﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾
[ الحشر: 2]

سورة : الحشر - Al-Ḥashr  - الجزء : ( 28 )  -  الصفحة: ( 545 )

He it is Who drove out the disbelievers among the people of the Scripture (i.e. the Jews of the tribe of Bani An-Nadir) from their homes at the first gathering. You did not think that they would get out. And they thought that their fortresses would defend them from Allah! But Allah's (Torment) reached them from a place whereof they expected it not, and He cast terror into their hearts, so that they destroyed their own dwellings with their own hands and the hands of the believers. Then take admonition, O you with eyes (to see).


الذين كفروا : هو يهود بني النضير قرب المدينة
لأوّل الحَشر : في أول إخراج و إجلاء إلى الشام
فأتاهم الله : فأتاهم أمره و عقابه
لمْ يحتسِبوا : لم يظنوا و لم يخطر لهم ببَال
قذف : ألقى و أنزل إنزالا شديدا

هو- سبحانه- الذي أخرج الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، من أهل الكتاب، وهم يهود بني النضير، من مساكنهم التي جاوروا بها المسلمين حول "المدينة"، وذلك أول إخراج لهم من "جزيرة العرب" إلى "الشام"، ما ظننتم- أيها المسلمون - أن يخرجوا من ديارهم بهذا الذل والهوان؛ لشدة بأسهم وقوة منعتهم، وظن اليهود أن حصونهم تدفع عنهم بأس الله ولا يقدر عليها أحد، فأتاهم الله من حيث لم يخطر لهم ببال، وألقى في قلوبهم الخوف والفزع الشديد، يُخْربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، فاتعظوا يا أصحاب البصائر السليمة والعقول الراجحة بما جرى لهم.

هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر - تفسير السعدي

وكان إخراجهم منها أول حشر وجلاء كتبه الله عليهم على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فجلوا إلى خيبر، ودلت الآية الكريمة أن لهم حشرا وجلاء غير هذا، فقد وقع حين أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر، ثم عمر رضي الله عنه، [أخرج بقيتهم منها].{ مَا ظَنَنْتُمْ } أيها المسلمون { أَنْ يَخْرُجُوا } من ديارهم، لحصانتها، ومنعتها، وعزهم فيها.{ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ } فأعجبوا بها وغرتهم، وحسبوا أنهم لا ينالون بها، ولا يقدر عليها أحد، وقدر الله تعالى وراء ذلك كله، لا تغني عنه الحصون والقلاع، ولا تجدي فيهم القوة والدفاع.ولهذا قال: { فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا }- أي: من الأمر والباب، الذي لم يخطر ببالهم أن يؤتوا منه، وهو أنه تعالى { قذف فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } وهو الخوف الشديد، الذي هو جند الله الأكبر، الذي لا ينفع معه عدد ولا عدة، ولا قوة ولا شدة، فالأمر الذي يحتسبونه ويظنون أن الخلل يدخل عليهم منه إن دخل هو الحصون التي تحصنوا بها، واطمأنت نفوسهم إليها، ومن وثق بغير الله فهو مخذول، ومن ركن إلى غير الله فهو عليه وبال فأتاهم أمر سماوي نزل على قلوبهم، التي هي محل الثبات والصبر، أو الخور والضعف، فأزال الله قوتها وشدتها، وأورثها ضعفا وخورا وجبنا، لا حيلة لهم ولا منعة معه فصار ذلك عونا عليهم، ولهذا قال: { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ } وذلك أنهم صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم، على أن لهم ما حملت الإبل.فنقضوا لذلك كثيرا من سقوفهم، التي استحسنوها، وسلطوا المؤمنين بسبب بغيهم على إخراب ديارهم وهدم حصونهم، فهم الذين جنوا على أنفسهم، وصاروا من أكبر عون عليها، { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ }- أي: البصائر النافذة، والعقول الكاملة، فإن في هذا معتبرا يعرف به صنع الله تعالى في المعاندين للحق، المتبعين لأهوائهم، الذين لم تنفعهم عزتهم، ولا منعتهم قوتهم، ولا حصنتهم حصونهم، حين جاءهم أمر الله، ووصل إليهم النكال بذنوبهم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن هذه الآية تدل على الأمر بالاعتبار، وهو اعتبار النظير بنظيره، وقياس الشيء على مثله، والتفكر فيما تضمنته الأحكام من المعاني والحكم التي هي محل العقل والفكرة، وبذلك يزداد العقل، وتتنور البصيرة ويزداد الإيمان، ويحصل الفهم الحقيقي، ثم أخبر تعالى أن هؤلاء اليهود لم يصبهم جميع ما يستحقون من العقوبة، وأن الله خفف عنهم.

تفسير الآية 2 - سورة الحشر

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل : الآية رقم 2 من سورة الحشر

 سورة الحشر الآية رقم 2

هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر - مكتوبة

الآية 2 من سورة الحشر بالرسم العثماني


﴿ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن يَخۡرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ لَمۡ يَحۡتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ يُخۡرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيۡدِيهِمۡ وَأَيۡدِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فَٱعۡتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ  ﴾ [ الحشر: 2]


﴿ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا ياأولي الأبصار ﴾ [ الحشر: 2]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة الحشر Al-Ḥashr الآية رقم 2 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 2 من الحشر صوت mp3


تدبر الآية: هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر

إنَّ الله معزٌّ وممكِّنٌ لأهل طاعته المسبِّحين بقلوبهم وألسنتهم لجلاله، ومذلٌّ وقاهرٌ للمستكبرين عن الخضوع لعزَّته وكبريائه.
من أعظم أسباب الخِذلان التقوِّي بغير القويّ، والاعتماد على غير الكَفِيّ، ومَن اعتمد على غير الله فقد ضلَّ وقلَّ وذلَّ.
لو توكَّل المسلم على الله حقَّ التوكُّل لأتاه نصرُه وتمكينُه من حيثُ لا يحتسب ولا يتوقَّع، ولكن أين صِدقُ اليقين؟ شتَّانَ بين مَن جعل توكُّلَه على الأسباب دون المسبِّب، ومَن جعل توكُّلَه على الله وحدَه مسبِّب الأسباب ومقدِّر الأقدار.
مَن اعتمد على مخلوق مثله يعتزُّ به، أسلمه الله إلى صَغاره وهوانه.
ومَن اعتمد على قوَّته وشوكته، أزال الله قوَّته وكسر شوكتَه.
مَن وَثِقَ بغير الله فهو في خُسر وخِذلان، ومَن رَكَنَ إلى غير الله فهو في ضياع وحرمان.
مهما عظُم تفاؤلُ المؤمنين وحسنُ ظنِّهم بتدبير ربِّهم لهم، فإن الله يمنحُهم فوق ظنونهم ما لا يخطِرُ لهم على بال.
وَثِقَ القوم بقوَّة حصونهم وشدَّة بنيانهم فأُتوا من داخل نفوسهم، بما أصاب قلوبَهم من فزَع وذُعر.
والخوفُ أوَّل الهزيمة.
جُند الله تعالى لا حصرَ لهم، وقد يسلِّط الله العدوَّ على نفسِه، فيسعى برجليه إلى حَتفِه.

ثم بين- سبحانه - جانبا من مظاهر فضله على المؤمنين، حيث نصرهم على أعدائهم، فقال: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ....والمراد بالذين كفروا من أهل الكتاب هنا: يهود بنى النضير، وقصتهم معروفة في كتب السنة والسيرة، وملخصها: أن هؤلاء اليهود كانوا يسكنون في ضواحي المدينة فذهب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستعين بهم في دفع دية لقتيلين قتلهما بعض المسلمين خطأ، فاستقبلوه استقبالا حسنا، وأظهروا له صلى الله عليه وسلم استعدادهم للمساعدة فيما يطلبه منهم، ثم خلا بعضهم ببعض وقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، فمن منكم يصعد إلى أعلى هذا البيت الذي يجلس تحته محمد صلى الله عليه وسلم فيلقى عليه حجرا فيريحنا منه.
فتعهد واحد منهم بذلك، وقبل أن يتم فعله، نزل جبريل- عليه السلام- على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما أضمره اليهود من غدر وخيانة فرجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة- وأخبر أصحابه بما أضمره له يهود بنى النضير، ونزل قوله-تبارك وتعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ .
ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يستعدوا لحصار بنى النضير، وتأديبهم على غدرهم..فحاصرهم المؤمنون بضعا وعشرين ليلة، وانتهى الأمر بإجلائهم، عن المدينة، فمنهم من ذهب إلى خبير، ومنهم من ذهب إلى غيرها.
واللام في قوله-تبارك وتعالى-: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ متعلقة بأخرج، والحشر: الجمع، يقال:حشر القائد جنده إذا جمعهم، ومنه قوله-تبارك وتعالى-: وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ.
أى: هو- سبحانه - الذي أخرج- بقدرته- الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم، وهم يهود بنى النضير عند مبدأ الحشر المقدر لهم في علمه، بأن مكنكم- أيها المؤمنون- من محاصرتهم وجمعهم في مكان واحد، ثم طردهم من المدينة المنورة إلى أماكن أخرى، بسبب غدرهم وسوء صنيعهم.
قال صاحب الكشاف: اللام في قوله: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ تتعلق بأخرج، وهي مثل اللام في قوله: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي وفي قولك: جئته لوقت كذا..والمعنى: أخرج الذين كفروا عند أول الحشر.
ومعنى أول الحشر: أن هذا أول حشرهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط.. أو المعنى: هذا أول حشرهم، وآخر حشرهم: إجلاء عمر- رضى الله عنه- لهم من خيبر إلى الشام.
وقيل معناه: أخرجهم من ديارهم لأول ما حشر لقتالهم، لأنه أول قتال قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. .
وقصر- سبحانه - إخراجهم عليه فقال: هو الذي أخرج الذين كفروا، مع أن المسلمين قد اشتركوا في إخراجهم عن طريق محاصرتهم للإشعار بأن السبب الحقيقي في إخراجهم من ديارهم، هو ما قذفه الله-تبارك وتعالى- في قلوبهم من الرعب.. أما محاصرة المؤمنين لهم فهي أسباب فرعية، قد تؤدى إلى إخراجهم، وقد لا تؤدى، وللإشعار- أيضا- بأن كل شيء إنما هو بقضاء الله وقدره..ووصفهم- سبحانه - بالكفر وبأنهم من أهل الكتاب، للتشنيع عليهم وزيادة مذمتهم، حيث إنهم جمعوا بين رذيلتين: رذيلة الكفر بالحق، ورذيلة عدم العمل بكتابهم الذي أمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، والذي يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر.
و «من» في قوله-تبارك وتعالى-: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ للبيان، حتى لا يظن بأن المراد بالذين كفروا هنا، مشركو قريش، وإن كان الجميع يشتركون في الكفر والفسوق والعصيان.
وقوله-تبارك وتعالى-: ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ...
تذكير للمؤمنين بنعم الله-تبارك وتعالى- عليهم.
أى: ما ظننتم- أيها المؤمنون- أن يهود بنى النضير سيخرجون من ديارهم بتلك السهولة، وذلك لتملكهم لألوان من القوة، كقوة السلاح، وكثرة العدد، ووجود من يحميهم ممن يسكنون معكم في المدينة، وهم حلفاؤهم من بنى قومهم، كبني قريظة وغيرهم، ومن غير بنى قومهم كالمنافقين الذين وعدوهم ومنوهم.
وقوله: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ معطوف على ما قبله.
أى: أنتم- أيها المؤمنون- ظننتم أن اليهود لن يخرجوا من ديارهم لما معهم من قوة، وهم- أيضا- ظنوا أن حصونهم ستمنع بأس الله عنهم، وأنها ستحول بينهم وبين خروجهم منها، ونصركم عليهم.
وقوله- سبحانه -: فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ...
متفرع عن الظن السابق، الذي ظنه المؤمنون، والذي ظنه أعداؤهم وهم بنو النضير.
أى: أنتم ظننتم أنهم لن يخرجوا من ديارهم، وهم ظنوا- أيضا- أن حصونهم ستمنعهم من نصركم عليهم، فكانت النتيجة أن أتاهم بأس الله وعقابه من حيث لم يحتسبوا ومن حيث لم يخطر ببال، بأن قذف في قلوبهم الرعب والفزع فخرجوا من حصونهم التي تمنعوا بها، ومن ديارهم التي سكنوها زمنا طويلا صاغرين أذلاء.
والتعبير بقوله: مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا إشارة إلى أن ما نزل بهم من هزيمة، لم يكونوا يتوقعونها أصلا، إذ الاحتساب مبالغة في الحسبان، أى: أتاهم عقاب الله-تبارك وتعالى- من المكان الذي كانوا يعتقدون أمانهم فيه، وفي زمان لم يكونوا أصلا يتوقعون حلول هزيمتهم عنده.
وعبر- سبحانه - بالقذف، لأنه كناية عن الرمي بقوة وعنف وسرعة.
والرعب: شدة الخوف والفزع، وأصله: الامتلاء.
تقول: رعبت الحوض إذا ملأته.
أى: وقذف- سبحانه - في قلوبهم الرعب الذي ملأها بالجزع والفزع فاستسلموا بسبب ذلك لما حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم.
ثم بين- سبحانه - ما حدث منهم خلال جلائهم فقال: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ، فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ والتخريب: إسقاط البناء وهدمه أو إفساده.
أى: أن هؤلاء اليهود، بلغ من سوء نيتهم، ومن اضطراب أمرهم، أنهم عند ما أجمعوا أمرهم على الرحيل عن المدينة، أخذوا يخربون بيوتهم بأيديهم، عن طريق إسقاط بنائها، وهدم السليم منها، وإزالة ما اشتملت عليه من أبواب وغيرها.. حتى لا ينتفع المسلمون بها من بعدهم..وأخذوا يخربونها- أيضا- بأيدى المؤمنين، أى: بسبب أن المؤمنين كانوا يزيلون من طريقهم كل عقبة حتى يقتحموا عليهم ديارهم، فترتب على ذلك أن هدموا بعض بيوت بنى النضير من الخارج، ليستطيعوا التمكن منهم.
قال صاحب الكشاف: ما معنى تخريبهم لها بأيدى المؤمنين؟ قلت: لما عرّضوهم لذلك، وكانوا السبب فيه.
فكأنهم أمروهم به، وكلفوهم إياه ...
.
أى: أن يهود بنى النضير بسبب تحصنهم في ديارهم، ومحاولتهم عدم النزول على حكم الرسول صلى الله عليه وسلم حملوا المؤمنين على تخريب هذه الحصون من الخارج، ليدخلوا عليهم..والخطاب في قوله-تبارك وتعالى-: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ لكل من يصلح له.
قال الجمل في حاشيته: والاعتبار مأخوذ من العبور والمجاوزة من شيء إلى شيء، ولهذا سميت العبرة عبرة، لأنها تنتقل من العين إلى الخد.
وسمى علم التعبير بذلك، لأن صاحبه ينتقل من المتخيل إلى المعقول، وسميت الألفاظ عبارات، لأنها تنقل المعاني من لسان القائل إلى عقل المستمع، ويقال: السعيد من اعتبر بغيره، لأنه ينتقل بواسطة عقله من حال ذلك الغير إلى حال نفسه.
ولهذا قال القشيري: الاعتبار هو النظر في حقائق الأشياء، وجهات دلالتها، ليعرف بالنظر فيها شيء آخر..أى: إذا كان الأمر كما بينا لكم- أيها الناس-، فاعتبروا واتعظوا يا أصحاب العقول السليمة، والعيون الناظرة، بما جرى لهؤلاء اليهود، حيث دبر الله- تعالى أمر إخراجهم من ديارهم تدبيرا حكيما، ونصر المؤمنين عليهم بأيسر طريق، وجعل ديارهم من بعدهم، خير عبرة وعظة لكل ذي بصر، فقد خلفوها من بعدهم شاهد صدق على أن الغدر نهايته الخسران.. وعلى أن النصر إنما هو لمن اتبع الصدق والوفاء بالعهد..قال الآلوسى: واشتهر الاستدلال بهذه الجملة، على مشروعية العمل بالقياس الشرعي، قالوا: لأنه-تبارك وتعالى- أمر فيها بالاعتبار، وهو العبور والانتقال من الشيء إلى غيره، وذلك متحقق في القياس، إذ فيه نقل الحكم من الأصل إلى الفرع.. .
قوله تعالى : هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصارقوله تعالى : هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : سورة الحشر ؟ قال : قل سورة النضير ; وهم رهط من اليهود من ذرية هارون عليه السلام ، نزلوا المدينة في فتن بني إسرائيل انتظارا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكان من أمرهم ما نص الله عليه .
الثانية : قوله تعالى : لأول الحشر ؛ الحشر الجمع ; وهو على أربعة أوجه : حشران في الدنيا وحشران في الآخرة ; أما الذي في الدنيا فقوله تعالى : هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر قال الزهري : كانوا من سبط لم يصبهم جلاء ، وكان الله عز وجل قد كتب عليهم الجلاء ; فلولا ذلك لعذبهم في الدنيا ، وكان أول حشر حشروا في الدنيا إلى الشام .
قال ابن عباس وعكرمة : من شك أن المحشر في الشام فليقرأ هذه الآية ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : " اخرجوا " .
قالوا : إلى أين ؟ قال : " إلى أرض المحشر " .
قال قتادة : هذا أول المحشر .
قال ابن عباس : هم أول من حشر من أهل الكتاب وأخرج من دياره .
وقيل : إنهم أخرجوا إلى خيبر ، وأن معنى " لأول الحشر " إخراجهم من حصونهم إلى خيبر ، وآخره إخراج عمر رضي الله عنه إياهم من خيبر إلى نجد وأذرعات .
وقيل تيماء وأريحاء ، وذلك بكفرهم ونقض عهدهم .
وأما الحشر الثاني : فحشرهم قرب القيامة .
قال قتادة : تأتي نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا ، وتأكل منهم من تخلف .
وهذا ثابت في الصحيح ، وقد ذكرناه في ( كتاب التذكرة ) .
ونحوه روى ابن وهب عن مالك قال : قلت لمالك هو جلاؤهم من ديارهم ؟ فقال لي : الحشر يوم القيامة حشر اليهود .
قال : وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى خيبر حين سئلوا عن المال فكتموه ; فاستحلهم بذلك .
قال ابن العربي : للحشر أول ووسط وآخر ; فالأول إجلاء بني النضير ، والأوسط إجلاء خيبر ، والآخر حشر يوم القيامة .
وعن الحسن : هم بنو قريظة .
وخالفه بقية المفسرين وقالوا : بنو قريظة ما حشروا ولكنهم قتلوا .
حكاه الثعلبي .
الثالثة : قال الكيا الطبري : ومصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير شيء لا يجوز الآن ، وإنما كان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ .
والآن فلا بد من قتالهم أو سبيهم أو ضرب الجزية عليهم .
قوله تعالى : ما ظننتم أن يخرجوا يريد لعظم أمر اليهود ومنعتهم وقوتهم في صدور المسلمين ، واجتماع كلمتهم .
وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم قيل : هي الوطيح والنطاة والسلالم والكتيبة .
من الله أي من أمره .
وكانوا أهل حلقة - أي سلاح كثير - وحصون منيعة ; فلم يمنعهم شيء منها .
فأتاهم الله أي أمره وعذابه .
من حيث لم يحتسبوا أي لم يظنوا .
وقيل : من حيث لم يعلموا .
وقيل : من حيث لم يحتسبوا بقتل كعب بن الأشرف ; قاله ابن جريج والسدي وأبو صالح .
قوله تعالى : وقذف في قلوبهم الرعب بقتل سيدهم كعب بن الأشرف ; وكان الذي قتله هو محمد بن مسلمة وأبو نائلة سلكان بن سلامة بن وقش - وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة - وعباد بن بشر بن وقش ، والحارث بن أوس بن معاذ ، وأبو عبس بن جبر .
وخبره مشهور في السيرة .
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر " فكيف لا ينصر به مسيرة ميل من المدينة إلى محلة بني النضير .
وهذه خصيصى لمحمد صلى الله عليه وسلم دون غيره .
قوله تعالى : يخربون بيوتهم قراءة العامة بالتخفيف من أخرب ; أي يهدمون .
وقرأ السلمي والحسن ونصر بن عاصم وأبو العالية وقتادة وأبو عمرو " يخربون " بالتشديد من التخريب .
قال أبو عمرو : إنما اخترت التشديد لأن الإخراب ترك الشيء خرابا بغير ساكن ، وبنو النضر لم يتركوها خرابا وإنما خربوها بالهدم .
يؤيده قوله تعالى : بأيديهم وأيدي المؤمنين وقال آخرون : التخريب والإخراب بمعنى واحد ، والتشديد بمعنى التكثير .
وحكى سيبويه : أن معنى فعلت وأفعلت يتعاقبان ; نحو أخربته وخربته وأفرحته وفرحته .
واختار أبو عبيد وأبو حاتم الأولى .
قال قتادة والضحاك : كان المؤمنون يخربون من خارج ليدخلوا ، واليهود يخربون من داخل ليبنوا به ما خرب من حصنهم .
فروي أنهم صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يكونوا عليه ولا له ; فلما ظهر يوم بدر قالوا : هو النبي الذي نعت في التوراة ، فلا ترد له راية .
فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا ، فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة ، فحالفوا عليه قريشا عند الكعبة ، فأمر عليه السلام محمد بن مسلمة الأنصاري فقتل كعبا غيلة ، ثم صبحهم بالكتائب ; فقال لهم : اخرجوا من المدينة .
فقالوا : الموت أحب إلينا من ذلك ; فتنادوا بالحرب .
وقيل : استمهلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أيام ليتجهزوا للخروج ، فدس إليهم عبد الله بن أبي المنافق وأصحابه : لا تخرجوا من الحصن ، فإن قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم ، ولئن أخرجتم لنخرجن معكم .
فدربوا على الأزقة وحصنوها إحدى وعشرين ليلة ، فلما قذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح ; فأبى عليهم إلا الجلاء ; على ما يأتي بيانه .
وقال الزهري وابن زيد وعروة بن الزبير : لما صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على أن لهم ما أقلت الإبل ; كانوا يستحسنون الخشبة والعمود فيهدمون بيوتهم ويحملون ذلك على إبلهم ويخرب المؤمنون باقيها .
وعن ابن زيد أيضا : كانوا يخربونها لئلا يسكنها المسلمون بعدهم .
وقال ابن عباس : كانوا كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها ليتسع موضع القتال ، وهم ينقبون دورهم من أدبارها إلى التي بعدها ليتحصنوا فيها ، ويرموا بالتي أخرجوا منها المسلمين .
وقيل : ليسدوا بها أزقتهم .
وقال عكرمة بأيديهم في إخراب دواخلها وما فيها لئلا يأخذه المسلمون .
و أيدي المؤمنين في إخراب ظاهرها ليصلوا بذلك إليهم .
قال عكرمة : كانت منازلهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها ، فخربوها من داخل وخربها المسلمون من خارج .
وقيل : يخربون بيوتهم بنقض المواعدة ، وأيدي المؤمنين بالمقاتلة ; قاله الزهري أيضا .
وقال أبو عمرو بن العلاء " بأيديهم " في تركهم لها .
و " أيدي المؤمنين " في إجلائهم عنها .
قال ابن العربي : التناول للإفساد إذا كان باليد كان حقيقة ، وإذا كان بنقض العهد كان مجازا ; إلا أن قول الزهري في المجاز أمثل من قول أبي عمرو بن العلاء .
قوله تعالى : " فاعتبروا يا أولي " أي اتعظوا يا أصحاب العقول والألباب .
وقيل : يا من عاين ذلك ببصره ; فهو جمع للبصر .
ومن جملة الاعتبار هنا أنهم اعتصموا بالحصون من الله فأنزلهم الله منها .
ومن وجوهه : أنه سلط عليهم من كان ينصرهم .
ومن وجوهه أيضا : أنهم هدموا أموالهم بأيديهم .
ومن لم يعتبر بغيره اعتبر في نفسه .
وفي الأمثال الصحيحة : " السعيد من وعظ بغيره " .


شرح المفردات و معاني الكلمات : أخرج , كفروا , أهل , الكتاب , ديارهم , لأول , الحشر , ظننتم , يخرجوا , وظنوا , مانعتهم , حصونهم , الله , فأتاهم , الله , يحتسبوا , وقذف , قلوبهم , الرعب , يخربون , بيوتهم , بأيديهم , أيدي , المؤمنين , فاعتبروا , الأبصار ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم


تحميل سورة الحشر mp3 :

سورة الحشر mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الحشر

سورة الحشر بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الحشر بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الحشر بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الحشر بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الحشر بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الحشر بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الحشر بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الحشر بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الحشر بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الحشر بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Friday, April 19, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب