تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 33 من سورة الإسراء - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا﴾
[ سورة الإسراء: 33]

معنى و تفسير الآية 33 من سورة الإسراء : ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا


وهذا شامل لكل نفس { حَرَّمَ اللَّهُ } قتلها من صغير وكبير وذكر وأنثى وحر وعبد ومسلم وكافر له عهد.{ إِلَّا بِالْحَقِّ } كالنفس بالنفس والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة والباغي في حال بغيه إذا لم يندفع إلا بالقتل.{ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا }- أي: بغير حق { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ } وهو أقرب عصباته وورثته إليه { سُلْطَانًا }- أي: حجة ظاهرة على القصاص من القاتل، وجعلنا له أيضا تسلطا قدريا على ذلك، وذلك حين تجتمع الشروط الموجبة للقصاص كالعمد العدوان والمكافأة.{ فَلَا يُسْرِفْ } الولي { فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } والإسراف مجاوزة الحد إما أن يمثل بالقاتل أو يقتله بغير ما قتل به أو يقتل غير القاتل.وفي هذه الآية دليل إلى أن الحق في القتل للولي فلا يقتص إلا بإذنه وإن عفا سقط القصاص.وأن ولي المقتول يعينه الله على القاتل ومن أعانه حتى يتمكن من قتله.

تفسير البغوي : مضمون الآية 33 من سورة الإسراء


( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) وحقها ما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إيمانه أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفسا بغير نفس فيقتل بها " .
( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) أي : قوة وولاية على القاتل بالقتل قاله مجاهد وقال الضحاك : سلطانه هو أنه يتخير فإن شاء استقاد منه وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا .
( فلا يسرف في القتل ) قرأ حمزة والكسائي : " فلا تسرف " بالتاء يخاطب ولي القتيل وقرأ الآخرون بالياء على الغائب أي : لا يسرف الولي في القتل .
واختلفوا في هذا الإسراف الذي منع منه فقال ابن عباس ، وأكثر المفسرين : معناه لا يقتل غير القاتل وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا قتل منهم قتيل لا يرضون بقتل قاتله حتى يقتلوا أشرف منه .
وقال سعيد بن جبير : إذا كان القاتل واحدا فلا يقتل جماعة بدل واحد وكان أهل الجاهلية إذا كان المقتول شريفا لا يرضون بقتل القاتل [ وحده ] حتى يقتلوا معه جماعة من أقربائه .
وقال قتادة : معناه لا يمثل بالقاتل .
( إنه كان منصورا ) فالهاء راجعة إلى المقتول في قوله : ( ومن قتل مظلوما ) يعني : إن المقتول منصور في الدنيا بإيجاب القود على قاتله وفي الآخرة بتكفير خطاياه وإيجاب النار لقاتله هذا قول مجاهد .
وقال قتادة : الهاء راجعة إلى ولي المقتول معناه : أنه منصور على القاتل باستيفاء القصاص منه أو الدية .
وقيل في قوله : ( فلا يسرف في القتل ) إنه أراد به القاتل المعتدي يقول : لا يتعدى بالقتل بغير الحق فإنه إن فعل ذلك فولي المقتول منصور من قبلي عليه باستيفاء القصاص منه .

التفسير الوسيط : ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا


ثم نهى- سبحانه - عن قتل النفس المعصومة الدم، بعد نهيه عن قتل الأولاد، وعن الاقتراب من فاحشة الزنا فقال-تبارك وتعالى-: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ.
أى: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها، إلا بالحق الذي يبيح قتلها شرعا، كردة، أو قصاص، أو زنا يوجب الرجم.
قال الإمام ابن كثير: يقول-تبارك وتعالى- ناهيا عن قتل النفس بغير حق شرعي، كما ثبت في الصحيحين- عن عبد الله بن مسعود- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه المفارق للجماعة» .
وفي السنن: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم » .
وقوله: إِلَّا بِالْحَقِّ متعلق بلا تقتلوا، والباء للسببية، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أى: لا تقتلوها في حال من الأحوال، إلا في حال ارتكابها لما يوجب قتلها.
وذلك: لأن الإسلام ينظر إلى وجود الإنسان على أنه بناء بناه الله-تبارك وتعالى- فلا يحل لأحد أن يهدمه إلا بحق.
وبهذا يقرر الإسلام عصمة الدم الإنسانى، ويعتبر من يعتدى على نفس واحدة، فكأنما قد اعتدى على الناس جميعا.
قال-تبارك وتعالى-: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً.. .
وقوله- سبحانه -: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً إرشاد لولى المقتول إلى سلوك طريق العدل عند المطالبة بحقه.
والمراد بوليه: من يلي أمر المقتول، كأبيه وابنه وأخيه وغيرهم من أقاربه الذين لهم الحق في المطالبة بدمه.
فإن لم يكن للمقتول ولى، فالحاكم وليه.
والمراد بالسلطان: القوة التي منحتها شريعة الله-تبارك وتعالى- لولى المقتول على القاتل، حيث جعلت من حق هذا الولي المطالبة بالقصاص من القاتل، أو أخذ الدية منه، أو العفو عنه، ولا يستطيع أحد أن ينازعه في هذا الحق، أو أن يجبره على التنازل عنه.
والمعنى: ومن قتل مظلوما، أى: بدون سبب يوجب قتله، فإن دمه لم يذهب هدرا، فقد شرعنا «لوليه سلطانا» على القاتل، لأنه- أى الولي- إن شاء طالب بالقصاص منه، وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء عفا عنه.
وبذلك يصير الولي هو صاحب الكلمة الأولى فيالتصرف في القاتل، حتى لكأنه مملوك له.
وما دامت شريعة الله-تبارك وتعالى- قد أعطت الولي هذا السلطان على القاتل، فعليه أن لا يسرف في القتل، وأن لا يتجاوز ما شرعه الله-تبارك وتعالى-.
ومن مظاهر هذا التجاوز: أن يقتل اثنين- مثلا- في مقابل قتيل واحد أو أن يقتل غير القاتل، أو أن يمثل بالقاتل بعد قتله.
قال الآلوسى ما ملخصه: كان من عادتهم في الجاهلية، أنهم إذا قتل منهم واحد، قتلوا قاتله، وقتلوا معه غيره ...
وأخرج البيهقي في سننه عن زيد بن أسلم أنه قال: إن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل من ليس شريفا شريفا، لم يقتلوه به، وقتلوا شريفا من قومه، فنهوا عن ذلك، كما نهوا عن المثلة بالقاتل.
وقرأ حمزة والكسائي: «فلا تسرف» بالخطاب للولي على سبيل الالتفات .
وقوله: إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً تذييل المقصود به تعليل النهى عن الإسراف في القتل.
والضمير يعود إلى الولي- أيضا-.
أى: فلا يسرف هذا الولي في القتل، لأن الله-تبارك وتعالى- قد نصره عن طريق ما شرعه له من سلطان عظيم، من مظاهره: المطالبة بالقصاص من القاتل، أو بأخذ الدية، ومن مظاهره- أيضا- وقوف الحاكم وغيره إلى جانبه حتى يستوفى حقه من القاتل، دون أن ينازعه منازع في هذا الحق.
ومنهم من يرى أن الضمير في قوله إِنَّهُ يعود إلى المقتول ظلما، على معنى: أن الله-تبارك وتعالى- قد نصره في الدنيا بمشروعية القصاص والدية حتى لا يضيع دمه، ونصره في الآخرة بالثواب الذي يستحقه، وما دام الأمر كذلك فعلى وليه أن لا يسرف في القتل.
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب.
لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة.
قال ابن جرير بعد أن ساق الأقوال في ذلك: وأشبه ذلك بالصواب عندي، قول من قال: عنى بها- أى بالهاء في إنه- الولي، وعليه عادت، لأنه هو المظلوم ووليه المقتول، وهي إلى ذكره أقرب من ذكر المقتول، وهو المنصور- أيضا- لأن الله- جل ثناؤه - قضى في كتابه المنزل، أن سلطه على قاتل وليه، وحكمه فيه، بأن جعل إليه قتله إن شاء، واستبقاءه على الدية إن أحب، والعفو عنه إن رأى.
وكفى بذلك نصرة له من الله-تبارك وتعالى-، فلذلك هو المعنى بالهاء التي في قوله إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً .
والمتأمل في هذه الآية الكريمة التي هي أول آية نزلت في شأن القتل كما قال الضحاك :يراها قد عالجت هذه الجريمة علاجا حكيما.
فهي أولا: تنهى عن القتل، لأنه من أكبر الكبائر التي تؤدى إلى غضب الله-تبارك وتعالى- وسخطه، قال-تبارك وتعالى-: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً .
وجاء النهى عنه في بعض الآيات بعد النهى عن الإشراك بالله- عز وجل -.
قال- سبحانه -: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ.. .
كما جاء النهى عنه في كثير من الأحاديث النبوية، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن ابن مسعود- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» .
وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: «الآدمي بنيان الرب، ملعون من هدم بنيان الرب» .
وفي حديث ثالث: «لو اجتمع أهل السموات والأرض على قتل رجل مسلم، لأكبهم الله في النار» .
وهذا النهى الشديد عن قتل النفس من أسبابه: أنه يؤدى إلى شيوع الغل والبغض والتقاتل ...
بين الأفراد والجماعات إذ النفس البشرية في كل زمان ومكان، يؤلمها، ويثير غضبها وانتقامها، أن ترى قاتل عزيز لديها يمشى على الأرض..وهي ثانيا: تسوق لولى المقتول من التوجيهات الحكيمة، ما يهدئ نفسه، ويقلل من غضبه، ويطفئ من نار ثورته المشتعلة.
وقد أجاد صاحب الظلال- رحمه الله- في توضيح هذا المعنى فقال:«وفي تولية صاحب الدم على القصاص من القاتل، وتجنيد سلطان الشرع وتجنيد الحاكم لنصرته، تلبية للفطرة البشرية، وتهدئة للغليان الذي تستشعره نفس الولي، الغليان الذي قد يجرفه ويدفعه إلى الضرب يمينا وشمالا، في حمى الغضب والانفعال على غير هدى.
فأما حين يحس أن الله قد ولاه على دم القاتل.
وأن الحاكم مجند لنصرته على القصاص، فإن ثائرته تهدأ، ونفسه تسكن، ويقف عند حد القصاص العادل الهادئ.
والإنسان إنسان، فلا يطالب بغير ما ركب في فطرته من الرغبة العميقة في القصاص.
لذلك يعترف الإسلام بهذه الفطرة ويلبيها في الحدود المأمونة، ولا يتجاهلها فيفرض التسامح فرضا.
إنما هو يدعو إلى التسامح ويؤثره، ويجبب فيه، ويأجر عليه، ولكن بعد أن يعطى الحق.
فلولى الدم أن يقتص أو يصفح.
وشعور ولى الدم بأنه قادر على كليهما، قد يجنح به إلى الصفح والتسامح، أما شعوره بأنه مرغم على الصفح فقد يهيج نفسه، ويدفع به إلى الغلو والجموح .
هذا، والذي نعتقده وندين الله-تبارك وتعالى- عليه، أنه لا علاج لجريمة القتل- وغيرها- إلا بتطبيق شريعة الله-تبارك وتعالى- التي جمعت بين الرحمة والعدل.
وبالرحمة والعدل: تتلاقى القلوب بعد التفرق، وتلتئم بعد التصدع، وتتسامى عن الانتقام إلى ما هو أعلى منه وهو العفو.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 33 من سورة الإسراء


يقول تعالى ناهيا عن قتل النفس بغير حق شرعي كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة "
وفي السنن لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم " .
وقوله : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } أي سلطة على القاتل فإنه بالخيار فيه إن شاء قتله قودا وإن شاء عفا عنه على الدية وإن شاء عفا عنه مجانا كما ثبتت السنة بذلك وقد أخذ الإمام الحبر ابن عباس من عموم هذه الآية الكريمة ولاية معاوية السلطنة وأنه سيملك لأنه كان ولي عثمان وقد قتل عثمان مظلوما رضي الله عنه وكان معاوية يطالب عليا رضي الله عنه أن يسلمه قتلته حتى يقتص منهم لأنه أموي وكان علي رضي الله عنه يستمهله في الأمر حتى يتمكن ويفعل ذلك ويطلب علي من معاوية أن يسلمه الشام فيأبى معاوية ذلك حتى يسلمه القتلة وأبى أن يبايع عليا هو وأهل الشام ثم مع المطاولة تمكن معاوية وصار الأمر إليه كما تفاءل ابن عباس واستنبط من هذه الآية الكريمة وهذا من الأمر العجب وقد روى ذلك الطبراني في معجمه حيث قال
حدثنا يحيى بن عبد الباقي حدثنا أبو عمير بن النحاس حدثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن زهدم الجرمي قال كنا في سمر ابن عباس فقال إني محدثكم حديثا ليس بسر ولا علانية إنه لما كان من أمر هذا الرجل ما كان يعني عثمان قلت لعلي : اعتزل فلو كنت في جحر طلبت حتى تستخرج فعصاني وايم الله ليتأمرن عليكم معاوية وذلك أن الله تعالى يقول } ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل } الآية ، وليحملنكم قريش على سنة فارس والروم وليقيمن عليكم النصارى واليهود والمجوس فمن أخذ منكم يومئذ بما يعرف نجا ومن ترك وأنتم تاركون كنتم كقرن من القرون هلك فيمن هلك .
وقوله تعالى ] { فلا يسرف في القتل } قالوا معناه فلا يسرف الولي في قتل القاتل بأن يمثل به أو يقتص من غير القاتل
وقوله { إنه كان منصورا } أي أن الولي منصور على القاتل شرعا وغالبا قدرا

تفسير الطبري : معنى الآية 33 من سورة الإسراء


يقول جلّ ثناؤه: وقضى أيضا أن ( لا تَقْتُلُوا ) أيها الناس ( النَّفْسَ التي حَرَّمَ الله ) قتلها( إلا بالحَقّ ) وحقها أن لا تقتل إلا بكفر بعد إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قود نفس، وإن كانت كافرة لم يتقدّم كفرها إسلام، فأن لا يكون تقدم قتلها لها عهد وأمان.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ) وإنا والله ما نعلم بحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، إلا رجلا قتل متعمدا، فعليه القَوَد، أو زَنى بعد إحصانه فعليه الرجم؛ أو كفر بعد إسلامه فعليه القتل.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن الزهريّ، عن عُروة أو غيره، قال: قيل لأبي بكر: أتقتل من يرى أن لا يؤدي الزكاة، قال: لو منعوني شيئا مما أقروا به لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم فقيل لأبي بكر : أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حَتى يَقُولُوا: لا إِلَه إِلا الله، فإذَا قالُوها عَصَمُوا مِنّي دِماءهُمْ وأمْوالهُم إِلا بِحَقِّها، وحِسابُهُمْ عَلى الله " فقال أبو بكر: هذا من حقها.
حدثني موسى بن سهل، قال: ثنا عمرو بن هاشم، قال: ثنا سليمان بن حيان، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتى يقُولُوا لا إِلَه إِلا الله، فإذَا قالُوها عَصَمُوا مِنِّى دِماءهُمْ وأمْوالهُمْ إِلا بِحَقِّها وحِسابهُمْ عَلى الله؛ قيل: وما حقها؟ قال: زِنًا بَعْد إحْصانٍ، و كُفْرٌ بَعْد إيمَانٍ، وقَتْلُ نَفْسٍ فَيُقْتَلُ بِها ".
وقوله ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا ) يقول: ومن قتل بغير المعاني التي ذكرنا أنه إذا قتل بها كان قتلا بحقّ( فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) يقول: فقد جعلنا لوليّ المقتول ظلما سلطانا على قاتل وليه، فإن شاء استقاد منه فقتله بوليه، وإن شاء عفا عنه، وإن شاء أخذ الدية.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى السلطان الذي جُعل لوليّ المقتول، فقال بعضهم في ذلك، نحو الذي قُلنا.
* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) قال: بيِّنة من الله عزّ وجلّ أنزلها يطلبها وليّ المقتول، العَقْل، أو القَوَد، وذلك السلطان.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن جُويبر، عن الضحاك بن مزاحم، في قوله ( فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) قال: إن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية.
وقال آخرون: بل ذلك السلطان: هو القتل.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) وهو القَوَد الذي جعله الله تعالى.
وأولى التأويلين بالصواب في ذلك تأويل من تأول ذلك: أن السلطان الذي ذكر الله تعالى في هذا الموضع ما قاله ابن عباس، من أن لوليّ القتيل القتل إن شاء وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء العفو، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم فتح مكة: " ألا ومَنْ قُتِل لَهُ قَتِيلٌ فَهُو بِخَيْرِ النَّظَريْنِ بين أنْ يَقْتُل أوْ يأْخُذ الدّيَة ".
قد بيَّنت الحكم في ذلك في كتابنا: كتاب الجِراح.
وقوله ( فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الكوفة ( فَلا تُسْرِفْ ) بمعنى الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد به هو والأئمة من بعده، يقول: فلا تقتل بالمقتول ظُلْما غير قاتله، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يفعلون ذلك إذا قتل رجل رجلا عمد وليّ القتيل إلى الشريف من قبيلة القاتل، فقتله بوليه، وترك القاتل، فنهى الله عزّ وجلّ عن ذلك عباده، وقال لرسوله عليه الصلاة والسلام: قتل غير القاتل بالمقتول معصية وسرف، فلا تقتل به غير قاتله، وإن قتلت القاتل بالمقتول فلا تمثِّل به.
وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة ( فَلا يُسْرفْ ) بالياء، بمعنى فلا يسرف وليّ المقتول، فيقتل غير قاتل وليه.
وقد قيل: عنى به: فلا يسرف القاتل الأول لا ولي المقتول.
والصواب من القول في ذلك عندي، أن يقال: إنهما قراءتان متقاربتا المعنى، وذلك أن خطاب الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأمر أو نهي في أحكام الدين، قضاء منه بذلك على جميع عباده، وكذلك أمره ونهيه بعضهم، أمر منه ونهى جميعهم، إلا فيما دلّ فيه على أنه مخصوص به بعض دون بعض، فإن كان ذلك كذلك بما قد بيَّنا في كتابنا [ كتاب البيان، عن أصول الأحكام ] فمعلوم أن خطابه تعالى بقوله ( فَلا تُسْرِف في القَتْلِ ) نبيه صلى الله عليه وسلم، وإن كان موجَها إليه أنه معنيّ به جميع عباده، فكذلك نهيه وليّ المقتول أو القاتل عن الإسراف في القتل، والتعدّي فيه نهي لجميعهم، فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب صواب القراءة في ذلك.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويلهم ذلك نحو اختلاف القرّاء في قراءتهم إياه.
* ذكر من تأوّل ذلك: بمعنى الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم:حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، عن منصور، عن طلق بن حبيب ، في قوله ( فَلا تُسْرِفْ في القَتْلِ ) قال لا تقتل غير قاتله، ولا تمثِّل به.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير.
عن منصور، عن طلق بن حبيب، بنحوه.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، في قوله ( فَلا تُسْرِفْ في القَتْلِ ) قال: لا تقتل اثنين بواحد.
حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) كان هذا بمكة، ونبيّ الله صلى الله عليه وسلم بها، وهو أوّل شيء نزل من القرآن في شأن القتل، كان المشركون يغتالون أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال الله تبارك وتعالى: من قتلكم من المشركين، فلا يحملنَّكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أبا أو أخا أو أحدا من عشيرته، وإن كانوا مشركين، فلا تقتلوا إلا قاتلكم؛ وهذا قبل أن تنزل براءة، وقبل أن يؤمروا بقتال المشركين، فذلك قوله ( فَلا تُسْرِفْ فِي القَتْلِ ) يقول: لا تقتل غير قاتلك، وهي اليوم على ذلك الموضع من المسلمين، لا يحلّ لهم أن يقتلوا إلا قاتلهم.
* ذكر من قال: عُنِي به وليّ المقتول حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) قال: كان الرجل يُقتل فيقول وليه: لا أرضى حتى أقتل به فلانا وفلانا من أشراف قبيلته.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( فَلا تُسْرِفْ في القَتْلِ ) قال: لا تقتل غير قاتلك، ولا تمثِّل به.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَلا يُسْرِفْ في القَتْلِ ) قال: لا يقتل غير قاتله؛ من قَتَل بحديدة قُتل بحديدة؛ ومن قَتَل بخشبة قُتِل بخشبة؛ ومن قَتل بحجر قُتل بحجر.
ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إِنَّ مِنْ أعْتَى النَّاسِ على الله جَلَّ ثَناؤُهُ ثَلاثَةً رَجُلٌ قَتَلَ غَيْرَ قاتِلِهِ، أوْ قَتَلَ بدَخَنٍ في الجاهِلِيَّة، أو قَتَل فِي حَرَمِ الله ".
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: سمعته، يعني ابن زيد، يقول في قول الله جلّ ثناؤه ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) قال: إن العرب كانت إذا قُتل منهم قتيل، لم يرضوا أن يقتلوا قاتل صاحبهم، حتى يقتلوا أشرف من الذي قتله، فقال الله جلّ ثناؤه ( فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) ينصره وينتصف من حقه ( فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ) يقتل بريئا.
* ذكر من قال عُنِي به القاتل حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير عن مجاهد ( فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ) قال: لا يسرف القاتل في القتل.
وقد ذكرنا الصواب من القراءة في ذلك عندنا، وإذا كان كلا وجهي القراءة عندنا صوابا، فكذلك جميع أوجه تأويله التي ذكرناها غير خارج وجه منها من الصواب، لاحتمال الكلام ذلك، وإن في نهي الله جلّ ثناؤه بعض خلقه عن الإسراف في القتل، نهى منه جميعَهم عنه.
وأما قوله ( إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) فإن أهل التأويل اختلفوا فيمن عُنِي بالهاء التي في قوله ( إِنَّهُ ) وعلى ما هي عائدة، فقال بعضهم: هي عائدة على وليّ المقتول، وهو المعنيّ بها، وهو المنصور على القاتل.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) قال: هو دفع الإمام إليه، يعني إلى الوليّ، فإن شاء قتل، وإن شاء عفا.
وقال آخرون: بل عُنِي بها المقتول، فعلى هذا القول هي عائدة على " مَن " في قوله ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوما ).
* ذكر مَن قال ذلك: حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد ( إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) إن المقتول كان منصورا.
وقال آخرون: عُنِي بها دم المقتول، وقالوا: معنى الكلام: إن دم القتيل كان منصورا على القاتل.
وأشبه ذلك بالصواب عندي، قول من قال: عُنِي بها الوليّ، وعليه عادت، لأنه هو المظلوم، ووليه المقتول، وهي إلى ذكره أقرب من ذكر المقتول، وهو المنصور أيضا، لأن الله جلّ ثناؤه قضى في كتابه المنزل، أنه سلَّطه على قاتل وليه، وحكَّمه فيه، بأن جعل إليه قتله إن شاء، واستبقاءه على الدية إن أحبّ، والعفو عنه إن رأى، وكفى بذلك نُصرة له من الله جلّ ثناؤه، فلذلك قلنا: هو المعنيّ بالهاء التي في قوله ( إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ).

ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا

سورة : الإسراء - الأية : ( 33 )  - الجزء : ( 15 )  -  الصفحة: ( 285 ) - عدد الأيات : ( 111 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: سلام قولا من رب رحيم
  2. تفسير: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا
  3. تفسير: إنه لقول رسول كريم
  4. تفسير: واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير
  5. تفسير: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين
  6. تفسير: وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون
  7. تفسير: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا
  8. تفسير: أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد
  9. تفسير: يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين
  10. تفسير: يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه

تحميل سورة الإسراء mp3 :

سورة الإسراء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الإسراء

سورة الإسراء بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الإسراء بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الإسراء بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الإسراء بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الإسراء بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الإسراء بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الإسراء بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الإسراء بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الإسراء بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الإسراء بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب