تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 3 من سورةالبقرة - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾
[ سورة البقرة: 3]

معنى و تفسير الآية 3 من سورة البقرة : الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم


ثم وصف المتقين بالعقائد والأعمال الباطنة, والأعمال الظاهرة, لتضمن التقوى لذلك فقال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ حقيقة الإيمان: هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل, المتضمن لانقياد الجوارح، وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس, فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر.
إنما الشأن في الإيمان بالغيب, الذي لم نره ولم نشاهده, وإنما نؤمن به, لخبر الله وخبر رسوله.
فهذا الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر, لأنه تصديق مجرد لله ورسله.
فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به, أو أخبر به رسوله, سواء شاهده, أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله, أو لم يهتد إليه عقله وفهمه.
بخلاف الزنادقة والمكذبين بالأمور الغيبية, لأن عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتد إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ففسدت عقولهم, ومرجت أحلامهم.
وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله.
ويدخل في الإيمان بالغيب, [الإيمان ب] بجميع ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة, وأحوال الآخرة, وحقائق أوصاف الله وكيفيتها, [وما أخبرت به الرسل من ذلك] فيؤمنون بصفات الله ووجودها, ويتيقنونها, وإن لم يفهموا كيفيتها.
ثم قال: وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ لم يقل: يفعلون الصلاة, أو يأتون بالصلاة, لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة.
فإقامة الصلاة, إقامتها ظاهرا, بإتمام أركانها, وواجباتها, وشروطها.
وإقامتها باطنا بإقامة روحها, وهو حضور القلب فيها, وتدبر ما يقوله ويفعله منها، فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وهي التي يترتب عليها الثواب.
فلا ثواب للإنسان من صلاته, إلا ما عقل منها، ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها.
ثم قال: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة, والنفقة على الزوجات والأقارب, والمماليك ونحو ذلك.
والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير.
ولم يذكر المنفق عليهم, لكثرة أسبابه وتنوع أهله, ولأن النفقة من حيث هي, قربة إلى الله، وأتى ب " من " الدالة على التبعيض, لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءا يسيرا من أموالهم, غير ضار لهم ولا مثقل, بل ينتفعون هم بإنفاقه, وينتفع به إخوانهم.
وفي قوله: رَزَقْنَاهُمْ إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم, ليست حاصلة بقوتكم وملككم, وإنما هي رزق الله الذي خولكم, وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده, فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم, وواسوا إخوانكم المعدمين.
وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن, لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود, والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود, وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه, فلا إخلاص ولا إحسان.

تفسير البغوي : مضمون الآية 3 من سورة البقرة


قوله تعالى: الذين يؤمنون: موضع الذين خفض نعتاً للمتقين.
يؤمنون: يصدقون (ويترك الهمزة أبو عمرو وورش، والآخرون يهمزونه وكذلك يتركان كل همزة ساكنة هي فاء الفعل نحو يؤمن ومؤمن إلا أحرفاً معدودة).
وحقيقة الإيمان التصديق بالقلب، قال الله تعالى: وما أنت بمؤمن لنا [17-يوسف] [ أي بمصدق لنا ] وهو في الشريعة: الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالأركان، فسمي الإقرار والعمل إيماناً، لوجه من المناسبة، لأنه من شرائعه.
والإسلام: هو الخضوع والانقياد، فكل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيماناً، إذا لم يكن معه تصديق، قال الله تعالى: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا [14- الحجرات] وذلك لأن الرجل قد يكون مستسلماً في الظاهر غير مصدق في الباطن، وقد يكون مصدقاً في الباطن غيرمنقاد في الظاهر.
وقد اختلف جواب النبي صلى الله عليه وسلم عنهما حين سأله جبريل عليه السلام؛ وهو ما أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن بويه الزراد البخاري: أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ثنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي ثنا أبو أحمد عيسى بن أحمد العسقلاني أنا يزيد بن هارون أنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال: "كان أول من تكلم في القدر، يعني بالبصرة، معبداً الجهني فخرجت أنا وحميد بن عبد الرحمن نريد مكة فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقوله هؤلاء فلقينا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فعلمت أنه سيكل الكلام إلي فقلت: يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يتقفرون هذا العلم ويطلبونه يزعمون أن لا قدر إنما الأمر أنف قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني منهم بريء شيئاً حتى يؤمن بالقدر خيره وشره؛ ثم قال: (حدثنا عمر بن الخطاب قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ما يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد فأقبل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم [وركبته تمس ركبته] فقال: يامحمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، فقال: صدقت فتعجبنا من سؤاله وتصديقه، ثم قال: فما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وحده وملائكته وكتبه ورسوله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار وبالقدر خيره وشره، فقال: صدقت، ثم قال: فما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لم تكن تراه فإنه يراك قال: صدقت، ثم قال: فأخبرني عن الساعة؟ فقال ما المسؤول عنها بأعلم بها من السائل، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في بنيان المدر، قال: صدقت، ثم انطلق فلما كان بعد ثالثة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر هل تدري من الرجل؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: ذلك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم وما أتاني في صورة إلا عرفته فيها إلا في صورته هذه
)".
فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الإسلام في هذا الحديث اسماً لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسماً لما بطن من الاعتقاد وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان أو التصديق بالقلب ليس من الإسلام بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد وجماعها الدين، ولذلك قال ذاك جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم.
والدليل على أن الأعمال من الإيمان ما أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن علي بن الشاه ثنا أبو أحمد بن محمد بن قريش بن سليمان ثنا بشر بن موسى ثنا خلف بن الوليد عن جرير الرازي عن سهل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ّ(الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان).
وقيل: الإيمان مأخوذ من الأمان، فسمي المؤمن مؤمناً لأنه يؤمن نفسه من عذاب الله، والله تعالى مؤمن لأنه يؤمن العباد من عذابه.
قوله تعالى: بالغيب: والغيب مصدر وضع موضع الاسم فقيل للغائب غيب [كما قيل للعادل عدل وللزائر زور].
والغيب ما كان مغيباً عن العيون؛ قال ابن عباس: "الغيب هاهنا كل ما أمرت بالإيمان به فيما غاب عن بصرك مثل الملائكة والبعث والجنة والنار والصراط والميزان".
وقيل الغيب هاهنا: هو الله تعالى، وقيل: القرآن.
وقال الحسن: "بالآخرة" وقال زر بن حبيش وابن جريح: "بالوحي".
نظيره أعنده علم الغيب [35-النجم]وقال ابن كيسان: "بالقدر"، وقال عبد الرحمن بن يزيد: "كنا عند عبد الله بن مسعود فذكرنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم [وما سبقونا به] فقال عبد الله: إن أمر محمد كان بيناً لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ الم * ذلك الكتاب إلى قوله المفلحون".
قرأ أبو جعفر وأبو عمرو وورش (يومنون) بترك الهمزة وكذلك أبو جعفر بترك كل همزة ساكنة إلا في (أنبئهم) و(نبئهم) و(نبئنا) ويترك أبو عمرو كلها إلا أن تكون علامة للجزم نحو (نبئهم) و(أنبئهم) و(تسؤهم) و(إن نشأ) و(ننسأها) و(نحوها) أو يكون خروجاً من لغة إلى أخرى نحو: (مؤصدة) و(رئياً).
ويترك ورش كل همزة ساكنة كانت فاء الفعل إلا (تؤوي) و(تؤويه) ولا يترك من عين الفعل: إلا (الرؤيا) و(بابه)، إلا ما كان على وزن فعل، مثل: (ذئب).
قوله تعالى: ويقيمون الصلاة: أي يديمونها ويحافظون عليها في مواقيتها بحدودها وأركانها وهيئاتها.
يقال: قام بالأمر وأقام الأمر إذا أتى به معطىً حقوقه.
والمراد بها الصلوات الخمس ذكر بلفظ (الواحد) كقوله تعالى: فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق [213-البقرة] يعني الكتب.
والصلاة في اللغة: الدعاء، قال الله تعالى: وصَلِّ عليهم [103-التوبة] أي ادع لهم.
وفي الشريعة: اسم لأفعال مخصوصة من قيام وركوع وسجود وقعود ودعاء وثناء.
وقيل في قوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي [56-الأحزاب] الآية.
إن الصلاة من الله في هذه الآية الرحمة ومن الملائكة الاستغفار، ومن المؤمنين: الدعاء.
قوله تعالى: ومما رزقناهم: (أي) أعطيناهم والرزق اسم لكل ما ينتفع به حتى الولد والعبد.
وأصله في اللغة الحظ والنصيب.
ينفقون: يتصدقون.
قال قتادة: "ينفقون في سبيل الله وطاعته.
وأصل الإنفاق: الإخراج عن اليد والملك، ومنه نفاق السوق، لأنه تخرج فيه السلعة عن اليد، ومنه: نفقت الدابة إذا أخرجت روحها.
فهذه الآية في المؤمنين من مشركي العرب.

التفسير الوسيط : الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم


ثم فصل القرآن بعد ذلك أوصاف المتقين ، ومدحهم بجملة من المناقب الحميدة ، فقال : { الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب } أي : يصدقون بما غاب عن حواسهم ، كالصانع وصفاته ، وكاليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وثواب وعقاب .
والإيمان لغة التصديق والإذعان ، وهو إفعال من الأمن .
وشرعاً التصديق بما علم بالضرورة أنه من الدين ، كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .. .
الخ ، وعدى { يُؤْمِنُونَ } بالباء لتضمينه معنى أقر واعترف .
والغيب : مصدر غاب يغيب ، وكثيراً ما يستعمل بمعنى الغائب ، وهو الظاهر من هذه الآية الكريمة .
ومعناه : ما لا تدركه الحواس ، ولا يعلم ببداهة العقل .
قال بعض العلماء : وخص بالذكر الإيمان بالغيب دون غيره من متعلقات الإيمان ، لأن الإيمان بالغيب هو الأصل في اعتقاد إمكان ما لا تخبر به الرسل عن وجود الله والعالم العلوي ، فإذا آمن به المرء وتصدى لسماع دعوة الرسول وللنظر فيما يبلغه عن الله - تعالى - فسهل عليه إدراك الأدلة ، وأما من يعتقد أنه ليس من وراء عالم الماديات عالم آخر ، فقد راض نفسه على الإعراض عن الدعوة ، كما هو حال الماديين الذين يقولون : " ما يهلكنا إلا الدهر :والإيمان بالغيب : يستلزم التصديق به على وجه الجزم ، وهو لا يحصل إلا عن دليل .
ولا شك أن قيام البراهين على صدق من أخبر بالغيب يجعل المؤمن بهذا الغيب مصدقاً عن دليل ، فنحن لا نحتاج في الإيمان بالملائكة والكتب السماوية السابقة ، والرسل الذين أرسلوا من قبل ، والبعث وما فيه من ثواب وعقاب ، لا نحتاج في الإيمان بكل ذلك إلى دليل زائد على الأدلة التي قامت على صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
والإيمان بالغيب دليل على اتساع العقول ، وسلامة القلوب ، إذ أن معنى الإيمان بالغيب هو أن عقولهم قد سلم إدراكها ، وتقشعت عنها غشاواتها ، وامتد نظرها في الكائنات فأدركت أن لها مبدعاً حكيماً وخالقاً قديراً ، جعلها تسير بنظام محكم ، فهذه كواكب تظهر وتغيب ، وسماء مرفوعة بغير عمد ، وأرض راسية لا تميد ولا تضطرب ... { صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } فكان من ذلك لتلك العقول براهين قاطعة على وجود خالق مدبر ، وحكيم قدير ، ومبدع لا تأخذه سنة ولا نوم .
والإيمان بالغيب الذي أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقوي ويعظم كلما قوي الإيمان في القلوب ، واستولى الصفاء على النفوس ، وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالغيب في أحاديث متعددة ، منها ما جاء عن خالد بن دريك ، عن ابن محيريز قال : قلت لابن جمعة : حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نعم أحدثك حديثاً .
تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال : " يا رسول الله ، هل أحد خير منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك .
قال : نعم ، قوم من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني " .
قال ابن كثير : فقد مدحهم على ذلك وذكر أنهم أعظم أجراً من هذه الحيثية لا مطلقاً .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم عن بديلة بنت أسلم قالت : صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة ، واستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا سجدتين ، ثم جاء من يخبرنا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت ، فتحول الرجال مكان النساء ، والنساء مكان الرجال ، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال :" أولئك قوم آمنوا بالغيب "تلك أول صفة نتيجة التقوى وهي الإيمان بالغيب ، أما الصفة الثانية التي مدح الله بها المتقين فهي قوله - تعالى - :{ وَيُقِيمُونَ الصلاة } .
الصلاة في اللغة الدعاء ، من صلى يصلي إذا دعا ، واستعملها الشارع في العبادة ذات الركوع والسجود لاشتمالها على الدعاء ، والإقامة في الأصل : الدوام والثبات ، من قولك : قام الحق أي : ظهر وثبت .
ومعنى { وَيُقِيمُونَ الصلاة } : يؤدونها في أوقاتها المقدرة لها ، مع تعديل أركانها ، وإيقاعها مستوفية لواجباتها وسننها وآدابها وخشوعها ، فإن الصلاة المقامة بحق هي تلك التي يصحبها الإخلاص ، واستحضار جلال الله في الركوع والسجود ، وهي التي تترتب عليها الآثار العظيمة من تزكية النفس ، وعفافها ، وتركها لكل الشرور والآثام ، كما قال - تعالى - { إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشآء والمنكر } وقدم الإيمان بالغيب على إقامة الصلاة تعظيماً لعمل القلب ، واعتداداً بشرطية الإيمان في صحة أعمال الجوارح .
وقدم إقامة الصلاة على الإنفاق ، لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولأنها تتكرر في اليوم خمس مرات ، ولأنها صلة بين العبد وربه ، والإنفاق صلته بالناس ، ولأن مشروعيتها كانت سابقة على مشروعية الزكاة .
أما الصفة الثالثة التي مدح الله بها المتقين فهي قوله - تعالى - :{ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } .
أي : ومما أعطيناهم وملكناهم يتصدقون في وجوه الخير ، ويمدون أيديهم بالإحسان إلى الفقير والمسكين .
والرزق عند جمهور العلماء ما صلح للانتفاع به حلالا كان أو حراماً ، خلافاً للمعتزلة الذين يرون أن الحرام ليس برزق .
والإنفاق : إخراج المال وإنفاده وصرفه ، يقال : نفق - كفرح ونصر - نفد وفني أو قلّ .
وأنفق ماله أنفده ، وأصل المادة يدل على الخروج والذهاب ، ومنه : نافق فلان ، والنافقاء ، والنفق .
وقال " ينفقون " ولم يقل أنفقوا ، ليشعر بأن الإنفاق منهم يتجدد بين وقت وآخر .
ولم يحدد وجوه الإنفاق بل تركها مطلقة لتشمل الفرض والواجب وغيرهما من وجوه الإحسان .
وإيراد " من " في قوله تعالى - { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ } للإشارة إلى أن مواظبتهم على إنفاق أموالهم بين الحين والحين ، كفيل بتوصيلهم إلى زمرة المهتدين المفلحين ، وللإشعار بأنهم ينفقون بعض أموالهم مبتعدين عن الإسراف والتبذير حتى لا يتركوا ورثتهم عالة يتكففون وجوه الناس .
هذا ، وقد عنى القرآن الكريم عناية فائقة بالحض على الإنفاق في وجوه الخير ، ومدح الذين يفعلون ذلك مدحاً عظيماً في عشرات الآيات ، وذلك لأن الأمة التي يكثر فيها المنفقون لأموالهم في وجوه الخير ، لا بد أن تعز كلمتها ، وتسلم من كوارث شتى ، كالجهل ، والفقر ، والمرض .
فببذل الماء تسد حاجات البؤساء ، وتشاد معاهد التعليم ، وتقام وسائل حفظ الصحة ، وتنمو المحبة والمودة بين الأغنياء والفقراء .
قال تعالى : { مَّثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ والله يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ } ثم أضاف القرآن إلى صفات المتقين وصفاً رابعاً فقال :

تفسير ابن كثير : شرح الآية 3 من سورة البقرة


( الذين يؤمنون بالغيب )قال أبو جعفر الرازي ، عن العلاء بن المسيب بن رافع ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : الإيمان التصديق .وقال علي بن أبي طلحة وغيره ، عن ابن عباس ، ( يؤمنون ) يصدقون .وقال معمر عن الزهري : الإيمان العمل .وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : ( يؤمنون ) يخشون .قال ابن جرير وغيره : والأولى أن يكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولا واعتقادا وعملا قال : وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان ، الذي هو تصديق القول بالعمل ، والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله ، وتصديق الإقرار بالفعل . قلت : أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض ، وقد يستعمل في القرآن ، والمراد به ذلك ، كما قال تعالى : ( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) [ التوبة : 61 ] ، وكما قال إخوة يوسف لأبيهم : ( وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ) [ يوسف : 17 ] ، وكذلك إذا استعمل مقرونا مع الأعمال ؛ كقوله : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) [ الانشقاق : 25 ، والتين : 6 ] ، فأما إذا استعمل مطلقا فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا .هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة ، بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وغير واحد إجماعا : أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص . وقد ورد فيه آثار كثيرة وأحاديث أوردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري ، ولله الحمد والمنة .ومنهم من فسره بالخشية ، لقوله تعالى : ( إن الذين يخشون ربهم بالغيب ) [ الملك : 12 ] ، وقوله : ( من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ) [ ق : 33 ] ، والخشية خلاصة الإيمان والعلم ، كما قال تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر : 28 ] .وأما الغيب المراد هاهنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه ، وكلها صحيحة ترجع إلى أن الجميع مراد .قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله : ( يؤمنون بالغيب ) قال : يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وجنته وناره ولقائه ، ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث ، فهذا غيب كله .وكذا قال قتادة بن دعامة .وقال السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أما الغيب فما غاب عن العباد من أمر الجنة ، وأمر النار ، وما ذكر في القرآن .وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( بالغيب ) قال : بما جاء منه ، يعني : من الله تعالى .وقال سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زر ، قال : الغيب : القرآن .وقال عطاء بن أبي رباح : من آمن بالله فقد آمن بالغيب .وقال إسماعيل بن أبي خالد : ( يؤمنون بالغيب ) قال : بغيب الإسلام .وقال زيد بن أسلم : ( الذين يؤمنون بالغيب ) قال : بالقدر . فكل هذه متقاربة في معنى واحد ؛ لأن جميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به .وقال سعيد بن منصور : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال : كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا ، فذكرنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقوا به ، قال : فقال عبد الله : إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بينا لمن رآه ، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيمانا أفضل من إيمان بغيب ، ثم قرأ : ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ) إلى قوله : ( المفلحون ) [ البقرة : 1 - 5 ] .وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والحاكم في مستدركه ، من طرق ، عن الأعمش ، به .وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .وفي معنى هذا الحديث الذي رواه [ الإمام ] أحمد ، حدثنا أبو المغيرة ، أخبرنا الأوزاعي ، حدثني أسيد بن عبد الرحمن ، عن خالد بن دريك ، عن ابن محيريز ، قال : قلت لأبي جمعة : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نعم ، أحدثك حديثا جيدا : تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح ، فقال : يا رسول الله ، هل أحد خير منا ؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك . قال : نعم ، قوم من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني .طريق أخرى : قال أبو بكر بن مردويه في تفسيره : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إسماعيل عن عبد الله بن مسعود ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن صالح بن جبير ، قال : قدم علينا أبو جمعة الأنصاري ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس ، ليصلي فيه ، ومعنا يومئذ رجاء بن حيوة ، فلما انصرف خرجنا نشيعه ، فلما أراد الانصراف قال : إن لكم جائزة وحقا ؛ أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلنا : هات رحمك الله قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة ، فقلنا : يا رسول الله ، هل من قوم أعظم أجرا منا ؟ آمنا بك واتبعناك؟ قال : ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء ، بل قوم من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين يؤمنون به ويعملون بما فيه ، أولئك أعظم منكم أجرا مرتين .ثم رواه من حديث ضمرة بن ربيعة ، عن مرزوق بن نافع ، عن صالح بن جبير ، عن أبي جمعة ، بنحوه .وهذا الحديث فيه دلالة على العمل بالوجادة التي اختلف فيها أهل الحديث ، كما قررته في أول شرح البخاري ؛ لأنه مدحهم على ذلك وذكر أنهم أعظم أجرا من هذه الحيثية لا مطلقا .وكذا الحديث الآخر الذي رواه الحسن بن عرفة العبدي : حدثنا إسماعيل بن عياش الحمصي ، عن المغيرة بن قيس التميمي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الخلق أعجب إليكم إيمانا ؟ . قالوا : الملائكة . قال : وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ . قالوا : فالنبيون . قال : وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟ . قالوا : فنحن . قال : وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إن أعجب الخلق إلي إيمانا لقوم يكونون من بعدكم يجدون صحفا فيها كتاب يؤمنون بما فيها .قال أبو حاتم الرازي : المغيرة بن قيس البصري منكر الحديث .قلت : ولكن قد روى أبو يعلى في مسنده ، وابن مردويه في تفسيره ، والحاكم في مستدركه ، من حديث محمد بن أبي حميد ، وفيه ضعف ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله أو نحوه . وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه وقد روي نحوه عن أنس بن مالك مرفوعا ، والله أعلم .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن محمد المسندي ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، أخبرني إبراهيم بن جعفر بن محمود بن سلمة الأنصاري ، أخبرني جعفر بن محمود ، عن جدته تويلة بنت أسلم ، قالت : صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة ، فاستقبلنا مسجد إيلياء ، فصلينا سجدتين ، ثم جاءنا من يخبرنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام ، فتحول النساء مكان الرجال ، والرجال مكان النساء ، فصلينا السجدتين الباقيتين ، ونحن مستقبلون البيت الحرام .قال إبراهيم : فحدثني رجال من بني حارثة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك قال : أولئك قوم آمنوا بالغيب .هذا حديث غريب من هذا الوجه .ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون قال ابن عباس : ( ويقيمون الصلاة أي : يقيمون الصلاة بفروضها .وقال الضحاك ، عن ابن عباس : إقامة الصلاة إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها وفيها .وقال قتادة : إقامة الصلاة : المحافظة على مواقيتها ، ووضوئها ، وركوعها وسجودها .وقال مقاتل بن حيان : إقامتها : المحافظة على مواقيتها ، وإسباغ الطهور فيها ، وتمام ركوعها وسجودها ، وتلاوة القرآن فيها ، والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهذا إقامتها .وقال علي بن أبي طلحة ، وغيره عن ابن عباس : ( ومما رزقناهم ينفقون قال : زكاة أموالهم .وقال السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ومما رزقناهم ينفقون قال : هي نفقة الرجل على أهله ، وهذا قبل أن تنزل الزكاة .وقال جويبر ، عن الضحاك : كانت النفقات قربات ، يتقربون بها إلى الله على قدر ميسرتهم وجهدهم ، حتى نزلت فرائض الصدقات : سبع آيات في سورة " براءة " ، مما يذكر فيهن الصدقات ، هن الناسخات المثبتات .وقال قتادة : ( ومما رزقناهم ينفقون فأنفقوا مما أعطاكم الله ؛ هذه الأموال عواري ، وودائع عندك يا ابن آدم ، يوشك أن تفارقها .واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات ؛ فإنه قال : وأولى التأويلات وأحقها بصفة القوم : أن يكونوا لجميع اللازم لهم في أموالهم مؤدين ، زكاة كان ذلك أو نفقة من لزمته نفقته من أهل ، أو عيال ، وغيرهم ، ممن تجب عليهم نفقته بالقرابة والملك ، وغير ذلك ؛ لأن الله تعالى عم وصفهم ومدحهم بذلك ، وكل من الإنفاق والزكاة ممدوح به محمود عليه .قلت : كثيرا ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال ؛ فإن الصلاة حق الله وعبادته ، وهي مشتملة على توحيده ، والثناء عليه ، وتمجيده ، والابتهال إليه ، ودعائه ، والتوكل عليه ، والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم ، وأولى الناس بذلك القرابات ، والأهلون ، والمماليك ، ثم الأجانب ، فكل من النفقات الواجبة ، والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى : ( ومما رزقناهم ينفقون ؛ ولهذا ثبت في الصحيحين ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت . والأحاديث في هذا كثيرة .وأصل الصلاة في كلام العرب الدعاء ، قال الأعشى :لها حارس لا يبرح الدهر بيتها وإن ذبحت صلى عليها وزمزماوقال أيضا :وقابلها الريح في دنها وصلى على دنها وارتسمأنشدهما ابن جرير مستشهدا على ذلك . وقال الآخر :تقول بنتي وقد قربت مرتحلا يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعاعليك مثل الذي صليت فاغتمضي نوما فإن لجنب المرء مضطجعايقول : عليك من الدعاء مثل الذي دعيته لي . وهذا ظاهر ، ثم استعملت الصلاة في الشرع في ذات الركوع والسجود والأفعال المخصوصة في الأوقات المخصوصة ، بشروطها المعروفة ، وصفاتها ، وأنواعها [ المشروعة ] المشهورة .وقال ابن جرير : وأرى أن الصلاة المفروضة سميت صلاة ؛ لأن المصلي يتعرض لاستنجاح طلبته من ثواب الله بعمله ، مع ما يسأل ربه من حاجته .[ وقيل : هي مشتقة من الصلوين إذا تحركا في الصلاة عند الركوع ، وهما عرقان يمتدان من الظهر حتى يكتنفا عجب الذنب ، ومنه سمي المصلي ؛ وهو الثاني للسابق في حلبة الخيل ، وفيه نظر ، وقيل : هي مشتقة من الصلى ، وهو الملازمة للشيء من قوله : ( لا يصلاها ) أي : يلزمها ويدوم فيها إلا الأشقى ) [ الليل : 15 ] وقيل : مشتقة من تصلية الخشبة في النار لتقوم ، كما أن المصلي يقوم عوجه بالصلاة : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ) [ العنكبوت : 45 ] واشتقاقها من الدعاء أصح وأشهر ، والله أعلم ] .وأما الزكاة فسيأتي الكلام عليها في موضعه ، إن شاء الله .

تفسير الطبري : معنى الآية 3 من سورة البقرة


القول في تأويل قوله جل ثناؤه: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ267- حدثنا محمد بن حُميد الرازي, قال: حدثنا سَلَمة بن الفضل, عن محمد بن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " الذين يؤمنون "، قال: يصدِّقون.
268- حدثني يحيى بن عثمان بن صالح السَّهمي, قال: حدثنا أبو صالح, قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: " يؤمنون ": يصدِّقون (56) .
269- حدثني المثنى بن إبراهيم, قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج, قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: " يؤمنون ": يخشَوْنَ.
270- حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني, قال: حدثنا محمد بن ثور، عن مَعْمَر, قال: قال الزهري: الإيمانُ العملُ (57) .
271- حُدِّثْتُ عن عمّار بن الحسن قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن العلاء بن المسيَّب بن رافع, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص، عن عبد الله, قال: الإيمان: التَّصْديق (58) .
ومعنى الإيمان عند العرب: التصديق, فيُدْعَى المصدِّق بالشيء قولا مؤمنًا به, ويُدْعى المصدِّق قولَه بفِعْله، مؤمنًا.
ومن ذلك قول الله جل ثناؤه: وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [سورة يوسف: 17]، يعني: وما أنت بمصدِّق لنا في قولنا.
وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان، الذي هو تصديق القولِ بالعمل.
والإيمان كلمة جامعةٌ للإقرارَ بالله وكتُبه ورسلِه, وتصديقَ الإقرار بالفعل.
وإذْ كان ذلك كذلك, فالذي هو أولى بتأويل الآيةِ، وأشبه بصفة القوم: أن يكونوا موصوفين بالتصديق بالغَيْبِ قولا واعتقادًا وعملا إذ كان جلّ ثناؤه لم يحصُرْهم من معنى الإيمان على معنى دون معنى, بل أجمل وصْفهم به، من غير خُصوصِ شيء من معانيه أخرجَهُ من صفتهم بخبرٍ ولا عقلٍ.
القول في تأويل قول الله جل ثناؤه: بِالْغَيْبِ272- حدثنا محمد بن حُميد الرازي, قال: حدثنا سَلَمة بن الفضل, عن محمد بن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: " بالغيب "، قال: بما جاء منه, يعني: من الله جل ثناؤه.
273- حدثني موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك, وعن أبي صالح, عن ابن عباس - وعن مُرّة الهَمْداني , عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، " بالغيب ": أما الغيْبُ فما غابَ عن العباد من أمر الجنة وأمرِ النار, وما ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن.
لم يكن تصديقهُم بذلك -يعني المؤمنين من العرب- من قِبَل أصْل كتابٍ أو عِلْم كان عندَهم.
274- حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزّبيري, قال: حدثنا سفيان، عن عاصم, عن زرٍّ, قال: الغيبُ القرآن (59) .
275- حدثنا بشر بن مُعَاذ العَقَدي, قال: حدثنا يزيد بن زُرَيْع, عن سعيد بن أبي عَرُوبة, عن قتادة في قوله " الذين يُؤمنون بالغيب "، قال: آمنوا بالجنّة والنار، والبَعْث بعدَ الموت، وبيوم القيامة, وكلُّ هذا غيبٌ (60) .
276- حُدِّثت عن عمّار بن الحسن, قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, &; 1-237 &; عن أبيه, عن الربيع بن أنس، " الذين يؤمنون بالغيب ": آمنوا بالله وملائكته ورُسُلِه واليومِ الآخِر، وجَنّته وناره ولقائه, وآمنوا بالحياة بعد الموت.
فهذا كله غيبٌ (61) .
وأصل الغيب: كُلّ ما غاب عنك من شيءٍ.
وهو من قولك: غاب فُلان يغيبُ غيبًا.
وقد اختلفَ أهلُ التأويل في أعيان القوم الذين أنزل الله جل ثناؤه هاتين الآيتين من أول هذه السورة فيهم, وفي نَعْتهم وصِفَتهم التي وَصفَهم بها، من إيمانهم بالغيب, وسائر المعاني التي حوتها الآيتان من صفاتهم غيرَه.
فقال بعضُهم: هم مؤمنو العربِ خاصة, دون غيرهم من مؤمني أهل الكتاب.
واستدَلُّوا على صحّة قولهم ذلك وحقيقة تأويلهم، بالآية التي تتلو هاتين الآيتين, وهو قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ .
قالوا: فلم يكن للعرب كتابٌ قبل الكتاب الذي أنزله الله عزّ وجلّ على محمد صلى الله عليه وسلم، تدينُ بتصديقِه والإقرار والعملِ به.
وإنما كان الكتابُ لأهل الكتابين غيرِها.
قالوا: فلما قصّ الله عز وجل نبأ الذين يؤمنون بما أنزل إلى محمد وما أنزل من قبله -بعد اقتصاصه نبأ المؤمنين بالغيب- علمنا أن كلَّ صِنفٍ منهم غيرُ الصنف الآخر , وأن المؤمنين بالغيب نوعٌ غيرُ النوع المصدِّق بالكتابين اللذين أحدهما مُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم, والآخرُ منهما على مَنْ قَبْلَ رسول الله (62) .
قالوا: وإذْ كان ذلك كذلك، صحَّ ما قلنا من أن تأويل قول الله تعالى: ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )، إنما هم الذين يؤمنون بما غاب عنهم من الجنة والنار، والثَّواب والعقاب والبعث, والتصديقِ بالله ومَلائكته وكُتُبه ورسله، وجميع ما كانت العرب لا تدينُ به في جاهليِّتها, مما أوجب الله جل ثناؤه على عِبَاده الدَّيْنُونة به - دون غيرهم.
* ذكر من قال ذلك:277- حدثني موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حمّاد, قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك, وعن أبي صالح, عن ابن عباس - وعن مُرة الهمداني, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم: أما( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )، فهم المؤمنون من العرب, وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ .
أما الغيب فما غاب عن العباد من أمر الجنة والنار, وما ذكر الله في القرآن.
لم يكن تصديقهم بذلك من قبل أصل كتاب أو علم كان عندهم.
( و الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) هؤلاء المؤمنون من أهل الكتاب (63) .
وقال بعضهم: بل نزلت هذه الآيات الأربع في مؤمني أهل الكتاب خاصة, لإيمانهم بالقرآن عند إخبار الله جل ثناؤه إياهم فيه عن الغيوب التي كانوا يخفونها بينهم ويسرونها, فعلموا عند إظهار الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه و سلم على ذلك منهم في تنزيله، أنه من عند الله جل وعز, فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وصدقوا بالقرآن وما فيه من الإخبار عن الغيوب التي لا علم لهم بها، لما استقر عندهم - بالحجة التي احتج الله تبارك وتعالى بها عليهم في كتابه, من الإخبار فيه عما كانوا يكتمونه من ضمائرهم - أن جميع ذلك من عند الله.
وقال بعضهم: بل الآيات الأربع من أول هذه السورة، أنزلت على محمد صلى الله عليه و سلم بوصف جميع المؤمنين الذين ذلك صفتهم من العرب والعجم، وأهل الكتابين وسواهم (64) .
وإنما هذه صفة صنف من الناس, والمؤمن بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه و سلم، وما أنزل من قبله، هو المؤمن بالغيب.
قالوا: وإنما وصفهم الله بالإيمان بما أنزل إلى محمد وبما أنزل إلى من قبله، بعد تقضي وصفه إياهم بالإيمان بالغيب، لأن وصفه إياهم بما وصفهم به من الإيمان بالغيب، كان معنيا به أنهم يؤمنون بالجنة والنار والبعث وسائر الأمور التي كلفهم الله جل ثناؤه الإيمان بها، مما لم يروه ولم يأت بعد مما هو آت, دون الإخبار عنهم أنهم يؤمنون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الرسل ومن الكتب.
قالوا: فلما كان معنى قوله تعالى ذكره: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ غير موجود في قوله ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) - كانت الحاجة من العباد إلى معرفة صفتهم بذلك ليعرفوهم، نظير حاجتهم إلى معرفتهم بالصفة التي وصفوا بها من إيمانهم بالغيب، ليعلموا ما يرضى الله من أفعال عباده ويحبه من صفاتهم, فيكونوا به -إن وفقهم له ربهم- [مؤمنين] (65) .
* ذكر من قال ذلك:278- حدثني محمد بن عمرو بن العباس الباهلي, قال: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد, قال: حدثنا عيسى بن ميمون المكي, قال: حدثنا عبد الله بن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين، ص[ 1-240 ] وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين (66) .
279- حدثنا سفيان بن وكيع, قال: حدثنا أبي، عن سفيان, عن رجل, عن مجاهد، بمثله (67) .
280- حدثني المثنى بن إبراهيم, قال: حدثنا موسى بن مسعود, قال: حدثنا شِبْل, عن ابن أبي نَجيح, عن مجاهد، مثله (68) .
281- حُدِّثت عن عمار بن الحسن قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه، عن الربيع بن أنس, قال: أربعُ آياتٍ من فاتحة هذه السورة -يعني سورة البقرة- في الذين آمنوا, وآيتان في قادة الأحزاب.
وأولى القولين عندي بالصواب، وأشبههما بتأويل الكتاب, القولُ الأول, وهو: أنّ الذين وَصَفهم الله تعالى ذِكره بالإيمان بالغيب, وبما وصفهم به جَلَّ ثناؤه في الآيتين الأوَّلتَيْن (69) ، غير الذين وصفهم بالإيمان بالذي أنزِل على محمد والذي أنزل على مَنْ قبله من الرسل، لما ذكرت من العلل قبلُ لمن قال ذلك.
ومما يدلّ أيضًا مع ذلك على صحّة هذا القول، أنه جنَّسَ - بعد وصف المؤمنين بالصِّفتين اللتين وَصَف, وبعد تصنيفه كلَّ صنف منهما على ما صنَّف الكفار - جنْسَيْن (70) فجعل أحدهما مطبوعًا على قلبه، مختومًا عليه، مأيوسًا من إيابه (71) والآخرَ منافقًا، يُرائي بإظهار الإيمان في الظاهر, ويستسرُّ النفاق في الباطن.
فصيَّر الكفار جنسَيْن، كما صيَّر المؤمنين في أول السورة جِنْسين.
ثم عرّف عباده نَعْتَ كلِّ صنف منهم وصِفَتَهم، وما أعدَّ لكلّ فريق منهم من ثواب أو عقاب, وَذمّ أهل الذَّم منهم، وشكرَ سَعْيَ أهل الطاعة منهم.
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: وَيُقِيمُونَوإقامتها: أداؤها -بحدودها وفروضها والواجب فيها- على ما فُرِضَتْ عليه.
كما يقال: أقام القومُ سُوقَهم, إذا لم يُعَطِّلوها من البَيع والشراء فيها, وكما قال الشاعر:أَقَمْنَا لأَهْلِ الْعِرَاقَيْنِ سُوقَ الضِّرَاب فَخَامُوا وَوَلَّوْا جَمِيعَا (72)282- وكما حدثنا محمد بن حميد, قال: حدثنا سَلَمة بن الفضل, عن محمد بن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس،" ويقيمون الصلاة "، قال: الذين يقيمون الصلاةَ بفرُوضها.
283- حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عُمارة, عن أبي رَوْق, عن الضحاك, عن ابن عباس،" ويقيمون الصلاة " قال: إقامة ص[ 1-242 ] الصلاة تمامُ الرُّكوع والسُّجود، والتِّلاوةُ والخشوعُ، والإقبالُ عليها فيها (73) .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: الصَّلاةَ284- حدثني يحيى بن أبي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا جُوَيْبر، عن الضحاك في قوله: " الذين يقيمون الصلاة ": يعني الصلاة المفروضة (74) .
وأما الصلاةُ فإنها في كلام العرب الدُّعاءُ، كما قال الأعشى:لَهَا حَارِسٌ لا يَبْرَحُ الدَّهْرَ بَيْتَهَاوَإِنْ ذُبِحَتْ صَلَّى عَلَيْهَا وَزَمْزَمَا (75)يعني بذلك: دعا لها, وكقول الأعشى أيضًا (76) .
وَقَابَلَهَا الرِّيحَ فِي دَنِّهَاوصَلَّى عَلَى دَنِّهَا وَارْتَسَمْ (77)وأرى أن الصلاة المفروضة سُمِّيت " صلاة "، لأنّ المصلِّي متعرِّض لاستنجاح طَلِبتَه من ثواب الله بعمله، مع ما يسأل رَبَّه من حاجاته، تعرُّضَ الداعي بدعائه ربَّه استنجاحَ حاجاته وسؤلَهُ.
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)اختلف المفسرون في تأويل ذلك, فقال بعضهم بما:-285- حدثنا به ابن حُميد, قال: حدثنا سَلَمة, عن محمد بن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس، " ومما رزقناهم ينفقون "، قال: يؤتون الزكاة احتسابًا بها.
286- حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, عن معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس، " ومما رزقناهم ينفقون "، قال: زكاةَ أموالهم (78) .
287- حدثني يحيى بن أبي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا جُوَيْبر، عن الضحاك، " ومما رزقناهم يُنفقون "، قال: كانت النفقات قُرُبات يتقرَّبون بها إلى الله على قدر ميسورهم وجُهْدهم, حتى نَزَلت فرائضُ الصدقات: سبعُ آيات في سورة براءَة, مما يذكر فيهنّ الصدقات, هنّ المُثْبَتات الناسخات (79) .
وقال بعضهم بما:-288- حدثني موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّي في خبر ذَكره، عن أبي مالك, وعن أبي صالح, عن ابن عباس - وعن مُرَّة الهَمْداني, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب ص[ 1-244 ] النبي صلى الله عليه وسلم، " ومما رَزقناهم ينفقون ": هي َنفقَةُ الرّجل على أهله.
وهذا قبل أن تنزِل الزكاة (80) .
وأوْلى التأويلات بالآية وأحقُّها بصفة القوم: أن يكونوا كانوا لجميع اللازم لهم في أموالهم, مُؤدِّين، زكاةً كان ذلك أو نفَقةَ مَنْ لزمتْه نفقتُه، من أهل وعيال وغيرهم, ممن تجب عليهم نَفَقتُه بالقرابة والمِلك وغير ذلك.
لأن الله جل ثناؤه عَمّ وصفهم إذْ وصَفهم بالإنفاق مما رزقهم, فمدحهم بذلك من صفتهم.
فكان معلومًا أنه إذ لم يخصُصْ مدْحَهم ووصفَهم بنوع من النفقات المحمود عليها صاحبُها دونَ نوعٍ بخبر ولا غيره - أنهم موصوفون بجميع معاني النفقات المحمودِ عليها صاحبُها من طيِّب ما رزقهم رَبُّهم من أموالهم وأملاكهم, وذلك الحلالُ منه الذي لم يَشُبْهُ حرامٌ.
---------------الهوامش :(56) الأثر 267- سيأتي باقيه بهذا الإسناد : 272 .
ونقلهما ابن كثير 1 : 73 مفرقين .
ونقل 268 مع أولهما .
ونقل السيوطي 1 : 25 الثلاثة مجتمعة .
(57) الأثران 269 - 270 : ذكرهما ابن كثير 1 : 73(58) الخبر 271- عبد الله : هو ابن مسعود .
وقد نقل ابن كثير هذا الخبر وحده 1 : 73 ، ثم نقل الخبر الآتي 273 وحده .
وفصل إسناد كل واحد منهما .
أما السيوطي 1 : 25 فقد جمع اللفظين دون بيان ، وأدخل معهما لفظ الخبر 277! وهو تصرف غير سديد ، لاختلاف الإسنادين أولا ، ولأن 273 ، 277 ليسا عن ابن مسعود وحده ، كما ترى .
(59) الأثر 274- سفيان : هو الثوري ، عاصم : هو ابن أبي النجود -بفتح النون- القارئ .
زر ، بكسر الزاي وتشديد الراء : هو ابن حبيش ، بضم الحاء .
وهو تابعي كبير إمام .
وهذا الأثر عند ابن كثير 1 : 73 - 74 .
(60) الأثر 275- ذكره ابن كثير والسيوطي أيضًا .
(61) الأثر 276- ذكره ابن كثير 1 : 73 هكذا : "قال أبو جعفر الرازي عن الربيع ابن أنس عن أبي العالية .
.
.
" .
وذكره السيوطي 1 : 25 هكذا : "وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية .
.
" .
فأخشى أن يكون ذكر"عن أبي العالية" سقط من الإسناد من نسخ الطبري ، لثبوته عند هذين الناقلين عنه .
(62) في المخطوطة : "والآخر منهما على من قبله رسول الله" ، والظاهر أن صوابها : "على من قبل رسول الله" ، كما أثبتناها .
وأما المطبوعة ففيها : "على من قبله من رسل الله تعالى ذكره" .
(63) الخبر 277- سبق أوله بهذا الإسناد : 273 .
ولم يذكره ابن كثير بهذا اللفظ المطول .
وقد مضى في شرح 271 أن السيوطي جمع الألفاظ الثلاثة : 271 ، 273 ، 277 في سياقة واحدة!(64) في المطبوعة والمخطوطة"وأهل الكتابين سواهم" ، والصواب أن يقال"وسواهم" .
فقد ذكر الطبري ثلاثة أقوال : أما الأول : فهو أن المعنى به العرب خاصة ، والثاني : أن المعنى به أهل الكتاب خاصة ، فيكون الثالث : أن يعني به الصنفين جميعا وسواهم من الناس .
(65) هذه الزيادة بين القوسين واجبة لتمام المعنى .
وليست في المطبوعة ولا المخطوطة .
(66) الأثر 278- أبو عاصم : هو النبيل ، الحافظ الكبير .
عيسى بن ميمون المكي : هو المعروف بابن داية ، قال ابن عيينة : "كان قارئًا للقرآن .
قرأ على ابن كثير" .
وثقه أبو حاتم وغيره .
(67) الأثر 279- هذا إسناد ضعيف ، بضعف سفيان بن وكيع ، ولإبهام الرجل الذي روى عنه سفيان الثوري .
ولكن الأثر موصول بالإسنادين اللذين قبله وبعده .
(68) الأثر 280- موسى بن مسعود : هو أبو حذيفة النهدي ، وهو ثقة ، روى عنه البخاري في صحيحه ، ووثقه ابن سعد والعجلي .
وترجمه البخاري في الكبير 4/1/ 295 .
شبل : هو ابن عباد المكي القارئ ، وهو ثقة ، وثقه أحمد وابن معين وغيرهما .
وهذا الأثر ، بأسانيده الثلاثة ، ذكره ابن كثير 1 : 80 دون تفصيلها ، قال : "والظاهر قول مجاهد - فيما رواه الثوري عن رجل عن مجاهد ، ورواه غير واحد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، أنه قال .
.
.
" .
(69) الأولة : الأولى ، وليست خطأ .
(70) سياقه : "جنَّس .
.
.
جنسين" ، وما بينهما فصل ، وجنس الشيء : جعله أجناسًا ، كصنفه أصنافًا .
(71) في المطبوعة : "إيمانه" ، وهي صحيحة المعنى أيضًا .
والإياب : الرجوع إلى الله بالتوبة والطاعة .
ومنه قوله تعالى : وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (72) في المطبوعة"فحاسوا" ، وفي المخطوطة"مجآمرا" .
وخام في الحرب عن قرنه بخيم خيمًا : جبن ونكص وانكسر .
ولم أعرف قائل البيت .
(73) الخبران 282 ، 283- في تفسير ابن كثير 1 : 77 ، والدر المنثور 1 : 27 ، والشوكاني 1 : 25 .
(74) الأثر 284- إسناده ضعيف جدًّا .
يحيى بن أبي طالب جعفر بن الزبرقان : قال الذهبي : "محدث مشهور .
.
.
وثقه الدارقطني وغيره .
.
.
والدارقطني من أخبر الناس به" .
مات سنة 275 عن 95 سنة .
يزيد : هو ابن هارون ، أحد الحفاظ الأعلام المشاهير ، من شيوخ الأئمة أحمد وابن معين وابن راهويه وابن المديني .
جويبر - بالتصغير : هو ابن سعيد الأزدي البلخي ، ضعيف جدًّا ، ضعفه يحيى القطان ، فيما روى عنه البخاري في الكبير 1/2/ 256 ، والصغير : 176 ، وقال النسائي في الضعفاء : 8"متروك الحديث" ، وفي التهذيب 2 : 124"قال أبو قدامة السرخسي : قال يحيى القطان : تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثقونهم في الحديث .
ثم ذكر الضحاك وجويبرًا ومحمد بن السائب .
وقال : هؤلاء لا يحتمل حديثهم ، ويكتب التفسير عنهم" .
(75) ديوانه : 200 ، يذكر الخمر في دنها .
وزمزم العلج من الفرس : إذا تكلف الكلام عند الأكل وهو مطبق فمه بصوت خفي لا يكاد يفهم .
وفعلهم ذلك هو الزمزمة .
"ذبحت" أي بزلت وأزيل ختمها .
وعندئذ يدعو مخافة أن تكون فاسدة ، فيخسر .
(76) في المطبوعة والمخطوطة : "وكقول الآخر أيضًا" ، والصواب أنه الأعشى ، وسبق قلم الناسخ .
(77) ديوان الأعشى : 29 .
وقوله"وقابلها الريح" أي جعلها قبالة مهب الريح ، وذلك عند بزلها وإزالة ختمها .
ويروى : "فأقبلها الريح" وهو مثله .
وارتسم الرجل : كبر ودعا وتعوذ ، مخافة أن يجدها قد فسدت ، فتبور تجارته .
(78) الخبر 286- في المخطوطة"ابن المثنى" ، وهو خطأ .
والخبر ذكره ابن كثير 1 : 77 .
(79) الأثر 287- ذكره ابن كثير 1 : 77 ، والسيوطي 1 : 27 ، والشوكاني 1 : 25 .
وقوله"المثبتات" : بفتح الباء ، أي التي أثبت حكمها ولم ينسخ ، ويجوز كسرها ، بمعنى أنها أثبتت الفريضة بعد نسخها ما سبقها في النزول .
وبدلها عند السيوطي والشوكاني"الناسخات المبينات" .
وليس بشيء(80) الخبر 288- نقله ابن كثير أيضًا .
ونقله السيوطي مختصرًا ، وجعله من كلام ابن مسعود وحده .
وقلده الشوكاني دون بحث .

الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون

سورة : البقرة - الأية : ( 3 )  - الجزء : ( 1 )  -  الصفحة: ( 2 ) - عدد الأيات : ( 286 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل
  2. تفسير: فلما رأوها قالوا إنا لضالون
  3. تفسير: إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون
  4. تفسير: قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما
  5. تفسير: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون
  6. تفسير: ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون
  7. تفسير: يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله
  8. تفسير: ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام
  9. تفسير: يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون
  10. تفسير: وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

رزق ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب