دَعوةُ النَّاسِ فُرادَى وجَماعاتٍ إلى دِينِ
اللهِ عزَّ وجلَّ وشرائعِه يَنبغي أنْ تكونَ بالحِكمةِ والموعظةِ الحَسنةِ، كما قال
اللهُ تعالى:
{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [
النحل: 125 ].
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ أبو أُمامةَ رَضيَ
اللهُ عنه: إنَّ فتًى شابًّا حديثَ السِّنِّ مَوفورَ الشَّهوةِ جاء النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: «
يا رسولَ اللهِ، ائذَنْ لي بالزِّنَا» فطلَب مِن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُحِلَّ له الزِّنا! فصاحَ النَّاسُ بهذا الشابِّ، وأقبَلَ القومُ عليه فزَجَروه،
أي: قاموا إليه لِيَنْهَوه عن سؤالِه العَجيبِ هذا وطَلبِه مِن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُحِلَّ له الفاحِشةَ، «
وقالوا: مَهْ! مَهْ!»،
أي: اسكُتْ، وهي كلمةُ زجْرٍ، فقال له النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
ادْنُهْ»،
أي: اقْترِبْ، فدَنا الشَّابُّ وجلَسَ قُرْبَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ قال له النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
أتُحِبُّه لِأُمِّك؟»،
أي: أتَرْضى أنْ يَزْنِيَ أحدٌ بأُمِّك؟ فقال الشَّابُّ: «
لا واللهِ، جَعَلني اللهُ فِداءَك»،
أي: جعَلَني
اللهُ خَلاصًا ووِقايةً لك مِن كُلِّ مكروهٍ وشرٍّ، «
قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونه لِأُمَّهاتِهم»، وقد بدَأَ بالأُمِّ؛ لأنَّها -مِن حيثُ الحُرمةُ مع المَحبَّةِ- بالمكانِ الأسمَى عندَ ابْنِها، «
قال: أفتُحِبُّه لابنتِك؟» والبنتُ هي مَحلُّ الشَّرفِ والكَرامةِ لأبيها مع مَحلِّها مِن قلْبِه، ويَلحَقُ به ما لا يَلحَقُه بغيرِها مِن الشَّينِ إذا فعَلَتِ الفاحشةَ، «
قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، جَعَلني اللهُ فِداءَك، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونه لِبناتِهم».
«
قال: أفتُحِبُّه لأختِك؟» والأختُ في مرتبةٍ أقلَّ مِن الأُمِّ والبِنتِ.
«
قال: لا واللهِ، جَعَلني اللهُ فِداءَك، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونه لأَخواتِهم.
قال: أفتُحِبُّه لعمَّتِك؟ قال: لا واللهِ، جَعَلني اللهُ فِداءَك، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونه لعمَّاتِهم.
قال: أفتُحِبُّه لخالتِك؟ قال: لا واللهِ، جَعَلني اللهُ فِداءَك، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونه لخالاتِهم»، وهكذا تدرَّجَ معه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في بيانِ الحُرماتِ مِن الأعْلَى إلى الأدْنى؛ لِيُبيِّنَ له أنَّ الفاحشةَ مُحرَّمةٌ ومَكروهةٌ في القَريبِ والبعيدِ، والمعنى: أنَّ الإنسانَ إذا كان لا يَرْضى بفِعلِ الفاحشةِ في أهلِه مِن أحدٍ، فمِن بابِ أَوْلَى ألَّا يَطلُبَ الفاحشةَ في غَيرِهم حتَّى لا يَطلُبَه النَّاسُ في أهْلِه، وفي هذا الأسلوبِ بَيانٌ لعَظيمِ حِكمةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في دَعوةِ النَّاسِ فُرادَى، وكيف أقنَعَ الشَّابَّ بحُرمةِ الزِّنا مع فَرْطِ الشَّهوةِ وقوَّةِ الشَّبابِ حتَّى إنَّه أتَى النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِيُرخِّصَ له فيه!
قال أبو أُمامةَ رَضيَ
اللهُ عنه: فوضَعَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يدَهُ على ذلِك الفتَى بعدَما بيَّن له الأمْرَ، وبعدَ استِجابةِ الفتَى لنُصْحِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، «
وقال: اللَّهُمَّ اغفِرْ ذَنْبَه»،
أي: بمَحْوِه، «
وطهِّرْ قَلْبَه»،
أي: مِن حُبِّ الفواحشِ والمعاصي إلى حُبِّ الطَّاعاتِ والعِباداتِ، «
وحصِّنْ فَرْجَه»،
أي: احْفَظْه مِن الحرامِ.
«
فلم يكُنْ بعْدُ ذلك الفتَى يَلْتفِتُ إلى شيءٍ»،
أي: ببركةِ دُعاءِ رسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ وحِفْظِ
اللهِ تعالَى له.
وفي الحديثِ: بيانٌ لِمَا كان عليه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مِن مكارمِ الأخلاقِ وحُسنِ السِّياسةِ.
وفيه: مَنقبةٌ عَظيمةٌ لهذا الشَّابِّ، حيثُ دَعا له النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بهذه الدَّعواتِ المُباركاتِ، الَّتي هي مِن جوامعِ الكلِمِ، ودُعاؤُه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مُستجابٌ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم