تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه ..
﴿ ۞ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ﴾
[ سورة يونس: 71]
معنى و تفسير الآية 71 من سورة يونس : واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه .
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
تفسير السعدي : واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه
يقول تعالى لنبيه: واتل على قومك {نَبَأَ نُوحٍ} في دعوته لقومه، حين دعاهم إلى الله مدة طويلة، فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، فلم يزدهم دعاؤه إياهم إلا طغيانًا، فتمللوا منه وسئموا، وهو عليه الصلاة والسلام غير متكاسل، ولا متوان في دعوتهم، فقال لهم: {يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ} أي: إن كان مقامي عندكم، وتذكيري إياكم ما ينفعكم {بِآيَاتِ اللَّهِ} الأدلة الواضحة البينة، قد شق عليكم وعظم لديكم، وأردتم أن تنالوني بسوء أو تردوا الحق. {فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ} أي: اعتمدت على الله، في دفع كل شر يراد بي، وبما أدعو إليه، فهذا جندي، وعدتي. وأنتم، فأتوا بما قدرتم عليه، من أنواع العَدَدَ والعُددَ.{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} كلكم، بحيث لا يتخلف منكم أحد، ولا تدخروا من مجهودكم شيئًا.{و} أحضروا {شُرَكَاءَكُمْ} الذي كنتم تعبدونهم وتوالونهم من دون الله رب العالمين.{ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} أي: مشتبهًا خفيًا، بل ليكن ذلك ظاهرًا علانية.{ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} أي: اقضوا علي بالعقوبة والسوء، الذي في إمكانكم، {وَلَا تُنْظِرُونِ} أي: لا تمهلوني ساعة من نهار. فهذا برهان قاطع، وآية عظيمة على صحة رسالته، وصدق ما جاء به، حيث كان وحده لا عشيرة تحميه، ولا جنود تؤويه.وقد بادأ قومه بتسفيه آرائهم، وفساد دينهم، وعيب آلهتهم. وقد حملوا من بغضه، وعداوته ما هو أعظم من الجبال الرواسي، وهم أهل القدرة والسطوة، وهو يقول لهم: اجتمعوا أنتم وشركاؤكم ومن استطعتم، وأبدوا كل ما تقدرون عليه من الكيد، فأوقعوا بي إن قدرتم على ذلك، فلم يقدروا على شيء من ذلك.فعلم أنه الصادق حقًا، وهم الكاذبون فيما يدعون
تفسير البغوي : مضمون الآية 71 من سورة يونس
قوله تعالى : ( واتل عليهم نبأ نوح ) أي : اقرأ يا محمد على أهل مكة خبر نوح ( إذ قال لقومه ) وهم ولد قابيل ، ( يا قوم إن كان كبر عليكم ) عظم وثقل عليكم ، ( مقامي ) طول مكثي فيكم ( وتذكيري ) ووعظي إياكم ( بآيات الله ) بحججه وبيناته ، فعزمتم على قتلي وطردي ( فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم ) أي : أحكموا أمركم واعزموا عليه ، ( وشركاءكم ) أي : وادعوا شركاءكم ، أي : آلهتكم ، فاستعينوا بها لتجتمع معكم .وقال الزجاج : معناه : فأجمعوا أمركم مع شركائكم ، فلما ترك " مع " انتصب . وقرأ يعقوب : " وشركاؤكم " رفع ، أي : فأجمعوا أمركم أنتم وشركاؤكم .( ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ) أي : خفيا مبهما ، من قولهم : غم الهلال على الناس ، أي : أشكل عليهم ، ( ثم اقضوا إلي ) أي : أمضوا ما في أنفسكم وافرغوا منه ، يقال : قضى فلان إذا مات ومضى وقضى دينه إذا فرغ منه .وقيل: معناه : توجهوا إلي بالقتل والمكروه .وقيل فاقضوا ما أنتم قاضون ، وهذا مثل قول السحرة لفرعون : " فاقض ما أنت قاض " ( طه - 72 ) ، أي : اعمل ما أنت عامل .( ولا تنظرون ) ولا تؤخرون وهذا على طريق التعجيز ، أخبر الله عن نوح أنه كان واثقا بنصر الله تعالى غير خائف من كيد قومه ، علما منه بأنهم وآلهتهم ليس إليهم نفع ولا ضر إلا أن يشاء الله .
التفسير الوسيط : واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه
قال الإمام الرازي: «اعلم أنه- سبحانه - لما بالغ في تقرير الدلائل والبينات وفي الجواب عن الشبه والسؤالات، شرع بعد ذلك في بيان بعض قصص الأنبياء- عليهم السلام- لوجوه:أحدها: أن الكلام إذا طال في تقرير نوع من أنواع العلوم، فربما حصل نوع من أنواع الملالة، فإذا انتقل الإنسان من ذلك الفن من العلم إلى فن آخر، انشرح صدره. ووجد في نفسه رغبة جديدة.وثانيها: ليكون للرسول صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، أسوة بمن سلف من الأنبياء، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سمع أن معاملة الكفار لأنبيائهم سيئة.. خف ذلك على قلبه، لأن المصيبة إذا عمت خفت.وثالثها: أن الكفار إذا سمعوا هذه القصص، وعلموا أن العاقبة للمتقين كان ذلك سببا في انكسار قلوبهم، ووقوع الخوف والوجل في نفوسهم. وحينئذ يقلعون عن أنواع الإيذاء والسفاهة ... »ونوح- عليه السلام-: واحد من أولى العزم من الرسل، وينتهى نسبه إلى شيث بن آدم- عليه السلام- وقد ذكر في القرآن في ثلاثة وأربعين موضعا.وكان قومه يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم نوحا ليدلهم على طريق الرشاد.وقد تكررت قصته مع قومه في سورة الأعراف، وهود، والمؤمنون، ونوح ... بصورة أكثر تفصيلا.أما هنا في سورة يونس فقد جاءت بصورة مجملة، لأن الغرض منها هنا، إبراز جانب التحدي من نوح لقومه، بعد أن مكث فيهم زمانا طويلا، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة غيره.والمعنى: واتل- يا محمد- على مسامع هؤلاء المشركين الذين مردوا على افتراء الكذب، نبأ نوح- عليه السلام- مع قومه المغترين بأموالهم وكثرتهم ليتدبروا ما في هذا النبأ من عظات وعبر. وليعلموا أن سنة الله-تبارك وتعالى- قد اقتضت أن يجعل العاقبة للمتقين.والمقصود من هذه التلاوة، دعوة مشركي مكة وأمثالهم، إلى التدبر فيما جرى للظالمين من قبلهم، لعلهم بسبب هذا التدبر والتأمل يثوبون إلى رشدهم ويتبعون الدين الحق الذي جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.وقوله: يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ..بيان لما قاله لهم بعد أن مكث فيهم زمنا طويلا،، وسمع منهم ما سمع من استهزاء بدعوته،، وتطاول على أتباعه.أى: قال نوح لقومه بعد أن دعاهم ليلا ونهارا: يا قوم إن كان كَبُرَ عَلَيْكُمْ.أى: شق وعظم عليكم مَقامِي فيكم ووجودى بين أظهركم عمرا طويلا وَتَذْكِيرِي إياكم بآيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته،، والتي تستلزم منكم إخلاص العبادة له والشكر لنعمه.إن كان كبر عليكم ذلك فعلى الله وحده توكلت، وإليه وحده فوضت أمرى ولن يصرفني عن الاستمرار في تبليغ ما أمرنى بتبليغه وعد أو وعيد منكم.وخاطبهم- عليه السلام- بقوله: يا قَوْمِ استمالة لقلوبهم وإشعارا لهم بأنهم أهله وأقرباؤه الذين يحب لهم الخير، ويكره لهم الشر.وجملة فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ جواب الشرط. وقيل جواب الشرط محذوف والتقدير: إن كان كبر عليكم ذلك فافعلوا ما شئتم فإنى على الله وحده توكلت في تبليغ دعوته لكم.وقوله: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ معطوف على ما قبله.والفعل فَأَجْمِعُوا بقطع الهمزة مأخوذ من أجمعت على الأمر إذا عزمت عليه عزما مؤكدا ووطنت نفسك على المضي فيه بدون تردد أو تقاعس.والمراد بالأمر هنا: المكر والكيد والعداوة وما يشبه ذلك.والمراد بشركائهم: أصنامهم التي عبدوها من دون الله وظنوا فيها النفع والضرر والتمسوا فيها العون والنصرة.والمعنى: أن نوحا- عليه السلام- قد قال لقومه بصراحة ووضوح: يا قوم إن كان قد شق عليكم مقامي فيكم، وتذكيري بآيات الله الدالة على وحدانيته فاجمعوا ما تريدون جمعه من مكر وكيد بي، ثم ادعوا شركاءكم ليساعدوكم في ذلك فإنى ماض في طريقي الذي أمرنى الله به، بدون مبالاة بمكركم وبدون اهتمام بكيدكم.قال الآلوسى: «وقوله وَشُرَكاءَكُمْ منصوب على أنه مفعول معه لأن الشركاء عازمون لا معزوم عليهم. وقيل إنه منصوب العطف على قوله أَمْرَكُمْ بحذف المضاف.أى فأجمعوا أمركم وأمر شركائكم.وقرأ نافع: فاجمعوا بوصل الهمزة وفتح الميم من جمع وعطف الشركاء على الأمر في هذه القراءة ظاهر بناء على أنه يقال: جمعت شركائى، كما يقال جمعت أمرى ... » .وقوله: ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً معطوف على ما قبله، ومؤكد لمضمونه.وكلمة غُمَّةً بمعنى الستر والخفاء. يقال: غم على فلان الأمر أى: خفى عليه واستتر.ومنه الحديث الشريف: «صوموا لرؤيته- أى الهلال- وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما» أى فإن استتر وخفى عليكم الهلال وحال دون رؤيتكم له حائل من عغيم أو ضباب فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما.أى: اجمعوا ما تريدون جمعه لي من مكر وكيد واستعينوا على ذلك بشركائكم ثم لا يكن أمركم، الذي أجمعتم على تنفيذه فيه شيء من الستر أو الخفاء أو الالتباس الذي يجعلكم مترددين في المضي فيه أو متقاعسين عن مجاهرتى بما تريدون فعله معى.ومنهم من يرى أن كلمة غُمَّةً هنا بمعنى الغم كالكربة بمعنى الكرب أى: ثم لا يكن حالكم غما كائنا عليكم بسبب مقامي فيكم وتذكيري إياكم بآيات الله.وقد أشار صاحب الكشاف الى هذين الوجهين فقال: «فإن قلت: ما معنى الأمرين:أمرهم الذي يجمعونه وأمرهم الذي لا يكون عليهم غمة؟قلت: أما الأمر الأول فالقصد إلى إهلاكه يعنى: فأجمعوا ما تريدون من إهلاكى واحتشدوا فيه، وابذلوا وسعكم في كيدي. وإنما قال ذلك إظهارا لقلة مبالاته بهم وثقته بما وعده به ربه من كلاءته وعصمته إياه، وأنهم لن يجدوا إليه سبيلا.وأما الثاني ففيه وجهان: أحدهما أن يراد مصاحبتهم له وما كانوا فيه معه من الحال الشديدة عليهم، المكروهة عندهم. يعنى: ثم أهلكونى لئلا يكون عيشكم بسببي غصة عليكم. وحالكم عليكم غمة. أى: غما وهما. والغم والغمة كالكرب والكربة.وثانيهما: أن يراد به ما أريد بالأمر الأول. والغمة السترة من غمه إذا ستره، وفي الحديث «لا غمة في فرائض الله» أى لا تستر ولكن يجاهر بها.يعنى: ولا يكن قصدكم إلى إهلاكى مستورا عليكم. ولكن مكشوفا مشهورا تجاهروننى به» .وقوله: ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ زيادة في تحديهم وإثارتهم.والقضاء هنا بمعنى الأداء، من قولهم: قضى المدين للدائن دينه، إذا أداه إليه، وقضى فلان الصلاة. أى أداها بعد مضى وقتها.أى: ثم أدوا إلى ذلك الأمر الذي تريدون أداءه من إيذائى أو إهلاكى بدون إنظار أو إمهال.ويصح أن يكون القضاء هنا بمعنى الحكم، أى: ثم احكموا على بما تريدون من أحكام،ولا تتركوا لي مهلة في تنفيذها، بل نفذوها علىّ في الحال.فأنت ترى في هذه الآية الكريمة كيف أن نوحا- عليه السلام- كان في نهاية الشجاعة في مخاطبته لقومه، بعد أن مكث فيهم ما مكث وهو يدعوهم إلى عبادة الله-تبارك وتعالى- وحده.فهو- أولا- يصارحهم بأنه ماض في طريقه الذي أمره الله بالمضي فيه، وهو تذكيرهم بالدلائل الدالة على وحدانية الله، وعلى وجوب إخلاص العبادة له سواء أشق عليهم هذا التذكير أم لم يشق، وأنه لا اعتماد له على أحد إلا على الله وحده.وهو- ثانيا- يتحداهم بأن يجمعوا أمرهم وأمر شركائهم وأن يأخذوا أهبتهم لكيده وحربه.وهو- ثالثا- يطالبهم بأن يتخذوا قراراتهم بدون تستر أو خفاء، فإن الأمر لا يحتاج إلى غموض أو تردد، لأن حاله معهم قد أصبح واضحا وصريحا.وهو- رابعا- يأمرهم بأن يبلغوه ما توصلوا إليه من قرارات وأحكام وأن ينفذوها عليه بدون تريث أو انتظار، حتى لا يتركوا له فرصة للاستعداد للنجاة من مكرهم.وهكذا نرى نوحا- عليه السلام- يتحدى قومه تحديا صريحا مثيرا. حتى إنه ليغريهم بنفسه، ويفتح لهم الطريق لإيذائه وإهلاكه- إن استطاعوا ذلك-.وما لجأ- عليه السلام- إلى هذا التحدي الواضح المثير إلا لأنه كان معتمدا على الله-تبارك وتعالى- الذي تتضاءل أمام قوته كل قوة وتتهاوى إزاء سطوته كل سطوة ويتصاغر كل تدبير وتقدير أمام تدبيره وتقديره.وهكذا نرى القرآن الكريم يسوق للدعاة في كل زمان ومكان تلك المواقف المشرفة لرسل الله- عليهم الصلاة والسلام- لكي يقتدوا بهم في شجاعتهم، وفي اعتمادهم على الله وحده، وفي ثباتهم أمام الباطل مهما بلغت قوته، واشتد جبروته.ومتى فعلوا ذلك، كانت العاقبة لهم لأنه- سبحانه - تعهد أن ينصر من ينصره.
تفسير ابن كثير : شرح الآية 71 من سورة يونس
يقول تعالى لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه : { واتل عليهم } أي: أخبرهم واقصص عليهم ، أي: على كفار مكة الذين يكذبونك ويخالفونك { نبأ نوح } أي: خبره مع قومه الذين كذبوه ، كيف أهلكهم الله ودمرهم بالغرق أجمعين عن آخرهم ، ليحذر هؤلاء أن يصيبهم من الهلاك والدمار ما أصاب أولئك . { إذ قال لقومه ياقوم إن كان كبر عليكم } أي: عظم عليكم ، { مقامي } أي فيكم بين أظهركم ، { وتذكيري } إياكم { بآيات الله } أي: بحججه وبراهينه ، { فعلى الله توكلت } أي: فإني لا أبالي ولا أكف عنكم سواء عظم عليكم أو لا ! { فأجمعوا أمركم وشركاءكم } أي: فاجتمعوا أنتم وشركاؤكم الذين تدعون من دون الله ، من صنم ووثن ، { ثم لا يكن أمركم عليكم غمة } أي: ولا تجعلوا أمركم عليكم ملتبسا ، بل افصلوا حالكم معي ، فإن كنتم تزعمون أنكم محقون ، فاقضوا إلي ولا تنظرون ، أي: ولا تؤخروني ساعة واحدة ، أي: مهما قدرتم فافعلوا ، فإني لا أباليكم ولا أخاف منكم ، لأنكم لستم على شيء ، كما قال هود لقومه : { إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم } [ هود : 54 - 56 ] .
تفسير الطبري : معنى الآية 71 من سورة يونس
القول في تأويل قوله تعالى : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ( 71 )قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( واتل ) على هؤلاء المشركين الذين قالوا: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، من قومك ( 1 ) ، ( نبأ نوح ) ، يقول: خبر نوح ( 2 ) ( إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي ) ، يقول: إن كان عظم عليكم مقامي بين أظهركم وشقّ عليكم، ( 3 ) ، ( وتذكيري بآيات الله ) ، يقول، ووعظي إياكم بحجج الله، وتنبيهي إياكم على ذلك ( 4 ) ، ( فعلى الله توكلت ) ، يقول: إن كان شق عليكم مقامي بين أظهركم ، وتذكيري بآيات الله ، فعزمتم على قتلي أو طردي من بين أظهركم، فعلى الله اتكالي وبه ثقتي ، وهو سَنَدي وظهري ( 5 ) ، ( فأجمعوا أمركم )، يقول: فأعدُّوا أمركم ، واعزموا على ما تنوُون عليه في أمري. ( 6 )* * *يقال منه: " أجمعت على كذا "، بمعنى: عزمت عليه، ( 7 )ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : : " من لم يُجْمِع على الصوم من الليل فلا صَوْم له " ، بمعنى: من لم يعزم، ( 8 ) ومنه قول الشاعر: ( 9 )يَا لَيْتَ شِعْرِي وَالْمُنَى لا تَنْفَعُهَلْ أَغْدُوَنْ يَوْمًا وَأَمْرِي مُجْمَعُ ( 10 )* * *وروي عن الأعرج في ذلك ما:-17760- حدثني بعض أصحابنا ، عن عبد الوهاب ، عن هارون، عن أسيد، عن الأعرج: ( فأجمعوا أمركم وشركاءكم ) ، يقول: أحكموا أمركم ، وادعوا شركاءكم. ( 11 )ونصب قوله: ( وشركاءكم ) ، بفعل مضمر له، وذلك: " وادعوا شركاءكم "، وعطف ب " الشركاء " على قوله: ( أمركم )، على نحو قول الشاعر:وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الْوَغَىمُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا ( 12 )فالرمح لا يُتَقلَّد، ولكن لما كان فيما أظهر من الكلام دليلٌ على ما حذف، اكتفي بذكر ما ذكر منه مما حذف ، ( 13 ) فكذلك ذلك في قوله: ( وشركاءكم ).* * *واختلفت القراء في قراءة ذلك.فقرأته قراء الأمصار: ( وَشُرَكَاءَكُمْ ) نصبًا، وقوله: ( فَأَجْمِعُوا ) ، بهمز الألف وفتحها، من : " أجمعت أمري فأنا أجمعه إجماعًا.* * *وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ )، بفتح الألف وهمزها ، ( وَشُرَكَاؤُكُمْ )، بالرفع على معنى: وأجمعوا أمركم، وليجمع أمرَهم أيضًا معكم شركاؤكم. ( 14 )* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك قراءةُ من قرأ: ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ) ، بفتح الألف من " أجمعوا " ، ونصب " الشركاء " ، لأنها في المصحف بغير واو، ولإجماع الحجة على القراءة بها ، ورفض ما خالفها، ولا يعترض عليها بمن يجوز عليه الخطأ والسهو.* * *وعني ب " الشركاء " ، آلهتهم وأوثانهم.* * *وقوله: ( ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ) ، يقول: ثم لا يكن أمركم عليكم ملتبسًا مشكلا مبهمًا.* * *، من قولهم: " غُمَّ على الناس الهلال " ، وذلك إذا أشكل عليهم فلم يتبيَّنوه، ومنه قول [ العجاج ]: ( 15 )بَلْ لَوْ شَهِدْتِ النَّاسَ إِذْ تُكُمُّوابِغُمّةٍ لَوْ لَمْ تُفَرَّجْ غُمُّوا ( 16 )وقيل: إن ذلك من " الغم " ، لأن الصدر يضيق به ، ولا يتبين صاحبه لأمره مَصدرًا يَصْدُرُه يتفرَّج عليه ما بقلبه، ( 17 ) ومنه قول خنساء:وَذِي كُرْبَةٍ رَاخَى ابْنُ عَمْرٍو خِنَاقَهوَغُمَّتَهُ عَنْ وَجْهِهِ فَتَجَلَّتِ ( 18 )* * *وكان قتادة يقول في ذلك ما:17761- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( أمركم عليكم غمة ) ، قال: لا يكبر عليكم أمركم.* * *وأما قوله: ( ثم اقضوا إليّ ) ، فإن معناه: ثم أمضوا إليّ ما في أنفسكم وافرغوا منه، كما:-17762- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون )، قال: اقضوا إليّ ما كنتم قاضين.17763- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون ) ، قال: اقضوا إليّ ما في أنفسكم.17764- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.* * *واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله: ( ثم اقضوا إليّ ) . ( 19 ) .فقال بعضهم: معناه: امضوا إلي، كما يقال: " قد قضى فلان " ، يراد: قد مات ومَضَى.* * *وقال آخرون منهم: بل معناه: ثم افرغوا إليّ، وقالوا: " القضاء " ، الفراغ، والقضاء من ذلك. قالوا: وكأنّ " قضى دينه " من ذلك ، إنما هو فَرَغ منه.* * *وقد حُكي عن بعض القراء أنه قرأ ذلك: ( ثُمَّ أَفْضُوا إِلَيَّ ) ، بمعنى: توجَّهوا إليّ حتى تصلوا إليّ، من قولهم: " قد أفْضَى إليّ الوَجَع وشبهه " . ( 20 )* * *وقوله: ( ولا تنظرون ) ، يقول: ولا تؤخرون.* * *، من قول القائل: " أنظرت فلانًا بما لي عليه من الدين " . ( 21 )* * *قال أبو جعفر: وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول نبيه نوح عليه السلام لقومه: إنه بنُصرة الله له عليهم واثق ، ومن كيدهم وبوائقهم غير خائف ( 22 ) ، وإعلامٌ منه لهم أن آلهتهم لا تضرّ ولا تنفع، يقول لهم: أمضوا ما تحدّثون أنفسكم به فيَّ ، على عزم منكم صحيح، واستعينوا مع من شايعكم عليّ بآلهتكم التي تدْعون من دون الله، ولا تؤخروا ذلك ، فإني قد توكلت على الله ، وأنا به واثق أنكم لا تضروني إلا أن يشاء ربي.وهذا وإن كان خبرًا من الله تعالى عن نوح، فإنه حثٌّ من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على التأسّي به، وتعريفٌ منه سبيلَ الرشاد فيما قلَّده من الرسالة والبلاغ عنه.--
الهوامش :( 1 ) انظر تفسير " التلاوة " فيما سلف من فهارس اللغة ( تلا ).( 2 ) انظر تفسير " النبأ " فيما سلف ص : 102 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .( 3 ) انظر تفسير " كبر " فيما سلف 11 : 336 ، 337 .( 4 ) انظر تفسير " التذكير " فيما سلف من فهارس اللغة ( ذكر ).( 5 ) انظر تفسير " التوكل " فيما سلف 14 : 587 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .( 6 ) في المطبوعة : " وما تقدمون عليه " ، وفي المخطوطة : " وما سومون " غير منقوطة ، وهو وهم من الناسخ ، والصواب الذي أرجحه ، ما أثبت ، لأن " الإجماع " هو إحكام النية والعزيمة .( 7 ) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 473 ، وقد فصل القول فيه هناك .( 8 ) هذا حديث رواه بلا إسناد . أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، من حديث حفصة أم المؤمنين . انظر سنن أبي داود 2 : 441 ، 442 ، رقم : 2454 .( 9 ) لم أعرف قائله ، ولكني أظنه لأبي النجم ، هكذا أذكر .( 10 ) نوادر أبي زيد : 133 ، معاني القرآن للفراء 1 : 473 ، اللسان ( جمع ) ، ( زفا ) ، وبعده فيما روى أبو زيد :وَتَحْتَ رَحْلِي زَفَيَانٌ مَيْلَعُحَرْفٌ , إذَا مَا زُجِرَتْ تَبَوَّعُ.( 11 ) الأثر : 17760 - " عبد الوهاب " ، هو " عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي " ، مضى مرارًا كثيرة ، آخرها رقم : 14229 . " وهارون " هو " هارون بن موسى " الأعور النحوي ، مضى برقم : 4985 ، 11693 ، 15514 ، 15515 . " وأسيد " ، هو " أسيد بن أبي أسيد ، يزيد " ، البراد . روى الحروف عن الأعرج ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 1/ 49 ، ولم يزد على أن قال " أسيد ، حدثنا موسى ، حدثنا هارون ، عن أسيد سمع عكرمة ، وعن الأعرج في القراءة " ، لم يذكر له نسبًا . وفي ابن أبي حاتم 1 / 1 / 316 ، في ترجمة " أسيد بن يزيد المدني " ، وقال : " روى عن الأعرج ، روى عنه هارون النحوي" . ثم أتبعه بترجمة " أسيد بن أبي أسيد البراد " ، وقال : " واسم أبي أسيد يزيد " ، ولم يذكر له رواية عن الأعرج ، ولا في الرواة عنه هارون النحوي ، فجعلهما رجلين . بيد أني رأيت ابن الجزري في طبقات القراء 1 : 381 في ترجمة " الأعرج " ، وهو " عبد الرحمن بن هرمز " قال : " وروى عنه الحروف أسيد بن أبي أسيد " . وانظر هذا الاختلاف في التهذيب ، وما قاله الحافظ ابن حجر هناك .( 12 ) مضى البيت وتخريجه في مواضع ، آخرها 13 : 434 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك ، وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 473 .( 13 ) في المطبوعة والمخطوطة : " فاكتفى " بالفاء ، والصواب حذفها ، وإنما خلط الناسخ .( 14 ) انظر تفصيل هذا في معاني القرآن للفراء 1 : 473 .( 15 ) في المطبوعة والمخطوطة : " ومنه قول رؤبة " ، وأنا أرجح أنه خطأ من الناسخ ، فلذلك وضعته بين القوسين ، وإنما نقل هذا أبو جعفر من مجاز القرآن لأبي عبيدة ، وهو فيه على الصواب " العجاج " .( 16 ) ديوانه : 63 ، واللسان ( غمم ) ، ( كمم ) ، وغيرها . أول رجز له طويل في ديوانه ، ذكر فيه مسعود بن عمرو العتكي ، وما أصابه وقومه من تميم رهط العجاج ، وسلف بيان ذلك 13 : 75 ، تعليق : 2 ، في شرح بيت من هذا الرجز . وقوله : " تكموا " من قوله : " تكممه " ، أي غطاه وغشاه ، ثم لما توالت الميمات في " تكمموا " ، قلبت الأخيرة ياء ، كما قيل في " التظنن " و " التظني " ، فلما أسند إليه الواو ، قال : " تكموا " .( 17 ) في المطبوعة : " يتفرج عنه " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب .( 18 ) ديوانها : 22 ، وروايته " ومُخْتَنِقٍ رَاخَى ابنُ عَمْرٍو " من رثائها في أخيها صخر .( 19 ) انظر تفسير " قضى " فيما سلف ص : 33 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .( 20 ) انظر بيان هذه القراءة في معاني القرآن للفراء 1 : 474 .( 21 ) انظر تفسير " الإنظار " فيما سلف 13 : 322 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .( 22 ) في المطبوعة : " من كيدهم وتواثقهم " ، وهي قراءة فاسدة ، صوابها ما أثبت . والمخطوطة غير منقوطة . و " البوائق " ، جمع " بائقة " . يعني : غوائلهم وشرهم وظلمهم وبغيهم عليه .
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين
- تفسير: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم
- تفسير: قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا
- تفسير: إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن
- تفسير: الله ربكم ورب آبائكم الأولين
- تفسير: وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر
- تفسير: هارون أخي
- تفسير: وهذا البلد الأمين
- تفسير: واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير
- تفسير: فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن
تحميل سورة يونس mp3 :
سورة يونس mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة يونس
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب