تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 37 من سورةالأحزاب - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾
[ سورة الأحزاب: 37]

معنى و تفسير الآية 37 من سورة الأحزاب : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت


وكان سبب نزول هذه الآيات، أن اللّه تعالى أراد أن يشرع شرعًا عامًا للمؤمنين، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة، من جميع الوجوه وأن أزواجهم، لا جناح على من تبناهم، في نكاحهن.
وكان هذا من الأمور المعتادة، التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير، فأراد أن يكون هذا الشرع قولاً من رسوله، وفعلاً، وإذا أراد اللّه أمرًا، جعل له سببًا، وكان زيد بن حارثة يدعى "زيد بن محمد" قد تبناه النبي صلى اللّه عليه وسلم، فصار يدعى إليه حتى نزل ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ْ فقيل له: "زيد بن حارثة" .
وكانت تحته، زينب بنت جحش، ابنة عمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان قد وقع في قلب الرسول، لو طلقها زيد، لتزوَّجها، فقدر اللّه أن يكون بينها وبين زيد، ما اقتضى أن جاء زيد بن حارثة يستأذن النبي صلى اللّه عليه وسلم في فراقها.
قال اللّه: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ْ أي: بالإسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ْ بالعتق حين جاءك مشاورًا في فراقها: فقلت له ناصحًا له ومخبرًا بمصلحته مع وقوعها في قلبك: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ْ أي: لا تفارقها، واصبر على ما جاءك منها، وَاتَّقِ اللَّهَ ْ تعالى في أمورك عامة، وفي أمر زوجك خاصة، فإن التقوى، تحث على الصبر، وتأمر به.
وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ْ والذي أخفاه، أنه لو طلقها زيد، لتزوجها صلى اللّه عليه وسلم.
وَتَخْشَى النَّاسَ ْ في عدم إبداء ما في نفسك وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ْ وأن لا تباليهم شيئًا، فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا ْ أي: طابت نفسه، ورغب عنها، وفارقها.
زَوَّجْنَاكَهَا ْ وإنما فعلنا ذلك، لفائدة عظيمة، وهي: لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ْ حيث رأوك تزوجت، زوج زيد بن حارثة، الذي كان من قبل، ينتسب إليك.
ولما كان قوله: لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ْ عامًا في جميع الأحوال، وكان من الأحوال، ما لا يجوز ذلك، وهي قبل انقضاء وطره منها، قيد ذلك بقوله: إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ْ أي: لا بد من فعله، ولا عائق له ولا مانع.
وفي هذه الآيات المشتملات على هذه القصة، فوائد، منها: الثناء على زيد بن حارثة، وذلك من وجهين:أحدهما: أن اللّه سماه في القرآن، ولم يسم من الصحابة باسمه غيره.
والثاني: أن اللّه أخبر أنه أنعم عليه، أي: بنعمة الإسلام والإيمان.
وهذه شهادة من اللّه له أنه مسلم مؤمن، ظاهرًا وباطنًا، وإلا، فلا وجه لتخصيصه بالنعمة، لولا أن المراد بها، النعمة الخاصة.
ومنها: أن المُعْتَق في نعمة الْمُعْتِق.
ومنها: جواز تزوج زوجة الدَّعِيّ، كما صرح به.
ومنها: أن التعليم الفعلي، أبلغ من القولي، خصوصا، إذا اقترن بالقول، فإن ذلك، نور على نور.
ومنها: أن المحبة التي في قلب العبد، لغير زوجته ومملوكته، ومحارمه، إذا لم يقترن بها محذور، لا يأثم عليها العبد، ولو اقترن بذلك أمنيته، أن لو طلقها زوجها، لتزوجها من غير أن يسعى في فرقة بينهما، أو يتسبب بأي سبب كان، لأن اللّه أخبر أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم، أخفى ذلك في نفسه.
ومنها: أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم، قد بلغ البلاغ المبين، فلم يدع شيئًا مما أوحي إليه، إلا وبلغه، حتى هذا الأمر، الذي فيه عتابه.
وهذا يدل، على أنه رسول اللّه، ولا يقول إلا ما أوحي إليه، ولا يريد تعظيم نفسه.
ومنها: أن المستشار مؤتمن، يجب عليه -إذا استشير في أمر من الأمور- أن يشير بما يعلمه أصلح للمستشير ولو كان له حظ نفس، فتقدم مصلحة المستشير على هوى نفسه وغرضه.
ومنها: أن من الرأي: الحسن لمن استشار في فراق زوجته أن يؤمر بإمساكها مهما أمكن صلاح الحال، فهو أحسن من الفرقة.
ومنها: [أنه يتعين] أن يقدم العبد خشية اللّه، على خشية الناس، وأنها أحق منها وأولى.
ومنها: فضيلة زينب رضي اللّه عنها أم المؤمنين، حيث تولى اللّه تزويجها، من رسوله صلى اللّه عليه وسلم، من دون خطبة ولا شهود، ولهذا كانت تفتخر بذلك على أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وتقول زوجكن أهاليكن، وزوجني اللّه من فوق سبع سماوات.
ومنها: أن المرأة، إذا كانت ذات زوج، لا يجوز نكاحها، ولا السعي فيه وفي أسبابه، حتى يقضي زوجها وطره منها، ولا يقضي وطره، حتى تنقضي عدتها، لأنها قبل انقضاء عدتها، هي في عصمته، أو في حقه الذي له وطر إليها، ولو من بعض الوجوه.

تفسير البغوي : مضمون الآية 37 من سورة الأحزاب


قوله تعالى : ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك ) الآية ، نزلت في زينب وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما زوج زينب من زيد مكثت عنده حينا ، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى زيدا ذات يوم لحاجة ، فأبصر زينب قائمة في درع وخمار وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش ، فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها ، فقال : سبحان الله مقلب القلوب وانصرف ، فلما جاء زيد ذكرت ذلك له ، ففطن زيد ، فألقي في نفس زيد كراهيتها في الوقت فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " إني أريد أن أفارق صاحبتي " ، قال : ما لك أرابك منها شيء ؟ قال : لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيرا ، ولكنها تتعظم علي لشرفها وتؤذيني بلسانها ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أمسك عليك زوجك " ، يعني : زينب بنت جحش ) ( واتق الله ) في أمرها ، ثم طلقها زيد فذلك قوله - عز وجل - :( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه ) بالإسلام ) ( وأنعمت عليه ) بالإعتاق ، وهو زيد بن حارثة ( أمسك عليك زوجك واتق الله ) فيها ولا تفارقها ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) أي : تسر في نفسك ما الله مظهره ، أي : كان في قلبه لو فارقها لتزوجها .
وقال ابن عباس : حبها .
وقال قتادة : ود أنه طلقها .
( وتخشى الناس ) قال ابن عباس والحسن : تستحييهم .
وقيل: تخاف لائمة الناس أن يقولوا : أمر رجلا بطلاق امرأته ثم نكحها .
( والله أحق أن تخشاه ) قال عمر ، وابن مسعود ، وعائشة : ما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آية هي أشد عليه من هذه الآية .
وروي عن مسروق قال : قالت عائشة : لو كتم النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا مما أوحي إليه لكتم هذه الآية : " وتخفي في نفسك ما الله مبديه " .
وروى سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال : سألني علي بن الحسين زين العابدين ما يقول الحسن في قوله : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) ؟ قلت : يقول لما جاء زيد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا نبي الله إني أريد أن أطلق زينب فأعجبه ذلك ، فقال : أمسك عليك زوجك واتق الله ، فقال علي بن الحسين : ليس كذلك ، كان الله تعالى قد أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيدا سيطلقها ، فلما جاء زيد وقال : إني أريد أن أطلقها قال له : أمسك عليك زوجك ، فعاتبه الله وقال : لم قلت : أمسك عليك زوجك ، وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك ؟ وهذا هو الأولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لأن الله علم أنه يبدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزويجها منه فقال : " زوجناكها " فلو كان الذي أضمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محبتها أو إرادة طلاقها لكان يظهر ذلك لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره ثم يكتمه فلا يظهره ، فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه الله أنها ستكون زوجة له ، وإنما أخفاه استحياء أن يقول لزيد : التي تحتك وفي نكاحك ستكون امرأتي ، وهذا قول حسن مرض ، وإن كان القول الآخر وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها لو طلقها لا يقدح في حال الأنبياء ، لأن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه في مثل هذه الأشياء ما لم يقصد فيه المآثم ، لأن الود وميل النفس من طبع البشر .
وقوله : " أمسك عليك زوجك واتق الله " أمر بالمعروف ، وهو خشية لا إثم فيه .
وقوله تعالى : ( والله أحق أن تخشاه ) لم يرد به أنه لم يكن يخشى الله فيما سبق فإنه عليه السلام قد قال : " أنا أخشاكم لله وأتقاكم له " ، ولكنه لما ذكر الخشية من الناس ذكر أن الله تعالى أحق بالخشية في عموم الأحوال وفي جميع الأشياء .
قوله - عز وجل - : ( فلما قضى زيد منها وطرا ) أي : حاجة من نكاحها ( زوجناكها ) وذكر قضاء الوطر ليعلم أن زوجة المتبنى تحل بعد الدخول بها .
قال أنس : كانت زينب تفتخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فتقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات .
وقال الشعبي : كانت زينب تقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن : جدي وجدك واحد ، أني أنكحنيك الله في السماء ، وإن السفير لجبريل عليه السلام .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغفار بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أخبرنا مسلم بن الحجاج ، حدثني محمد بن حاتم بن ميمون ، أخبرنا بهز ، أخبرنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس قال : لما انقضت عدة زينب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد : " فاذكرها علي " ، قال : فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها ، قال فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرها ، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي ، فقلت : يا زينب أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرك .
قالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ، ونزل القرآن ، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليها بغير إذن .
قال : ولقد رأيتنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطعمنا الخبز واللحم ، حتى امتد النهار ، [ فخرج الناس ] وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتبعته فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن ، ويقلن : يا رسول الله كيف وجدت أهلك ؟ قال : فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبرني .
قال : فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ، ونزل الحجاب .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا سليمان بن حرب ، أخبرنا حماد عن ثابت ، عن أنس قال : ما أولم النبي - صلى الله عليه وسلم - على شيء من نسائه ما أولم على زينب ، أولم بشاة .
أخبرنا محمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا محمد بن هشام بن ملاس النمري ، أخبرنا مروان الفزاري ، أخبرنا حميد عن أنس قال : أولم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ابتنى بزينب بنت جحش فأشبع المسلمين خبزا ولحما .
قوله - عز وجل - : ( لكي لا يكون على المؤمنين حرج ) إثم ( في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ) و " الأدعياء " : جمع الدعي ، وهو المتبنى ، يقول : زوجناك زينب ، وهي امرأة زيد الذي تبنيته ، ليعلم أن زوجة المتبنى حلال للمتبني ، [ وإن كان قد دخل بها المتبنى ] بخلاف امرأة ابن الصلب فإنها لا تحل للأب .
( وكان أمر الله مفعولا ) أي : كان قضاء الله ماضيا وحكمه نافذا وقد قضى في زينب أن يتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

التفسير الوسيط : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت


ثم ذكر- سبحانه - قصة زواج النبي صلّى الله عليه وسلّم من السيدة زينب بنت جحش، وما ترتب على هذا الزواج من هدم لعادات كانت متأصلة في الجاهلية فقال-تبارك وتعالى-: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ.. أى: واذكر- أيها الرسول الكريم- وقت أن قلت للذي أنعم الله-تبارك وتعالى- عليه بنعمة الإيمان، وهو زيد بن حارثة- رضى الله عنه-.
وأنعمت عليه، بنعمة العتق، والحرية، وحسن التربية، والمحبة، والإكرام..أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ أى: اذكر وقت قولك له: أمسك عليك زوجك زينب بنت جحش، فلا تطلقها، واتق الله في أمرها، واصبر على ما بدر منها في حقك..وكان زيد- رضى الله عنه- قد اشتكى للنبي صلّى الله عليه وسلّم من تطاولها عليه، وافتخارها بحسبها ونسبها، وتخشينها له القول، وقال: يا رسول الله، إنى أريد أن أطلقها.
وقوله-تبارك وتعالى-: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ معطوف على تَقُولُ.
أى:تقول له ذلك وتخفى في نفسك الشيء الذي أظهره الله-تبارك وتعالى- لك، وهو إلهامك بأن زيدا سيطلق زينب، وأنت ستتزوجها بأمر الله- عز وجل -.
قال الآلوسى: والمراد بالموصول مَا على ما أخرج الحكيم الترمذي وغيره عن على ابن الحسين ما أوحى الله-تبارك وتعالى- به إليه من أن زينب سيطلقها زيد.
ويتزوجها هو صلى الله عليه وسلم.
وإلى هذا ذهب أهل التحقيق من المفسرين، كالزهرى، وبكر بن العلاء، والقشيري، والقاضي أبى بكر بن العربي، وغيرهم.
وقال بعض العلماء ما ملخصه: قوله-تبارك وتعالى-: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ جملة: الله مبديه صلة الموصول الذي هو مَا.
وما أبداه- سبحانه - هو زواجه صلى الله عليه وسلّم بزينب، وذلك في قوله-تبارك وتعالى-: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها وهذا هو التحقيق في معنى الآية، الذي دل عليه القرآن، وهو اللائق بجنابه صلّى الله عليه وسلم.
وبه تعلم أن ما قاله بعض المفسرين، من أن ما أخفاه في نفسه صلّى الله عليه وسلّم وأبداه الله-تبارك وتعالى-، هو وقوع زينب في قلبه صلّى الله عليه وسلّم ومحبته لها، وهي زوجة لزيد، وأنها سمعته يقول عند ما رآها: سبحان مقلب القلوب.. إلى آخر ما قالوا ...
كله لا صحة له...
وقال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: ذكر ابن جرير وابن أبى حاتم- وغيرهما- هاهنا آثارا عن بعض السلف، أحببنا أن نضرب عنها صفحا، لعدم صحتها.
فلا نوردها...
هذا، ولفضيلة شيخنا الجليل الدكتور أحمد السيد الكومى رأى في معنى هذه الجملة الكريمة، وهو أن ما أخفاه الرسول في نفسه: هو علمه بإصرار زيد على طلاقه لزينب، لكثرة تفاخرها عليه، وسماعه منها ما يكرهه.
وما لا يستطيع معه الصبر على معاشرتها.
وما أبداه الله-تبارك وتعالى-: هو علم الناس بحال زيد معها، ومعرفتهم بأن زينب تخشن له القول، وتسمعه ما يكره، وتفخر عليه بنسبها..فيكون المعنى: تقول للذي أنعم الله عليه، وأنعمت عليه، أمسك عليك زوجك واتق الله، وتخفى في نفسك أن زيدا لن يستطيع الصبر على معاشرة زوجه زينب لوجود التنافر بينهما.. مع أن الله-تبارك وتعالى- قد أظهر ذلك، عن طريق كثرة شكوى زيد منها، وإعلانه أنه حريص على طلاقها، ومعرفة كثير من الناس بهذه الحقيقة..ومما يؤيد هذا الرأى أنه لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة ما يدل دلالة صريحة على أن الله قد أوحى إلى نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن زيدا سيطلق زينب، وأنه صلّى الله عليه وسلّم سيتزوجها، وكل ما ورد في ذلك هي تلك الرواية التي سبق أن ذكرناها عن على بن الحسين- رضى الله عنهما-.
قال صاحب الظلال: وهذا الذي أخفاه النبي صلّى الله عليه وسلّم في نفسه، وهو يعلم أن الله مبديه، هو ما ألهمه الله أن سيفعله.
ولم يكن أمرا صريحا من الله.
وإلا ما تردد فيه ولا أخره ولا حاول تأجيله.
ولجهر به في حينه مهما كانت العواقب التي يتوقعها من إعلانه.
ولكنه صلى الله عليه وسلّم كان أمام إلهام يجده في نفسه، ويتوجس في الوقت ذاته من مواجهته ومواجهة الناس به حتى أذن الله بكونه.
فطلق زيد زوجه في النهاية.
وهو لا يفكر لا هو ولا زينب فيما سيكون بعد.. .
وهذه الأقوال جميعها تهدم هدما تاما كل الروايات التي رويت عن هذا الحادث، والتي تشبث بها أعداء الإسلام في كل زمان ومكان، وصاغوا حولها الأساطير والمفتريات.
وقوله- سبحانه -: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ معطوف على ما قبله، ومؤكد لمضمونه.
أى: تقول له ما قلت، وتخفى في نفسك ما أظهره الله، وتخشى أن تواجه الناس بما ألهمك الله-تبارك وتعالى- به من أمر زيد وزينب، مع أن الله-تبارك وتعالى- أحق بالخشية من كل ما سواه.
فالجملة الكريمة عتاب رقيق من الله-تبارك وتعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلّم وإرشاد له إلى أفضل الطرق، وأحكم السبل، لمجابهة أمثال هذه الأمور، وحلها حلا سليما.
ثم بين- سبحانه - الحكمة من زواجه صلّى الله عليه وسلّم بزينب فقال: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها، لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا.
والوطر: الحاجة.
وقضاء الوطر: بلوغ منتهى ما تريده النفس من الشيء، يقال: قضى فلان وطره من هذا الشيء: إذا أخذ أقصى حاجته منه.
والمراد هنا: أن زيدا قضى حاجته من زينب، ولم يبق عنده أدنى رغبة فيها، بل صارت رغبته العظمى في مفارقتها.
أى: فلما قضى زيد حاجته من زينب، وطلقها، وانقضت عدتها، زوجناكها، أى:جعلناها زوجة لك، لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ أو ضيق أو مشقة فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ أى: في الزواج من أزواج أدعيائهم، الذين تبنوهم إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً أى: إذا طلق هؤلاء الأدعياء أزواجهم، وانقضت عدة هؤلاء الأزواج، فلا حرج على الذين سبق لهم تبنى هؤلاء الأدعياء أن يتزوجوا بنسائهم، ولهم في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسوة حسنة.
وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا أى: وكان ما يريده الله-تبارك وتعالى- حاصلا لا محالة.
قال الإمام ابن كثير: قوله: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها.. أى: لما فرغ منها وفارقها زوجناكها، وكان الذي ولى تزويجها منه هو الله- عز وجل -.
بمعنى: أنه أوحى إليه أن يدخل بها بلا ولىّ ولا مهر ولا عقد ولا شهود من البشر..روى الإمام أحمد عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب- رضى الله عنها- قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لزيد بن حارثة: «اذهب فاذكرها على» فانطلق حتى آتاها وهي تخمر عجينها.
قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها.
وجعلت أقول- وقد وليتها ظهري، ونكصت على عقبى- يا زينب.
أبشرى.
أرسلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يذكرك قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي- أى: أستشيره في أمرى-، فقامت إلى مسجدها.
ونزل القرآن.
وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل عليها بغير إذن ...
وروى البخاري عن أنس بن مالك، أن زينب بنت جحش كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم فتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات.. .
وقال الإمام الشوكانى: وقوله: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ ...
أى: في التزوج بأزواج من يجعلونه ابنا، كما كانت تفعله العرب، فإنهم كانوا يتبنون من يريدون.. وكانوا يعتقدون أنه يحرم عليهم نساء من تبنوه، كما تحرم نساء أبنائهم على الحقيقة.
والأدعياء: جمع دعى، وهو الذي يدعى ابنا من غير أن يكون ابنا على الحقيقة.
فأخبرهم الله-تبارك وتعالى- أن نساء الأدعياء حلال لهم- بعد انقضاء العدة- بخلاف الأبناء من الصلب، فإن نساءهم تحرم على الآباء بنفس العقد عليها.. .

تفسير ابن كثير : شرح الآية 37 من سورة الأحزاب


يقول تعالى مخبرا عن نبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ، إنه قال لمولاه زيد بن حارثة وهو الذي أنعم الله عليه ، أي : بالإسلام ، ومتابعة الرسول ، عليه أفضل الصلاة والسلام : ( وأنعمت عليه ) أي : بالعتق من الرق ، وكان سيدا كبير الشأن جليل القدر ، حبيبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، يقال له : الحب ، ويقال لابنه أسامة : الحب ابن الحب قالت عائشة ، رضي الله عنها : ما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية إلا أمره عليهم ، ولو عاش بعده لاستخلفه رواه أحمد عن سعيد بن محمد الوراق ومحمد بن عبيد ، عن وائل بن داود ، عن عبد الله البهي عنهاوقال البزار : حدثنا خالد بن يوسف ، حدثنا أبو عوانة ( ح ) ، وحدثنا محمد بن معمر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو عوانة ، أخبرني عمران بن أبي سلمة ، عن أبيه : حدثني أسامة بن زيد قال : كنت في المسجد ، فأتاني العباس وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما ، فقالا يا أسامة ، استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فأتيت رسول الله فأخبرته ، فقلت : علي والعباس يستأذنان ؟ فقال : " أتدري ما حاجتهما ؟ " قلت : لا يا رسول الله فقال : " لكني أدري " ، قال : فأذن لهما قالا يا رسول الله ، جئناك لتخبرنا : أي أهلك أحب إليك ؟ فقال : " أحب أهلي إلي فاطمة بنت محمد " قالا يا رسول الله ، ما نسألك عن فاطمة قال : " فأسامة بن زيد بن حارثة ، الذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية - وأمها أميمة بنت عبد المطلب - وأصدقها عشرة دنانير ، وستين درهما ، وخمارا ، وملحفة ، ودرعا ، وخمسين مدا من طعام ، وعشرة أمداد من تمر قاله مقاتل بن حيان ، فمكثت عنده قريبا من سنة أو فوقها ، ثم وقع بينهما ، فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله يقول له : " أمسك عليك زوجك ، واتق الله " قال الله تعالى : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه )ذكر ابن جرير ، وابن أبي حاتم هاهنا آثارا عن بعض السلف ، رضي الله عنهم ، أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردهاوقد روى الإمام أحمد هاهنا أيضا حديثا ، من رواية حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أنس فيه غرابة تركنا سياقه أيضاوقد روى البخاري أيضا بعضه مختصرا فقال : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا معلى بن منصور ، عن حماد بن زيد ، حدثنا ثابت ، عن أنس بن مالك قال : إن هذه الآية : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) نزلت في شأن زينب بنت جحش ، وزيد بن حارثة ، رضي الله عنهماوقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق ، حدثنا ابن عيينة ، عن علي بن زيد بن جدعان قال : سألني علي بن الحسين ما يقول الحسن في قوله : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) [ وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ] ) ؟ فذكرت له فقال : لا ولكن الله أعلم نبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها ، فلما أتاه زيد ليشكوها إليه قال : اتق الله ، وأمسك عليك زوجك فقال : قد أخبرتك أني مزوجكها ، وتخفي في نفسك ما الله مبديهوهكذا روي عن السدي أنه قال نحو ذلكوقال ابن جرير : حدثني إسحاق بن شاهين ، حدثني خالد ، عن داود عن عامر ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : لو كتم محمد صلى الله عليه وسلم شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله ، لكتم : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه )وقوله : ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ) : الوطر : هو الحاجة والأرب ، أي : لما فرغ منها ، وفارقها زوجناكها ، وكان الذي ولي تزويجها منه هو الله ، عز وجل ، بمعنى : أنه أوحى إليه أن يدخل عليها بلا ولي ولا مهر ولا عقد ولا شهود من البشرقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم - يعني : ابن القاسم أبو النضر - حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس ، رضي الله عنه ، قال : لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة : " اذهب فاذكرها علي " فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينها ، قال : فلما رأيتها عظمت في صدري - حتى ما أستطيع أن أنظر إليها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها ، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي ، وقلت : يا زينب ، أبشري ، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك قالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي ، عز وجل فقامت إلى مسجدها ، ونزل القرآن ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن ولقد رأيتنا حين دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا عليها الخبز واللحم ، فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم [ واتبعته ] فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن ، ويقلن : يا رسول الله ، كيف وجدت أهلك ؟ فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبر قال : فانطلق حتى دخل البيت ، فذهبت أدخل معه ، فألقى الستر بيني وبينه ، ونزل الحجاب ، ووعظ القوم بما وعظوا به : ( لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) الآيةورواه مسلم والنسائي من طرق ، عن سليمان بن المغيرة ، بهوقد روى البخاري ، رحمه الله ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، أن زينب بنت جحش كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماواتوقد قدمنا في " سورة النور " عن محمد بن عبد الله بن جحش قال : تفاخرت زينب وعائشة ، فقالت زينب ، رضي الله عنها : أنا التي نزل تزويجي من السماء ، وقالت عائشة : أنا التي نزل عذري من السماء ، فاعترفت لها زينب ، رضي الله عنهاوقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن المغيرة ، عن الشعبي قال : كانت زينب تقول للنبي صلى الله عليه وسلم إني لأدل عليك بثلاث ، ما من نسائك امرأة تدل بهن : إن جدي وجدك واحد ، وإني أنكحنيك الله من السماء ، وإن السفير جبريل عليه السلاموقوله : ( لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ) أي : إنما أبحنا لك تزويجها وفعلنا ذلك; لئلا يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدعياء ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة ، فكان يقال له : " زيد بن محمد " ، فلما قطع الله هذه النسبة بقوله تعالى : ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) ، ثم زاد ذلك بيانا وتأكيدا بوقوع تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش لما طلقها زيد بن حارثة ; ولهذا قال في آية التحريم : ( وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ) [ النساء : 23 ] ليحترز من الابن الدعي; فإن ذلك كان كثيرا فيهموقوله : ( وكان أمر الله مفعولا ) أي : وكان هذا الأمر الذي وقع قد قدره الله تعالى وحتمه ، وهو كائن لا محالة ، كانت زينب في علم الله ستصير من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

تفسير الطبري : معنى الآية 37 من سورة الأحزاب


القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا (37)يقول تعالى ذكره لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عتابا من الله له (و) اذكر يا محمد (إذْ تَقُولُ لِلَّذِي أنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالهداية (وَأنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالعتق، يعني زيد بن حارثة مولى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) وذلك أن زينب بنت جحش فيما ذكر رآها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأعجبته، وهي في حبال مولاه، فألقِي في نفس زيد كراهتها لما علم الله مما وقع في نفس نبيه ما وقع، فأراد فراقها، فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم زيد، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) وهو صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يحب أن تكون قد بانت منه لينكحها(وَاتَّقِ اللَّهَ) وخف الله في الواجب له عليك في زوجتك ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) يقول: وتخفي في نفسك محبة فراقه إياها لتتزوجها إن هو فارقها، والله مبد ما تخفي في نفسك من ذلك ( وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) يقول تعالى ذكره: وتخاف أن يقول الناس: أمر رجلا بطلاق امرأته ونكحها حين طلقها، والله أحق أن تخشاه من الناس.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإذْ تَقُولُ لِلَّذِي أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) وهو زيد أنعم الله عليه بالإسلام (وَأنْعَمْتَ عَلَيْهِ) أعتقه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) قال: وكان يخفي في نفسه ودَّ أنه طلقها.
قال الحسن: ما أنزلت عليه آية كانت أشد عليه منها؛ قوله (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) ولو كان نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كاتما شيئا من الوحي لكتمها( وَتَخْشَى &; 20-274 &; النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) قال: خشِي نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مقالة الناس.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يومًا يريده وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فانكشف، وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلما وقع ذلك كرِّهت إلى الآخر، فجاء فقال: يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي، قال: ما ذاك، أرابك منها شيء؟ " قال: لا والله ما رابني منها شيء يا رسول الله، ولا رأيت إلا خيرًا، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أمسك عليك زوجك واتق الله، فذلك قول الله تعالى ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها.
حدثني محمد بن موسى الجرشي، قال: ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أَبي حمزة قال: نزلت هذه الآية ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) في زينب بنت جحش.
حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن علي بن حسين قال: كان الله تبارك وتعالى أعلم نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن زينب ستكون من أزواجه، فلما أتاه زيد يشكوها، قال: اتق الله وأمسك عليك زوجك، قال الله: ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) .
حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا داود، عن عامر، عن عائشة، قالت: لو كتم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله لكتم ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) .
وقوله: ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ) يقول تعالى ذكره: فلما قضى زيد بن حارثة من زينب حاجته، وهي الوطر، ومنه قول الشاعر:وَدَّعَني قَبْلَ أن أُوَدِّعَهُلمَّا قَضَى مِنْ شَبابِنا وَطَرَا (1)(زَوَّجْنَاكَهَا) يقول: زوجناك زينب بعد ما طلقها زيد وبانت منه؛( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ) يعني: في نكاح نساء من تبنوا وليسوا ببنيهم ولا أولادهم على صحة إذا هم طلقوهن وبِنَّ منهم ( إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ) يقول: إذا قضوا منهن حاجاتهم وآرابهم، وفارقوهن وحللن لغيرهم، ولم يكن ذلك نزولا منهم لهم عنهن ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا ) يقول: وكان ما قضى الله من قضاء مفعولا أي: كائنا كان لا محالة.
وإنما يعني بذلك أن قضاء الله في زينب أن يتزوجها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان ماضيا مفعولا كائنا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ) يقول: إذا طلقوهن، وكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تبنى زيد بن حارثة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا .
.
.
.
) إلى قوله (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا) إذا كان ذلك منه غير نازل لك، فذلك قول الله وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ .
حدثني محمد بن عثمان الواسطي، قال: ثنا جعفر بن عون، عن المعلى بن عرفان، عن محمد بن عبد الله بن جحش.
قال: تفاخرت عائشة وزينب، قال: فقالت زينب: أنا الذي نزل تزويجي .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، قال: كانت زينب زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تقول للنبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن؛ إن جدي وجدك واحد، وإني أنكحنيك الله من السماء، وإن السفير لجبرائيل عليه السلام.
------------------------الهوامش:(1) في (اللسان: وطر).
قال الزجاج: الوطر والأرب: بمعنى واحد.
ثم قال: قال الخليل: الوطر كل حاجة يكون لك فيها همة فإذا بلغها البالغ قيل: قضى وطره وأربه.
ولا يبني منه فعل.
ومحل الشاهد في البيت: لفظة الوطر بمعنى الحاجة.

وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا

سورة : الأحزاب - الأية : ( 37 )  - الجزء : ( 22 )  -  الصفحة: ( 423 ) - عدد الأيات : ( 73 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون
  2. تفسير: أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم
  3. تفسير: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم
  4. تفسير: فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم
  5. تفسير: إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك
  6. تفسير: أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون
  7. تفسير: وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين
  8. تفسير: قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا
  9. تفسير: وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا
  10. تفسير: ومكروا مكرا كبارا

تحميل سورة الأحزاب mp3 :

سورة الأحزاب mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأحزاب

سورة الأحزاب بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الأحزاب بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الأحزاب بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الأحزاب بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الأحزاب بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الأحزاب بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الأحزاب بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الأحزاب بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الأحزاب بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الأحزاب بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب