﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾
[ البقرة: 264]

سورة : البقرة - Al-Baqarah  - الجزء : ( 3 )  -  الصفحة: ( 44 )

O you who believe! Do not render in vain your Sadaqah (charity) by reminders of your generosity or by injury, like him who spends his wealth to be seen of men, and he does not believe in Allah, nor in the Last Day. His likeness is the likeness of a smooth rock on which is a little dust; on it falls heavy rain which leaves it bare. They are not able to do anything with what they have earned. And Allah does not guide the disbelieving people.


رئاء النّاس : مُراءة لهم و سُمعة لا لوجهه تعالى
صفوان : حجر كبير أملس
وابل : مطر شديد عظيم القطر
صلدا : أجردَ نقيّا من التراب

يا من آمنتم بالله واليوم الآخر لا تُذْهِبُوا ثواب ما تتصدقون به بالمنِّ والأذى، فهذا شبيه بالذي يخرج ماله ليراه الناس، فيُثنوا عليه، وهو لا يؤمن بالله ولا يوقن باليوم الآخر، فمثل ذلك مثل حجر أملس عليه تراب هطل عليه مطر غزير فأزاح عنه التراب، فتركه أملس لا شيء عليه، فكذلك هؤلاء المراؤون تضمحلُّ أعمالهم عند الله، ولا يجدون شيئًا من الثواب على ما أنفقوه. والله لا يوفق الكافرين لإصابة الحق في نفقاتهم وغيرها.

ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء - تفسير السعدي

ينهى عباده تعالى لطفا بهم ورحمة عن إبطال صدقاتهم بالمن والأذى ففيه أن المن والأذى يبطل الصدقة، ويستدل بهذا على أن الأعمال السيئة تبطل الأعمال الحسنة، كما قال تعالى: { ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } فكما أن الحسنات يذهبن السيئات فالسيئات تبطل ما قابلها من الحسنات، وفي هذه الآية مع قوله تعالى { ولا تبطلوا أعمالكم } حث على تكميل الأعمال وحفظها من كل ما يفسدها لئلا يضيع العمل سدى، وقوله: { كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر }- أي: أنتم وإن قصدتم بذلك وجه الله في ابتداء الأمر، فإن المنة والأذى مبطلان لأعمالكم، فتصير أعمالكم بمنزلة الذي يعمل لمراءاة الناس ولا يريد به الله والدار الآخرة، فهذا لا شك أن عمله من أصله مردود، لأن شرط العمل أن يكون لله وحده وهذا في الحقيقة عمل للناس لا لله، فأعماله باطلة وسعيه غير مشكور، فمثله المطابق لحاله { كمثل صفوان } وهو الحجر الأملس الشديد { عليه تراب فأصابه وابل }- أي: مطر غزير { فتركه صلدا }- أي: ليس عليه شيء من التراب، فكذلك حال هذا المرائي، قلبه غليظ قاس بمنزلة الصفوان، وصدقته ونحوها من أعماله بمنزلة التراب الذي على الصفوان، إذا رآه الجاهل بحاله ظن أنه أرض زكية قابلة للنبات، فإذا انكشفت حقيقة حاله زال ذلك التراب وتبين أن عمله بمنزلة السراب، وأن قلبه غير صالح لنبات الزرع وزكائه عليه، بل الرياء الذي فيه والإرادات الخبيثة تمنع من انتفاعه بشيء من عمله، فلهذا { لا يقدرون على شيء } من أعمالهم التي اكتسبوها، لأنهم وضعوها في غير موضعها وجعلوها لمخلوق مثلهم، لا يملك لهم ضررا ولا نفعا وانصرفوا عن عبادة من تنفعهم عبادته، فصرف الله قلوبهم عن الهداية، فلهذا قال: { والله لا يهدي القوم الكافرين }

تفسير الآية 264 - سورة البقرة

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن : الآية رقم 264 من سورة البقرة

 سورة البقرة الآية رقم 264

ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء - مكتوبة

الآية 264 من سورة البقرة بالرسم العثماني


﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ عَلَيۡهِ تُرَابٞ فَأَصَابَهُۥ وَابِلٞ فَتَرَكَهُۥ صَلۡدٗاۖ لَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّمَّا كَسَبُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ  ﴾ [ البقرة: 264]


﴿ ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين ﴾ [ البقرة: 264]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة البقرة Al-Baqarah الآية رقم 264 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 264 من البقرة صوت mp3


تدبر الآية: ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء

مراعاة نفوس الناس وتطييبُها أَولى من رعاية أجسادهم وحاجاتها؛ ألا ترى كيف بطلت الصدقة بسبب المنِّ والأذى؟! قد يجود الكافر ويُنفق طلبًا للحمد والجاه والذِّكر الحسن، لكنَّ إنفاقه لا يسمَّى صدقة؛ إذ لا دَلالةَ فيه على صدق الإيمان.
في الإخبار بأنَّ المنَّ والأذى يُحبِطان الصدقة دليلٌ على أن الحسنةَ قد تحبَط بالسيِّئة، فاحذر مُحبِطات الأعمال.
تقريب المعاني بالصُّور والتشبيهات مما يُرسِخ القناعة، ويزيد اليقين، ويبعث على العمل، في الترغيب والترهيب.
القلب المُقفِر من الإخلاص كحَجَرٍ أملسَ عليه ترابٌ يسترُه، تظنُّه أرضًا زكيَّة قابلة للإنبات، وحقيقته هباءٌ سرعانَ ما يزول، وهكذا عمل المنافق لا حقيقةَ له ولا ثوابَ عليه.
ما أشقى مَن ضيَّعَ ماله بفساد نيَّته؛ فلا هو انتفع به في دنياه، ولا هو أحرز ثوابه في أخراه!

وقوله-تبارك وتعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى نداء منه- سبحانه - للمؤمنين يكرر فيه نهيهم عن المن والأذى، لأنهما يؤديان إلى ذهاب الأجر من الله-تبارك وتعالى- وإلى عدم الشكر من الناس ولذا جاء في الحديث الشريف: «إياكم والامتنان بالمعروف فإنه يبطل الشكر ويمحق الأجر» .
ثم أكد- سبحانه - هذا النهى عن المن والأذى بذكر مثلين فقال في أولهما: كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
والمعنى: يا من آمنتم بالله-تبارك وتعالى- لا تبطلوا صدقاتكم بأن تحبطوا أجرها، وتمحقوا ثمارها، بسبب المن والأذى، فيكون مثلكم في هذا الإبطال لصدقاتكم بسبب ما ارتكبتم من آثام، كمثل المنافق الذي ينفق ماله من أجل أن يرى الناس منه ذلك ولا يبغى به رضاء الله ولا ثواب الآخرة، لأنه كفر بالله، وكفر بحساب الآخرة.
وفي هذا التشبيه تنفير شديد من المن والأذى لأنه- سبحانه - شبه حال المتصدق المتصف بهما في إبطال عمله بسببهما بحال هذا المنافق المرائى الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر.
وقوله: كَالَّذِي.. الكاف في محل نصب على أنها نعت لمصدر محذوف أى: لا تبطلوها إبطالا كابطال الذي ينفق ماله رئاء الناس ...
أو في محل نصب على الحال من فاعل تُبْطِلُوا أى لا تبطلوها مشابهين الذي ينفق ماله رئاء الناس.
وقوله: رِئاءَ منصوب على أنه مفعول لأجله أى: كالذي ينفق ماله من أجل رئاء الناس.
وأما المثال الثاني فقال- سبحانه -: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا.
الصفوان اسم جنس جمعى واحده صفوانة كشجر وشجرة وهو الحجر الكبير الأملس، مأخوذ من الصفاء وهو خلوص الشيء مما يشوبه.
يقال: يوم صفوان أى صافى الشمس.
وقيل هو مفرد كحجر.
والوابل المطر الشديد.
يقال: وبلت السماء تبل وبلا ووبولا.
اشتد مطرها والصلد هو الشيء الأجرد النقي من التراب الذي كان عليه.
ومنه رأس أصلد إذا كان لا ينبت شعرا، والأصلد الأجرد الذي لا ينبت شيئا مأخوذ من صلد يصلد صلدا فهو صلد.
والمعنى: يا أيها المؤمنون لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى فيكون مثلكم كمثل المنافق الذي ينفق ماله من أجل الرياء لا من أجل رضا الله، وإن مثل هذا المنافق في انكشاف أمره وعدم انتفاعه بما ينفقه رياء وحبا للظهور كمثل حجر أملس لا ينبت شيئا ولكن عليه قليل من التراب الموهم للناظر إليه أنه منتج فنزل المطر الشديد فأزال ما عليه من تراب، فانكشف حقيقته وتبين للناظر إليه أنه حجر أملس صلد لا يصلح لإنبات أى شيء عليه.
فالتشبيه في الجملة الكريمة بين الذي ينفق ماله رياء وبين الحجر الكبير الأملس الذي عليه قدر رقيق من التراب ستر حاله، ثم ينزل المطر فيزيل التراب وتنكشف حقيقته ويراه الرائي عاريا من أى شيء يستره.
وكذلك المنافق المرائى في إنفاقه يتظاهر بمظهر السخاء أمام الناس ثم لا يلبث أن ينكشف أمره لأن ثوب الرياء يشف دائما عما تحته، وإن لم يكشفه فإن الله كاشفه.
ومن المفسرين من يرى أن التشبيه في الجملة الكريمة بين المنفق الذي يبطل صدقته بالمن والأذى وبين الحجر الأملس، وأن الضمير في قوله: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ يعود إلى هذا المبطل لصدقته بالمن والأذى.
فيكون المعنى: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى فيكون مثلكم كمثل الحجر الأملس الذي عليه تراب كان يرجى أن يكون منبتا للزرع فنزل المطر فأزال التراب فبطل إنتاجه، فالمن والأذى يبطلان الصدقات ويزيلان أثرها النافع، كما يزيل المطر التراب الذي يؤمل منه الإنبات من فوق الحجر الأملس.
والذي نراه أن عودة الضمير في قوله: فَمَثَلُهُ على الذي ينفق ماله رثاء الناس أظهر لأنه أقرب مذكور، ولأن التشبيه في قوله: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ قد جاء بلفظ المفرد وهو المناسب للذي ينفق ماله رثاء الناس لأنه مفرد مثله، بخلاف قوله: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى فإن الضمير فيه بلفظ الجمع، فمن الأولى أن يعود الضمير في قوله: فَمَثَلُهُ إلى المرائى لتوافقهما في الأفراد.
ثم قال-تبارك وتعالى-: لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا أى أن الذين يبطلون صدقاتهم بالمن والأذى، والذين يتصدقون رياء ومفاخرة لا يقدرون على تحصيل شيء من ثواب ما عملوا لأن ما صاحب أعمالهم من رياء ومن أذى محق بركتها، وأذهب ثمرتها، وأزال ثوابها.
أو المعنى: أن أولئك المنانين والمرائين ليس عندهم قدرة على شيء من المال الذي بين أيديهم وإنما هذا المال ملك لله وهو- سبحانه - الذي أنعم به عليهم، فعليهم أن يشكروه على هذه النعمة، وأن ينفقوه بدون من أو أذى أو مراءاة، حتى يظفروا بحسن المثوبة منه- سبحانه -.
ثم ختم- سبحانه - الآية الكريمة بقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ أى لا يهديهم إلى ما ينفعهم لأنهم آثروا الكفر على الإيمان.
والجملة الكريمة تذييل مقرر لمضمون ما قبله، وفيها إشارة إلى أن الإنفاق المصحوب بالمن والأذى والرياء ليس من صفات المؤمنين وإنما هو من صفات الكافرين، فعلى المؤمنين أن يجتنبوا هذه الصفات التي لا تليق بهم.
والذي ينظر في هذه الآيات الكريمة يرى أن الله-تبارك وتعالى- قد حذر المنفقين من المن والأذى في ثلاث آيات متواليات، كما حذرهم من الرياء، وساق أكثر من تشبيه لتقبيح الصدقات التي لا تكون خالصة لوجه الله فلماذا كل هذا التشديد في النهى؟والجواب عن ذلك: أن المن والأذى في الإنفاق كثيرا ما يحصلان بسبب استعلاء كاذب، أو رغبة في إذلال المحتاج وإظهاره بمظهر الضعيف: وكلا الأمرين لا يليق بالنفس المؤمنة المخلصة، ولا يتلاقى مطلقا مع الحكم التي من أجلها شرعت الصدقات بل إنه ليتنافر معها تنافرا تاما لأن الصدقات شرعها الله لتهذيب النفوس وتطهير القلوب ولتربط بين الأغنياء والفقراء برباط المحبة والمودة والإخاء، فإذا ما صاحبها المن والأذى أثمرت نقيض ما شرعت له، لأنها تثير في نفس المعطى بسبب ذلك الكبر والخيلاء وغير ذلك من الصفات الذميمة، وتثير في نفس الآخذ شعورا بالحقد والانتقام ممن أعطاه ثم آذاه وبذلك تنقطع الروابط، ويتمزق المجتمع، وتتحول المحبة إلى عداوة.
ولقد تحدث الإمام الرازي عن الآثار السيئة للمن والأذى فقال ما ملخصه:وإنما كان المن مذموما لوجوه:الأول: أن الفقير الآخذ للصدقة منكسر القلب لأجل حاجته إلى صدقة، فإذا أضاف المعطى إلى ذلك إظهار الإنعام زاد ذلك في انكسار قلبه فيكون في حكم المضرة بعد المنفعة، وفي حكم المسيء إليه بعد أن أحسن إليه.
والثاني: أن إظهار المن يبعد أهل الحاجة عن الرغبة في صدقته إذا اشتهر من طريق ذلك.
الثالث: أن المعطى يجب أن يعتقد أن هذه النعمة من الله-تبارك وتعالى- عليه- وأن يعتقد أن لله عليه نعما عظيمة حيث وفقه لهذا العمل ومتى كان الأمر كذلك امتنع عن أن يجعل ما ينفقه منة على الغير.
الرابع: أن المعطى في الحقيقة هو الله، ومتى اعتقد العبد ذلك استنار قلبه، أما إذا اعتقد غير ذلك فإنه يكون في درجة البهائم الذين لا يترقى نظرهم عن المحسوس إلى المعقول، وعن الآثار إلى المؤثر ...
وأما الأذى فيتناول كل ذلك وغيره مما يسيء إلى الفقير بأن يقول له: فرج الله عنى منك، وأنت أبدا تأتى إلى بما يؤلم.
إلخهذا، وقد ساق الإمام ابن كثير عددا من الأحاديث الشريفة التي نهت عن المن والأذى ومن ذلك ما جاء في صحيح مسلّم عن أبى ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» وروى النسائي عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا يدخل الجنة مدمن خمر، ولا عاق لوالديه، ولا منّان» .
وبعد أن بين القرآن سوء عاقبة الذين يراءون في صدقتهم، ويفسدون ثمارها بالمن والأذى، أتبع ذلك ببيان حسن عاقبة الذين ينفقون أموالهم ابتغاء رضا الله، فقال- تعالى:
قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرينفيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : بالمن والأذى قد تقدم معناه وعبر تعالى عن عدم القبول وحرمان الثواب بالإبطال ، والمراد الصدقة التي يمن بها ويؤذي ، لا غيرها .
والعقيدة أن السيئات لا تبطل الحسنات ولا تحبطها ، فالمن والأذى في صدقة لا يبطل صدقة غيرها .
قال جمهور العلماء في هذه الآية : إن الصدقة التي يعلم الله من صاحبها أنه يمن أو يؤذي بها فإنها لا تقبل .
وقيل : بل قد جعل الله للملك عليها أمارة فهو لا يكتبها ، وهذا حسن .
والعرب تقول لما يمن به : يد سوداء .
ولما يعطى عن غير مسألة : يد بيضاء .
ولما يعطى عن مسألة : يد خضراء .
وقال بعض البلغاء : من من بمعروفه سقط شكره ، ومن أعجب بعمله حبط أجره .
وقال بعض الشعراء :وصاحب سلفت منه إلي يد أبطأ عليه مكافاتي فعاداني لما تيقن أن الدهر حاربنيأبدى الندامة فيما كان أولانيوقال آخر :أفسدت بالمن ما أسديت من حسن ليس الكريم إذا أسدى بمنانوقال أبو بكر الوراق فأحسن :أحسن من كل حسن في كل وقت وزمنصنيعة مربوبة خالية من المننوسمع ابن سيرين رجلا يقول لرجل : فعلت إليك وفعلت فقال له : اسكت فلا خير في المعروف إذا أحصي .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إياكم والامتنان بالمعروف فإنه يبطل الشكر ويمحق الأجر - ثم تلا - لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى .
الثانية : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : كره مالك لهذه الآية أن يعطي الرجل صدقته الواجبة أقاربه لئلا يعتاض منهم الحمد والثناء ، ويظهر منته عليهم ويكافئوه عليها فلا تخلص لوجه الله تعالى .
واستحب أن يعطيها الأجانب ، واستحب أيضا أن يولي غيره تفريقها إذا لم يكن الإمام عدلا ، لئلا تحبط بالمن والأذى والشكر والثناء والمكافأة بالخدمة من المعطى .
وهذا بخلاف صدقة التطوع السر ؛ لأن ثوابها إذا حبط سلم من الوعيد وصار في حكم من لم يفعل ، والواجب إذا حبط ثوابه توجه الوعيد عليه لكونه في حكم من لم يفعل .
الثالثة : قوله تعالى : كالذي ينفق ماله رئاء الناس الكاف في موضع نصب ، أي إبطال " كالذي " فهي نعت للمصدر المحذوف .
ويجوز أن تكون موضع الحال .
مثل الله تعالى الذي يمن ويؤذي بصدقته بالذي ينفق ماله رئاء الناس لا لوجه الله تعالى ، وبالكافر الذي ينفق ليقال جواد وليثنى عليه بأنواع الثناء .
ثم مثل هذا المنفق أيضا بصفوان عليه تراب فيظنه الظان أرضا منبتة طيبة ، فإذا أصابه وابل من المطر أذهب عنه التراب وبقي صلدا ، فكذلك هذا المرائي .
فالمن والأذى والرياء تكشف عن النية في الآخرة فتبطل الصدقة كما يكشف الوابل عن الصفوان ، وهو الحجر الكبير الأملس .
وقيل : المراد بالآية إبطال الفضل دون الثواب ، فالقاصد بنفقته الرياء غير مثاب كالكافر ؛ لأنه لم يقصد به وجه الله تعالى فيستحق الثواب .
وخالف صاحب المن والأذى القاصد وجه الله المستحق ثوابه - وإن كرر عطاءه - وأبطل فضله .
وقد قيل : إنما يبطل من ثواب صدقته من وقت منه وإيذائه ، وما قبل ذلك يكتب له ويضاعف ، فإذا من وآذى انقطع التضعيف ؛ لأن الصدقة تربى لصاحبها حتى تكون أعظم من الجبل ، فإذا خرجت من يد صاحبها خالصة على الوجه المشروع ضوعفت ، فإذا جاء المن بها والأذى وقف بها هناك وانقطع زيادة التضعيف عنها ، والقول الأول أظهر والله أعلم .
والصفوان جمع واحده صفوانة ، قاله الأخفش .
قال : وقال بعضهم : صفوان واحد ، مثل حجر .
وقال الكسائي : صفوان واحد وجمعه صفوان وصفي وصفي ، وأنكره المبرد وقال : إنما صفي جمع صفا كقفا وقفي ، ومن هذا المعنى الصفواء والصفا ، وقد تقدم .
وقرأ سعيد بن المسيب والزهري " صفوان " بتحريك الفاء ، وهي لغة .
وحكى قطرب ( صفوان ) .
قال النحاس : صفوان وصفوان يجوز أن يكون جمعا ويجوز أن يكون واحدا ، إلا أن الأولى به أن يكون واحدا لقوله عز وجل : عليه تراب فأصابه وابل وإن كان يجوز تذكير الجمع إلا أن الشيء لا يخرج عن بابه إلا بدليل قاطع ، فأما ما حكاه الكسائي في الجمع فليس بصحيح على حقيقة النظر ، ولكن ( صفوان ) جمع صفا ، وصفا بمعنى صفوان ، ونظيره ورل وورلان وأخ وإخوان وكرا وكروان ، كما قال الشاعر :لنا يوم وللكروان يوم تطير البائسات ولا نطيروالضعيف في العربية ( كروان ) جمع ( كروان ) ، وصفي وصفي جمع صفا مثل عصا .
والوابل : المطر الشديد .
وقد وبلت السماء تبل ، والأرض موبولة .
قال الأخفش : ومنه قوله تعالى : أخذناه أخذا وبيلا ؛ أي شديدا .
وضرب وبيل ، وعذاب وبيل أي شديد .
والصلد : الأملس من الحجارة .
قال الكسائي : صلد يصلد صلدا بتحريك اللام فهو صلد بالإسكان ، وهو كل ما لا ينبت شيئا ، ومنه جبين أصلد ، وأنشد الأصمعي لرؤبة :براق أصلاد الجبين الأجلهقال النقاش : الأصلد الأجرد بلغة هذيل .
ومعنى لا يقدرون يعني المرائي والكافر والمان على شيء أي على الانتفاع بثواب شيء من إنفاقهم وهو كسبهم عند حاجتهم إليه ، إذا كان لغير الله فعبر عن النفقة بالكسب ؛ لأنهم قصدوا بها الكسب .
وقيل : ضرب هذا مثلا للمرائي في إبطال ثوابه ولصاحب المن والأذى في إبطال فضله ، ذكره الماوردي .


شرح المفردات و معاني الكلمات : آمنوا , تبطلوا , صدقاتكم , المن , الأذى , كالذي , ينفق , ماله , رئاء , الناس , يؤمن , الله , اليوم , الآخر , فمثله , كمثل , صفوان , تراب , فأصابه , وابل , فتركه , صلدا , يقدرون , شيء , كسبوا , الله , يهدي , القوم , الكافرين , لا+تبطلوا+صدقاتكم+بالمن+والأذى , كالذي+ينفق+ماله+رئاء+الناس , فمثله+كمثل+صفوان+عليه+تراب+فأصابه+وابل+فتركه+صلدا , لا+يقدرون+على+شيء+مما+كسبوا ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. وهذا كتاب أنـزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون
  2. أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين
  3. فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم
  4. ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا
  5. الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل
  6. ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم
  7. وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا
  8. الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار
  9. ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن
  10. بسم الله الرحمن الرحيم

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, November 17, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب