدوا ) يعني الملائكة ، ( إلا إبليس لم يكن من الساجدين ) لآدم .

التفسير الوسيط : ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة


أو المعنى نحن الذين خلقناكم في ظهر آدم.
ثم صورناكم حين أخذنا عليكم الميثاق، ثم أمرنا بعد ذلك ملائكتنا بالسجود لآدم فسجدوا إلا إبليس فإنه لم يكن من الساجدين.
والسجود: لغة، التذلل والخضوع مع انخفاض بانحناء وغيره، وخص في الشرع بوضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة.
وللعلماء أقوال في كيفية السجود الذي أمر الله به الملائكة لآدم وأرجح هذه الأقوال.
أن السجود المأمور به في الآية يحمل على المعنى المعروف في اللغة.
أى: أن الله-تبارك وتعالى- أمرهم بفعل تجاه آدم يكون مظهرا من مظاهر التواضع والخضوع له تحية وتعظيما، وإقرارا له بالفضل دون وضع الجبهة على الأرض الذي هو عبادة، إذ عبادة غير الله شرك يتنزه الملائكة عنه، وعلى هذا الرأى سار علماء أهل السنة.
وقيل إن السجود كان لله.
وآدم إنما كان كالقبلة يتوجه إليه الساجدون تحية له.
وإلى هذا الرأى اتجه علماء المعتزلة، وقد قالوا ذلك هربا من أن تكون الآية الكريمة حجة عليهم، إذ أن أهل السنة قالوا: إبليس من الملائكة والصالحون من البشر أفضل من الملائكة.
واحتجوا بسجود الملائكة لآدم وخالفت المعتزلة في ذلك، وقالت الملائكة أفضل من البشر، وسجود الملائكة لآدم كان كالقبلة.
والذي نراه أن ما سار عليه أهل السنة أرجح لأن ما ذهب إليه المعتزلة يبعده أن المقام مقام لإظهار فضل آدم على الملائكة، وإظهار فضله عليهم لا يتحقق بمجرد كونه قبلة للسجود: وأمر الله الملائكة بالسجود لآدم، هو لون من الابتلاء والاختبار، ليميز الله الخبيث من الطيب، وينفذ ما سبق به العلم واقتضته المشيئة والحكم.
وإبليس: اسم مشتق من الإبلاس، وهو الحزن الناشئ عن شدة اليأس وفعله بلس.
والراجح أنه اسم أعجمى، ومنعه من الصرف للعلمية والعجمة وهو كائن حي، وقد أخطأ من حمله على معنى داعي الشر الذي يخطر في النفوس، إذ ليس من المعقول أن يكون ذلك مع أن القرآن أخبرنا بأنه يرى الناس ولا يرونه.
قال-تبارك وتعالى-: إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ.
وللعلماء في كون إبليس من الملائكة أولا قولان:أحدهما: أنه كان منهم، لأنه- سبحانه - أمرهم بالسجود لآدم، ولولا أنه كان منهم لما توجه إليه الأمر بالسجود، ولو لم يتوجه إليه الأمر بالسجود لم يكن عاصيا ولما استحق الخزي والنكال، ولأن الأصل في المستثنى أن يكون داخلا تحت اسم المستثنى منه حتى يقوم دليل على أنه خارج عنه.
والثاني: أنه ليس منهم لقوله-تبارك وتعالى-: إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فهو أصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من نار، والملائكة خلقوا من نور، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة.
ففي هاتين الآيتين بيان لنعمتين عظيمتين من نعم الله على عباده:أولاهما: نعمة التمكين في الأرض واتخاذهم إياها وطنا مزودا بضروب شتى مما يحتاجون إليه من معايشهم وما به قوام حياتهم وكمالها.
وثانيهما: نعمة خلقهم من أب واحد، تجمعهم به رحم واحدة، وبسببها كانوا خلفاء في الأرض وفي عمارة الكون، وفضلوا على كثير من الخلق، فكان الواجب عليهم أن يقابلوهما بالشكر والإيمان.
ثم حكى القرآن الكريم الأسباب التي حملت إبليس على عدم السجود لآدم فقال:

تفسير ابن كثير : شرح الآية 11 من سورة الأعراف


ينبه تعالى بني آدم في هذا المقام على شرف أبيهم آدم ، ويبين لهم عداوة عدوهم إبليس ، وما هو منطو عليه من الحسد لهم ولأبيهم آدم ، ليحذروه ولا يتبعوا طرائقه ، فقال تعالى : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ) وهذا كقوله تعالى : ( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة ) الآية [ الحجر : 28 - 30 ] ، وذلك أنه تعالى لما خلق آدم ، عليه السلام ، بيده من طين لازب ، وصوره بشرا سويا ونفخ فيه من روحه ، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لشأن الرب تعالى وجلاله ، فسمعوا كلهم وأطاعوا ، إلا إبليس لم يكن من الساجدين . وقد تقدم الكلام على إبليس في أول تفسير " سورة البقرة "وهذا الذي قررناه هو اختيار ابن جرير : أن المراد بذلك كله آدم ، عليه السلام .وقال سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) قال : خلقوا في أصلاب الرجال ، وصوروا في أرحام النساء .رواه الحاكم ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .ونقله ابن جرير عن بعض السلف أيضا : أن المراد بخلقناكم ثم صورناكم : الذرية .وقال الربيع بن أنس ، والسدي ، وقتادة ، والضحاك في هذه الآية : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) أي : خلقنا آدم ثم صورنا الذرية .وهذا فيه نظر; لأنه قال بعده : ( ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) فدل على أن المراد بذلك آدم ، وإنما قيل ذلك بالجمع لأنه أبو البشر ، كما يقول الله تعالى لبني إسرائيل الذين كانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم : ( وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى ) [ البقرة : 57 ] والمراد : آباؤهم الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام ولكن لما كان ذلك منة على الآباء الذين هم أصل صار كأنه واقع على الأبناء . وهذا بخلاف قوله تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) [ المؤمنون : 12 - 13 ] فإن المراد منه آدم المخلوق من السلالة وذريته مخلوقون من نطفة ، وصح هذا لأن المراد من ( خلقنا الإنسان ) الجنس ، لا معينا ، والله أعلم .

تفسير الطبري : معنى الآية 11 من سورة الأعراف


القول في تأويل قوله : وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: تأويل ذلك: (ولقد خلقناكم)، في ظهر آدم، أيها الناس =(ثم صورناكم)، في أرحام النساء.
خلقًا مخلوقًا ومثالا ممثلا في صورة آدم.
* ذكر من قال ذلك:14338- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) , قوله: (خلقناكم)، يعني آدم = وأما " صورناكم "، فذريّته.
14339- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) الآية, قال: أمّا " خلقناكم "، فآدم.
وأمّا " صورناكم "، فذرية آدم من بعده.
14340- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع: (ولقد خلقناكم)، يعني: آدم =(ثم صورناكم)، يعني: في الأرحام.
14341- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر الرازي, عن الربيع بن أنس في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، يقول: خلقناكم خلق آدم, ثم صَوَّرناكم في بطون أمهاتكم.
14342- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، يقول: خلقنا آدم، ثم صورنا الذرية في الأرحام.
14343- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلق الله آدم من طين =" ثم صورناكم "، في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق: علقة، ثم مضغة، ثم عظامًا, ثم كسا العظام لحمًا, ثم أنشأناه خلقًا آخر.
(45)14344- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة قال: خلق الله آدم، ثم صوّر ذريته من بعده.
14345- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمر بن هارون, عن نصر بن مُشارس, عن الضحاك: (خلقناكم ثم صورناكم)، قال: ذريته.
(46)14346- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك, قوله: (ولقد خلقناكم)، يعني آدم =(ثم صورناكم) , يعني: ذريته.
* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: " ولقد خلقناكم "، في أصلاب آبائكم =" ثم صورناكم "، في بطون أمهاتكم.
* ذكر من قال ذلك:14347- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن شريك, عن سماك, عن عكرمة: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلقناكم في أصلاب الرجال, وصوّرناكم في أرحام النساء.
14348- حدثني المثنى قال، حدثنا الحمانى قال، حدثنا شريك, عن سماك, عن عكرمة, مثله.
14349- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان قال، سمعت الأعمش يقرأ: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلقناكم في أصلاب الرجال, ثم صورناكم في أرحام النساء.
* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: (خلقناكم)، يعني آدم =(ثم صورناكم)، يعني = في ظهره.
* ذكر من قال ذلك:14350- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: (ولقد خلقناكم)، قال: آدم =(ثم صورناكم)، قال: في ظهر آدم.
14351- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، في ظهر آدم.
14352- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: صورناكم في ظهر آدم.
14353- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: في ظهر آدم، لما تصيرون إليه من الثواب في الآخرة.
* * *وقال آخرون: معنى ذلك: " ولقد خلقناكم "، في بطون أمهاتكم =" ثم صورناكم "، فيها.
* ذكر من قال ذلك:14354- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عمن ذكره قال: (خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلق الله الإنسان في الرحم, ثم صوّره، فشقَّ سمعه وبصره وأصابعه.
* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: تأويله: (ولقد خلقناكم)، ولقد خلقنا آدم =(ثم صورناكم)، بتصويرنا آدم, كما قد بينا فيما مضى من خطاب العرب الرجلَ بالأفعال تضيفها إليه, والمعنيُّ في ذلك سلفه, (47) وكما قال جل ثناؤه لمن بين أظهر المؤمنين من اليهود على عهد رسول الله: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ، [سورة البقرة: 63].
وما أشبه ذلك من الخطاب الموجَّه إلى الحيّ الموجود، والمراد به السلف المعدوم, فكذلك ذلك في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، معناه: ولقد خلقنا أباكم آدم ثم صوَّرناه.
وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب, لأن الذي يتلو ذلك قوله: (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)، ومعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أمر الملائكة بالسجود لآدم، قبل أن يصوِّر ذريته في بطون أمهاتهم, بل قبل أن يخلُق أمهاتهم.
و " ثم " في كلام العرب لا تأتي إلا بإيذان انقطاع ما بعدها عما قبلها, (48) وذلك كقول القائل: " قمت ثم قعدت ", لا يكون " القعود " إذ عطف به ب" ثم " على قوله: " قمت " إلا بعد القيام, (49) وكذلك ذلك في جميع الكلام.
ولو كان العطف في ذلك بالواو، جاز أن يكون الذي بعدها قد كان قبل الذي قبلها, وذلك كقول القائل: " قمت وقعدت ", فجائز أن يكون " القعود " في هذا الكلام قد كان قبل " القيام ", لأن الواو تدخل في الكلام إذا كانت عطفًا، لتوجب للذي بعدها من المعنى ما وجب للذي قبلها، من غير دلالة منها بنفسها على أن ذلك كان في وقت واحد أو وقتين مختلفين, أو إن كانا في وقتين، أيهما المتقدم وأيهما المتأخر.
فلما وصفنا قلنا إنّ قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، لا يصح تأويله إلا على ما ذكرنا.
فإن ظن ظانّ أن العربَ، إذ كانت ربما نطقت ب" ثم " في موضع " الواو " في ضرورة شعره، كما قال بعضهم:سَأَلْتُ رَبِيعَةَ: مَنْ خَيْرُهَاأَبًا ثُمَّ أُمًّا? فَقَالَتْ: لِمَهْ? (50)بمعنى: أبًا وأمًّا, فإن ذلك جائز أن يكون نظيره= فإن ذلك بخلاف ما ظن .
وذلك أن كتاب الله جل ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب, وغير جائز توجيه شيء منه إلى الشاذّ من لغاتها، وله في الأفصح الأشهر معنى مفهومٌ ووجه معروف.
* * *وقد وجَّه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه التقديم, وزعم أن معنى ذلك: ولقد خلقناكم, ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم, ثم صورناكم.
وذلك غير جائز في كلام العرب, لأنها لا تدخل " ثم " في الكلام وهي مرادٌ بها التقديم على ما قبلها من الخبر, وإن كانوا قد يقدِّمونها في الكلام, (51) إذا كان فيه دليل على أن معناها التأخير, وذلك كقولهم: " قام ثم عبد الله عمرو "، فأما إذا قيل: " قام عبد الله ثم قعد عمرو ", فغير جائز أن يكون قعود عمرو كان إلا بعد قيام عبد الله, إذا كان الخبر صدقًا, فقول الله تبارك وتعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا)، نظير قول القائل: " قام عبد الله ثم قعد عمرو "، في أنه غير جائز أن يكون أمرُ الله الملائكةَ بالسجود لآدم كان إلا بعد الخلق والتصوير، لما وصفنا قبل.
* * *وأما قوله للملائكة: (اسجدوا لآدم)، فإنه يقول جل ثناؤه: فلما صوّرنا آدم وجعلناه خلقًا سويًّا, ونفخنا فيه من روحنا, قلنا للملائكة: " اسجدوا لآدم ", ابتلاء منا واختبارًا لهم بالأمر, ليعلم الطائع منهم من العاصي ، =(فسجدوا)، يقول: فسجد الملائكة، إلا إبليس فإنه لم يكن من الساجدين لآدم، حين أمره الله مع مَنْ أمرَ من سائر الملائكة غيره بالسجود.
* * *وقد بينا فيما مضى، المعنى الذي من أجله امتحن جَلّ جلاله ملائكته بالسجود لآدم, وأمْرَ إبليس وقصصه, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
(52)----------------------الهوامش :(45) الأثر : 14343 - (( بشر بن معاذ العقدي )) ، مضى مرارًا ، وهذا إسناد يدور في التفسير دورانًا ، ولكنه جاء هنا في المخطوطة والمطبوعة : (( بشر بن آدم )) ، وهو خطأ .
لا شك في ذلك .
(46) الأثر : 14345 - (( عمر بن هارون بن يزيد البلخي )) ، متكلم فيه وجرح ، مضى برقم : 12389 .
و (( نصر بن مشاري )) أو (( نصر بن مشيرس )) ، هو (( أبو مصلح الخراساني )) مشهور بكنيته ، وكذلك مضى في الأثر رقم : 12389 .
وكان في المطبوعة : (( مشاوش )) ، وفي المخطوطة : (( مشاوس )) والصواب ما أثبته .
(47) انظر هذا من خطاب العرب فيما سلف 2 : 38 ، 39 ثم ص : 164 ، 165 ، ومواضع أخرى بعد ذلك في فهرس مباحث العربية والنحو وغيرها .
(48) انظر القول في (( ثم )) فيما سلف ص : 233 .
(49) كان في هذه الجملة في المخطوطة تكرار ، ووضع الناسخ في الهامش ( كذا ) ، والصواب ما في المطبوعة .
(50) لم أعرف قائله .
(51) في المخطوطة : (( وإن كان يعبر فنرنها في الكلام )) ، فلم استبن لقراءتها وجهًا أرضاه ، فتركت ما في المطبوعة على حاله ، لأنه مستقيم المعنى إن شاء الله .
(52) انظر ما سلف 1 : 501 - 512 .

ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين

سورة : الأعراف - الأية : ( 11 )  - الجزء : ( 8 )  -  الصفحة: ( 151 ) - عدد الأيات : ( 206 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من
  2. تفسير: ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد
  3. تفسير: فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا
  4. تفسير: إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب
  5. تفسير: فكيف كان عذابي ونذر
  6. تفسير: وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين
  7. تفسير: والذين هم بشهاداتهم قائمون
  8. تفسير: كلا لا وزر
  9. تفسير: متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون
  10. تفسير: ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين

تحميل سورة الأعراف mp3 :

سورة الأعراف mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأعراف

سورة الأعراف بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الأعراف بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الأعراف بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الأعراف بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الأعراف بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الأعراف بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الأعراف بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الأعراف بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الأعراف بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الأعراف بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب