سورة البقرة مدنية | رقم السورة: 2 - عدد آياتها : 286 عدد كلماتها : 6,144 - اسمها بالأنجليزي : The Cow

سورة البقرة | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح

استماع mp3 الجلالين&الميسر تفسير الشوكاني
إعراب الصفحة تفسير ابن كثير تفسير القرطبي
التفسير المختصر تفسير الطبري تفسير السعدي

سورة البقرة مكتوبة

تفسير الطبري تفسير الصفحة 2 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 2
003
001
 سورة البقرة
مدنـية
وآياتها ست وثمانون ومائتان
القول فـي تأويـل السورة التـي يذكر فـيها البقرة
الآية : 1
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{الَمَ }
قال أبو جعفر: اختلفت تراجمة القران فـي تأويـل قول الله تعالـى ذكره: الـم فقال بعضهم: هو اسم من أسماء القران. ذكر من قال ذلك:
71ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: الـم قال: اسم من أسماء القران.
72ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم الاَملـي, قال: حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود, قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قال: الـم اسم من أسماء القران.
73ـ حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين بن داود, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج قال: الـم اسم من أسماء القران.
وقال بعضهم: هو فواتـح يفتـح الله بها القران. ذكر من قال ذلك:
74ـ حدثنـي هارون بن إدريس الأصم الكوفـي, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: الـم فواتـح يفتـح الله بها القران.
حدثنا أحمد بن حازم الغفـاري, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن مـجاهد, قال: الـم فواتـح.
حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, عن يحيى بن ادم, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد, قال: الـم وحم والـمص وص فواتـح افتتـح الله بها.
حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد مثل حديث هارون بن إدريس.
وقال بعضهم: هو اسم للسورة. ذكر من قال ذلك:
75ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أنبأنا عبد الله بن وهب, قال: سألت عبد الرحمن بن زيد بن أسلـم, عن قول الله: الـم ذلك الكتابُ والـم تَنْزِيـلُ والـمر تِلْك فقال: قال أبـي: إنـما هي أسماء السور.
وقال بعضهم: هو اسم الله الأعظم. ذكر من قال ذلك:
76ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا شعبة, قال: سألت السديّ عن حم وطسم والـم فقال: قال ابن عبـاس: هو اسم الله الأعظم.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنـي أبو النعمان, قال: حدثنا شعبة عن إسماعيـل السدي, عن مرة الهمدانـي, قال: قال عبد الله فذكر نـحوه.
77ـ حدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, عن عبـيد الله بن موسى, عن إسماعيـل, عن الشعبـي قال: فواتـح السور من أسماء الله.
وقال بعضهم: هو قَسَمٌ أقسم الله به وهي من أسمائه. ذكر من قال ذلك:
78ـ حدثنـي يحيى بن عثمان بن صالـح السهمي, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قال: هو قَسَم أقسم الله به وهو من أسماء الله.
79ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا خالد الـحذاء عن عكرمة قال: الـم قسم.
وقال بعضهم: هو حروف مقطعة من أسماء وأفعال, كل حرف من ذلك لـمعنى غير معنى الـحرف الاَخر. ذكر من قال ذلك:
80ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا ابن أبـي شريك, عن عطاء بن السائب, عن أبـي الضحى, عن ابن عبـاس: الـم فقال: أنا الله أعلـم.
81ـ وحدثت عن أبـي عبـيد قال: حدثنا أبو الـيقظان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, قال قوله: الـم قال: أنا الله أعلـم.
82ـ حدثنـي موسى بن هارون الهمدانـي, قال: حدثنا عمرو بن حماد القناد, قال: حدثنا أسبـاط بن نصر, عن إسماعيـل السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: الـم قال: أما: الـم فهو حرف اشتق من حروف هجاء أسماء الله جل ثناؤه.
83ـ حدثنا مـحمد بن معمر, قال: حدثنا عبـاس بن زياد البـاهلـي, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس فـي قوله: الـم وحم ون قال: اسم مقطع.
وقال بعضهم: هي حروف هجاء موضوع. ذكر من قال ذلك:
84ـ حدثت عن منصور بن أبـي نويرة, قال: حدثنا أبو سعيد الـمؤدب, عن خصيف, عن مـجاهد, قال: فواتـح السور كلها ق وص وحم وطسم والر وغير ذلك هجاء موضوع.
وقال بعضهم: هي حروف يشتـمل كل حرف منها علـى معان شتـى مختلفة. ذكر من قال ذلك:
85ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم الطبري, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, عن عبد الله بن أبـي جعفر الرازي قال: حدثنـي أبـي, عن الربـيع بن أنس فـي قول الله تعالـى ذكره: الـم قال: هذه الأحرف من التسعة والعشرين حرفـا, دارت فـيها الألسن كلها, لـيس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه, ولـيس منها حرف إلا وهو فـي آلائه وبلائه, ولـيس منها حرف إلا وهو مدة قوم وآجالهم. وقال عيسى ابن مريـم: «وعجيب ينطقون فـي أسمائه, ويعيشون فـي رزقه, فكيف يكفرون»؟ قال: الألف: مفتاح اسمه «الله», واللام: مفتاح اسمه «لطيف», والـميـم: مفتاح اسمه «مـجيد» والألف: آلاء الله, واللام: لطفه, والـميـم: مـجده الألف: سنة, واللام ثلاثون سنة, والـميـم: أربعون سنة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام عن أبـي جعفر, عن الربـيع بنـحوه.
وقال بعضهم: هي حروف من حساب الـجمل, كرهنا ذكر الذي حكي ذلك عنه, إذ كان الذي رواه مـمن لا يُعتـمد علـى روايته ونقله, وقد مضت الرواية بنظير ذلك من القول عن الربـيع بن أنس.
وقال بعضهم: لكل كتاب سرّ, وسرّ القرآن فواتـحه.
وأما أهل العربـية فإنهم اختلفوا فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: هي حروف من حروف الـمعجم استُغنـي بذكر ما ذكر منها فـي أوائل السور عن ذكر بواقـيها التـي هي تتـمة الثمانـية والعشرين حرفـا, كما استغنَى الـمخبرُ عمن أخبر عنه أنه فـي حروف الـمعجم الثمانـية والعشرين بذكر «أ ب ت ث» عن ذكر بواقـي حروفها التـي هي تتـمة الثمانـية والعشرين, قال: ولذلك رفع ذلك الكتابُ لأن معنى الكلام: الألف واللام والـميـم من الـحروف الـمقطعة ذلك الكتاب الذي أنزلته إلـيه مـجموعا لا ريب فـيه....
فإن قال قائل: فإن «أ ب ت ث» قد صارت كالاسم فـي حروف الهجاء كما صارت الـحمد اسما لفـاتـحة الكتاب قـيـل له: لـما كان جائزا أن يقول القائل: ابنـي فـي «ط ظ», وكان معلوما بقـيـله ذلك لو قاله إنه يريد الـخبر عن ابنه أنه فـي الـحروف الـمقطعة, علـم بذلك أن «أ ب ت ث» لـيس لها بـاسم, وإن كان ذلك آثَرَ فـي الذكر من سائرها. قال: وإنـما خولف بـين ذكر حروف الـمعجم فـي فواتـح السور, فذكرت فـي أوائلها مختلفة, وذِكْرُها إذا ذُكرت بأوائلها التـي هي «أ ب ت ث» مؤتلفة لـيفصل بـين الـخبر عنها, إذا أريد بذكر ما ذكر منها مختلفـا الدلالة علـى الكلام الـمتصل, وإذا أريد بذكر ما ذكر منها مؤتلفـا الدلالة علـى الـحروف الـمقطعة بأعيانها. واستشهدوا لإجازة قول القائل: ابنـي فـي «ط ظ», وما أشبه ذلك من الـخبر عنه أنه فـي حروف الـمعجم, وأن ذلك من قـيـله فـي البـيان يقوم مقام قوله: «ابنـي فـي أ ب ت ث» برجز بعض الرجاز من بنـي أسد:
لَـمّا رأيْتُ أمْرَها فـي حُطّيوفَنَكَتْ فـي كَذِبٍ ولَطّ
أخَذْتُ منْها بِقُرُونٍ شُمْطِفَلَـمْ يَزَلْ ضَرْبـي بها ومَعْطِي
حتـى عَلا الرأسَ دَمٌ يُغَطّي
فزعم أنه أراد بذلك الـخبر عن الـمرأة أنها فـي «أبـي جاد», فأقام قوله: «لـما رأيت أمرها فـي حُطي» مقام خبره عنها أنها فـي «أبـي جاد», إذ كان ذاك من قوله يدل سامعه علـى ما يدله علـيه قوله: لـما رأيت أمرها فـي أبـي جاد.
وقال آخرون: بل ابتدئت بذلك أوائل السور لـيفتـح لاستـماعه أسماع الـمشركين, إذ تواصوا بـالإعراض عن القرآن, حتـى إذا استـمعوا له تُلـي علـيهم الـمؤلف منه.
وقال بعضهم: الـحروف التـي هي فواتـح السور حروف يستفتـح الله بها كلامه.
فإن قـيـل: هل يكون من القرآن ما لـيس له معنى؟ فإن معنى هذا أنه افتتـح بها لـيعلـم أن السورة التـي قبلها قد انقضت, وأنه قد أخذ فـي أخرى, فجعل هذا علامة انقطاع ما بـينهما, وذلك فـي كلام العرب ينشد الرجل منهم الشعر فـيقول:
بل....وَبَلْدَةٍ ما الإنْسُ مِنْ آهالهَا
ويقول: لا بل...
ما هاجَ أحْزَانا وشَجَوْا قَدْ شَجا
و«بل» لـيست من البـيت ولا تعدّ فـي وزنه, ولكن يقطع بها كلاما ويستأنف الاَخر.
قال أبو جعفر: ولكل قول من الأقوال التـي قالها الذين وصفنا قولهم فـي ذلك وجه معروف. فأما الذين قالوا: الـم اسم من أسماء القرآن, فلقولهم ذلك وجهان: أحدهما أن يكونوا أرادوا أن: الـم اسم للقرآن كما الفرقان اسم له. وإذا كان معنى قائل ذلك كذلك, كان تأويـل قوله: الـم: ذلكَ الكِتابُ علـى معنى القسم كأنه قال: والقرآن هذا الكتاب لا ريب فـيه. والاَخر منهما أن يكونوا أرادوا أنه اسم من أسماء السورة التـي تعرف به كما تعرف سائر الأشياء بأسمائها التـي هي لها أمارات تعرف بها, فـيفهم السامع من القائل يقول: قرأت الـيوم الـمص ون أي السورة التـي قرأها من سور القرآن, كما يفهم عنه إذا قال: لقـيت الـيوم عمرا وزيدا, وهما بزيد وعمر وعارفـان مَنِ الذي لقـي من الناس. وإن أشكل معنى ذلك علـى امرىء فقال: وكيف يجوز أن يكون ذلك كذلك ونظائر الـم الـمر فـي القرآن جماعة من السور؟ وإنـما تكون الأسماء أماراتٍ, إذا كانت مـميزة بـين الأشخاص, فأما إذا كانت غير مـميزة فلـيست أمارات. قـيـل: إن الأسماء وإن كانت قد صارت لاشتراك كثـير من الناس فـي الواحد منها غير مـميزة إلا بـمعان أخر معها من ضم نسبة الـمسمى بها إلـيها أو نعته أو صفته بـما يفرق بـينه وبـين غيره من أشكالها, فإنها وضعت ابتداء للتـميـيز لا شك ثم احتـيج عند الاشتراك إلـى الـمعانـي الـمفرّقة بـين الـمسمّى بها. فكذلك ذلك فـي أسماء السور, جعل كل اسم فـي قول قائل هذه الـمقالة أمارةً للـمسمى به من السور. فلـما شارك الـمسمّى به فـيه غيره من سور القرآن احتاج الـمخبر عن سورة منها أن يضم إلـى اسمها الـمسمى به من ذلك ما يفرق به للسامع بـين الـخبر عنها وعن غيرها من نعت وصفة أو غير ذلك, فـيقول الـمخبر عن نفسه إنه تلا سورة البقرة إذا سماها بـاسمها الذي هو الـم: قرأت الـم البقرة, وفـي آل عمران: قرأت الـم آل عمران, والـم ذَلِكَ الكِتابُ والـم اللّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الـحَيّ القَـيّومُ. كما لو أراد الـخبر عن رجلـين اسم كل واحد منهما عمرو, غير أن أحدهما تـميـميّ والاَخر أزدي, للزمه أن يقول لـمن أراد إخبـاره عنهما: لقـيت عمرا التـميـمي وعمرا الأزدي, إذ كان لا فرق بـينهما وبـين غيرهما مـمن يشاركهما فـي أسمائهما إلا بنسبتهما كذلك, فكذلك ذلك فـي قول من تأول فـي الـحروف الـمقطعة أنها أسماء للسور.
وأما الذين قالوا: ذلك فواتـح يفتتـح الله عز وجل بها كلامه, فإنهم وجهوا ذلك إلـى نـحو الـمعنى الذي حكيناه عمن حكينا عنه من أهل العربـية أنه قال: ذلك أدلة علـى انقضاء سورة وابتداء فـي أخرى وعلامة لانقطاع ما بـينهما, كما جعلت «بل» فـي ابتداء قصيدة دلالة علـى ابتداء فـيها وانقضاء أخرى قبلها كما ذكرنا عن العرب إذا أرادوا الابتداء فـي إنشاد قصيدة, قال:
بل...ما هاجَ أحْزَانا وشَجْوا قَدْ شَجا
و«بل» لـيست من البـيت ولا داخـلة فـي وزنه, ولكن لـيدل به علـى قطع كلام وابتداء آخر.
وأما الذين قالوا: ذلك حروف مقطعة بعضها من أسماء الله عزّ وجل, وبعضها من صفـاته, ولكل حرف من ذلك معنى غير معنى الـحرف الاَخر. فإنهم نـحوا بتأويـلهم ذلك نـحو قول الشاعر:
قُلْنا لَهَا قِـفِـي لنا قالَتْ قافْلا تَـحْسبِـي أنّا نَسِينا الإيجَافْ
يعنـي بقوله: قالت قاف: قالت قد وقـفت. فدلّت بإظهار القاف من «وقـفت» علـى مرادها من تـمام الكلـمة التـي هي «وقـفت», فصرفوا قوله: الـم وما أشبه ذلك إلـى نـحو هذا الـمعنى, فقال بعضهم: الألف ألف «أنا», واللام لام «الله», والـميـم ميـم «أعلـم», وكل حرف منها دال علـى كلـمة تامة. قالوا: فجملة هذه الـحروف الـمقطعة إذا ظهر مع كل حرف منهن تـمام حروف الكلـمة «أنا الله أعلـم». قالوا: وكذلك سائر جميع ما فـي أوائل سور القرآن من ذلك, فعلـى هذا الـمعنى وبهذا التأويـل. قالوا: ومستفـيض ظاهر فـي كلام العرب أن ينقص الـمتكلـم منهم من الكلـمة الأحرف إذا كان فـيـما بقـي دلالة علـى ما حذف منها, ويزيد فـيها ما لـيس منها إذا لـم تكن الزيادة مُلَبّسة معناها علـى سامعها كحذفهم فـي النقص فـي الترخيـم من «حارث» «الثاء» فـيقولون: يا حار, ومن «مالك» «الكاف» فـيقولون: يا مال, وأما أشبه ذلك. وكقول راجزهم:
ما للظّلِـيـمِ عَالَ كَيْفَ لاَ يايَنْقَدّ عَنْهُ جِلْدُهُ إذَا يا
كأنه أراد أن يقول: إذا يفعل كذا وكذا, فـاكتفـى بـالـياء من «يفعل». وكما قال آخر منهم:
بـالـخَيْرِ خَيْرَاتٌ وَإِنْ شَرّا فَـا
يريد فشرّا.
ولا أُرِيدُ الشّرّ إِلاّ أنْ تَا
يريد إلا أن تشاء. فـاكتفـى بـالتاء والفـاء فـي الكلـمتـين جميعا من سائر حروفهما, وما أشبه ذلك من الشواهد التـي يطول الكتاب بـاستـيعابه. وكما
86ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن أيوب وابن عون, عن مـحمد, قال: لـما مات يزيد بن معاوية, قال لـي عبدة: إنـي لا أراها إلا كائنة فتنة فـافزع من ضيعتك والـحق بأهلك قلت: فما تأمرنـي؟ قال: أحبّ إلـيّ لك أن تا قال أيوب وابن عون بـيده تـحت خده الأيـمن يصف الاضطجاع حتـى ترى أمرا تعرفه.
قال أبو جعفر: يعنـي ب «تا» تضطجع, فـاجتزأ بـالتاء من تضطجع. وكما قال الاَخر فـي الزيادة فـي الكلام علـى النـحو الذي وصفت:
أقولُ إذْ خَرّتْ علـى الكَلْكالِيا ناقَتِـي ما جُلْتِ مِن مَـجَالِ
يريد الكلكل. وكما قال الاَخر:
إِنّ شَكْلِـي وإِنّ شَكْلَكِ شَتّـىفـالزَمِي الـخُصّ واخْفِضي تَبْـيَضِضّي
فزاد ضادا ولـيست فـي الكلـمة.
قالوا: فكذلك ما نقص من تـمام حروف كل كلـمة من هذه الكلـمات التـي ذكرنا أنها تتـمة حروف الـم ونظائرها, نظير ما نقص من الكلام الذي حكيناه عن العرب فـي أشعارها وكلامها.
وأما الذين قالوا: كل حرف من الـم ونظائرها دالّ علـى معان شتـى نـحو الذي ذكرنا عن الربـيع بن أنس, فإنهم وجهوا ذلك إلـى مثل الذي وجهه إلـيه من قال هو بتأويـل: «أنا الله أعلـم» فـي أن كل حرف منه بعض حروف كلـمة تامة استُغنـي بدلالته علـى تـمامه عن ذكر تـمامه, وإن كانوا له مخالفـين فـي كل حرف من ذلك, أهو من الكلـمة التـي ادعى أنه منها قائلو القول الأول أم من غيرها؟ فقالوا: بل الألف من الـم من كلـمات شتـى هي دالة علـى معانـي جميع ذلك وعلـى تـمامه. قالوا: وإنـما أفرد كل حرف من ذلك وقصر به عن تـمام حروف الكلـمة أن جميع حروف الكلـمة لو أظهرت لـم تدل الكلـمة التـي تظهر بعض هذه الـحروف الـمقطعة بعضٌ لها, إلاّ علـى معنى واحد لا علـى معنـيـين وأكثر منهما. قالوا: وإذا كان لا دلالة فـي ذلك لو أظهر جميعها إلا علـى معناها الذي هو معنى واحد, وكان الله جل ثناؤه قد أراد الدلالة بكل حرف منها علـى معان كثـيرة لشيء واحد, لـم يجز إلا أن يفرد الـحرف الدال علـى تلك الـمعانـي, لـيعلـم الـمخاطبون به أن الله عز وجل لـم يقصد قصد معنى واحد ودلالة علـى شيء واحد بـما خاطبهم به, وأنه إنـما قصد الدلالة به علـى أشياء كثـيرة. قالوا: فـالألف من الـم مقتضية معانـي كثـيرة, منها: إتـمام اسم الرب الذي هو الله, وتـمام اسم نعماء الله التـي هي آلاء الله, والدلالة علـى أَجَلِ قوم أنه سنة, إذا كانت الألف فـي حساب الـجُمّل واحدا. واللام مقتضية تـمام اسم الله الذي هو لطيف, وتـمام اسم فضله الذي هو لطف, والدلالة علـى أجل قوم أنه ثلاثون سنة. والـميـم مقتضية تـمام اسم الله الذي هو مـجيد, وتـمام اسم عظمته التـي هي مـجد, والدلالة علـى أجل قوم أنه أربعون سنة. فكان معنى الكلام فـي تأويـل قائل القول الأول: أن الله جل ثناؤه افتتـح كلامه بوصف نفسه بأنه العالـم الذي لا يخفـى علـيه شيء, وجعل ذلك لعبـاده منهجا يسلكونه فـي مفتتـح خطبهم ورسائلهم ومهمّ أمورهم, وابتلاء منه لهم لـيستوجبوا به عظيـم الثواب فـي دار الـجزاء, كما افتتـح بـالـحمد لله رب العالـمين, والـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي خَـلَقَ السموَاتِ وَالأرْضَ وما أشبه ذلك من السور التـي جعل مفـاتـحها الـحمد لنفسه. وكما جعل مفـاتـح بعضها تعظيـم نفسه وإجلالها بـالتسبـيح كما قال جل ثناؤه: سُبْحانَ الّذِي أسْرَى بعَبْدِهِ لَـيْلاً وما أشبه ذلك من سائر سور القرآن التـي جعل مفـاتـح بعضها تـحميد نفسه, ومفـاتـح بعضها تـمـجيدها, ومفـاتـح بعضها تعظيـمها وتنزيهها. فكذلك جعل مفـاتـح السور الأخرى التـي أوائلها بعض حروف الـمعجم مدائح نفسه أحيانا بـالعلـم, وأحيانا بـالعدل والإنصاف, وأحيانا بـالإفضال والإحسان بإيجاز واختصار, ثم اقتصاص الأمور بعد ذلك. وعلـى هذا التأويـل يجب أن يكون الألف واللام والـميـم فـي أماكن الرفع مرفوعا بعضها ببعض دون قوله: ذلكَ الكِتابُ ويكون ذلك الكتاب خبر مبتدأ منقطعا عن معنى الـم, وكذلك «ذلك» فـي تأويـل قول قائل هذا القول الثانـي مرفوعٌ بعضه ببعض, وإن كان مخالفـا معناه معنى قول قائل القول الأول.
وأما الذين قالوا: هن حروف من حروف حساب الـجُمّل دون ما خالف ذلك من الـمعانـي, فإنهم قالوا: لا نعرف للـحروف الـمقطعة معنى يفهم سوى حساب الـجمل وسوى تَهَجّي قول القائل: الـم. وقالوا: غير جائز أن يخاطب الله جل ثناؤه عبـادَهُ إلا بـما يفهمونه ويعقلونه عنه. فلـما كان ذلك كذلك وكان قوله: الـم لا يعقل لها وجهه تُوجّه إلـيه إلا أحد الوجهين اللذين ذكرنا, فبطل أحد وجهيه, وهو أن يكون مرادا بها تهجي الـم صحّ وثبت أنه مراد به الوجه الثانـي وهو حساب الـجمل لأن قول القائل: الـم لا يجوز أن يـلـيه من الكلام ذلك الكتاب لاستـحالة معنى الكلام وخروجه عن الـمعقول إذا ولـي الـم ذلك الكتاب. واحتـجوا لقولهم ذلك أيضا بـما:
87ـ حدثنا به مـحمد بن حميد الرازي, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل. قال: حدثنـي مـحمد بن إسحاق, قال: حدثنـي الكلبـي, عن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, عن جابر بن عبد الله بن رئاب, قال: مرّ أبو ياسر بن أخطب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فـاتـحة سورة البقرة: الـم ذَلِكَ الكِتابُ لاَ رَيْبَ فِـيهِ فأتـى أخاه حيـيّ بن أخطب فـي رجال من يهود فقال: تعلـمون والله لقد سمعت مـحمدا يتلو فـيـما أنزل الله عز وجل علـيه: الـم ذَلِكَ الكِتابُ فقالوا: أنت سمعته؟ قال: نعم. فمشى حيـيّ بن أخطب فـي أولئك النفر من يهود إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: يا مـحمد ألـم يذكر لنا أنك تتلو فـيـما أنزل علـيك: الـم ذَلِكَ الكِتابُ؟ فقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَلَـى» فقالوا: أجاءك بهذا جبريـل من عند الله؟ قال: «نَعَمْ» قالوا: لقد بعث الله جل ثناؤه قبلك أنبـياء ما نعلـمه بـين لنبـيّ منهم ما مدة ملكه وما أَجَل أمته غيرك فقال حيـيّ بن أخطب: وأقبل علـى من كان معه, فقال لهم: الألف واحدة, واللام ثلاثون, والـميـم أربعون, فهذه إحدى وسبعون سنة, قال: فقال لهم: أتدخـلون فـي دين نبـي إنـما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟ قال: ثم أقبل علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا مـحمد هل مع هذه غيره؟ قال: «نَعَمْ» قال: ماذا؟ قال: «الـمص» قال: هذه أثقل وأطول: الألف واحدة, واللام ثلاثون, والـميـم أربعون, والصاد تسعون. فهذه مائة وإحدى وستون سنة هل مع هذا يا مـحمد غيره؟ قال: «نَعَمْ» قال: ماذا؟ قال: «الر» قال: هذه أثقل وأطول الألف واحدة, واللام ثلاثون, والراء مائتان, فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة فقال: هل مع هذا غيره يا مـحمد؟ قال: «نَعَمْ الـمر», قال: فهذه أثقل وأطول: الألف واحدة واللام ثلاثون, والـميـم أربعون, والراء مائتان, فهذه إحدى وسبعون ومائتا سنة. ثم قال: لقد لُبّس علـينا أمرك يا مـحمد, حتـى ما ندري أقلـيلاً أُعطيتَ أم كثـيرا ثم قاموا عنه, فقال أبو ياسر لأخيه حيـي بن أخطب ولـمن معه من الأحبـار: ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لـمـحمد: إحدى وسبعون, وإحدى وستون ومائة, ومائتان وإحدى وثلاثون, ومائتان وإحدى وسبعون, فذلك سبعمائة سنة وأربع وثلاثون, فقالوا: لقد تشابه علـينا أمره. ويزعمون أن هؤلاء الاَيات نزلت فـيهم: هُوَ الذِي أنْزَلَ عَلَـيْكَ الكِتابَ مِنْهُ آياتٍ مُـحْكماتٌ هُنّ أُمّ الكِتابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ.
فقالوا: قد صرّح هذا الـخبر بصحة ما قلنا فـي ذلك من التأويـل وفساد ما قاله مخالفونا فـيه.
والصواب من القول عندي فـي تأويـل مفـاتـح السور التـي هي حروف الـمعجم: أن الله جل ثناؤه جعلها حروفـا مقطعة ولـم يصل بعضها ببعض فـيجعلها كسائر الكلام الـمتصل الـحروف لأنه عز ذكره أراد بلفظه الدلالة بكل حرف منه علـى معان كثـيرة لا علـى معنى واحد, كما قال الربـيع بن أنس, وإن كان الربـيع قد اقتصر به علـى معان ثلاثة دون ما زاد علـيها. والصواب فـي تأويـل ذلك عندي أن كل حرف منه يحوي ما قاله الربـيع وما قاله سائر الـمفسرين غيره فـيه, سوى ما ذكرت من القول عمن ذكرت عنه من أهل العربـية أنه كان يوجّه تأويـل ذلك إلـى أنه حروف هجاء استُغنـي بذكر ما ذكر منه فـي مفـاتـح السور عن ذكر تتـمة الثمانـية والعشرين حرفـا من حروف الـمعجم بتأويـل: أن هذه الـحروف, ذلك الكتاب, مـجموعةٌ لا ريب فـيه, فإنه قول خطأ فـاسد لـخروجه عن أقوال جميع الصحابة والتابعين, ومن بعدهم من الـخالفـين من أهل التفسير والتأويـل, فكفـى دلالة علـى خطئه شهادة الـحجة علـيه بـالـخطأ مع إبطال قائل ذلك قوله الذي حكيناه عنه, إذ صار إلـى البـيان عن رفع ذلك الكتاب بقوله مرة إنه مرفوع كل واحد منهما بصاحبه ومرة أخرى أنه مرفوع بـالراجع من ذكره فـي قوله: لاَ رَيْبَ فِـيهِ ومرة بقوله: هُدًى لِلْـمُتّقِـينَ وذلك ترك منه لقوله إن الـم رافعة ذَلِكَ الكِتَابُ وخروج من القول الذي ادّعاه فـي تأويـل الـم ذَلِكَ الكِتَابُ وأن تأويـل ذلك: هذه الـحروف ذلك الكتاب.
فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن يكون حرف واحد شاملاً الدلالة علـى معان كثـيرة مختلفة؟ قـيـل: كما جاز أن تكون كلـمة واحدة تشتـمل علـى معان كثـيرة مختلفة كقولهم للـجماعة من الناس: أمة, وللـحين من الزمان: أمة, وللرجل الـمتعبد الـمطيع لله: أمة, وللدين والـملة: أمة. وكقولهم للـجزاء والقصاص: دين, وللسلطان والطاعة: دين, وللتذلل: دين, وللـحساب: دين فـي أشبـاه لذلك كثـيرة يطول الكتاب بإحصائها, مـما يكون من الكلام بلفظ واحد, وهو مشتـمل علـى معان كثـيرة. وكذلك قول الله جل ثناؤه: «الـم والـمر», و«الـمص» وما أشبه ذلك من حروف الـمعجم التـي هي فواتـح أوائل السور, كل حرف منها دالّ علـى معان شتـى, شامل جميعها من أسماء الله عز وجل وصفـاته ما قاله الـمفسرون من الأقوال التـي ذكرناها عنهم وهن مع ذلك فواتـح السور كما قاله من قال ذلك. ولـيس كونُ ذلك من حروف أسماء الله جل ثناؤه وصفـاته بـمانعها أن تكون للسور فواتـح لأن الله جل ثناؤه قد افتتـح كثـيرا من سور القرآن بـالـحمد لنفسه والثناء علـيها, وكثـيرا منها بتـمـجيدها وتعظيـمها, فغير مستـحيـل أن يبتدىء بعض ذلك بـالقسم بها. فـالتـي ابتُدىء أوائلها بحروف الـمعجم أحد معانـي أوائلها أنهنّ فواتـح ما افتتـح بهنّ من سور القرآن, وهنّ مـما أقسم بهن لأن أحد معانـيهن أنهن من حروف أسماء الله تعالـى ذكره وصفـاته علـى ما قدمنا البـيان عنها, ولا شك فـي صحة معنى القسم بـالله وأسمائه وصفـاته, وهن من حروف حساب الـجمل, وهنّ للسور التـي افتتـحت بهن شعار وأسماء. فذلك يحوي معانـي جميع ما وصفنا مـما بـينا من وجوهه, لأن الله جل ثناؤه لو أراد بذلك أو بشيء منه الدلالة علـى معنى واحد مـما يحتـمله ذلك دون سائر الـمعانـي غيره, لأبـان ذلك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إبـانة غير مشكلة, إذ كان جل ثناؤه إنـما أنزل كتابه علـى رسوله صلى الله عليه وسلم لـيبـين لهم ما اختلفوا فـيه. وفـي تركه صلى الله عليه وسلم إبـانة ذلك أنه مراد به من وجوه تأويـله البعض دون البعض أوضح الدلـيـل علـى أنه مراد به جميع وجوهه التـي هو لها مـحتـمل, إذ لـم يكن مستـحيلاً فـي العقل وجهٌ منها أن يكون من تأويـله ومعناه كما كان غير مستـحيـل اجتـماع الـمعانـي الكثـيرة للكلـمة الواحدة بـاللفظ الواحد فـي كلام واحد.
ومن أبى ما قلناه فـي ذلك سئل الفرق بـين ذلك وبـين سائر الـحروف التـي تأتـي بلفظ واحد مع اشتـمالها علـى الـمعانـي الكثـيرة الـمختلفة كالأمة والدين وما أشبه ذلك من الأسماء والأفعال. فلن يقول فـي أحد ذلك قولاً إلا أُلزم فـي الاَخر مثله. وكذلك يُسأل كل من تأوّل شيئا من ذلك علـى وجه دون الأوجه الأخر التـي وصفنا عن البرهان علـى دعواه من الوجه الذي يجب التسلـيـم له ثم يعارض بقوله يخالفه فـي ذلك, ويسأل الفرق بـينه وبـينه: من أصْلٍ, أو مـما يدل علـيه أصلٌ, فلن يقول فـي أحدهما قولاً إلا ألزم فـي الاَخر مثله. وأما الذي زعم من النـحويـين أن ذلك نظير, «بل» فـي قول الـمنشد شعرا:
بل...ما هاجَ أحْزَانا وَشَجْوا قَدْ شَجا
وأنه لا معنى له, وإنـما هو زيادة فـي الكلام معناه الطرح فإنه أخطأ من وجوه شتـى:
أحدها: أنه وصف الله تعالـى ذكره بأنه خاطب العرب بغير ما هو من لغتها وغير ما هو فـي لغة أحد من الاَدميـين, إذ كانت العرب وإن كانت قد كانت تفتتـح أوائل إنشادها ما أنشدت من الشعر ب«بل», فإنه معلوم منها أنها لـم تكن تبتدىء شيئا من الكلام ب«الـم» و«الر» و«الـمص» بـمعنى ابتدائها ذلك ب«بل». وإذ كان ذلك لـيس من ابتدائها, وكان الله جل ثناؤه إنـما خاطبهم بـما خاطبهم من القرآن بـما يعرفون من لغاتهم ويستعملون بـينهم من منطقهم فـي جميع آيهِ, فلا شك أن سبـيـل ما وصفنا من حروف الـمعجم التـي افتتـحت بها أوائل السور التـي هن لها فواتـح سبـيـل سائر القرآن فـي أنه لـم يعدل بها عن لغاتهم التـي كانوا بها عارفـين ولها بـينهم فـي منطقهم مستعملـين لأن ذلك لو كان معدولاً به عن سبـيـل لغاتهم ومنطقهم كان خارجا عن معنى الإبـانة التـي وصف الله عز وجل بها القرآن, فقال تعالـى ذكره: نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأمِينُ علـى قَلْبِكَ لِتَكَونَ مِنَ الـمُنْذِرِينِ بِلسانٍ عَرَبـيّ مُبِـينٍ. وأنّى يكون مبـينا ما لا يعقله ولا يفقهه أحد من العالـمين فـي قول قائل هذه الـمقالة, ولا يعرف فـي منطق أحد من الـمخـلوقـين فـي قوله؟ وفـي إخبـار الله جل ثناؤه عنه أنه عربـيّ مبـين ما يكذّب هذه الـمقالة, وينبىء عنه أن العرب كانوا به عالـمين وهو لها مستبـين. فذلك أحد أوجه خطئه.
والوجه الثانـي من خطئه فـي ذلك: إضافته إلـى الله جل ثناؤه أنه خاطب عبـاده بـما لا فـائدة لهم فـيه ولا معنى له من الكلام الذي سواء الـخطاب به وترك الـخطاب به, وذلك إضافة العبث الذي هو منفـي فـي قول جميع الـموحدين عن الله, إلـى الله تعالـى ذكره.
والوجه الثالث من خطئة: أن «بل» فـي كلام العرب مفهوم تأويـلها ومعناها, وأنها تدخـلها فـي كلامها رجوعا عن كلام لها قد تقضى كقولهم: مَا جاءنـي أخوك بل أبوك وما رأيت عمرا بل عبد الله, وما أشبه ذلك من الكلام, كما قال أعشى بنـي ثعلبة:
وَءَلاشْرَبَنّ ثَمَانِـيا وثَمَانِـياوَثَلاثَ عَشْرَةَ وَاثْنَتَـيْنَ وَأرْبَعا
ومضى فـي كلـمته حتـى بلغ قوله:
بـالـجُلّسانِ وَطَيّبٌ أرْدَانُهُبـالوَنّ يَضْرِبُ لـي يَكُرّ أُلاصْبُعا
ثم قال:
بَلْ عُدّ هَذَا فـي قَرِيضِ غَيْرِهِوَاذْكُرْ فَتًـى سَمْـحَ الـخَـلِـيقَةِ أرْوَعا
فكأنه قال: دع هذا وخذ فـي قريض غيره. ف«بل» إنـما يأتـي فـي كلام العرب علـى هذا النـحو من الكلام. فأما افتتاحا لكلامها مبتدأ بـمعنى التطويـل والـحذف من غير أن يدل علـى معنى, فذلك مـما لا نعلـم أحدا ادعاه من أهل الـمعرفة بلسان العرب ومنطقها, سوى الذي ذكرت قوله, فـيكون ذلك أصلاً يشبّه به حروف الـمعجم التـي هي فواتـح سور القرآن التـي افتتـحت بها لو كان له مشبهة, فكيف وهي من الشبه به بعيدة؟
الآية : 2
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتّقِينَ }
قال عامة الـمفسرين: تأويـل قول الله تعالـى: ذَلِكَ الكِتَابُ: هذا الكتاب. ذكر من قال ذلك:
88ـ حدثنـي هارون بن إدريس الأصم الكوفـي, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي, عن ابن جريج, عن مـجاهد: ذلك الكتاب, قال: هو هذا الكتاب.
89ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا خالد الـحذاء, عن عكرمة, قال: ذلك الكتاب: هذا الكتاب.
90ـ حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا الـحكم بن ظهير, عن السدّي فـي قوله: ذَلِكَ الكِتابُ قال: هذا الكتاب.
91ـ حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين بن داود, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج قوله: ذَلِكَ الكِتابُ: هذا الكتاب. قال: قال ابن عبـاس: ذِلِكَ الكِتابُ: هذا الكتاب.
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون «ذلك» بـمعنى «هذا»؟ و«هذا» لا شك إشارة إلـى حاضر معاين, و«ذلك» إشارة إلـى غائب غير حاضر ولا معاين؟ قـيـل: جاز ذلك لأن كل ما تقضي وقَرُب تقضيه من الأخبـار فهو وإن صار بـمعنى غير الـحاضر, فكالـحاضر عند الـمخاطب وذلك كالرجل يحدّث الرجل الـحديث, فـيقول السامع: إن ذلك والله لكما قلت, وهذا والله كما قلت, وهو والله كما ذكرت. فـيخبر عنه مرة بـمعنى الغائب إذ كان قد تقضّى ومضى, ومرة بـمعنى الـحاضر لقرب جوابه من كلام مخبره كأنه غير منقضٍ, فكذلك ذلك فـي قوله: ذَلِكَ الكِتابُ لأنه جل ذكره لـما قدم قبل ذلك الكتاب الـم التـي ذكرنا تصرّفها فـي وجوهها من الـمعانـي علـى ما وصفنا, قال لنبـيه صلى الله عليه وسلم: يا مـحمد هذا الذي ذكرته وبـينته لك الكتابُ. ولذلك حسن وضع «ذلك» فـي مكان «هذا», لأنه أشير به إلـى الـخبر عما تضمنه قوله: الـم من الـمعانـي بعد تقضي الـخبر عنه بألـم, فصار لقرب الـخبر عنه من تقضيه كالـحاضر الـمشار إلـيه, فأخبر عنه بذلك لانقضائه ومصير الـخبر عنه كالـخبر عن الغائب. وترجمه الـمفسرون أنه بـمعنى «هذا» لقرب الـخبر عنه من انقضائه, فكان كالـمشاهد الـمشار إلـيه بهذا نـحو الذي وصفنا من الكلام الـجاري بـين الناس فـي مـحاوراتهم, وكما قال جل ذكره: واذْكُرْ إسمَاعِيـلَ والـيَسَعَ وَذَا الكِفْلِ وَكُلّ مِنَ الأخْيار هَذَا ذِكْرٌ فهذا ما فـي «ذلك» إذا عنى بها «هذا». وقد يحتـمل قوله جل ذكره: ذَلِكَ الكِتَابُ أن يكون معنـيا به السور التـي نزلت قبل سورة البقرة بـمكة والـمدينة, فكأنه قال جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: يا مـحمد اعلـم أن ما تضمنته سور الكتاب التـي قد أنزلتها إلـيك هو الكتاب الذي لا ريب فـيه. ثم ترجمه الـمفسرون بأن معنى «ذلك»: «هذا الكتاب», إذ كانت تلك السور التـي نزلت قبل سورة البقرة من جملة جميع كتابنا هذا الذي أنزله الله عز وجل علـى نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم. وكان التأويـل الأول أولـى بـما قاله الـمفسرون لأن ذلك أظهر معانـي قولهم الذي قالوه فـي ذلك. وقد وجه معنى ذلك بعضهم إلـى نظير معنى بـيت خُفـاف بن نُدبة السلـمي:
فإنْ تَكُ خَيْـلـي قَدْ أصِيبَ صَميـمُهافَعَمْدا علـى عَيْنٍ تَـيَـمّـمْتُ مالكا
أقُولُ لَهُ والرّمْـحُ يَأطِرُ مَتْنَهُتَأمّلْ خُفـافـا إنّنـي أنا ذَلكا
كأنه أراد: تأملنـي أنا ذلك. فرأى أن «ذلك الكتاب» بـمعنى «هذا» نظير ما أظهر خفـاف من اسمه علـى وجه الـخبر عن الغائب وهو مخبر عن نفسه, فكذلك أظهر «ذلك» بـمعنى الـخبر عن الغائب, والـمعنى فـيه الإشارة إلـى الـحاضر الـمشاهد. والقول الأول أولـى بتأويـل الكتاب لـما ذكرنا من العلل.
وقد قال بعضهم: ذَلِكَ الكِتابُ: يعنـي به التوراة والإنـجيـل, وإذا وجه تأويـل ذلك إلـى هذا الوجه فلا مؤنة فـيه علـى متأوله كذلك لأن «ذلك» يكون حينئذٍ إخبـارا عن غائب علـى صحة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: لا رَيْبَ فِـيهَ.
قوتأويـل قوله: لا رَيْبَ فِـيهِ: «لا شك فـيه», كما:
92ـ حدثنـي هارون بن إدريس الأصم, قال: حدثنا عبد الرحمن الـمـحاربـي, عن ابن جريج, عن مـجاهد لا رَيْبَ فِـيهِ, قال: لا شك فـيه.
93ـ حدثنـي سلام بن سالـم الـخزاعي, قال: حدثنا خـلف بن ياسين الكوفـي, عن عبد العزيز بن أبـي روّاد عن عطاء: لا رَيْبَ فِـيهِ قال: لا شك فـيه.
94ـ حدثنـي أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا الـحكم بن ظهير, عن السدّي, قال: لا رَيْبَ فِـيهِ: لا شك فـيه.
95ـ حدثنـي موسى بن هارون الهمدانـي, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: لا رَيْبَ فِـيهِ: لا شك فـيه.
96ـ حدثنا مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: لا رَيْبَ فِـيهِ قال: لا شك فـيه.
حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: لا رَيْبَ فِـيهِ يقول لا شك فـيه.
97ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر عن قتادة: لا رَيْبَ فِـيهِ يقول: لا شك فـيه.
98ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه عن الربـيع بن أنس قوله: لا رَيْبَ فِـيهِ يقول: لا شك فـيه.
وهو مصدر من قولك: رابنـي الشيء يريبنـي ريبـا. ومن ذلك قول ساعدة بن جُؤذيّة الهذلـي:
فَقَالُوا تَرَكْنا الـحَيّ قَدْ حَصِرُوا بهِفَلا رَيْبَ أنْ قَدْ كانَ ثمّ لَـحِيـمُ
ويروى: «حصروا», و«حَصِروا», والفتـح أكثر, والكسر جائز. يعنـي بقوله: «احصروا به»: أطافوا به, ويعنـي بقوله: لا رَيْبَ فِـيهِ لا شك فـيه, وبقوله: «إن قد كان ثم لـحيـم», يعنـي قتـيلاً, يقال: قد لُـحم إذا قتل. والهاء التـي فـي «فـيه» عائدة علـى الكتاب, كأنه قال: لا شك فـي ذلك الكتاب أنه من عند الله هدى للـمتقـين. القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
هُدًى.
99ـ حدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن بـيان, عن الشعبـي: هُدًى قال: هدى من الضلالة.
100ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط بن نصر, عن إسماعيـل السدي, فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: هُدًى للـمتّقِـينَ يقول: نور للـمتقـين.
والهدى فـي هذا الـموضع مصدر من قولك: هديت فلانا الطريق إذا أرشدته إلـيه, ودللته علـيه, وبـينته له أهديه هُدًى وهداية.
فإن قال لنا قائل: أو ما كتاب الله نورا إلا للـمتقـين ولا رشادا إلا للـمؤمنـين؟ قـيـل: ذلك كما وصفه ربنا عز وجل, ولو كان نورا لغير الـمتقـين, ورشادا لغير الـمؤمنـين لـم يخصص الله عز وجل الـمتقـين بأنه لهم هدى, بل كان يعم به جميع الـمنذرين ولكنه هدى للـمتقـين, وشفـاء لـما فـي صدور الـمؤمنـين, ووَقْرٌ فـي آذان الـمكذّبـين, وعمي لأبصار الـجاحدين, وحجة لله بـالغة علـى الكافرين فـالـمؤمن به مهتد, والكافر به مـحجوج.
وقوله: هُدًى يحتـمل أوجها من الـمعانـي أحدها: أن يكون نصبـا لـمعنى القطع من الكتاب لأنه نكرة والكتاب معرفة, فـيكون التأويـل حينئذٍ: الـم ذلك الكتاب هاديا للـمتقـين. و«ذلك» مرفوع ب«الـم», و«الـم» به, و«الكتاب» نعت ل«ذلك». وقد يحتـمل أن يكون نصبـا علـى القطع من راجع ذكر الكتاب الذي فـي «فـيه», فـيكون معنى ذلك حينئذٍ: الـم الذي لا ريب فـيه هاديا. وقد يحتـمل أن يكون أيضا نصبـا علـى هذين الوجهين, أعنـي علـى وجه القطع من الهاء التـي فـي «فـيه», ومن الكتاب علـى أن «الـم» كلام تام, كما قال ابن عبـاس. إن معناه: أنا الله أعلـم. ثم يكون «ذلك الكتاب» خبرا مستأنفـا, ويرفع حينئذٍ الكتاب ب«ذلك» و«ذلك» بـالكتاب, ويكون «هدى» قطعا من الكتاب, وعلـى أن يرفع «ذلك» بـالهاء العائدة علـيه التـي فـي «فـيه», والكتاب نعت له, والهدى قطع من الهاء التـي فـي «فـيه». وإن جعل الهدى فـي موضع رفع لـم يجز أن يكون «ذلك الكتاب» إلا خبرا مستأنفـا و«الـم» كلاما تاما مكتفـيا بنفسه إلاّ من وجه واحد وهو أن يرفع حينئذٍ «هدى» بـمعنى الـمدح كما قال الله جل وعز: {الـم تِلْكَ آيَاتُ الكِتابِ الـحَكِيـمِ هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْـمُـحْسِنِـينَ} فـي قراءة من قرأ «رحمة» بـالرفع علـى الـمدح للاَيات.
والرفع فـي «هدى» حينئذٍ يجوز من ثلاثة أوجه, أحدها: ما ذكرنا من أنه مدح مستأنف. والاَخر: علـى أن يجعل الرافع «ذلك», والكتاب نعت ل«ذلك». والثالث: أن يجعل تابعا لـموضع «لا ريب فـيه», ويكون «ذلك الكتاب» مرفوعا بـالعائد فـي «فـيه», فـيكون كما قال تعالـى ذكره: وَهَذَا كتابٌ أنْزَلْنَاهُ مُبـارَكٌ.
وقد زعم بعض الـمتقدمين فـي العلـم بـالعربـية من الكوفـيـين أن «الـم» رافع «ذلك الكتاب» بـمعنى: هذه الـحروف من حروف الـمعجم, ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إلـيك. ثم نقض ذلك من قوله فأسرع نقضَه, وهدم ما بنى فأسرع هدمَه, فزعم أن الرفع فـي «هدى» من وجهين والنصب من وجهين, وأن أحد وجهي الرفع أن يكون «الكتاب» نعتا ل«ذلك», و«الهدى» فـي موضع رفع خبر ل«ذلك» كأنك قلت: ذلك لا شك فـيه. قال: وإن جعلت «لا ريب فـيه» خبره رفعت أيضا «هدى» بجعله تابعا لـموضع «لا ريب فـيه» كما قال الله جل ثناؤه: {وَهَذَا كِتابٌ أنْزَلْنَاهُ مُبـارَكٌ} كأنه قال: وهذا كتاب هدى من صفته كذا وكذا. قال: وأما أحد وجهي النصب, فأن تـجعل «الكتاب» خبرا ل«ذلك» وتنصب «هدى» علـى القطع لأن «هدى» نكرة اتصلت بـمعرفة وقد تـمّ خبرها فتنصبها, لأن النكرة لا تكون دلـيلاً علـى معرفة, وإن شئت نصبت «هدى» علـى القطع من الهاء التـي فـي «فـيه» كأنك قلت: لا شكّ فـيه هاديا.
قال أبو جعفر: فترك الأصل الذي أصّله فـي «الـم» وأنها مرفوعة ب«ذلك الكتاب» ونبذه وراء ظهره. واللازم له علـى الأصل الذي كان أصّله أن لا يجيز الرفع فـي «هدى» بحال إلا من وجه واحد, وذلك من قبل الاستئناف إذ كان مدحا. فأما علـى وجه الـخبر لذلك, أو علـى وجه الإتبـاع لـموضع «لا ريب فـيه», فكان اللازم له علـى قوله إن يكون خطأ, وذلك أن «الـم» إذا رفعت «ذلك الكتاب» فلا شك أن «هدى» غير جائز حينئذٍ أن يكون خبرا ل«ذلك» بـمعنى الرافع له, أو تابعا لـموضع لا ريب فـيه, لأن موضعه حينئذٍ نصب لتـمام الـخبر قبله وانقطاعه بـمخالفته إياه عنه. ه1القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
للْـمُتّقِـينَ.
101ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي عن سفـيان, عن رجل, عن الـحسن قوله: للْـمُتّقِـينَ قال: اتقوا ما حرم علـيهم وأدّوا ما افترض علـيهم.
102ـ حدثنا مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: للْـمُتّقِـينَ أي الذين يحذرون من الله عز وجل عقوبته فـي ترك ما يعرفون من الهدى, ويرجون رحمته بـالتصديق بـما جاء به.
103ـ حدثنـي موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: هُدى للْـمُتّقِـينَ قال: هم الـمؤمنون.
104ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, قال: سألنـي الأعمش عن الـمتقـين, قال: فأجبته, فقال لـي: سل عنها الكلبـي فسألته فقال: الذين يجتنبون كبـائر الإثم. قال: فرجعت إلـى الأعمش, فقال: نرى أنه كذلك ولـم ينكره.
105ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم الطبري, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج عن عبد الرحمن بن عبد الله, قال: حدثنا عمر أبو حفص, عن سعيد بن أبـي عروبة, عن قتادة: هُدًى للْـمُتّقِـينَ هم مَنْ نعتهم ووصفهم فأثبت صفتهم فقال: الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بـالغَيْبِ وَيُقِـيـمُونَ الصّلاةَ ومِـمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ.
106ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمار, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: للْـمُتّقِـينَ قال: الـمؤمنـين الذين يتقون الشرك ويعملون بطاعتـي.
وأولـى التأويلات بقول الله جل ثناؤه: هُدًى للْـمُتّقـينَ تأويـل من وصف القوم بأنهم الذين اتقوا الله تبـارك وتعالـى فـي ركوب ما نهاهم عن ركوبه, فتـجنبوا معاصيه واتقوه فـيـما أمرهم به من فرائضه فأطاعوه بأدائها. وذلك أن الله عز وجل إنـما وصفهم بـالتقوى فلـم يحصر تقواهم إياه علـى بعضها من أهل منهم دون بعض. فلـيس لأحد من الناس أن يحصر معنى ذلك علـى وصفهم بشيء من تقوى الله عز وجل دون شيء إلا بحجة يجب التسلـيـم لها, لأن ذلك من صفة القوم لو كان مـحصورا علـى خاصّ من معانـي التقوى دون العام منها لـم يَدَع الله جل ثناؤه بـيان ذلك لعبـاده, إما فـي كتابه, وإما علـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إذْ لـم يكن فـي العقل دلـيـل علـى استـحالة وصفهم بعموم التقوى. فقد تبـين إذا بذلك فساد قول من زعم أن تأويـل ذلك إنـما هو: الذين اتقوا الشرك وبرءوا من النفـاق لأنه قد يكون كذلك وهو فـاسق غير مستـحق أن يكون من الـمتقـين. إلا أن يكون عند قائل هذا القول معنى النفـاق ركوب الفواحش التـي حرمها الله جل ثناؤه وتضيـيع فرائضه التـي فرضها علـيه, فإن جماعة من أهل العلـم قد كانت تسمي من كان يفعل ذلك منافقا, فـيكون وإن كان مخالفـا فـي تسميته من كان كذلك بهذا الاسم مصيبـا تأويـل قول الله عز وجل للـمتقـين.
الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ وَممّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }
107ـ حدثنا مـحمد بن حميد الرازي, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: الّذينَ يُؤْمنُونَ قال: يصدقون.
حدثنـي يحيى بن عثمان بن صالـح السهمي, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: يُؤْمِنُونَ يصدّقون.
108ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: يُؤْمِنُونَ يخشون.
109ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى الصنعانـي, قال: حدثنا مـحمد بن ثور عن معمر, قال: قال الزهري: الإيـمان: العمل.
110ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر عن أبـيه عن العلاء بن الـمسيب بن رافع, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص عن عبد الله, قال: الإيـمان: التصديق.
ومعنى الإيـمان عند العرب: التصديق, فـيُدْعَى الـمصدّق بـالشيء قولاً مؤمنا به, ويُدْعَى الـمصدّق قوله بفعله مؤمنا. ومن ذلك قول الله جل ثناؤه: وَما أنْتَ بِـمُؤْمِنٍ لَنا ولَوْ كُنّا صَادِقِـينَ يعنـي: وما أنت بـمصدق لنا فـي قولنا. وقد تدخـل الـخشية لله فـي معنى الإيـمان الذي هو تصديق القول بـالعمل. والإيـمان كلـمة جامعة للإقرار بـالله وكتبه ورسله, وتصديق الإقرار بـالفعل. وإذا كان ذلك كذلك, فـالذي هو أولـى بتأويـل الآية وأشبه بصفة القوم: أن يكونوا موصوفـين بـالتصديق بـالغيب, قولاً, واعتقادا, وعملاً, إذ كان جل ثناؤه لـم يحصرهم من معنى الإيـمان علـى معنى دون معنى, بل أجمل وصفهم به من غير خصوص شيء من معانـية أخرجه من صفتهم بخبر ولا عقل. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: بـالغَيْبِ.
111ـ حدثنا مـحمد بن حميد الرازي, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد, مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: بـالغيب قال: بـما جاء به, يعنـي من الله جل ثناؤه.
112ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي: بـالغيب أما الغيب: فما غاب عن العبـاد من أمر الـجنة وأمر النار, وما ذكر الله تبـارك وتعالـى فـي القرآن. لـم يكن تصديقهم بذلك يعنـي الـمؤمنـين من العرب من قِبَلِ أصل كتاب أو علـم كان عندهم.
113ـ حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا سفـيان عن عاصم, عن زر, قال: الغيب: القرآن.
114ـ حدثنا بشر بن معاذ العقدي, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد بن أبـي عروة, عن قتادة فـي قوله: الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بـالغَيْب قال: آمنوا بـالـجنة والنار والبعث بعد الـموت وبـيوم القـيامة, وكل هذا غيب.
115ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس: الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بـالغَيْبِ: آمنوا بـالله وملائكته ورسله والـيوم الاَخر وجنته وناره ولقائه, وآمنوا بـالـحياة بعد الـموت, فهذا كله غيب. وأصل الغيب: كل ما غاب عنك من شيء, وهو من قولك: غاب فلان يغيب غيبـا.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي أعيان القوم الذين أنزل الله جل ثناؤه هاتـين الاَيتـين من أول هذه السورة فـيهم, وفـي نعتهم وصفتهم التـي وصفهم بها من إيـمانهم بـالغيب, وسائر الـمعانـي التـي حوتها الاَيتان من صفـاتهم غيره. فقال بعضهم: هم مؤمنوا العرب خاصة, دون غيرهم من مؤمنـي أهل الكتاب. واستدلوا علـى صحة قولهم ذلك وحقـيقة تأويـلهم بـالآية التـي تتلو هاتـين الاَيتـين, وهو قول الله عز وجل: {وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إِلَـيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}. قالوا: فلـم يكن للعرب كتاب قبل الكتاب الذي أنزله الله عز وجل علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم تدين بتصديقه والإقرار والعمل به, وإنـما كان الكتاب لأهل الكتابـين غيرها. قالوا: فلـما قص الله عز وجل نبأ الذين يؤمنون بـما أنزل إلـى مـحمد وما أنزل من قبله بعد اقتصاصه نبأ الـمؤمنـين بـالغيب, علـمنا أن كل صنف منهم غير الصنف الاَخر, وأن الـمؤْمنـين بـالغيب نوع غير النوع الـمصدّق بـالكتابـين اللذين أحدهما منزل علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم, والاَخر منهما علـى من قبله من رسل الله تعالـى ذكره. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك صح ما قلنا من أن تأويـل قول الله تعالـى: {الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بـالغَيْبِ} إنـما هم الذين يؤمنون بـما غاب عنهم من الـجنة والنار والثواب والعقاب والبعث, والتصديق بـالله وملائكته وكتبه ورسله وجميع ما كانت العرب لا تدين به فـي جاهلـيتها, بـما أوجب الله جل ثناؤه علـى عبـاده الدينونة به دون غيرهم. ذكر من قال ذلك:
116ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم أما: الذين يؤمنون بـالغيب فهم الـمؤمنون من العرب, {وَيقِـيـمُونَ الصلاةَ وَمِـمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} أما الغيب: فما غاب عن العبـاد من أمر الـجنة والنار, وما ذكر الله فـي القرآن. لـم يكن تصديقهم بذلك من قِبَلِ أصلِ كتابٍ أو علـم كان عندهم. {وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} هؤلاء الـمؤمنون من أهل الكتاب.
وقال بعضهم: بل نزلت هذه الاَيات الأربع فـي مؤمنـي أهل الكتاب خاصة, لإيـمانهم بـالقرآن عند إخبـار الله جل ثناؤه إياهم فـيه عن الغيوب التـي كانوا يخفونها بـينهم ويسرّونها, فعلـموا عند إظهار الله جل ثناؤه نبـيه صلى الله عليه وسلم علـى ذلك منهم فـي تنزيـله أنه من عند الله جل وعز, فآمنوا بـالنبـي صلى الله عليه وسلم وصدقوا بـالقرآن وما فـيه من الإخبـار عن الغيوب التـي لا علـم لهم بها لـما استقرّ عندهم بـالـحجة التـي احتـجّ الله تبـارك وتعالـى بها علـيهم فـي كتابه, من الإخبـار فـيه عما كانوا يكتـمونه من ضمائرهم أن جميع ذلك من عند الله.
وقال بعضهم: بل الاَيات الأربع من أول هذه السورة أنزلت علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم بوصف جميع الـمؤمنـين الذين ذلك صفتهم من العرب والعجم وأهل الكتابـين و سواهم, وإنـما هذه صفة صنف من الناس, والـمؤمن بـما أنزل الله علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبله هو الـمؤمن بـالغيب. قالوا: وإنـما وصفهم الله بـالإيـمان بـما أنزل إلـى مـحمد وبـما أنزل إلـى من قبله بعد تَقَضّي وصفه إياهم بـالإيـمان بـالغيب لأن وصفه إياهم بـما وصفهم به من الإيـمان بـالغيب كان معنـيا به أنهم يؤمنون بـالـجنة والنار والبعث, وسائر الأمور التـي كلفهم الله جل ثناؤه بـالإيـمان بها مـما لـم يروه ولـم يأت بَعْدُ مـما هو آت, دون الإخبـار عنهم أنهم يؤمنون بـما جاء به مـحمد صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الرسل والكتب. قالوا: فلـما كان معنى قوله: {وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إِلَـيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} غير موجود فـي قوله: الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـالغَيْبِ كانت الـحاجة من العبـاد إلـى معرفة صفتهم بذلك لـيعرفهم نظير حاجتهم إلـى معرفتهم بـالصفة التـي وصفوا بها من إيـمانهم بـالغيب لـيعلـموا ما يرضي الله من أفعال عبـاده, ويحبه من صفـاتهم, فـيكونوا به إن وفقهم له ربهم. مؤمنـين. ذكر من قال ذلك:
117ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو بن العبـاس البـاهلـي, قال: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخـلد, قال: حدثنا عيسى بن ميـمون الـمكي, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: أربع آيات من سورة البقرة فـي نعت الـمؤمنـين وآيتان فـي نعت الكافرين وثلاث عشرة فـي الـمنافقـين.
حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي عن سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد بـمثله.
وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال حدثنا موسى بن مسعود, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
118ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه عن الربـيع بن أنس, قال: أربع آيات من فـاتـحة هذه السورة يعنـي سورة البقرة فـي الذين آمنوا, وآيتان فـي قادة الأحزاب.
وأولـى القولـين عندي بـالصواب وأشبههما بتأويـل الكتاب, القول الأول, وهو: أن الذين وصفهم الله تعالـى ذكره بـالإيـمان بـالغيب, وما وصفهم به جل ثناؤه فـي الاَيتـين الأوّلَتـين غير الذين وصفهم بـالإيـمان بـالذي أنزل علـى مـحمد والذي أنزل إلـى من قبله من الرسل لـما ذكرت من العلل قبل لـمن قال ذلك, ومـما يدل أيضا مع ذلك علـى صحة هذا القول إنه جَنّسَ بعد وصف الـمؤمنـين بـالصفتـين اللتـين وصف, وبعد تصنـيفه لـي كل صنف منهما علـى ما صنف الكفـار جِنْسَين, فجعل أحدهما مطبوعا علـى قلبه مختوما علـيه مأيوسا من إيـمانه, والاَخر منافقا يرائي بإظهار الإيـمان فـي الظاهر, ويستسرّ النفـاق فـي البـاطن, فصير الكفـار جنسين كما صير الـمؤمنـين فـي أول السورة جنسين. ثم عرّف عبـاده نعت كل صنف منهم وصفتهم وما أعدّ لكل فريق منهم من ثواب أو عقاب, وذمّ أهل الذمّ منهم, وشكر سعي أهل الطاعة منهم. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ويُقِـيـمُونَ}.
إقامتها: أداؤها بحدودها وفروضها والواجب فـيها علـى ما فُرضت علـيه, كما يقال: أقام القوم سوقهم, إذا لـم يعطلوها من البـيع والشراء فـيها, وكما قال الشاعر:
أقَمْنا لأِهْلِ العِرَاقَـيْنِ سُوقَ الضْضِرابِ فخَافُوا ووَلّوْا جَمِيعَا
119ـ وكما حدثنا مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَيُقِـيـمُونَ الصّلاةَ قال: الذين يقـيـمون الصلاة بفروضها.
120ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد عن بشر بن عمار, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: وَيُقِـيـمُونَ الصّلاةَ قال: إقامة الصلاة: تـمام الركوع والسجود والتلاوة والـخشوع والإقبـال علـيها فـيها.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الصّلاةَ}.
121ـ حدثنـي يحيى بن أبـي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا جويبر عن الضحاك فـي قوله: الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ يعنـي الصلاة الـمفروضة.
وأما الصلاة فـي كلام العرب فإنها الدعاء كما قال الأعشى:
لَهَا حَارِسٌ لا يَبْرَحُ الدّهْرَ بَـيْتَهَاوَإنْ ذُبِحَتْ صَلّـى عَلَـيْهَا وَزَمْزَما
يعنـي بذلك: دعا لها, وكقول الاَخر أيضا:
وَقابَلَها الرّيحَ فـي دَنّهاوَصَلّـى علـى دَنّها وَارْتَسَمَ
وأرى أن الصلاة الـمفروضة سميت صلاة لأن الـمصلـي متعرّض لاستنـجاح طلبته من ثواب الله بعمله مع ما يسأل ربه فـيها من حاجاته تعرض الداعي بدعائه ربه استنـجاح حاجاته وسؤله. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ومِـمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ}.
اختلف الـمفسرون فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم بـما:
122ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: ومِـمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ قال: يؤتون الزكاة احتسابـا بها.
123ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, عن معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: ومـمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقوُنَ قال: زكاة أموالهم.
124ـ حدثنـي يحيى بن أبـي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر عن الضحاك: وَمِـمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ قال: كانت النفقات قربـات يتقرّبون بها إلـى الله علـى قدر ميسورهم وجهدهم, حتـى نزلت فرائض الصدقات سبع آيات فـي سورة براءة, مـما يذكر فـيهن الصدقات, هن الـمثبتات الناسخات.
وقال بعضهم بـما:
125ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم: ومـمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ هي نفقة الرجل علـى أهله, وهذا قبل أن تنزل الزكاة.
وأولـى التأويلات بـالآية وأحقها بصفة القوم أن يكونوا كانوا لـجميع اللازم لهم فـي أموالهم, مؤدين زكاة كان ذلك أو نفقة من لزمته نفقته من أهل وعيال وغيرهم, مـمن تـجب علـيهم نفقته بـالقرابة والـملك وغير ذلك لأن الله جل ثناؤه عمّ وصفهم, إذ وصفهم بـالإنفـاق مـما رزقهم, فمدحهم بذلك من صفتهم, فكان معلوما أنه إذ لـم يخصص مدحهم ووصفهم بنوع من النفقات الـمـحمود علـيها صاحبها دون نوع بخبر ولا غيره أنهم موصوفون بجميع معانـي النفقات الـمـحمود علـيها صاحبها من طيب ما رزقهم ربهم من أموالهم وأملاكهم, وذلك الـحلال منه الذي لـم يشبه حرام.
الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{والّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }
قد مضى البـيان عن الـمنعوتـين بهذا النعت, وأيّ أجناس الناس هم. غير أنا نذكر ما روي فـي ذلك عمن روي عنه فـي تأويـله قول:
126ـ فحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: {وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} أي يصدقونك بـما جئت به من الله جل وعز, وما جاء به من قبلك من الـمرسلـين, لا يفرقون بـينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من عند ربهم.
127ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إِلَـيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ هؤلاء الـمؤمنون من أهل الكتاب. القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
وبـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ.
قال أبو جعفر: أما الاَخرة, فإنها صفة للدار, كما قال جل ثناؤه: وَإِنّ الدّارَ الاَخِرَةِ لَهِيَ الـحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَـمُونَ وإنـما وصفت بذلك لـمصيرها آخرة لأولـى كانت قبلها كما تقول للرجل: أنعمت علـيك مرة بعد أخرى فلـم تشكر لـي الأولـى ولا الاَخرة. وإنـما صارت الاَخرة آخرة للأولـى, لتقدم الأولـى أمامها, فكذلك الدار الاَخرة سميت آخرة لتقدم الدار الأولـى أمامها, فصارت التالـية لها آخرة. وقد يجوز أن تكون سميت آخرة لتأخرها عن الـخـلق, كما سميت الدنـيا دنـيا لدنوّها من الـخـلق. وأما الذي وصف الله جل ثناؤه به الـمؤمنـين بـما أنزل إلـى نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم, وما أنزل إلـى من قبله من الـمرسلـين من إيقانهم به من أمر الاَخرة, فهو إيقانهم بـما كان الـمشركون به جاحدين, من البعث والنشر والثواب والعقاب والـحساب والـميزان, وغير ذلك مـما أعدّ الله لـخـلقه يوم القـيامة. كما:
128ـ حدثنا به مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة عن مـحمد بن إسحاق عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وبـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أي بـالبعث والقـيامة والـجنة والنار والـحساب والـميزان, أي لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بـما كان قبلك, ويكفرون بـما جاءك من ربك.
وهذا التأويـل من ابن عبـاس قد صرّح عن أن السورة من أولها وإن كانت الاَيات التـي فـي أولها من نعت الـمؤمنـين تعريض من الله عز وجل بذم الكفـار أهل الكتاب, الذين زعموا أنهم بـما جاءت به رسل الله عز وجل الذين كانوا قبل مـحمد صلوات الله علـيهم وعلـيه مصدقون وهم بـمـحمد علـيه الصلاة والسلام مكذبون, ولـما جاء به من التنزيـل جاحدون, ويدعون مع جحودهم ذلفك أنهم مهتدون وأنه لن يدخـل الـجنة إلا من كان هودا أو نصارى. فأكذب الله جل ثناؤه ذلك من قـيـلهم بقوله: {الـم ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِـيهِ هُدًى للْـمُتّقِـينَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بـالغَيْبِ وَيُقـيـمُونَ الصّلاةَ ومـمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهَا أُنْزِلَ إِلَـيكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}. وأخبر جل ثناؤه عبـاده أن هذا الكتاب هدى لأهل الإيـمان بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وبـما جاء به الـمصدقـين بـما أنزل إلـيه وإلـى من قبله من رسله من البـينات والهدى خاصة, دون من كذب بـمـحمد صلى الله عليه وسلم وبـما جاء به, وادعى أنه مصدق بـمن قبل مـحمد علـيه الصلاة والسلام من الرسل وبـما جاء به من الكتب. ثم أكد جل ثناؤه أمر الـمؤمنـين من العرب ومن أهل الكتاب الـمصدقـين بـمـحمد علـيه الصلاة والسلام وبـما أُنزل إلـيه وإلـى من قبله من الرسل بقوله: {أُولئِكَ علـى هدَىً مِنْ رَبّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ} فأخبر أنهم هم أهل الهدى والفلاح خاصة دون غيرهم, وأن غيرهم هم أهل الضلال والـخسار.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{أُوْلَـَئِكَ عَلَىَ هُدًى مّن رّبّهِمْ وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
اختلف أهل التأويـل فـيـمن عنى الله جل ثناؤه بقوله: أُولَئِكَ عَلَـى هُدًى مِنْ رَبّهِمْ فقال بعضهم: عَنَى بذلك أهل الصفتـين الـمتقدمتـين, أعنـي الـمؤمنـين بـالغيب من العرب والـمؤمنـين وبـما أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم وإلـى من قبله من الرسل, وإياهم جميعا وصف بأنهم علـى هدى منهم وأنهم هم الـمفلـحون. ذكر من قال ذلك من أهل التأويـل:
129ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: أما الذين يؤمنون بـالغيب, فهم الـمؤمنون من العرب, والذين يؤمنون بـما أنزل إلـيك: الـمؤمنون من أهل الكتاب. ثم جمع الفريقـين فقال: أُولَئِكَ علـى هدَىً مِنْ رَبّهِمْ وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ.
وقال بعضهم: بل عَنَى بذلك الـمتقـين الذين يؤمنون بـالغيب وهم الذين يؤمنون بـما أنزل إلـى مـحمد, وبـما أنزل إلـى من قبله من الرسل.
وقال آخرون: بل عَنَى بذلك الذي يؤمنون بـما أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم, وبـما أنزل إلـى من قبله من الرسل.
وقال آخرون: بل عَنَى بذلك الذين يؤمنون بـما أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم, وبـما أنزل إلـى من قبله, وهم مؤمنوا أهل الكتاب الذين صدقوا بـمـحمد صلى الله عليه وسلم وبـما جاء به, وكانوا مؤمنـين من قبلُ بسائر الأنبـياء والكتب.
وعلـى هذا التأويـل الاَخر, يحتـمل أن يكون: الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إِلَـيْكَ فـي مـحل خفض, ومـحل رفع فأما الرفع فـيه فإنه يأتـيها من وجهين: أحدهما من قبل العطف علـى ما فـي يُؤْمِنُونَ بِـالغَيْبِ من ذكر «الذين». والثانـي: أن يكون خبر مبتدأ, ويكون: أُولَئِكَ علـى هُدىً مِنْ رَبّهِمْ رافعها. وأما الـخفض فعلـى العطف علـى الْـمُتّقِـينَ. وإذا كانت معطوفة علـى «الذين» اتـجه لها وجهان من الـمعنى, أحدهما: أن تكون هي «والذين» الأولـى من صفة الـمتقـين, وذلك علـى تأويـل من رأى أن الاَيات الأربع بعد الـم نزلت فـي صنف واحد من أصناف الـمؤمنـين. والوجه الثانـي: أن تكون «الذين» الثانـية معطوفة فـي الإعراب علـى «الـمتقـين» بـمعنى الـخفض, وهم فـي الـمعنى صنف غير الصنف الأول. وذلك علـى مذهب من رأى أن الذين نزلت فـيهم الاَيتان الأوّلتان من الـمؤمنـين بعد قوله الـم غير الذين نزلت فـيهم الاَيتان الاَخرتان اللتان تلـيان الأوّلتـين. وقد يحتـمل أن تكون «الذين» الثانـية مرفوعة فـي هذا الوجه بـمعنى الاستئناف, إذ كانت مبتدأ بها بعد تـمام آية وانقضاء قصة. وقد يجوز الرفع فـيها أيضا بنـية الاستئناف إذ كانت فـي مبتدأ آية وإن كانت من صفة الـمتقـين. فـالرفع إذا يصح فـيها من أربعة أوجه, والـخفض من وجهين.
وأولـى التأويلات عندي بقوله: أُولَئِكَ عَلـى هُدىً مِنْ رَبّهِمْ ما ذكرت من قول ابن مسعود وابن عبـاس, وأن تكون «أولئك» إشارة إلـى الفريقـين, أعنـي الـمتقـين وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إِلَـيْكَ, وتكون «أولئك» مرفوعة بـالعائد من ذكرهم فـي قوله: علـى هُدًى مِن رَبّهِمْ وأن تكون «الذين» الثانـية معطوفة علـى ما قبل من الكلام علـى ما قد بـيناه.
وإنـما رأينا أن ذلك أولـى التأويلات بـالآية, لأن الله جل ثناؤه نعت الفريقـين بنعتهم الـمـحمود ثم أثنى علـيهم فلـم يكن عزّ وجل لـيخص أحد الفريقـين بـالثناء مع تساويهما فـيـما استـحقا به الثناء من الصفـات, كما غير جائز فـي عدله أن يتساويا فـيـما يتسحقان به الـجزاء من الأعمال فـيخص أحدهما بـالـجزاء دون الاَخر ويحرم الاَخر جزاء عمله, فكذلك سبـيـل الثناء بـالأعمال لأن الثناء أحد أقسام الـجزاء. وأما معنى قوله: أُولَئِكَ علـى هُدًى مِنْ رَبّهِمْ فإن معنى ذلك أنهم علـى نور من ربهم وبرهان واستقامة وسداد بتسديد الله إياهم وتوفـيقه لهم كما:
130ـ حدثنـي ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: أُولَئِكَ علـى هُدىً مِنْ رَبّهِمْ أي علـى نور من ربهم, واستقامة علـى ما جاءهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ.
وتأويـل قوله: وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ أي أولئك هم الـمُنْـجِحُون الـمدركون ما طلبوا عند الله تعالـى ذكره بأعمالهم وإيـمانهم بـالله وكتبه ورسله, من الفوز بـالثواب, والـخـلود فـي الـجنان, والنـجاة مـما أعد الله تبـارك وتعالـى لأعدائه من العقاب. كما:
131ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة. قال: حدثنا ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ أي الذين أدركوا ما طلبوا, ونـجوا من شرّ ما منه هربوا. ومن الدلالة علـى أن أحد معانـي الفلاح إدراك الطلبة والظفر بـالـحاجة, قول لبـيد بن ربـيعة:
اعْقِلِـي إنْ كُنْتِ لَـمّا تَعْقِلِـيولَقَدْ أفْلَـحَ مَنْ كانَ عَقَلْ
يعنـي ظفر بحاجته وأصاب خيرا. ومنه قول الراجز:
عَدِمْتُ أُمّا وَلَدَتْ رَبـاحاجاءَتْ بِهِ مُفَرْكَحا فِرْكَاحَا
تَـحْسَبُ أنْ قَدْ وَلَدَتْ نَـجاحاأشْهَدُ لاَ يَزِيدُهَا فَلاحا
يعنـي خيرا وقربـا من حاجتها. والفلاح: مصدر من قولك: أفلـح فلان يُفلـح إفلاحا, وفلاحا, وفَلَـحا. والفلاح أيضا البقاء, ومنه قول لبـيد:
نـحُلّ بلادا كُلّها حُلّ قَبْلَنَاوَنَرْجُو الفَلاَحَ بَعْدَ عادٍ وحِمْيَرِ
يريد البقاء. ومنه أيضا قول عَبـيد:
أفْلِـحْ بـما شِئْتَ فَقَدْ يَبْلُعُ بـالضّعْفِ وَقَدْ يُخْدَعُ أَلارِيبُ
يريد: عش وابق بـما شئت. وكذلك قول نابغة بنـي ذبـيان:
وكُلّ فَتًـى سَتَشْعَبُهُ شَعُوبٌوَإنْ أثْرَى وَإنْ لاقـى فَلاحا
أي نـجاحا بحاجته وبقاءً