الآية 32 من سورة فاطر مكتوبة بالتشكيل

﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾
[ فاطر: 32]

سورة : فاطر - Fatir  - الجزء : ( 22 )  -  الصفحة: ( 438 )

Then We gave the Book the Quran) for inheritance to such of Our slaves whom We chose (the followers of Muhammad SAW). Then of them are some who wrong their ownselves, and of them are some who follow a middle course, and of them are some who are, by Allah's Leave, foremost in good deeds. That (inheritance of the Quran), that is indeed a great grace.


ظالم لنفسه : رجحت سيّـئاته على حسناته
مقتصد : استوت حسناته و سيّـئاته
سابق بالخيرات : رجحت حسناته على سيّـئاته

ثم أعطينا -بعد هلاك الأمم- القرآن مَن اخترناهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم: فمنهم ظالم لنفسه بفعل بعض المعاصي، ومنهم مقتصد، وهو المؤدي للواجبات المجتنب للمحرمات، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، أي مسارع مجتهد في الأعمال الصالحة، فَرْضِها ونفلها، ذلك الإعطاء للكتاب واصطفاء هذه الأمة هو الفضل الكبير.

ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد - تفسير السعدي

ولهذا، لما كانت هذه الأمة أكمل الأمم عقولا، وأحسنهم أفكارا، وأرقهم قلوبا، وأزكاهم أنفسا، اصطفاهم الله تعالى، واصطفى لهم دين الإسلام، وأورثهم الكتاب المهيمن على سائر الكتب، ولهذا قال: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } وهم هذه الأمة.
{ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ } بالمعاصي، [التي] هي دون الكفر.
{ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ } مقتصر على ما يجب عليه، تارك للمحرم.
{ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ }- أي: سارع فيها واجتهد، فسبق غيره، وهو المؤدي للفرائض، المكثر من النوافل، التارك للمحرم والمكروه.فكلهم اصطفاه اللّه تعالى، لوراثة هذا الكتاب، وإن تفاوتت مراتبهم، وتميزت أحوالهم، فلكل منهم قسط من وراثته، حتى الظالم لنفسه، فإن ما معه من أصل الإيمان، وعلوم الإيمان، وأعمال الإيمان، من وراثة الكتاب، لأن المراد بوراثة الكتاب، وراثة علمه وعمله، ودراسة ألفاظه، واستخراج معانيه.وقوله { بِإِذْنِ اللَّهِ } راجع إلى السابق إلى الخيرات، لئلا يغتر بعمله، بل ما سبق إلى الخيرات إلا بتوفيق اللّه تعالى ومعونته، فينبغي له أن يشتغل بشكر اللّه تعالى على ما أنعم به عليه.{ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ }- أي: وراثة الكتاب الجليل، لمن اصطفى تعالى من عباده، هو الفضل الكبير، الذي جميع النعم بالنسبة إليه، كالعدم، فأجل النعم على الإطلاق، وأكبر الفضل، وراثة هذا الكتاب.

تفسير الآية 32 - سورة فاطر

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا : الآية رقم 32 من سورة فاطر

 سورة فاطر الآية رقم 32

ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد - مكتوبة

الآية 32 من سورة فاطر بالرسم العثماني


﴿ ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ  ﴾ [ فاطر: 32]


﴿ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ﴾ [ فاطر: 32]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة فاطر Fatir الآية رقم 32 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 32 من فاطر صوت mp3


تدبر الآية: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد

اصطفاء هذه الأمَّة إكرامٌ من الله تعالى لها، وهو في الوقت نفسه حثٌّ لها على تحمُّل مسؤوليَّة اصطفائها، فهو تشريفٌ يتبعه تكليف.
لا ييئسُ الظالم لنفسه من رحمة ربِّه ما دام معه أصلُ الإيمان، فإن الاصطفاء يَشمَله، فليحرِص على ترك ظلمه حتى يعلوَ حظُّه في درجات الاصطفاء العليا.
السابق بالخيرات همُّه في تحصيل الأرباح الأخروية، وشدِّ أحمال التجارات العليا، فليس هو المقصِّرَ في الزاد ولا المقتصدَ فيه، بل يرى خسرانًا أن يدَّخرَ شيئًا ممَّا بيده ولا يتَّجر به فيجد ربحه يوم يغتبط التجار بأرباح تجاراتهم.
لا يغترَّ سابقٌ بنفسه أنه سبق، فما بلغ إلا بتوفيق الله ومعونته، فليشكر الله الذي أنعم عليه.
إن الفضل الكبير ليس بالمال الكثير، ولا بالجاه الخطير، ولكن بكون الإنسان ممَّن اصطفاه الله، وقام بكتابه حقَّ قيام.

و «ثم» في قوله-تبارك وتعالى-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا للتراخي الرتبى.
وأَوْرَثْنَا أى أعطينا ومنحنا، إذ الميراث عطاء يصل للإنسان عن طريق غيره.
والمراد بالكتاب: القرآن الكريم، وما اشتمل عليه من عقائد وأحكام وآداب وتوجيهات سديدة.. وهو المفعول الثاني لأورثنا، وقدم على المفعول الأول، وهو الموصول للتشريف.
واصْطَفَيْنا بمعنى اخترنا واستخلصنا، واشتقاقه من الصفو، بمعنى الخلوص من الكدر والشوائب.
والمراد بقوله: مِنْ عِبادِنا الأمة الإسلامية التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس.
والمعنى: ثم جعلنا هذا القرآن الذي أوحيناه إليك- أيها الرسول الكريم- ميراثا منك لأمتك، التي اصطفيناها على سائر الأمم، وجعلناها أمة وسطا.
وقد ورثناها هذا الكتاب لتنتفع بهداياته.. وتسترشد بتوجيهاته، وتعمل بأوامره ونواهيه.
قال الآلوسى: قوله: الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا هم- كما قال ابن عباس وغيره- أمة محمد صلّى الله عليه وسلم، فإن الله-تبارك وتعالى- اصطفاهم على سائر الأمم..».
وفي التعبير بالاصطفاء، تنويه بفضل هؤلاء العباد، وإشارة إلى فضلهم على غيرهم، كما أن التعبير بالماضي يدل على تحقق هذا الاصطفاء.
ثم قسم- سبحانه - هؤلاء العباد إلى ثلاثة أقسام فقال: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ.
وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ...
وجمهور العلماء على أن هذه الأقسام الثلاثة، تعود إلى أفراد هذه الأمة الإسلامية.
وأن المراد بالظالم لنفسه، من زادت سيئاته على حسناته.
وأن المراد بالمقتصد: من تساوت حسناته مع سيئاته.
وأن المراد بالسابقين بالخيرات: من زادت حسناتهم على سيئاتهم.
وعلى هذا يكون الضمير في قوله-تبارك وتعالى- بعد ذلك: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها..يعود إلى تلك الأقسام الثلاثة، لأنهم جميعا من أهل الجنة بفضل الله ورحمته.
ومن العلماء من يرى أن المراد بالظالم لنفسه: الكافر، وعليه يكون الضمير في قوله:يَدْخُلُونَها يعود إلى المقتصد والسابق بالخيرات، وأن هذه الآية نظير قوله-تبارك وتعالى- في سورة الواقعة: وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً.
فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ.
وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ...
ومن المفسرين الذين رجحوا القول الأول ابن كثير فقد قال ما ملخصه: يقول-تبارك وتعالى- ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم ...
وهم هذه الأمة على ثلاثة أقسام: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وهو المفرط في بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات.
وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وهو المؤدى للواجبات التارك للمحرمات وقد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المكروهات.
وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ وهو الفاعل للواجبات والمستحبات.
قال ابن عباس: هم أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم ورثهم الله-تبارك وتعالى- كل كتاب أنزله.
فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
وفي رواية عنه: السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله-تبارك وتعالى-، والظالم لنفسه يدخل الجنة بشفاعة الرسول صلّى الله عليه وسلم.
وفي الحديث الشريف: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتى» ..وقال آخرون: الظالم لنفسه: هو الكافر.
والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة، وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية، وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من طرق يشد بعضها بعضا.
ثم أورد الإمام ابن كثير بعد ذلك جملة من الأحاديث منها: ما أخرجه الإمام أحمد عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في هذه الآية: «هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة» .
ومعنى قوله «بمنزلة واحدة» أى: في أنهم من هذه الأمة، وأنهم من أهل الجنة، وإن كان بينهم فرق في المنازل في الجنة» .
وقال الإمام ابن جرير: فإن قال لنا قائل: إن قوله يَدْخُلُونَها إنما عنى به المقتصد والسابق بالخيرات؟قيل له: وما برهانك على أن ذلك كذلك من خبر أو عقل؟ فإن قال: قيام الحجة أن الظالم من هذه الأمة سيدخل النار، ولو لم يدخل النار من هذه الأصناف الثلاثة أحد، وجب أن لا يكون لأهل الإيمان وعيد.
قيل: إنه ليس في الآية خبر أنهم لا يدخلون النار، وإنما فيها إخبار من الله-تبارك وتعالى- أنهم يدخلون جنات عدن: وجائز أن يدخلها الظالم لنفسه بعد عقوبة الله إياه على ذنوبه التي أصابها في الدنيا ...
ثم يدخلون الجنة بعد ذلك، فيكون ممن عمه خبر الله-تبارك وتعالى- بقوله:جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها .
وقال الشوكانى: والظالم لنفسه: هو الذي عمل الصغائر.
وقد روى هذا القول عن عمر، وعثمان، وابن مسعود، وأبى الدرداء، وعائشة.
وهذا هو الراجح، لأن عمل الصغائر لا ينافي الاصطفاء، ولا يمنع من دخول صاحبه مع الذين يدخلون الجنة يحلون فيها من أساور ...
ووجه كونه ظالما لنفسه، أنها نقصها من الثواب بما فعل من الصغائر المغفورة له، فإنه لو عمل مكان تلك الصغائر طاعات، لكان لنفسه فيها من الثواب حظا عظيما.. .
قالوا: وتقديم الظالم لنفسه على المقتصد وعلى السابق بالخيرات.
لا يقتضى تشريفا، كما في قوله-تبارك وتعالى- لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ...
ولعل السر في مجيء هذه الأقسام بهذا الترتيب، أن الظالمين لأنفسهم أكثر الأقسام عددا، ويليهم المقتصدون، ويليهم السابقون بالخيرات، كما قال-تبارك وتعالى- وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ.
وقوله: بِإِذْنِ اللَّهِ أى: بتوفيقه وإرادته وفضله.
واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ يعود إلى ما تقدم من توريث الكتاب ومن الاصطفاء.
أى: ذلك الذي أعطيناه- أيها الرسول الكريم- لأمتك من الاصطفاء ومن توريثهم الكتاب، هو الفضل الواسع الكبير، الذي لا يقادر قدره، ولا يعرف كنهه إلا الله-تبارك وتعالى-.
هذه الآية مشكلة ; لأنه قال جل وعز : اصطفينا من عبادنا ثم قال : فمنهم ظالم لنفسه وقد تكلم العلماء فيها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم .
قال النحاس : فمن أصح ما روي في ذلك ما روي عن ابن عباس فمنهم ظالم لنفسه قال : الكافر ; رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أيضا .
وعن ابن عباس أيضا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات قال : نجت فرقتان ، ويكون التقدير في العربية : فمنهم من عبادنا ظالم لنفسه ; أي كافر .
وقال الحسن : أي فاسق .
ويكون الضمير الذي في يدخلونها يعود على المقتصد والسابق لا على الظالم .
وعن عكرمة وقتادة والضحاك والفراء أن المقتصد المؤمن العاصي ، والسابق التقي على الإطلاق .
قالوا : وهذه الآية نظير قوله تعالى في سورة يوسف وكنتم أزواجا ثلاثة الآية .
قالوا وبعيد أن يكون ممن يصطفى ظالم .
ورواه مجاهد عن ابن عباس .
قال مجاهد : فمنهم ظالم لنفسه أصحاب المشأمة ، ومنهم مقتصد أصحاب الميمنة ، ومنهم سابق بالخيرات السابقون من الناس كلهم .
وقيل : الضمير في يدخلونها يعود على الثلاثة الأصناف ، على ألا يكون الظالم هاهنا كافرا ولا فاسقا .
وممن روي عنه هذا القول عمر وعثمان وأبو الدرداء ، وابن مسعود وعقبة بن عمرو وعائشة ، والتقدير على هذا القول : أن يكون الظالم لنفسه الذي عمل الصغائر .
و ( المقتصد ) قال محمد بن يزيد : هو الذي يعطي الدنيا حقها والآخرة حقها ; فيكون جنات عدن يدخلونها عائدا على الجميع على هذا الشرح والتبيين ; وروي عن أبي سعيد الخدري .
وقال كعب الأحبار : استوت مناكبهم - ورب الكعبة - وتفاضلوا بأعمالهم .
وقال أبو إسحاق السبيعي : أما الذي سمعت منذ ستين سنة فكلهم ناج .
وروى أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وقال : كلهم في الجنة .
وقرأ عمر بن الخطاب هذه الآية ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له .
فعلى هذا القول يقدر مفعول الاصطفاء من قوله : أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا مضافا حذف كما حذف المضاف في واسأل القرية أي اصطفينا دينهم فبقي اصطفيناهم ; فحذف العائد إلى الموصول كما حذف في قوله : ولا أقول للذين تزدري أعينكم أي تزدريهم ، فالاصطفاء إذا موجه إلى دينهم ، كما قال تعالى : إن الله اصطفى لكم الدين .
قال النحاس : وقول ثالث : يكون الظالم صاحب الكبائر ، والمقتصد الذي لم يستحق الجنة بزيادة حسناته على سيئاته ; فيكون : جنات عدن يدخلونها للذين سبقوا بالخيرات لا غير .
وهذا قول جماعة من أهل النظر ; لأن الضمير في حقيقة النظر بما يليه أولى .
قلت : القول الوسط أولاها وأصحها إن شاء الله ; لأن الكافر والمنافق لم يصطفوا بحمد الله ، ولا اصطفي دينهم .
وهذا قول ستة من الصحابة ، وحسبك .
وسنزيده بيانا وإيضاحا في باقي الآية .
قوله تعالى : أورثنا الكتاب أي أعطينا .
والميراث عطاء حقيقة أو مجازا ; فإنه يقال فيما صار للإنسان بعد موت آخر .
و ( الكتاب ) هاهنا يريد به معاني الكتاب وعلمه وأحكامه وعقائده ، وكأن الله تعالى لما أعطى أمة محمد صلى الله عليه وسلم القرآن ، وهو قد تضمن معاني الكتب المنزلة ، فكأنه ورث أمة محمد عليه السلام الكتاب الذي كان في الأمم قبلنا .
( اصطفينا ) أي اخترنا .
واشتقاقه من الصفو ، وهو الخلوص من شوائب الكدر .
وأصله اصتفونا ، فأبدلت التاء طاء والواو ياء .
من عبادنا قيل المراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عباس وغيره .
وكان اللفظ يحتمل جميع المؤمنين من كل أمة ، إلا أن عبارة توريث الكتاب لم تكن إلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، والأول لم يرثوه .
وقيل : المصطفون الأنبياء ، توارثوا الكتاب بمعنى أنه انتقل عن بعضهم إلى آخر ، قال الله تعالى : وورث سليمان داود ، وقال : يرثني ويرث من آل يعقوب فإذا جاز أن تكون النبوة موروثة فكذلك الكتاب .
فمنهم ظالم لنفسه من وقع في صغيرة .
قال ابن عطية : وهذا قول مردود من غير ما وجه .
قال الضحاك : معنى فمنهم ظالم لنفسه أي من ذريتهم ظالم لنفسه وهو المشرك .
الحسن : من أممهم ، على ما تقدم ذكره من الخلاف في الظالم .
والآية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد اختلفت عبارات أرباب القلوب في الظالم والمقتصد والسابق ، فقال سهل بن عبد الله : السابق العالم ، والمقتصد المتعلم ، والظالم الجاهل .
وقال ذو النون المصري : الظالم الذاكر الله بلسانه فقط ، والمقتصد الذاكر بقلبه ، والسابق الذي لا ينساه .
وقال الأنطاكي : الظالم صاحب الأقوال ، والمقتصد صاحب الأفعال ، والسابق صاحب الأحوال .
وقال ابن عطاء : الظالم الذي يحب الله من أجل الدنيا ، والمقتصد الذي يحبه من أجل العقبى ، والسابق الذي أسقط مراده بمراد الحق .
وقيل : الظالم الذي يعبد الله خوفا من النار ، والمقتصد الذي يعبد الله طمعا في الجنة ، والسابق الذي يعبد الله لوجهه لا لسبب .
وقيل : الظالم الزاهد في الدنيا ، لأنه ظلم نفسه فترك لها حظا وهي المعرفة والمحبة ، والمقتصد العارف ، والسابق المحب .
وقيل : الظالم الذي يجزع عند البلاء ، والمقتصد الصابر على البلاء ، والسابق المتلذذ بالبلاء .
وقيل : الظالم الذي يعبد الله على الغفلة والعادة ، والمقتصد الذي يعبده على الرغبة والرهبة ، والسابق الذي يعبده على الهيبة .
وقيل : الظالم الذي أعطي فمنع ، والمقتصد الذي أعطي فبذل ، والسابق الذي منع فشكر وآثر .
يروى أن عابدين التقيا فقال : كيف حال إخوانكم بالبصرة ؟ قال : بخير ، إن أعطوا شكروا وإن منعوا صبروا .
فقال : هذه حالة الكلاب عندنا ببلخ ! عبادنا إن منعوا شكروا وإن أعطوا آثروا .
وقيل : الظالم من استغنى بماله ، والمقتصد من استغنى بدينه ، والسابق من استغنى بربه .
وقيل : الظالم التالي للقرآن ولا يعمل به ، والمقتصد التالي للقرآن ويعمل به ، والسابق القارئ للقرآن العامل به والعالم به .
وقيل : السابق الذي يدخل المسجد قبل تأذين المؤذن ، والمقتصد الذي يدخل المسجد وقد أذن ، والظالم الذي يدخل المسجد وقد أقيمت الصلاة ; لأنه ظلم نفسه الأجر فلم يحصل لها ما حصله غيره .
وقال بعض أهل العلم في هذا : بل السابق الذي يدرك الوقت والجماعة فيدرك الفضيلتين ، والمقتصد الذي إن فاتته الجماعة لم يفرط في الوقت ، والظالم الغافل عن الصلاة حتى يفوت الوقت والجماعة ، فهو أولى بالظلم .
وقيل : الظالم الذي يحب نفسه ، والمقتصد الذي يحب دينه ، والسابق الذي يحب ربه .
وقيل : الظالم الذي ينتصف ولا ينصف ، والمقتصد الذي ينتصف وينصف ، والسابق الذي ينصف ولا ينتصف .
وقالت عائشة رضي الله عنها : السابق الذي أسلم قبل الهجرة ، والمقتصد من أسلم بعد الهجرة ، والظالم من لم يسلم إلا بالسيف ; وهم كلهم مغفور لهم .
قلت : ذكر هذه الأقوال وزيادة عليها الثعلبي في تفسيره .
وبالجملة فهم طرفان وواسطة ، وهو المقتصد الملازم للقصد وهو ترك الميل ; ومنه قول جابر بن حني التغلبي :نعاطي الملوك السلم ما قصدوا لنا وليس علينا قتلهم بمحرمأي نعاطيهم الصلح ما ركبوا بنا القصد ، أي ما لم يجوروا ، وليس قتلهم بمحرم علينا إن جاروا ; فلذلك كان المقتصد منزلة بين المنزلتين ، فهو فوق الظالم لنفسه ودون السابق بالخيرات .
ذلك هو الفضل الكبير يعني إتياننا الكتاب لهم .
وقيل : ذلك الاصطفاء مع علمنا بعيوبهم هو الفضل الكبير .
وتكلم الناس في تقديم الظالم على المقتصد والسابق فقيل : التقدير في الذكر لا يقتضي تشريفا ; كقوله تعالى : لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة .
وقيل : قدم الظالم لكثرة الفاسقين منهم وغلبتهم وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم ، والسابقين أقل من القليل ; ذكره الزمخشري ولم يذكره غيره .
وقيل : قدم الظالم لتأكيد الرجاء في حقه ، إذ ليس له شيء يتكل عليه إلا رحمة ربه .
واتكل المقتصد على حسن ظنه ، والسابق على طاعته .
وقيل : قدم الظالم لئلا ييأس من رحمة الله ، وأخر السابق لئلا يعجب بعمله .
وقال جعفر بن محمد بن علي الصادق رضي الله عنه : قدم الظالم ليخبر أنه لا يتقرب إليه إلا بصرف رحمته وكرمه ، وأن الظلم لا يؤثر في الاصطفائية إذا كانت ثم عناية ، ثم ثنى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء ، ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحد مكر الله ، وكلهم في الجنة بحرمة كلمة الإخلاص : ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .
وقال محمد بن علي الترمذي : جمعهم في الاصطفاء إزالة للعلل عن العطاء ; لأن الاصطفاء يوجب الإرث ، لا الإرث يوجب الاصطفاء ، ولذلك قيل في الحكمة : صحح النسبة ثم ادع في الميراث .
وقيل : أخر السابق ليكون أقرب إلى الجنات والثواب ، كما قدم الصوامع والبيع في ( سورة الحج ) على المساجد ، لتكون الصوامع أقرب إلى الهدم والخراب ، وتكون المساجد أقرب إلى ذكر الله .
وقيل : إن الملوك إذا أرادوا الجمع بين الأشياء بالذكر قدموا الأدنى ; كقوله تعالى : لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم ، وقوله : يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ، وقوله : لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة .
قلت : ولقد أحسن من قال :وغاية هذا الجود أنت وإنما يوافي إلى الغايات في آخر الأمر


شرح المفردات و معاني الكلمات : أورثنا , الكتاب , اصطفينا , عبادنا , ظالم , لنفسه , مقتصد , سابق , بالخيرات , الله , الفضل , الكبير ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين
  2. إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن
  3. واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك
  4. فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون
  5. وما أضلنا إلا المجرمون
  6. فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا
  7. قال قد أوتيت سؤلك ياموسى
  8. وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا
  9. إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون
  10. ولله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور

تحميل سورة فاطر mp3 :

سورة فاطر mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة فاطر

سورة فاطر بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة فاطر بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة فاطر بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة فاطر بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة فاطر بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة فاطر بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة فاطر بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة فاطر بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة فاطر بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة فاطر بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Tuesday, December 17, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب